مع استمرار الغارات الجوية الأمريكية التي تستهدف قادة الحوثيين في معاقلهم، يثير احتمال القضاء على عبد الملك الحوثي، تساؤلات مهمة حول مستقبل الجماعة. يبحث هذا المقال أولاً أهمية القيادة داخل جماعة الحوثيين ومدى تأثير عبد الملك الحوثي عليها، ومن ثم يفند الرواية الشائعة بين بعض المحللين والتي تقول أن الحوثيين بارعون في تغيير القيادة، كما يتضح من انتقال السلطة من حسين الحوثي إلى شقيقه عبد الملك بعد وفاة حسين عام 2004، وأخيرا، يستعرض السيناريوهات المحتملة في حال قيام الولايات المتحدة بقتل زعيم الحوثيين.
القيادة الإلهية
يلتزم الحوثيون في كثير من الجوانب بالمبادئ الزيدية التقليدية، وفي جوهر التقاليد الزيدية الاعتقاد بأن القيادة يجب أن تقتصر على من يعود نسبه إلى النبي محمد (عبر ابنته فاطمة وأبنائها) وأن على قادتهم التحلي بمعايير وشروط محددة، من بينها أن يكونوا علماء دين معترف بهم، وأن تتوحد السلطة الدينية والسياسية في شخص واحد، هو (الإمام)، والأهم من ذلك، أن الإمام لا يُعد معصوماً، فإن أصبح ظالماً، من المشروع التمرد عليه. بناء على ذلك، اتسم تاريخ الإمامة في اليمن بالصراعات المتكررة على القيادة، خاصةً عندما يُعتقد أن الإمام لا يستوفي شروط الإمامة ومتطلباتها الأساسية، كامتلاك المعرفة الدينية الكافية أو إظهار قيادة قوية.
شكك العديد من العلماء الزيديين (الهاشميين) في شرعية عبد الملك الحوثي، بسبب افتقاره الملحوظ إلى المعرفة الدينية، كما أن قريبه محمد عبد العظيم الحوثي قد تحدى سلطته علناً، في حين رفض آخرون الاعتراف بقيادة عبد الملك كالعالم محمد عوض المؤيدي المقيم حالياً في صعدة.
على الرغم من ذلك، يتمتع عبد الملك بسلطة مطلقة، حيث تتحلق الجماعة حوله بشكل كبير، وقد تمكن من توجيه جماعته خلال الأوقات الصعبة، والاستفادة من الفرص الرئيسية لتعزيز وتوسيع سلطتها، ويُعرف عنه الانتقائية في تفويض السلطات للأفراد الذين لا يشكلون تهديدًا لمركزه. تعكس هذه المركزية مفهوم القيادة في أيديولوجية الجماعة والصفات الشخصية التي يبجلونها في عبد الملك.
في الواقع العملي، وفي حين يعلن الحوثيون انحيازهم الصريح للزيدية، إلا أنهم أدخلوا استحداثات عقدية جديدة عليها، منحت عبد الملك الحوثي، مكانة روحية وصلاحيات قيادية مطلقة لا جدال فيها، حيث وصفوه بعلم الهدى، وهذا اللقب يمنحه لدى أتباعه مكانة روحية فريدة تميزه عن الإمام الزيدي التقليدي، ويُصور علم الهدى (عبد الملك الحوثي) بأنه القائد الروحي للأمة بهداية من الله، وبالتالي لا يجوز التشكيك في سلطته.
تجاوز الحوثيون أيضا شرط المعرفة الدينية، من خلال تقديم القرآن كمصدر وحيد للحكم، مع رفض التراث العلمي الزيدي التقليدي والإسلامي الأوسع، وهو النهج الذي أسسه حسين الحوثي، ونصّب نفسه كمفسر مباشر للقرآن، لتشريع أفكاره انعكاسا للنصوص الدينية، وغالبًا ما كان حسين الحوثي، يلقي محاضراته على شكل دروس في تفسير القرآن، وهو تقليد واصله عبد الملك الحوثي، الذي قدم أيضاً تفسيراته الخاصة للقرآن، دون الالتزام بضوابط التفسير التقليدية.
ما يزال عبد الملك الحوثي، بكل المقاييس زعيماً لجماعة الحوثيين بلا منازع، ولا يوجد له نائب أو نواب معروفون، وتؤدي هذه المركزية في السلطة إلى قيادة شديدة الفردية، تفتقر إلى آليات راسخة لانتقال القيادة أو تقاسم السلطة، بدون خلافات.
زمنان مختلفان
في مقاربتهم لاحتمال اغتيال عبد الملك الحوثي، قارن بعض المحللين هذا الاغتيال بالانتقال القيادي الذي أعقب وفاة حسين الحوثي مؤسس الجماعة عام 2004، لكن هذه المقارنة غير دقيقة لسببين رئيسيين: الأول أن حركة الحوثيين كانت في مراحلها الأولى عند موت حسين الحوثي، وكانت على الرغم من طموحها تفتقر إلى النفوذ والموارد والمكانة، وساعدت المخاطر المنخفضة نسبياً في احتواء التنافس الداخلي على القيادة. الجدير بالذكر أن هناك فجوة زمنية كبيرة بين مقتل حسين وصعود عبد الملك كزعيم للجماعة بعد قرابة عامين، خلال الجولة الثالثة من حروب صعدة في نوفمبر 2006، وهي فترة مكنت الحوثيين – الذين كانوا صغار السن نسبياً، ويركزون بشكل أساسي على الصراع المحلي خلالها – من الاستمرار دون زعيم محدد، أما اليوم وعلى النقيض من كل ذلك، فقد أصبحت جماعة الحوثيين سلطة أمر واقع، تحكم ملايين السكان في منطقة جغرافية واسعة، وحجمها وقوتها وتعقيدها تجعل أي انتقال للقيادة في المستقبل أكثر صعوبة، وبالتالي فإن الانتقال السريع للقيادة ليس أمراً مسلماً به.
ثانياً، عند انتقال القيادة إلى عبد الملك الحوثي كان والد حسين وعبد الملك أي بدر الدين الحوثي، لا يزال على قيد الحياة، وكان عالماً وقائداً زيدياً له مكانة كبيرة ويحظى بقدر كبير من الاحترام، وبدر الدين هو من اختار ابنه الأصغر عبد الملك خلفاً لحسين. نظراً لمكانة بدر الدين المرموقة، تقبل القرار حتى أولئك الذين كانوا يطمحون بالقيادة، بمن فيهم شخصيات مثل عبد الله الرزامي، الحليف القريب لحسين الحوثي، والقائد العسكري (الهاشمي) البارز طه المداني، دون أي اعتراض، وإذا قررت الولايات المتحدة الإطاحة بعبد الملك الآن، فقد تنشأ سيناريوهات مختلفة، تعتمد إلى حد كبير على ظروف سقوطه.
السيناريوهات المحتملة
في الوضع الراهن، النتيجة الأكثر ترجيحاً في حالة اغتيال عبد الملك هي نشوب صراع داخلي بين القادة العسكريين المتنافسين والأعضاء البارزين من عائلة الحوثي، وبدون وجود شخصية زيدية محلية معتبرة قادرة على التوسط أو توجيه عملية الانتقال، من المرجح أن يظل النزاع بلا حل دون تدخل خارجي، وفي هذه الحالة، سيكون دور إيران أساسيًا، فقد يكون دعمها السياسي والعسكري لأحد الفصائل المتنافسة عاملاً حاسماً في تحديد الاتجاه المستقبلي للجماعة.
ستكون لتطور كهذا عواقب بعيدة المدى، فالجماعة ستصبح أكثر تقارباً مع إيران، سواء من الناحية الأيديولوجية أو العملياتية، وسيواجه أي خليفة لعبد الملك تحديات كبيرة في إرساء شرعيته، فقد حافظ عبد الملك على موقعه من خلال سنوات من النضال، شملت انتصارات عسكرية وتجاوز أزمات، وسيحتاج الزعيم الجديد إلى الوقت وقوة الشخصية والكاريزما لاكتساب سلطة وقبول مماثلين داخل الجماعة.
على أية حال، تظل احتمالية مقتل عبد الملك افتراضية إلى حد كبير، فهو معروف بتحوطه الشديد، حيث يغير مكان إقامته باستمرار، ولا يعرفه سوى دائرة صغيرة من المقربين الموثوق بهم، كما أنه يتجنب استخدام التكنولوجيا الحديثة التي قد تكشف عن مكانه، وسيتطلب استهدافه على الأرجح بناء معلومات استخباراتية لفترة طويلة، مثل تتبع أنماط تحركاته، وهو أمر من غير المرجح حدوثه حتى الآن، ومع ذلك، فإن تداعيات غياب عبد الملك الحوثي على جماعة الحوثيين ستكون غير مسبوقة، وطويلة الأمد.
هذا المقال جزء من سلسلة من المنشورات الصادرة عن مركز صنعاء، بتمويل من حكومة مملكة هولندا، وتستكشف قضايا متعددة في الاقتصاد والسياسة والبيئة، بهدف إثراء المناقشات وصياغة السياسات التي تعزز السلام المستدام في اليمن، ولا يجب أن تُفسر أية آراء معبر عنها في هذه المنشورات على أنها تمثل مركز صنعاء أو الحكومة الهولندية.