جاء الإفراج عن الصحفيين الأربعة المعتقلين في سجون الحوثيين خلال شهر أبريل/نيسان الماضي، بمثابة فرصة للحكومة للتباهي بالتزامها بشأن حقوق الإنسان، وتحديدا حرية الصحافة. حكمت سلطات الحوثيين بالإعدام على أربعة صحفيين (توفيق المنصوري، وعبد الخالق عمران، وحارث حميد، وأكرم الوليدي) بتهمة التخابر لصالح التحالف الذي تقوده السعودية. بعدها بأسابيع، استضافهم رئيس المجلس الرئاسي القيادي رشاد العليمي بعدن في مايو/أيار، في لقاء أشادت به وسائل الإعلام الموالية للحكومة باعتباره نقطة تحول في خطابها الحقوقي، حيث استغل العليمي هذه الفرصة للميل إلى لغة العدالة التصالحية، التي تُعد أحد أكثر الملفات الشائكة في محادثات السلام المستقبلية. وفي حوار تناقلت مضمونه وسائل الإعلام على نطاق واسع، قال العليمي لمجموعة الصحفيين إنه سيوجه الحكومة بدعم أي مبادرات جماعية من جانبهم لتخليد ذكرى الضحايا وإشراكهم في بناء السلام “والمستقبل الذي يستحقه أبناء شعبنا”.
تحدث الصحفيون بصراحة مثيرة للإعجاب عن سوء المعاملة التي تعرضوا لها في فترة الاحتجاز، حيث اتهم توفيق المنصوري رئيس لجنة شؤون الاسرى التابعة للحوثيين عبد القادر المرتضى بالتورط مباشرة في ارتكاب الانتهاكات المزعومة. وكما لاحظ النشطاء اليمنيون في حالات سابقة، عادة ما يُترك المعتقلون السابقون للتعامل مع صدمة تجاربهم دون تقديم مساعدة تذكر من الدولة بمجرد توقف الضجة الاعلامية. لم نر بعد خططا ملموسة لتقديم الرعاية الصحية والدعم النفسي والاجتماعي اللازم للسجناء المفرج عنهم، أو سياسات تمضي بخطى ثابتة نحو إعادة إدماجهم في المجتمع. في غياب هذا الدعم، لا يرقى اهتمام الحكومة بنضال الصحفيين والمحتجزين إلى أكثر من مجرد مزايدات سياسية ضد كل من سلطات الحوثيين والقوى السياسية الجنوبية التي تضغط بقوة من أجل إقامة الدولة الجنوبية المنتظرة.
غالبا ما يُنظر إلى التغطية الصحفية في العالم العربي كجريمة تقترن بعقوبات مشددة. يعد الوضع في اليمن قاسٍ بشكل خاص، حيث أفادت منظمات حقوقية في عام 2021 بتسجيل أكثر من 3000 حالة انتهاك بحق الصحفيين تراوحت بين التهديد وفرض الرقابة واللجوء إلى استخدام العنف، بما في ذلك 49 حالة وفاة منذ بدء الحرب. انتقدت منظمة العفو الدولية ممارسات سلطات الحوثيين، لا سيما لجوئها للمحاكمات والتعذيب من أجل انتزاع الاعترافات. من المهم عدم السماح باضطهاد الصحفيين، أيا كان الطرف الآخر، ومنع طمس تجاربهم من السرد التاريخي لأحداث الحرب.
يحتل اليمن الآن المرتبة 168 في المؤشر العالمي لحرية الصحافة الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود، إلا أن الوضع لم يكن بهذه القتامة دوماً: ففي عام 2002، قبل تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية خلال السنوات الأخيرة لعهد الرئيس علي عبد الله صالح، احتلت البلاد المرتبة 103 في المؤشر العالمي حيث تمتعت الصحافة اليمنية بحرية نسبية وفقا للمعايير الإقليمية. تطورت الصحافة التلفزيونية والإذاعية والمطبوعة في شمال اليمن وجنوبه منذ ستينيات القرن العشرين، وأدى توحيد شطري البلاد عام 1990 إلى تنامي عدد وسائل الإعلام الجديدة، مع ظهور أكثر من 150 وسيلة إعلام بحلول نهاية التسعينيات. لا يزال مجال الصحافة مُقيّد بقوانين الصحافة التي منحت الحكومة سلطة واسعة لفرض الرقابة وقمع الصحفيين وملاحقتهم قضائيا، بينما لجأت وسائل الإعلام الموالية للحكومة إلى حملات التضليل لاستهداف الكتاب الناقدين. رفض الصحفيون تلك القيود، وفي إحدى القضايا الشهيرة، نجحت كاتبة عمود في مقاضاة جريدة الدستور لنشرها معلومات كاذبة عن “علاقات غير أخلاقية” لها مع الرجال انتقاما منها لانتقادها قرار صالح بالترشح لإعادة انتخابه في عام 2006.
مع اندلاع الانتفاضة في عام 2011، وما أعقبها من استيلاء الحوثيين على صنعاء في عام 2014 واندلاع شرارة الحرب في عام 2015، أصبحت اليمن واحدة من أكثر البيئات المعادية لعمل الصحافة على مستوى العالم. أظهرت دراسة حديثة عن مجال الإعلام في اليمن تعرّض زهاء 148 صحفيا للاختطاف أو الاعتقال وحجب 150 موقع إلكتروني في الفترة 2015-2016. خلال عام 2022 وحده، أغلقت سلطات الحوثيين ست محطات إذاعية. فضلا عن ذلك، شكلت الغارات الجوية للتحالف تهديدا على حياة الصحفيين، واقترن ذلك بممارسات شنيعة من الحوثيين تتمثل في استخدام الصحفيين وغيرهم من المعتقلين كدروع بشرية في المواقع العسكرية، بينما يستمر العنف القائم بين الفصائل المتناحرة بتهديد عمل الصحافة. في يونيو / حزيران 2022، قُتل مراسل في عدن كان يعمل لصالح إحدى وسائل الإعلام الأجنبية بعبوة ناسفة زُرعت في سيارته، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022 لقيت الصحفية رشا عبد الله الحرازي، مراسلة قناة الشرق الإماراتية، حتفها مع الصغير جنينها وأصيب زوجها الصحفي محمود العتمي في انفجار سيارة مفخخة. يوجد تاريخ طويل من محاولات الجماعات السياسية استخدام الصحافة لفرض أجندتها، خصوصا عقب أول محاولة لتنظيم نقابي للصحفيين في صنعاء عام 1963. في فبراير / شباط مؤخراً، تم إنشاء نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين وفرضها بالقوة في مقر نقابة الصحفيين اليمنيين في عدن.
رغم المخاطر المقترنة بعمل الصحافة في اليمن، ينجذب اليمنيون إلى هذا المجال كمهنة. ربما تكون المرحلة الأسوأ قد انقضت في ظل التهدئة الحالية، التي شهدت إطلاق سراح مئات المعتقلين بمن فيهم صحفيين، فهُناك العشرات من المنظمات اليمنية والدولية التي تهتم بحرية الصحافة – وآن الأوان لها كي تمارس الضغط على الحكومة وسلطات الحوثيين والأطراف الفاعلة الأخرى وتدافع عن حقوق الصحفيين، عبر تقديم الدعم المعنوي والملموس لأولئك الذين وضعوا حياتهم على المحك لمنحنا ما يوصف في كثير من الأحيان بـ “المسودة الأولى لأحداث التاريخ”.