تنويه: حُررت هذه الترجمة مراعاة للوضوح، والآراء الُمعرَب عنها فيها لا تعكس آراء مركز صنعاء للدراسات.
يقول تقرير صحفي إسرائيلي إن العمليات التي تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا على جماعة الحوثيين لا تجدي نفعًا، كون اليمن بلد ضخم تتطلب السيطرة على كل ما يحدث فيه جهودًا هائلة وطويلة الأجل، مشيرًا إلى أن الوضع في اليمن مثّل أولوية منخفضة لمعظم الدول، لكن هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر غيرت المعادلة.
من جهته، يقول تقرير آخر إن ارتباط الحوثيين بإيران منحهم ميزة كبيرة من حيث الدعم السياسي وتحسين وضعهم في جميع النواحي العسكرية، كما أن انخراط الجماعة في استخدام القوة ضد إسرائيل دونما عقاب قد أعلى شأنها، ويمكن الافتراض أن ميزانيتها تزداد وفقًا لأهميتها بالنسبة لطهران. ويرى التقرير أن طموح عبدالملك الحوثي في إعادة تأسيس نسخة مطوّرة من الدولة الدينية الزيدية شمال اليمن -في ضوء نجاحات جماعته الأخيرة وزيادة وتحسين قدرتها على إنتاج الأسلحة بشكل مستقل -أمر مقلق.
ويجادل مركز دراسات إسرائيلي بأن الخلافات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول كيفية الرد على هجمات الحوثيين يكشف مدى اختلاف فهمهم لشؤون الشرق الأوسط. ويقول إن مصر والسعودية والإمارات قد تجد أنه من الأسهل لها سياسيًا دعم عملية الاتحاد الأوروبي في البحر الأحمر مقارنة بالعملية الأمريكية.
ومع تصنيف إسرائيل جماعة الحوثيين منظمة إرهابية، يقول تقرير إن التصنيف يمنح تل أبيب مبررًا قانونيًا إضافيًا لشن هجمات على الحوثيين.
وفي الوقت الذي يمارس المجتمع الدولي ضغوطًا على إسرائيل لوقف الحرب، يحث تقرير لخبيرين إسرائيليين تل أبيب على عدم الرضوخ للهدنة، وقال الخبيران إن الوضع في غزة يشبه إلى حد كبير الوضع الذي شهدته مدينة الحديدة اليمنية، التي تُركت تحت سيطرة الحوثيين وفق اتفاق ستوكهولم. قال التقرير إن أي اتفاق مع حماس بشأن معبر رفح سيبدو مثل اتفاق الحديدة، إذ سيكون بمثابة تغطية لاستمرار سيطرة المسلحين الذين يعطون الأولوية للحرب قبل كل شيء، ويتعاملون مع المخاوف الإنسانية باعتبارها فرصة للتربح والدعاية. مضيفا أنه قبل التوقيع على هدنة “ينبغي لنا أن ننظر إلى الهدنة بالطريقة التي يرونها باعتبارها هدنة مؤقتة، حتى يتمكنوا من حشد مزيد من القوات، وتطوير المزيد من الأسلحة، وابتكار تكتيكات جديدة، ثم خرق الهدنة بهجوم مفاجئ لبدء معركة أخرى”.
وتناول تقرير صحفي آخر، تسلل صاروخ كروز أُطلق من اليمن وانفجاره شمال إيلات. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يخترق فيها صاروخ باليستي إسرائيل من البحر الأحمر.
يترجم مركز صنعاء للدراسات مواد كاملة أو مقتطفات لأبرز ما أوردته الصحافة العبرية والمراكز البحثية المعنية بالشؤون الإسرائيلية وعلاقتها بالمنطقة، وهي جزء من سلسلة ترجمات وإصدارات ينتجها المركز في سياق اهتماماته، والمقاربات الإقليمية التي يقدمها.
تكنولوجيا الحوثيين العسكرية كلها إيرانية تقريبًا
قبيل اندلاع الحرب في غزة، لم يعلم عن وجود الحوثيين أو تنظيمهم “أنصار الله” سوى القليل في إسرائيل والعالم. اليوم، يتحدث العالم كله عن الحركة الشيعية الزيدية التي سيطرت على معظم اليمن وتشكل تهديدًا إقليميًا. استعرض الحوثيون في عرض عسكري ضخم قبل زهاء أسبوعين القدرات العسكرية التي طوروها في السنوات الأخيرة.
يقول فابيان هينز[2]، الباحث والمعلق العسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في برلين: “استولى الحوثيون بعد سيطرتهم على اليمن على كمية قليلة من الصواريخ المضادة للسفن والصواريخ الباليستية من الجيش اليمني السابق”. “لقد كانت ترسانة لها نطاقات محدودة. وبعد تدخل إيران زودتهم بالصواريخ، والأنظمة المتقدمة ذات النطاقات الواسعة، ومنها، الصواريخ الباليستية التقليدية والدقيقة، وصواريخ كروز الأرضية، ومجموعة كبيرة من الصواريخ المضادة للسفن”.
وقال هينز إن إيران استثمرت موارد كثيرة في الحوثيين، وأضحت لديهم قدرات مستقلة في وقت قصير نسبيًا، لقد أرسلت إيران خبراء إلى اليمن، لتمرير الحوثيين في عملية تطويرية مشابهة لحزب الله”. تعود العلاقة مع التنظيم اللبناني إلى سنوات عديدة، لكن العملية متشابهة: إرسال خبراء إيرانيين ينقلون المعرفة، والتدريب التشغيلي، وحتى إنتاج الصواريخ، بالتوازي مع تدفق الأسلحة بطرق مختلفة. ترى إيران أنه التزام لإنشاء تحالفات ومراكز قوة إقليمية.
انبثقت جماعة “أنصار الله” الزيدية، المعروفة باسم “الحوثيين”، من قبيلة الحوثي التي يقع مركزها في مديرية صعدة شمال غرب العاصمة اليمنية صنعاء؛ وهي فرع شيعي زيدي مسلم يشكل نحو 30% من سكان اليمن.
بدأت جماعة الحوثيين عام 1992، بعد تأسيس الأخوان محمد وحسين الحوثي تنظيم “الشباب المؤمن”. وكان والدهم بدر الدين الحوثي شخصية محورية في نظام القضاء المحلي وأحد مؤسسي حزب “الحق”، الذي يمثل أسرة الحوثي في البرلمان اليمني. توفي بدر الدين عام 2010 إثر مضاعفات مرض الربو وفقًا للحوثيين، . في المقابل، ادعى تنظيم القاعدة -الذي قاتل الحوثيون -أنه تُوفي متأثرًا بقنبلتهم.
كان حسين، نجل بدر الدين، يسافر مع والده إلى إيران ولبنان في شبابه؛ لتعزيز العلاقات مع الطائفة الشيعية. ووفقًا لادعاءات مختلفة، فقد أقام علاقات وثيقة مع المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، وزعيم حزب الله “حسن نصر الله”. افتتح هو وشقيقه محمد مدارس ومخيمات صيفية في اليمن، بهدف الترويج لأفكار الحركة الزيدية. وشارك بالفعل بعد عامين من الافتتاح، نحو 20 ألف طفل وشاب. شكلوا فيما بعد أساسًا لمقاتلي الجماعة. بدأ الحوثيون بقيادة حسين -بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 -بالتحريض على الولايات المتحدة، وإسرائيل، ويهود اليمن.
فرضت الحكومة اليمنية قيودًا على حسين الحوثي -الذي كان عضوًا في البرلمان اليمني -بسبب تصريحاته والمؤسسات التعليمية التي أسسها لتدريس الإسلام المتطرف. ووُجهت إليه اتهامات بإنشاء مراكز دينية دون ترخيص، وإقامة علاقات مع إيران وحزب الله، وقيادة منظمة مسلحة. ورفعت عنه حصانته الدبلوماسية وهرب إلى سوريا وإيران. اعتقلت الحكومة اليمنية المئات من أتباعه الذين تظاهروا أمام الجامع الكبير في صنعاء، وعرضت مكافأة قدرها 55 ألف دولار لمن يدلي بمكانه للقبض عليه. وخلال القبض عليه احتُجز 25 من أنصاره، وزادت المكافأة إلى 75 ألف دولار. وبعد أشهر من المعارك العنيفة بين عناصره والقوات الحكومية، أعلنت وزارة الدفاع اليمنية في سبتمبر 2004 مقتل حسين مع 20 من رجاله في منطقة مران بمحافظة صعدة.
في عام 2013، بعد مرور ما يقرب من عشر سنوات على هذه المعارك، وبعد صراع الحوثيين ضد النظام اليمني خلال الربيع العربي، سلمت الحكومة اليمنية جثمان حسين لعائلته واعتذرت لهم. واعترفت بأن الحرب التي أعلنها نظام الرئيس علي عبدالله صالح لم تكن مبررة. صالح، الذي سلم السلطة للحكومة اليمنية في عام 2011، اغتاله الحوثيون عام 2017.
خلف عبدالملك الحوثي -زعيم الحوثيين حتى يومنا هذا -شقيقه حسين. سافر عبدالملك في طفولته مع والده إلى المناطق الريفية التابعة لمديرية صعدة؛ لحل النزاعات والخلافات وفقًا للشريعة الإسلامية. بدأ حياته العامة قائدًا ميدانيًا للميليشيا التي اشتهرت بمظهرها المزري: الصنادل، والملابس البالية، والخدود المنتفخة بسبب مضغ القات. بسبب إقامته في المناطق الريفية الخالية من التعليم الحكومي، لم يتمكن عبدالملك من الحصول على تعليم مهني. تعلم الكتابة والعلوم الشرعية في المسجد المحلي وفقًا للتعاليم الزيدية، وانتقل بعد زواجه في سن الرابعة عشرة إلى صنعاء ليكون مع أخيه الأكبر حسين، الذي أصبح معلمه الروحي. درس عبد الملك الثقافة الحضرية وتطور الوعي السياسي.
اشتهر عبدالملك بأنه خطيب مفوه. ويدرك قوة الإعلام في تعبئة الجماهير، ويولي اهتمامًا بالغًا بالجانب الإعلامي الذي أُهمل تمامًا خلال تأسيس المجموعة. أسس قنوات تلفزيونية، منها، قناة المسيّرة التي بدأت بثها عام 2012. كما بث الحوثيون سلسلة من محطات الراديو، مثل راديو سام FM، فضلًا عن المواقع الإخبارية. لقد تكللت هذه الجهود بالنجاح، وزادت قوة الحركة الحوثية وذاع صيتها وتوسعت.
وفي منتصف العقد الماضي، قاد الحوثيون، بدعم إيراني، عملية عسكرية للإطاحة بالحكومة اليمنية. وفي سبتمبر 2014، اقتحموا العاصمة صنعاء مما أدى إلى استقالة رئيس الوزراء محمد باسندوة. وفي يناير 2015، اتخذ الحوثيون خطوة أخرى نحو الاستيلاء على المؤسسات الحكومية، بعد سيطرتهم على القصر الرئاسي، والمقر الخاص للرئيس عبدربه منصور هادي، والمنشآت العسكرية في العاصمة. وفي فبراير، أكمل الحوثيون الانقلاب، وأعلنوا حل البرلمان، وتشكيل مجلس انتقالي لإدارة شؤون الدولة. ولم تحظ الحكومة الجديدة باعتراف المجتمع الدولي، وفي أعقاب الانقلاب اندلعت مظاهرات حاشدة في البلاد، خاصة في الجنوب، ذات الأغلبية السنية.
وبمساعدة إيران، أصبح الحوثيون يشكلون تهديدًا للسعوديين وتحالفهم العسكري. وأطلقوا العشرات من صواريخ كروز ومئات الطائرات المسيّرة الهجومية على أهداف استراتيجية في السعودية، وأطلقوا طائرات مسيّرة مسلحة تسببت في أضرار جسيمة لمصانع شركة النفط الحكومية أرامكو، كما أطلقوا من اليمن صواريخ باليستية باتجاه أبو ظبي ودبي.
وفي مارس 2015، أطلق تحالف من الدول العربية والإسلامية بقيادة السعودية عملية “عاصفة الحزم” لطرد الحوثيين من السلطة. وواصلت إيران دعم الحوثيين، وتحولت العملية إلى حرب غير رسمية بين السعودية وإيران. وفي غضون عقد من الزمان، حوَّل عبدالملك الحوثي تنظيمه “الإرهابي” ليكون وكيلًا لنظام آيات الله، وحاكمًا لمعظم أراضي اليمن وتهديدًا كبيرًا للتجارة البحرية.
محور الشر
يقول هينز: “من الصعب الإجابة بوضوح عن بداية الاتصال بين الحوثيين وإيران، لكننا نعلم منذ البداية أن الحوثيين كانت تربطهم علاقات وثيقة مع طهران. ويزعم بعض الباحثين أن الحوثيين تلقوا الدعم من طهران بالفعل في خطواتهم الأولى عندما كانوا حزبًا في اليمن. ويقول آخرون إن إيران فوجئت بتقدم الحوثيين وسيطرتهم السريعة على اليمن، وعندها فقط بدأوا في دعمهم بكثافة. الأمر المؤكد هو أن العلاقة الحالية بين الحوثيين وإيران وثيقة للغاية وتؤثر على المنطقة بأكملها.
على المستوى العسكري، بدأت إيران في الاستثمار بكثافة في الحوثيين بعد سقوط نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح. ويثبت استخدام الحوثيين للتقنيات الإيرانية في حربهم على السعودية ودول الخليج مدى تطور العلاقة المباشرة. تقريبًا جميع التكنولوجيا التي يستخدمها الحوثيون في عملياتهم العسكرية هي إيرانية.
يمتلك الجيش الإيراني اليوم سفنًا، ومدرعات، وقوة جوية قديمة جدًا. ركز في السنوات الأخيرة، على تطوير القدرات البالستية والطائرات المسيّرة، حتى تتمكن من حمل رؤوس نووية بعد اكتمال المشروع النووي الطموح. تعد إيران اليوم قوة في مجال الطائرات المسيّرة، التي تطورها وتبيعها إلى مختلف البلدان. إحداها هي روسيا، التي عززت علاقاتها مع طهران منذ غزو أوكرانيا وتتلقى منها آلاف الطائرات المسيّرة. وتستغل دول أخرى علاقاتها مع إيران لتحسين طائراتها من خلال المعرفة وقطع الغيار. وصف مستشار الأمن القومي الأمريكي “جون كيربي” هذا التعاون بأنه “غير مسبوق”، وأعرب عن قلقه من تعرض الشرق الأوسط للخطر بسبب هذه القدرات. وفي 14 أبريل، تحققت هذه المخاوف، بعد إطلاق إيران مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل.
وفقًا للتطور الإقليمي، ركز فابيان هينز في السنوات الأخيرة على أبحاث الصواريخ الباليستية، والمروحيات، والطائرات المسيّرة. “لقد أثبت الحوثيون جدارتهم في الحروب والصراعات في مواجهة الجيش اليمني. لكن مع تقديري للخبرة الميدانية للمقاتلين الحوثيين، لا شك أن التهديد الحقيقي هو التهديد الجوي. الأمر يتعلق تحديدًا بالقدرات التي يقدمها الإيرانيون لوكلائهم فضلًا عن خبراء متميزين في فيلق القدس، الذراع المسؤول في الحرس الثوري عن إنتاج العمليات الأجنبية. لقد استثمروا كثيرًا في تحسين قدرات الحوثيين.
وأضاف: “وفقًا للمعلومات المتوفرة لدينا، الحوثيون غير قادرين، حتى الآن، على إنتاج صواريخ بعيدة المدى يمكنها الوصول إلى إسرائيل، لكنهم وصلوا إلى مستوى تجميع أسلحة قصيرة المدى وتجميع أجزاء من الصواريخ بعيدة المدى. وبسبب القرب الجغرافي، فإن الدول الأكثر عرضة لتهديد الحوثيين هي دول الخليج، وهي دول لدى الولايات المتحدة مصالح فيها”.
وعلى الرغم من قدرات الحوثيين والتهديد الذي يشكلونه على المنطقة، فإن هينز مقتنع بأن إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها. “أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية هي الأفضل في العالم، ومن الناحية العددية، لا يمتلك الحوثيون ما يكفي من الصواريخ طويلة المدى حتى تشكل تحديًا عمليًا. يتمثل تهديد الحوثيين الرئيس في حركة التجارة البحرية. موقعهم الجغرافي الاستراتيجي، يسمح لهم بتهديد السفن المارة بالقرب منهم، ويكفي لتعريض الممرات الملاحية للخطر استخدام صواريخ بسيطة، وهم يمتلكون منها كميات”.
بعد تفكك داعش في العراق، استقبلتها إيران فعليًا على طبق من فضة. يواجه الأميركيون، الذين ساعدوا في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، الآن الحشد الشعبي، الوكيل الإيراني الذي يعمل في العراق. ووفقًا لمصادر أجنبية، هاجمت إسرائيل مرارًا قوافل تهريب الأسلحة من إيران عبر العراق إلى سوريا ولبنان. ودمرت عبر الجو شاحنات محملة بأسلحة متقدمة، وقتلت مسؤولين بارزين في فيلق القدس ذهبوا لتدريب الفصائل.
ويوضح هينز أن “تهريب الأسلحة من إيران إلى اليمن هو عملية كاملة”. وزعم التحالف العربي بقيادة السعودية في السابق أن ميناء الحديدة، على ساحل البحر الأحمر، هو مركز رئيس لاستقبال الصواريخ الباليستية الإيرانية وبؤرة للنشاط العدائي على الممرات الملاحية. لكن ثمة احتمالات أخرى للتهريب. يمكنهم تهريب الأسلحة عن طريق البحر باستخدام زوارق صيد أو قوارب متنكرة على هيئة مدنية، ويمكنهم استخدام شبكات التهريب الموجودة، وحتى نقل هذه الأسلحة برًا. ووردت تقارير سابقة عن مرور أسلحة عسكرية عبر المهربين في سلطنة عمان المجاورة اليمن.
وبصرف النظر عن الصواريخ، ثمة طائرات مسيّرة، ومروحيات بعيدة المدى يمكنها الوصول عن طريق السفن بالقرب من الساحل اليمني وتحلّق من هناك إلى اليمن. تطلق إيران الطائرات المسيّرة من السفن، ويسيطر عليها الحوثيون ويسقطونها. لقد وضعوا متفجرات على طائرات دون طيار وحولوها إلى مسيّرات انتحارية”.
ومن المقرر أن يشرف الأمريكيون والبريطانيون على المجال البحري، وقد استولوا في الماضي على السفن التي تنقل الأسلحة والعتاد إلى الحوثيين. لكن هينز يرى، أن هذا لا يكفي. “هذا الإشراف والرصد لا يكفي مقارنة بأماكن أخرى في العالم. يمكنك بالتأكيد القول إنه إذا كنت إيرانيًا تريد تهريب شيء غير قانوني إلى اليمن، فإنها ليست مهمة معقدة حقًا”.
يطل الساحل اليمني على مضيق باب المندب، وهو ممر ضيق بين اليمن وجيبوتي في أقصى جنوب البحر الأحمر. وهو أحد أكثر الطرق البحرية ازدحامًا في العالم. ويمر عبره نحو 18 % من البضائع المتجهة إلى أوروبا، ونحو خمس استهلاك العالم من النفط. إن التهديد الحوثي لمدخل البحر الأحمر وقناة السويس يجبر السفن التجارية على اختيار طرق أكثر تكلفة، والالتفاف حول القارة الأفريقية. وذكرت شركات الشحن الدولية أن هذا قد يضيف 18 يومًا إلى مدة الرحلة إلى أوروبا.
يعد المتحدث العسكري للحوثيين، يحيى سريع، محور العلاقات العامة وهو من يعلن الهجوم على السفن والإنجازات العسكرية. وعلى غرار بقية قيادات الحوثيين، ولُد أيضًا في محافظة صعدة القريبة من الحدود السعودية. وبعد حصوله على البكالوريوس والماجستير في العلوم السياسية، إلى جانب دراسات في العلوم القتالية والأمنية والعسكرية، عُيِّن رئيسًا لقسم الحرب النفسية والتوجيه المعنوي في جماعة الحوثيين. واعتبارًا من أكتوبر 2018، يشغل سريع منصب المتحدث الرسمي العسكري باسم الحوثيين. منذ بداية حرب السيوف الحديدية، بدأ سريع نشر رسائل فيديو حول الهجمات على إيلات والسفن في البحر الأحمر. ويظهر بملابس القوات الرسمية، وبلهجة صاخبة وهو يتحمل مسؤولية نشاطات الحوثيين.
ويوضح هينز أن “المصلحة الاقتصادية للعديد من الدول أدت إلى تشكيل تحالف قوات بقيادة الولايات المتحدة ودول أوروبية لمحاربة الحوثيين، لكن لم تردعهم التهديدات وهاجموا السفن الأمريكية مباشرة”. وبدأت الولايات المتحدة وبريطانيا مع التحالف الدولي بمهاجمة الحوثيين في اليمن ردًا على ذلك، لكن هذا لم يشجع أحدًا، ناهيك عن شركات التأمين التي ترفض تأمين السفن التي تسافر في الطريق البحري المعرضة للخطر الحوثي، ويؤدي تهديد الممرات الملاحية إلى خسائر تجارية كبيرة، وإغلاق حركة الشحن المدنية بشكل كامل تقريبًا.
عمليًا، هجمات التحالف لا تجدي نفعًا لأن اليمن بلد ضخم، وتتطلب السيطرة على كل ما يحدث فيه جهودًا هائلة وطويلة الأجل. والآن يقصف التحالف اليمن ردًا على الاستيلاء وعرقلة الممرات الملاحية، ولكن علينا قول الحقيقة: ما يحدث في اليمن منذ سنوات كان يمثل أولوية منخفضة لمعظم الدول، والآن تذكروا التهديد الحوثي.
مضيق باب المندب وسيلة الحوثيين لتهديد الاقتصاد العالمي
يحتوى علم جماعة الحوثيين على خمسة شعارات: “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”. ويبدو أننا استحوذنا على اثنتين من بين أهم خمس قضايا في العالم. لم يسمع المواطن الإسرائيلي العادي عن الحوثيين إلا بعد اندلاع الحرب، بعد انتشار مجموعة من المشاهد والتقليد والنكات بصرف النظر عن إلحاق الضرر بالسفن الإسرائيلية وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل. لكن هذا في الواقع تهديد معروف في منطقتنا منذ أكثر من تسع سنوات.
إن الكراهية الشديدة التي يكنها الحوثيون للشعب اليهودي عمومًا ولمن يعيش في “إسرائيل” خصوصًا، لم تكن لتحوّلهم إلى تهديد عالمي لولا عنصر واحد مهم وحيوي: وهو سيطرتهم على باب المندب. إن قدرة الحوثيين على تهديد محور بحري حيوي ومهم، واستهداف السفن التي تمر عبره، حولتهم من مجرد جماعة دينية متعصبة تروّع المواطنين في اليمن، إلى تهديد كبير للنظام العالمي. في الواقع، حتى قبل ظهور الحوثيين، تحوّلت اليمن بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي من دولة آسيوية فقيرة ومنقسمة وممزقة بسبب الحرب إلى محور إقليمي يجذب الاهتمام والمصالح الدولية، من إيران إلى الولايات المتحدة.
باب المندب هو البوابة بين المحيط الهندي وخليج عدن إلى البحر الأحمر، ويربط بين آسيا وأوروبا. يوجد المضيق على طريق الشحن الذي يمتد بين مضيق هرمز وقناة السويس، وهما من أكثر الطرق التجارية اكتظاظًا في العالم. عندما تغادر سفينة الصين وعلى متنها مجموعة متنوعة من السلع الاستهلاكية والإلكترونية، فإنها تمر عبر باب المندب، وتجتاز البحر الأحمر وتدخل قناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط ومن هناك إلى أوروبا. كما أنه أحد الطرق الرئيسية لوصول النفط من الخليج العربي إلى الغرب. تمر عبر قناة السويس وحدها 12% من إجمالي التجارة العالمية، ويمر عبر مضيق هرمز نحو 21 مليون برميل من النفط يوميًا، ويمر عبر البحر الأحمر نحو 30% من حركة الحاويات في العالم، ونحو 20% من الاستهلاك العالمي من النفط والغاز. والطريق إلى هناك يمر عبر باب المندب.
يبلغ عرض البحر الأحمر نحو 200 كيلومتر، بينما يبلغ عرض مضيق باب المندب الذي يضم اليمن من جهة وجيبوتي الأفريقية من جهة أخرى، أقل من 20 كيلومترًا. لقد تكيّف الحوثيون مع دعائم الحرب البحرية، وقدرتهم على مهاجمة أي سفينة تمر هناك. وهذا ما جعلهم لا يشكلون تهديدًا على إسرائيل أو السعودية التي تشترك معهم في الحدود وترغب في نقل نفطها إلى العالم الغربي فحسب، بل على العالم أجمع. عندما يهدد القراصنة أو الحوثيون خطوط الشحن، فإن التجارة العالمية تتعرض بأكملها للضرر.
يقول يوسي منشروف، [4] إن “اليمن بلد مزقته الحروب التي دارت بين الشمال والجنوب، ومشبع بالصراعات. الحوثيون جزء من الطائفة الشيعية، ومن هنا كان ارتباطهم بإيران. لقد منحهم هذا الارتباط ميزة كبيرة من حيث الدعم السياسي، مما أدى إلى تحسين وضعهم في جميع النواحي. لقد تلقوا تدريبًا في إيران جعلهم أكثر احترافًا ومهارة، كما حصلوا على الأسلحة والصواريخ والمعرفة التي تمكنهم من صناعتها. والآن لديهم نظام إنتاج محلي للصواريخ الإيرانية. لدى إيران شبكات مختلفة مكرسة لتهريب الأموال إلى اليمن، وهم يعرفون كيفية التحايل على العقوبات. إذا هاجم الأمريكيون شبكة، فإن إيران تنشئ شبكة جديدة. إن انخراط الحوثيين في الحرب الحالية في مواجهة إسرائيل قد أعلى شأنهم، ويمكن الافتراض أن ميزانيتهم تزداد وفقًا لأهميتهم. في الواقع، لقد نجحوا في استخدام القوة ضد إسرائيل، دونما عقاب”.
يشير منشروف إلى عدد من مصادر دخل الحوثيين، الذي لا يمثل المسار الإيراني سوى واحدا منها فقط. “لقد سيطروا على المنشآت النفطية في شمال اليمن، ويستنزفون الاقتصاد المحلي، ويفرضون سيطرتهم على السوق لاستخراج التمويل منه. ومع أنها دولة فقيرة ومزقتها الحرب، إلا أن الحوثيين تمكنوا من رفعة شأنهم. وهذا بالطبع يرافقه قمع للمعارضين وانتهاكات لحقوق الإنسان”.
وكيل إيراني في الفناء الخلفي
حتى بداية 2015، تمكن الحوثيون من طرد معظم المسؤولين الحكوميين اليمنيين من العاصمة صنعاء، بمساعدة عدوهم اللدود -الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، الذي أُطيح به نهاية عام 2011، ليتشكل تحالف مناهض للحوثيين داخل اليمن وتلقى مساعدة خارجية نهاية مارس 2015، بعد تدخل السعوديين في الحرب، كانت أهداف التحالف المعلنة هي مساعدة النظام المُنقلب عليه على استعادة سلطته والقضاء على “الوكيل الإيراني” في الفناء الخلفي للجزيرة العربية.
التحالف البراغماتي الذي أنشأه الحوثيون مع صالح حقق أهدافهما على المدى القصير، لكن عرى التحالف العسكري والسياسي انفكت نهاية عام 2017. في هذه المرحلة، زادت قوة الحوثيين العسكرية بعد أن سيطروا على مستودعات الأسلحة، وذخائر الدولة، وأسلحة متنوعة -معظمها أمريكية الصنع -استولوا عليها خلال المعارك التي خاضوها في مواجهة قوات التحالف، فضلًا عن الأسلحة المهرّبة من إيران (كليًا أو جزئيًا). محاولة صالح استعادة منصبه القيادي، بمساعدة سعودية، والتنصل من علاقته بالحوثيين، كلفته حياته في ديسمبر 2017، حيث اغتاله الحوثيون.
يمكن أن نستخلص من علاقة الحوثيين بالرئيس الراحل صالح طريقة عملهم. تقدم الحوثيون وزاد نفوذهم من خلال التعاون البراغماتي المحدود المرن، مع الحفاظ على استقلالهم. وهذا السلوك يميّز أيضًا علاقاتهم مع إيران والفلسطينيين، إلى حد ما على الأقل.
إن استهواء رؤية الحوثيين وكيلًا لإيران، أو حلقة في شبكة الوكلاء، أو لاعبًا في محور المقاومة لا أكثر ولا أقل -بالتأكيد في عيون إسرائيل حاليًا -هو أمر واضح، ولكنه خاطئ. الحوثيون لا يتبعون إيران، مع التزامهم بها في إطار تحالف محكم، شمل أيضًا المساعدات العسكرية المقدمة للجماعة من إيران التي ربما بدأت عام 2009 وازدادت لاحقًا. يعبّر التحالف مع إيران عن هيمنة الخط العدواني الموالي لطهران، وعن أيديولوجية مشتركة وحتى تبعية عسكرية، ورغم أنه يعتمد على المصالح المشتركة، لكنه يهدف في المقام الأول إلى خدمة المصالح اليمنية الداخلية.
لقد تصرف الحوثيون مرارًا بطريقة لا تصب بالضرورة في مصلحة الإيرانيين. مثلًا، بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في مارس 2023. حرص الحوثيون على إظهار استقلاليتهم في ممارسات مختلفة: شن هجمات في المناطق المتنازع عليها، والتدريبات والعروض العسكرية، التي كان أكبرها وأكثرها إثارة للإعجاب في سبتمبر 2023.
إن مشاركتهم في حرب السيوف الحديدية لا يعد جزءًا من رد فعل إقليمي (يخدم إيران)، بل هو تعبير عن دعمهم المستقل للقضية الفلسطينية ومعارضة إسرائيل والولايات المتحدة. ومع ذلك، فهي تعبّر في المقام الأول عن المصالح الداخلية. وفي الشأن الفلسطيني، أعرب الحوثيون على مر السنين عن دعمهم للفلسطينيين ونضالهم، على غرار الحكومة المركزية في اليمن (وقبل ذلك في دول الشمال والجنوب منذ الستينيات).
وإلى جانب الدعم وإظهار التضامن مع حماس والفلسطينيين، أضاف الحوثيون أيضًا بُعدًا عمليًا. لقد اقترحوا على سبيل المثال، في إطار صفقة تبادل الرهائن، والأسرى مع السعودية عام 2020، إطلاق سراح أسرى من قوات التحالف، ومن بينهم عنصران من القوات الجوية السعودية، مقابل إطلاق سراح عشرات الفلسطينيين الذين يخضعون للمحاكمة في السعودية أو متهمين بدعم الإرهاب. لم تُنفذ الصفقة، ولكنها عكست استعداد الحوثيين للعمل من أجل الفلسطينيين. وربما ساعد الحوثيون في نقل الأسلحة من إيران إلى حماس عبر البحر الأحمر بمساعدة حزب الله.
أما عن دوافعهم الداخلية، فقد استغل الحوثيون أحداث 7 أكتوبر وأهمية باب المندب الجيوسياسية، من أجل تعزيز مكانتهم الداخلية والخارجية. إنهم يؤطرون مشاركتهم في الحرب، من 19 نوفمبر 2023، على أنها انحياز للفلسطينيين ومعارضة عملية للتحركات الإسرائيلية في غزة. وفي الجبهة البحرية أيضًا، التي شنوها بعد نحو شهر، ادعى الحوثيون أنهم لا يعتزمون التعدي على حرية الملاحة الدولية، ولكنهم سيمنعون السفن التي لها علاقات مع إسرائيل من المرور عبر باب المندب، أو الإبحار في البحر الأحمر. وقد خدمهم هذا النهج جيدًا حتى بعد إنشاء التحالف البحري بقيادة الولايات المتحدة، إذ فسّروا إطلاق الطائرات المسيّرة والصواريخ على أنها ممارسات للذود عن سيادتهم في اليمن من عدوان الدول الغربية التي تعمل لصالح إسرائيل.
لخدمة حملة نصرة غزة، روج الحوثيون أهدافًا إقليمية وداخلية واكتسبوا تعاطفًا ودعمًا في اليمن، وفي العالم العربي والإسلامي على اعتبار أنهم يشنون ببسالة حملة لمواجهة الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى وإسرائيل. ويبدو أنهم حتى الآن يحققون مكاسبًا من ممارساتهم دونما عقاب. إن استعراضهم للقوة العسكرية يخدمهم كذلك في ردع السعودية والإمارات، حتى لا يستأنفا مشاركتهما في الحرب في اليمن، كما إنها تشكل ضغطًا في المفاوضات مع السعودية.
وفي الداخل اليمني، زادوا من عبء الضرائب في مناطق سيطرتهم، واعتقلوا خصومهم السياسيين، ونشروا الاضطرابات في المناطق الخارجة عن سيطرتهم، على سبيل المثال من خلال تشجيع السكان على التظاهر نصرة للفلسطينيين، أو انتقاد الحكومة المخلوعة وشركائها على موقفهم السلبي. وحولوا الانتقادات الداخلية لسلوكهم في أراضي “دولة الحوثيين”، ونحوا جانبًا مزاعم إهمال البنية التحتية، ومشاكل توفير الخدمات الأساسية لسكانها، والاستيلاء على العقارات والمباني لتلبية احتياجاتهم، بهدف بيعها أحيانًا بأسعار باهظة.
لقد برز في الآونة الأخيرة طموح مثير مقلق، وهو سعي أحد قياداتهم، عبدالملك الحوثي، إلى إعادة تأسيس نسخة مطوّرة من الدولة الدينية الزيدية التي كانت موجودة سابقًا في اليمن، وخاصة في المناطق الشمالية من اليمن. وقد عزا البعض هذه النية إلى الحوثيين منذ سنوات، لكن دون دليل ملموس. وفي ضوء نجاحاتهم الأخيرة وزيادة وتحسن قدرتهم على إنتاج الأسلحة بشكل مستقل، فقد يكون هذا هو الوقت المناسب لتحقيق ذلك. وحتى لو لم يتحقق حلم إعادة تأسيس الدولة الزيدية في اليمن قريبًا، يجب على إسرائيل أن تتبنى رؤية وخطة عمل تعكس وجهة نظر مختلفة تجاه التهديد الحوثي. كمن يفترض، على سبيل المثال، أن انتهاء الحرب في غزة لا يبشر بالضرورة بوقف العدوان اليمني، أو استعادة الأمن لطرق الملاحة في البحر الأحمر، أو تعويل حل مشكلة الحوثيين على طهران.
مشاركة الاتحاد الأوروبي في البحر الأحمر
أعلن الاتحاد الأوروبي، في 19 فبراير 2024، إطلاق عملية أسبيديس. تهدف العملية، التي استمدت اسمها من الكلمة اليونانية “الدروع”، إلى الحفاظ على الأمن البحري وضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر. والغرض منها هو حماية السفن من هجمات متعددة النطاق يشنها المتمردون الحوثيون في البحر. أسبيديس هي عملية دفاعية، أي أنها تتصدى للهجمات وتحجم عن ضرب أهداف الحوثيين.
مدة عملية أسبيديس الأولية هي سنة واحدة وتبلغ ميزانيتها 8 ملايين يورو. وتشترك معها أربع فرقاطات -هيسن الألمانية، وهيدرا اليونانية، والألزاس الفرنسية، والإيطالية كايو دويليو، إضافة إلى أصول جوية. وتُدار من قاعدة عسكرية في لاريسا، وهي مدينة وسط اليونان. كشف بيان صحفي حديث أن العملية وفرت الحماية لـ35 سفينة تجارية في الشهر الأول من عملها. وقد أنجزت ذلك بإسقاط ثمانِ طائرات مسيّرة، وصد ثلاث هجمات أخرى بطائرات مسيّرة.
قبل إطلاق أسبيديس، بدأت أربع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهي فرنسا، وإيطاليا، وهولندا، وإسبانيا -جزئيًا على الأقل- بالمشاركة في عملية حارس الازدهار في البحر الأحمر. أُعلن عن هذه المهمة التي تقودها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في ديسمبر 2023، وتدعمها البحرين، وكندا، والنرويج، وسيشيل. وانضمت لاحقًا دولتان من أعضاء الاتحاد الأوروبي وهما الدنمارك واليونان، وقررتا تزويدها بالسفن الحربية.
وأُسندت إلى عدة فرقاطات أوروبية مهام في المنطقة يمكن القول إنها مرتبطة بكل من أسبيديس وحارس الازدهار. فقد أرسلت فرنسا، على سبيل المثال، الفرقاطة لانغدوك إلى البحر الأحمر، وأرسلت إيطاليا السفينة البحرية فيرجينيو فاسان. وبحسب ما ورد، أرسلت هولندا فرقاطة ترومب. ومع ذلك، فإن هولندا فقط هي التي تشارك بشكل مباشر في كل من عملية “حارس الازدهار” و”بوسيدون أرتشر”.
شاركت هولندا في تنظيم وتنفيذ الضربات التي تقودها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على عدد من أهداف الحوثيين في اليمن (بوسيدون آرتشر). وفي إحدى هذه الحوادث، اعترف الرئيس جو بايدن، في 11 يناير 2024، بالدور الهولندي، إلى جانب أستراليا والبحرين وكندا. وقد نُفذت ضربات من هذا النوع بانتظام طوال الثلث الأول من عام 2024. وتختلف أسماء وعدد الدول المشاركة، لأنه تحالف الراغبين. قدمت الدنمارك الدعم لعدة ضربات في 24 فبراير.
وعلى حد تعبير رئيس الوزراء الهولندي، مارك روته، يستند الإجراء الأمريكي -البريطاني “على حق الدفاع عن النفس”. تُولي هولندا، التي تتمتع بتاريخ بحرى حافل، أهمية بالغة لحق المرور الحر، ويتجلى هذا الالتزام بمشاركتها في البحر الأحمر. لكن يعتقد الكثيرون أن قرار روته بالمشاركة يرتبط، على الأقل إلى حد ما، بترشحه لمنصب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “الناتو”.
ومن المرجح أن يفسر موقف الدنمارك باهتمامها بحماية شركة الشحن العملاقة ميرسك، التي يقع مقرها في تلك الدولة الاسكندنافية. لقد قصف الحوثيون سفن ميرسك.
وبصرف النظر عن الدوافع الهولندية والدنماركية، فإن كثيرًا من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تختلف حول ضرورة الضربات الأميركية البريطانية. والأهم من ذلك، أن فرنسا وإيطاليا وإسبانيا نأت بنفسها عن القيادة الأمريكية؛ لأنها تخشى اندلاع جولة جديدة من التصعيد. وتفضل فرنسا وإيطاليا أن تظل فرقاطاتهما تحت القيادة الوطنية في البحر الأحمر. من جانبها، تربط إسبانيا مشاركتها المحتملة في البحر الأحمر بمظلة أوروبية أو مظلة تابعة لحلف الناتو. علاوة على ذلك، انتقدت مدريد حرب إسرائيل في غزة منذ البداية، ومن المحتمل أن يكون هذا قد ساهم في قرارها بالحفاظ على بعض الحكم الذاتي.
تكشف الخلافات بين مختلف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول كيفية الرد على هجمات الحوثيين مدى اختلاف فهمهم لشؤون الشرق الأوسط. ويتوقع البعض حدوث “صدع مقلق عبر الأطلسي”، بينما يشكك آخرون في إحراز هذه المهمة الأوروبية الدفاعية نتائج إيجابية في البحر الأحمر. ولكن الأكثر أهمية هو المدى الذي يمكن أن تكمل فيه العمليات المختلفة بعضها البعض، وما إذا كان من الممكن تحقيق درجة معينة من التنسيق. يتمتع الاتحاد الأوروبي بخبرة في تنفيذ استراتيجية بحرية في المنطقة. لقد تشكلت عملية أتالانتا في عام 2008 لمحاربة القرصنة في شمال غرب المحيط الهندي، بينما دشنت عملية أجينور في عام 2020 لضمان الملاحة الآمنة في مضيق هرمز.
يرى مقال نشره المجلس الأطلسي أن النهج الأوروبي المعتدل إلى حد ما في البحر الأحمر كما ينعكس في أسبيديس، قد يساعد الاتحاد الأوروبي على التعامل بشكل أفضل مع بعض الدول العربية. ووفقًا للمقال، قد تجد مصر، والسعودية، والإمارات أنه من الأسهل سياسيًا دعم عملية الاتحاد الأوروبي مقارنة بالعملية الأمريكية. ومع أن توقعات تنفيذ عملية بحرية محدودة النطاق محفوفة بالمخاطر، فمن المرجح أن النهج المحدود الذي تتبعه أسبيديس لن يفعل الكثير لإصلاح العلاقات المتوترة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. وحتى لو وافقت إسرائيل على الطابع التكميلي لاسبيديس فيما يتعلق بحارس الازدهار، فإنها ستكون حذرة. وتناولت صحيفة فايننشال تايمز سعي الاتحاد الأوروبي، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا لإقناع الدول الأعضاء الأخرى بعدم الانخراط في مواجهة مع إيران أبدًا. وبطبيعة الحال، لا ترى الدولة اليهودية التهديد الإيراني بنفس الطريقة التي ينظر بها الأوروبيون.
إسرائيل تصنف جماعة الحوثيين في اليمن منظمة إرهابية
وقع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، على مرسوم يصنف جماعة الحوثيين، منظمة “إرهابية” معترف بها رسميًا بعد ما يقرب من نصف عام على أول هجوم صاروخي أطلقه الحوثيون على إسرائيل، وبعد نصف عام من أول هجوم حوثي من بين هجمات كثيرة استهدفت طرق الشحن الدولية في البحر الأحمر.
يأتي هذا الإجراء بعد عامين من المحاولة السابقة لتصنيف المنظمة جماعة “إرهابية”. لقد دعا عضو الكنيست السابق ورئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست تسفي هاوزر، في يناير 2022، رئيس الوزراء نفتالي بينيت، ووزير الدفاع بيني جانتس، ووزير الخارجية يائير لابيد إلى تصنيف الحوثيين منظمة “إرهابية”، وأشار إلى أن إيران تزوّد الحوثيين بصواريخ كروز بعيدة المدى وقدرات بحرية، تتميز بجمع المعلومات الاستخبارية والأعمال العدائية المحتملة ضد أهداف بحرية.
وأشاد هاوزر بقرار إسرائيل، وقال إنه يأمل أن تجري الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تحقيقًا داخليًا لفهم كيفية الاستعداد بشكل أفضل لمواجهة أي تهديدات قادمة في المستقبل.
وقال: “كان أساس دعوتي قبل عامين هو الموقف العام تجاه القضايا الإقليمية، لأن مثل هذه الخطوة تشكل أيضًا اصطفافًا مهمًا مع السعودية والإمارات في مواجهة المحور الإيراني”.
وفيما يتعلق بتصنيف الحوثيين جماعة “إرهابية”، قالت عنبال نسيم لوفطون، إن البعض انتقد هذا الإجراء في نهاية ولاية ترامب، زاعمين أنها ستزيد من عزلة الحوثيين وتدفعهم إلى أحضان إيران، مما يعني أنها ستزيد من تطرف نشاطهم، وتعقد من إجراء مفاوضات لإنهاء الحرب الأهلية.
وأضافت: يكتسب الحوثيون الآن تعاطف ودعم العالم العربي والإسلامي، ويبدو أن الولايات المتحدة وشركاءها في التحالف البحري ليس لديهم طريقة لإخضاعهم حتى الآن. أعتقد أن الإعلان عن تصنيفهم قد يساعد، على سبيل المثال، في الحد من مصادر تمويل الحوثيين والاستيلاء على الحسابات المصرفية أو الأصول في الخارج.
وحول مدى فعالية مثل هذا الإجراء في إنهاء هجوم الحوثيين في البحر الأحمر، قالت لوفطون، “لست على يقين بأن وقف إطلاق النار أو إنهاء حرب السيوف الحديدية سيضمن أيضًا وقف ذلك العدوان، مع أنهم يحاولون تقديم نشاطهم في سياق الحرب ورغبة في نصرة القضية الفلسطينية”.
ووفقًا لجيسون برودسكي، مدير السياسات في منظمة متحدون ضد إيران النووية، فأي قرار بتصنيف الحوثيين منظمة إرهابية يساهم في هيكل عقوبات مكافحة الإرهاب على مستوى العالم.
مع ذلك، فإن تصنيف الولايات المتحدة هو الأكثر أهمية بسبب الأدوات التي يوفرها لواشنطن لملاحقة شبكات جمع التبرعات للحوثيين، بالنظر إلى أولوية الاقتصاد الأمريكي. وقال إن تصنيف إسرائيل سيساعد في هذا العمل الحاسم، مضيفًا: سيستهدف التصنيف أيضًا التنسيق المتنامي بين حماس والحوثيين.
حماس لديها ممثل في اليمن، معاذ أبو شمالة، وقد يحد التصنيف الإسرائيلي تلك العلاقات غير المشروعة. وقد تكون هناك أيضًا قنوات مشتركة لجمع التبرعات والدعاية بين محور المقاومة، والذي قد يساعد تصنيف إسرائيل للحوثيين على إحباطه.
وقال برودسكي: “أخيرًا، قد يوفر تصنيف الحوثيين مبررًا قانونيًا إضافيًا للنشاط الحركي الإسرائيلي في مواجهة الجماعة، لأنهم فتحوا -لأول مرة – جبهة أخرى خلال صراع غزة بعد 7 أكتوبر”.
الدروس المستفادة من اليمن في محادثات وقف إطلاق النار بغزة
تستوجب الأحداث المتعاقبة في اليمن الدراسة عن كثب وخاصة لمن يعتقد أن وقف إطلاق النار في الحرب التي تشنها إسرائيل على حماس في غزة سوف يمهد الطريق لمستقبل أكثر سلامًا، أو يضع حدًا لمعاناة الفلسطينيين.
دشن التحالف العربي بقيادة السعودية حملة لدحر المتمردين الحوثيين عام 2015. وبدأت بمهمة قادتها الإمارات لإنقاذ العاصمة المؤقتة عدن، وهي الثانية بعد أكبر مدينة في اليمن، من غزو الحوثيين. وفي السنوات التي تلت ذلك، شن التحالف هجومًا مضادًا أدى إلى استعادة الحكومة السيطرة على معظم جنوب اليمن. ومع ذلك، تسببت الغارات الجوية للتحالف العربي في مقتل أعداد غفيرة من المدنيين اليمنيين؛ وذلك لقلة خبرة قوات التحالف، وضباب الحرب في التضاريس الوعرة، واستغلال الحوثيين -الذين أخفوا أصولهم العسكرية بين المدنيين- الساخر لهذين الأمرين.
بحلول عام 2018، كان التحالف العربي يقترب من ميناء الحديدة الحيوي. تقع الحديدة على البحر الأحمر، على طول الساحل الغربي لليمن، وكانت بمثابة شريان الحياة للحوثيين من حيث الإيرادات والإمدادات. توقع محللون ذوو خبرة ويحظون باحترام كبير أن نظام الحوثيين قد يسقط في غضون شهر إذا استعاد التحالف العربي الحديدة. لكن المنظمات الإنسانية زعمت أن القتال في الحديدة سيعطّل إيصال المساعدات الدولية. وفي ضوء ادعاءاتها بأن اليمن كان على شفا كارثة إنسانية، ضغطت الحكومات الغربية والمنظمات الإنسانية الدولية على التحالف للتراجع لتبقى الحديدة تحت سيطرة الحوثيين.
وتحت ضغط غربي مكثف، دخل التحالف العربي في اتفاق الحديدة بوساطة الأمم المتحدة. وقد تطلب ذلك انسحاب الحوثيين من الميناء وتسليمه إلى طرف ثالث محايد حتى يمكن استخدام عائدات الميناء لدفع رواتب الموظفين الحكوميين في جميع أنحاء اليمن، مثل المعلمين. ومع “الانسحاب” الاحتفالي لقوات الحوثيين من ميناء الحديدة، فقد نالوا عمليًا حماية بسبب الاتفاق دون الالتزام بتعهداته. ويحتفظ الحوثيون بالسيطرة المطلقة على ميناء الحديدة ولم يتقاسموا بعد أيًا من إيراداته لدفع الرواتب الحكومية. وبدلًا من إنهاء الحرب، أعاد الحوثيون توسيعها واستهدفوا البنية التحتية للطاقة والنقل في السعودية والإمارات بطائرات مسيّرة وصواريخ بعيدة المدى.
وبينما يحدث هذا، تواصل الأمم المتحدة دفع تكاليف ترميم ميناء الحديدة وتدريب موظفيه؛ مما يدعم إلى حد كبير شريان حياة آلة الحرب الحوثية.
تبنت إدارة بايدن سياسات للضغط على السعوديين لإنهاء مشاركتهم في حرب اليمن. في فبراير 2021، صرح الرئيس المنتخب حديثًا بأن “هذه الحرب يجب أن تنتهي… نحن ننهي كل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية [السعودية] في الحرب باليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة”. ولم تكن هذه سوى قراءة خاطئة خطيرة للوضع. لقد أدى ذلك إلى تعقيد الجهود السعودية لتخليص نفسها من الصراع؛ وفي ظل دفع الرياض إلى مزيد من اليأس وتزويد صنعاء بمزيد من الزخم، تحولت المحادثات إلى مفاوضات مطوّلة حول استسلام السعودية. وتتفاوض السعودية الآن على اتفاق من المتوقع أن توافق بموجبه على الدفع في صندوق سوف يستخدم جزئيًا لدفع رواتب موظفي الحكومة الحوثيين، ومن بينهم قوات الحوثيين ذاتها التي كانت تهاجمها، في إطار اتفاق سلام شامل في اليمن.
لقد تجلت حماقة نهج “السلام بأي ثمن” في التعامل مع حرب اليمن في نوفمبر من العام الماضي، عندما بدأ الحوثيون حملة شعواء من الهجمات على حركة الملاحة التجارية المدنية في البحر الأحمر. ظاهريًا، استهدفت هذه الحملة في البداية الشحن المرتبط بإسرائيل، وسرعان ما تطورت إلى حملة ابتزاز موجهة إلى العالم -أو بتعبير أدق، إلى العالم الحر، لأن السفن الروسية والصينية لا تتعرض عمدًا لهجوم. يدعي الحوثيون أنهم سيتوقفون إذا انتهت “الحرب على غزة”، لكن هجماتهم المستمرة بالصواريخ والطائرات المسيّرة على السعودية والإمارات حتى بعد اتفاق الحديدة تشير إلى أن التهديد لن يختفي قريبًا. ويبدو أن كلًا من الإمارات والسعودية مترددتان في التعاون مع الجهود الأمريكية لمحاربة الحوثيين عسكريًا، بعد أن غدرت بهما الولايات المتحدة مسبقًا.
إن أوجه التشابه مع حماس في رفح واضحة ولا يحمد عقباها. ويعد معبر رفح الحدودي شريانًا تجاريًا رئيسيًا. إن السيطرة على هذا الشريان تمنح حماس القدرة على فرض ضرائب على البضائع الداخلة والخارجة من غزة، فضلًا عن منع خروج المنشقين والمعارضين. إن حماس مستعدة تمامًا لإحداث كارثة إنسانية كي تدافع عن قبضتها الخانقة على غزة، لكن السماح لها بالاحتفاظ بالسيطرة يعني الخضوع لحربها الأبدية التي تستهدف وجود إسرائيل، واستمرار جهودها لإذلال الغرب والدول العربية المعتدلة. من المرجح أن يكون أي اتفاق مع حماس لتسهيل نوع من التسوية بشأن معبر رفح مثل اتفاق الحديدة، هو بمثابة تغطية لاستمرار سيطرة المسلحين الذين يعطون الأولوية للحرب قبل كل شيء، ويتعاملون مع المخاوف الإنسانية باعتبارها فرصة للتربح والدعاية.
أين يكمن خطأ النهج الأمريكي في التعامل مع هذه الصراعات؟ قد يميل المرء إلى البدء بالنظر إلى صرخة الحرب الشهيرة التي يطلقها الحوثيون، وهي: “الموت لأمريكا! الموت لإسرائيل! اللعنة على اليهود! النصر للإسلام!”. إن المنظمة التي تجعل من التعصب وإبادة الأعداء جوهر هويتها هي مرشح ضعيف للتوصل إلى تسوية. إن أوجه الشبه بينه وبين ميثاق حماس الذي يدعو إلى قتل كل اليهود في كل مكان، واضح. كما أن تعليم الأطفال الكراهية والاستشهاد، ومعسكرات التدريب العسكري للمراهقين، وعسكرة المجتمع في غزة واليمن التي يسيطر عليها الحوثيون، كلها أمور قابلة للتبادل تقريبًا.
قبل التوقيع على هدنة مع مثل هذه المجموعات، ينبغي لنا أن ننظر إلى “الهدنة” بالطريقة التي يرونها باعتبارها هدنة مؤقتة حتى يتمكنوا من حشد مزيد من القوات، وتطوير المزيد من الأسلحة، وابتكار تكتيكات جديدة، ثم خرق الهدنة بهجوم مفاجئ لبدء معركة أخرى في حملات الغزو.
قد تكون هناك بالطبع ظروف تبدو فيها الهدنة المؤقتة للقتال منطقية لأسباب إنسانية أو سياسية أو حتى عسكرية، لكن الدافع إلى الهدنة لا يمكن أن يرتكز على أمل ساذج بالتوصل إلى تسوية أو أمل بعيد المنال في أن تتخلى هذه الجماعات عن أهدافها المعلنة. عندما نواجه عدوًا استراتيجيته هي الحرب المستدامة، وتكتيكاته تعتمد على استغلال المعاناة الإنسانية، فإن الاستراتيجية المبنيّة على المفاوضات وحسن النية هي في حد ذاتها خيانة للمبادئ الإنسانية. إن أي صفقة يعرضها الحوثيون أو حماس هي صفقة يرون أنها تعزز قدرتهم على المدى الطويل على تحقيق أهدافهم المتطرفة والخطيرة. إن السبيل الوحيد للمضي قُدمًا هو تغيير الواقع في الميدان؛ لإضعاف قدرات هذه الجماعات العسكرية، وربما الأهم من ذلك، منعها من سرقة المساعدات، وإحكام قبضتها الخانقة على المجتمعات الخاضعة لحكمها، أو مواصلة تعزيز أهدافها الوحشية.
ترسانة الحوثيين الصاروخية: صاروخ باليستي يخترق إسرائيل لأول مرة من البحر الأحمر
أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي تسلل صاروخ كروز أطلق من اليمن، في بداية الأسبوع، إلى إسرائيل وانفجاره شمال إيلات. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يخترق فيها صاروخ باليستي إسرائيل من البحر الأحمر -وقد أعلن الجيش الإسرائيلي ذلك بعد يومين تقريبًا من إطلاقه.
في الليلة الماضية أيضًا، سُمع دوي انفجارات في إيلات، وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لاحقًا عن اعتراض هدف مشبوه -حتى قبل دخوله الأراضي الإسرائيلية من البحر الأحمر. ووصف ديفيد (40 عامًا)، أحد سكان إيلات، لحظات الانفجار، وقال: “لقد سمعت صوت طائرة ثم حدث دوي. لم يكن هناك إنذار. لم أفهم هذا الأمر، هل يخفون عنا شيئا؟”.
وأضاف: “سأسافر اليوم لبضعة أيام وأترك والدتي وحدها، وهذا مخيف. أين الجيش؟ أين التحذير؟ الوضع ليس آمنًا هنا حقًا. نحن نعيش في رعب. أليس غريبًا ألا يوجد تحذير؟ نحن نعيش ولا نعرف متى سيسقط علينا. دعني أختار ما إذا كنت أريد الدخول إلى غرفة الأمان أم لا. يقولون حتى لا تضر بالسياحة. إنه أمر مثير للسخرية، لأنه لا يوجد سياح هنا على الإطلاق”.
ادعت روني شوشان (36 عامًا)، وهي أيضًا من سكان إيلات، أن سكان المدينة مهملين. “لقد عدت للتو إلى المنزل من السوبر ماركت. وأنا أقف في المطبخ، وأسمع ضجيجًا ودويًا”. ركضت والدتي وبناتي من الغرفة. وأضافت: “نحتاج إلى إنذار. يجب أن يعمل الإنذار بمجرد حدوث اعتراض”.
وأشارت: “نشعر بأننا مهملون بسبب السياحة، قال أحد رؤساء البلديات سابقًا إن هذا هو سبب عدم تفعيل أجهزة الإنذار. قد يسقط أيضًا في المنزل في المرة القادمة. نشعر بالخوف منذ فترة طويلة. لدي صديقة لا تخرج تقريبًا من غرفة الأمان. إنها خائفة، لقد فقدت الثقة في النظام. أصبح الأمر مخيفًا. يجب تفعيل صافرات الإنذار، لما يجب علينا العيش هنا في قلق؟”.
خلال الحرب، وفي إطار دعم قطاع غزة، تحمل الحوثيون مسؤولية إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل -ولكن هذه هي المرة الأولى التي تأكد فيها سقوط صاروخ كروز حوثي على البلاد.
ونفذ الحوثيون آخر عملياتهم على إيلات بصاروخ يمكنه قطع عدة كيلومترات بين اليمن وإسرائيل. وورد في منشورات حديثة في وسائل الإعلام العربية أن الصواريخ الباليستية للحوثيين تضم أيضًا صواريخ بركان بمختلف أنواعها وطرازاتها، ومن بينها بركان 3، الذي يصل مداه، بحسب التقارير، إلى أكثر من ألف كيلومتر.
الحوثيون يستهدفون إسرائيل ويلحقون أضرارًا بمصر
لم يهدأ الحوثيون في اليمن منذ بدء الحرب في غزة. إنهم يحاولون -من وقت لآخر -إطلاق طائرات مسيّرة على إيلات، ولكنها تُعترض. ويستولون على سفن لا علاقة لها بإسرائيل في معظم الحالات. ربما يعبث مضغ القات بعقولهم، أو أنهم لا يهتمون حقًا. إن الضرر الذي ألحقه الحوثيون بالاقتصاد الإسرائيلي ضئيل، ولا يستبعد أنه قد يساعد في تدشين طريق بري بديل (دبي -حيفا) لنقل البضائع من الخليج العربي إلى إسرائيل عبر السعودية والأردن. وإذا كان الضرر الذي يلحق إسرائيل محدودًا، فما هي الجهة التي تتحمل وطأة الضرر؟
ألحقت هجمات الحوثيين أضرارًا جسيمة بطريق الشحن في البحر الأحمر، الذي تحصل مصر على معظم أرباحه في العالم العربي.
كشفت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا، في فبراير الماضي، أن هجمات الحوثيين ألحقت أضرارًا بأسعار السلع، وتأمين السفن التجارية في البحر الأحمر. ووفقًا لها، تخسر مصر زهاء مائة مليون دولار شهريًا، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار جميع المنتجات، ووفقًا لبوابة “مصراوي”، أفادت مصر في يناير الماضي عن انخفاض بنسبة 30% في نشاط الرحلات البحرية، من متوسط مرور أكثر من 770 سفينة في يناير إلى نحو 540.
يوضح معلقون في العالم العربي أن الحرب التي يشنها الحوثيون على الملاحة “الصهيونية” تهدف إلى صرف الغضب الشعبي في اليمن؛ بسبب فشلهم الذريع في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتهم (شمال غرب اليمن وعاصمتها صنعاء)، والفقر، والبطالة واليأس. بهذه الطريقة، يستغل الحوثيون بشكل ساخر تعاطف اليمنيين مع القضية الفلسطينية. وفي الواقع، لم تسفر الحرب إلا عن تعميق الأزمة الاقتصادية داخل اليمن، وأدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتفاقم الأزمة الإنسانية. ولم تضر الحرب بالمساعدات الدولية للشعب اليمني فحسب، بل أوضحت أيضًا للمجتمع الدولي أن الحوثيين جماعة “إرهابية” تشكل خطرًا على المنطقة بأكملها. والقوة الدولية المتضررة اقتصاديًا هي في الأساس الصين، التي زادت تجارتها عن طريق البحر بقدر كبير. وقد ناشدت الصين إيران أن تطالب وكلاءها الحوثيين بوقف أنشطتهم، ولكن دون جدوى حتى الآن. ومن المفارقات أن ضرر الحوثيين الرئيسي هو على الدول العربية الفقيرة، واليمن نفسها كما ذكرنا، وأيضًا على لبنان وسوريا والأردن، حيث أدى تأخر وصول البضائع إلى ارتفاع الأسعار.
إيران ومصر مقيدتان سياسيًا ولا يمكنهما الآن التحرك بشأن قضية الحوثيين. لماذا لا توقف إيران إذًا الحوثيين، إذا كان المتضررون هم أيضًا حلفاؤها (الصين ولبنان وسوريا)؟ إذا أوقفت إيران أنشطة الحوثيين، فقد يفسر ذلك على أنه خطوة تمثل استسلامًا لمحور المقاومة. إيران مهتمة الآن بإثبات أنه، على غرار هجمات التحالف السعودي على اليمن (بين عامي 2015 و2023)، فإن القصف الأمريكي سيفشل فشلًا ذريعًا وسينتهي ببقاء الحوثيين.
الحوثيون هم ذراع مهم للغاية للأخطبوط الإيراني في مواجهة إسرائيل، وهدفهم هو مهاجمة إسرائيل من الجنوب (إيلات)، بالتوازي مع هجمات حزب الله من الشمال (الجليل)، وكذلك هجمات الميليشيات الشيعية العراقية من الشرق (حتى الآن دون نجاح). إيران مستعدة لتعريض علاقاتها مع الصين للخطر قليلًا في مقابل عدم إظهار أي علامة على التسوية في مواجهة المصالح الأمريكية في المنطقة.
أما مصر، لا يمكنها التحرك ضد الحوثيين، مع أن لها مصلحة أساسية في القيام بذلك. وسبق أن شاركت مصر في التحالف السعودي لمواجهة الحوثيين، الذي شن هجومًا على الجماعة “الإرهابية” عام 2015 لإبعادها عن احتلال عدن. والآن تسعى السعودية إلى تجنب التورط مجددًا في الحرب في اليمن منذ الهدنة الأخيرة العام الماضي، وكذلك بقية أعضاء التحالف. وعلاوة على ذلك، إذا هاجمت مصر الحوثيين، سوف ينظر إليها في العالم العربي على أنها تساعد إسرائيل وتناهض غزة. والضغط الاقتصادي الشديد التي تتعرض له مصر هو أحد التفسيرات الرئيسية لمطالبتها إنهاء الحرب في غزة في أسرع وقت ممكن.
ميناء إيلات يواجه صعوبات بسبب تهديد الحوثي، ونصف موظفيه مهددون بالتسريح
أبلغت إدارة ميناء إيلات موظفيها البالغ عددهم 120 موظفًا بأنها تخطط لفصل نصفهم -زهاء 60 موظفًا -في ضوء الصعوبات التي واجهها الميناء مؤخرًا.
اشترى الأخوان نقش ميناء إيلات عام 2013 من الدولة عبر شركتهم Papo Maritime، مقابل 122 مليون شيكل في إطار اتفاقية حتى عام 2028 مع خيار تمديدها لعقد آخر. وتوظف الشركة نحو 120 عاملًا في اتفاقات جماعية، و70 موظف أمن في الصفقة المباشرة. في ديسمبر، وفي أعقاب تهديد الحوثيين في اليمن والهجمات التي تعرضت لها عدة سفن، حدث انخفاض حاد في حجم النشاط وانخفاض أكثر من 80% في دخل ميناء إيلات خلال شهر. وقال مدير عام الميناء جدعون جولبر حينها، إنه عقب تفاقم الأزمة ستطالب إدارة الميناء الدولة بتعويضات عن فقدان بعض الإيرادات، لكن الإدارة امتنعت حينها عن طرد العمال أو منحهم إجازة بدون مرتب.
- مراسل الشؤون العربية والفلسطينية. حاصل على بكالوريوس في الاقتصاد واللوجستيات، والماجستير في العلاقات الدولية والشرق الأوسط من جامعة بار إيلان.
- زميل أبحاث في مجال الدفاع والتحليل العسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. تخصص سابقًا في البحث والتطوير في صناعة الدفاع. وفي الماضي، عمل أيضًا كباحث في مركز جيمس مارتن لدراسات منع انتشار الأسلحة النووية في مونتيري، كاليفورنيا.
- معلقة في الشأن الاقتصادي في موقع ماكور ريشون، زميلة باحثة في منتدي كوهيليت للسياسات.
- باحث في شؤون إيران والإسلام في معهد مسجاف لبحوث الأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية. كما عمل باحثًا في مركز عزري للدراسات الإيرانية والخليج العربي، ومعهد ميمري. وهو باحث يهتم بالشأن الإيراني، والمليشيات الشيعية.
- حصلت على ماجستير في الدراسات الشرق أوسطية والأفريقية بجامعة تل أبيب. عملت محاضرة في قسم التاريخ والفلسفة والدراسات اليهودية في الجامعة المفتوحة عام 2007، كما عملت في قسم التدريس والتعليم الأكاديمي في الجامعة ذاتها. وتتركز أبحاثها في منتدى التفكير الإقليمي حول اليمن الحديث، والعلاقات القبلية، والنظام في اليمن، والنساء في الشرق الأوسط.
- محاضر في المعهد الأوروبي في نيس، وجامعة ديمقريطس في تراقيا، وزميل أول في المؤسسة الهيلينية لأوروبا والسياسة الخارجية.
- مراسل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة جيروزاليم بوست. عمل سابقًا ملحقًا صحفيًا وإعلاميًا في السفارة الإسرائيلية بالأردن. تخرج في كلية شاليم في القدس حيث تخصص في الإسلام ودراسات الشرق الأوسط، وحصل على الماجستير في الحكومة والدبلوماسية ودراسات النزاع من جامعة رايخمان.
- زميل باحث في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي (INSS). تتركز أبحاثه حول سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية، والعلاقات الأمريكية الإسرائيلية. والاستراتيجية الإسرائيلية المتعلقة بإيران والحرب الأهلية في اليمن.
- عمل مترجمًا فوريًا للغة العربية للجيش الأمريكي في العراق في الفترة 2008-2009، ومحللًا لوزارة الدفاع. وقد عمل أيضًا في عدد من المنظمات غير الحكومية في الشرق الأوسط.
- تخرج في جامعة السوربون في باريس، محاضر في الإسلام ومعلم اللغة العربية في جامعة حيفا في قسم الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية. نشرت دار النشر بريل ليدن في عام 2010 كتابه: “العلويون -التاريخ والدين والهوية” باللغة الإنجليزية. كما أصدر بالإنجليزية كتاب “الشيعة في فلسطين” عام 2019. ويدير نشرة إخبارية بعنوان: “هذا الأسبوع في الشرق الأوسط”.