تنويه: حُررت هذه الترجمة مراعاة للوضوح، والآراء الُمعرَب عنها فيها لا تعكس آراء مركز صنعاء للدراسات، كما لا يُعد المركز مسؤولًا عن صحة البيانات والمعلومات الواردة أيضًا.
نقلت الصحافة الإسرائيلية عن الجيش الإسرائيلي تقديراته بأن الهجمات التي شنها على ميناءي الحديدة ورأس عيسى سببت ضررًا هائلًا للبنية التحتية للحوثيين، وأن الجماعة لن تستطيع مواصلة أنشطتها التي وصفها بـ”الإرهابية”.
ويقول تقرير صحفي إن هذه البنى التحتية والموانئ تستخدمها جماعة الحوثيين في نقل الأسلحة الإيرانية والإمدادات العسكرية، فضلًا عن النفط.
وحث تقرير آخر بعدم تجاهل التهديد الحوثي، وأن على إسرائيل أن تستعد في المستقبل القريب لاتخاذ تدابير صارمة، منها تصفية قيادة الحوثيين، والهجمات السيبرانية، وتوجيه ضربات عسكرية للبنية التحتية الحوثية.
ويحلل باحث في مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية كيف استغلت إيران اليمن كحقل تجارب لأسلحتها في مساعي سيطرتها الإقليمية. في حين مثّل الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون باتجاه تل أبيب موضوعًا خصبًا لتحليلات الخبراء العسكريين والسياسيين الإسرائيليين.
وقال تقرير إنه ينبغي لإسرائيل أن تأخذ في الحسبان أنه طالما استمر التعاون الإيراني الحوثي دون عوائق، فمن المتوقع أن يتسع نطاق التهديدات تجاه إسرائيل.
ويترجم مركز صنعاء للدراسات مواد كاملة أو مقتطفات لأبرز ما أوردته الصحافة العبرية والمراكز البحثية المعنية بالشؤون الإسرائيلية وعلاقتها بالمنطقة، وهي جزء من سلسلة ترجمات وإصدارات ينتجها المركز في سياق اهتماماته، والمقاربات الإقليمية التي يقدمها.
معلق شبكة “CNN” يرافق القوات الجوية الإسرائيلية في هجومها على اليمن
رافق معلق شبكة “CNN”، نيك روبرتسون، الهجوم الجوي الإسرائيلي على اليمن في حدث استثنائي. واستقل إحدى طائرات التزوّد بالوقود التي رافقت العملية البعيدة دون أن يعرف حتى الوجهة.
وقال “داخل طائرة بوينج 707 قديمة، على بعد مئات الكيلومترات فوق البحر الأحمر، أرتدي نظارات ثلاثية الأبعاد، وأنظر إلى شاشة تلفزيون صغيرة مزوّدة بمؤشرات وأزرار قديمة. صحراء السعودية عن يميني، والسواحل المصرية عن يساري -وتمتلئ الشاشة بصورة الطائرة العملاقة F35”.
ويقول معلق CNN، إنها المرة الأولى التي ينضم فيها صحفي أجنبي إلى الجيش الإسرائيلي في مهمة عملياتية، في مسافة بعيدة عن إسرائيل، “لم تشتمل الدعوة لمرافقة الرحلة أية تفاصيل حول هدف الهجوم. وبينما كنت أصعد درجات الطائرة المتداعية، لم يكن لدي أي فكرة حول هذه العملية الإسرائيلية”.
ووفقًا لروبرتسون، فإنه تجاذب أطراف الحديث مع الطيارين أثناء الرحلة بعد أن وعدهم بعدم نشر أسمائهم، وسألهم عن تحديات مثل هذا الهجوم والضرر الذي قد يلحق المدنيين. وسمع روبرتسون منهم أن إسرائيل تبذل كل ما في وسعها لتفادي إيذاء المدنيين، وتستغل كل المعلومات الاستخباراتية الممكنة للقيام بذلك، في حين يستهدف الحوثيون التجمعات السكانية.
تقديرات الجيش الإسرائيلي: الهجوم على اليمن أصاب قدرات الحوثيين بالشلل
ذكرت موريا أسرف، مراسلة قناة 13 الإسرائيلية، أن تقديرات الجيش الإسرائيلي -بعد الهجوم الذي نفذته القوات الجوية الإسرائيلية على الموانئ والبنية التحتية النفطية الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين في اليمن، تشير إلى تضرر هائل للبنية التحتية للجماعة، وأنهم لن يتمكنوا من مواصلة أنشطتهم الإرهابية في المستقبل القريب.
كما أن الهجوم شلّ قدرة الحوثيين على إدخال الوقود عبر البحر إلى الأراضي الخاضعة لسيطرتهم. وهي الطريقة التي تعد أساس تسلّح الحوثيين.
يوضح الجيش الإسرائيلي أن القوات الجوية قصفت في الهجوم ميناءين -الحديدة ورأس عيسى، وكلاهما لاستقبال الوقود. وفقًا للجيش الإسرائيلي، إن الأضرار الجسيمة التي لحقت بالميناءين تشل البنية التحتية لاستقبال الوقود الخاص بالجماعة “الإرهابية”، وسوف يستغرق الأمر بعض الوقت لإعادة تأهيلهما.
في حين قال موقع واللا العبري إن هذه البنى التحتية والموانئ التي تعرضت للهجوم تستخدمها جماعة الحوثيين في نقل الأسلحة الإيرانية إلى المنطقة، وإمدادات للاحتياجات العسكرية، فضلا عن النفط. ذكر الجيش الإسرائيلي أن الهجوم يأتي ردًا على الهجمات الأخيرة التي نفذها جماعة الحوثيين على إسرائيل”.
وكان موقع جلوبس الإسرائيلي نشر تحقيق يفيد بأن الحوثيين استخدموا ميناء رأس عيسى المغلق كبديل بعد الأضرار التي خلفها الهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدة قبل شهرين، وقد وجد أن الناقلة “ليدي أميرة” غادرت جيبوتي في 2 سبتمبر، ورست في الحديدة اليوم التالي، وأفرغت النفط في رأس عيسى في 5 سبتمبر.
ويوجد في رأس عيسى خط أنابيب نفط قديم جدًا يمتد إلى الناقلة، حيث ينقل من هناك النفط أو الغاز البترولي المسال (LPG) إلى الشاحنات التي تنقله إلى داخل اليمن. هذا يعني أن الحوثيين كانوا قادرين على تفريغ 3-4 ناقلات نفط يوميًا، أما الآن، في أفضل الأحوال، يمكنهم التفريغ مرة واحدة في الشهر.
ووفق الموقع فإنها ضربة قاصمة لوكلاء إيران في اليمن، لأنهم يستفيدون من صناعة ضخمة لتهريب النفط عبر ميناء الحديدة. تشير التقديرات إلى أن إيرادات الحوثيين من هذا القطاع تبلغ نحو 1.8 مليار دولار سنويًا.
وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن القصف الذي استهدف ميناء الحديدة (في يوليو/ تموز الماضي) نقل رسالة إلى الشرق الأوسط بأكمله هي أن إسرائيل تعرف كيف تضرب بقوة وبراعة. كما أظهر أيضًا للجمهور الإسرائيلي القوة والثقة في القدرة على التصرف في أي مكان وفي أي وقت.
وبحسب الصحيفة “لكن يبدو أن الرسالة لم تصل إلى أعدائنا على الإطلاق، لأن الصاروخ الذي أطلق هذا الصباح علمنا عدة أشياء، أولها أن جماحهم لم تكبح كما نوّد أن نعتقد. لقد استمروا في الجرأة وإلحاق الضرر. لم يتعلموا درسًا حقيقيًا من العمل المذهل الذي نفذته القوات الجوية الإسرائيلية. إن الاستنتاج المنطقي الواضح بأن مقتل إسرائيلي واحد يؤدي إلى خسارة ميناء بأكمله، لا وجود له في منطق الشرق الأوسط المختل”.
وأضافت “الشيء الثاني الذي نتعلمه هنا أنه لا ينبغي للمرء أن ينغمس في الصمت، لأنه وهم، وإدمان، ويعمي البصر. لقد انتهت صلاحيته. والأمر الثالث هو أننا في مرحلة حاسمة من الزمن لاختبار الحدود. المعادلة في ساحة أخرى تتشكل أمام أعيننا مباشرة”.
هذا يعني أن الاحتواء الكامل في مثل هذه الحالة قد يبعث برسالة مفادها أنه من الممكن تعطيل الحياة اليومية لملايين الإسرائيليين، دون دفع الثمن. الآن فقط -حيث لا ضحايا، أو ضرر في قلب تل أبيب، يجب تحديد نقطة التوازن، وقبول إطلاق النار من الشرق كما هو معتاد الآن، سيجعل من الصعب للغاية تغيير الوضع لاحقًا.
هذا لا يعني أنه ينبغي إرسال قوات إلى اليمن لأن القدرات التشغيلية قليلة، وهناك أولويات. المعركة في الشمال تتفاقم. لا يزال في غزة 101 رهينة في الجحيم، ولا تزال قدرة حماس على إطلاق النيران قائمة، ولا يزال هناك الكثير من العمل. لقد بدأت الضفة الغربية في الغليان، وطوال هذا الوقت، تواصل إيران نهجها في: التسليح، والتوجيه، ومحاولة إلحاق الأذى. من يعتقد أن إسرائيل لديها الكثير من الموارد المتاحة لشن حملة شاملة في بلد آخر فهو مخطئ، لكن لا يجب مطلقًا الاعتقاد بأن عدم الرد سيؤدي إلى تراجع يمني، بل على العكس تمامًا.
بعد تصفية نصر الله: الحوثيون في مرمى نيران إسرائيل
في ظل اغتيال “حسن نصر الله”، تحدث قائد منظومة الدفاع الجوي السابق دورون جابيش، حول استمرار القتال ضد حزب الله والتهديد الحوثي.
وقال جابيش “أعتقد أن الكلمة الصحيحة تكمن في اليقظة. لقد شاهدنا الأسبوع الماضي كل طبقات الدفاع الجوي وهي تتصدى لمواجهة التهديدات. يجب أن نرى أن يكون للشريك الأمريكي حضور مهم. إن التهديد الذي يمثله الحوثيون له رد طويل المدى أيضًا، لكننا نفذنا خطوة هجومية هناك أيضًا. وقد تعاد الكَرَّة لو استمروا في تنفيذ هجماتهم”.
التهديد الحوثي الجديد
تشير الأخبار المتداولة بشأن وسيط إيراني لنقل صواريخ أرض-بحر من طراز ياخونت (صواريخ كروز دقيقة تفوق سرعتها سرعة الصوت يصل مداها نحو 300 كيلومتر، وتطلق من منصات مختلفة –بحرية، وجوية، وبرية، وبها تقنية من الأكثر تطورًا في العالم في هذا المجال، كما أن اعتراضها أثناء التحليق معقد للغاية) إلى سباق تسلح خطر قد يضع جيش الحوثيين “الإرهابي” في مصاف الجيوش التي تتمتع بقدرات متطورة للغاية تمكنها من تهديد الممرات الملاحية.
تمثل هذه الصواريخ أيضًا تهديدًا جديًا على السفن العسكرية المتقدمة، وتحديًا كبيرًا للسفن التي تحمي الممرات الملاحية من التهديد الحوثي، ومنها السفن الأمريكية الأكثر تقدمًا التي تبحر في المنطقة تحت قيادة الأسطول الخامس الأمريكي، وسفن أخرى للتحالف الذي تشكَّل لحماية الممرات الملاحية.
يبدو أن روسيا تحاول أن تكون فاعلًا مهمًا في المنطقة، عبر السماح للحوثيين بمواصلة تهديد خطوط الشحن، وحتى تهديد الأساطيل الغربية والدول الأخرى التي تساعد أوكرانيا في حربها على روسيا إلى حد كبير. ويبدو أيضًا أنها إحدى المكافآت التي تتلقاها إيران مقابل دعمها للنضال الروسي -مساعدة وكلاء إيران في توفير أسلحة متقدمة من الدرجة الأولى.
لا شك أن الدول المشاطئة للبحر الأحمر -وفي مقدمتها السعودية -هم في المقام الأول الضحايا الرئيسيين لسباق التسلح. وقد تكون هذه المساعدة الكبيرة بمنزلة رد فعل إيراني -روسي معاكس لمحاولة التقارب بين الولايات المتحدة والسعودية لمواجهة الحوثيين من أجل تحقيق الهدوء في المنطقة، ووقف إلحاق الأضرار بالممرات الملاحية، وعدم الاستقرار في المناطق البحرية في شبه الجزيرة العربية.
يمكن استخدام هذه الصواريخ المتطورة في استهداف مواقع استراتيجية في كل منطقة شبه الجزيرة العربية البحرية والبرية، وضرب أي سفينة تبحر في البحر الأحمر وبحر العرب. في الواقع، نرى أن منطقة البحر الأحمر وبحر العرب تحولت إلى ساحة صراع بين القوى من جهة، وساحة تكتسب فيها إيران مزيدًا من القدرة على التأثير واستعراض القوة، حتى ولو بمساعدة وكلائها، وتعزيز قدرات إيران ومكانتها كقوة إقليمية. إن القدرة على بسط النفوذ في المجال البحري هي جزء لا يتجزأ من القدرات التي تتطلبها قوة إقليمية.
سوريا الحلقة الأضعف في المحور الشيعي الذي يقاتل إسرائيل
ذكرت وكالة الأنباء الروسية “ريا نوفوستي” أن الحوثيين بدأوا إرسال قوات إلى سوريا عبر الأردن؛ للمشاركة في مواجهة إسرائيل من أراضيها. هذه القوات، وفقًا للتقرير، هي الأكثر تأهيلًا على شن هجمات على المستوطنات الإسرائيلية. كما قال “المصدر” الذي استندت إليه الوكالة الروسية إن هذه القوات تدربت على تشغيل المركبات المدرعة، والمدفعية، وتشغيل الطائرات المسيّرة. لقد تبنت وسائل الإعلام الإسرائيلية هذا التقريرـ وأضفت عليه مزيدًا من السيناريوهات المرعبة، ولكن دوت يوم السبت أبواق تهدئة.
نقلت وكالة الأنباء “سبوتنيك ” الروسية عن خبير عسكري “مقرب من الحوثيين”، قوله إن “تقرير إرسال قوات حوثية إلى سوريا عارٍ عن الصحة”، ولا تحتاج سوريا وقواتها “دعم القوات اليمنية لأنها تمتلك قوات كافية تمكنها من مجابهة العدو”. لم يرد المتحدثون الرسميون السوريون والأردنيون على هذه التقارير، وفي يوم الأحد، سقط الصاروخ الباليستي اليمني على إسرائيل من اليمن وليس من سوريا أو الأردن.
حتى قبل الإنكار، أثار التقرير الأول عدة أسئلة. لا يقتصر الأمر على عدم سماح الأردن بمرور علني لقوات أجنبية، حوثية أو غيرها، من أراضيها إلى سوريا أو عن طريق معبر حدودي رسمي -لقد طردت سوريا نفسها قبل عام “دبلوماسيين” حوثيين كانوا متمركزين في مبنى السفارة اليمنية في دمشق، بعد بلورة نظام الأسد اتفاقيات على ذلك مع الحكومة اليمنية المعترف بها في مقابل توطيد العلاقات مع سوريا.
لقد كانت ضربة قاصمة للحوثيين، الذين يسعون جاهدين لتحقيق الاعتراف بنظامهم. حتى وقت قريب، كانت إيران فقط هي الدولة التي اعترفت بجماعة الحوثيين، ووافقت عام 2019 على تشكيل ممثلية دبلوماسية لدى الحوثيين في اليمن. وافقت الحكومة العراقية في يوليو، تحت ضغوط الميليشيات الإيرانية المؤيدة، على السماح للحوثيين بفتح ممثلية في أراضيها، لكن سارع وأعلن الممثل الرسمي للحكومة العراقية بأنها ليست سفارة أو حتى ممثلية رسمية، ولكن “مبنى حيث يمكنهم البقاء بانتظام، بدلًا من إقامتهم في الفنادق”.
سوريا لا تحتاج إلى مساعدة الحوثيين لمواجهة إسرائيل، لأن دمشق تبنت موقعًا سلبيًا في الحرب. إنها ليست شريكًا في “وحدة الساحات”، أو “وحدة إسناد” الفلسطينيين. يخشى الأسد اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل ولبنان، لأنها قد تنزلق إلى الأراضي السورية، كما أن الأمين العام لحزب الله “حسن نصر الله “أعفاه من المشاركة في عملية الانتقام ردًا على اغتيال فؤاد شكر في يوليو.
العراق شأنها شأن سوريا. من المشكوك فيه أن تسمح إدارة بغداد للحوثيين باستخدام الأسلحة على إسرائيل أو الأهداف الأمريكية على وجه التحديد بينما يكمل العراق مناقشاتها مع الولايات المتحدة حول انسحاب قواتها في عام 2026. الحوثيون شركاء بالفعل في غرفة العمليات التي أنشأها حزب الله لتنسيق عمليات وكلاء إيران لمواجهة إسرائيل، ولكنهم يديرون النشاط العسكري في البحر الأحمر والمعادي لإسرائيل باستقلالية، دون إذن مسبق أو تنسيق مع إيران أو عناصر أخرى. وفي الوقت ذاته، يحاولون الاستفادة من هجماتهم لتحقيق أهدافهم الخاصة.
الحوثيون يهددون بشن هجوم بري على إسرائيل
اتسم الصراع المباشر بين إسرائيل والحوثيين، منذ بداية حرب “السيوف الحديدية” في 7 أكتوبر 2023، بهجمات الصواريخ والطائرات المسيّرة الحوثية على أهداف في إسرائيل ولا سيما في الجنوب، وكان أخطر تصعيد هو ما شهدته تل أبيب في 19 يوليو 2024 من هجوم بالصواريخ المسيّرة الحوثية، والهجوم الجوي الإسرائيلي المضاد على ميناء الحديدة في اليوم التالي.
زاد الحوثيون، في الأسابيع الأخيرة، من تهديداتهم العلنية باستهداف إسرائيل ميدانيًا، وأجروا مناورات عسكرية تضمنت سيناريوهات التسلل عبر الأنفاق، والاستيلاء على ثكنات إسرائيلية، واختطاف جنود. كما أفادت أنباء عن وصول مقاتلين حوثيين إلى سوريا تحت إشراف الميليشيات الموالية لإيران.
في تقديرنا، يتطلع الحوثيون إلى تنفيذ هجوم بري على إسرائيل أيضًا في إطار ردهم على الهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدة. إن التعاون بين الحوثيين وإيران وفصائل “محور المقاومة” وعلى رأسها الميليشيات في العراق وحزب الله في لبنان يمكنهم من تجاوز المسافة الجغرافية الشاسعة بين اليمن وإسرائيل، ونقل مقاتلين بالقرب من الحدود مع إسرائيل؛ لتنفيذ هجوم بري مباشر ومحدود داخل إسرائيل.
قد يشمل المخطط التسلل إلى مستوطنة أو قاعدة عسكرية، كما أظهرت التدريبات في اليمن، وكذلك إمكانية المشاركة بدور فعال في القتال إلى جانب حزب الله في حال اندلع تصعيد كبير في القتال في الشمال. هذا، إلى جانب استمرار محاولات الحوثيين مهاجمة أهداف داخل الأراضي الإسرائيلية باستخدام الصواريخ أو الطائرات المسيّرة، كما فعلوا منذ بداية الحرب.
مع إعلان “نوايا” الحوثيين تنفيذ هجوم بري على إسرائيل، إلا أن القوات البرية الحوثية لم تشارك حتى الآن في صراع مباشر لمواجهة إسرائيل، وقدرت “مصادر” يمنية وغيرها أن قوات الحوثيين تتراوح بين مائة إلى مئتي ألف مقاتل، بينهم قوات جوية وبحرية وصاروخية. لذلك، يمكن التقدير أن القوة القتالية البرية -التي يتمتع معظمها بخبرة من الحرب الأهلية في اليمن، ومن قتال التحالف الذي تقوده السعودية- يبلغ عددها عشرات الآلاف من الجنود المجهزين بمجموعة متنوعة من الأسلحة مثل البنادق الهجومية، وبنادق القنص، ومدافع الهاون، ومركبات مدرعة ودبابات.
وأجرى الحوثيون، منذ بداية الحرب، مناورات تدربت فيها القوات على سيناريوهات الهجمات البرية على أهداف إسرائيلية.
إن المسافة الجغرافية الشاسعة بين اليمن وإسرائيل تمثل تحديًا كبيرًا للحوثيين وتحول دون تنفيذ هجوم بري على إسرائيل، كما توجد بين الطرفين دولتان تتبعان التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة -وهما السعودية والأردن. يعمل الحوثيون على تجاوز العائق الجغرافي من خلال توطيد التعاون مع تنظيمات أخرى في “محور المقاومة”، وعلى وجه الخصوص الميليشيات الموالية لإيران في العراق والتي تعمل أيضًا على الحدود مع سوريا.
في 2 سبتمبر 2022، ذكرت مصادر في السعودية أن مجموعات من مقاتلي الحوثي وصلت إلى دمشق من عمان على متن طائرة سورية للمشاركة في دورة عسكرية تستمر 45 يومًا قبل عودتهم إلى اليمن وذلك بتوجيه من عناصر من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله.
كما نُشرت في الأسابيع الأخيرة تقارير عن وصول قوات من الحوثيين إلى سوريا. أفادت التقارير، في 5 أغسطس 2024، عن وصول نحو خمسين مقاتلًا حوثيًا إلى العراق، وعبروا الحدود من هناك إلى سوريا تحت إشراف المليشيات الموالية لإيران في العراق. وفقًا لتقرير آخر، دخل نحو خمسين مقاتلًا حوثيًا آخرين إلى سوريا عبر العراق، وهذه المرة برفقة الميليشيات الموالية لإيران في العراق، ووصلوا إلى جنوب سوريا، وجاء في التقرير أن المقاتلين الحوثيين متخصصون في تشغيل الصواريخ والطائرات المسيّرة.
إيران تستغل اليمن باعتبارها “ساحة تجارب” للأسلحة
علق المقدم احتياط ميخال سيجال[4] على إطلاق الحوثيين صاروخًا من اليمن على إسرائيل وقال “لقد أصبحت اليمن في الآونة الأخيرة ساحة إيرانية رئيسية لتجربة مختلف أنواع الأسلحة”. وأضاف: “خلال عمليات التحالف السعودي في اليمن، أطلق الحوثيون عددًا كبيرًا من الصواريخ والطائرات المسيّرة على أهداف استراتيجية في السعودية، من بينها منشآت النفط والمطارات”.
كما أوضح أن “اليمن، الذي لا يزال يشهد اشتباكات في عدة مناطق، يتيح لإيران فرصة لاختبار مجموعة واسعة من الأسلحة، بدءًا من العبوات الناسفة على جوانب الطرق، مرورًا ببنادق القنص والأسلحة المضادة للدبابات، وصولًا إلى الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة. يتم نقل هذه الأسلحة إلى الحوثيين إما كنظم كاملة أو مفككة ليعاد تجميعها في اليمن”.
تابع (سيجال): “يمكن القول إن استراتيجية إيران طويلة الأمد، المشابهة لنهجها في لبنان والعراق وغزة والضفة الغربية، نجحت في تطويق إسرائيل واستنزافها على جبهات متعددة، دون أن تتحمل إيران أي تكلفة مباشرة. الهدف الإيراني هو إبعاد الصراعات عن حدودها وتجنب التورط المباشر، إلا إذا كان ذلك ضروريًا. حتى الآن، لم ترد إيران على اغتيال هنية على أراضيها”.
أضاف أيضا: “إيران مستعدة للقتال حتى آخر فلسطيني ولبناني ويمني وعراقي. إذا أرادت إسرائيل والغرب تحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة، فيجب عليهما تحييد إيران من خلال فرض تهديد مباشر على النظام الإيراني وعلى [علي] خامنئي شخصيًا”.
كما أعرب عوزي روبين[5]، الباحث في معهد القدس للاستراتيجية والأمن، عن شكوكه في الادعاءات التي تشير إلى أن الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون كان فرط صوتي، وقال إنه رغم أن إيران أعلنت نيتها تطوير هذه الأنواع من الأسلحة، إلا أنه لا توجد دلائل تشير إلى أنها وصلت إلى مرحلة الاختبار. اعتبر روبين أن وقت تحليق الصاروخ يتناسب مع وقت طيران صاروخ باليستي تقليدي.
أضاف روبين: “لا شك أن الإيرانيين زودوا الحوثيين بصواريخ ذات مدى أطول قليلًا من صواريخ “قادر”، التي استخدمها الحوثيون في مهاجمة إيلات حتى الآن”، وأشار في تحليل نشره مركز بيجين -السادات للدراسات الاستراتيجية بجامعة بار إيلان في يونيو، إلى أن صاروخ “قادر” هو “نسخة أكثر تطورًا من الصاروخ الإيراني الشهير “شهاب 3″، وهو في الأصل تصميم كوري شمالي يُصنع بترخيص في إيران، وأوضح أن الإيرانيين سلموه إلى حلفائهم الحوثيين في اليمن، الذين استخدموه في قصف إيلات عدة مرات بين أكتوبر 2023 ويونيو 2024، مشيرًا إلى أن دقته ليست كبيرة، ما يجعله أكثر ملاءمة لاستهداف المناطق السكانية بدلًا عن المنشآت الدقيقة.
مسؤول يمني بارز: الرد الإسرائيلي على الصاروخ هو دعم حربنا على الحوثيين
قال مسؤول بارز في جنوب اليمن لصحيفة “يسرائيل هيوم” إن الرد الإسرائيلي على الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون يجب أن يتضمن “إسناد قواتنا ميدانيًا بأسلحة متطورة”. ووفقًا له، يجب أن ينطوي الرد أيضًا على قصف أهداف عسكرية حيوية، لا تقل في مستواها عن الهجوم على ميناء الحديدة في يوليو الماضي.
أوضح المصدر، فيما يتعلق بإطلاق الحوثيين الصاروخ الباليستي على إسرائيل: “نحن في خضم حرب مع هذه الميليشيات الإرهابية التي لا تفهم إلا لغة الموت لكل من يعارضها. نأمل أن يستيقظ المجتمع الدولي من سباته ويدعم قواتنا ميدانيًا للقضاء على هذه الجماعة الإرهابية، التي لا تختلف عن التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة”.
قادت الولايات المتحدة على مدى أشهر تحالفًا غربيًا هاجم أهدافًا للحوثيين في اليمن، بما في ذلك منصات الإطلاق، والأسلحة، والمنشآت العسكرية. مع ذلك، لم يبدِ المصدر اليمني إعجابه ووصف العملية التي قادتها إدارة بايدن بأنها “ضعيفة للغاية وغير مركزة”. وردًا على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة ترفض دعم القوات الجنوبية، أجاب: “لا أعتقد أن هذا يزعج الأمريكيين مثلكم (الإسرائيليين). ففي نهاية المطاف، كلانا نتضرر من وجود هذه الجماعات الإرهابية”.
الصاروخ الباليستي الذي أطلقه الحوثيون على إسرائيل ليس فرط صوتي
قال الجيش الإسرائيلي إن الصاروخ الباليستي الذي أطلقه “الحوثيون” في اليمن على إسرائيل لم يكن صاروخًا فرط صوتي كما زعم الحوثيون، ولا نوعًا جديدًا متقدمًا من صواريخ المناورة التي يمكنها التفوق على أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي.
سيحقق الجيش الإسرائيلي في سبب تفكيك الصاروخ فقط عند اصطدامه مع الصاروخ الاعتراضي وعدم تدميره كليًا.
في الواقع، قال الجيش الإسرائيلي أيضًا إن الرأس الحربي كان سليمًا أثناء ضرب المنطقة المفتوحة، وهو أحد الأسباب التي أدت إلى نشوب حريق كبير. مع ذلك، يبدو أن الجيش الإسرائيلي بمجرد أن رأى تفكيك الصاروخ فوق منطقة “كفار دانيال” المفتوحة، قرر أنه لم يعد من المفيد مواصلة استهدافه.
في الوقت نفسه، أثارت استجابة الجيش الإسرائيلي أسئلة أخرى.
لماذا لم يدمر السهم 3 الصاروخ الباليستي في الغلاف الجوي للأرض؟ وما ضرورة إطلاق عدة صواريخ اعتراضية؟
إن إسقاط الصاروخ الباليستي بعد دخوله المجال الجوي الإسرائيلي هو فشل من نوع ما.
حتى لو لم تتفوق إسرائيل على تقنية فرط صوتية جديدة، تظل الحقيقة هي أن الدفاعات الجوية لم تحقق أهدافها، وهذا شيء يمكن للحوثيين وإيران والآخرين أن يتعلموا منه ويستغلوه مستقبلًا، حتى في الوقت الذي يحاول فيه الجيش الإسرائيلي إخفاء أسباب إخفاقه.
تآكل الردع الإسرائيلي
نفت القوات الجوية صراحة مزاعم الحوثيين بأنهم أطلقوا صاروخ فرط صوتي. وقالت: “لا يمتلك أعداؤنا، على حد علمنا، صاروخًا تفوق سرعته سرعة الصوت”. إن هذا النوع من الصواريخ معروف لدى المؤسسة الأمنية، وجرى إطلاقه من قبل، لكن امتنعت القوات الجوية عن نشر اسم طرازه، وقال قائد القوات الجوية اللواء تومر بار، إن “الإطلاق من اليمن هو تذكير بالتحدي متعدد الساحات الذي نواجهه في الدفاع والهجوم. سنواصل الدفاع ونعرف كيف نرد على كل من يسعى إلى إيذائنا بيد طويلة وقوية.”
تخشى إسرائيل من تآكل الردع في أعقاب إطلاق الصاروخ، ولا سيما بعد الأمل الذي أعقب قصف القوات الجوية لميناء الحديدة في اليمن -ردًا على الهجوم الدامي بطائرة مسيّرة على تل أبيب في يوليو -بأنه سوف يحقق بعض الهدوء.
في الواقع، إن الهجوم الحالي سيلزم إسرائيل باتخاذ رد فعل قوي، لأنها لو لم تقم بذلك فسوف تواجه مزيدًا من الهجمات.
خطة الحوثيين: مهاجمة إسرائيل من الحدود السورية
استيقظت إسرائيل على صوت صافرات الإنذار نتيجة صاروخ أرض-أرض أُطلق من اليمن. يتزامن هذا الإطلاق مع وعيد الحوثيين بالانتقام من إسرائيل ردًا على الهجوم الجوي الذي استهدف ميناء الحديدة، أهم شريان اقتصادي وعسكري للحوثيين. في الواقع، كان الحوثيون، الذين يشنون هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل منذ بداية الحرب، سيهاجمون إسرائيل بأي حال، حتى لو لم تهاجم ميناء الحديدة. لذلك، فإن عملية إطلاق الصواريخ تعد تذكيرًا واضحًا بخطورة تهديد الحوثيين، وضرورة اتخاذ موقف للتصدي لهم في أقرب وقت ممكن.
أوضح الحوثيون في تصريحات مختلفة أنهم ليسوا وكلاء لإيران. مع ذلك، فإنهم يتلقون دعمًا عسكريًا وماليًا شاملًا، وقد استوعبوا جيدًا بعض تعاليم “آية الله روح الله الخميني” الإيديولوجية. كما يتلقون توجيهات من طهران لتنفيذ هجماتهم، بالإضافة إلى تدريبات متنوعة. لذا، من الصعب أن نتصور أن يصل الحوثيون إلى مثل هذه القدرات الهجومية المهمة دون مساعدة إيران المكثفة.
رغم أن الصاروخ شق مسارًا طويلًا يبلغ مداه ألفين كيلومتر، إلا أن الحوثيين يعملون على تقليص المدى لمهاجمة إسرائيل من حدودها. ازدادت التقارير في الأيام الأخيرة، خصوصًا تلك الصادرة عن المعارضة السورية واليمنية، التي تفيد بأنه قد وصل إلى سوريا، الأسبوع الماضي، مجموعة من الناشطين الحوثيين، يبلغ عددهم زهاء خمسين “إرهابيًا” متخصصًا في إطلاق الصواريخ. تم نقلهم بواسطة الحرس الثوري الإيراني والجيش السوري إلى جنوب سوريا لشن هجمات على إسرائيل.
الساحة السورية ليست غريبة على الحوثيين، لأن قوة القدس التابعة للحرس الثوري نقلتهم إلى هناك خلال الحرب الأهلية في سوريا، لمحاربة خصوم الأسد وتدريبهم عمليًا، في إطار المبادرة الإيرانية بقيادة قائد قوة القدس آنذاك، قاسم سليماني. كانت هذه المبادرة تهدف إلى الارتقاء بمختلف عناصر محور المقاومة وتطوير التهديد “الإرهابي” الذي تشكله إيران على السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل في ساحة البحر الأحمر. بناءً على ذلك، نشرت تقارير عن مقتل نشطاء حوثيين في معارك في سوريا.
إن إطلاق الصواريخ من اليمن، واستعدادات الحوثيين لمهاجمة إسرائيل من الحدود السورية، يؤكدان أن إسرائيل لا يمكنها الانتظار على معالجة تهديد الحوثيين حتى الانتهاء من الصراع في الجبهات الأخرى. يجب على إسرائيل تخصيص الموارد الاستخباراتية والعسكرية للحد من هذا التهديد قدر الإمكان. في هذا السياق، ينبغي مواصلة شن هجمات جوية عليهم، واستهداف بنيتهم التحتية العسكرية والإنسانية والاقتصادية على حد سواء. لتحقيق هذه الغاية، يتوجب زيادة جمع المعلومات الاستخباراتية في الساحة اليمنية، والتعرف عن كثب على خصائص الأنشطة الاقتصادية للحوثيين، وطرق التهريب من إيران ومصادر الدعم في هذه المنطقة، وكذلك البنية التحتية العسكرية التي يستخدمها قادة الحوثيين، لتوجيه ضربة قاصمة لهم ولإيران في هذه المنطقة.
التهديد الحوثي لم ينجح ولكن لا حاجة لتغيير الأولويات أيضًا
إن إطلاق الصاروخ من اليمن نحو وسط البلاد يعد تذكيرًا آخر بأن التهديد الحوثي لم يختفِ، ومن الأفضل السماح للتحالف الدولي بمواصلة التصدي له، خصوصًا في ظل التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل، لا سيما على الجبهة الشمالية.
إن إطلاق الصاروخ الباليستي من اليمن لا ينبغي أن يكون مفاجئًا لأحد، فقد كرر الحوثيون تهديدهم بالانتقام من إسرائيل بعد الأضرار الجسيمة التي ألحقتها طائرات سلاح الجو بميناء الحديدة. علاوة على ذلك، حاول الحوثيون منذ تنفيذ هذا الهجوم الرد بعملية انتقامية ضد إسرائيل، لكن أنشطة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة نجحت في تعطيل هذا الانتقام، الذي حدث أخيرًا هذا الصباح.
إنه بالفعل حادث خطير، يشير إلى أنه رغم كل الجهود المبذولة، لم يكن لدى الحوثيين القدرة على الوصول إلى إسرائيل فحسب، بل تمكنوا أيضًا من تطوير قدراتهم على إطلاق الصواريخ والوصول إلى وسط البلاد. من المؤكد أن هذه الحقيقة تفاقم التهديد الحوثي المحتمل على إسرائيل، الذي ينضم إلى تهديد الطائرات المسيّرة التي أثبتت بالفعل قدرتها على القتل في الهجوم على تل أبيب، الذي سبق عملية القوات الجوية في الحديدة.
مع ذلك، على الرغم من عملية الإطلاق هذا الصباح والتذكير بأن التهديد الحوثي لإسرائيل قائم، فإنه لا ينبغي المبالغة في أهميته، فالنشاط المستمر للتحالف الدولي في مواجهة الحوثيين يجعل من الصعب عليهم تنفيذ تهديداتهم. إضافةً إلى ذلك، فإن الأيام القليلة الماضية على الحدود الشمالية، مع التركيز على خطر الانزلاق إلى حرب على تلك الجبهة، يجب أن تكون في بؤرة الاهتمام الأمني الإسرائيلي حتى بعد إطلاق النار هذا الصباح.
لقد أثبتت إسرائيل بالفعل أنها قادرة على إلحاق أضرار جسيمة بالحوثيين، لكن من المشكوك فيه جدًا ما إذا كان هذا الضرر المستقبلي سيغير بأي حال من إصرار الجماعة اليمنية “الإرهابية” على إلحاق الضرر بإسرائيل. لهذا السبب، وحتى لو قررت إسرائيل الرد على هذا الحادث الخطير، فإنه من الخطأ تحويل الانتباه عن المعركة في الشمال، فأي إجراء إسرائيلي في اليمن، مهما كان كبيرًا وواسعًا، لن يؤدي إلى وقف إطلاق النار من اليمن.
يوضح إطلاق الصواريخ مدى تعقيد التهديدات التي تواجه إسرائيل، وخاصة الحاجة إلى العمل ضمن إطار التحالف، الذي يعد نشاطه فعالًا في مواجهة محاولات الحوثيين لإطلاق النار، مع أنه لا يضر بالبنية التحتية في اليمن. بنظرة استشرافية، من المهم للغاية معالجة قوة الحوثيين، وخاصة فصلهم عن شريان الحياة الإيراني فيما يتعلق ببناء قدراتهم، مع التركيز على الصواريخ الباليستية.
الحوثيون يخططون للانتقام من إسرائيل ومن الخطأ التقليل منهم
إن الهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدة في 20 يوليو يعد مؤشرًا، إلى حد ما، على استعادة الردع الإسرائيلي، وترك انطباع بأن إسرائيل على دراية تامة بكيفية الرد بحزم على خصومها. الآن، بعد شهرين من الرد المزلزل، لا مفر من التساؤل ما إذا كانت إسرائيل قادرة على كبح عدوان الحوثيين.
بالنظر إلى التطورات الأخيرة في البحر الأحمر، يبدو أن الإجابة هي “لا، على الإطلاق”. فقد تعرضت ناقلتان نفطيتان لهجوم بصواريخ باليستية وطائرة مسيّرة متفجرة أطلقت من اليمن.
فيما يتعلق بالتهديد المباشر على إسرائيل، لا يبدو أن هناك ما يدعو للتفاؤل. فقد صرح زعيم مليشيا الحوثي، عبد الملك الحوثي، بأنهم يستعدون الآن للمرحلة “الخامسة” في مواجهة إسرائيل، والتي تتضمن إجراءات غير متوقعة وتوسيع بنك الأهداف، وهددوا بالرد بحزم على الأهداف العسكرية، والموانئ، والبنية التحتية للطاقة في إسرائيل، وكذلك إلحاق الضرر بإمدادات النفط التي تستوردها.
إذا كان الأمر كذلك، فإن الهجوم الضخم على ميناء الحديدة، رغم أهميته، لم يسفر إلا عن هدوء مؤقت فقط، ولا ينبغي استنتاج أنه قد ردع الحوثيين، واستنادًا إلى حماستهم الشديدة لمهاجمة إسرائيل واستئناف الهجمات في البحر الأحمر، يبدو على الأرجح أن هذا الهدوء هو مجرد مهلة لإعادة تنظيم صفوفهم.
لذلك، ينبغي لإسرائيل أن تأخذ في الحسبان أنه طالما استمر التعاون الإيراني الحوثي دون عوائق، فمن المتوقع أن يتسع نطاق التهديدات من طهران ووكلائها تجاه إسرائيل والغرب. قد يعزز الحوثيون قدراتهم من حيث الكم أو النوع، وربما يقربون التهديد، على سبيل المثال باستئناف الرحلات الجوية المباشرة من صنعاء إلى عمّان.
وفي ضوء تركيز إسرائيل على ساحتي غزة ولبنان، اللتين تمثلان تحديًا أكبر، يجب ألا تتجاهل التهديد الحوثي، وأن تستعد في المستقبل القريب لاتخاذ تدابير صارمة، منها تصفية القيادة الحوثية، والهجمات السيبرانية، ومواصلة إلحاق الضرر بالأصول والبنية التحتية الاقتصادية والعسكرية الخاضعة لسيطرتهم.
كما ينبغي عليها عرقلة المساعدات الإيرانية القاتلة لهجمات الحوثيين من خلال مهاجمة سفينة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري الإيراني، واستهداف المسؤولين الإيرانيين والأصول الإيرانية في اليمن.
كذلك، يتعين على إسرائيل زيادة الوعي بين صناع القرار في الولايات المتحدة وأوروبا، وفي المنتديات الدولية، بشأن التهديد الذي تشكله الميليشيات اليمنية على بلدانهم، بما في ذلك طموحات الحوثيين لتطوير أسلحة متقدمة، قد تمكنهم من تهديد أوروبا والولايات المتحدة بشكل مباشر.
حرب “السيوف الحديدية”، التي تتعرض فيها إسرائيل لأول مرة لهجوم في سبع ساحات في آن واحد، تسلط الضوء على استعدادات محور المقاومة بقيادة إيران التي استمرت لسنوات طويلة، وقد بدأت المساعدات العسكرية الإيرانية للحوثيين في وقت مبكر من عام 2009، وتكثفت منذ عام 2015. تقطف إيران حاليًا ثمار استثمارها في ساحة البحر الأحمر، وإسرائيل، جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة، مطالبتان بتصحيح إهمال طويل الأمد تجاه التهديد المتنامي في هذه الساحة. بناءً على ذلك، ومع الحاجة الملحة للتعامل مع ساحتي غزة ولبنان، فإن التهديد المتزايد الذي يشكله الحوثيون يتطلب بلورة خطة استراتيجية شاملة، تتضمن معالجة جادة وتدابير استباقية وجريئة لتقليص حجم التهديد.
نتنياهو: من الممكن تهريب الرهائن عبر محور فيلادلفيا إلى إيران واليمن
رفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ادعاءات وزير الدفاع يوآف غالانت بإمكانية عودة إسرائيل إلى محور فيلادلفيا بعد 42 يومًا، إذا انسحبت منه في إطار صفقة الرهائن ووقف إطلاق النار، وقال في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز “لقد قال غالانت بإمكاننا مغادرة محور فيلادلفيا والعودة بعد 42 يومًا. يمكنهم من اللحظة التي نغادر فيها تهريب الرهائن إلى الخارج، والطريقة الوحيدة لمنع ذلك هي البقاء هناك”. “إذا غادرنا، سوف نواجه ضغطا كبيرًا حتى لا نعود”.
أضاف نتنياهو: إن البقاء في محور فيلادلفيا سيمنع حماس من “تهريب الرهائن إلى سيناء ومن هناك إلى إيران واليمن، وهناك سوف نفقدهم إلى الأبد”، وأضاف: إن محور فيلادلفيا هو بوابة إيران إلى غزة.
“حلقة النار” الإيرانية مجبرة على المناورة بين المصالح المتعارضة
ربما يكون الحوثيون أكثر وكلاء إيران تعقيدًا من حيث السيطرة عليهم، فإيران هي الدولة الوحيدة التي تعترف بجماعة الحوثيين، كما أنها عينت سفيرًا لديهم (توفي سلفه إثر مضاعفات كورونا، وفقًا للرواية الإيرانية الرسمية. فيما تفيد رواية أخرى أنه قتل جراء قصف لقوات التحالف). لكن هذه العلاقات الدبلوماسية لا تدل على خضوع زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي سياسيًا أو عسكريًا للقيادة في طهران أو لتعليمات قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، إسماعيل قآني. يختلف “النموذج الحوثي” في “حلقة النار” الإيرانية جذريًا عن “الفرع العراقي”، وبالتأكيد عن الفرع اللبناني المتمثل في حزب الله.
يمكن النظر إلى انضمام الحوثيين إلى “وحدة الساحات” و”جبهة الإسناد” لحماس في حرب غزة على أنه موقف أيديولوجي، على الأقل وفقًا للتصريحات. مع ذلك، فإنه يوفر للحوثي وسيلة للسيطرة، ومبررًا لنهب موارد الدولة باسم “القضية” وحشد الجنود لجيشه. الأكثر أهمية هو أن سيطرة الحوثيين على حركة الملاحة البحرية والبحر الأحمر، والأضرار الجسيمة التي ألحقوها بدول المنطقة (ولا سيما مصر) وبالاقتصاد العالمي -إلى جانب المواجهة مع تحالف عسكري دولي -تمنحهم مكانة مرموقة، فهم الفرع الوحيد في “حلقة النار” الذي لا يشن حربًا مباشرة على إسرائيل فحسب، كما يفعل حزب الله، بل أيضًا على الولايات المتحدة و “الاستعمار العالمي”.
الحوثي ليس قائد ميليشيا فحسب، بل هو مسؤول عن “الدولة” الوحيدة التي تشن حربًا مفتوحة وعلنية على إسرائيل والولايات المتحدة، ورغم أنه يعتمد على الدعم العسكري والأسلحة والتكنولوجيا الإيرانية، فإنه لا يعتمد على التمويل الإيراني، بل يتمكن من تحصيل إيراداته الخاصة، فهو يجني مئات الملايين من الدولارات من استيراد النفط عبر ميناء الحديدة، الذي يواصل عمله رغم أن إسرائيل قصفته في يوليو، كما يجبي الرسوم والضرائب حسب رغبته.
إن سيطرته على الأراضي والعقارات تعني السيطرة على تسجيل الأراضي والعقارات. كما أنه أنشأ بنكًا مركزيًا موازيًا للبنك المركزي الذي أنشأته الحكومة اليمنية المعترف بها، ولأنه يدير المفاوضات مع السعودية بشأن إنهاء الحرب في اليمن، فقد اكتسب امتيازًا سعوديًا مهمًا: حيث ستدفع الحكومة اليمنية المعترف بها، بتمويل سعودي، رواتب الموظفين والمعلمين المدرجين ضمن القوى العاملة الحكومية، ولكنهم يعملون فعليًا في مناطق سيطرة الحوثيين.
لكن القوة الهائلة التي اكتسبها الحوثيون، إلى جانب استقلالهم السياسي والاقتصادي، لا تعتبر بالضرورة قوة لإيران، بل قد تضر بمصالحها. إذ لو سعت إيران إلى استعادة علاقاتها مع دول المنطقة، وتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع السعودية، عدو “دولة الحوثيين”، واستئناف علاقاتها مع مصر، التي تضررت من أنشطة الحوثيين في البحر الأحمر، فقد لا تستطيع ضمان تخلي زعيم الحوثيين عن أهدافه مقابل تحقيق أهداف طهران. يلتزم الحوثيون بـ”وحدة الساحات”، لكن لا يمكن الجزم بموقفهم في حال تم التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، وهل سيلتزمون به، كما تعهد حزب الله بذلك.
على النقيض من الفرع اليمني، حيث “الدولة” هي القوة العسكرية التي يُفترض أن تخدم إيران، تتفاوض الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني مع الولايات المتحدة من أجل الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من العراق، وهذه مصلحة إيرانية واضحة، لأنها تخشى من إقامة اتفاق دفاعي سعودي-أمريكي تشارك فيه إسرائيل. هذه المخاوف تتزايد مع الوجود العسكري الأمريكي الضخم في الشرق الأوسط. تحقيق هذه المصلحة لا يتسق مع هجمات الميليشيات على الأهداف الأمريكية، لأنها قد تؤدي إلى تأخير الانسحاب.
يمكن أيضًا الجمع بين هذا التضارب في المصالح وتصريحات الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، الذي يعتزم إنشاء قناة دبلوماسية، تبدأ مع الدول الأوروبية، ثم الولايات المتحدة، لرفع العقوبات المفروضة على إيران. طبيعة هذا الجهد الدبلوماسي ليست واضحة بعد، ولكن من المؤكد أنه سيكون من الصعب تحقيقه في ظل هجمات الميليشيات الموالية لإيران من العراق على أهداف أمريكية، أو “عمل انتقامي” إيراني على إسرائيل، والذي قد يورط الولايات المتحدة بشكل مباشر.
- باحث بارز في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في مجال الاستراتيجية البحرية. خدم في سلاح البحرية الإسرائيلي لمدة ثلاثين عامًا تولى فيها مناصب قيادية عديدة. عين في ديسمبر 2019 رئيسًا لشعبة الاستخبارات البحرية.
- محلل شؤون الشرق الأوسط لدى صحيفة “هآرتس”، عمل مسبقًا مبعوثًا للصحيفة في واشنطن. ويحاضر “برئيل” في كلية “سابير”، وجامعة “بن غوريون”، ويبحث في سياسة وثقافة الشرق الأوسط. حاز، عام 2009، على جائزة “سوكولوف” على إنجازاته.
- باحث مشارك في مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية، ومراسل الشؤون العسكرية والاستراتيجية في المركز، وموقع “Jewish News Syndicate، والمجلة الأسبوعية Jane’s Defence Weekly، ومحلل في معهد مريام.
- باحث أول في المركز المقدسي لشؤون الجمهور والدولة. متخصص في القضايا الاستراتيجية، مع التركيز على إيران، والإرهاب، والشرق الأوسط. خدم في الجيش الإسرائيلي في وحدة الأبحاث الإيرانية بفرع الاستخبارات، وفلسطين، ومكافحة الانتشار. كما أنه رئيس الاستخبارات في شركة Acumen Risk لأبحاث المخاطر والتهديدات.
- باحث في معهد القدس للدراسات الاستراتيجية والأمنية (JISS). مؤسس إدارة الدفاع الصاروخي في وزارة الدفاع الإسرائيلية، وكان مسؤولًا عن تطوير، وإنتاج أنظمة ال “Arrow Weapon system”. وتم تعيينه فيما بعد مديرًا رفيعًا في مجلس الأمن القومي، كما أنه أدار برنامج تطوير أنظمة السلام في الصناعة الجوية، وقد حاز على جائزة “أمن إسرائيل” مرتين في عام (1996 و2003).
- صحفي ومحرر في موقع “إسرائيل هيوم”، وهو باحث ماجستير في دراسات الشرق الأوسط في جامعة “بار إيلان”.
- محلل في الشؤون الاستخباراتية والإرهاب والقانون في صحيفة جيروزاليم بوست، وهو يتناول مجموعة متنوعة من قضايا الاستخبارات، والموساد، والإرهاب، والحرب السيبرانية. يتمتع “يونا” بعلاقات وثيقة مع جميع الوزارات الإسرائيلية العليا نظرًا لمناصبه السابقة في الجيش الإسرائيلي، ووزارة الخارجية، ووزارة العدل.
- المراسل العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت
- باحث في شؤون إيران والإسلام في معهد مسجاف لبحوث الأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية. يتحدث الفارسية والعربية. عمل باحثًا في مركز عزري للدراسات الإيرانية والخليج العربي، ومعهد ميمري. وتتركز دراساته حول الشأن الإيراني، والمليشيات الشيعية.
- خدم الرائد احتياط، داني دانيس سيترينوفيتش 25 عامًا في عدة وظائف قيادية في وحدات جمع المعلومات والبحث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. وحصل على الماجستير في العلاقات الدولية من الجامعة العبرية، وهو مهتم للغاية بالتطورات الاستراتيجية في الشرق الأوسط مع التركيز على الحرب على إيران.
- باحثة في معهد مسجاف لبحوث الأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية.