يمثل الشباب شريحة اجتماعية متميزة في الثقافة السياسية اليمنية. ورغم سنوات من التهميش والتضليل الذي عاشه الشباب في عهد الرئيس علي عبد الله صالح، أشعلت انتفاضة الشباب في 2011، الآمال بحقبة جديدة من المواطنة الشاملة تُعلق فيها الأحزاب السياسية أهمية على دور الشباب اليمني كأصحاب مصلحة وصناع قرار، وتكفل مشاركتهم في اللجان العليا.
تم لاحقًا إشراك الناشطين السياسيين من الشباب بالفعل، كفئة محددة من الكتل السياسية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، وتم تحديد أدوار ونسب تمثيل معينة للشباب لرسم المستقبل السياسي للبلاد كجزء من نتائج المؤتمر. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث اندلعت الحرب بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء عام 2014، لتُبدّد كل المكاسب التي حققها الشباب خلال الفترة الانتقالية، وتؤدي إلى انقسامات بين الناشطين الشباب داخل اليمن وخارجه.
اليوم، تبرز تحديات لا حصر لها أمام المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان والدعم الإنساني، ذلك الحيّز الذي حاول من خلاله الشباب لعب دور بنّاء أثناء الحرب. وبالتوازي، انكمشت المجالات المتاحة لإشراك الشباب في الحياة السياسية داخل المناطق التي تسيطر عليها الحكومة ومناطق سيطرة الحوثيين على حد سواء.
برغم كل هذه الصعوبات، يستعرض هذا الموجز السياساتي تدابير عملية من شأنها تمكين القيادات الشابة والنشطاء في اليمن من الانتصار لأولوياتهم والدفاع عن حقهم الأصيل في المشاركة. تُركز التوصيات على الآتي:
لعب الشباب دوراً محورياً في انتفاضة 2011، ضد نظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، حيث طالبوا بحقوقهم المدنية وتغيير واقعهم السياسي، مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي والمنافذ الإعلامية للتعبير عن هذه المطالب. مع تصاعد الاحتجاجات، نظم الشباب مظاهرات واعتصامات متزايدة، وأدى ضغط الشارع نهاية المطاف إلى تغيير سياسي كبير في اليمن، بما في ذلك تنحي صالح أوائل العام 2012[1]. شهدت تلك الفترة العديد من الأحداث الهامة في إطار الحراك الشبابي، بما في ذلك ظهور كيانات وائتلافات[2] جديدة يقودها الشباب مثل المجلس التنسيقي لشباب ثورة التغيير وحزب الوطن[3]. كما اتجهت الجهات الفاعلة المحلية والدولية المنخرطة في العملية الانتقالية في اليمن إلى تحويل الموارد نحو تعزيز دور الشباب في الحياة السياسية[4]، وأُتيحت لكثير من الشباب اليمني لاحقًا فرص لبناء قدراتهم في العمل السياسي من خلال المشاركة في المؤتمرات والندوات داخل وخارج اليمن. أمام هذا الحراك الشبابي، وجدت الحكومة والأحزاب السياسية نفسها مضطرة إلى إشراك القيادات الشبابية[5] في مؤتمر الحوار الوطني (2013-2014) الذي سعى إلى تعزيز المصالحة الوطنية ورسم مسار جديد للحياة السياسية في اليمن[6].
للأسف الشديد تغير المسار، حيث شهد الحراك الشبابي منعطفاً في مساره مع تفاقم الأزمة السياسية عام 2014، واندلاع حرب جديدة عام 2015، حيث انضم بعض الشباب لاحقًا إلى الجماعات المسلحة، وغادر العديد منهم البلاد تمامًا، ما أثر سلبًا على المشاركة السياسية للشباب داخل اليمن. فرض الصراع مقاربة جديدة للحراك الشبابي، ومن ذلك آليات جديدة لتعزيز التواصل بين الشباب داخل اليمن وخارجه، وتمكن الناشطون من العمل معًا في حملات المناصرة التي دعت، على سبيل المثال، إلى إنهاء الحرب أو إعادة فتح الطرق لتخفيف الأعباء عن كاهل المدنيين[7]. مع ذلك، يواجه الحراك الشبابي في اليمن العديد من التحديات، بما في ذلك قلة خبرة الشباب وخطورة الوضع الأمني، مما يعوق التنظيم الفعلي على الأرض.
يستكشف هذا الموجز السياساتي مختلف أشكال الحراك الشبابي التي نشأت خلال فترة الحرب في اليمن ، والتحديات التي تعيق التنسيق بين الشباب اليمني داخل اليمن وخارجه. كما يقترح تدابير عملية للجهات الفاعلة على المستويين المحلي والدولي لدعم الشباب اليمني باعتباره مكوّنا اجتماعيا وسياسيا له خصائصه واحتياجاته الفريدة في المجتمع اليمني، لاسيما في المجتمع المدني الذي يوفر حيزا أقل تهديدًا على حياتهم، و يسمح بأن يكون لهم دور مؤثر.
تستند هذه الدراسة إلى البيانات الأولية التي جُمعت من خلال المقابلات ومجموعات النقاش البؤرية، فضلاً عن دراسات وأدبيات في علم الاجتماع تناولت قضايا الشباب اليمني.
في الفترة ما بين ديسمبر/كانون الأول 2021 ومارس/آذار 2022، أجريت 23 مقابلة مستفيضة مع 13 شابًا و10 شابات تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عامًا، وهي فئة عمرية تعكس تقريبًا الشريحة الاجتماعية المصنفة كـ”شباب”.
أجريت المقابلات بصفة شخصية أو عبر الهاتف أو عبر تطبيق زووم، وشملت قائمة المشاركين فيها: ناشطين سياسيين ومجتمعيين وباحثين وصحفيين وشباب عاملين لدى منظمات مجتمع مدني. ينتمى المشاركون من داخل اليمن لخمس محافظات: تعز (ستة أشخاص)، وصنعاء (أربعة أشخاص)، وعدن (ستة أشخاص)، وحضرموت (شخص واحد)، وشبوة (شخص واحد)، حيث تمثل هذه المحافظات المناطق الحضرية الرئيسية في الشمال والجنوب.
ينخرط هؤلاء الأشخاص في أنشطة متصلة بصنع السلام ولديهم تأثير نظرًا لعملهم عن قرب مع منظمات المجتمع المدني ودوائر صناع القرار في مناطقهم. من جهة أخرى، شملت قائمة المشاركين في المقابلات من المقيمين خارج اليمن: شابين مقيمين في مصر، وشاب مقيم في هولندا ، وشاب مقيم في ماليزيا ، وشاب مقيم في كندا. فضلا عن ذلك، شملت مجموعات النقاش البؤرية، التي نُظمت عبر تطبيق زووم، ممثلين من المجموعات التالية المشاركة في مبادرات الشباب وأنشطة بناء السلام: التوافق الشبابي للسلام والأمن، مبادرة حفيدات بلقيس، مبادرة سامح، فريق دعم الوساطة الشبابية، مشاورات شباب عدن، شبكة “مساهمتي تنمية”، وشبكة القيادات الشبابية اليمنية.
تجدر الإشارة إلى أن الوضع الأمني داخل اليمن كان أحد القيود الرئيسية في إعداد هذه الدراسة، حيث لم يكن يسيرًا إجراء المقابلات بصفة شخصية مع المشاركين؛ وحتى لدى إجراء المقابلات عبر تطبيق زووم، أعرب بعض المشاركين عن خوفهم وقلقهم من استهدافهم من قبل القوى السياسية أو الجماعات المسلحة أو السلطات الحاكمة (بما في ذلك سلطات الأمر الواقع). وكان ضعف الاتصال بالإنترنت وانقطاعه من بين الإشكالات التي ووجهت أثناء العمل على هذه الدراسة.
تنص المادة 24 من الدستور اليمني على التزام الدولة بضمان تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسياً دون تمييز؛ ورغم ذلك، يواجه الشباب في اليمن صعوبات في شغل مناصب ذات نفوذ، حيث يحظر القانون اليمني على من هم دون سن الأربعين تولي منصب رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو مُحافظ (للمُحافظات) [8]. ورغم أن العديد من الدول تطبق قواعد مماثلة، يعكس هذا الوضع في السياق اليمني ثقافة سياسية تفرض قيودًا بشكل خاص على شريحة سكانية بعينها مصنفة كفئة “الشباب”.
كان تمثيل الشباب في الحكومات اليمنية السابقة ضعيفاً، وكانت الأحزاب التي تهيمن على الحياة السياسية قبل عام 2011، تتمثل بشكل عام في شخصيات معينة من أتباعهم، دون إشراك الشباب عادة في صنع القرار[9]. أما الشباب الذي نجحوا في الوصول إلى عضوية البرلمان أو المجالس المحلية، فقد تبوءوا مناصبهم من خلال المحسوبية في معظم الحالات؛ ويتم توريث المناصب لأبناء المسؤولين المتوفين ممن يسيرون على خطى آبائهم كممثلين لأسرهم، لدرجة أن هناك مقولة شائعة في اليمن: “نَنتخبه لأجل أبوه”[10]. وعلى غير العادة، وُضعت استراتيجية في عام 2005، تركز على تعزيز مشاركة الشباب في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهي الاستراتيجية الوطنية للطفولة والشباب، في إطار الجهود الدولية الرامية إلى توطين أهداف الأمم المتحدة الإنمائية للألفية[11].
جاءت انتفاضة شباب 2011 لتحرّك المياه الراكدة في السياسة اليمنية، وشهدت معها العديد من الفئات، بما في ذلك الشباب، حراكًا ونشاطًا جديدًا لم يُألف من قبل؛ حيث اعتبرها العديد من الشباب الذين أجريت معهم مقابلات، أول بداية لهم للمشاركة في الحياة السياسية. أتاحت ساحات الاحتجاج الفرصة للشباب لطرح ومناقشة مطالبهم السياسية علناً، ما عزز رغبتهم في أن يكون لهم رأي ودور في مستقبل الحُكم وصنع القرار في البلاد[12]. خلال مرحلة (الثورة)، تمكن الشباب من إقرار حقهم في المشاركة السياسية، بل واكتسبوا احترام المجتمع اليمني على جهودهم في هذا الصدد[13].
في الوقت نفسه، أصبحت المنظمات المحلية والدولية والوكالات الإنمائية أكثر انفتاحًا تجاه الشباب، وسُنحت للعديد من الشباب فرص للمشاركة في مؤتمرات دولية وبرامج تمكين سياسي. وتم إطلاق العديد من المبادرات التي تركز على تمكين الشباب (بدعم دولي)، مثل برلمان الشباب اليمني المدعوم من الصندوق الوطني للديمقراطية[14].
رغم أن المبادرة الخليجية – التي رعت اتفاق تنحي صالح عن السلطة وترتيبات الانتقال السياسي في اليمن – لم تنص على دور محدد للشباب، إلا أنها أكدت على ضرورة مشاركة الشباب في هذه العملية. بعدها، دعا مؤتمر الحوار الوطني (2013 -2014) الشباب للمشاركة باعتبارهم شريحة مجتمعية مهمشة، وتمثلت أحد مخرجات مؤتمر الحوار الوطني في نيل الشباب الموافقة على إنشاء مجلس أعلى مستقل للشباب، ليكون لهم دور حقيقي في وضع السياسات العامة والرقابة، فضلاً عن حصة تمثيل بنسبة 20% في الهيئات الحكومية[15].
تأثير الحرب على الحراك الشبابي
توقفت عملية الانتقال السياسي في اليمن مع اندلاع الحرب عام 2015، وتوقفت على إثرها جهود تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، بما في ذلك المخرجات المتعلقة بدور الشباب. وانقسم الناشطون الشباب بعد ذلك إلى معسكرين: اختار المعسكر الأول الهجرة إلى الخارج، وخاصة الصحفيون الشباب وقادة المجتمع والنشطاء المنخرطون في أنشطة سياسية ومدنية ممن اضطروا غالبًا إلى مغادرة اليمن لأسباب تتعلق بالسلامة[16]. يصف الشباب الذين بقوا في اليمن أقرانهم ممن غادروا أرض الوطن بأنهم “النخبة التي خسروها”. والواقع أن هجرة أولئك الشباب إلى خارج اليمن أدت إلى تراجع عدد النشطاء الأكفاء على الأرض[17]. ضم المعسكر الثاني الشباب الذين بقوا في اليمن، حيث أعاد بعضهم تركيز عملهم على الأنشطة المدنية والإنسانية، بعد أن وجدوا أنها أكثر أمانًا حفاظاً على سلامتهم وسلامة أسرهم. بينما اتجه آخرون للقتال في الجبهات بسبب عدة دوافع، منها الانتماءات السياسية والإيديولوجية والظروف الاقتصادية والمادية[18]. ومن المؤسف أن هذا الانقسام أدى إلى تراجع المشاركة السياسية للشباب واختفاء العديد من المجموعات الشبابية التي تأسست خلال مرحلة (الثورة) واشتهرت باستقلالية أعمالها وانخراطها مع المجتمعات المحلية.
يواجه الشباب اليمني، سواء داخل اليمن أو خارجه، العديد من التحديات التي تعيق انخراطه بفاعلية في الأنشطة المجتمعية والسياسية. ففي داخل اليمن، يعاني الشباب سياسات الإقصاء الممنهجة التي تصيغها الأطراف المتحاربة[19]، ويهاب البعض ويخشى المشاركة في الأنشطة السياسية بسبب غياب الأمن. في المناطق الشمالية، يواجه الشباب تهديدات صريحة من أجهزة الأمن الحوثية؛ أما في تعز، فقد واجه الناشطون الشباب اتهامات بالخيانة من جانب الحكومة والسلطات الحوثية على حد سواء، مما زاد من إحجامهم عن المشاركة في الأنشطة السياسية. تعرض الشباب العاملون مع منظمات المجتمع المدني على وجه الخصوص إلى مضايقات وتهديدات من قبل الأجهزة الأمنية في جميع أنحاء البلاد؛ حتى أن بعض المجموعات تعرضت لضغوط لتغيير أسماء منظماتهم أو مبادراتهم إن كانت تشير أو تُلمح إلى العمل من أجل صنع السلام أو المشاركة السياسية. وقد أثر انعدام الأمن بشكل عام سلبًا على حرية التعبير والمشاركة السياسية للشباب[20].
بالنسبة للشباب اليمني المتواجد في الخارج، فيواجه تحديات أخرى تتعلق بالمشاركة السياسية، حيث حاول البعض تنظيم مجموعات لاستئناف الحراك الشبابي، إلاّ أنها تعرضت للتهديد في بعض الأحيان وواجه بعضها حملات تشويه مستهدفة[21]. وازداد انتشار الشللية داخل مجموعات الشباب[22] – حيث تقتصر غالبًا فرص الشباب للمشاركة في ورش العمل والمؤتمرات على نفس الوجوه، بينما يظل الآخرون مهمشين[23]. في الوقت نفسه، يخشى أيضًا الشباب المتواجدون في الخارج – ممن لهم سجل حافل من النشاط السياسي – التعرض للمضايقة أو الاستجواب أو الاحتجاز أو حتى القتل إذا عادوا إلى وطنهم.
على مدار سنوات الحرب، عانى اليمن من تراجع في الأنشطة السياسية والحزبية، وتتجسد انتهاكات حقوق حرية التعبير والمشاركة السياسية في أشكال القمع الذي يتعرض له الصحفيون والنشطاء الشباب على نطاق واسع، فضلا عن تقييد الحيز العام في صنعاء، والجهود المستمرة لمنع تعبئة الشباب.
بشكل عام، يشعر الشباب أنه يتم تجاهلهم في عملية السلام الجارية، حيث لم تهتم الأطراف المتحاربة بالاستماع إلى آرائهم أو إعطائهم الفرصة لطرح رؤاهم خلال المفاوضات. كما أن نقص التمويل للأنشطة السياسية والمدنية في اليمن دفع بعض مجموعات الشباب إلى التحول نحو الأنشطة الإنسانية والإغاثية عوضًا عن النشاط السياسي. على الجانب الآخر، كان للشباب اليمني المتواجد في الخارج حضور بنسبة أكبر في المؤتمرات والاجتماعات الدولية مع قادة العالم لمناقشة الوضع في اليمن واحتياجاته. أتاح لهم ذلك فرصة تقديم صورة واضحة للقضايا الاجتماعية والاقتصادية بالغة الأهمية في اليمن أمام المجتمع الدولي وقيادة حملات المناصرة[24].
على الرغم مما واجهه الشباب والمجموعات الشبابية اليمنية من تهميش وقمع، لا تزال جهود استئناف الحراك الشبابي مستمرة. يعتمد الشباب الآن على المنصات الرقمية كوسيلة رئيسية للتواصل والتعبئة بشأن القضايا السياسية والاجتماعية، بعدما قيّدت أجهزة الأمن الحوثية في صنعاء الحيز العام وفرضت قيودًا على التجمعات العامة منذ العام 2015. كما يسمح الإنترنت للشباب اليمني داخل اليمن وخارجه بالتواصل مع بعضهم بعضًا، ومن بين أبرز المبادرات التي أطلقها الشباب اليمني على الإنترنت منصة “شباب هاوس”[25] و حملة كفاية حرب”[26].
استخدمت منظمات المجتمع المدني المنصات الرقمية أيضا، للتنسيق مع الشباب اليمني المتواجد في الخارج وإطلاق حملات مناصرة من خلال منصاتها الإلكترونية[27]. يتيح الإنترنت والمنصات الرقمية للشباب فرصًا لتطوير وصقل مهاراتهم من خلال حضور الدورات التدريبية الافتراضية التي تعقدها منظمات المجتمع المدني. إضافة إلى ذلك، أتاحت المنتديات الافتراضية للشباب – بمختلف خلفياتهم ومواقع تواجدهم – الفرصة للتواصل مع الجهات الفاعلة الدولية بشأن اليمن، كما حدث في ديسمبر/كانون الأول 2021 عندما التقى المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث بمجموعة من الشباب اليمني لمناقشة الاستراتيجيات الرامية إلى تعزيز إشراكهم في عملية السلام[28].
الوساطة المحلية وعملية صنع السلام
يرى الشباب أن الحرب والتحديات الناجمة عنها قد عظّمت أهمية دورهم في مجال الوساطة وصنع السلام وحلّ النزاع. وعليه، عمل الشباب بدأب على تنسيق مبادرات مشتركة تجمع الشباب داخل اليمن وخارجه، ومن أمثلة ذلك مبادرة “جيش شنب” التي هدفت إلى تقديم المساعدة للأسر المتضررة من الاشتباكات المسلحة بين أنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح وقوات الحوثيين في صنعاء في عام 2017.[29]
على مدى السنوات الثلاث الماضية، حاولت المنظمات الشبابية استئناف أنشطتها من خلال مشاريع شبابية تركز على التمكين السياسي وصنع السلام. وقد أسفرت هذه المشاريع عن تشكيل مجموعات شبابية جديدة يمكن أن تساعد في استئناف الحراك الشبابي، حيث يجمع بعضها شباب من داخل اليمن وخارجه، مثل فريق دعم الوساطة الشبابية الذي يعمل في مجال الوساطة المحلية وفضّ النزاعات المجتمعية بدعم من المنظمات المحلية والدولية.
مع ذلك، كان الدعم المقدم لبناء قدرات الشباب الساعين إلى الانخراط الفعّال في مثل هذه الجهود ضعيفًا، مما أعاق قدرة الشباب على تحقيق إنجازات ملموسة في مسار بناء السلام والوساطة المحلية.
على الرغم من محاولات الشباب لإعادة إحياء نشاطهم السياسي، لا يزالوا يواجهون عراقيل تُضعف التواصل بينهم وتعيق جهود التنظيم، ولا سيما مع الانقسام في أولويات الشباب المتواجد داخل اليمن والشباب خارجه.
تعود الفجوة في التواصل بين الشباب داخل اليمن وخارجه إلى عاملين رئيسيين: الأول، ضعف البنية التحتية لخدمة الإنترنت في اليمن، مما يجعل من الصعب على الشباب عقد اجتماعات افتراضية، والتي أصبحت الوسيلة الوحيدة تقريبًا للقاء في ظل قمع التجمعات الشبابية. كما أن تقييد حرية السفر من وإلى اليمن، وخاصة بالنسبة للنساء، يشكل عاملًا آخر في خلق هذه الفجوة في التواصل[30].
أشار المشاركون في المقابلات إلى أن العامل الآخر وراء الفجوة في التواصل يتمثل في انعدام الثقة، فضلا عن النظرة السلبية لدى بعض الشباب داخل اليمن تجاه من يعيشون في الخارج والانطباع بأنهم تخلوا عنهم في ظروف صعبة من أجل حياة “أسهل” في الخارج[31]. بالتوازي، قد يجد الشباب في الخارج صعوبة في اكتساب ثقة الذين يعيشون في الداخل، وخاصة عند إبداء الآراء أو عند طرح مقاربات يبدو أنهم تعلموها أثناء العيش أو الدراسة في الخارج[32].
بالإضافة إلى ذلك، تستمر المخاوف الأمنية لدى العديدين؛ وبسبب المخاطر الأمنية المحتملة، قد يشتبه البعض بتحيزّ غيرهم من الشباب سياسياً أو بوجود دوافع أخرى لديهم، مما قد يولّد لدى تلك الفئة شعورًا بالتردد للتعبير عن آرائهم مع من لا يعرفونهم معرفة جيدة خوفًا على سلامتهم وسلامة أسرهم، وهذا واقع ينطبق على كل من هم داخل اليمن وخارجه[33].
يُخلّف هذا الامتعاض والارتياب أثرًا سلبيًا يحد من قدرة الشباب على إنشاء كيان موحد يُمثلهم[34]؛ ومن ثمّ، لابد من اتخاذ خطوات لتجاوز لهذا الشعور بانعدام الثقة ودعم التواصل بين الشباب داخل اليمن وخارجه بما يُمكّنهم من تحقيق تطلعاتهم المشتركة وتعزيز رؤية جماعية لمستقبل البلاد.
يعاني الشباب، سواء داخل اليمن أو خارجها، من غياب رؤية موحدة تتعاطى مع الأولويات المشتركة وتركز بدقة أكبر على قضايا محددة. يرجع هذا جزئياً إلى التفاوت والتباين في ظروفهم المعيشية الحالية وتغيرات الوضع السياسي[35]. فعلى سبيل المثال، يبدو أن الشباب في صنعاء يعطون أولوية أكبر لحرية التعبير التي قمعتها السلطات الحوثية بصورة مطردة، بينما يركز الشباب في عدن على الواقع الأمني بعد سنوات من الصراع العنيف والاغتيالات والجرائم التي ابتليت بها المدينة.
في تعز، يشدد الشباب على أهمية إعادة فتح الطرق لتسهيل التنقل من أجل التعليم والمشاركة في اجتماعات داخل اليمن وخارجها[36]. في الوقت نفسه، هناك غالباً انطباع سائد على المستوى المحلي بأن الشباب المتواجدين خارج اليمن مدفوعون أكثر بالانتماء السياسي والحزبي، بغض النظر عما إذا كان هذا الانطباع عادلاً أو مجحفاً بحقهم. [37] ورغم محاولات بعض منظمات المجتمع المدني لمّ شمل المواطنين داخل اليمن وخارجه تحت مظلة واحدة، مثل مجموعة الدعم الشبابية التي جمعت العديد من الائتلافات الشبابية بهدف توحيد الجهود المتعلقة بأنشطة بناء السلام[38]، فشلت هذه المبادرات بشكل أو بآخر بسبب النزعة لدى بعض المجموعات لفرض آرائهم السياسية أو المخاوف على السلامة الشخصية في حال التعبير عن الآراء بصراحة.[39]
أفكار مثالية
تتسم نظرة المجتمع الدولي للشباب اليمني – من وجهة نظر الشباب أنفسهم – بأنها حالمة ومثالية وغير واقعية؛ ويتم على ضوئه غض الطرف عن التحديات الكبيرة التي يواجهها الشباب في ظل الحرب والقمع والعنف والقيود التي تحول دون السفر أو التنقل بحرية، فضلا عن غياب الدعم والحماية الكافيين للشباب لممارسة حقوقهم السياسية.[40]
أعرب الشباب الذين تم التواصل معهم خلال إعداد هذه الدراسة عن استيائهم من المشاريع التي نفذها المجتمع الدولي خلال السنوات القليلة الماضية، ووُصفت تلك المشاريع عامة بأنها جهود مشتتة وغير منظمة، حيث تعرضت بعض الكيانات الشبابية للتهميش فور انتهاء المشاريع، مما أدى إلى تنافس وانقسام بين الكيانات والبرامج[41]. لذلك، يجب على المجتمع الدولي أن يخصص المزيد من الدعم والتمويل لمشاريع الشباب وضمان تنظيمها وفعاليتها والمساعدة في تعزيز قدرة الشباب على الانخراط الفعال في الحياة الاجتماعية والسياسية.
محاولات لتنظيم الحراك الشبابي داخل اليمن وخارجه
في أعقاب اعتماد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2250، حول الشباب والسلام والأمن عام 2015، تزايد الاهتمام بتنظيم وتنسيق الحراك الشبابي داخل اليمن وخارجها، حيث تشكلت العديد من الائتلافات الشبابية من قبل منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، وكذلك من قبل مجموعات شكلها الشباب أنفسهم. رُغم ذلك، تواجه تلك المجموعات مصاعب في الوصول إلى الجهات الفاعلة في المجتمع الدولي والحصول على فرص للمشاركة في عملية بناء السلام الجارية.
من بين تلك المجموعات مبادرة التوافق الشبابي للسلام والأمن، التي تضم 30 شابًا وشابة برعاية هيئة الأمم المتحدة للمرأة وصندوق الأمم المتحدة للسكان.[42] رغم إشراك شباب من داخل اليمن وخارجها في هذه المبادرة، تبرز تحديات عديدة في التنسيق فيما بينهم لعقد الاجتماعات وورش العمل، ومنذ تأسيسها عام 2020، لم تتمكن مبادرة التوافق الشبابي من تنظيم لقاء ميداني يجمع بين أعضائها شخصياً من داخل اليمن وخارجها. فضلا عن ذلك، فإن الاعتماد على عقد الاجتماعات الافتراضية يخلق تحديات جوهرية فيما يتعلق بتعزيز العلاقات والتقارب في وجهات النظر وتبادل الخبرات، لا سيما في ظل ضعف خدمات الإنترنت بالنسبة للمتواجدين داخل اليمن.
أعرب أعضاء التوافق الشبابي عن خيبة أملهم بشأن الدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية ووكالات التنمية، مشيرين إلى أن هذه المنظمات لم تقدم دعماً حقيقياً لتعزيز انخراط وإشراك الشباب في عملية بناء السلام واقتصرت تدخلاتها على التنظير حول دور الشباب دون خطوات عملية داعمة.
هذا الموجز السياساتي هو أحد إصدارات منتدى سلام اليمن – مبادرة تفاعلية بتيسير من مركز صنعاء تسعى إلى الاستثمار في بناء وتمكين الجيل القادم من الشباب والجهات الفاعلة في المجتمع المدني اليمني وإشراكهم في القضايا الوطنية الحرجة.