إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

دور القضاء في تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة في اليمن

Read this in English

ملخص تنفيذي

أثر الصراع المستمر منذ عقد من الزمن على القضاء اليمني بشدة، مما أضعف بنيته التحتية الهشة بالفعل وزاد من تقويض كفاءته ومصداقيته. بالإضافة إلى ذلك، واجه القضاء استقطابا سياسيا، مما قلل من الثقة في حياده وألقى بظلال من الشك على قدرته على التعامل مع القضايا الحساسة سياسيا المرتبطة بالعدالة الانتقالية بعد الصراع، وبالرغم من التحديات القائمة، يجب بذل الجهود لكي يضطلع القضاء بدور تأسيسي في اليمن في مرحلة ما بعد الصراع، ويكون بمثابة وسيلة لاستعادة سيادة القانون وإعادة ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة.

بعد مراجعة شاملة لمشهد العدالة الانتقالية في اليمن، بما في ذلك دراسة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، ومشروع الدستور اليمني لعام 2015، ومشروع قانوني العدالة الانتقالية عامي 2012 و2014، بالإضافة إلى تحليل لانتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي الناجمة عن الحرب، يحدد موجز السياسة هذا العقبات والفرص التي تواجه القضاء اليمني ويستكشف كذلك آليات قضائية بديلة مثل القوانين العرفية التقليدية، واستخلاص الدروس من حالة محاكم جاكاكا في رواندا، وفي الختام، يقدم التقرير مجموعة من التوصيات حول كيفية دعم وتعزيز دور القضاء في النهوض بالعدالة الانتقالية.

مقدمة

تُعرّف الأمم المتحدة العدالة الانتقالية بأنها كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركة انتهاكات الماضي واسعة النطاق بغية تحقيق المُساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة.[1] وتشمل مجموعة من العمليات، منها الإجراءات القضائية الرسمية وغير الرسمية، والمصالحة، والتعويضات، والإصلاح المؤسسي، وغيرها من التدابير. مع ذلك، تختلف العدالة الانتقالية من سياق إلى آخر.

مر عقد من الزمن تقريبا، منذ مناقشة العدالة الانتقالية لأول مرة في اليمن، واكتسبت مكانة بارزة خلال مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد خلال عامي 2013-2014، عقب الانتفاضة التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس السابق علي عبد الله صالح، حيث وضعت مسودة الدستور اليمني لعام 2015[2] بناء على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقد نصت على إنشاء لجنة للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية. بالتوازي، قامت وزارة الشؤون القانونية بصياغة النسخة الأولى من قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في عام 2012، وجاءت الثانية عام 2014؛ غير أن هذه الجهود الجديرة بالثناء لم تؤتِ أكلها نظرًا لسيطرة الحوثيين على صنعاء عام 2014، واندلاع الحرب المستمرة حاليا عام 2015.

منذ ذلك الحين، شهدت اليمن ارتفاعا غير مسبوق في الانتهاكات، وسط الانقسام والاستقطاب السياسي العميق، بما في ذلك داخل النظام القضائي في البلاد. على عكس الأشكال التقليدية لآليات العدالة، التي تشرف عليها المؤسسات القضائية، تتناول العدالة الانتقالية المظالم المختلفة التي تنشأ في ظروف استثنائية، والتي غالبا ما تشمل جهات فاعلة تابعة للدولة، وتعمل على أساس أن القضاء مجهز بالكامل للتعامل مع هذه القضايا. في الدول الهشة مثل اليمن، يعد ضمان عدالة وفاعلية النظام القانوني أمر صعب بشكل خاص، بالنظر إلى الإرث الواسع للانتهاكات والمظالم التي تحتاج إلى معالجتها بعد الصراع، والتي تزداد تعقيدا بسبب وجود عملية سلام هشة. على مدار الحرب، عانت المؤسسات القضائية أيضا من أضرار مادية جسيمة، بالإضافة إلى عبء القضايا المتراكمة الضخمة الناشئة عن النزاع.[3]

في ضوء هذه التحديات، يجب أن يلعب القضاء دورا حاسما وأساسيا في يمن ما بعد الصراع، وأن يكون بمثابة وسيلة لاستعادة سيادة القانون وإعادة بناء ثقة الناس بمؤسسات الدولة. لتسليط الضوء على أهميتها، تقدم هذه الورقة البحثية لمحة شاملة عن مشهد العدالة الانتقالية في اليمن، قبل الانتقال إلى دراسة كيف يمكن للقضاء أن يلعب دورا محوريا في تحقيق العدالة الانتقالية في اليمن، بالاعتماد على أمثلة من دول أخرى ذات خبرة مماثلة.

1.1. المنهجية

تعتمد هذه الورقة البحثية نهجًا تحليليًا، يتضمن مراجعة وتحليل المصادر الأولية، بما في ذلك مخرجات مؤتمر الحوار الوطني[4] ومشروع الدستور[5] ومشروع قانون العدالة الانتقالية. بالإضافة إلى ذلك، يتم النظر في مصادر ثانوية تتناول حالة النزاع في اليمن وتأثيره على العدالة وحقوق الإنسان، بما في ذلك وثائق الأمم المتحدة ذات الصلة وتقارير حقوق الإنسان.

لاستكشاف تجارب البلدان الأخرى ذات الصلة في مجال العدالة الانتقالية، تم استخدام نهج مقارن، فلدى رواندا، على وجه الخصوص، إرث من ممارسات العدالة الانتقالية الناجحة التي تشكل دروسا قيمة، وذلك على الرغم من الفظائع الجسيمة التي شهدتها أثناء صراعها، وقد استرشدت الأبحاث بوجهات نظر بعض أبرز الشخصيات اليمنية العاملة في مجال العدالة، مثل السيدة/ نور البجاني نور الدين، مدير برامج المركز الدولي للعدالة الانتقالية في اليمن، والسيدة/ إشراق المقطري، المتحدث الرسمي والقاضي العضو في اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، والقاضي/ يحيى الماوري، عضو المحكمة العليا، ومحمد ناجي علاو، المحامي، وأحمد عرمان، وزير الشؤون القانونية وحقوق الإنسان، ود. ألفت الدبعي، عضو هيئة التشاور والمصالحة.

تهدف هذه الورقة، إلى تسليط الضوء على التداخل المعقد بين القضاء والعدالة الانتقالية من خلال استخدام نهج متعدد الأوجه، وإبراز كل من التحديات والفرص التي تظهر في مسار هذه العملية الدقيقة.

العدالة الانتقالية تحت مظلة مؤتمر الحوار الوطني

عندما اقتراح مؤتمر الحوار الوطني تحت رعاية مجلس التعاون الخليجي، كان أحد أهدافه هو اتخاذ “خطوات تهدف إلى تحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، والتدابير اللازمة لضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني مستقبلاً”.[6] لقد برزت العدالة الانتقالية كمحور رئيسي في مناقشات مؤتمر الحوار الوطني، الذي جرى تنظيمه بحيث يكون موزعًا على تسع فرق عمل متخصصة. بالإضافة إلى مجموعة العمل المتفرغة لقضايا ذات بعد وطني والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، عملت مجموعتان أخريان على تناول مظالم محددة: القضية الجنوبية وقضية صعدة، وركزت مجموعات العمل المتبقية على إصلاحات الدولة والمؤسسات، والمشاركة في الحكم، وسيادة القانون، والحقوق والحريات – وكلها ركائز أساسية للعدالة الانتقالية.[7]

من بين جميع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي تتناول العدالة الانتقالية، برز المُخرَج الذي يركز على الاعتراف بالضحايا وتوفير سبل إنصافهم، باعتباره أكثر ارتباطا بها بشكل مباشر. شمل هذا المخرج إعادة هيكلة الدولة بطريقة لامركزية ومنح سلطات أوسع للمناطق، [8] وكذلك الاعتراف بالقضية الجنوبية[9] والاحتياجات التنموية لصعدة[10] في أقصى شمال اليمن، والاعتراف بلغات المهرة وسقطرى.[11] الأهم من ذلك، أنه شمل أيضا التحقيق في حالات الاختفاء القسري خلال النزاعات السابقة في اليمن[12] والاعتراف بضحايا هذه الصراعات وإحياء ذكراهم في الذاكرة الوطنية.[13] علاوة على ذلك، جاء التعويض وجبر الضرر من ضمن المخرجات الأخرى ذات الصلة بالعدالة الانتقالية، ويقصد به إعادة موظفي الخدمة المدنية في الجنوب الذين فقدوا وظائفهم بعد حرب عام 1994، وتقديم التعويضات لهم، [14] فضلا عن تعويض أولئك الذين عانوا من سوء المعاملة خلال حروب صعدة، [15] ورفع الظلم عن سكان تهامة، [16] والاعتراف بضحايا العمليات الإرهابية وعمليات مكافحة الإرهاب.[17]

كذلك من ضمن المخرجات المرتبطة بشكل مباشر بالعدالة الانتقالية المُخرَج المتعلق بإعادة تأهيل الأفراد المتضررين، وهو ما استلزم إصلاح القطاع العام[18] وإنشاء التعاونيات الخدمية والزراعية[19] وتطوير البنية التحتية للطرق، وكذلك إعادة بناء المؤسسات والمصانع في الجنوب، التي تضررت في أعقاب اندلاع حرب عام 1994، وفي المناطق الأخرى المتضررة من النزاع، منها صعدة وأبين وحجة.[20]

من المخرجات الأخرى الإصلاح المؤسسي لأجهزة الدولة، ولا سيما تلك المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان.[21] وأكد المُخرَج المتعلق بالمصالحة الوطنية، الذي برز بوصفه مبدأً أساسيًا للعدالة الانتقالية، على دور لجنة العدالة الانتقالية المقترحة في إرساء أسس المصالحة الوطنية وتعزيز ثقافة التسامح والتعايش.[22]

إضافة إلى ما سبق، دعا المُخرَج الذي يركز على المُساءلة إلى محاكمة المتورطين في قتل المتظاهرين السلميين عام 2011، ويشمل ذلك أعضاء المؤسسات الأمنية والعسكرية؛ وفضح المسؤولين عن الموافقة على المشاريع التي أضرت بالبيئة والناس في المناطق الساحلية في عدن والمكلا والحديدة؛ وغيرها من ممارسات الفساد المتعلقة بموارد الدولة.[23] وتتضمن المخرجات المتعلقة بالمشاركة المجتمعية وعودًا بالنظر في مسألة تشكيل القوات المسلحة وأجهزة الأمن والاستخبارات بحيث يتم تمثيل الشمال بنسبة 50% والجنوب بنسبة 50% في القيادة العليا للجيش والأمن والمخابرات، بينما تشكل النساء 30% من هيكل الموظفين في جميع مؤسسات الدولة، مع تمكين الفئات المحرومة الأخرى.[24]

2.1. مشروع دستور 2015

حرص القائمون على صياغة دستور 2015، على أخذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني في الاعتبار، ودمج بعضها في مواد قانونية مستقلة تناولت هيكل الدولة ونظام الحكم والحقوق والحريات. على سبيل المثال، تناول الفصل الرابع، المادة 273، القسم الثالث، خصوصية مدينتي صنعاء وعدن، مشيرا إلى أن “مدينة عدن ذات وضع اقتصادي وإداري خاص في إطار إقليم عدن، تتمتع بسلطات تشريعية وتنفيذية مستقلة.”[25] كذلك نص الدستور على إنشاء صندوق إعادة إعمار صعدة لتعويض المتضررين من الحروب في المحافظة، ونصت المادة 424 على ما يلي: “يكون تمثيل الجنوب (إقليمي عدن وحضرموت) في الدورة الانتخابية الأولى بالمناصفة في السلطة التشريعية الاتحادية وفي كافة الهياكل القيادية في الهيئات التشريعية والقضائية والتنفيذية بما فيها الجيش والأمن، “[26] بينما تنص المادة 76 على أن تمثيل المرأة يجب ألا يقل عن 30% في مختلف الهيئات.[27]

تناول الباب العاشر، وهو آخر أبواب مسودة الدستور بعنوان “الأحكام الانتقالية”، المرحلة الانتقالية في اليمن بشكل عام، ومن ذلك العدالة الانتقالية. أوضح هذا الباب كيفية التزام الدولة باتخاذ تدابير لتحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، ويشمل ذلك كشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان، ومساءلة ومحاسبة الأفراد والكيانات المسؤولة عن هذه الانتهاكات، ورد الاعتبار وجبر الضرر، وإصلاح المؤسسات التي مارست الانتهاكات، وضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات.[28]

الأهم من ذلك، نص الدستور على إصدار قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وإنشاء لجنة للعدالة الانتقالية، والبت في مظالم ثورة الشباب والحراك الجنوبي، ورعاية أسرهم وأسر الشهداء، وإحياء ذكراهم، وإنشاء صندوق للتعويضات. لم يتعمق مشروع الدستور بشكل كبير في أحكام العدالة الانتقالية، لكنه وضع الإطار الدستوري اللازم. كما أنه اعتبر الـ 20 نقطة من المبادئ التي حددتها اللجنة الفنية لمؤتمر الحوار الوطني[29]، ويشمل ذلك المطالب الـ 11 المطروحة من فريق القضية الجنوبية، [30] كمراجع متكاملة يجب مراعاتها عند صياغة قانون العدالة الانتقالية.[31] وأوصت اللجنة الفنية بالإسراع في إصدار قانون العدالة الانتقالية بتوافق الآراء بين مكونات المسار السياسي ومنظمات المجتمع المدني ذات الصلة، وذلك بما يتماشى مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والمعايير الدولية للعدالة الانتقالية.[32]

2.2. الحصانة ومشروع قانون العدالة الانتقالية

صاغت وزارة الشؤون القانونية قانون العدالة الانتقالية[33] قبل اختتام مؤتمر الحوار الوطني وصياغة الدستور. نشأت الحاجة الملحة إلى هذا القانون من تصاعد الضغوط المحلية والدولية في أعقاب سن قانون الحصانة في يناير/كانون الثاني 2012، والذي منح الرئيس السابق علي عبد الله صالح وكبار مسؤوليه الحصانة من الملاحقة القانونية والقضائية عن الانتهاكات التي ارتكبت خلال حكمهم، [34] مما أثار انتقادات من العديد من منظمات حقوق الإنسان.[35] في مؤتمر الحوار الوطني، جادل وزير الشؤون القانونية، محمد المخلافي، بأن أحد أسباب إصدار القانون قبل اختتام المؤتمر هو تهيئة مناخ إيجابي للضحايا والمتضررين من النزاعات السياسية.[36]

مع ذلك، أشاد رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة بمشروع قانون العدالة الانتقالية لشموليته وهدفه المتمثل في التخفيف من آثار قانون الحصانة، من خلال التأكيد على الحق في معرفة الحقيقة وجبر الضرر.[37] لكن القانون أثار جدلا واسع النطاق في جميع الجهات السياسية والقانونية وهيئات حقوق الإنسان، وأزعج أنصار الرئيس صالح في حزب المؤتمر الشعبي العام، وفي الوقت نفسه أخفق أيضًا في تلبية توقعات العديد من نشطاء المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان وأسر الضحايا.[38] انتقد كثيرون عدم التزامه بالمعايير الدولية للعدالة الانتقالية.[39] وأكدت مذكرة مقدمة من مبادرة السلام والعدالة[40] لوزير الشؤون القانونية المخلافي، ووزير حقوق الإنسان حورية مشهور، على ضرورة أخذ المُساءلة في الاعتبار في نسخة معدلة من القانون، مشيرين إلى أن التعويض وحده لا يمكن أن يحل محل الجانب الجنائي للانتهاكات الخطيرة.[41]

3. انتهاكات الحرب وجهود العدالة الانتقالية الجارية

3.1. انتهاكات دامت عقدا من الزمن

خلال العقد الماضي، شهدت اليمن انتهاكات غير مسبوقة، سواء من حيث طبيعتها أو حجمها. تشمل هذه الانتهاكات استخدام أساليب غير مشروعة في الحرب، مثل القصف الجوي العشوائي، والحصار، وقصف الأحياء المدنية، وتفجير المنازل، والاستعانة بالقناصة، وزرع الألغام الأرضية، وتجنيد الأطفال، والاعتقالات التعسفية، والاختفاء القسري، والتعذيب، والقتل خارج نطاق القضاء، واستهداف الأقليات العرقية والدينية والمهاجرين، وذلك من بين انتهاكات أخرى.[42] وردت بعض هذه الأفعال في قانون العقوبات اليمني وتعد أيضا جرائم في القانون الدولي لحقوق الإنسان والمعاهدات الإنسانية للأمم المتحدة.

لم تقتصر هذه الانتهاكات على مناطق الصراع العسكري، بل وقعت أيضا في مناطق بعيدة عن ساحة المعركة.[43] حيث تورطت جميع الأطراف المشاركة في النزاع اليمني، سواء أكانت أطرافًا محلية، مثل الحوثيين والقوات الحكومية، أم تلك التي يقودها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وخرق للقانون الإنساني الدولي، وبعضها كان منهجيا.[44]

إزاء انزعاجها من تدهور وضع حقوق الإنسان في اليمن، عينت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فريقا من الخبراء البارزين عام 2017، للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي والإبلاغ عنها. لخص الفريق في تقريره الرابع والأخير الصادر عام 2020، الانتهاكات التي تحدث في اليمن، مشيرًا بأصابع الاتهام إلى ارتكاب جميع أطراف النزاع المباشرة، ومنها الدول المصدرة للأسلحة، انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ومنها ما يمكن اعتباره جرائم حرب.

أشار التقرير إلى أن الانتهاكات التي تم التحقيق فيها خلال فترة ولاية اللجنة، ومن ذلك الغارات الجوية والقصف والاختفاء القسري والتعذيب المؤدي إلى الموت والانتهاكات الجنسية وتجنيد الأطفال، لم تكن سوى جزءا بسيطا من الانتهاكات التي ارتكبتها الأطراف المتناحرة ضد المدنيين، خصوصاً الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليا والمجلس الانتقالي الجنوبي والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.[45]

أدى الصراع في اليمن إلى نزوح قرابة 3 ملايين شخص يواجهون ظروفًا صعبة.[46] يعيش غالبية السكان تحت خط الفقر، ويجدون عقبات كبيرة في التنقل بين المدن والسفر إلى الخارج.[47] ولا يزال سكان تعز يعانون من الحصار المفروض على مدينتهم، وهو الحصار الذي تسبب في وفيات بسبب حوادث الطرق ذات الصلة أو نقص العلاج الطبي.[48] إن الأضرار النفسية والصحية والاجتماعية الناجمة مباشرة عن الوضع الاقتصادي، وعدم دفع رواتب القطاع العام، وفقدان الأعمال في اليمن منذ الحرب لا تعد ولا تحصى، وستحتاج تسوية ما بعد الحرب إلى وضع خطة شاملة لإعادة الإعمار لمعالجة تلك الأضرار.

يكشف النظر مليًا في تلك الانتهاكات أيضا عن درجات متفاوتة من الخطورة، بما في ذلك الانتهاكات الأوسع نطاقا التي تؤثر على شرائح كبيرة من السكان — مثل استهداف المدارس والمستشفيات والمؤسسات الحكومية، فضلا عن إغلاق الطرق – وتلك التي تستهدف الأفراد على وجه التحديد — مثل القنص والتعذيب والاعتقال والاستيلاء على الممتلكات الشخصية، والتجاوزات الإدارية والحرمان من الاستحقاقات المالية، مثل رواتب الموظفين العموميين، وسيثبت التصنيف الشامل لهذه الانتهاكات أهميته في تحديد الآليات المناسبة للعدالة الانتقالية بعد الحرب، مثل تلك التي تركز بشكل خاص على المُساءلة أو جبر الضرر أو الإصلاح المؤسسي.

3.2. جهود العدالة الانتقالية الحالية

3.2.1 الجهود التي تقودها الحكومة

بالتزامن مع مؤتمر الحوار الوطني عام 2013، تم تشكيل بعض اللجان الرسمية للبت في مظالم محددة، منها “لجنة نظر ومعالجة قضايا الأراضي في المحافظات الجنوبية”، و”لجنة معالجة قضايا الموظفين المبعدين عن وظائفهم في المجال المدني والأمني والعسكري”.’[49] تم تكليف اللجنتين بالبت في المظالم الجنوبية.[50] وفي مايو/أيار 2023، أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي مرسوما لتسوية وضع 52.766 من الموظفين المبعدين عن وظائفهم في المجال المدني والأمني والعسكري في المحافظات الجنوبية، والذي لا يزال معلقًا منذ حرب 1994.[51] اعتُبر هذا القرار بادرة حسن نية تجاه المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أصبح شريكا داخل مجلس القيادة الرئاسي. [52]

تشمل اللجان الأخرى التي أنشئت عام 2013: “صندوق رعاية أسر شهداء وجرحى ثورة 11 فبراير/شباط والحراك السلمي”[53] و”صندوق تعويض ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وأوضاع الجرحى والشهداء من حرب 1994 وحروب صعدة، ورعاية أسرهم”.[54] للأسف توقفت معظم هذه اللجان عن العمل مع بداية اندلاع الحرب عام 2015، باستثناء اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان التي تأسست عام 2012 بموجب مرسوم رئاسي ولا تزال تعمل من عدن.[55]

بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي مباشرة عام 2022، أُنشئت أيضًا هيئة التشاور والمصالحة، وذلك على الرغم من أن النزاعات الداخلية داخل مجلس القيادة الرئاسي حالت دون عملها بشكل فعال.[56] وفي أبريل/نيسان 2024، شكلت هيئة التشاور والمصالحة خمس لجان دائمة، ركزت إحداها على العدالة الانتقالية. [57]

3.2.2 مبادرات المجتمع المدني والمنظمات الدولية

أنشئت أيضا مبادرات مدنية محلية تستهدف حل نزاعات معينة ودعم أسر الضحايا؛ ويشارك بعضها في المصالحة والوساطة في إطار العدالة الانتقالية. على سبيل المثال، تعد رابطة أمهات المختطفين واحدة من أكثر المبادرات نشاطا التي نجحت في الوساطة لإطلاق سراح المختطفين. دعت الرابطة بقوة إلى ضرورة محاسبة مرتكبي جرائم الاختطاف والتعذيب وتعويض الأفراد المتضررين. كما كان للوسطاء القبليين دورا هاما في إطلاق سراح المعتقلين.[58]

من أمثلة تلك المبادرات أيضًا لجان الوساطة المجتمعية في عدن، والتي تشكل جزءا من مشروع تعزيز الوصول الشامل إلى العدالة في اليمن الذي يدعمه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. تتولى هذه اللجان بصورة رئيسية معالجة المزيد من القضايا البسيطة، مثل الأفراد المحتجزين في مراكز الشرطة وحل النزاعات الفردية. تعد المبادرة بمثابة نهج تجريبي شامل، مع إمكانية التوسع في مختلف المحافظات الأخرى.[59] تجدر الإشارة أيضا إلى وجود مبادرات فردية، مثل تلك التي يقودها هادي جمعان، الذي يتولى جمع جثث المتوفين ويعيدها إلى ذويهم.[60]

ساهمت المنظمات الدولية، بما في ذلك فريق الخبراء البارزين التابع للأمم المتحدة (الذي تعرض تكليفه للتعليق عام 2021) والمركز الدولي للعدالة الانتقالية والمؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، في تعزيز الوعي بالعدالة الانتقالية وقدمت تدريباً على العدالة الانتقالية للعديد من المنظمات المحلية اليمنية والقضاة وقادة الأحزاب. كما تشارك منظمات حقوق الإنسان المحلية، مثل مواطنة وسام وغيرهما، في رصد وتوثيق الانتهاكات لضمان حق الضحايا في جبر الضرر والكشف عن الحقيقة.

ومن المبادرات المحلية الجديرة بالذكر، لجنة المصالحة والسلم الاجتماعي في تعز، والتي تضم قادة سياسيين معنيين ببناء السلام وحل النزاعات. وقد شُكلت هذه اللجنة لمعالجة المواجهات المسلحة في منطقة الحجرية بين عامي 2019 و2020، والتي أسفرت عن سقوط ضحايا من العسكريين والسكان المدنيين. نجحت اللجنة في تسهيل عملية المصالحة بين الأطراف المعنية. كما قدمت تعويضات لـ 22 ضحية كأحد أشكال جبر الضرر لتحقيق المصالحة السياسية، وفي مارس 2023، أصدرت اللجنة تقريرا عن المنازل والمنشآت العامة والخاصة في مدينة تعز التي تعرضت للهجوم أو التدمير أو الاستيلاء من قبل العناصر المسلحة خلال الحرب، كما تعمل على التعامل مع قضايا الأفراد المختفين قسرا، وضحايا النزاعات المسلحة، وغيرها من القضايا التي تتقاطع مع مبادئ العدالة.[61]

بالتزامن مع إعداد هذا التقرير، يقود مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية مبادرة تشاورية تضم نشطاء في مجال حقوق الإنسان وخبراء قانونيين بهدف اكتساب فهم أعمق لتعقيدات العدالة الانتقالية وتحديد النهج الأكثر فعالية في السياق اليمني، وفي منتدى اليمن الدولي الأول والثاني، الذي ضم أكثر من 200 شخص من أصحاب المصلحة اليمنيين للمشاركة في الحوار، ركز مركز صنعاء بشكل أساسي على العدالة الانتقالية. وكانت إحدى مبادراته الرئيسية دعم إعلان اليمن للعدالة والمصالحة[62] والذي يمثل خطوة أولية نحو دمج العدالة الانتقالية في عملية السلام الأوسع.

4. أثر الحرب على القضاء اليمني

يمكن للقضاء القيام بدور بالغ الأهمية في عملية العدالة الانتقالية في اليمن، لكنه يعاني من الضعف والإعاقة بسبب أوجه القصور التي سبقت الأزمة الحالية، كما هو الحال مع معظم مؤسسات الدولة اليمنية التي أدى اندلاع الصراع إلى شلل شبه كامل في عملها، لاسيما في السنوات الأولى من الحرب، [63] مع ما خلفه ذلك من أثر على كل من بنيتها التحتية المادية وموظفيها.

على مدار الحرب، تعرضت العديد من أبنية المحاكم للتدمير أو الإهمال أو عجزت عن سداد إيجارات المباني[64] بينما تعرض العاملون في السلك القضائي، ومنهم القضاة، للتهديدات والاغتيالات، بل إن بعضهم أجبر على الفرار أو الهجرة. الأسوأ من ذلك كله تفتيت النظام القضائي وتعرضه للاستقطاب السياسي، وتقويض سلطته وسيادة القانون.[65]

4.1. انقسام القضاء والاستقطاب السياسي

يوجد في اليمن الآن نظامان قضائيان منفصلان، يعمل كل منهما بشكل مستقل. أحدهما يتبع الحكومة المعترف بها دوليا، والآخر يعمل تحت سلطة الأمر الواقع لجماعة الحوثي (أنصار الله). ولا يحظَ أي من النظامين باعتراف الآخر.[66]

في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، وقع القضاء ضحية لصراعات عديدة على السلطة بين القوى المختلفة. في واحدة من هذه الحوادث، قبل تشكيل مجلس القيادة الرئاسية عام 2022، شهد القضاء استقطابًا بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة، بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي في ذلك الوقت. بلغت التوترات ذروتها في فبراير/شباط 2021، عندما أعلن نادي القضاة الجنوبي، وهو اتحاد يضم أعضاء القضاء من المحافظات الجنوبية ويتبع المجلس الانتقالي الجنوبي، إضرابا عاما ردا على القرار أحادي الجانب الصادر عن الرئيس هادي بتعيين النائب العام أحمد الموسى. احتج المجلس الانتقالي الجنوبي والفصائل الأخرى المعارضة للتعيين بأن القرار لا يتوافق مع القانون القضائي، [67] وردا على ذلك، أغلق المجلس الانتقالي الجنوبي المحاكم في عدن وساحل حضرموت.

في وقت لاحق، أصدر رئيس المحكمة العليا التابعة للحكومة أمرا بالتحقيق مع كل من الرئيس والأعضاء التنفيذيين في نادي القضاة الجنوبي، [68] وقد ساعد إنشاء مجلس القيادة الرئاسي على تهدئة هذه التوترات، حيث قرر رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، تعيين القاضي قاهر مصطفى نائبًا عامًا جديدًا[69] والقاضي صباح العلواني (رئيس نادي قضاة الجنوب)، في مجلس القضاء الأعلى[70] إلى جانب العديد من القضاة الآخرين في المحكمة العليا. أوقفت هذه التعيينات فعليا الإضرابات التي بدأها نادي القضاة الجنوبي، [71] ولكن لم يضمن ذلك بأي حال من الأحوال أداء النظام القضائي لوظائفه بشكل متناغم أو فعال أو مستقل.

على الجانب الآخر، وفي المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، يتعرض النظام القضائي لتهديد مماثل وهو التلاعب السياسي. فبعد أن سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء، عملوا على تشكيل لجنة المنظومة العدلية بقيادة محمد علي الحوثي، عضو المجلس السياسي الأعلى، الذي يتمتع حاليا بسلطات تتجاوز سلطات مجلس القضاء الأعلى الرسمي.

استغل الحوثيون التدوير القضائي للقيام بالاستقطاب السياسي، واستبدلوا العديد من القضاة المستقلين بآخرين ينتمون إلى جماعتهم أو إلى عائلات هاشمية موالية للجماعة. في الوقت نفسه، مُنح المشرفون الحوثيون صلاحيات إشرافية مفرطة وتولوا أدوار كانت سابقا من مهام القضاء.[72]

في الوقت نفسه، تقدم ممارسات المحكمة الجزائية المتخصصة مثالا واضحا آخر على التسييس القضائي. لقد تم استغلال المحكمة الجزائية المتخصصة بشكل أساسي لقمع الصحفيين ومحاكمة المعارضين للحوثيين ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم. أجرت المحكمة حتى الآن محاكمات صورية تفتقر إلى الحد الأدنى من إجراءات المحاكمة العادلة وفقا للقانون اليمني.[73] بتاريخ 18 سبتمبر/أيلول 2021، أعدمت السلطات الحوثية تسعة أشخاص اتهمتهم المحكمة الجزائية المتخصصة بتسريب معلومات أدت إلى مقتل رئيس المجلس السياسي الأعلى بصنعاء – آنذاك – صالح الصماد، وأدانت الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الحكم بشدة.[74]

4.2. الكفاءة والمصداقية

أدت حرب اليمن إلى تقويض كفاءة ومصداقية النظام القضائي. كما عانت البنية الأساسية للنظام القضائي من انهيار شبه كامل، حيث توقفت العديد من المحاكم عن العمل بين 2015-2017، خاصة في المحافظات التي شهدت مواجهات مسلحة مثل تعز وعدن، وتعرض العديد من القضاة وأعضاء النيابة والمحامين للاعتداء، بل وقتل بعضهم. بالإضافة إلى ذلك، أدت الحرب إلى زيادة معدلات الجريمة والنزاعات الشخصية.[75]

جدير بالذكر أن البنية التحتية للنظام القضائي كانت ضعيفة منذ البداية، حيث تفتقر العديد من المحاكم إلى المباني المناسبة للقيام بعملها وتواجه نقصا في الضروريات الأساسية. أدت الحرب إلى تفاقم وضع البنية التحتية الضعيفة بالفعل، وتعرض نحو 47 مرفقا قضائيا للتدمير الجزئي أو الكلي، ووفقا لتقرير صدر عام 2019، عن وزارة العدل التي يديرها الحوثيون في صنعاء، بلغت التكلفة التقديرية للأضرار المادية للمباني القضائية 100 مليون دولار أمريكي.[76] تعاني غالبية المحاكم والمرافق القضائية في جميع المحافظات أيضا، من نقص في الكهرباء وأجهزة الإتصالات وأجهزة الكمبيوتر واللوازم المكتبية، وفقدت بعض المحاكم أرشيفها كاملا، واليوم، تواجه المحاكم عددا كبيرا من القضايا المتراكمة مع عدم القدرة على الفصل فيها. يعزى ذلك إلى أسباب مختلفة، منها:

  • ارتفاع معدلات الجريمة والنزاعات الشخصية: أدى غياب الدولة والانهيار الأمني إلى زيادة معدلات الجريمة والنزاعات الفردية.[77]
  • تدهور الوضع الأمني: أدى وقف إجراءات المحاكم خلال سنوات النزاع وتدهور الوضع الأمني إلى إلغاء الجلسات. كما تعرض القضاة ومدعو العموم والمحامون للتهديد والاعتداء والقتل في بعض الأحيان، في حين لا يستطيع العديد من المتقاضين حضور المحاكمات.[78]
  • نقص عدد القضاة والموظفين المؤهلين: أُجبر بعض القضاة على مغادرة البلاد وذلك لضمان سلامتهم. في غضون ذلك، توقف المعهد العالي للقضاء عن قبول دفعات جديدة من القضاة خلال السنوات الأولى من الحرب، ولا يزال عدد المترشحين المقبولين غير كاف، وتشوب عملية القبول المحسوبية، مما يؤثر على كفاءة القضاة.[79] بالإضافة إلى ذلك، لا تزال المحاكم تفتقر إلى الموظفين الإداريين المؤهلين، مما يعني أن العديد من القضاة، المثقلين بالفعل بالأعباء، مضطرين أيضا إلى أداء المهام الإدارية.
  • نقص الموارد المادية والمالية: تفتقر المحاكم اليمنية إلى البنية التحتية الأساسية لتشغيلها، وتعاني من نقص حاد في الضروريات الأساسية، مما يؤدي إلى إبطاء سير العمل.[80]
  • تأزم الوضع الاقتصادي وأثره على الرواتب: مثل العديد من اليمنيين، يواجه القضاة وموظفو المحاكم وأعضاء النيابة تحديات اقتصادية وخيمة بسبب الانخفاض الكبير في قيمة العملة اليمنية والرواتب التي تقل قيمتها عن ربع ما كانت عليه قبل الحرب. لقد أدى التأخير في دفع المرتبات، مع خصم الحوافز، إلى إعاقة التزام وأداء العاملين في الجهاز القضائي بشكل كبير.[81]

حتى قبل الحرب، أثيرت شكوك حول استقلالية ونزاهة نظام العدالة في اليمن، وهو تصور ازداد سوءا منذ بدء النزاع. لا يعمل القضاء بمعزل عن غيره من الجهات ولكنه يتعاون مع أجهزة الدولة. مع ذلك، فشلت هذه الأجهزة في توفير ميزانيات كافية للجهاز القضائي لكي يعمل بشكل صحيح، كما لم تتمكن أيضًا من حماية القضاة وأعضاء النيابة أو إنفاذ الأحكام القضائية. مما يزيد الأمور سوءًا أن أجهزة الدولة تعرقل أحيانا تطبيق العدالة بعد صدور الحكم. وهكذا أصبح القضاء ضحية، وعاجزا عن أداء مهامه، مما أدى إلى فقدان ثقة الجمهور في سيادة القانون.

5. دور القضاء في تحقيق العدالة الانتقالية

5.1. التحديات

ترتبط العدالة الانتقالية ارتباطا وثيقا بالسياسة، [82] وبالتالي، فإن دور القضاء في العدالة الانتقالية يتوقف على عدة عوامل، منها الإرادة السياسية التي تعد هي العامل الأساسي المحدد. بالإضافة إلى ذلك، سيتباين دور مؤسسات الدولة، بما في ذلك القضاء، في تحقيق العدالة الانتقالية بناء على العوامل والسياقات المحلية التي شكلتها.[83]

في حالة اليمن، من غير المرجح أن يتمكن القضاء، بشكله الحالي، من إدارة ملفات العدالة والمصالحة في المرحلة الانتقالية. مع ذلك، من الأهمية بمكان إشراك السلطة القضائية، ومن ضمن الطرق لتحقيق ذلك، يمكن إشراك قضاة مختارين في الآليات المقترحة للمصالحة، وعلى نحو أكثر تحديدا، في لجنة للعدالة الانتقالية، مثل اللجنة الموصى بها في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ومشروع الدستور. ينبغي أن تكون لجنة العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية هيئة مستقلة منفصلة عن السلطة القضائية الرسمية، ويعد هذا المقترح مقنعًا لعدة أسباب:

أولاً: لا يستطيع القضاء، بشكله الضعيف حاليا، معالجة جميع القضايا المعلقة داخل المنظومة القضائية العادية، ناهيك عن العبء الإضافي المرتبط بقضايا جرائم الحرب. ثانيًا: تعرض القضاء للاستقطاب السياسي، مما أضعف الثقة في حياده، لا سيما في القضايا السياسية والجنائية الحساسة مثل العدالة الانتقالية، ويحتاج القضاء نفسه إلى الإصلاح كجزء من عملية العدالة الانتقالية لاستعادة الثقة في مصداقيته.

ثالثًا: يعتمد النهج الشامل للعدالة الانتقالية على تكامل التدابير القضائية وغير القضائية. إذ يؤكد دليل الأمم المتحدة للعدالة الانتقالية على الحاجة إلى نهج شامل يتضمن البحث عن الحقيقة، وجبر الضرر، وضمانات بعدم تكرار الانتهاكات، وإجراء الإصلاحات المؤسسية، والمزيد.[84] إذا تعامل القضاء مع ملف العدالة الانتقالية بشكل مستقل، فقد يمكنه تعزيز رؤية تركز فقط على المحاكمات الجنائية والمُساءلة، مما قد يواجه بالرفض من أطراف النزاع المتورطة التي لها مصلحة راسخة في عرقلة العدالة، ويهدف المدافعون عن العدالة الانتقالية في اليمن إلى نهج أكثر شمولا يوازن بين العدالة والتسوية السياسية.

أخيرا، ومن أجل كسب التأييد الشعبي، سيكون إشراك المجتمع المدني المحلي في إدارة العدالة الانتقالية أمرا أساسيا.[85] تسعى العدالة الانتقالية، عند تنفيذها كما يجب، إلى أن يكون لها أثر كبير في حياة الناس على نطاق واسع، [86] ومن ثم ينبغي أن تشمل عملياتها جميع شرائح المجتمع، بالإضافة إلى الضحايا، بالنظر إلى أنه لا يوجد أحد في المجتمع تقريبا بمنأى عن التداعيات والآثار المباشرة وغير المباشرة للحرب.

5.2. الفرص

في ظل الظروف المناسبة، هناك أربعة أدوار حاسمة يمكن أن يمارسها القضاء في تحقيق العدالة الانتقالية:

تعزيز شرعية العدالة الانتقالية: تأتي اليمن حاليا على رأس قائمة الدول المفككة على مستوى العالم، [87] وبينما تعتمد الحكومة في عدن بشكل أكبر على الاعتراف الدولي، تعتمد سلطات الحوثيين في صنعاء على سيطرتها على غالبية سكان اليمن.

تواجه كلتا السلطتين أزمة شرعية كبيرة بين السكان الذين تحكمهم، وفي الوقت نفسه، لم يعد البرلمان في اليمن مخولا بسن تشريع جديد. لذلك، فإن أي اتفاقيات تتعلق بالعدالة الانتقالية، وتحديد مصير الضحايا، وإجراءات المُساءلة، والتعويض، ستكون موضع تساؤلات أساسية حول شرعيتها وقانونيتها، واليمن ليست حالة استثنائية في هذا الصدد، حيث تواجه العديد من البلدان الخارجة من النزاع ظروفا مماثلة. لذلك ينبغي توسيع نطاق المشاركة العامة والمشاورات لتعزيز شرعية العدالة الانتقالية.[88] على الرغم من التحديات التي تواجه القضاء اليمني، إلا أنه لا يزال ملاذا مهما للعديد من المتخاصمين، وجدير بأن يحظى بمستوى من الاحترام والشرعية كمؤسسة قانونية وقضائية.[89] هذا يجعل حضوره ومشاركته أمرا حاسما في تعزيز الشرعية التي تعتمد عليها العدالة الانتقالية، إلى جانب شرعية الإجراءات التي تتبعها.

المُساءلة عن الانتهاكات الجسيمة: تعد المُساءلة إحدى الركائز الأساسية لإطار فعال للعدالة الانتقالية. تشكل الانتهاكات المصاحبة للحرب تحديا لأي سلطة تدير المرحلة الانتقالية، ومن غير المتصور أن تستبعد الرؤية الناجحة للعدالة الانتقالية المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة، حتى إلى الحد الأدنى.

يقترح البعض أن تشكل السلطة القضائية آلية مساءلة للعدالة الانتقالية، من خلال الموافقة على الاقتراح المقدم من اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان لإنشاء محكمة لحقوق الإنسان.[90] يمكن أن تكون هذه المحكمة مسؤولة عن التحقيق في الانتهاكات الجسيمة التي تحيلها لجنة العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، ويتماشى هذا المقترح مع توصيات الأمم المتحدة.[91]

الخبرة: يتمتع القضاة بمعرفة واسعة بالقوانين الوطنية والعرفية اليمنية، والتي اكتسبت من خلال العمل المكثف المتعلق بالتحقيق في الانتهاكات، وتقييم الأضرار، وتحديد التعويضات، والوساطة بين المتخاصمين. وتعد هذه الخبرة ضرورية لعمل لجان العدالة والمصالحة، وسواء تضمنت العدالة الانتقالية في اليمن مبدأ المُساءلة عن الانتهاكات الجسيمة – كما يدافع عنها بعض النشطاء – أم لا، فإن القضاة، ككادر، لديهم خبرة عملية في حل القضايا المعقدة.

إصلاح النظام القضائي: أخيرا وليس آخرا، يأتي إصلاح مؤسسات الدولة، ومنها القضاء، كإحدى المتطلبات الأساسية للعدالة الانتقالية ومخرجاتها، والمُساءلة في حد ذاتها ليست كافية أو ممكنة في غياب مؤسسات ديمقراطية فعالة أخرى، بما في ذلك قضاء مستقل.[92] لا يمكن تحقيق ذلك دون إشراك القضاء في الإصلاح المنشود.

6. آليات العدالة البديلة: القوانين العرفية

في ظل غياب أطر العدالة المتينة، هناك اتجاه متزايد نحو مزيد من الاعتراف بالتعددية القانونية على الصعيد العالمي، مع تزايد عدد الباحثين القانونيين الذين يدعون إلى نظام قانوني مختلط يتضمن القوانين الرسمية وغير الرسمية على حد سواء، [93] مما يتيح لآليات العدالة التقليدية والتكميلية التي تطبقها المجتمعات المحلية تسوية النزاعات ومعالجة الضرر الناجم عن العنف وفقا للمعايير المعمول بها.

تشمل هذه الآليات أساليب معينة مثل المحاكم القبلية أو العرفية والحوار المجتمعي.[94] يعكس هذا الاتجاه اعترافًا متزايدًا بقيمة القانون العرفي والفوائد المحتملة التي قد تعود على منظومة العدالة، سواء في الحياة العادية أو في مرحلة ما بعد النزاع. مع ذلك، فإن سمات القانون العرفي لا تعني أنه يخلو من العديد من الإشكاليات والتحديات القانونية والقائمة على الحقوق، مثل أوجه التقاطع بين القوانين الرسمية والعرفية، وخاصة في القضايا الجنائية، والأسئلة المتعلقة بتوافقه مع مبادئ حقوق الإنسان.

القانون العرفي هو مفهوم واسع يشمل مجموعة من القواعد والعادات والإجراءات التقليدية لتسوية النزاعات، منها المصالحة والوساطة والتحكيم، ويمكن أن يحظى بقبول المجتمع، لا سيما في المناطق القبلية والريفية، حيث يكون متأصلاً في الأعراف المحلية. فهو يوفر قدرا كبيرا من المرونة في حل المنازعات ويفتح الباب أمام الاعتذار والمصالحة. علاوة على ذلك، تتميز إجراءاته بكونها شفافة، وأقل تعقيدا، وتتضمن تسوية سريعة للنزاعات، وغالبا ما تكون بتكلفة أقل مقارنة بالمسار القضائي الرسمي.

هذه الخصائص جعلت القانون العرفي آلية مفضلة لكثير من المتنازعين، مما جعله أداة مقترحة لتحقيق العدالة والمصالحة في أوضاع ما بعد النزاع.[95]

في العديد من البلدان النامية، تتولى أنظمة العدالة غير الحكومية البت في معظم النزاعات الفردية، خاصة في بيئات النزاع وما بعد النزاع، حيث غالبا ما تكون مؤسسات الدولة هشة وسلطة الحكم محلًا للنزاع، [96] ولا تعد اليمن استثناءً في هذا الصدد، نظرًا لأن قانونها العرفي له دور كبير في تسوية النزاعات، سواء في المناطق الحضرية أم الريفية، بل وقبل الحرب الجارية، حيث يتم حل ما يقرب من 80% من النزاعات بصورة غير نظامية من خلال هذا النظام غير الرسمي.[97] كذلك فإن اللجوء إلى التحكيم على أساس القانون العرفي معترف به في النظام القانوني اليمني وتعتبر أحكامه معادلة لحكم المحكمة الابتدائية.[98] لقد أصبح هذا الاعتماد على الآليات غير الرسمية أكثر وضوحا بسبب اندلاع الحرب، وانهيار مؤسسات الدولة، ووقف أنشطة المحاكم، إضافة إلى ضعف سلطات إنفاذ القانون.[99]

يرى بعض المراقبين إمكانية الاستفادة من الآليات العرفية المحلية لتحقيق العدالة الانتقالية في اليمن. هذا ينطوي على استخدام الممارسات التقليدية لتحقيق المصالحة من خلال عمليات مثل الاعتذار ورد الحق عن طريق التعويض، ومن المفيد هنا أن نستكشف بإيجاز دراسة حالة دولة رواندا التي تبنت أساليبا بديلة للنظام القضائي الرسمي في السعي إلى تحقيق العدالة الانتقالية. من هذا المنطلق، يمكننا تقييم كل من المزايا والعيوب وقياس مدى ملاءمتها للسياق اليمني.

6.1. الدروس المستفادة من رواندا: محاكم جاكاكا

من مجالات الدراسة الجديدة نسبيًا، كيف للمجتمعات التي تتعافى من النزاع أن تتعامل مع آثار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، [100] مع وجود عدد محدود فقط من التجارب التي طبقت فيها العدالة التصالحية في حالات ما بعد النزاع؛ ومن أهم هذه الأمثلة كانت محاكم جاكاكا في رواندا.[101]

أعادت الحكومة الرواندية نظام العدالة المجتمعية العرفي المعروف باسم “جاكاكا” في عام 2005، للتعامل مع العدد الهائل من المتهمين الذين ينتظرون المحاكمة في نظام العدالة الوطنية. شمل نظام جاكاكا انتخاب قضاة على المستوى المحلي للإشراف على المحاكمات، باستثناء المتهمين بالتخطيط لارتكاب إبادة جماعية. ركزت هذه المنظومة المجتمعية على تحقيق المصالحة من خلال إصدار أحكام مخففة على الأفراد التائبين، وعاد السجناء المعترفون في كثير من الأحيان إلى ديارهم دون عقوبات أخرى أو تم تكليفهم بأداء الخدمة المجتمعية.

نجح نظام جاكاكا في البت بأكثر من 1.2 مليون حالة على مستوى البلاد، وساهم في المصالحة من خلال السماح للضحايا بمعرفة الحقيقة، والجناة بالاعتراف والتعبير عن الندم وطلب العفو. واختتمت محاكم جاكاكا أعمالها رسميا في 4 مايو/أيار 2012.[102] عند تحليل حالة محاكم جاكاكا، واستخلاص الدروس، ثمة العديد من العوامل المهمة الواجب أخذها في الاعتبار:

أولاً: أنشأت الدولة هذا النظام وجرى العمل به تحت إشراف وزارة العدل الرواندية.[103] لا تتشابه النسخة الجديدة لمحاكم جاكاكا التابعة للدولة مع ممارسات القانون العرفي.[104] حيث كان لمحاكم جاكاكا الجديدة إطار قانوني مقنن – وهو قانون الإبادة الجماعية الذي أقره البرلمان عام 1996، [105] وأدمجت ثلاثة مبادئ أساسية في قانون الإبادة الجماعية هي: تحقيق اللامركزية في العدالة من خلال إنشاء محاكم متعددة في مختلف الوحدات الإدارية؛ وتنفيذ المساومة القضائية لتعزيز مقدار الأدلة والمعلومات؛ وتصنيف الجرائم حسب طبيعتها.[106] بعبارة أخرى، عدلت الدولة منظومة جاكاكا التقليدية، وحولتها إلى نظام عدلي هيكلي تديره الحكومة.[107]

ثانيًا: لم تكن محاكم جاكاكا آلية العدالة الانتقالية الوحيدة، رغم أنها تمكنت من البت في أكبر عدد من القضايا، فبالإضافة إلى محاكم جاكاكا، كان هناك النظام القانوني الوطني للدولة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا، ولكل منهما اختصاص معين.

في هذا السياق، صُنفت الجرائم إلى أربع فئات: الفئة 1 شملت المخططين والقادة والمنظمين والمحرضين على الإبادة الجماعية، وكذلك القتلة والمغتصبين سيئي السمعة؛ الفئة 2 شملت المرتكبين لجرائم القتل؛ الفئة 3 تتألف من أولئك الذين تسببوا في أذى جسدي دون نية القتل؛ والفئة 4 شملت الأفراد الذين شاركوا في السرقة أو تلف الممتلكات.

تم توقيع عقوبة الإعدام على المدانين ضمن الفئة 1، بينما تم تحديد فترات سجن مختلفة مع رد الحقوق للفئات الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، استحدث القانون أسلوب المساومة القضائية، بحيث يتيح للمحاكم تخفيف العقوبات على المعترفين بجرائمهم وشركائهم. لم تكن محاكم جاكاكا مختصة بالتعامل مع جرائم الفئة 1، والتي تضمنت المخططين والمنظمين والمشرفين وزعماء العصابة، وكذلك الأفراد المعروفين بارتكاب جرائم قتل أو تعذيب أو اغتصاب.[108]

ثالثًا: قامت العدالة الانتقالية في رواندا على أربع مراحل متمايزة. ركزت المرحلة 1 على الجهود الدولية، ولا سيما دعم اتفاق أروشا للسلام وإنشاء المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، [109] واتسمت المرحلة 2 بالاعتقال الجماعي للمشتبه بهم في ارتكاب الإبادة الجماعية من جانب الحكومة الرواندية وإجراء المحاكمات الجنائية المحلية المحدودة. بينما وضعت المرحلة 3 آليات المُساءلة المفصول فيها محليا من خلال إعمال محاكم جاكاكا على المستوى الوطني، وتحولت المرحلة 4 نحو السعي إلى تحقيق العدالة، ويشمل ذلك إحالة قضايا المحكمة الجنائية الدولية لرواندا إلى الولايات القضائية الوطنية، وإنشاء الآلية الدولية لتصريف الأعمال المتبقية للمحكمتين الجنائيتين.[110]

رابعًا: تحدد نهاية سيناريو الحرب شكل العدالة الانتقالية في مرحلة ما بعد النزاع. حيث كان للجبهة الوطنية الرواندية، بصفتها الطرف المنتصر عسكريًا، دور كبير في تشكيل العدالة في رواندا بعد الإبادة الجماعية.[111] تركز أكبر انتقادات العدالة الانتقالية في رواندا على كيفية تعزيز عملية محاكم جاكاكا لسلطة الجبهة الوطنية الرواندية، مما دعم قدرتها على تقييد التحقيقات في انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية التي ارتكبها أعضاؤها قبل الإبادة الجماعية وأثنائها وبعدها.[112]

بمقارنة هذا النموذج مع سياق اليمن، نجد أن من بين فوائده إمكانية توطين العدالة حيث يمكن للمجتمع أن يشارك بشكل مباشر في عملية العدالة الاجتماعية، ويمكن للمجتمعات أن تشارك بفعالية في هذا النظام، في ظل توفير التعليم المناسب والمساعدة على النحو اللازم. يمكن للشهادات المتضاربة من مختلف الجهات المشاركة التصدي للانحيازات وضمان الإنصاف. كما ساعد نظام جاكاكا أيضًا على تسريع البت في قضايا الإبادة الجماعية ومكافحة الإفلات من العقاب من خلال تحديد هوية الجناة.[113]

من ناحية أخرى، فإن مواطن القصور المحتملة التي تنطوي عليها محاكمات قضايا الإبادة الجماعية في محاكم جاكاكا كانت تقلل من جسامة هذه الجرائم. كانت هناك أيضا شكوك متأصلة حول قدرة الأفراد غير المتعلمين في جاكاكا على التعامل مع مثل هذه الجرائم الخطيرة بشكل مستقل، بالإضافة إلى المخاوف بشأن التحيز في المحاكمات بسبب الروابط العائلية والاجتماعية، مما قد يعيق الإفصاح عن الحقيقة. كان هناك أيضا إمكانية أن تتسبب محاكمات جاكاكا في خلق الصراعات والتوترات داخل المجتمعات المحلية. أخيرا، كانت هناك أيضا أسئلة تتعلق بمدى توافق محاكم جاكاكا مع المعايير القانونية الدولية.[114]

تسلط الدراسات الخاصة بمحاكم جاكاكا في إطار العدالة الانتقالية في رواندا الضوء على استثمار الدولة في الآليات المحلية العرفية، وإضفاء الطابع الرسمي عليها وتحديثها لتصبح في سياق القنوات الرسمية. بيد أن تدخل الدولة يمكن أن يسفر عن عواقب غير مقصودة.

في اليمن، تستمد فعالية القانون العرفي من استقلاليته كآلية قوة اجتماعية متأصلة، وقد يضر تدخل الدولة بفعاليته. علاوة على ذلك، في حين أن القانون العرفي قد يكون فعالا في بعض المناطق المحلية، فإن هذا لا يعني بالضرورة أنه سيصلح لكل مجتمع في اليمن. وحتى إذا ثبت نجاحه على المستوى المحلي، فقد لا يكون النهج الصحيح لتحقيق العدالة والمصالحة على المستوى الوطني.

7. خاتمة

شكلت المناقشات حول العدالة الانتقالية خلال مؤتمر الحوار الوطني علامة فارقة في رفع الوعي بهذا المفهوم، خاصة وأن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تناولها رسميا في اليمن. مع ذلك، من المهم التأكيد على أن مخرجات هذا المؤتمر التاريخي جرى وضعها في سياق ما قبل الحرب، ومنذ ذلك الحين، ارتكبت العديد من الانتهاكات الجسيمة، التي تتجاوز طبيعتها ونطاقها ما تم تناوله في مؤتمر الحوار الوطني.

كما جرت مناقشات العدالة الانتقالية في مؤتمر الحوار الوطني في ظل ظروف سياسية مختلفة تمامًا، في وقت وجدت فيه سلطة حاكمة واحدة، وعلى النقيض، يواجه اليمن اليوم أزمة عميقة.

لقد أدى النزاع المستمر منذ قرابة عقد من الزمان إلى تعطيل النظام القضائي في اليمن، مما أدى إلى إضعاف بنيته التحتية الهشة بالفعل، وترهيب قضاته، وزيادة تقويض كفاءته ومصداقيته.

أدى الصراع الذي طال أمده أيضا، إلى تقسيم الدولة بين مختلف الفصائل العسكرية السياسية، ولكل منها مجال نفوذها الخاص. أسفر ذلك عن ظهور سلطات قضائية متنازعة، مما أدى إلى تفاقم التحديات التي تواجه الجهاز القضائي في العمل بشكل فعال.

نظرا لهذه التحديات، فإن النظام القضائي، بوضعه الحالي، غير جاهز لتولي زمام العدالة الانتقالية، ومن الضروري استكشاف نهج بديلة. مع ذلك، من الأهمية بمكان إشراك القضاء في مساعي العدالة الانتقالية.

قد يستلزم ذلك تعيين قضاة في لجان العدل والمصالحة وإنشاء محكمة متخصصة، على غرار محكمة حقوق الإنسان التي اقترحتها ‎اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان‎، من أجل التحقيق في أخطر الانتهاكات الجنائية الناشئة عن النزاع.

هناك ضرورة بالغة للنظر في الآليات المحلية، مثل القانون العرفي والتحكيم والوساطة المجتمعية، فضلا عن المبادرات المحلية الجديدة الشاملة التي تركز على المصالحة، وبينما يستعرض هذا البحث الدروس المستفادة من تجارب الدول الأخرى، خاصة فيما يتعلق باستخدام الآليات المحلية والقانون العرفي في عمليات العدالة الانتقالية في رواندا، فإن هناك حاجة ماسة لدراسة دقيقة لهذا النهج في اليمن، وموازنة إيجابياته وسلبياته بعناية، مع مراعاة السياق السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي الذي تتفرد به اليمن، وأخذه في الاعتبار.

في نهاية المطاف، يتطلب تحقيق العدالة الانتقالية في اليمن نهجًا شاملًا يأخذ في الاعتبار تعقيدات الصراع، والاحتياجات المتنوعة للسكان، ومبادئ العدالة الانتقالية.

8. التوصيات

تسعى التوصيات التالية إلى توجيه أصحاب المصلحة المعنيين، سواء كانوا يمنيين أو دوليين، نحو التعامل الأنسب فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية في اليمن:

  1. إعطاء الأولوية للإصلاح القضائي وتعزيز المؤسسات القضائية باعتبارها حجر أساس العدالة الانتقالية.
  2. تعزيز المبادئ الأساسية للعدالة الانتقالية كونها خطوة لا غنى عنها في إعادة إرساء سيادة القانون. وهذا أمر أساسي بالنظر إلى أن سيادة القانون لا يمكن أن تتحقق بالكامل دون الكشف عن الحقيقة، ومحاسبة الجناة، وتعويض الضحايا، وإصلاح المؤسسات، وتحقيق المصالحة.
  3. تخصيص الدعم المالي والتطوير المهني للنظام القضائي لتعزيز كفاءته وقدرته.
  4. التركيز على إعادة بناء مصداقية القضاء واستقلاله، واستعادة ثقة الجمهور في نزاهته، وتعزيز دور المؤسسات الداعمة لسيادة القانون.
  5. عقد مشاورات شاملة تشمل مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة الوطنيين، بما في ذلك الخبراء والحقوقيون والضحايا وأسرهم، على وجه الخصوص، عند وضع رؤية لآليات العدالة الانتقالية. هذا النهج حاسم لضمان تجسيد تطلعاتهم واحتياجاتهم والإسهام في تعزيز شرعية عملية العدالة الانتقالية.
  6. استكشاف وتقييم الآليات القضائية البديلة التي يمكن أن تحقق العدالة والمصالحة، مثل لجان القوانين العرفية ولجان التحكيم والوساطة والمصالحة المجتمعية، مع ضمان توافقها مع النظم القضائية الرسمية والالتزام بمعايير حقوق الإنسان.
  7. رسم خريطة لجميع مبادرات المصالحة المحلية، وتحديد الفرص والتحديات والدروس المستفادة من تجاربهم، واستكشاف سبل تقديم الدعم والمساعدة لتعزيز جهودهم.

تم إصدار هذا التقرير كجزء من منتدى اليمن الدولي 2023، الذي نظمه مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية واستضافته وزارة خارجية مملكة هولندا، بدعم تمويلي إضافي من الاتحاد الأوروبي وحكومة مملكة النرويج ومؤسسة المجتمع المفتوح وأكاديمية فولك برنادوت.

الهوامش
  1. “مذكرة توجيهية من الأمين العام بشأن العدالة الانتقالية: أداة استراتيجية للشعب والوقاية والسلام”، الأمم المتحدة، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، https://www.ohchr.org/sites/default/files/documents/issues/transitionaljustice/sg-guidance-note/2023_07_guidance_note_transitional_justice_en.pdf، ص.2.
  2. مسودة دستور اليمن الجديد، الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني، صنعاء، 2013، https://www.ohchr.org/sites/default/files/lib-docs/HRBodies/UPR/Documents/Session32/YE/A_HRC_WG.6_32_YEM_1_Yemen_Annex_1_A.pdf
  3. محمد الشويطر، “أثر الحرب على منظومة العدالة في اليمن”، المجمع الدولي للمساعدة القانونية (ILAC)، نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://ilacnet.org/wp-content/uploads/2022/07/Yemen-report-final.pdf.
  4. “وثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل” الجمهورية اليمنية 2013، https://www.mofa-ye.org/Pages/wp-content/uploads/2023/11/7-national_dialogue_conference.pdf
  5. مسودة دستور اليمن الجديد، الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني، صنعاء، 2013، https://www.ohchr.org/sites/default/files/lib-docs/HRBodies/UPR/Documents/Session32/YE/A_HRC_WG.6_32_YEM_1_Yemen_Annex_1_A.pdf
  6. “الاتفاق بشأن آلية تنفيذ العملية الانتقالية في اليمن وفقا لمبادرة مجلس التعاون الخليجي” ديسمبر/كانون الأول 2011، https://peacemaker.un.org/sites/peacemaker.un.org/files/YE_111205_Agreement on the implementation mechanism for the transition.pdf() المادة 21، الفقرة “و”.
  7. ضم مؤتمر الحوار الوطني تسع فِرَق عمل: استقلالية الهيئات ذات الخصوصية، والتنمية الشاملة والمتكاملة والمستدامة، وأسس بناء الجيش والأمن ودورهما، وقضية صعدة، والحقوق والحريات، والحكم الرشيد، وبناء الدولة، والقضية الجنوبية، والعدالة الانتقالية. رأفت الأكحلي، ” ما حصل عليه شباب اليمن من مؤتمر الحوار الوطني”، 7 أبريل/نيسان 2014، المجلس الأطلسي (أتلانتك كاونسل)، https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasourc e/what-yemen-s-youth-got-out-of-the-national-dialogue-conference/
  8. “وثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل” الجمهورية اليمنية 2013، https://www.mofa-ye.org/Pages/wp-content/uploads/2023/11/7-national_dialogue_conference.pdf. ضمن مخرجات بناء الدولة، ص 100
  9. نفس المرجع السابق، ضمن مخرجات القضية الجنوبية، ص 33
  10. نفس المرجع السابق، ضمن مخرجات قضية صعدة، ص 48
  11. نفس المرجع السابق، ضمن مخرجات بناء الدولة، ص 93
  12. نفس المرجع السابق، ضمن مخرجات قضايا ذات بعد وطني والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، ص 61
  13. نفس المرجع السابق، ص 71
  14. نفس المرجع السابق، ضمن مخرجات القضية الجنوبية، ص 34
  15. نفس المرجع السابق، ضمن مخرجات قضية صعدة، ص 51
  16. نفس المرجع السابق، ضمن مخرجات قضايا ذات بعد وطني والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، ص 67
  17. نفس المرجع السابق، ص 55
  18. نفس المرجع السابق، ص 57
  19. نفس المرجع السابق، ضمن مخرجات التنمية الشاملة والمتكاملة والمستدامة، ص 227
  20. نفس المرجع السابق، ضمن مخرجات قضايا ذات بعد وطني والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، ص 58
  21. نفس المرجع السابق، ص 57
  22. نفس المرجع السابق، ص 60
  23. نفس المرجع السابق، ص 60
  24. نفس المرجع السابق، ضمن مخرجات القضية الجنوبية، ص 38
  25. “مسودة دستور اليمن الجديد”، الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني، صنعاء، 2013، https://www.ohchr.org/sites/default/files/lib-docs/HRBodies/UPR/Documents/Session32/YE/A_HRC_WG.6_32_YEM_1_Yemen_Annex_1_A.pdf ، ص 47
  26. نفس المرجع السابق، ص 89
  27. نفس المرجع السابق.
  28. نفس المرجع السابق.
  29. تتكون النقاط الـ 20 من المبادئ التي حددتها اللجنة الفنية لمؤتمر الحوار الوطني لتمهيد الطريق وخلق بيئة مواتية وبناء الثقة بين المشاركين. وهي تشمل، على سبيل المثال، توجيه اعتذار رسمي للجنوب من قبل الأطراف التي شاركت في حرب صيف عام 1994، وكذلك توجيه الاعتذار لأبناء صعدة والمناطق المتضررة الأخرى من قبل الأطراف المشاركة في تلك الحروب. يدعو البند 17، على وجه التحديد، إلى تسريع إصدار قانون العدالة الانتقالية، بهدف معالجة مظالم الماضي وتعزيز المصالحة. انظر: “نص التقرير النهائي للجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل” المصدر أون لاين، ديسمبر/كانون الأول 2012، https://almasdaronline.com/article/39472
  30. كانت المطالب الـ 11 التي طرحتها فرق العمل المعنية بالقضية الجنوبية تهدف إلى بناء الثقة وتسهيل المناقشات حول عدة أولويات، والتي تضمنت الإفراج عن المعتقلين السياسيين علي ذمة الحراك الجنوبي السلمي؛ وسرعة إنجاز اللجنتين المشكلتين للنظر في قضايا الموظفين المدنيين والعسكريين والأمنيين المبعدين قسريًا عن وظائفهم عقب حرب 1994، وتعويضهم التعويض المادي العادل لهم. انظر: “فريق القضية الجنوبية بمؤتمر الحوار يطرح 11 مطلبًا للتهيئة” المصدر أون لاين، 3 نيسان/أبريل 2013، https://almasdaronline.com/article/43696
  31. “مسودة دستور اليمن الجديد” الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني، صنعاء، 2013، https://www.ohchr.org/sites/default/files/lib-docs/HRBodies/UPR/Documents/Session32/YE/A_HRC_WG.6_32_YEM_1_Yemen_Annex_1_A.pdf
  32. “النقاط العشرين محل إجماع وطني”، صنعاء نيوز، 28 مايو/آيار 2013، https://www.sanaanews.net/news-21287.ht
  33. تتألف المسودة من 35 مادة موزعة على ستة فصول.
  34. “الاتفاق بشأن مبادرة مجلس التعاون الخليجي”، مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن، 23 يناير/كانون الثاني 2012، https://osesgy.unmissions.org/sites/default/files/gcc_initiative_yemen_english.pdf
  35. “صفقة منح الحصانة لعلي عبد الله صالح تفسد اتفاق نقل السلطة في اليمن”، منظمة العفو الدولية، 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، https://www.amnesty.org/ar/latest/press-release/2011/11/yemen-transition-tainted-e28098immunitye28099-deal-1/
  36. المركز الوطني للمعلومات – اليمن، https://yemen-nic.info/news/detail.php?ID=54698
  37. “رئيس الوزراء: مشروع قانون العدالة الانتقالية جاء مستوعبًا لمخرجات الحوار”، جريدة الثورة، 8 يونيو/حزيران 2014، https://althawrah.ye/archives/85420
  38. ماجد المذحجي، “قوانين العدالة الانتقالية في اليمن: تحايل على الحقيقة وكتم لأصوات الضحايا”، المفكرة القانونية، 30 يناير/كانون الثاني 2013، https://legal-agenda.com/قوانين-العدالة-الانتقالية-في-اليمن-تح/
  39. موجز أعدته مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الأمم المتحدة، 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، https://www.upr-info.org/sites/default/files/documents/2014-03/a_hrc_wg.6_18_yem_3_e.pdf
  40. مبادرة السلام والعدالة (PJI) هي شبكة من المتخصصين في القانون الجنائي الدولي الذين يهدفون إلى “تشجيع ودعم الإنصاف القانوني للجرائم الفظيعة مثل الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب والعدوان والإرهاب والتعذيب.” انظر: https://www.peaceandjusticeinitiative.org/#
  41. “ورقة بحثية لتحديد الموقف بشأن مشروع القانون اليمني بشأن العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية”، مبادرة السلام والعدالة (PJI)، مارس/آذار 2012، https://www.peaceandjusticeinitiative.org/wp-content/uploads/2012/03/PJI-Position-Paper-on-Yemeni-TJ-law-for-MHR-and-MLA.pdf
  42. “وثيقة مقدمة من مركز صنعاء خلال الاستعراض الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان حول سجل اليمن”، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 24 أكتوبر/تشرين الأول 2023، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/21016
  43. “حالة حقوق الإنسان في اليمن، بما في ذلك الانتهاكات والتجاوزات المرتكبة منذ سبتمبر/أيلول 2014 “، مجلس حقوق الإنسان، 29 سبتمبر/أيلول 2020، https://documents.un.org/doc/undoc/gen/g18/252/77/pdf/g1825277.pdf .
  44. نفس المرجع السابق.
  45. نفس المرجع السابق.
  46. النازحون داخليا في اليمن، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، 2021، https://reporting.unhcr.org/yemen-idps-yemen-4.
  47. ياسمين دياب وأنس الجرجاوي، “واقع النزوح في اليمن: نظرة عامة”، المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، 22 مايو/أيار 2022، https://euromedmonitor.org/ar/article/5129/واقع-النزوح-في-اليمن:-نظرة-عامة
  48. “اليمن: حصار مدينة تعز عقاب جماعي ضد المدنيين وعلى جماعة الحوثي إنهاءه فورا ” المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، 16 أغسطس/آب 2023، https://euromedmonitor.org/ar/article/5784/اليمن..-حصار-مدينة-تعز-عقاب-جماعي-ضد-المدنيين-وعلى-جماعة-الحوثي-إنهاءه-فورًا
  49. “قرار رئيس الجمهورية رقم (2) لسنة 2013، ” 13 فبراير/شباط 2024، https://yemen-nic.info/db/laws_ye/detail.php?ID=69022.
  50. جينز كامبيك، “العودة إلى العدالة الانتقالية في اليمن: خلفية عن لجنة المتقاعدين قسرا في المحافظات الجنوبية”، تقارير مركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق (كاربو)، 26 تموز/يوليو 2016، https://carpo-bonn.org/wp-content/uploads/2016/07/carpo_policy_report_03_2016.pdf
  51. “إطار: خلفيات قرار الرئيس العليمي بتسوية أوضاع 52 ألفا من الموظفين الجنوبيين المبعدين بعد حرب 94″، يمن فيوتشر، 16 مايو/أيار 2023، https://yemenfuture.net/news/14531
  52. “52 ألف يمني يعودون إلى وظائفهم بعد 29 عامًا من الإقصاء: هل يفقد “المجلس الانتقالي الجنوبي” ورقته الرابحة؟”، 20 مايو/أيار 2023، https://www.ajnet.me/politics/2023/5/20/52-%D8%A3%D9%84%D9%81-%D9%8A%D9%85%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%88%D9%86-%D9%84%D9%88%D8%B8%D8%A7%D8%A6%D9%81%D9%87%D9%85-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-29-%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D9%85%D9%86
  53. “قرار جمهوري بإنشاء صندوق رعاية أسر شهداء وجرحى ثورة 11 فبراير”، المركز الوطني للمعلومات، 11 سبتمبر/أيلول 2013، https://yemen-nic.info/news/detail.php?ID=55668
  54. “قرار جمهوري رقم 191 لسنة 2013 بإنشاء صندوق جبر الضرر لضحايا إنتهاكات حقوق الإنسان، ومعالجة أوضاع جرحى وشهداء حرب 1994 وحروب صعدة ورعاية أسرهم”، المركز الوطني للمعلومات، 13 أكتوبر/تشرين الأول 2013، https://yemen-nic.info/db/laws_ye/detail.php?ID=69389
  55. “اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان”، 17 فبراير/شباط 2024، https://www.nciye.org/en/
  56. ميساء شجاع الدين، “حصاد عام من الفشل: مجلس القيادة الرئاسي”، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 11 يوليو/تموز 2023، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/analysis-ar/20507
  57. “هيئة التشاور والمصالحة تشكل لجانها التخصصية”، سبأ نت، 4 أبريل/نيسان 2024، https://sabanew.net/viewstory/109130#:~:text=شكّلت هيئة التشاور والمصالحة المساندة,والثقا
  58. ندوى الدوسري، “بناء السلام في زمن الحرب: آليات وقف إطلاق النار وخفض التصعيد القبلي في اليمن “، معهد الشرق الأوسط، أبريل/نيسان 2021، https://www.mei.edu/sites/default/files/2021-04/Peacebuilding in the Time of War.pdf
  59. “العدالة التصالحية على أرض الواقع: لجان الوساطة المجتمعية في اليمن”، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 18 يناير/كانون الثاني 2024، https://www.undp.org/ar/yemen/stories/aldalt-altsalhyt-ly-ard-alwaq-ljan-alwsatt-almjtmyt-fy-alymn
  60. “فوز اليمني هادي جمعان بجائزة أورورا للأعمال الإنسانية لعام 2022” مبادرة أورورا الإنسانية، https://auroraprize.com/en/hadi-jumaan-2022-aurora-humanitarian
  61. مقابلة عن طريق برنامج زووم مع د. ألفت الدبعي، عضو لجنة المصالحة والسلم الاجتماعي، 29 يناير/كانون الثاني 2024.
  62. “إعلان اليمن للعدالة والمصالحة”، شبكة عدالة اليمن، 2023، https://yemenjustice.org/
  63. محمد الشويطر، “أثر الحرب على منظومة العدالة في اليمن”، المجمع الدولي للمساعدة القانونية (ILAC)، نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://ilacnet.org/wp-content/uploads/2022/07/Yemen-report-final.pdf – .
  64. نفس المرجع السابق.
  65. محمد الشويطر وإيميلي كوزاك، “القضاء في اليمن: الوضع الراهن والتحديات الحالية واعتبارات ما بعد الصراع”، نوفمبر/تشرين الثاني 2019، https://www.deeproot.consulting/ar/publications/the-judiciary-in-yemen-the-status-quo-current-challenges-and-post-conflict-considerations
  66. محمد الشويطر، “أثر الحرب على منظومة العدالة في اليمن”، المجمع الدولي للمساعدة القانونية (ILAC)، نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، https://ilacnet.org/wp-content/uploads/2022/07/Yemen-report-final.pdf
  67. “مقبرة الغطرسة: تقرير اليمن السنوي 2021″، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 3 مارس/آذار 2022، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/the-yemen-review-ar/17532
  68. نفس المرجع السابق.
  69. “تعيين القاضي قاهر مصطفى نائب عام جديد لليمن”، صحيفة الأيام، 25 مايو/أيار 2022، https://www.alayyam.info/news/90PGKA76-IBPUS5-26A5
  70. تعيين أول امرأة في عضوية مجلس القضاء الأعلى”، صحيفة الأيام، 13 أغسطس/آب 2022، https://www-web2.alayyam.info/news/93U202G1-YVWEOF-DD5E
  71. “القضاة الجنوبي يعلن رفع الإضراب في عموم المحاكم والنيابات”، صحيفة الأيام، 9 أغسطس/آب 2022، https://www.alayyam.info/news/93PTXTOT-4EH283-F0EA
  72. محمد الشويطر وإيميلي كوزاك، “القضاء في اليمن: الوضع الراهن والتحديات الحالية واعتبارات ما بعد الصراع”، نوفمبر/تشرين الثاني 2019، https://www.deeproot.consulting/ar/publications/the-judiciary-in-yemen-the-status-quo-current-challenges-and-post-conflict-considerations
  73. لين معلوف، “اليمن: محكمة يديرها الحوثيون تحكم على 30 شخصية سياسية معارضة بالإعدام في أعقاب محاكمة صورية”، منظمة العفو الدولية، 9 يوليو/تموز 2019، https://www.amnesty.org/ar/latest/press-release/2019/07/yemen-huthi-run-court-sentences-30-political-opposition-figures-to-death-following-sham-trial/
  74. “الأمين العام للأمم المتحدة يدين بشدة عمليات الإعدام في اليمن”، بيان من مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، 19 سبتمبر/أيلول 2021، https://press.un.org/en/2021/sgsm20914.doc.htm
  75. محمد الشويطر، “أثر الحرب على منظومة العدالة في اليمن”، المجمع الدولي للمساعدة القانونية (ILAC)، نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، https://ilacnet.org/wp-content/uploads/2022/07/Yemen-report-final.pdf
  76. محمد الشويطر وإيميلي كوزاك، “القضاء في اليمن: الوضع الراهن والتحديات الحالية واعتبارات ما بعد الصراع”، نوفمبر/تشرين الثاني 2019، https://www.deeproot.consulting/ar/publications/the-judiciary-in-yemen-the-status-quo-current-challenges-and-post-conflict-considerations
  77. محمد الشويطر، “أثر الحرب على منظومة العدالة في اليمن”، المجمع الدولي للمساعدة القانونية (ILAC)، نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، https://ilacnet.org/wp-content/uploads/2022/07/Yemen-report-final.pdf
  78. نفس المرجع السابق.
  79. نفس المرجع السابق.
  80. نفس المرجع السابق.
  81. نفس المرجع السابق.
  82. ليزلي فيناموري وجاك سنايدر ، “القانون والسياسة في العدالة الانتقالية”، موقع Annual Reviews (لاستعراض مقالات في العلوم السياسية)، المجلد. 18، 2015، https://www.annualreviews.org/doi/10.1146/annurev-polisci-122013-110512، ص 303-327
  83. نهى أبو الدهب، العدالة الانتقالية ومحاكمة القادة السياسيين في المنطقة العربية: دراسة مقارنة لمصر وليبيا وتونس واليمن، (دار بلومزبري للنشر، 2017).
  84. “مذكرة توجيهية من الأمين العام بشأن العدالة الانتقالية: أداة استراتيجية للشعب والوقاية والسلام”، الأمم المتحدة، تموز/يوليو 2023، https://www.ohchr.org/sites/default/files/documents/issues/transitionaljustice/sg-guidance-note/2023_07_guidance_note_transitional_justice_en.pdf
  85. ليزلي فيناموري وجاك سنايدر ، “القانون والسياسة في العدالة الانتقالية”، موقع Annual Reviews (لاستعراض مقالات في العلوم السياسية)، المجلد. 18، 2015، https://www.annualreviews.org/doi/10.1146/annurev-polisci-122013-110512
  86. “مذكرة توجيهية من الأمين العام بشأن العدالة الانتقالية: أداة استراتيجية للشعب والوقاية والسلام”، الأمم المتحدة، تموز/يوليو 2023، https://www.ohchr.org/sites/default/files/documents/issues/transitionaljustice/sg-guidance-note/2023_07_guidance_note_transitional_justice_en.pdf
  87. “البيانات العالمية”، مؤشر الدول الهشة 2023، https://fragilestatesindex.org/global-data/
  88. “مذكرة توجيهية من الأمين العام بشأن العدالة الانتقالية: أداة استراتيجية للشعب والوقاية والسلام، ” الأمم المتحدة، تموز/يوليو 2023، https://www.ohchr.org/sites/default/files/documents/issues/transitionaljustice/sg-guidance-note/2023_07_guidance_note_transitional_justice_en.pdf
  89. محمد الشويطر، “أثر الحرب على منظومة العدالة في اليمن”، المجمع الدولي للمساعدة القانونية (ILAC)، نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، https://ilacnet.org/wp-content/uploads/2022/07/Yemen-report-final.pdf
  90. التقرير الثامن (أغسطس/آب 2019- يوليو/تموز 2020)، اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، أغسطس/آب 2020، https://www.nciye.org/reports/EighthReport/Eighthreport-ar.pdf ، ص. 17
  91. “مذكرة توجيهية من الأمين العام بشأن العدالة الانتقالية: أداة استراتيجية للشعب والوقاية والسلام” الأمم المتحدة، يوليو/تموز 2023، https://www.ohchr.org/en/documents/tools-and-resources/guidance-note-secretary-general-transitional-justice-strategic-tool
  92. نهى أبو الدهب، العدالة الانتقالية ومحاكمة القادة السياسيين في المنطقة العربية: دراسة مقارنة لمصر وليبيا وتونس واليمن، (دار بلومزبري للنشر، 2017).
  93. جبر ينتيسو، “فهم القوانين العرفية في سياق التعددية القانونية”، في كتاب “التعددية القانونية في إثيوبيا”، حررته سوزان إيبل وجيتاشيو أسيفا، موقع ترانسكريبت للنشر الأكاديمي المستقل (فئة الثقافة والممارسة الاجتماعية)، 2020، https://library.oapen.org/bitstream/id/9d5eb60f-f321-461f-9fa2-a94977a8dd7d/9783839450215.pdf
  94. نفس المرجع السابق.
  95. جيفري سوينسون، “التعددية القانونية بين النظرية والتطبيق”، شبكة أبحاث العلوم الاجتماعية (2018) المجلد. 20.3، https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=3211304، ص 438-462
  96. نفس المرجع السابق.
  97. ندوى الدوسري، “الحوكمة القبلية والاستقرار في اليمن”، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 24 أبريل/نيسان 2012، https://carnegieendowment.org/research/2012/04/tribal-governance-and-stability-in-yemen?lang=ar&center=middle-east
  98. محمد الشويطر، “أثر الحرب على منظومة العدالة في اليمن”، المجمع الدولي للمساعدة القانونية (ILAC)، نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، https://ilacnet.org/wp-content/uploads/2022/07/Yemen-report-final.pdf
  99. نفس المرجع السابق.
  100. لوك هويسه ومارك سولتر (محرران.)، “العدالة والمصالحة التقليديتان بعد الصراعات العنيفة: التعلم من التجارب الأفريقية” ، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات (IDEA)، https://www.idea.int/sites/default/files/publications/traditional-justice-and-reconciliation-after-violent-conflict-learning-from-african-experiences-AR.pdf
  101. ديفيد بلومفيلد وتيريزا بارنز ولوك هويسه (محرران.)، “المصالحة بعد الصراع العنيف”، كتيب، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات (IDEA) ، 2003، https://www.idea.int/sites/default/files/publications/reconciliation-after-violent-conflict-handbook.pdf
  102. “عملية العدالة والمصالحة …. رواندا”، الأمم المتحدة، مارس/آذار 2014، https://www.un.org/en/preventgenocide/rwanda/assets/pdf/Backgrounder Justice 2014.pdf
  103. “العدالة البديلة: إرث محاكم جاكاكا المجتمعية في رواندا”، هيومن رايتس ووتش، 31 مايو/أيار 2011، https://www.hrw.org/report/2011/05/31/justice-compromised/legacy-rwandas-community-based-gacaca-courts
  104. نفس المرجع السابق.
  105. نفس المرجع السابق.
  106. لوك هويسه ومارك سولتر (محرران)، “العدالة والمصالحة التقليديتان بعد الصراعات العنيفة: التعلم من التجارب الأفريقية”، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات (IDEA)، https://www.idea.int/sites/default/files/publications/traditional-justice-and-reconciliation-after-violent-conflict-learning-from-african-experiences-AR.pdf
  107. “العدالة البديلة: إرث محاكم جاكاكا المجتمعية في رواندا”، هيومن رايتس ووتش، 31 مايو/أيار 2011، https://www.hrw.org/report/2011/05/31/justice-compromised/legacy-rwandas-community-based-gacaca-courts
  108. نفس المرجع السابق.
  109. د. نيكولا بالمر ود. روبين جيل ليزلي، “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وقضية العدالة الانتقالية، رواندا. كيف شكلت الديناميكيات الدولية والمحلية محاكمة الإبادة الجماعية والسعي لتحقيق المصالحة”، جامعة الأمم المتحدة – مركز أبحاث السياسات، أغسطس/آب 2020، https://i.unu.edu/media/cpr.unu.edu/attachment/4843/UNU_TJ_Rwanda.pdf
  110. نفس المرجع السابق.
  111. لوك هويسه ومارك سولتر (محرران.)، “العدالة والمصالحة التقليديتان بعد الصراعات العنيفة: التعلم من التجارب الأفريقية”، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات (IDEA)، https://www.idea.int/sites/default/files/publications/traditional-justice-and-reconciliation-after-violent-conflict-learning-from-african-experiences-AR.pdf
  112. د. نيكولا بالمر ود. روبين جيل ليزلي، “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وقضية العدالة الانتقالية، رواندا. كيف شكلت الديناميكيات الدولية والمحلية محاكمة الإبادة الجماعية والسعي لتحقيق المصالحة” جامعة الأمم المتحدة – مركز أبحاث السياسات، أغسطس/آب 2020، https://i.unu.edu/media/cpr.unu.edu/attachment/4843/UNU_TJ_Rwanda.pdf
  113. لوك هويسه ومارك سولتر (محرران.)، “العدالة والمصالحة التقليديتان بعد الصراعات العنيفة: التعلم من التجارب الأفريقية”، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات (IDEA)، https://www.idea.int/sites/default/files/publications/traditional-justice-and-reconciliation-after-violent-conflict-learning-from-african-experiences-AR.pdf
  114. نفس المرجع السابق.
مشاركة