مقدمة
تعصف أزمة سياسية بعاصمة اليمن المؤقتة عدن، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة المعترف بها دوليًا جاهدة للتعامل مع انهيار العملة اليمنية، والتي أصبح يتم تداولها بسعر يتجاوز الألفين ريال لكل دولار أمريكي، منهية العام 2024 بخسارة تزيد عن ثلث قيمتها. في ظل الصراعات السياسية الداخلية والافتقار إلى الرؤية أو الأدوات المناسبة لوقف تدهور العملة، يلوح في الأفق انهيار اقتصادي شامل، ما لم يتوفر دعم مالي كبير ومستدام.
كانت العملة تحت وطأة ضغط هبوطي بسبب عوامل قصيرة وطويلة الأجل، حيث تعود جذور مشكلة الاقتصاد اليمني المضطرب إلى ما قبل الحرب، وتفاقمت مع الضغوطات والدمار الناجمين عن الصراع الأخير والذي أدى ركود اقتصادي أوسع نطاقًا على مدار العقد الماضي ومستمر رغم تراجع القتال في الخطوط الأمامية. كان للحرب تأثير متعدد الأبعاد على اليمن المعروف بـ افتقاره إلى الموارد الطبيعية والقدرة على الإنتاج، حيث أدت إلى خروج أعداد كبيرة من العمال من القطاعات الإنتاجية للاقتصاد، وسوف يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لإعادة إدماجهم وتدريبهم، وكذلك لاستعادة رأس المال والبنية التحتية التي دمرها الصراع.
مع ذلك، يمكن التعامل مع العوامل قصيرة الأجل المسببة لانخفاض قيمة العملة وعدم الاستقرار المالي والتخفيف من تأثيرها. يعتمد الاستقرار الاقتصادي على الانتظام في دفع فاتورة رواتب موظفي القطاع العام الضخمة واستقرار العملة، وكلاهما مسألتان لا تستطيع الحكومة معالجتهما حاليًا لعدة أسباب؛ أولها انخفاض إيرادات الحكومة إلى النصف في عام 2023، وتراجعها بنسبة 42٪ خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2024- بحسب وزارة المالية.[1] يُعزى ذلك بشكل رئيسي إلى توقف صادرات النفط والغاز، فضلاً عن انخفاض الإيرادات الجمركية بنسبة 34.5٪، مع تحوّل الواردات إلى الموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين في الحديدة[2]. عملت المملكة العربية السعودية – الداعم الرئيسي للحكومة اليمنية – على توفير دعم مالي خلال هذا العام، مما ساعد في تغطية بعض النفقات المتزايدة المتعلقة بدفع الرواتب وتقديم الخدمات. في الماضي، قدمت الإمارات العربية المتحدة والمجتمع الدولي ومنظمات دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي دعماً مالياً، إلاّ أن تقديم أموال المنح على نحو غير منتظم لم يكن كافياً لإنقاذ الاقتصاد أو تحسين الوضع المالي المزري للحكومة. من زاوية أخرى، ترددت الأطراف الخارجية في تزويد الحكومة المنقسمة بالوسائل اللازمة لإيقاف انهيار العملة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
هذا الموقف من جانب الأطراف الخارجية يعد خطأً جسيمًا، ففي الوقت الراهن، يشكل الدعم المالي الخارجي وسيلة الإنقاذ الوحيدة للاقتصاد، وسيؤدي حرمان الحكومة من العملة الصعبة إلى خطر انهيار اقتصادي وسياسي مما سيزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية وسيقوض قدرة الحكومة على تبني إصلاحات. لا يزال اليمن يعاني إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وهي أزمة مدفوعة ومستمرة بحالة الانهيار الاقتصادي. يستورد البلد تقريبًا كل احتياجاته الغذائية، وهناك علاقة مباشرة بين ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية وزيادة معدلات الجوع، مما يهدد بعودة شبح المجاعة.[3] تتفاقم هذه المخاطر مع الانخفاض الأخير في تمويل المساعدات الإنسانية: فحتى وقت كتابة هذا التقرير، لا يزال تمويل خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن لعام 2024، أقل من 50% من المطلوب، [4] واضطر برنامج الغذاء العالمي في ديسمبر 2023، إلى تعليق المساعدات الغذائية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون[5] بسبب نقص التمويل وعدم الاتفاق مع السلطات في صنعاء، قبل أن يُعلن البرنامج عن استئناف محدود لتقديم المساعدات في يوليو/تموز الماضي.[6]
يعتمد التعافي الاقتصادي الكامل غالباً على تسوية شاملة يتم التفاوض عليها، غير أن محادثات السلام تعثرت وسط اشتعال الوضع الإقليمي. لكن الثابت أن لا اليمنيون ولا الحكومة المعترف بها دوليًا أيضًا يستطيعون تحمل هذا الوضع المتردي، فقد يؤدي المزيد من التدهور الاقتصادي إلى تعمّق الانقسامات السياسية، بل وقد يمهد الطريق لاستئناف عمليات عسكرية واسعة النطاق من قبل قوات الحوثيين التي تتحين الفرصة. وما لم تتمكن من معالجة مشاكلها قبل استئناف محادثات السلام، ستصبح الحكومة في وضع حرج لا يسمح لها بالتفاوض على تسوية ، وستكون عواقب انهيار الأوضاع الإنسانية أو تجدد المعارك القتالية على نطاق أوسع نتيجة الاضطرابات السياسية كارثية.
مع قلة أوراق الضغط بيدها، بذلت الحكومة والبنك المركزي اليمني في عدن جهوداً مضنية لاستعادة السيطرة على النظام المالي من يد السلطات في صنعاء، لكنهما أجبرا على التراجع عن القرارات المتخذة لهذه الغاية، وسط مخاوف من أن تؤجج تصعيدا عسكريا واختلالات اقتصادية أشدّ وطأة. حالياً، أصبح هامش المناورة ضئيل بالنسبة للحكومة والبنك المركزي، لكن تقارير تُفيد بأن الاتحاد الأوروبي يُعد حزمة جديدة من العقوبات ضد جماعة الحوثيين، ولا يُستبعد أن تعيد إدارة ترامب (الذي أعيد انتخابه مؤخراً لولاية رئاسية ثانية) تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية. مع إضعاف موقف الحكومة وعجز البنك المركزي في عدن، قد لا يكون أي منهما قادراً على حماية الاقتصاد والسكان المدنيين من تداعيات هذه الإجراءات.
من هذا المنطلق، يجب وضع خطط لضمان قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية والحفاظ على عجلة الاقتصاد، ولا ينبغي تأجيل هذه الإجراءات إلى حين توقيع اتفاق سلام. فالتردد وتذبذب المواقف لن يؤديا سوى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والإنسانية، ويزيدا من خطر انهيار النظام المالي. وعليه، تقدم الورقة التوصيات الرئيسية التالية للأطراف الخارجية (ترد التوصيات المفصلة في نهاية هذا الموجز):
- دعم الحكومة المعترف بها دوليًا مالياً لتحقيق استقرار العملة، وتعزيز القدرة الشرائية للريال وتمويل واردات السلع الأساسية. يمكن أيضًا هيكلة هذا الدعم لتعزيز قدرة الحكومة على تحصيل الإيرادات وتبني إصلاحات تعالج انعدام الكفاءة في الإنفاق، ولا سيما في خدمات الكهرباء.
- التخفيف من تأثير العقوبات على المدنيين. في حال فرض أية عقوبات جديدة على جماعة الحوثيين، لابد من الأخذ في الاعتبار ضعف سيطرة الحكومة والبنك المركزي اليمني في عدن على القطاعين المالي والمصرفي وقدرتهما المحدودة على منع التداعيات الاقتصادية الواسعة لهذه العقوبات.
- تسهيل استمرار عمل القطاع المالي والحد من الانقسام في السياسات النقدية عبر مناطق سيطرة الأطراف. يشمل ذلك استعادة سلطة البنك المركزي للحيلولة دون مزيد من التفكك والسعي نحو توحيد العملة في نهاية المطاف.
- استكشاف الخيارات السياسية لاستئناف صادرات النفط والغاز والتي تعد مصدر الإيرادات الأساسي لليمن القابل للاستغلال.
- دعم جهود المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن للتفاوض بشأن دفع رواتب موظفي القطاع العام من الأفراد المدنيين. يمكن النظر في آليات مختلفة لدفع تلك الرواتب في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مثل ربط هذه المدفوعات باعتماد تدابير أخرى من شأنها أن تسهل جهود تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
تاريخ من الهشاشة الاقتصادية
يلعب الفقر المزمن في اليمن وموارده المحدودة (لكن القابلة للاستغلال) من النفط والغاز، دوراً في استمرار ترابط وتداخل الأبعاد الاقتصادية والسياسية للصراع بشكل وثيق. كان الاقتصاد قبل الحرب يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز، والتي استخدمتها الحكومة لدعم الوقود والكهرباء واستيراد معظم المواد الغذائية الأساسية، وتغطية فاتورة رواتب موظفي القطاع العام. مع ارتفاع النفقات الثابتة ومحدودية وضعف مصادر الإيرادات، عانى الاقتصاد من الهشاشة حتى في فترة ما قبل الاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد في الفترة من 2011 إلى 2014، وما تلا ذلك من نشوب الحرب الأهلية.
أدى الصراع إلى انهيار جزء كبير من إمكانيات اليمن الاقتصادية، سواء من خلال إلحاق دمار مادي مباشر أو تعطيل سوق العمل وسلاسل الإمداد والتدفقات النقدية والممرات التجارية. توقف إنتاج النفط والغاز حين اندلعت الحرب واستغرق الأمر سنوات لإنعاش القطاع، فضلا عن تفاقم الأزمة المالية بسبب انقسام البنك المركزي بعد نقل مركزه الرئيسي إلى عدن ، وزيادة الإنفاق العسكري، ومحدودية الإيرادات، والانخفاض الحاد في احتياطيات النقد الأجنبي. تعود بداية تراجع قيمة الريال إلى المراحل المبكرة لاندلاع الحرب، لكن الضغط الهبوطي على العملة استمر في التزايد حتى عام 2016، وفي بداية 2017، لجأ البنك المركزي اليمني في عدن (المحسوب على الحكومة المعترف بها دولياً) إلى زيادة طباعة الأوراق النقدية لتمويل بنود الإنفاق العام، مع تفاقم الأزمة النقدية وتعذّر دفع الفاتورة المتضخمة لرواتب الأفراد العسكريين والأمنيين. نتيجة لذلك، تراجعت قيمة العملة المحلية بشكل حاد، حيث خفضت الحكومة قيمة الريال من 214.25 إلى 250 مقابل الدولار الأمريكي الواحد؛ وبحلول عام 2017، بلغ سعر الصرف المتداول في السوق السوداء إلى 370 ريال[7] مقابل الدولار، قبل أن يتم إلغاء العمل بسياسة سعر الصرف الثابت.[8]
خلال العام 2020، فرضت سلطات الحوثيين في صنعاء حظرًا على تداول الأوراق النقدية المطبوعة بعد عام 2016، في مناطق سيطرتهم، وبالتالي اقتصر تداولها في مناطق الجنوب الخاضعة لسيطرة الحكومة مما أدى إلى انقسام العملة فعليًا. علاوة على ذلك، أسفر التوسع الكبير للمعروض النقدي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة عن تضخم هائل، وبحلول ربيع عام 2022، تراجعت قيمة “الريالات الجديدة” بشكل ملحوظ حيث وصل سعر تداولها إلى 1260 ريال مقابل الدولار الواحد. مع ذلك، استطاعت الحكومة تحقيق بعض التقدم في استئناف صادرات النفط والغاز، وتمكنت من تقليص الإنفاق من خلال تعليق دفع رواتب موظفي القطاع العام المتواجدين في المناطق الشمالية الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
في شتاء 2021-2022، شهدت المعارك القتالية جموداً بعد فشل الهجوم الحوثي الساعي للاستيلاء على مأرب وحقول النفط والغاز فيها، تلا ذلك فترة من الهدوء النسبي عقب إبرام الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة في أبريل/نيسان 2022. تناولت محادثات الهدنة المشار إليها عددًا من القضايا الاقتصادية الملحة، من ذلك إعادة فتح الطرق وتخفيف القيود المفروضة على الواردات، ودفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، [9] لكن المحادثات انهارت في أكتوبر/تشرين الأول 2022، بسبب مطالب قدّمها المفاوضون الحوثيون في اللحظات الأخيرة تشترط إدراج قواتهم العسكرية والأمنية في آلية دفع رواتب موظفي القطاع العام. رغم فشل جهود تمديد الهدنة، ظلت الجبهات مستقرة نسبيًا إلى أن شن الحوثيون هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة استهدفت موانئ تصدير النفط في الجنوب، [10] مما فرض حصاراً فعلياً على صادرات النفط والغاز التي تُعد المصدر الرئيسي لإيرادات الحكومة وللعملة الأجنبية.
منذ ذلك الحين، اعتمدت الحكومة بشكل شبه كامل على المساعدات الخارجية، فَبالإضافة إلى حزمة الدعم المقدمة من صندوق النقد العربي، [11] كانت الحكومة مدعومة بشكل أساسي بالمنح المقدمة من السعودية[12] والتي كانت تُصرف على دفعات غير منتظمة. مع غياب مصدر إيرادات منتظم، تفاقمت هشاشة الوضع المالي للحكومة التي واجهت صعوبات في توفير الخدمات الأساسية، أو تبني إصلاحات في آليات تحصيل الإيرادات وآليات الإنفاق، وهذا بدوره ألقى بظلاله على تدهور قيمة الريال في مناطق الحكومة.
مع بدء الحصار الحوثي الخانق على صادرات النفط والغاز الحكومية، تحوّل النزاع في اليمن إلى حرب اقتصادية، حيث أصبحت السيطرة على المؤسسات الاقتصادية سلاحًا استراتيجيًا لتحقيق مكاسب سياسية. تزايدت حدة التنافس على الإيرادات الجمركية والعوائد الضريبية والصناعات المحلية إلى جانب القطاع المالي، وتمكن الحوثيون من انتزاع حصة الأسد من الإيرادات لصالحهم، مستغلين تفوقهم العسكري ورغبة الرياض الصريحة في الخروج من نفق الصراع اليمني. مارست الجماعة ضغوطًا على شركات الشحن لتحويل الواردات إلى موانئ الحديدة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، كما فرضت رسومًا على التجارة البرية، وبالتالي تحوّلت نسبة كبيرة من الإيرادات الجمركية إلى يد الحوثيين.[13] فضلا عن ذلك، تمكن الحوثيون من السيطرة على مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية بهدف استنزاف ثروات البلاد، بدءًا من قطاع الاتصالات[14] وحتى إنتاج التبغ، [15] وفرضت الجماعة قيودًا على حركة البضائع القادمة من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. إلاّ أن الحرب الاقتصادية احتدمت بشكل خطير في أوائل عام 2024، على مستوى القطاعين المالي والمصرفي.
إجراءات متبادلة من البنكين المركزيين المتنافسين
واجه البنك المركزي اليمني في عدن، المحسوب على الحكومة اليمنية، أزمة حقيقية مع انقطاع المصدر الرئيسي للإيرادات والعملة الصعبة وتراجع الدعم الخارجي، لذا اتجه البنك لإحكام السيطرة الكاملة على القطاعين المالي والمصرفي في البلاد حيث أعلن في فبراير 2024، عن إطلاق الشبكة الموحدة للأموال (UNMONEY)، [16] بهدف تعزيز سيطرته على مكاتب الصرافة وشبكات تحويل الأموال والبنوك، بما في ذلك تلك العاملة في صنعاء (الواقعة تحت سيطرة الحوثيين). كان البنك المركزي اليمني في عدن يأمل أن يساعد هذا النظام الجديد في القضاء على المضاربة والتلاعب بالعملة المتفشية ، وكذلك الحد من تدفقات الأموال غير المشروعة التي استفحلت في قنوات التحويلات المالية في اليمن. أعاق غياب الرقابة والضوابط التنظيمية على أنشطة الشبكات المالية قدرة البنك المركزي على ضمان امتثال المعاملات والتحويلات المالية لمعايير مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، مما جعل المنظومة المالية بأكملها عرضة للعقوبات الأمريكية. مما زاد من تعقيد المشكلة إدراج وزارة الخزانة الأمريكية لجماعة الحوثيين في قائمة المنظمات الإرهابية العالمية المصنفة تصنيفا خاصاً في يناير 2024، كردّ على استهدافهم لحركة السفن والملاحة التجارية في البحر الأحمر.[17] ومن خلال إحكام سيطرته وتوحيد الرقابة على المؤسسات المالية، سعى البنك المركزي اليمني في عدن إلى تقليص النفوذ المتزايد لسلطة صنعاء، وتحقيق الاستقرار في سعر صرف الريال في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في ظل تراجع قيمته.
في رد سريع على هذه الخطوة، حظر البنك المركزي اليمني في صنعاء (الخاضع لسيطرة الحوثيين)، التعامل مع الشبكة الموحدة للأموال مهدداً شركات الصرافة والبنوك بإجراءات عقابية قاسية في حال اعتمادهم العمل بالشبكة.[18] [19] كانت أحد أبرز المعضلات التي تعاني منها سلطة صنعاء هي أزمة السيولة الخانقة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بعد أن حظر الحوثيون تداول الأوراق النقدية المطبوعة بعد عام 2016، وتلف الأوراق النقدية القديمة من الريال التي أصبحت متهالكة مع مرور الوقت. لمعالجة شُحّ الريالات اليمنية والدولارات الأمريكية في سوق المال، وسعياً إلى تخفيف التداعيات المحتملة للعقوبات الأمريكية، أصدر البنك المركزي في صنعاء قراراً بدفع الحوالات المستلمة من الخارج للمستفيدين داخل مناطقها بالريال السعودي.[20] في المقابل، أصدر البنك المركزي اليمني في عدن توجيهات بأن تنحصر أنشطة التحويلات المالية على البنوك وشركات الصرافة المعتمدة فقط، وأن يتلقى المستفيدون الحوالات بالعملة المُرسلة بها.[21]
شهد شهر مارس/آذار فترة تهدئة وجيزة، بفضل المفاوضات التي قادتها جمعية الصرافين اليمنيين بصنعاء، لتخفيف التوتر مؤقتاً بين الطرفين. ألغى كل طرف القيود التي كان قد فرضها على مكاتب الصرافة والبنوك لعدم امتثالها للتوجيهات، لكن المشكلات الأساسية ظلت دون حل: فقد جاءت جهود الحكومة للسيطرة على تدفقات الأموال ودعم استقرار العملة على غير هوى سلطة الحوثيين المُحكمة سيطرتها على المؤسسات المالية في صنعاء، والساعية إلى معالجة أزمة نقص السيولة في مناطق سيطرتها. لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى استجد التصعيد من كلا الجانبين: في 30 مارس شَرَع الحوثيون في خطوة استفزازية تمثلت في الإعلان عن سكّ عملة معدنية جديدة فئة 100 ريال، الأمر الذي عزّز من نظام سعر الصرف المزدوج السائد وهدّد بانقسام دائم للعملة في البلاد.[22] في هذا الصدد، أشار تقرير صادر عن فريق الخبراء الأممي المعني باليمن في أكتوبر 2024، إلى أن طباعة الحوثيين لعملة خاصة بهم ستتيح لهم توليد مزيد من التمويل واستخدامه لأغراض عسكرية، ليتجنبوا بذلك تأثير العقوبات المفروضة عليهم.[23] من جانبه، اعتبر البنك المركزي اليمني في عدن تلك الخطوة تهديدًا صارخًا لشرعيته ووضعه لدى الساحة الدولية، وأدان سكّ العملة الجديدة باعتبارها غير شرعية. من تلك اللحظة، أخذت التوترات ابعاداً أكثر خطورة.
في 2 أبريل، ردّ البنك المركزي اليمني في عدن بإصدار قرار حازم ينص على وجوب نقل جميع المراكز الرئيسية للبنوك اليمنية إلى عدن في غضون 60 يومًا.[24] رغم أن البنك المركزي كان قد أصدر توجيهاً مشابهًا في أغسطس 2021 لم يُنفذ بتاتاً، اعتُبر القرار الجديد أكثر حزماً وجدية، بعد أن أثار سك الحوثيين للعملة المعدنية مخاوف من أن يفقد البنك المركزي اليمني بعدن، ما تبقى من سلطته في ظل الضغوطات المتزايدة. في قراره الجديد، هدّد البنك المركزي في عدن بعزل البنوك الواقعة مقارها في صنعاء عن نظام سويفت (SWIFT) العالمي، وعن خدمات تحويل الأموال الدولية، مثل ويسترن يونيون وموني جرام، في حالة عدم امتثالها بنقل مراكزها الرئيسية إلى عدن. لم يكن واضحًا إلى أي مدى كانت التوجيهات قابلة للتنفيذ، لكن القرار بنقل المراكز الرئيسية قوبل بمعارضة شديدة من البنوك الواقعة في صنعاء المعتمدة على قاعدة عملائها في الشمال. فضلا عن ذلك، لقي القرار ردود فعل سلبية من البنوك التي أُسست حديثاً في عدن والتي استاءت من احتمال المنافسة الشرسة من البنوك التي ستنقل مقراتها. كما بادرت جمعية البنوك اليمنية الموجودة في صنعاء على الفور بإدانة هذه الخطوة ووصفتها بأنها مناورة سياسية، [25] وكذلك فعل رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي اليمني بعدن، الذي أشار من جانبه إلى العقبات اللوجستية الكامنة في هذا القرار.
خلال الفترة من مايو إلى يوليو، ضاعف البنك المركزي اليمني بعدن جهوده الرامية لإحكام سيطرته؛ ففي 23 مايو، اتجه لتشديد الضوابط التنظيمية على التحويلات المالية[26] والتي أصبحت مصدراً رئيسياً للعملة الأجنبية، حيث بلغت حوالي 6 مليارات دولار أمريكي إجمالاً في عام 2023.[27] وفي 30 مايو، أصدر البنك المركزي اليمني في عدن قرارًا يطالب جميع المواطنين باستبدال جميع النقود الورقية المطبوعة قبل عام 2016 (أي الريالات من الطبعة القديمة) في غضون 60 يومًا.[28] لم يُنفذ هذا القرار مُطلقاً، لكنه قوبل بإعلان من البنك المركزي بصنعاء عن وضع آلية تعويض خاصة بها في هذا الشأن. لاحقاً، اتجه البنك المركزي اليمني في عدن لتعليق عمل شركات الصرافة وفرض ضوابط مشددة على شبكات تحويل الأموال الأخرى؛ وفي يونيو، حظر البنك جميع المحافظ الإلكترونية غير المرخصة، متحديًا سياسة الحوثيين الداعمة لخدمات الدفع الإلكتروني التي لا تعتمد على البنوك . فضلا عن ذلك، حظر البنك المركزي اليمني بعدن نقل العملات الأجنبية والأوراق النقدية المطبوعة قبل عام 2016 (الريال القديم) إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
ردًا على هذه الإجراءات، أوقفت جمعية الصرافين اليمنيين بصنعاء (الخاضعة لسيطرة الحوثيين) التعامل مع الشبكات الممتثلة للبنك المركزي اليمني في عدن. في أواخر مايو، منعت وحدة جمع المعلومات المالية في البنك المركزي بصنعاء جميع البنوك الخاضعة لسيطرتها من مشاركة أية بيانات مع البنك المركزي اليمني بعدن أو الحكومة المعترف بها دوليًا، وهدّدت أي بنك يخالف التوجيهات بتبعات قانونية، كَتوجيه تهمة التعامل مع “العدوان [أي الحكومة]” – وهي تهمة خطيرة في ظل المناخ الحالي الذي يمارس فيه الحوثيون الاعتقالات التعسفية واتهامات ملفقة بالخيانة. أدى هذا الإجراء إلى قطع الحوالات المالية بين مناطق سيطرة الاطراف بشكل فعلي. علاوة على ذلك، أمر الحوثيون البنوك الموجودة في صنعاء بالامتناع عن المشاركة في مزادات بيع العملة الأجنبية التي ينظمها البنك المركزي اليمني بعدن ومنصة بُنى “Buna” للمدفوعات العربية ورقم الحساب المصرفي الدولي (IBAN). تلى ذلك خطوة تصعيدية خطيرة تمثلت في اقتحام قوات الحوثيين منزل محافظ البنك المركزي اليمني بعدن، الواقع في صنعاء، بتاريخ 6 يوليو.[29]
بلغت الأزمة ذروتها في شهر يوليو، حين اتخذ البنك المركزي اليمني بعدن إجراءات لتنفيذ قراره المطالب بنقل المراكز الرئيسية للبنوك إلى عدن، تضمنت سحب تراخيص ستة من أكبر البنوك الموجودة في صنعاء لعدم امتثالها للقرار.[30] كان الهدف من ذلك ترسيخ مكانة العاصمة المؤقتة كَمركز مالي للدولة وتعزيز رقابتها على القطاع المالي. فَالبنك المركزي اليمني بعدن كان يحظى بصلاحيات ربط اليمن مع النظام المصرفي العالمي، مما يمنحه ميزة كبيرة في تنظيم تدفقات التحويلات المالية والوصول إلى الأموال في الخارج، فضلاً عن النفوذ لإجبار المؤسسات المالية ذات الصلة على الامتثال. بالتالي، عزل البنوك الموجودة في صنعاء عن نظام سويفت العالمي وعن شركات تحويل الأموال الدولية، مثل ويسترن يونيون وموني جرام، مثّل أكبر تهديد للوضع القائم.
أدرك الحوثيون العواقب المحتملة لعزلهم بشكل أكبر عن النظام المالي العالمي، لا سيما أن ذلك حدث بالفعل بسبب العقوبات الأمريكية، وبالتالي لجأوا على الفور إلى تهديد المملكة العربية السعودية والحكومة اليمنية باستئناف العمليات العسكرية. كانت النتيجة تدخلاً سعوديًا فورياً وحاسمًا، وتحت وطأة ضغط سعودي قوي، ألغى مجلس القيادة الرئاسي إجراءات البنك المركزي بعدن التي هدفت إلى إحكام السيطرة على القطاع المالي والمصرفي وتوحيد الرقابة على المؤسسات ذات الصلة وإنفاذ الامتثال.[31] وبفضل وساطة أممية، تعهد الجانبان علنًا بإلغاء الإجراءات المالية والاقتصادية المتبادلة المتخذة منذ فبراير .[32]
الأزمة الحالية
عقب نجاح الحوثيين في ممارسة الابتزاز، لا يُستبعد أن تسعى سلطة صنعاء إلى استئناف جهودها الرامية للسيطرة المطلقة على النظام المصرفي وشبكات تحويل الأموال، بل وقد تستأنف خطوة طباعة وسك العملات. فالصلاحيات الأساسية التي كانت مقصورة فيما سبق على البنك المركزي اليمني بعدن باتت تنسل تدريجيا من بين أياديه ككيان مالي معترف به دوليًا. رغم أن هذا قد يؤدي إلى الإضرار بالحوثيين على المدى القصير – في ظل الظروف الاقتصادية المتردية في الشمال – إلاّ أن هذه الإجراءات زادت من خطر حدوث انهيار مالي كُلي في مناطق الجنوب الخاضعة لسيطرة الحكومة، بتداعيات إنسانية وخيمة.
التراجع عن القرارات أضعف موقف قيادة البنك المركزي اليمني بعدن، وقوّض مكانة البنك بصورة لا رجعة فيها. لقد تعرضت سيادته النقدية والمالية وقدرته على إنفاذ اللوائح وعلاقاته بالنظام المالي العالمي للتشكيك، في وقت كان البنك المركزي يأمل في السيطرة على القطاع المالي بما يتيح للحكومة فرصة للتفاوض من موقع قوة مع الحوثيين، وربما حتى التوصل إلى اتفاق بشأن استئناف صادرات النفط والغاز والذي كان سَيحسن وضعها المالي. عوضاً عن ذلك، انتهى الأمر بالبنك المركزي في حالة من الضعف والتخبط وسط الأزمات المالية، ومع انخفاض الاحتياطيات بشكل حاد، اضطر البنك لتعليق مزادات بيع العملات الأجنبية الهادفة إلى دعم قيمة الريال وتمويل واردات السلع الغذائية الأساسية. كما فشلت الجهود المبذولة لجمع الأموال عبر مختلف أدوات الدين العام في تحسين الوضع المالي المتأزم وتحقيق الاستقرار.
ترددت أنباء عن اعتزام الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة، كما شدّدت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد ترامب (مع بدء فترة ولايته الرئاسية الثانية) تصنيف جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، علماً بأن إدارته كانت قد أدرجت الجماعة تحت هذا التصنيف خلال فترة ولايته الأولى، قبل أن تلغيه إدارة سلفه بايدن في عام 2021، بسبب مخاوف من تأثيره المدمر على الوضع الإنساني.[33] إلا أن تبعات التصنيف هذه المرة قد تكون وخيمة؛ فَمع ضعف موقف البنك المركزي اليمني بعدن، وتقويض سيطرته على القطاع المصرفي، لن يكون في وضع يسمح له بحماية الاقتصاد المدني من التداعيات الكارثية. في الوقت نفسه، لا تزال الحكومة على حافة الإفلاس، مع استمرار التدهور الاقتصادي وتراجع قيمة الريال الجديد بشكل مطرد.
يبدو أن الوضع يخرج عن السيطرة، وقد هدفت محاولة البنك المركزي اليمني بعدن باعتماد الشبكة الموحدة للأموال (جزئيًا) إلى كبح المضاربات العشوائية على العملة (الريال). مع تعطّل هذه الخطوة، ترددت تقارير تفيد باستفحال ظاهرة المضاربة على العملة ، [34] حيث تتجه البنوك اليمنية والأفراد إلى استغلال سعر الصرف المتذبذب وتراجع قيمة الريال الجديد لتحقيق مكاسب شخصية، وفي بعض الحالات، سياسية. كما أشار البعض بأصابع الاتهام إلى مكاتب الصرافة في صنعاء التي تسعى للاستفادة من انهيار الريال. ردّت الحكومة بتضييق الخناق على مكاتب الصرافة غير المرخصة، غير أن قيمة الريال الجديد واصلت الانخفاض بشكل حاد، إلى ما دون الـ 2000 ريال مقابل الدولار أواخر العام المنصرم. على الجانب الآخر، ألقت العمليات العسكرية المستمرة للحوثيين في البحر الأحمر بظلالها على تكاليف الشحن التي شهدت زيادة كبيرة، وهو ما ينعكس بدوره في ارتفاع الأسعار في السوق المحلية. التقى محافظ البنك المركزي اليمني بعدن، أحمد غالب المعبقي، أواخر العام المنصرم بممثلين من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن، [35] حيث كشف عن خسارة الحكومة حوالي 6 مليارات دولار أمريكي من الإيرادات على مدار الـ 30 شهرًا الماضية. كذلك، ظل معظم موظفي القطاع العام في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة دون راتب لما يصل شهرين بحلول أواخر العام المنصرم.
مارس البنك المركزي اليمني بعدن ضغوطًا شديدة على شبكات التحويلات المالية للحد من علاقاتها بالبنوك اليمنية ومكاتب الصرافة العاملة في مناطق سيطرة الحوثيين، غير أن إرغامه على التراجع عن قراراته قد أضر بشدة بعلاقاته بالمؤسسات المالية الدولية، مثل ويسترن يونيون وموني جرام، مما أضعف سلطته كجهة رقابية رئيسية على هذه التدفقات النقدية. كان البنك المركزي اليمني في عدن يأمل في تنظيم الحوالات المالية والتحويلات الخارجية لتحسين قدرته على الوصول إلى العملة الصعبة، ومع تقويض هذه الجهود، سيتعرض الريال لمزيد من الضغط الهبوطي.
كما أن الضغط الحوثي على البنوك اليمنية للانسحاب من منصات التمويل الدولية الحيوية، مثل سويفت سكوب (SWIFT Scope) ومنصة بُنى (Buna) و آيبان تشيكر (IBAN Checker) و ريفينيتيف لمزادات العملة الأجنبية (Refinitiv)، من شأنه أن يعزز من تعطيل التحويلات المالية والتعاملات التجارية، ويعزل اليمن عن النظام المالي العالمي، وهو ما يعيق تدفق المساعدات الإنسانية. في أوائل أغسطس الماضي، سمح الحوثيون للبنوك اليمنية العاملة في مناطق سيطرتهم بإعادة الاتصال بشبكة سويفت سكوب (SWIFT Scope) التي لا تزال تحت رقابة البنك المركزي اليمني بعدن. تجدر الإشارة إلى أن اليمن يخضع بالفعل لرقابة مشددة، [36] لكن استقطاب الحوثيين للاهتمام الدولي بعملياتهم العسكرية يهدد بتصنيف اليمن كدولة عالية المخاطر من قبل مجموعة العمل المالي (فاتف أو FATF)، مما قد يفضي آخر المطاف إلى قطع العلاقات مع البنوك المراسلة وزيادة حالة العزلة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
مع مواردها المحدودة وسيطرتها الضعيفة، أصبحت الحكومة رهينةً المصالح المحلية. فقد باتت محافظة حضرموت الغنية بالنفط، التي نأت بنفسها عن الصراع إلى حد كبير، تضغط من أجل الحصول على درجة أكبر من الحُكم الذاتي ، ولا سيما حصة أكبر من عائدات النفط والغاز. مع تدهور الخدمات الحكومية بشكل حاد، تنامت التحركات المحلية بقيادة حلف قبائل حضرموت. في أواخر العام المنصرم، اتفق محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي مع الحكومة المركزية على خفض السعر المحلي للديزل، في ظل عدم قدرة الحكومة على دعم أسعار الديزل.[37] فأي دعم للسلع والخدمات، لا سيما دعم الكهرباء، مكلف للغاية، وقد أدى ذلك (إلى جانب عجز الحكومة عن تحصيل المبالغ المستحقة من المستهلكين)، إلى دفع خزينة الدولة إلى حافة الإفلاس.
فاقمت الخلافات السياسية المتزايدة من سوء الوضع، لا سيما الخلافات الحادة بين رئيس الوزراء، أحمد عوض بن مبارك، ومجلس القيادة الرئاسي (وعلى وجه الخصوص رئيس المجلس رشاد العليمي)، مما أدى إلى تعثر جهود البت في إصلاحات اقتصادية. ذكرت تقارير أن الفريق الاقتصادي التابع لمجلس القيادة الرئاسي تقدم بخُطط طموحة خلال النصف الأخير من عام 2024، ومن جهته ، أعلن بن مبارك عن خطة إصلاحية من شأنها إعادة هيكلة عدد من المؤسسات الحكومية، [38] لكن التفاصيل لا تزال مبهمة ولا يتضح بعد ما إذا كان بن مبارك يتمتع بالدعم السياسي أو الموارد اللازمة للمضي قدمًا في الإصلاحات المقترحة.
إن حالة الشلل السياسي في عدن ليست بالأمر الجديد، لكن عجز الحكومة الواضح عن معالجة الأزمة المالية لا يبشر بحل قريب. فضلاً عن ذلك، فإن حالة عدم الاستقرار التي تعصف بالحكومة، المثقلة بالصراعات الداخلية والانباء المستمرة عن إعادة تشكيلها وهيكلتها، قد دفع أعضاءها إلى التنافس على مكاسب سياسية مؤقتة، متجاهلين مصالح البلاد على المدى البعيد. تعتمد سلطة مجلس القيادة الرئاسي وشرعيته على قدرته على توفير الخدمات الأساسية ودفع رواتب موظفي القطاع العام وضمان أن تكون لهذه الرواتب قوة شرائية، لكنه يعاني حاليًا من الفشل في تحقيق هذه الجوانب الثلاث. في حال استمرت قيمة الريال في التراجع، من المحتمل حدوث انهيار اقتصادي شامل ومعه سيتفاقم الاختلال السياسي مما يعني المزيد من الانقسام والتشرذم.
المشهد في المرحلة القادمة
تواجه الحكومة صعوبات جمة في سداد ما عليها من التزامات، ويعاني البنك المركزي اليمني بعدن من تراجع احتياطيات النقد الأجنبي، بينما أصبحت المؤسسات المحلية ضعيفة وعلى شفا الانهيار. علاوة على ذلك، أدى التراجع المستمر لقيمة العملة إلى تآكل القوة الشرائية للمواطنين ويهدد بانهيار اقتصادي وكارثة إنسانية. يعاني اليمن من انعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع ومن سوء التغذية وتواتر تفشي الكوليرا ، [39] إلى جانب شبح المجاعة الذي بات يلوح في الأفق. في حال استمر الوضع في التدهور، سيكون حجم التداعيات الإنسانية الناجمة عن ذلك مدمرة . من جهة أخرى، يمكن أن يؤدي الاضطراب السياسي في الجنوب إلى تقويض الوضع الأمني القائم، مما يعيق وصول المساعدات الإنسانية، ويعزز من حدة التنافس الأمني، ويعطي مجال للجماعات المسلحة المحلية غير الحكومية بترسيخ تواجدها، بما في ذلك التنظيمات الإرهابية مثل فرع القاعدة في اليمن. من جانبهم، قد يغتنم الحوثيون مثل هذه الفرصة لاستئناف العمليات العسكرية على نطاق أوسع في مأرب أو الحديدة.
يواجه اليمن أزمة خانقة، لكن في الوقت الراهن لا يزال هناك طرفان يتمتع كل منهما بدرجة معينة من الإدارة المركزية. رغم أن المعارك القتالية في الجبهات تظل محدودة نسبياً حتى الآن، يبرز سيناريو مقلق للغاية يتمثل في تجدّد الصراع على نطاق واسع أو انهيار الدولة بشكل تام، وهو ما سيكون معضلة أكثر تعقيدًا سيصعب التعامل معها. لكن لا تزال هناك فرصة لتفادي ذلك: يُمكن لحلفاء اليمن والمجتمع الدولي وقف المسار الاقتصادي المتدهور الذي تشهده البلاد، واستعادة الثقة في القدرة المالية للدولة، وضمان توازن القوى المطلوب لإجراء حوار ناجع وفعال بشأن التهدئة الاقتصادية. يتعين على السعودية والإمارات والمجتمع الدولي توفير الدعم المالي المستدام للحكومة المعترف بها دوليًا، وبصورة منتظمة وعلى نطاق يُعزز القدرات المؤسسية. في الوقت الراهن، يُنظر إلى المكونات السياسية المختلفة المنضوية تحت مجلس القيادة الرئاسي والحكومة باعتبارها أداة مطيعة للسعودية والإمارات وتفتقر للاستقلالية السيادية، مما أضعف شرعية المجلس والحكومة على المستوى المحلي.
إن ضعف وتشرذم مجلس القيادة الرئاسي وعجزه عن توفير الخدمات الأساسية ودفع الرواتب في موعدها، قد دفع بعض السلطات المحلية على مستوى المحافظات إلى اتخاذ قرارات أحادية، مما يزيد من ضعف الحكومة المركزية. كما أن الإخفاق في توفير الخدمات الأساسية، في وقت تواصل فيه سلطات الحوثيين في صنعاء توفير بعض الخدمات، وهي اختلافات ومقارنات لا تغيب عن الكثير من اليمنيين. وبالتالي، مجرد السماح بأن تكون الحكومة في كف المقارنة، هو فشل استراتيجي ذريع يفتح الباب لترسيخ الدعم أو القبول بسلطة صنعاء ضمنيًا.
يجب على المجتمع الدولي مواصلة العمل نحو وضع خارطة طريق اقتصادية شاملة، تشمل تعزيز قدرة البنك المركزي اليمني بعدن على تنظيم وضبط الأنظمة المالية بشكل فعال والسماح له بالتفاوض مع صنعاء من موقع قوة. بذلت الدبلوماسية المكوكية للمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن جهوداً من أجل توحيد العملة، ومن ثم توحيد البنك المركزي آخر المطاف. على ضوئه، يجب أن يتضمن أي اتفاق سلام دائم أحكامًا لتوحيد النظام المصرفي المحلي، وإعادة ربط اليمن بالنظام المالي العالمي، ووضع إطار لسياسة نقدية موثوق بها، وانضواء جميع الكيانات المالية ذات الصلة تحت نظام مالي مُوحد ومحايد لدعم التعافي الاقتصادي وتقديم المساعدات الإنسانية بشكل منصف وفعال.
مع الأسف هذه التدابير غائبة حاليًا؛ حيث يتمتع الحوثيون باليد العليا في المشهد اليمني، وتواصل سلطة صنعاء استغلال تفوقها العسكري لاحتكار ومأسسة سيطرتها على الاقتصاد ومفاصل الدولة. هذا الخلل الراهن في الموازين يُنذر بكارثة اقتصادية مُدمّرة، حيث سيعمّ الفقر والغلاء، وسيزداد معاناة الشعب اليمني بشكل كبير وتعد بمزيد من زعزعة الاستقرار. في ديسمبر الماضي، قدمت السعودية دعماً بقيمة نصف مليار دولار أمريكي منها 200 مليون دولار لمعالجة عجز الموازنة وتمثل الدفعة الرابعة من المنحة المعلن عنها في 2023 بقيمة 1.2 مليار دولار أمريكي بالاضافة الى 300 مليون دولار كوديعة في البنك المركزي في عدن . الافراج عن الدفعة الأخيرة من الدعم المقدم من المملكة هي فرصة لإعادة النظر وإعادة قولبة الدعم المنهجي والمنتظم الذي يحتاجه اليمن، حيث أن تجاهل الوضع الاقتصادي المتدهور وتركه دون معالجة سينتهي بكارثة غير محمودة العواقب.
التوصيات
إلى المجتمع الدولي
تقديم مساعدات مالية عاجلة
أظهر المجتمع الدولي استعداداً أقل لتوفير الدعم المالي الكافي للحكومة المعترف بها دوليًا، إذ تتزايد الاحتياجات الإنسانية في اليمن بصورة مقلقة بسبب التدهور الاقتصادي المستمر في البلاد. سيزداد الوضع سوءًا في حال غياب أي دعم مالي كبير لتحقيق الاستقرار في قيمة العملة وتحسين الموقف المالي للحكومة، ومن هنا، لا بد من طرح حزمة دعم فوري.
التوسط للوصول لهدنة اقتصادية
بما أن إعادة تأهيل الاقتصاد بشكل شامل مرهون بتخفيف التصعيد المتبادل، يجب على المجتمع الدولي مواصلة دعم جهود المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن للتوصل إلى هدنة اقتصادية بحيث تلتزم جميع الأطراف بوقف الحرب الاقتصادية والحفاظ على حياد القطاع المصرفي بما يتيح له مواصلة تقديم الخدمات الأساسية، كتسهيل التحويلات المالية وصرف المعونات المالية المخصصة لأغراض إنسانية. يتعين على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي استكشاف جميع وسائل الضغط والحوافز المتاحة لضمان التزام الأطراف.
التفاوض على اتفاق اقتصادي قد يُحقق التوازن المطلوب، ويضمن عدم هيمنة أحد فرعي البنك المركزي على الآخر. مع ذلك، يجب إجبار البنوك اليمنية على مشاركة جميع بياناتها التشغيلية مع البنك المركزي اليمني بعدن، لضمان الامتثال الكامل لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتسهيل حركة التجارة والاستثمارات عبر الحدود وتقديم المساعدات الإنسانية.
وضع خارطة طريق اقتصادية شاملة
يجب على المبعوث الأممي الخاص مواصلة الجهود لوضع خارطة طريق اقتصادية شاملة، بالتعاون مع أصحاب المصلحة الدوليين الرئيسيين من أجل إنعاش الاقتصاد اليمني المتعثر والتعامل مع الأزمة الإنسانية المستمرة. يجب أن تتجاوز هذه الجهود أزمة البنوك الراهنة بحيث تتناول قضايا هامة، مثل رواتب موظفي القطاع العام وإدارة الإيرادات/ العائدات وتوزيعها، بما في ذلك استئناف صادرات النفط والغاز.
- إعطاء الأولوية لدفع رواتب موظفي القطاع العام: تأثر سكان المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون بسبب عدم انتظام دفع الرواتب منذ عام 2016. بالمقابل، ظل معظم موظفي القطاع العام في جنوب البلاد الخاضع لسيطرة الحكومة دون راتب لما يصل شهرين بحلول أواخر العام المنصرم. بناء عليه، يجب على الأمم المتحدة وشركائها الاستمرار في الدعوة إلى تسوية تلك الرواتب، وأن تعطي أية خطة توضع الأولوية لسداد دفعات جزئية للموظفين المدنيين والمتقاعدين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، مع استبعاد الأفراد العسكريين والأمنيين. يمكن الاستفادة من الأموال المتاحة جنباً إلى جنب مع الدعم الخارجي لصرف المدفوعات الأولية، وفي هذا الصدد، ينبغي إنشاء قاعدة بيانات شاملة ومُوحدة للرواتب تتضمن نظام تحقق وتدقيق قوي واعتماد آلية شفافة لصرف المدفوعات عبر ربطها بأرقام الهوية الوطنية للمستفيدين و/أو استخدام أنظمة التحقق البيومتري. بالإضافة إلى ذلك، يجب إيجاد آلية مستدامة لتقاسم الإيرادات من أجل تمويل مسيرات الرواتب، واستكشاف الخيارات مثل العائدات الجمركية وعائدات النفط والغاز والدعم الخارجي.
- إعادة توحيد العملة: يجب أن تتناول المحادثات اللاحقة مسألة انقسام العملة، بما في ذلك التدابير المحتملة للتعامل مع نظام سعر الصرف المزدوج، إلى جانب التضخم المحلي ونقص السيولة. ينبغي النظر في تدابير مثل طباعة أوراق نقدية جديدة أو السماح بتداول العملتين (الأوراق النقدية القديمة والجديدة) في مناطق معينة. كما ينبغي للأمم المتحدة والمجتمع الدولي السعي إلى تيسير تقديم المساعدات المالية وتوفير الخبرة الفنية لدعم آلية تسوية الرواتب وتوحيد العملة.
- ضمان التوزيع العادل للإيرادات: أية آلية لتوزيع الإيرادات يجب أن تأخذ في الاعتبار توزيعها بشكل منصف وعادل على المناطق التي تسيطر عليها الحكومة والحوثيين، مع التركيز بشكل خاص على المحافظات المهمشة تاريخياً، حيث أن الفشل في معالجة المظالم القائمة والمتجذرة منذ الماضي من شأنه أن يقوض جهود السلام ويخلق بؤرًا جديدة للصراع.
- ضمان استمرار تدفقات المساعدات الإنسانية والتنموية: على المانحين الاستمرار في تمويل الاحتياجات الإنسانية لليمن لحين توقف الصراع من أجل تقليص الفجوة الحالية في التمويل. ينبغي على المانحين كذلك، حيثما أمكن، الاستعداد لتحويل دعمها إلى مساعدات تنموية بعد انتهاء الصراع، لتمكين البلاد من بناء أصول اقتصادية مستدامة، وتكوين رأس المال، وتوفير فرص توليد الدخل.
- الدعم الدولي الجاهز: يتعين على المجتمع الدولي أن يكون مستعداً لتقديم المزيد من الدعم المالي والفني بمجرد أن تصبح خطة التهدئة الاقتصادية وخارطة الطريق السياسية جاهزة للتنفيذ في اليمن بشكل هادف وحقيقي. هذا أمر بالغ الأهمية لمنع الانهيار التام للاقتصاد اليمني وتسهيل إعادة توحيد أنظمته النقدية والمالية المنقسمة.
إلى المملكة العربية السعودية
- موازنة النفوذ الاقتصادي: يتعين على السعودية الإقرار بأن أية هدنة اقتصادية مستدامة في اليمن تتطلب مقاربة متوازنة. لذا، على المملكة الامتناع عن تقديم المزيد من التنازلات للحوثيين خارج إطار العملية التي تقودها الأمم المتحدة، لأن ذلك يهدد بترسيخ هيمنة الحوثيين على الاقتصاد.
- الاستفادة من التأثير الاقتصادي لتعزيز التعاون: باعتبارها تمتلك أكبر شبكة مالية إقليمية، يمكن للسعودية لعب دور حاسم في تسهيل التحويلات المالية الدولية إلى اليمن. ونظرًا لارتفاع عدد العاملين اليمنيين في سوق العمل السعودي، يتم تحويل جزء كبير من تلك الأموال إلى اليمن عبر البنوك السعودية، وهو ما يوفر للبنوك اليمنية فرصًا ثمينة للاتصال بالنظام المالي العالمي من خلال منصات مثل بُنى (Buna) . هذا هام بالنسبة للبنوك اليمنية التي تواجه تحديات ناجمة عن إجراءات تخفيف المخاطر التي تعيق قدرتها على إنجاز المعاملات المالية الدولية. لدعم التعافي الاقتصادي اليمني، يجب على السعودية استغلال نفوذها الجيوسياسي للضغط على الحوثيين للتعاون مع البنك المركزي اليمني بعدن، وتستطيع المملكة خلق حافز قوي للحوثيين للالتزام بالمعايير الدولية والحفاظ على حياد النظام المصرفي وأنظمة تحويل الأموال، وذلك من خلال التهديد بفرض قيود على تدفقات الحوالات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
- توفير دعم مالي محدد الأهداف: على الرياض زيادة دعمها المالي المُوجه للحكومة المعترف بها دوليًا بشكل فوري ومنتظم ؛ فَحتى تاريخه، تم الإعلان عن صرف أموال المنحة على دفعات غير منتظمة، مما قوّض إمكانية تحقيق الاستقرار المالي. لعلّ هذه السياسة تعكس مخاوف بسبب سوء استخدام الأموال فيما مضى، ورغبة في إبقاء الحكومة سهلة الانقياد، لكن لا يمكن الاعتماد عليها كبديل عن سياسة طويلة الأجل أكثر اتساقاً. فالدفعات غير المنتظمة تقوّض الثقة في قدرة الحكومة على البقاء والاستمرار وتساهم في ارتفاع معدلات التضخم؛ وعلى ضوئه، قد تساعد الدفعات المنتظمة في استقرار الريال، وتحسين الأمن الغذائي من خلال دعم تمويل الواردات، وتسمح بدفع رواتب موظفي القطاع العام بانتظام، وتخفف من المضاربات على العملة. كما أن وجود تمويل كاف للحكومة قد يعني انخفاض تكلفة اقتراضها، الأمر الذي سيضعها في وضع أفضل يُمكّنها من جمع المزيد من الأموال بشكل مستقل.
- تحسين الخدمات المقدمة: توفر الحكومة دعماً هائلاً للوقود والكهرباء، وبالتالي يحتاج هذا النظام إلى جانب الآلية المعقدة لتوفير الخدمات إلى إصلاحات طويلة المدى. شرعية مجلس القيادة الرئاسي على المدى القصير مرتبطة بالقدرة على توفير الخدمات الآن. تتمتع السعودية بوضع جيد يسمح لها بمساعدة اليمن في تلبية احتياجاته من الطاقة، سواء من خلال المنح أو شحنات الوقود أو بناء محطات توليد الكهرباء. صحيح سعت المملكة لدعم هذه الجوانب، لكن النطاق والتنفيذ لم يكونا كافيين. مع تكرار انقطاع التيار الكهربائي، خاصة في عدن، يتضح عدم كفاءة الحكومة في التعامل مع هذه الإشكالية، علماً أن العجز الطاقي وعدم انتظام إمدادات الكهرباء يعيق جهود تحقيق التنمية المستدامة ناهيك عن تأجيجه السخط العام والاضطرابات السياسية.
إلى الحكومة المعترف بها دوليًا
- ترشيد الإنفاق العام : على الحكومة أن تدرس بعناية تقليص وترشيد الإنفاق وتبني إصلاحات في هذا الجانب كبرامج الدعم المالي غير المستدامة لبعض البنود، مثل دعم الكهرباء، وكذلك مراجعة والتحقق من كشوفات الرواتب لشطب الموظفين غير النشطين.
- تحسين آلية تحصيل الإيرادات: تقوم الحكومة حاليًا بتحصيل جزء بسيط فقط من عائدات الضرائب وفواتير الخدمات العامة، بينما في المقابل يتم تحصيل هذه الإيرادات بشكل أكثر كفاءة في مناطق الشمال الخاضعة لسيطرة الحوثيين. صحيح أن تحسين آلية تحصيل الإيرادات قد يتطلب تعزيز القدرات المؤسسية، لكن على الحكومة السعي بكل السبل لتحصيل الإيرادات المستحقة قانونًا من مختلف المصادر.
- مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية: على الحكومة الالتزام بمكافحة الفساد وبناء أطر تنظيمية سليمة لتوفير الخدمات بشكل فعال وشفاف وتحصيل الإيرادات وتوزيع النفقات. يجب أن يشمل ذلك اعتماد ونشر وثائق الميزانيات وتفصيل الإيرادات والنفقات والتزامات الديون بما في ذلك ديون المؤسسات المملوكة للدولة.
-
مركزية الشبكات المالية: سعى البنكان المركزيان المتنافسان، في صنعاء وعدن، إلى إنشاء شبكات مالية منفصلة ومستقلة تعمل بشكل موحد في حدود مناطق سيطرتهما، مما يعكس صراعًا أوسع على السيطرة على سوق صرف العملات والتحويلات المالية. على ضوئه، ولتحقيق التهدئة وتعزيز الاستقرار المالي، يجب على الجهات الفاعلة الدولية مساعدة البنوك فيما يلي:
- الحد من التصعيد: العمل على التهدئة بين الأطراف المتنازعة وتعزيز النهج التعاوني في التعامل مع القضايا المالية.
- إنشاء شبكات مزدوجة مؤقتة: السماح لكل طرف، خلال المرحلة الانتقالية، بتشغيل شبكة مالية منفصلة تعمل بشكل موحد داخل مناطق سيطرته.
- إنشاء شبكة وسيطة: إنشاء شبكة وسيطة للتعامل مع التحويلات المالية بين مناطق الصراع المنقسمة، لتكون بمثابة همزة وصل خلال الفترة الانتقالية.
- العمل تدريجيا صوب توحيد الشبكات المالية: في حالة إحراز تقدم في عملية السلام وتم توحيد إدارة البنك المركزي اليمني، فيجب العمل تدريجيا على توحيد الشبكات المالية المنفصلة بين مناطق الصراع، لتصبح تحت مظلة نظام واحد ومُوحد.
إلى سلطات الحوثيين
- الانخراط بشكل بنّاء: يجب على الحوثيين الانخراط بشكل بنّاء في محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة للتوصل إلى هدنة اقتصادية فورية. ينبغي أن تخلق هذه الهدنة بيئة محايدة للقطاع الخاص والنظام المصرفي للعمل بحرية وتلبية احتياجات كافة اليمنيين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية.
- الالتزام بإجراءات بناء الثقة: في إطار الهدنة الاقتصادية، يجب على الحوثيين السماح للبنوك اليمنية العاملة في مناطق سيطرتهم بمشاركة البيانات المصرفية الحساسة مع البنك المركزي اليمني بعدن، بما يتيح للنظام المصرفي الالتزام بالمعايير المالية الدولية وتسهيل استيراد السلع الأساسية كالغذاء. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحوثيين الامتناع عن طباعة أوراق نقدية أو سك عملات معدنية جديدة، حيث قد يؤدي ذلك إلى تفاقم التضخم وتقويض الجهود الرامية إلى استقرار الاقتصاد.
- التفاوض على استئناف صادرات النفط: من قبل اندلاع الصراع ، كان قطاع النفط والغاز المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة، ومن هنا، من الضروري استئناف صادرات القطاع لدعم تعافي الاقتصاد، وتحديدا تمويل رواتب موظفي القطاع العام. لا يمكن لليمن أن يستمر في الاعتماد على المساعدات الخارجية إلى أجل غير مسمى – علماً أن هناك نقص بالفعل حالياً في تمويل جهود الاستجابة الإنسانية حيث يجد المانحون صعوبة في الاستجابة للأزمات المستفحلة في مختلف أنحاء العالم. بناء عليه، يجب على الحوثيين الالتزام بالسماح باستئناف صادرات النفط والغاز بناء على آلية عادلة لتقاسم الإيرادات.
- “المرصد الاقتصادي لليمن: مواجهة التحديات المتصاعدة، خريف 2024″، البنك الدولي، 31 أكتوبر/تشرين الأول 2024، “https://documents1.worldbank.org/curated/en/099943010292431765/pdf/IDU1f65eefe71d79414f1618a511921980f32f1b.pdf
- المرجع نفسه.
- “الصراع والأزمة الإقتصادية يُعمقان انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في اليمن”، اليونيسف، 25 مايو/أيار 2023، https://ar.wfp.org/news/conflict-and-economic-crisis-drive-food-insecurity-and-malnutrition-yemen
- “اليمن 2024″، خدمات التتبع المالي، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، https://fts.unocha.org/countries/248/summary/2024
- “برنامج الأغذية العالمي يضطر إلى إيقاف المساعدات الغذائية مؤقتاً في شمال اليمن”، برنامج الأغذية العالمي، 5 ديسمبر/كانون الأول 2023، https://ar.wfp.org/news/wfp-pauses-food-distributions-northern-areas-yemen
- “توقع استئناف برنامج الأغذية العالمي توزيع المساعدات تدريجيًا في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة في صنعاء”، شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة، 9 يوليو/تموز 2024، https://fews.net/middle-east-and-asia/yemen/key-message-update/july-2024
- بيتر ساليسبري، “اليمن يحترق والعالم يتجادل: فقر وحرب ولا مبالاة سياسية”، معهد دول الخليج العربية في واشنطن، 22 يونيو/حزيران 2017، https://agsiw.org/wp-content/uploads/2017/06/Salisbury_Yemen_ONLINE.pdf
- غريس إيسترلي، “أزمة العملة: الريال اليمني والآثار الخطيرة لانخفاض قيمته”، مشروع السلام في اليمن، 27 يوليو/تموز 2018، https://www.yemenpeaceproject.org/blog-x/2018/7/27/currency-in-crisis-the-yemeni-riyal-and-the-dangerous-effects-of-depreciation#_ftn7
- “تمديد الهدنة في ظل استمرار التوترات – تقرير اليمن لشهر أغسطس/آب 2022″، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 8 سبتمبر/أيلول 2024، https://sanaacenter.org/ar/the-yemen-review/august-2022/18751
- “الحوثيون في اليمن يهاجمون ميناء الضبة النفطي ويجبرون سفينة على المغادرة”، رويترز، 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، https://www.reuters.com/world/middle-east/yemens-houthis-attack-al-dhabba-oil-terminal-force-ship-leave-2022-11-21/
- “صندوق النقد العربي يوقع اتفاقية بقيمة مليار دولار لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي للحكومة اليمنية – وسائل إعلام رسمية سعودية”، رويترز، 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، https://www.reuters.com/world/middle-east/arab-monetary-fund-signs-1-bln-agreement-support-yemeni-government-reforms-saudi-2022-11-27/
- “السعودية تقدم دعمًا بقيمة 1.2 مليار دولار لدعم الاقتصاد اليمني”، أسوشيتد برس، 1 أغسطس/آب 2023، https://apnews.com/article/yemen-economy-saudi-arabia-economic-aid-4329a38962c4b67da018eab44e7aef03
- نيد والي والوحدة الاقتصادية بمركز صنعاء، “التحديات أمام تنمية مصادر الإيرادات العامة في اليمن”، 19 ديسمبر/كانون الأول 2023، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/main-publications-ar/21499
- “التقرير النهائي لفريق الخبراء المعني باليمن المنشأ عملاً بقرار مجلس الأمن 2140 (2014)”، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2024، https://documents.un.org/doc/undoc/gen/n24/259/53/pdf/n2425953.pdf
- وضاح الجليل، “الحوثيون يستولون على كبرى شركات التبغ اليمنية”، جريدة الشرق الأوسط، 9 أكتوبر/تشرين الأول 2024، https://aawsat.com/العالم-العربي/5069452-الحوثيون-يستولون-على-كبرى-شركات-التبغ-اليمنية?ocid=Nabd_App&page=1
- “تعميم للبنك المركزي اليمني بشأن الحوالات المالية عبر مختلف شركات الصرافة”، الخلاصة نت، 18 فبراير/شباط 2024، https://www.khlaasa.net/1303652
- أنتوني بلينكن، “تصنيف الحوثيين كإرهابيين”، بيان صحفي صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، 17 يناير/كانون الثاني 2024، https://www.state.gov/terrorist-designation-of-the-houthis/
- “البنك المركزي اليمني في صنعاء يوقف عدداً من شبكات الحوالات وشركات الصرافة” 4 مارس/آذار 2024م، يمن إيكو، https://yemeneco.org/archives/76876
- وتعرضت الشبكة أيضا لانتقادات من قبل نقابة الصرافين الجنوبيين، التي تمثل كبرى شركات الصرافة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
- “خدمات البنوك والمؤسسات المالية المشغلة لخدمات الحوالات الخارجية، ويسترن يونيون، وموني جرام، وما في حكمها” البنك المركزي اليمني – صنعاء، 13 مارس/آذار 2024م، https://yemeneco.org/wp-content/uploads/2024/03/تعميم_رقم_12_خدمات_البنوك_والمؤسسات_المالية_المشغلة_لخدمات_الحوالات.pdf
- محمد ناصر، «المركزي اليمني يعزز سيطرته على التحويلات الخارجية»، جريدة الشرق الأوسط، 28 مايو/آيار 2024، https://aawsat.com/العالم-العربي/الخليج/5025163-المركزي-اليمني-يعزز-سيطرته-على-التحويلات-الخارجية
- “محافظ البنك المركزي اليمني يعلن عن إصدار عملة معدنية من فئة 100 ريال”، وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، 30 مارس/آذار 2024، https://www.saba.ye/ar/news3317264.htm
- “التقرير النهائي لفريق الخبراء المعني باليمن المنشأ عملاً بقرار مجلس الأمن 2140 (2014)”، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2024، https://documents.un.org/doc/undoc/gen/n24/259/53/pdf/n2425953.pdf
- “قرار محافظ البنك المركزي بشأن نقل المراكز الرئيسية للبنوك إلى عدن”، البنك المركزي اليمني، الإدارة العامة، عدن، 2 أبريل/نيسان 2024م، https://cby-ye.com/news/658
- محمد راجح، “اليمن.. نقل مقار البنوك الرئيسية يصدم القطاع المصرفي”، العربي الجديد، 23 أبريل/نيسان 2024، https://www.alaraby.co.uk/economy/اليمن-نقل-مقار-البنوك-الرئيسية-يصدم-القطاع-المصرفي
- محمد ناصر، «المركزي اليمني يعزز سيطرته على التحويلات الخارجية»، جريدة الشرق الأوسط، 28 مايو/آيار 2024، https://aawsat.com/العالم-العربي/الخليج/5025163-المركزي-اليمني-يعزز-سيطرته-على-التحويلات-الخارجية
- “المرصد الاقتصادي لليمن: التعامل مع الصعوبات المتزايدة والتشرذم المتزايد، ربيع 2024″، البنك الدولي، 31 أكتوبر/تشرين الأول 2024، https://documents1.worldbank.org/curated/en/099926206242412700/pdf/IDU1dc601b321062b148fc1b59414e6cd5c70a66.pdf
- “إعلان هام” البنك المركزي اليمني، الإدارة العامة، عدن، 30 مايو/آيار 2024م، https://cby-ye.com/news/692
- “الحوثيون يقتحمون منزل محافظ البنك المركزي “أحمد المعبقي” في صنعاء بعد قرارات أعادتهم إلى مربع الدفاع”، بران برس، 6 يوليو/تموز 2024، https://barran.press/news/news/topic/3668
- “قرار محافظ البنك المركزي رقم (30) لسنة 2024م بشأن تراخيص البنوك”، البنك المركزي اليمني في عدن، 8 يوليو/تموز 2024م، https://sahaafa.net/show188125903.html
- نيد والي والوحدة الاقتصادية يمركز صنعاء، “السعودية تُذعن لضغوط الحوثيين، وتجبر البنك المركزي اليمني بعدن على التراجع عن قراراته”، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 23 يوليو/تموز 2024، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/analysis-ar/23087
- “بيان صادر عن مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن”، مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، 23 يوليو/تموز 2024، https://osesgy.unmissions.org/ar/بيان-صادر-عن-مكتب-المبعوث-الأممي-الخاص-إلى-اليمن
- أنتوني بلينكن، “إلغاء التصنيفات الإرهابية لأنصار الله”، بيان صحفي صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، 12 فبراير/شباط 2021، https://www.state.gov/translations/arabic/إلغاء-التصنيفات-الإرهابية-لأنصار-الل/
- سعيد البطاطي، “الحكومة اليمنية تغلق مكاتب الصرافة غير المرخصة للسيطرة على انهيار العملة”، عرب نيوز، 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، https://www.arabnews.com/node/2578032/middle-east
- ” وفد اليمن يبحث مع صندوق النقد برامج الدعم وإحصاءات الدين العام”، وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، 24 أكتوبر/تشرين الأول 2024، https://www.sabanew.net/story/ar/119131
- “الدول الخاضعة للمراقبة الشديدة – 25 أكتوبر/تشرين الأول 2024″، مجموعة العمل المالي (FATF)، 25 أكتوبر/تشرين الأول 2024، https://www.fatf-gafi.org/en/publications/High-risk-and-other-monitored-jurisdictions/increased-monitoring-october-2024.html
- “محافظ حضرموت يصدر قراراً بخفض سعر الديزل”، قناة عدن المستقلة، 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024، https://www.aicaden.net/14742
- “إصلاح الأجور وسياسة التوظيف.. الحكومة تطلق هيكلة شاملة لمؤسسات الدولة”، جريدة بلقيس، 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، https://belqees.net/locals/اصلاح-الاجور-وسياسة-التوظيف-الحكومة-تطلق-هيكلة-شاملة-لمؤسسات-الدولة
- “اليمن – تقرير الوضع الإنساني رقم 2″، اليونيسف، 8 سبتمبر/أيلول 2024، https://www.unicef.org/media/161521/file/Yemen-Humanitarian-SitRep-No.02-30-June-2024.pdf