منذ أن بدأ الحوثيون بتعطيل حركة الملاحة التجارية عبر البحر الأحمر أواخر 2023، انطلقت دعوات مختلف الأطراف في المعسكر المناهض للحوثيين لاستخدام القوة ضد الجماعة، حيث دعت الحكومة اليمنية إلى إسناد دولي لعملية عسكرية ضد الجماعة، بينما ألمحت الجماعات المسلحة المدعومة من الإمارات استعدادها لقيادة أي هجوم من هذا النوع.
من الواضح أن أياً من هذه الأطراف لم يستفد من دروس العراق وأفغانستان، التي أظهرت أن الحروب الأهلية لا تُحسم بالتدخل الخارجي. في أفضل الأحوال، قد تتمكن القوات الأجنبية من ترجيح كفة الميزان لصالح حلفائها المحليين، ولكن في أغلب الأحيان، لن تساهم سوى في إطالة أمد الصراع وتغذية اقتصاد الحرب واستمرار إراقة الدماء قبل أن تنسحب على عجل، تاركة الشركاء المحليين لمصيرهم.
كان من الممكن هزيمة الحوثيين في مرحلة ما: مثلا، في منتصف عام 2017، حين وصلت القوات الموالية للحكومة إلى قرية المحلي التي تبعد 23 كيلومترًا فقط عن مطار صنعاء، قبل أن يجبرهم التحالف الذي تقوده السعودية على التراجع. اليوم بعد ثماني سنوات، ومع إحكام الحوثيين سيطرتهم على معظم مناطق الشمال، وتطويقهم لمأرب وتهديدهم بالتوغل في الجنوب، من الصعب تخيل هزيمتهم بشكل كامل.
إن نجاح أي هجوم ضد الحوثيين مشروط بأمرين أساسيين: وحدة القيادة؛ والقدرة المؤسسية الفعالة. في ظل الوضع القائم اليوم، وبكل بساطة، أصبحت القدرة على التخطيط ونشر قوات لمثل هذا الهجوم غير متوفرة، ومن هنا، يمكن استنباط هدف أكثر واقعية – وهو أن تخطط القوات الموالية للحكومة للدفاع عن مواقعها الحالية، وأن تُثبت موثوقيتها في ردع طموحات الحوثيين بِالتمدد وبسط نفوذهم على باقي مناطق اليمن. إن وجد الحوثيون أنفسهم في مواجهة هذا الواقع خاصة مع جملة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهونها، لن يكون أمامهم خيار سوى التفاوض على إنهاء الصراع، والاتفاق على مبدأ تقاسم السلطة وتشكيل حكومة وحدة وطنية. عندها ستصبح تلك الحكومة هي الضابطة لتجاوزات الحوثيين ومغامراتهم خارج حدود اليمن.
قصفت الولايات المتحدة مواقع عسكرية للحوثيين على مدار الشهر الماضي، لكن حسب قراءة الخبراء، فإن الجاهزية العسكرية للحوثيين لا تزال متفوقة على جاهزية خصومهم في الداخل، حتى في حال حصول الفئة الأخيرة على دعم جوي من الولايات المتحدة. بناء عليه، فإن التوقعات غير المنطقية بأن تغير الولايات المتحدة موازين القوى بين الحوثيين والحكومة تتجاهل حدود ونطاق الغايات الأمريكية، التي تتضمن رغبتها في تحقيق انتصار سريع. إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يرغب – أولا وأخيراً – في أن يقوّض شعاره المتمثل في إنهاء ”الحروب الأبدية، فضلا عن أن قادة عسكريين أمريكيين حذروا من أن حملة اليمن ستستنزف القدرات التسليحية اللازمة لردع الصين.
في واقع الأمر، قد يؤدي الهجوم العسكري البري إلى انتكاسات كبيرة للحكومة، في حال سحبت الولايات المتحدة دعمها فجأة بسبب تطورات أخرى تشهدها المنطقة، وفي حال أدى ذلك إلى هزيمة القوات الموالية للحكومة، فمن المرجح أن تبرم الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية صفقة مع الحوثيين، تاركة الحكومة في مأزق كبير.
من هذا المنطلق، يمكن القول بأن الهدف المتمثل في هزيمة الحوثيين بشكل كامل هو هدف غير واقعي، بل وقد يؤدي إلى نتائج عكسية. من المهم التذكر أن الأيديولوجية الدينية المتشددة تحكم طرفي النزاع: فَالدعامة الأساسية للمجموعات المسلحة التي شكلتها الإمارات العربية المتحدة تتألف من سلفيين مؤمنين بوجوب (الجهاد) ضد الحوثيين الزيديين. أما القوات المدعومة من السعودية فقد كان يهيمن عليها حتى وقت قريب حزب الإصلاح الإسلامي السياسي وجناحه العسكري، فضلا عن أن قوات درع الوطن التي شكلتها السعودية في سبتمبر 2022 – والتي تخضع لإمرة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي – تتألف بشكل أساسي من قوات سلفية أيضا. بناء عليه، لن تؤدي هزيمة أحد الطرفين سوى إلى ظهور مجموعة أخرى من المتعصبين.
علاوة على ذلك، فإن السيناريو المستبعد المتمثل في الانتصار المطلق لأي من الطرفين، سيؤدي حتمًا إلى مزيد من التفكك والتشرذم في الدولة اليمنية. فَفي حال انتصر الحوثيون، من المرجح أن ينفصل الجنوب، وأن تلجأ مناطق في الشمال مثل تعز ومأرب إلى كل الوسائل للبقاء متحررة من سيطرة الحوثيين. أما إذا انتصرت الحكومة، فمن غير الوارد أن يستسلم الحوثيون وغالباً سيحتفظون بجيوب ومعاقل خارج سيطرة الحكومة.
التوقع الأسوأ، أن هذا التفكك والتشرذم سيمنح جهاديي تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية فرصة ذهبية للتوسّع، وتحويل اليمن إلى ملاذ للمتشددين من مختلف أنحاء العالم. بناء عليه، فإن أفضل فرصة لاستعادة الاستقرار في اليمن تتمثل في تحقيق توازن دائم للقوة العسكرية بين طرفي الصراع اليمني – أو بالأحرى أطرافه المتعددة – وأهمية أن يترافق ذلك مع درجة عالية من الاستقلالية للمحافظات خلال فترة انتقالية طويلة. في غضون ذلك، يمكن لمؤسسات الدولة تطوير قدرتها على إعادة إرساء المركزية.
إذن، كيف للولايات المتحدة أن تساهم في تحقيق هذه النتيجة؟
لعلّ عضو الكونغرس الأمريكي جو ويلسون، عبّر عن ذلك بأفضل طريقة بالقول: ”السعودية صديقة رائعة وشريكة مقربة وبنّاءة ضد النظام الإيراني. نحن بحاجة إلى العمل مع السعودية والإمارات لتوحيد الجيش اليمني من أجل هزيمة الحوثيين“. كان العديد من القادة العسكريين الموالين للحكومة اليمنية قد ذكروا لمركز صنعاء أن لديهم ما يكفي من الإمكانات المادية لاعتماد استراتيجية دفاعية ناجحة، لكن نقطة ضعفهم تتمثل في تشرذم القيادة. بما أن الخط الفاصل الرئيسي هو الولاء للسعودية أو الإمارات، حتى لو تمتعت الفصائل اليمنية بالقدرة اللازمة على الدفاع عن مواقعها، فلا يمكن لداعمتيها الإقليميتين تقديم الكثير للمساعدة في ذلك، ووحدها الولايات المتحدة هي من تمتلك النفوذ لدفع كل من الدولتين الخليجيتين إلى توحيد قيادة القوات الموالية للحكومة. بعبارة أخرى، هذه هي الرصاصة السحرية لإحلال السلام في اليمن.
هذه المقالة هي جزء من سلسلة إصدارات ينشرها مركز صنعاء، بتمويل من الحكومة الهولندية. تستكشف السلسلة قضايا ذات أبعاد اقتصادية وسياسية وبيئية، بهدف إثراء النقاشات وصنع السياسات التي تعزز السلام المستدام في اليمن. الآراء المعرب عنها في هذا التحليل لا تعكس آراء مركز صنعاء أو الحكومة الهولندية.