في أواخر يناير / كانون الثاني، أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي رسمياً تشكيل ما سُمي بـ “قوات درع الوطن”، وهي قوة عسكرية ممولة من السعودية تتكون من ثماني كتائب بقيادة القائد السلفي بشير المضربي (علما أنه أُعلن عن تشكيل الكتائب الثمان لأول مرة في سبتمبر/أيلول الماضي، من ألوية اليمن السعيد التي تشكلت بدورها العام السابق). تخضع هذه الوحدات لإمرة العليمي مباشرة (الذي لم يكن يمتلك قوات عسكرية خاصة على عكس معظم أعضاء مجلس القيادة الرئاسي)، وتم نشرها حتى الآن في كل من الضالع ولحج وعدن وأبين. هناك مساعٍ لضم ثلاث من كتائب ألوية العمالقة بقيادة حمدي شكري الصبيحي تحت مظلة قوات درع الوطن، علما أن الصبيحي رفض العام الماضي الانخراط في المعركة التي شنتها الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي لطرد القوات الموالية لحزب الإصلاح من شبوة، بعد أن ساعدت ألويته في طرد قوات الحوثيين من شمالي غرب المحافظة في وقت سابق من عام 2022. تلا ذلك عدة محاولات لاغتيال الصبيحي يشتبه بوقوف الجماعات الموالية للانتقالي وراءها، علما أن المجلس الانتقالي أبدى انزعاجه من تشكيل هذه القوات الجديدة كونه يعتبرها تهديداً لنفوذه في عدن ومناطق أخرى في الجنوب.
يتراوح عدد أفراد قوات درع الوطن بين 16 و20 ألف جندي حسب التقديرات، ويجري التخطيط لإقامة مزيد من المعسكرات لها، علما بأنه تم تعزيز هذه القوات بـ 120 آلية مدرعة إضافية تم إرسالها عبر منفذ الوديعة الواقع على الحدود السعودية- اليمنية في محافظة حضرموت. فضلا عن ذلك، عمدت الرياض إلى إرسال الأموال النقدية عبر الحدود نقدا لدفع رواتب أفراد هذه القوات، تجنباً لاستخدام البنك المركزي اليمني في عدن، وهي خطوة تهدف على يبدو إلى تجنب مطالبة الرياض بدفع رواتب القوات العسكرية والأمنية الأخرى التي سبق وأن جمّدتها، خصوصاً رواتب تلك القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي. تُبرز هذه الخطوة مدى انهيار آلية الحُكم داخل مجلس القيادة الرئاسي في خضم الخلافات القائمة بين أعضائه، ومدى استعداد الرياض لاتخاذ إجراءات استثنائية لمنع جنوب اليمن من الخروج من دائرة نفوذها. بحلول مارس/ آذار، وردت أنباء عن مغادرة جنود من قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي للانضمام إلى صفوف قوات درع الوطن بحثًا عن دخل ثابت.
احتدام المعارك في الحديدة
استمرت الاشتباكات العنيفة خلال يناير/كانون الثاني بين الحوثيين والقوات المشتركة على طول الحدود بين مديريتي حيس والخوخة جنوبيّ الحديدة، حيث شنت قوات الحوثيين هجمات منتظمة باستخدام الطائرات المسيرة والأسلحة الثقيلة – بما في ذلك دبابة – في محاولاتها للتقدم جنوباً. قُتل ما لا يقل عن ثلاثة جنود من القوات المشتركة وأصيب 27 آخرون خلال الأسبوع الأول من يناير/ كانون الثاني، في حين قُتل اثنان وأصيب 27 آخرون على جانب الحوثيين خلال نفس الفترة. تجدر الإشارة إلى أن المعارك على نفس الجبهات خلال الأسبوعين الأخيرين من ديسمبر/ كانون الأول، أسفرت عن مقتل خمسة من أفراد القوات المشتركة وإصابة 42 آخرين من أفرادها، إلى جانب مقتل 13 من مقاتلي الحوثيين وإصابة أكثر من 110 من مقاتليهم.
تواصلت المعارك في جنوب الحديدة في وقت لاحق من الشهر، مع اندلاع اشتباكات بين قوات الحوثيين والقوات المشتركة على امتداد المناطق الساحلية لمديرية التحيتا جنوبيّ الحديدة وفي منطقة السرد شماليّ مديرية حيس. كما أجرت قوات الحوثيين تدريبات بحرية بالقرب من خط الملاحة الدولي قبالة سواحل مديرية التحيتا، ولا يستبعد أن اختيار هذه المنطقة للقيام بالتدريبات جاء لقربها من ممرات الشحن وجزيرة زقر حيث تتمركز العمليات البحرية للقوات المشتركة. هذا وواصلت قوات الحوثيين حفر وتعزيز شبكة من الخنادق والتحصينات في مديرية التحيتا، تتكون من عدة أنفاق زُرعت فيها ألغام أرضية مموهة بشكل صخور. فضلا عن ذلك، شهدت محافظة تعز المجاورة اشتباكات بين قوات الحوثيين والقوات الموالية للإصلاح بمحور تعز العسكري على عدة جبهات.
تصاعدت حدة الأعمال العدائية جنوبي الحديدة مرة أخرى أواخر شهر فبراير/شباط، مع شنّ قوات الحوثيين ثماني هجمات بطائرات مسيرة على القوات المشتركة المتمركزة في وادي المرير بمديرية جبل راس، تزامناً مع تقدم قوات الحوثيين باتجاه الغرب. أسفرت تلك المعارك عن مقتل ستة مقاتلين حوثيين وجرح 37 آخرين، إلى جانب مقتل جندي موالٍ للحكومة وإصابة 17 آخرين بجروح. كما شنت قوات الحوثيين هجوما على بُعد خمسين كيلومتراً جنوباً (أي شمالي تعز) استهدف القوات المشتركة في منطقة البرح بمديرية مقبنة، علما بأن جبهة شمال تعز كانت تشهد هدوءاً نسبياً منذ نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2021، حين أعادت القوات المشتركة انتشارها جنوباً من مدينة الحديدة.
تهديد تنظيم القاعدة يعاود الظهور
في يناير / كانون الثاني، ظهر مقطع فيديو نادر لزعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب خالد باطرفي هاجم فيه مجلس القيادة الرئاسي على سماحه بما وصفه بتمدد النفوذ الأمريكي داخل البلاد، منتقدا المجلس الانتقالي الجنوبي على عملياته الأخيرة ضد فرع التنظيم في محافظتي أبين وشبوة الجنوبيتين. كما اتهم باطرفي (الذي تولى زعامة فرع التنظيم في اليمن عام 2020 عقب مقتل قاسم الريمي بغارة أمريكية بطائرة مسيرة) المجلس الانتقالي الجنوبي بالعمل مع القوات الأمريكية في حضرموت والمهرة، داعياً القبائل المحلية إلى مساعدة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على القتال ضدهم. كلمة باطرفي جاءت بمثابة تحوّل في خطاب التنظيم – إن لم يكن تحولًا في استراتيجيته – حيث أدرج باطرفي جماعة الحوثيين وداعميها الإيرانيين في قائمة أعداء تنظيم القاعدة (التي ضمت أيضًا قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات التحالف الذي تقوده السعودية). ركزت استراتيجية تنظيم القاعدة في جزيرة العرب منذ عام 2021 على استهداف “العدو البعيد” المتمثل في القوى الغربية وحلفائها الإقليميين، وهو ما يعكس قرار انسحاب التنظيم من المناطق التي تقاتلت فيها عناصره مع قوات الحوثيين في مرحلة مبكرة من الحرب وكذلك النفوذ المتنامي للقيادي المصري البارز في التنظيم “سيف العدل” (المقيم في إيران) على فرع التنظيم في اليمن. هجوم باطرفي لا يشير بالضرورة إلى سياسة جديدة لاستهداف قوات الحوثيين، بل خطاب لكسب دعم القبائل الجنوبية التي تعارض مساعي المجلس الانتقالي لبسط نفوذه في شرق اليمن، واسترضاء المنتقدين من داخل التنظيم غير الراضين عن النهج الليّن للتنظيم تجاه الحوثيين. في واقع الأمر، أعطى الخطاب انطباعاً بأن تنظيم القاعدة يخطط لزيادة وتيرة عملياته ضد مجلس القيادة الرئاسي والمجلس الانتقالي الجنوبي، على الأرجح في أهم التجمعات السكانية بالجنوب كعدن والمكلا.
لم تمرّ العمليات التي شنها المجلس الانتقالي الجنوبي تحت شعار مكافحة الإرهاب مرور الكرام، حيث زرعت عناصر القاعدة خلال الأشهر الأخيرة مئات العبوات الناسفة على جوانب الطرق لاستهداف قوات مكافحة الإرهاب في أبين وشبوة. أشارت أنباء إلى مقتل ثلاثة أشخاص – يُشتبه في انتمائهم إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من بينهم حسن الحضرمي، خبير المتفجرات البارز في التنظيم – بغارة أمريكية بطائرة مسيرة في منطقة الصمدة بوادي عبيدة في مأرب. تسبب تزايد عدد القتلى نتيجة انفجارات العبوات الناسفة في نشوب خلاف بين قوات الانتقالي والسكان المحليين، حيث ثار قبليون مسلحون في مديرية مودية وسط أبين ضد قوات مكافحة الإرهاب التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، عقب مداهمة الأخيرة عدة منازل واعتقالها أعضاء يُشتبه في انتمائهم لتنظيم القاعدة بتهمة تفجير عبوة ناسفة على جانب إحدى الطرق. أسفرت الاشتباكات التي أعقبت ذلك عن مقتل تسعة أشخاص ونزوح عشرات الأسر قبل تدخل وساطة لوقف إطلاق النار. تم لاحقاً التوصل إلى اتفاق للإفراج عن رجال القبائل المحتجزين، بعد اجتماع لممثلي القبائل المتضررة وقائد محور أبين العسكري الموالي للمجلس الانتقالي الجنوبي، لكن رغم ذلك يظل الوضع متوتراً.
هذا وتتواصل الغارات الأمريكية المستهدفة لقيادات في تنظيم القاعدة، حيث قُتل القيادي البارز في التنظيم حمد بن حمود التميمي (المكني عبد العزيز العدناني) في فبراير/ شباط، بغارة أمريكية بطائرة مسيرة استهدفت منزله في منطقة مأرب الوادي. كان التميمي أبرز قيادي سعودي في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ورئيس مجلس الشورى الخاص بالتنظيم.
في سياق آخر، أعلنت جماعة الحوثيين في فبراير/ شباط، عن صفقة لتبادل الأسرى مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، علما بأن التنظيم سبق بالإعلان عن ذلك عبر بيان أصدره الفرع المحلي له المعروف بأنصار الشريعة، جاء فيه أنه تم إطلاق سراح سجينين من كل جانب. في 19 فبراير / شباط، غرّد رئيس لجنة شؤون الأسرى في جماعة الحوثيين عبد القادر المرتضى معلناً عودة ثلاثة مقاتلين حوثيين مقابل تسليم اثنين من عناصر تنظيم القاعدة ممن تم أسرهم أثناء المعارك في محافظة البيضاء. من جانبه، دافع حسين العزي نائب وزير الخارجية بسلطة الحوثيين عن اتفاق تبادل الأسرى عبر تغريدة على تويتر، قائلاً إن جماعة الحوثيين ترحب بتبادل الأسرى مع جميع الأطراف. تعود صفقات تبادل الأسرى بين الحوثيين وتنظيم القاعدة إلى عام 2016، وإن لم يتم الإقرار بها علناً.
الحوثيون يعززون جبهاتهم مع عودة الاشتباكات
تواصل سلطات صنعاء إعادة ترتيب شؤونها العسكرية وتعزيز تمركزها في مختلف الجبهات التي شهدت هدوءا نسبيا منذ انتهاء سريان الهدنة، حيث أشارت الحكومة إلى أن قوات الحوثيين عززت جهودها الرامية إلى كسب دعم القبائل في المناطق الهامة مثل قبيلة عبيدة في مأرب، و قبائل الصبيحة في لحج المتواجدة في المناطق القريبة من مضيق باب المندب، والمنطقة التي تسيطر عليها قوات المقاومة الوطنية بقيادة طارق صالح المدعومة من الإمارات (علماً بأن مدينة مأرب وحقول النفط في الشرق لا تزال تحت سيطرة الحكومة). من ناحية أخرى، لا يزال النزاع مستمر بين قوات الحوثيين وقبيلة بني نوف في الجوف على ضوء جهود الحوثيين لفرض سيطرتهم على القبائل المتمردة والمناطق الواقعة جنوبي وجنوبي غرب المحافظة. كما يبدو أن الحوثيين يعملون على تعزيز القدرات الجوية لقواتهم، حيث قامت الجماعة باستدعاء الطيارين للخدمة بعد ظهور مفاجئ لطائرات هليكوبتر في سلسلة من العروض العسكرية في سبتمبر/ أيلول الماضي. لا يتضح بعد ما إذا كانت قوات الحوثيين تمتلك القطع اللازمة لإصلاح الطائرات أو صيانتها بما يؤهل استخدامها في العمليات العسكرية.
وبعيداً عن المعارك الدائرة في الحديدة، شن الحوثيون عمليات جديدة على جبهات تعز. ففي يناير/كانون الثاني، شنت قوات الحوثيين هجمات متزامنة على قوات محور تعز العسكري الموالية للإصلاح في جبهات بمدينة تعز ومحيطها، مع ورود أنباء عن نشوب اشتباكات في جبهات عصيفرة ووادي الزنوج ومعسكر الدفاع الجوي شمال مدينة تعز، ومديرية جبل حبشي ومنطقة الصياحي ومحيط جبل هان بمنطقة حذران بمديرية التعزية باتجاه الغرب، ومنطقة التشريفات ووادي صالة وكلابة باتجاه الشرق، وجبهة الشقب بمديرية صبر الموادم جنوبيّ محافظة تعز. ورغم تراجع حدة العنف منذ إبرام هدنة العام الماضي واستمرار المحادثات السعودية – الحوثية الجارية، التي تشير إلى إمكانية إحراز تقدم يُفضي إلى تسوية تفاوضية، لا تزال أعمال العنف مستمرة على الجبهات في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك تلك الواقعة خارج مدينة مأرب وفي الضالع ولحج وعلى طول حدود البيضاء مع أبين وشبوة، وقد تتصاعد حدة هذه الاشتباكات بسهولة إذا ما رأت الجماعات فرصة لبسط نفوذها أو تحسين موقفها التفاوضي.