أثار تشكيل التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، في نوفمبر الماضي، تساؤلات ملحة حول مستقبل الأحزاب وتشكيل التحالفات السياسية في اليمن، فقد شهدت البلاد عدة مبادرات من هذا القبيل على مدار العقدين الماضيين، أبرزها تشكيل تكتل أحزاب اللقاء المشترك عام 2003، والذي حشد بفعالية المعارضة الحزبية ضد نظام الرئيس علي عبد الله صالح، في السنوات التي سبقت انتفاضة العام 2011، ولكن نفوذه تضاءل تدريجياً خلال الفترة الانتقالية ليختفي في نهاية المطاف دون حله رسمياً.
منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء في سبتمبر 2014، تراجع دور الأحزاب السياسية اليمنية بشكل حاد مما أدى إلى تراجع المشاركة العامة، حيث قام الحوثيون فورا باستهداف قيادات الأحزاب عند دخولهم العاصمة، بعد إصدارهم “الإعلان الدستوري” في 6 فبراير 2015، حاولت بعض القوى السياسية والقبلية تشكيل تحالف موازن وهو “تحالف الإنقاذ الوطني“، لكن بعد أيام قليلة، بدأ التحالف الذي تقوده السعودية تدخله العسكري، وفرض الحوثيون حظراً شاملاً على الأنشطة السياسية في صنعاء، وهي التطورات التي حالت دون أي نشاط لتحالف الإنقاذ الوطني.
استمرت الجهود الرامية إلى إحياء الحياة السياسية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة مع استمرار الحرب، ونتج عن هذه الجهود إطلاق التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية في سيئون بحضرموت، عام 2019، وضم 16 كياناً سياسياً، لكنه فشل في إحداث مشاركة أو حضور سياسي ملموس.
في نوفمبر 2024، شهدت مدينة عدن إشهار التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، وهو تحالف حزبي جديد ضم 22 حزبا ومكونا سياسيا. بعد فشل المحاولات السابقة، يثير ظهور التكتل الجديد مجموعة من الأسئلة حول وأدواته وأهدافه والدوافع الكامنة وراءه، ومدى اختلافه عن التحالفات السابقة التي باءت بالفشل. وقد تحدثنا مع شخصيات سياسية شاركت في تأسيس هذا التكتل لتسليط الضوء على هذه الأسئلة.
الحرب وأزمة الأحزاب السياسية
أصبح انهيار النظام الحزبي في اليمن واضحاً بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، فقد انقسم المؤتمر الشعبي العام بين الرئيس عبد ربه منصور هادي، والرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي تحالف مع الحوثيين، وتفكك تكتل أحزاب اللقاء المشترك تحت ضغوط تقاسم السلطة والخلافات حول قضايا رئيسية خلال مؤتمر الحوار الوطني (2013-2014)، وتزايد التنافس بين مكوناته المختلفة.
خلقت الحرب المجال لصعود حركات مسلحة طائفية (الحوثيون)، وكذلك ظهور أطراف محلية جديدة كالمجلس الانتقالي الجنوبي ومؤتمر حضرموت الجامع ولاحقاً المكتب السياسي لقوات المقاومة الوطنية، وقد اتسمت هذه الأطراف بثلاث خصائص مشتركة هي: الهوية المحلية؛ والدعم الإقليمي؛ والاعتماد على القوة العسكرية. والأهم من ذلك أنها نشأت جميعها في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، مما ساهم في تفكك المعسكر المناهض للحوثيين وانقسامه. بالمقابل، حافظ الحوثيون على قيادة موحدة، وقمعوا التشكيلات المنافسة في مناطقهم، وتجنبوا الانقسام الداخلي، وهي ممارسات عززت هيمنتهم في مناطق سيطرتهم.
في ظل ذلك، فقدت الأحزاب السياسية التقليدية قدرتها على إعادة تنظيم نفسها أو ضم أعضاء جدد أو استمرار الاتصال بقواعدها الشعبية وحضورها الجماهيري، حيث افتقر المشهد السياسي اليمني خلال عقد من الصراع، إلى قوة موحدة ضد الحوثيين، تتمتع بالمصداقية والقوة ووضوح الأهداف ووحدة صنع القرار. هذه العناصر أساسية لأية مواجهة فعالة مع الحوثيين واستعادة ثقة الجمهور في التمثيل السياسي.
رغم ما سبق، استمرت الجهود لتنشيط الساحة السياسية مستمرة، حيث أعلن رسمياً عن تكتل الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية في فعالية حضرها ممثلو هذه القوى وعدد من المسؤولين الأمريكيين بينهم السفير ستيفن فاجين، وجاء تشكيل التكتل عقب سلسلة من جلسات التشاور التي عقدت في عمّان بالأردن، وفي عدن بدءاً من أبريل 2024، ويسرها المعهد الديمقراطي الوطني (NDI).
شُكل التكتل لمواجهة ميليشيات الحوثي وإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة اليمنية، وفقًا لمقرر التكتل صفوان سلطان[1]، ويختلف عن التحالف الذي أُعلن بسيئون عام 2019، بكونه أوسع نطاقًا ويتمتع بدعم دولي ومحلي، كما أنه أكثر تركيزًا في أهدافه.
أشار القيادي في حزب الإصلاح عبد الرزاق الهجري، إلى أن التكتل يهدف إلى تنشيط دور الأحزاب والقوى السياسية من خلال تنظيم اجتماعات وأنشطة مختلفة، وتوسيع عضويته لتشمل كيانات لم تكن ضمن التحالف عام 2019، وأبرزها المجلس الانتقالي الجنوبي.[2]
انقسامات مبكرة
كان المجلس الانتقالي الجنوبي أحد الأطراف الرئيسية التي أمل التكتل في إشراكها، لكنه انسحب لاحقاً من التكتل على الرغم من مشاركته في المشاورات التحضيرية، وبرر المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي سالم العولقي (حينها)، انسحاب المجلس بأن العلاقات بين الأحزاب السياسية والقوى والمكونات يجب أن تظل – من وجهة نظر المجلس الانتقالي الجنوبي – ضمن الأطر الرسمية للشراكة، التي حددها اتفاق الرياض (نوفمبر 2019) ومشاورات الرياض (أبريل 2022)، وتشمل هذه الأطر مجلس القيادة الرئاسي والهيئات الداعمة له، والحكومة، والمؤسسات الحكومية الرسمية الأخرى، التي تشكل وفقاً للمجلس الانتقالي المنصات الشرعية للتعاون السياسي.[3]
على هذا النحو، ادعى المجلس الانتقالي الجنوبي أن تشكيل التكتل يمثل خطوة إلى الوراء وتراجع عن آليات الشراكة المتفق عليها، لكن عبدالرزاق الهجري يؤكد أن قنوات الحوار مع المجلس الانتقالي الجنوبي لا تزال مفتوحة، وأن دور التكتل كشريك للحكومة لا يتعارض مع مسؤوليات مؤسسات الدولة، مجادلا بأن التكتل يؤدي دوراً تكميلياً، مما يتيح تعبئة سياسية أوسع نطاقاً تتجاوز الهياكل الرسمية[4]. من المهم الإشارة هنا إلى أن حزب الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي دخلا في صراعات عسكرية عامي 2019 و2022، مما قد يساهم في تعزيز الشعور السائد بعدم الثقة بينهما.
أثار موقف المجلس الانتقالي الجنوبي الانتقادات، لا سيما بالنظر إلى مشاركته السابقة في المرحلة التحضيرية للتكتل، وقد علق أحد كبار الشخصيات الحزبية بأن انسحاب المجلس الانتقالي الجنوبي يعكس تردده الأوسع في تنشيط الحياة السياسية، وميله إلى إغلاق أي مجال للنشاط السياسي، وأن قرار انسحابه جاء في الغالب استجابة للأصوات المتشددة داخل المجلس، وهي شخصيات لا تزال تعارض المشاركة مع الأطراف السياسية الأخرى في إطار وطني مشترك.[5] زاد من الغموض المحيط بموقف المجلس الانتقالي من التكتل، ما تم تداوله بأن المجلس هدد بعدم السماح للتكتل بعقد اجتماعاته في عدن.
في سياق مماثل، وقع مؤتمر حضرموت الجامع على إعلان تأسيس التكتل عند إشهاره، لكنه أعلن انسحابه منه لاحقاً، وعزا البعض هذا القرار إلى الفوضى الداخلية، في حين أرجعه آخرون إلى ضغوط من المجلس الانتقالي، الذي أراد ألا يكون الطرف الجنوبي الوحيد الغائب عن التكتل، وأشار قيادي في التكتل إلى أن انسحاب مؤتمر حضرموت الجامع، قد يكون مؤقتاً ومرتبطاً بالتوترات المتصاعدة بين مؤتمر حضرموت الجامع ومجلس حضرموت الوطني.
تزامن توقيت إطلاق التكتل مع تصاعد التوترات في حضرموت، بين مجلس القيادة الرئاسي وحلف قبائل حضرموت، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه امتداد اجتماعي وقبلي لمؤتمر حضرموت الجامع. وفقاً لمقرر التكتل، تشير هذه الديناميات إلى أن انسحاب مؤتمر حضرموت الجامع قد يكون مؤقتاً، وأنه قد ينضم مجدداً إلى التكتل إذا تم حل الاستقطاب الحالي في حضرموت.
تيسير أم فرض خارجي؟
أدى الوجود الدولي خلال إطلاق التكتل والدور الذي لعبه المعهد الديمقراطي الوطني، ومقره الولايات المتحدة الأمريكية، في تشكيل التكتل إلى فتح الباب أمام الانتقادات وإثارة الشكوك حول دوافع وأهداف التكتل، وتساءل بعض المنتقدين عما إذا كان التكتل يعكس حقاً إرادة “وطنية”، وإذا نشأ فعلاً عن مبادرة يمنية، فلماذا احتاج إلى مثل هذا التدخل الدولي المكثف؟
لأعضاء التكتل وجهة نظر مختلفة، حيث أكد الهجري من حزب الإصلاح، أن مبادرة تشكيل التكتل كانت يمنية بحتة وأنها اقتُرحت لأول مرة من قبل محمد اليدومي، رئيس حزب الإصلاح في مؤتمر للحزب، وأكد أن دور المعهد الوطني الديمقراطي يقتصر على تيسير العملية، وهي وظيفة أساسية يؤديها المعهد منذ بدء عمله في اليمن، حيث دعم سابقاً الاجتماعات التحضيرية لتكتل أحزاب اللقاء المشترك، وكان المعهد قد أوقف عملياته في اليمن بسبب الحرب، لكنه استأنف عمله في إطار برنامج ممول من المانحين يركز على دعم الأطراف السياسية، ووفقاً لمديرة المعهد في اليمن، فإن المعهد يقوم بالتيسير دون التأثير على المضمون أو النتائج.[6]
أكد باسم الحاج، سكرتير منظمة الحزب الاشتراكي بمحافظة تعز، أن أمين عام الاشتراكي عبد الرحمن السقاف، أعرب منذ فترة طويلة عن الحاجة إلى جبهة سياسية تاريخية لمواجهة حركة الحوثيين.[7] مع ذلك، كان من الصعب تدشين هذا التكتل في عدن دون دعم وتأييد دوليين، حيث كان سيواجه مقاومة محتملة من المجلس الانتقالي الجنوبي.
الهيكل والأهداف والآفاق الهشة
وفقاً لمقرر التكتل، صفوان سلطان، ما يزال التكتل في طور وضع اللمسات الأخيرة على لوائحه وهيكله الداخلي، حيث تنص وثيقة التكتل التأسيسية على أحد عشر هدفاً، منها استعادة الدولة، وتوحيد القوى الوطنية، وإنهاء انقلاب الحوثيين، وحل القضية الجنوبية، وهي أهداف طموحة لم يحدد التكتل بعد آليات ملموسة لتحقيقها.
اعتمد التكتل إلى حد كبير على التمويل الأمريكي، حيث تعهدت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، من خلال المعهد الديمقراطي الوطني، بدعم أربعة اجتماعات ربع سنوية للمجلس الأعلى للتكتل، لكن جلسة فبراير 2025، لم تعقد بسبب تخفيضات في الميزانية، ومع تجميد تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في ظل إدارة ترامب، يواجه التكتل الآن أزمة موارد خطيرة، وفي حال لم يظهر تمويل بديل قد يكون من مصادر داخلية من الأحزاب الأعضاء في التكتل، فإن مستقبل التكتل السياسي غير مضمون.
تتوقف الآفاق المستقبلية للتكتل على قدرته على الانعقاد بانتظام، وتنظيم البرامج السياسية، وإحياء المشاركة العامة، وبعيداً عن التمويل، ما تزال هناك تحديات خطيرة أخرى، منها مقاومة الجماعات المسلحة لأي منافسة سياسية لها، وتعميق الاستقطاب الإقليمي، إلى جانب تضاؤل الدعم المالي، ونتيجة لذلك، يواجه التكتل مخاطر أن يعاني من نفس أوجه الخلل الوظيفي للحكومة التي يسعى إلى دعمها. إن لم يتمكن التكتل من التغلب على هذه القيود، فسيصبح مجرد حدث هامشي في تاريخ اليمن السياسي المجزأ.
أُعد هذا التحليل في إطار برنامج دعم الحوار السياسي من أجل السلام في اليمن، الذي ينفذه مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ومؤسسة مارتي أهتيساري للسلام، بتمويل من الاتحاد الأوروبي.
- مقابلة مع صفوان سلطان، مقرر التكتل السياسي الوطني اليمني، 21 يناير 2025.
- مقابلة مع عبد الرزاق الهجري، الأمين العام بالنيابة لجماعة الإصلاح اليمنية (حزب الإصلاح)، 24 يناير 2025.
- مقابلة مع سالم العولقي، المتحدث الإعلامي للمجلس الانتقالي الجنوبي، 27 يناير 2025.
- مقابلة مع عبد الرزاق الهجري، الأمين العام بالنيابة لجماعة الإصلاح اليمنية (حزب الإصلاح)، 24 يناير 2025.
- مقابلة مع مسؤول حزبي رفيع طلب عدم الكشف عن هويته، 25 يناير 2025.
- مقابلة مع كنزة أقرطيط، المديرة القُطرية للمعهد الديمقراطي الوطني، 24 يناير 2025.
- مقابلة مع باسم الحاج، السكرتير الأول لفرع الحزب الاشتراكي اليمني في تعز، 24 يناير 2025.