يشكل الشباب الشريحة السكانية الأكبر في العالم العربي، وكانوا القوة الدافعة وراء حراك العام 2011، المطالب بالإصلاح الشامل وإعادة بناء مؤسسات الدولة. ينطبق هذا بشكل خاص على اليمن، ولكن، على الرغم من تأثيرهم الكبير في ذلك العام، ظل صنع القرار في أيدي النخب. تم استبعاد الشباب بشكل سريع وممنهج، حتى من الأدوار الاستشارية، مما أصابهم بخيبة أمل متزايدة إزاء مستقبل البلاد. أفاد 98٪ منهم أنهم لم يُستشاروا بشأن مبادرة مجلس التعاون الخليجي – التي كانت اتفاقاً محورياً في ذلك الوقت – مما أثار إحباطاً وسخطاً عميقين في أوساط الجيل ذاته الذي أشعل فتيل التغيير، وهي إجراءات لا تزال آثارها مستمرة حتى اليوم.
على هذه الخلفية، وبالتركيز على محافظة تعز، يلاحظ أنها بعد أن كانت معقلاً للنشاط والمشاركة المدنية، تواجه الآن تراجعاً عميقاً في الانخراط السياسي. لا تزال الأحزاب السياسية هي اللاعب الرئيسي، ولكن على الرغم من خطابها الذي يصور الشباب كأمل للتغيير، فإن لغة الإدماج تبدو جوفاء. تقدم هذه المادة صورة عامة للوضع الراهن للمشاركة السياسية للشباب في تعز، مسلطة الضوء على التحديات، والإنجازات، وفرص تحقيق إدماج حقيقي.
مشاركة رمزية وتأثير محدود
نادراً ما يتجاوز الحديث عن مشاركة الشباب في اليمن الشعارات الرنانة وقوائم المهام الشكلية على أجندات المجتمع المدني، إذ يعتقد 78٪ من الشباب اليمني أن الأحزاب السياسية لا توفر أدواراً جوهرية للأعضاء الشباب، على الرغم من إدراكهم أن إدماج الشباب في هياكل صنع القرار يمكن أن يمثل شريان حياة لتجديد الحياة السياسية. يزداد الوضع قتامة مع اشتداد الأزمة اليمنية وانهيار مؤسسات الدولة، حيث فقدت معظم الأحزاب بوصلتها للعمل الفعال والتجديد الداخلي.
على الرغم من أزمتها السياسية المستمرة، ظلت تعز تاريخياً منارة في الخارطة المدنية والسياسية للبلاد، حيث يُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها العاصمة المدنية والفكرية والتاريخية للحياة السياسية في اليمن، وتعزز ذلك مع إعلانها رسميا عاصمة ثقافية لليمن في 2013. إن غياب الثقل القبلي الكبير، مقارنة بمناطق أخرى، جعلها مركزاً للحياة الحزبية الحديثة، ولكن مع اندلاع الصراع، دفعت المحافظة ثمناً إنسانياً وسياسياً باهظاً، فقد حولت الحرب تعز إلى مسرح قتال مفتوح، ووجدت الأجيال الشابة نفسها بشكل غير متوقع في طليعة الصراع السياسي والإنساني، وأصبحت أكثر جرأة في التعبير وأكثر انخراطاً في المبادرات المحلية والوطنية.
مع ذلك، وبغض النظر عن انتمائهم الحزبي، يتشارك الشباب دون سن الثلاثين الوضع الهزيل ذاته داخل الهياكل التنظيمية ودوائر رسم السياسات التي ينتمون إليها. أشار عضو في القطاع الطلابي لفرع تعز في التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري إلى أن البيئة السياسية هشة و”تحكمها الغرائز لا المبادئ”[1]، وأكد أن هذه البيئة تولّد ثقافة تعطي الأولوية للولاء على حساب تكافؤ الفرص، مما لا يترك مجالاً للشباب ذوي الفكر النقدي أو الحر لإيجاد موطئ قدم دون تحييد أفكارهم. في ذات السياق، قال شاب آخر ينتمي لحزب التجمع اليمني للإصلاح: “يجمع دور الشباب في الأحزاب اليمنية بين الرمزية والتأثير المحدود. يُستخدم الشباب بشكل أساسي في أنشطة مثل كسب التأييد، والحشد، والأعمال الخيرية، والندوات، والاستقطاب. لكن مشاركتهم في صنع القرار الفعلي تظل هامشية بسبب هيمنة القيادات المخضرمة وغياب الإرادة الحقيقية لتمكينهم”.[2]
أما وضع النساء فهو أسوأ حالاً، فالهياكل الأبوية القائمة تمتزج الآن بتدابير حماية مشددة في بيئة يُنظر إليها على أنها غير آمنة بشكل متزايد.[3] بالتالي، يظل وجود النساء في المناصب القيادية شبه معدوم.
أسرى الماضي
في ظل تقاطع جبهات القتال مع المسارات السياسية في تعز، لا يزال الطريق غير ممهد أمام الشباب الطامحين إلى إحداث التغيير من داخل الأحزاب السياسية. غالباً ما تحتكر المناصب القيادية قيادات تجاوزت الخمسينيات من عمرها، مما يجعل الترقي في المراتب الحزبية حلماً مؤجلاً لمعظم الأعضاء الشباب، فلا توجد لوائح حزبية تنص على حصة إلزامية لمشاركة الشباب. بدلاً من ذلك، تعتمد الترقية على تسلق هرمي طويل قد يستغرق عقدا أو أكثر للوصول إلى المناصب العليا، كما أن الفصائل الداخلية ومراكز القوى – التي قد تصطف على أُسس تقليدية مقابل تقدمية، أو قبلية مقابل مدنية، أو دينية مقابل علمانية – تعيق التجديد الطبيعي للقيادات، وغالباً ما تؤدي إلى الإطاحة بالقادة الشباب الذين يجرؤون على انتقاد التشرذم الداخلي، مما يبقي صنع القرار رهينة لمساومات النخبة ويؤدي إلى تهميش الشباب ذوي الكفاءة.
قد تتمتع تعز بطابع مدني غالب، لكنها تظل جزءاً من مجتمع أوسع تحكمه منظومات قيمية محافظة وتقليدية. قال عضو الحزب الناصري: “نحن مجتمع قبلي تحكمه الأعراف، وهو ما يمنح الأفضلية للعمر والأقدمية على كفاءة الشباب”.[4] هذا يرسخ نهجاً قيادياً أبوياً داخل الأحزاب ويشكل عقبة إضافية أمام الطامحين من الشباب. الثقافة الاجتماعية الأوسع تعزز المقولة الشائعة بأن القيادة العليا يجب أن تكون حكراً على الأكبر سناً والأكثر خبرة. علاوة على ذلك، تفتقر معظم الأحزاب في تعز إلى مسارات واضحة للتقدم الشبابي على أساس الجدارة. غالباً ما ترتبط الترقيات بالولاء أو الانتماء المناطقي أو العائلي، وليس بالمبادرة أو الأداء التنظيمي – وهو شكل من أشكال الإقصاء الناعم الذي يحصر الشباب في مناصب تابعة.
مما يفاقم المشكلة أن المواجهات العسكرية الشرسة التي عصفت بتعز قد أضعفت الهياكل المؤسسية وقضت على العديد من المساحات المدنية والسياسية، مع حرق أو إغلاق مقرات بعض الأحزاب. أدى ذلك إلى تقليص النشاط السياسي لصالح العسكرة: “التشرذم الجغرافي تحت سيطرة جهات مسلحة متعددة جعل من الصعب تنسيق وعقد الاجتماعات الحزبية”، حسبما أشار عضو حزبي شاب من الحزب الاشتراكي اليمني. هذه الفسيفساء الأمنية المعقدة تعرقل المشاورات الداخلية والانتخابات الحزبية – وهي عمليات أساسية لتقدم الشباب. كما أنها جعلت الانخراط السياسي محفوفاً بالمخاطر نظراً لغياب الحماية القانونية والجسدية، مما يوقع الشباب في وضع حرج للاختيار بين رغبتهم في المشاركة والخوف من العواقب.
تزيد الصعوبات الاقتصادية من تفاقم هذه المعضلة، فقد ارتفعت معدلات البطالة من 14٪ قبل الحرب إلى 35٪ اليوم، كما قفزت معدلات الفقر إلى حوالي 78٪. هذا يجبر الشباب على إعطاء الأولوية للبقاء، مما يقلل من قدرتهم ومواردهم للانخراط في الأنشطة السياسية. “هذه العوامل تخلق حلقة مفرغة تبدد جهود الشباب دون نتيجة حقيقية”[5]، حسبما أفاد العضو الشاب في حزب الإصلاح. ترسم هذه التحديات المتشابكة مجتمعة صورة قاتمة لمستقبل السياسة الحزبية. مع ذلك، يمكن للشباب – بطاقتهم ومبادراتهم – أن يصبحوا الركيزة الأساسية لإعادة بناء الحياة السياسية في تعز، شريطة إجراء إعادة تقييم شاملة لهياكل الأحزاب وظهور إرادة حقيقية لفتح الأبواب أمام جيل جديد.
شقوق في الجدار وبصيص أمل
مع ذلك، هناك فرص واعدة لإشراك الشباب في الحياة السياسية بتعز واليمن ككل، ففي أحزاب مثل الحزب الاشتراكي اليمني، تولى أعضاء شباب مناصب قيادية. يشير عضو الحزب من فرع تعز إلى أن أعمار قياداته تتراوح بين 38 و50 عاماً. رغم أن هذه الفئة العمرية لا تندرج تقنياً تحت تعريف الشباب، إلا أنهم أصغر سناً من قيادات الأحزاب الأخرى، وعلى المستوى الوطني، انتخب الحزب الناصري مؤخراً نسبة كبيرة من الشباب في لجنته المركزية مقارنة بالأحزاب الأخرى.
تشير النقاشات مع حزبيين شباب إلى أن الوعي السياسي للشباب قد تطور بشكل ملحوظ منذ انتفاضة 2011، فقد أصبح الشباب أكثر وعياً بقيمة التنظيم والعمل الجماعي، وأقل ميلاً لإظهار الولاء الأعمى لكبار قادة الحزب. الجدير بالذكر أن المنصات الرقمية كانت بمثابة “ثورة ثانية” للشباب، حيث منحتهم صوتاً وتأثيراً. مكّنت الفضاءات الإلكترونية الشباب من تجاوز القنوات التقليدية وبناء شبكات جديدة للمناصرة والتعبير. وقد ساعد هذا الفضاء الافتراضي في صقل قيادات رقمية مؤثرة وملهمة، متحديةً احتكار النخبة القديمة لعملية صنع القرار وضخ نقاشات حول الشفافية والتجديد والإنصاف في بعض الدوائر الحزبية.
قدمت المنظمات الدولية والمحلية الدعم الفني والتدريبي للعديد من الكوادر الشابة في مجالات مثل القيادة، وتطوير السياسات العامة، وتحليل النزاعات. أدى ذلك إلى تأهيلهم سياسياً بشكل أفضل، لكن استدامة هذا التأثير تتطلب دمج برامج التدريب هذه في مسارات تمكين ملموسة داخل الأحزاب، بدلاً من قصرها على أنشطة الخدمة المجتمعية أو التنمية. يجب استخلاص الدروس من التجارب السابقة؛ “تحالف شباب الأحزاب السياسية في تعز”، الذي أسسه المعهد الديمقراطي الوطني عام 2021، لتعزيز المشاركة السياسية لأعضاء الأحزاب الشباب في تعز، لم يحقق أهدافه المرجوة. في حين أن التدريب أفرز أعضاء حزبيين شباباً أكفاء، إلا أن المتابعة أدت في المقام الأول إلى مشاريع مجتمعية بدلاً من مسارات نحو المناصب القيادية العليا في الأحزاب.
افسحوا لهم المجال
يسلط غياب الشباب في قيادة الأحزاب السياسية بتعز الضوء على الفجوة في التمثيل، حيث يعكس واقعاً معقداً تتقاطع فيه الهياكل الحزبية الراسخة، والصراع المستمر، وتطلعات جيل بأكمله. على الرغم من تصعيد بعض الشباب إلى أدوار قيادية، وإنشاء أطر تنظيمية شبابية، والانخراط الجزئي مع المبادرات المستقلة، لا تزال البيئة السياسية السائدة تتسم بتمثيل دون تأثير وشكل دون مضمون.
يبقى الرهان الأكبر على الشباب أنفسهم: النقد وحده لن يُنتج بديلاً، كما أن السخط لن يغير اتجاه البوصلة. يجب على الشباب ليس فقط المطالبة بالمناصب، بل أيضاً صياغة المضمون، وتجديد العمق الفكري والسياسي للأحزاب، والدفع نحو خطاب تطلعي غير مثقل بماضٍ أنهك الجميع. في الوقت نفسه، يجب على الأحزاب السياسية أن تتحمل مسؤولية تجديد هياكلها وتمكين شبابها من خلال خطوات واضحة وعملية. يمكن تحقيق ذلك من خلال تحديث اللوائح التنظيمية، وتأهيل وبناء قدرات الشباب، وربط برامج التدريب السياسي بمسارات نحو القيادة، والتناوب الدوري والمنظم للمناصب القيادية، وتمكين الشابات، وفرض حصص تمثيل عادلة داخل الهياكل الحزبية.
بالتوازي مع ذلك، تعد حماية النشاط السياسي أمراً بالغ الأهمية وينبغي أن تشمل التنسيق مع السلطات المحلية ومنظمات حقوق الإنسان. سيضمن هذا النهج حداً أدنى من الحماية القانونية والأمنية للشباب، مما يمكنهم من العمل دون خوف من التهديدات. أخيرًا، تعد الاستفادة من الفضاء الرقمي أمرًا حيويًا لدعم مبادرات الشباب وتحويلها إلى أدوات ضغط داخل هياكل الأحزاب.
من خلال هذه الخطوات، يمكن أن تتطور مشاركة الشباب من مجرد حضور رمزي إلى قوة مهمة لإعادة تشكيل الحياة السياسية في تعز وجميع أنحاء اليمن، وبناء مستقبل يتم فيه تنشيط الأحزاب بدماء جديدة قادرة على إحداث تغيير.
- مقابلة مع عضو حزبي شاب من التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، فرع تعز، مايو 2025.
- مقابلة مع عضو حزبي شاب من التجمع اليمني للإصلاح، فرع تعز، مايو 2025.
- كُتب هذا المقال قبل اغتيال افتهان المشهري في تعز، وهي حادثة جسدت مدى غياب القانون وانعدام الأمن الذي يحكم تعز. انظر: ”اغتيال المشهري يكشف العلاقة بين الفوضى والسلاح في تعز“، ساوث 24، 5 سبتمبر 2025، https://south24.net/news/news.php?nid=4940
- مقابلة مع عضو حزبي شاب من التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، فرع تعز، مايو 2025.
- مقابلة مع عضو حزبي شاب من التجمع اليمني للإصلاح، فرع تعز، مايو 2025.
