إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

رأب الصدع السعودي- الإيراني: هل يُمهد لدور صيني في اليمن؟

Read this in English

جاء إعلان نية استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في 10 مارس/ آذار مفاجئا لكثير من المراقبين، لكن لا يعني بالضرورة أنه لم يكن متوقعاً بالمرّة. فقد ظهرت بوادر هامة على عزم السعودية الانخراط مع إيران في مرحلة ما، انطلاقا من رغبتها في الخروج من مأزق الحرب في اليمن، منها جولات المحادثات السعودية -الإيرانية في العراق وعُمان منذ عام 2021. إلا أن المفاجئة كانت دور الصين كوسيط في الصفقة، والتي أظهرت استعداد بكين لتعزيز انخراطها المباشر في المشهد السياسي لمنطقة الخليج، مما يطرح سؤالاً: هل يُنبئ ذلك بدور دبلوماسي متزايد للصين في اليمن؟

تمتد جذور العلاقات الصينية- اليمنية إلى عام 1956، حين برزت المملكة المتوكلية اليمنية كأول دولة في شبه الجزيرة العربية تعترف بجمهورية الصين الشعبية. وعلى مدى العقود الثلاثة التالية، نجحت بكين في إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية مع كل من اليمن الشمالي واليمن الجنوبي مُقدمة الدعم لتمويل مشاريع حيوية للبنية التحتية. ففي عام 1958، بدأت الصين مشروع لشق أول طريق أسفلتي في تاريخ شمال اليمن يربط الحديدة وصنعاء، والذي أُستُكمل في يناير/ كانون الثاني 1962. كما شكّل دعم الصين للحزب الاشتراكي في اليمن الجنوبي خلال سبعينيات القرن الماضي أكبر برنامج مساعدات صيني في الشرق الأوسط، شمل قروض طويلة الأجل بدون فوائد لتمويل العديد من المشاريع التنموية. ساهمت هذه السياسة المتوازنة مع شمال وجنوب اليمن في انتقال سلس لعلاقات الصين مع الدولة اليمنية بعد الوحدة، ركزت في الأساس على التبادل التجاري والاستثمار في البنية التحتية والموارد النفطية. تلقى الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي تعهدات من الصين خلال زيارته لها في العام الثاني لرئاسته – تحديدا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 – بتمويل مشاريع تنموية كبيرة تُنفذ في اليمن على مدى عقدين، وشمل ذلك اتفاقية بأكثر من نصف مليار دولار أمريكي لتطوير ميناء عدن، إلاّ أن كل هذا توقف مع تدخل التحالف بقيادة السعودية في اليمن في 2015. ورغم تقارب الموقفين الصيني والسعودي في المرحلة التي أعقبت استيلاء الحوثيين على صنعاء عام 2014، من خلال دعم الصين قرار مجلس الأمن رقم 2216 واتفاق الرياض عام 2019، ظلت بكين منفتحة على الانخراط مع جميع الأطراف اليمنية.

من هذا المنطلق، يمكن لعلاقات الصين التاريخية مع اليمن وعلاقاتها الإيجابية مع دول الخليج أن تُموضعها كوسيط مقبول في الصراع الحالي لدى الجهات الفاعلة الإقليمية والمحلية. فعلى الصعيد الإقليمي، يحرص السعوديون والإيرانيون معا على التعامل مع الصين: حيث أبرمت الرياض وبكين صفقات استثمارية بعشرات المليارات من الدولارات منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ومن ناحية أخرى، تُعد الصين أهم حليف اقتصادي لإيران والشريك التجاري الأول لها، مما يمنح بكين نفوذا قويا على طهران. بالنسبة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، قد تلعب الاستثمارات التنموية والاقتصادية الصينية دوراً كبيراً في إعادة تأهيل شبكات الطرق وتنشيط الموانئ وإحياء قطاع النفط الذي استثمرت فيه الصين بكثافة منذ النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي. من جانبهم، أظهر الحوثيون منذ البداية استعدادا للتعامل مع الصين، وتجلى ذلك في إرسال وفد برئاسة كبير مفاوضي الجماعة محمد عبد السلام إلى بكين أوائل ديسمبر/كانون الثاني 2016، تزامناً مع إعلان الجماعة تشكيل حكومة موازية في صنعاء. من ناحيته، قد يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى استعادة العلاقات القوية التي كانت قائمة بين اليمن الجنوبي والصين في إطار هدفه المتمثل في إعادة إنشاء دولة جنوبية مستقلة.

يمكن للصين أن تلعب دورا محوريا في إعادة إعمار اليمن بعد الحرب، عبر ضم البلاد إلى مبادرة الحزام والطريق الطموحة. واجه مشروع القرن الاقتصادي هذا، الذي يقع في صميم رؤية الصين لربط أكثر من 150 دولة اقتصاديا من آسيا إلى أوروبا، صعوبة في اكتساب زخم بين بلدان مجلس التعاون الخليجي الغنية بالنفط والقادرة على الاستثمار في مشاريع البنية التحتية الخاصة بها. وبالتالي، الانخراط البنّاء في اليمن عبر إعادة تأهيل الطرق والموانئ والمطارات وتنشيط قطاع الطاقة قد يوفر فرصة يصعب التفريط فيها بالنسبة للصين لإنشاء موطئ قدم جديد لها في المنطقة. هناك أيضا مبرر أمني لتعزيز الانخراط في اليمن: فالصين اختارت ساحل القرن الأفريقي المطل على البحر الأحمر لإنشاء أول قاعدة عسكرية لها في الخارج – تحديدا في جيبوتي عام 2017 – مما عزّز نفوذها البحري منذ عام 2018. ومن ثمّ، أي انخراط استراتيجي مع اليمن قد يَعِد الصين بنفوذ أكبر في المنطقة، بما في ذلك مضيق باب المندب و ممر البحر الأحمر الذي يمر عبره أكثر من 700 مليار دولار أمريكي من حجم التجارة سنويا.

دوافع الصين ومقدار القبول الذي تحظى به كوسيط حقّق انفراجة بين إيران والسعودية يجعلها لاعبا دوليا يستحق المراقبة في اليمن. وسيكون من الضروري النظر مستقبلاً ليس فقط في كيفية تفاعل الصين مع السعودية وإيران، بل أيضا في علاقاتها مع الجهات الفاعلة اليمنية المحلية.

مشاركة