أري هيستن
احتلت اليمن خلال السنوات الأخيرة مكانًا في وسائل الإعلام ومراكز البحوث الإسرائيلية، وكجزء من اهتمامات مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، والمقاربات الإقليمية التي يقدمها، يترجم المركز بشكل دوري ومستمر أبرز التقارير والمقالات التحليلية.
بدأ الربيع العربي في اليمن عام 2011 في الوقت الذي انخفض فيه الدعم الشعبي والنخبوي للرئيس السابق “على عبد الله صالح”، مما أدى إلى تفكك نظام سيطر على اليمن لعدة عقود. ومنذ ذلك الحين لم تسفر الجهود المبذولة لبلورة هيكل جديد للحكومة الوطنية -من خلال الحوار في ظل الحرب الأهلية والتدخل الخارجي والمفاوضات المستمرة -عن أي نتائج. وعلى الرغم من أن إسرائيل ليست لاعبًا فاعلًا في تلك الساحة إلا أن لها مصالحًا تتأثر بما يحدث في اليمن: التهديد الحوثي المدعوم من إيران، وانتشال السعودية -الشريك غير الرسمي في التحالف المعادي لإيران -من المستنقع اليمني، ومنع انتشار الجماعات الجهادية السنية المتطرفة.
خلفية عامة
تعمقت خطوط الصدع القبلية، والطائفية، والأيدلوجية، والإقليمية لليمن الحديث؛ بسبب نقص موارد البلاد. كما تشوهت تجربة الدولة “القصيرة” ككيان مُوحَّد رسمي في العصر الحديث منذ مايو 1990 وما بعده في أعقاب الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب عام 1994، والعديد من الاشتباكات في شمال اليمن بداية القرن الواحد والعشرين. ولذلك لا يُستغرب من المنظور التاريخي أن تشهد اليمن في 2014 مرة أخرى؛ نزاع وحرب أهلية.
يمكن إرجاع الأسباب الداخلية التي أدت إلى نهاية فترة حكم “علي عبد الله صالح” عام 2011 إلى سببين رئيسيين:
- الاتجاه العام للمركزية واستهداف النخبة في صنعاء ورعايتهم على حساب الشمال والجنوب مع تفاقم مشاعر الانفصال، كما حدث في تمرد حركة “أنصار الله” (الحوثيين) في الشمال بين عامي 2004 وحتى 2010، وإنشاء الحركة الانفصالية الجنوبية “الحراك” عام 2007.
- تفكك علاقة الحكم الثلاثية بين الرئيس “صالح”، و”علي محسن الأحمر” وعائلة “الأحمر” التي سيطرت منذ فترة طويلة على البلاد سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا. وخاصة عندما عزم الرئيس “صالح” تعيين ابنه لرئاسة الجمهورية، الأمر الذي أدى إلى احتكاك بين زعيم الدولة والنخبة الحاكمة المعارضة لتوريث السلطة على غرار عائلة “مبارك” في مصر.
من جهة أعلن “صالح” أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2013، وأن ابنه لن يورث حكم اليمن، وفي الوقت ذاته، قمعت قوات الأمن المتظاهرين بعنف في 2011. وبعد أن عشرات المتظاهرين في 18 مارس من العام ذاته؛ استقال “علي محسن” وعائلة “الأحمر” رسميًا من نظام “صالح”، وسلبوا الرئيس “صالح” القوة القبلية والعسكرية التي كانت تحسم استمرار نظامه.
ومع زيادة الاحتجاجات ضد “صالح” طلب مجلس التعاون الخليجي في أبريل 2011 التوسط، وقدم مبادرة تسمح بنقل السلطة من صالح إلى نائبه “عبدربه منصور هادي”. وتقرر في هذا الاتفاق أن ينقل “صالح” السلطة إلى نائبه في غضون 30 يومًا، مقابل حصانته من جميع المخالفات القانونية التي ارتكبها خلال حكمه، وإجراء انتخابات خلال 60 يومًا بعد ذلك. ولكن بعد موافقة “صالح” على المبادئ الأساسية لهذه المقترحات، رفض التوقيع على الاتفاق في ثلاثة مناسبات مختلفة على مدى عدة أشهر على الرغم من ضغوطات دول مجلس التعاون.
أُصيب “صالح” بجروح خطيرة في يونيو 2011 جراء محاولة اغتياله أثناء تواجده لتأدية الصلاة في مسجد المجمع الرئاسي، كما أسفر هذا الهجوم عن إصابة العديد من كبار المسؤولين أيضًا. وتشير التقديرات إلى أن “صالح” اتهم عائلة “الأحمر” بمحاولة اغتياله على خلفية الاشتباكات بين قواته والقوات الموالية للأخيرين في صنعاء، لكن “الأحمر” نفى تلك الاتهامات.
في نهاية الأمر، وقَّع “صالح” في نوفمبر 2011 -قبيل مغادرته لتلقي الرعاية الطبية في نيويورك -على مبادرة “مجلس التعاون الخليجي” في الرياض، وتنازل عن السلطة لنائبه “هادي”. وبعد مرور ثلاثة أشهر أُعيد انتخاب “هادي” للرئاسة وفاز بنسبة 99% من أصوات الناخبين على الرغم من عدم ترشح منافسين ضده.
أطلقت حكومة “هادي” الانتقالية في مارس 2013 – وفقًا لمبادرة “مجلس التعاون الخليجي” – ما يعرف بـ”مؤتمر الحوار الوطني” (NDC)، لمعالجة مشاكل اليمن الرئيسية وإرساء أسس لصياغة الدستور الوطني الجديد. وشمل المؤتمر العام أصحاب المصالح الجدد مع النخب التقليدية وهو ما وصفه المعهد الأمريكي للسلام (USIP) بالمفاوضات السياسية الأكثر شمولية في تاريخ اليمن المعاصر، بدون منازع. ومع هذا عارضته بعض القوى في اليمن، وسعت لإحباطه ومن بينهم أتباع “صالح“، والانفصاليون في الجنوب، والحوثيون. ومع انتهاء عملية المفاوضات في يناير 2014، لم تُطبق التوصيات التي قدمتها لجنة “مؤتمر الحوار الوطني” لصياغة دستور جديد. وفي المقابل، ظل قرار إعادة تنظيم دولة اليمن عائدًا إلى اللجنة التي عيّنها “هادي”، واقترحت إعادة تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، ورفضته جماعة الحوثيين جملة وتفصيلا، وأشعلت فتيل أزمة سياسية، أدت في نهاية الأمر إلى الهجوم على صنعاء والسيطرة عليها نهاية 2014.
كان ميزان القوة بين “صالح” و”الحوثيين” يميل في البداية لصالح الأخيرين إلى حد كبير. لقد أدار “صالح” بالفعل معارك كثيرة ضد الحوثيين بين الأعوام 2004-2010، ولكن بعد استقالته كان يخشى أن تسهم قوتهم العسكرية في تعزيز قوتهم السياسية، ولذلك قام الطرفان بشن معركة مشتركة في 2014 ضد نظام الجمهورية اليمنية بقيادة “هادي“.
ونتيجة الدعم الإيراني للحوثيين حقق تحالف “الحوثيين-صالح” نجاحًا عسكريًا ضد حكومة “هادي”. وفي نهاية 2014 وحتى 2015 انتقلت حكومة “هادي” من العاصمة “صنعاء” وسط اليمن إلى العاصمة البديلة في مدينة “عدن” الساحلية.
حاولت السعودية منذ زمن طويل الحفاظ على نمط تأثيرها على تطورات الأحداث في اليمن؛ معتقدة أن ما يحدث قد يؤثر على استقرارها وأمنها. ومن الناحية التاريخية، تُشكل “اليمن” نوعين من التهديدات للسعودية:
- عدم استقرار الدولة اليمنية وضعفها وانقسامها يمكن أن ينتشر عبر القنوات الديمغرافية ويؤثر بالسلب على سيطرة النظام السعودي على المواطنين.
- لو اتضح أن اليمن قادرة على بناء قدرات عسكرية ملحوظة، سوف يشكل تهديدًا عسكريًا على ضوء قربها الجغرافي من المملكة.
جدير بالذكر أن الخطر الحالي الذي تشكله الحرب الأهلية وصعود الحوثيين في اليمن يعد دمج لهذين السببين معًا، حيث تشكل زيادة عدد النازحين أرض خصبة للأيدلوجيات المتطرفة (السنية أو الشيعية). وفي الوقت ذاته، تزوّد إيران حلفائها من الحوثيين بأسلحة دقيقة قادرة على تنفيذ هجمات دقيقة على البنية التحتية السعودية.
وبالنظر إلى المنافسة المتزايدة بين إيران والسعودية في فترة ما بعد “الربيع العربي”، وخاصة في البلدان التي تقوّض فيها الاستقرار وانتشر فيها أعداد كبيرة من السنة والشيعة؛ فكان من المتوقع أن ينزلق هذا التنافس إلى اليمن.
ومن وجهة النظر السعودية، أن أحد الخيارات التي تُعد أخطر من الفوضى المستمرة في اليمن بعد سقوط نظام “صالح”، هي صعود تنظيم مدعوم من أعدائها في طهران. وقد وصف الإعلام السعودي الحوثيين في 2015 على أنهم موطئ قدم لإيران؛ ولن تسمح المملكة بذلك.
أدرك معسكر ما يسمى “التحالف العربي” في بداية 2015 المكوّن من السعودية والإمارات والبحرين ومصر أن هذه القوى الإقليمية تسعى إلى تحقيق مصالحها. ولذلك انطلقت عملية “عاصفة الحزم” بقيادة السعودية في مارس 2015 للقضاء على القدرات الجوية والدفاع الجوي وتدمير 90% من مخازن صواريخ الحوثيين، ثم الضغط للتوصل لحل دبلوماسي يتوافق مع المصالح السعودية،[1] ومع هذا، تراجع اعتقاد الرياض أن تفوقها الجوي سيخلق مسارًا لفرض مصالحها على الحوثيين واليمن بشكل أوسع.
نجح التحالف بقيادة السعودية -وبمساعدة قوات من جنوب اليمن تعمل على تمويلها وتدريبها الإمارات -في صد هجوم الحوثيين على مدينة “عدن” في يونيو 2015، واتضحت قصور القوة الجوية السعودية فيما بعد، كما ذكرت صحيفة LA Times في إحدى مقالاتها في أبريل 2015.
دمرت هجمات التحالف الجوية طائرات قتالية، وصواريخ باليستية، ومدافع مضادة للطائرات، ومعدات عسكرية كان الحوثيون وحلفاؤهم يحتفظون بها. ومع ذلك يقول المواطنون إن هذه الهجمات لم تساعد كثيرًا في الحفاظ إنجازات التحالف، وإعادة الرئيس المنفي “هادي” للسلطة في الدولة المفتتة.
وعلى الرغم من أن التحالف يسيطر على عدد كبير من الموارد التي لا تسيطر عليها قوات الحوثيين وصالح إلا أنه عانى من ضعف شديد جعل ثمن المعركة باهظًا مع تقدم بطيء.
العيوب الأساسية للتحالف العربي وسلوكه في إدارة المعركة يرجع إلى التقديرات الخاطئة ويمكن حصرها في:
- بالغت السعودية في تقدير قواتها بدلًا من الحصول على دعم من الحلفاء ذوي الخبرة العسكرية. فباكستان رفضت نشر قوات في اليمن، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية ومصر وافقتا على لعب دور هامشي فقط. وأدى هذا الوضع مع قلة خبرة السعودية والإمارات إلى الاعتماد بشكل كبير على القوات الجوية والمرتزقة الأجانب، ولا يمكن لأي منهم معرفة طرق فعالة لاحتلال أرض من سكان محليين.
- ركز التحالف في البداية على تدمير أنظمة الأسلحة الثقيلة التي تستحوذ عليها قوات “صالح”، وهذا الأمر غيَّر ميزان القوى في تحالف صالح-الحوثيين بشكل زاد من هيمنة الحوثيين الذين هم أكثر عداءً وأيدلوجية ومدعومين من إيران.
- النظرة الإقليمية للحرب الأهلية في اليمن، صوّرت إمكانية نجاح قوات حكومة “هادي” والجنوب في السيطرة على السكان المعادين في قلب منطقة الحوثيين -شمال اليمن -على أنه أمر غير محتمل، وخاصة في ظل غياب بديل مُرضي لنظام الحوثيين. بالإضافة إلى ذلك أرادت قوات جنوب اليمن التي دربتها الإمارات الحكم الذاتي أو الاستقلال، ويرون أنهم لن يستفيدوا شيئًا بالدخول في معركة لإعادة شمال البلاد.
وفي ظل الجمود في المواجهات منذ 2018، تضاءلت إنجازات التحالف في اليمن بقيادة السعودية، حيث أصبحت قدرات الصواريخ والطائرات بدون طيار للحوثيين أكثر دقة وخطورة (بمساعدة إيرانية)، كما أوضحت سياسة الحوثيين “مطار مقابل مطار” أنه طالما كان التحالف يفرض حصارًا على مطار صنعاء فإنهم سيضربون مطارات السعودية، والإمارات، وقد نفذوا ذلك بالفعل.
وفي السياق ذاته، أضر الوضع الإنساني المتدهور جدًا في اليمن وما سُمي بـ”أسوء أزمة إنسانية في العالم” بسمعة السعودية والإمارات في العالم ومع علاقاتها مع واشنطن التي كانت أحد مواردها الاستراتيجية المهمة للغاية.
بدأت دوافع الأطراف المتحاربة في استمرار المواجهات بالتراجع اعتبارًا من منتصف عام 2019 لعدة أسباب مختلفة:
- أعلنت الإمارات انسحابها من اليمن في يونيو 2019، ربما استجابة لانتقادات واشنطن المتزايدة على حرب اليمن؛ التي جاءت لرغبتها في إنهاء الحرب قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية القريبة في 2020؛ وربما بسبب مخاوف أبو ظبي من التصعيد في جبهات أخرى، خاصة بعدما بدأت إيران الهجوم على ناقلات النفط في الخليج العربي في مايو 2019؛ كما أن من الممكن إعلان انسحابها جاء بعد تحقيق أغلب انجازاتها التي سعت لها في جنوب اليمن.
- أعلن الحوثيون – بعدما ضغطت إيران عليهم تحمل مسؤولية الهجوم (الذي لم ينفذوه) على منشآت النفط السعودية في سبتمبر 2019 – وقف إطلاق النار من جانب واحد على الأراضي السعودية. ودلت هذه الخطوة على أنهم أرادوا تجنب رد الفعل الدولي لتقبل مسؤولية الهجوم، أو إعادة تقييم شراكتهم لإيران ضد السعودية.
- تضاءلت الهجمات الجوية السعودية ضد الحوثيين بشكل كبير ابتداءً من أكتوبر 2019 استجابة للمفاوضات بين الحوثيين والسعودية ودفعها قدمًا.
- بعد تصعيد قصير في عدن من أجل السيطرة على القصر الرئاسي في أغسطس 2019، توصل المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا وحكومة هادي في نوفمبر 2019 إلى حل وسط بشأن توزيع السلطة باسم “اتفاق الرياض”.
كان هناك بعض التصعيد في القتال بين الحوثيين والتحالف بقيادة السعودية في أوائل 2020 ربما بغرض تحسين المواقف في المفاوضات، ولكن من السابق لأوانه إلغاء الجهود المبذولة لتهدئة الصراع.
ومع ذلك، أفادت تقارير أن الحوثيين بمساعدة إيران طوروا قدرات إطلاق لجبهات جديدة وهي: إسرائيل. وأعلن وزير الخارجية الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” للوفد الأمريكي خلال زيارة وزير الخزانة الأمريكي “ستيف منوتشن” لإسرائيل في 28 أكتوبر 2019 أن إيران تسعى إلى تطوير أسلحة دقيقة، وصواريخ قادرة على ضرب أي هدف في الشرق الأوسط بدقة تصل إلى 5-10 أمتار، وهم يطورون ذلك في إيران ويريدون وضعها في العراق وسوريا، وتحويل الترسانة اللبنانية التي تقدر بـ130 ألف صاروخ غير متطور إلى سلاح متطور. إنهم يسعون إلى تطوير هذا السلاح، وبدأوا نصبه بالفعل في اليمن؛ بهدف الوصول إلى إسرائيل من هناك أيضًا.
وبعد تبادل التهديدات بين نتنياهو والحوثيين، أعلن وزير الدفاع الحوثي الجنرال “محمد العاطفي“ في ديسمبر 2019 أن قواته “لديها بنك أهداف عسكرية وبحرية للعدو الصهيوني…ولن نتردد في مهاجمتها لو قررت القيادة ذلك”.
وعلى ما يبدو أنه حدث تغيير في اتجاه ساحة القتال في اليمن اعتبارًا من النصف الثاني لعام 2019، ومن المهم أن ندرس كيفية سير التطورات.
وعلى الرغم من أن إسرائيل ليست فاعلًا نشطًا، أو ذات وزن في الساحة اليمنية فإن لديها قدرات محدودة للتأثير على النتائج هناك، ولكن مع كل هذا يجب أن تراقب ما يحدث للحفاظ على ثلاثة أولويات:
- منع الحوثيين من اكتساب قدرات تمكنهم من مهاجمة إسرائيل أو أصول إسرائيلية بأسلحة متطورة.
- إنهاء تدخل الرياض في الحرب اليمنية حتى يتسنى للشريك غير الرسمي لإسرائيل في التحالف المعادي لإيران من توجيه موارده لأهداف أكثر إنتاجية.
- منع توسع الجماعات السلفية الجهادية مثل: القاعدة في شبه الجزيرة العربية، لأنها قد تضر بالدول التي لها شراكات مع إسرائيل مثل الولايات المتحدة أو حتى إسرائيل ذاتها.
سيناريوهات مستقبلية:
عند النظر في مستقبل اليمن لابد من وضع خطوط توجيهية واضحة تعتمد على توقعات من الواقع الحالي:
- يستفيد أصحاب المصالح في اليمن الذين يتمتعون بالقوة والنفوذ من النظام الحالي، ومن غير المعقول أن يتنازلوا عما حققوه من مزايا بسهولة. وسيجعلون من أي إصلاح حكومي جاد لزيادة الكفاءة أو المساواة أمرًا يصعب تحقيقه وغير ممكن. ويتضح ذلك عند عودة الرئيس المخلوع “صالح” بعد تعافيه من محاولة الاغتيال، حيث تحالف مع عدوه السابق، وحارب حكومة “هادي” حتى يتمكن من العودة إلى الحكم.
- الوحدة اليمنية ليست من أولويات أهم قوتين عسكريتين في هذا النزاع (الحوثيون والمجلس الانتقالي الجنوبي).
- يواجه الرئيس “هادي” قيودًا شديدة تمنعه من اتخاذ خطوات جوهرية لتعزيز وحدة اليمن تحت سيطرته: لأنه يفتقر إلى القوة؛ ويعتمد من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية على فاعلين آخرين تتعارض أجندتهم، بما في ذلك السعودية و”علي محسن”، وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من الإمارات.
- السيناريو الأول هو الأكثر تفاؤلًا بين الثلاثة، حيث إنه سيناريو يسمح بإنهاء الحرب في اليمن، وتنفيذ تسوية سياسية تراعي مصالح أصحاب النفوذ الأساسيين. ويمكن تحقيقه في شكل اتفاقات جزئية بدلًا من اتفاقيات شاملة يتداخل فيها كل الفاعلين المختلفين، وكذلك بمساعدة زعيم دولة عربية على الحياد من هذا الصراع مثل: أمير الكويت، أو سلطان عمان الجديد.
يجب أن تكون دولة اليمن الموحدة لا مركزية حتى يوافق الانفصاليون على ذلك، وألا يحبطوا إقامتها. ومن المرجح أن يقدم السعوديون تمويلًا كبيرًا للحكومة اليمنية للتأثير على سياساتها، وهذه الأموال سيتم تجزئتها لضمان ولائهم. ومع ذلك، ستواجه الرياض جدلًا شديدًا بشأن إنهاء تدخلها العسكري في اليمن والحصار على اليمن، وفي الوقت ذاته تضمن السعودية أن خصومها من الحوثيين لا يستغلون فرصة اتفاق السلام بغرض تطوير قدراتهم.
السيناريو الثاني، وربما الأكثر واقعية وهو حل جزئي للصراع مع انخفاض عام في حدة القتال. ومن المؤكد أن التوصل إلى حل لجميع أطراف الحرب اليمنية هو هدف طموح للغاية، ولكن من الممكن قطعًا التوصل إلى حل أبعاد معينة فيه. فعلى سبيل المثال: يمتنع الحوثيون من مهاجمة فاعلين خارجيين مثل: السعودية والإمارات والسفن الدولية التي تبحر قبالة السواحل اليمنية، في مقابل سحب السعودية قواتها من اليمن، وإنهاء الضربات الجوية، واستمرارها في الدعم الاقتصادي والسياسي لحكومة “هادي” وقوات جنوب اليمن. وهذا الأمر يوفر استجابة لأهداف الرياض للخروج من الحرب اليمنية، ولكنه قد لا يمنع الحوثيين من بناء القوة، وربما لن تنجح في تأمين الأهداف السعودية طويلة المدى لتأسيس قنوات نفوذ مستقرة في الساحة اليمنية.
السيناريو الثالث، وهو استمرار الحرب بدون حل، بعد فشل الجهود للتوصل إلى اتفاق. ويمكن افتراض هذا الاحتمال لعدة أسباب مختلفة، منها:
- تصعيد أحد الأطراف حتى يحقق نفوذًا ما أثناء المفاوضات ولكن تقييمه يكون خاطئًا؛ وسيفشل الاتفاق بعد محادثات موسعة مما يدفع مجموعة أو أكثر للعودة إلى المواجهات لتحقيق الأهداف؛ ومحاولة فاعلين خارجيين مثل إيران تعقيد الخروج السعودي من اليمن عن طريق تمديد وإطالة الحرب. ففي كل هذه الأحوال، ونظرًا للأضرار الواسعة النطاق في البنية التحتية والاقتصاد اليمني، من المرجح أن تكون هناك جولة أخرى لها آثار إنسانية أكثر من الجولات السابقة.
تعكس هذه السيناريوهات إلى حد ما التوتر بين مصالح إسرائيل في اليمن، فمن جهة، تلعب السعودية دورًا مهمًا في أنها تهاجم حليف لإيران في ساحة يمكن أن تصبح تهديدًا خطيرًا وتتوجه نحو إسرائيل. ومن جهة أخرى، المعركة التي يديرها التحالف في اليمن لا تكلّف إيران ثمنًا باهظًا؛ لأن طهران لا تستثمر إلا بالقليل في اليمن، ولكن يمكن القول إنها تضعف السعودية التي تُعد حليفًا مهمًا للغاية في التحالف ضد إيران. ويمكن لهذه التوترات ألا تسمح لخروج السعودية من الساحة اليمنية في الظروف المواتية حتى يتم تقويض قدرات إيران في اليمن. ولكن بقي لنا أن نرى هل سينجح الأمير خالد بن سلمان في التوصل إلى مثل هذا الاتفاق مع الحوثيين.
المصدر: مجلة “عدكون استراتيجي” الصادرة عن مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي.
أري هيستن رئيس معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي. تتركز أبحاثه حول سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية، والعلاقات الأمريكية الإسرائيلية. والاستراتيجية الإسرائيلية فيما يتعلق بإيران والحرب الأهلية في اليمن.
أحمد الديب، حاصل على ماجيستير في اللغة العبرية وآدابها.
الهوامش
[1] (هناك دافع آخر محتمل وغير معلن في تشكيل هذا التحالف – الذي يضم دول لم تسهم كثيرًا في هذا الجهد مثل: مصر، والمغرب، والأردن، والكويت، وقطر- ضد الحوثيين وهو تعزيز مكانة المملكة العربية السعودية باعتبارها زعيمة للعالم السني).