ركزت التقارير الأخيرة فيوسائل الإعلام الإسرائيلية ومراكز الأبحاث حول ما قدمه التحالف بقيادة السعودية في اليمن، والمعارك الدائرة في محافظة مأرب اليمنية، مشيرة إلى ضرورة مساعدة واشنطن للرياض في الدفاع عن مأرب، وليس إعاقتها عن طريق سحب الدعم اللوجستي.
وبخلاف ما هو سائد، أرجعت بعض التقارير تركيز الولايات المتحدة على التخفيف من حدة الكارثة الإنسانية في اليمن دون معالجة الطبيعة الحقيقية للنزاع كان له أثر أدى إلى تفاقم الحرب والوضع الإنساني، فيما يتحمل الحوثيون المسؤولية بشكل كبير عن انهيار الوضع الإنساني.
ويترجم مركز صنعاء للدراسات بشكل دوري ومستمر أبرز التقارير والمقالات التحليلية في وسائل الإعلام ومراكز الدراسات الإسرائيلية كجزء من اهتماماته والمقاربات الإقليمية التي يقدمها.
الصراع اليمني يوضح استراتيجية واشنطن الإقليمية وقدرات القوات المناهضة لإيران
نشر يوناثان سباير[1] مقالًا في معهد القدس للاستراتيجية والأمن قال فيه إن مراقبة الوضع في مأرب، واليمن بشكل عام، يقدم نظرة ثاقبة لتوقعات الإدارة الأمريكية الحالية تجاه الجهود التي تبذلها الجهات الفاعلة الإقليمية لاحتواء إيران. على هذا النحو، فإن الوضع في اليمن له صلة مباشرة بإسرائيل. وعلى الرغم من بُعد المسافة بين البلدين لم ينخرط الحوثيون في أي عمل مباشر ضد إسرائيل (حتى الآن)، ومع ذلك، فإن معارضتهم لوجود إسرائيل يعد جانبًا مركزيًّا في دعايتهم.
وقال سباير إن سقوط مأرب سيمثل نهاية معركة شمال اليمن، وسيترك الحوثيين في وضع جيد لترسيخ حكمهم في مفاوضات لاحقة مع الجانب الموالي للسعودية. ستزيد السيطرة على مأرب من الاستدامة الاقتصادية للجزء الذي يسيطر عليه الحوثيون من اليمن. وستكون مطالب الحركة الرئيسية في المفاوضات إعادة فتح مطار صنعاء أمام الحركة الدولية، وإنهاء القيود المفروضة على ميناء الحديدة المطل على البحر الأحمر. كما أن الاستيلاء على مأرب وتحقيق هذه الأهداف من شأنه أن يمهّد للحوثيين إعادة الأمور إلى حالتها الطبيعية، والتعزيز الاقتصادي لمنطقة سيطرتهم في اليمن.
إضافة إلى دور مأرب باعتبارها المركز الأخير لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، في شمالي البلاد، ووجود عدد كبير من النازحين في المدينة، فإن مأرب ذات أهمية استراتيجية؛ بسبب مركزيتها في النفط اليمني وإنتاج الغاز، كما يمر خط أنابيب غاز عبر مأرب في طريقه إلى عدن والبحر الأحمر، ويقع فيها مقر شركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج التي تديرها الدولة. يوجد أيضًا عدد من الشركات الأجنبية النشطة في إنتاج الطاقة.
تقع مأرب على بعد 173 كيلومترًا من العاصمة اليمنية صنعاء، وتجاور محافظات الجوف والبيضاء وشبوة ذات الأغلبية السنية، وهي مناطق تضعف فيها شرعية وسيطرة الحوثيين. لذلك قد تكون أيضًا بمثابة منصة لهجوم نهائي على هذه المناطق؛ وتشكل نقطة انطلاق طبيعية لأي هجوم حكومي على العاصمة، بينما تؤدي خسارته إلى تعقيد أي آمال في عملية من هذا النوع.
رد الولايات المتحدة
هجوم مأرب جاء بعد انتكاسات دبلوماسية كبيرة للتحالف المناهض للحوثيين وخاصة بعد أن سارع الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، عند توليه مهام منصبه، إلى إلغاء تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية. برر إلغاء هذا القرار بأن التصنيف أدى إلى تعقيد الجهود المبذولة لمعالجة الوضع الإنساني المزري في البلاد، بالنظر إلى سيطرة الحوثيين على أجزاء كبيرة من اليمن. لكن في الواقع، فإن الرغبة في استرضاء إيران في سياق تجديد المفاوضات حول البرنامج النووي هي الدافع الحقيقي المحتمل لهذه الخطوة.
في الشهر نفسه، أعلن الرئيس “بايدن” إنهاء الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية السعودية في اليمن، وإنهاء مبيعات الأسلحة للرياض المرتبطة بتلك العمليات.
من الواضح أن سبب اتخاذ واشنطن هذه القرارات هو التفاوض على إنهاء مبكر للصراع، على أمل أن تلقى تحركات الحد من القدرة الهجومية السعودية استحسانًا من الحوثيين وداعميهم في طهران، وتساعد في خلق جو إيجابي في المفاوضات مع إيران على قضايا أوسع.
التحركات الأمريكية أرسلت إشارة مبكرة فيما يتعلق برغبة إدارة بايدن في إعادة تشكيل العلاقات مع الحلفاء الإقليميين، مما أدى إلى خفض مستوى التحالف مع السعودية بشكل حاد. وشكل هذا بدوره جزءًا من الابتعاد عن المفهوم الاستراتيجي المقبول لدى المسؤولين الرئيسيين في الإدارة السابقة، مثل: مايك بومبيو، وجون بولتون، والذي يتعيّن على الولايات المتحدة بموجبه أن تسعى إلى تعزيز الحلفاء وتشكيل مجموعة منافسة من الدول؛ لمواجهة التحدي الرئيسي لإيران.
الانقسامات داخل التحالف المناهض للحوثيين
على الرغم من أن الحرب في اليمن لا تحظى سوى بالقليل من التغطية الإعلامية الدولية، إلا أن لتداعياتها أهمية إستراتيجية للمنافسة المركزية الجارية حاليًّا في المنطقة -ولا سيما، بين إيران ووكلائها، وتحالف ضعيف من دول وسلطات تجد نفسها، لأسباب مختلفة، مستضعفة أو مهددة من تقدم إيران.
على الرغم من تصوير الوضع، في كثير من الأحيان، على أنه قتال بين وكلاء إيران والسعودية، فإن الوضع أكثر تعقيدًا بسبب المصلحة الإماراتية في البلاد، حيث ترتبط أبو ظبي ارتباطًا وثيقًا بالمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، وقوات طارق صالح. سحبت الإمارات رسميًّا قواتها من اليمن عام 2019، لكن بات واضحًا الآن أن الإمارات لم تفرغ من اهتمامها بالدولة؛ بسبب مخاوفها من الأطماع الإيرانية. في الواقع، الإمارات الآن مثل إيران حيث تعمل من خلال وكيل يمني. هذا الوكيل هو المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسعى إلى إعادة تقسيم اليمن.
الإمارات قلقة بشكل خاص من قضية الأمن في منطقة باب المندب، فيما يتعلق بالشحن البحري. إن سيطرة الحوثيين على المضيق ستمنح إيران القدرة على مضايقة وحتى منع مرور السفن. يمر حوالي 3 ملايين برميل من النفط عبر المضيق يوميًّا، كما يمر 9٪ من إجمالي التجارة البترولية المنقولة بحرًا. بالتالي، كان منع طهران من اكتساب هذا النفوذ هدفًا حيويًّا حققته القوات السعودية والإماراتية في العام الأول من الحرب.
التحالف المناهض للحوثيين هو في الواقع مجموعة انفصالية، من بينهم حزب مرتبط بالإخوان المسلمين (الإصلاح) والقوات الانفصالية. وجود الأخير سبب إضافي للقرار الإماراتي بمواصلة جهد مستقل في السياق اليمني. ومع ذلك، رغم التوتر بين الحكومة وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، وأجندات مختلفة، فإن احتمالية نشوب حرب أهلية ثلاثية تبدو غير مرجحة؛ نظرًا للمصلحة المشتركة الأساسية في مقاومة تقدم الحوثيين. علاوة على ذلك، لا تثبت الانقسامات وجود عيب فادح للقوات المناهضة للحوثيين. بدلًا من ذلك، فإن الحوثيين -باستثناء مأرب- متمسكون حاليًّا بمواقعهم.
الخلاصة
الأحداث الموصوفة هنا تؤدي إلى عدة استنتاجات. الجهود السعودية والإماراتية لوقف تقدم الحوثيين لم تفشل بشكل تام، وذلك على عكس تقارير وسائل الإعلام الغربية، بل كانت ناجحة جزئيًّا حيث منعت الحوثيين من غزو جنوب وشرق اليمن. وبالمثل، يجري حاليًّا احتواء هجوم الحوثيين على مأرب. من الناحية المثالية، ينبغي بناء قدرة هجومية قادرة في النهاية على استعادة مناطق سيطرة الحوثيين.
إن الدفاع الحالي الناجح عن مأرب يحدث على الرغم من سحب الدعم الأمريكي وفي مواجهة غياب المساعدة الأمريكية، على الرغم من طبيعة السعودية والإمارات باعتبارهما حلفاء/ وكلاء غربيين، وطبيعة الحوثيين بوصفهم عملاء طهران؛ يجب أن تثير هذه الحقائق مجتمعة بعض القلق بشأن التزام الإدارة الأمريكية الحالية بالقضية المشتركة المتمثلة في تقييد التقدم الإيراني في المنطقة.
يبدو أن إدارة “بايدن” تعطي قيمة أكبر لرغبتها في إبعاد نفسها عن السعودية، وتهتم بألا يُنظر إليها على أنها تدعم، بشكل مباشر، جهدًا عسكريًّا ضد وكيل إيراني في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات مع طهران.
إن إسرائيل، التي ربما تعمل عبر إطار الشركات العسكرية الخاصة، ستكون في وضع جيد للتعاون مع الجهود الإماراتية الجارية في البلاد؛ لتأمين المصالح المشتركة. في هذا الصدد، قد تحظى القدرات الإسرائيلية في المجالات التقنية والاستخباراتية بأهمية خاصة.
اعتقادات خاطئة في الحرب اليمنية يجب تصحيح مسارها
نشر عوفيد لوبل[2] تقريرًا مطولًا في موقع مجلس الشؤون الأسترالية الإسرائيلية واليهودية قال فيه إن هجوم الحوثيين المستمر للسيطرة على مأرب، آخر معقل للحكومة اليمنية حقق لهم مكاسب كبيرة.
تعريف الجنون هو عدم تكرار نفس الفعل وانتظار نتيجة مختلفة، وللأسف ينطبق هذا على سياسة الولايات المتحدة تجاه اليمن التي لم تعدل على الإطلاق في خطابها أو نهجها رغم مرور ما لا يقل عن ست سنوات من الفشل الواضح والتغييرات الجوهرية في الوضع العام منذ عام 2015.
تركيز الولايات المتحدة -قصير النظر- على التخفيف من حدة الكارثة الإنسانية في اليمن دون معالجة الطبيعة الحقيقية للنزاع كان له تأثير مؤسف أدى في الواقع إلى تفاقم الحرب والوضع الإنساني، وسيستمر في ذلك ما لم تتم معالجة المفاهيم الخاطئة التالية حول الحرب، وإصلاح سياسة الولايات المتحدة وفقًا لذلك.
حرب إقليمية وليست حرب أهلية
الحرب في اليمن ليست حربًا بالوكالة ولم تبدأ بتدخل التحالف الذي تقوده السعودية ضد انقلاب الحوثيين عام 2015 بل هي امتداد لما يوصف بـ”جهاد الحوثي” أو ما يسمونه بـ”المسيرة القرآنية”- الذي أُطلق العنان له تحت الوصاية الإيرانية عام 2004 لتأسيس دولة إسلامية ثيوقراطية شمولية.
وأوضح لوبل في تقرير سابق بالتفصيل كيف قامت إيران ووكلاؤها في لبنان والعراق بصقل عائلة الحوثي وشركائها منذ عام 1979 بوصفها نسخة يمنية لحزب الله، وأشرفت ووجهت كل خطوة في تطورها، بدءًا من “الشباب المؤمن” في تسعينيات القرن الماضي إلى “أنصار الله” اليوم، ولم يتم تسميتهما صدفة على اسم عناصر من حزب الله اللبناني.
غالبًا ما يصور هذا الصراع، بشكل خاطئ، على أنه رد فعل شيعي زيدي عنيف جراء الإهمال الاقتصادي والتهديدات التي تطال هويتهم وممارستهم الدينية، ولكن الحوثيين كانوا أداة إيرانية بشكل واضح، وعملوا على نشر رؤية الخميني الشاملة العابرة للحدود. تمكنت الجماعة من استنساخ الحكم الديني الثيوقراطي الوحشي لأسلافها في طهران من خلال إنشاء نظام إسلامي موازٍ على قمة استيلائهم المباشر على مؤسسات الدولة اليمنية.
هناك معلومات مضللة سائدة، وادعاءات كاذبة متكررة من شخصيات مثل: السناتور الأمريكي “كريس مورفي”، الذي أصبح مدافعًا حقيقيًّا عن الحوثيين جنبًا إلى جنب مع “رو خانا”، والعديد من الديمقراطيين الآخرين في الكونغرس الأمريكي، بأن السعودية أنتجت عن غير قصد هذا التحالف الحوثي الإيراني طويل الأمد عندما تدخلت بشكل مباشر لأول مرة في اليمن عام 2009، وهذا ليس صحيحًا.
أزمة إنسانية مفتعلة أوجدها الحوثيون
هناك اعتقاد خاطئ سائد يشير إلى أن الحصار السعودي لليمن هو السبب الرئيسي للكارثة الإنسانية في البلاد. وبغض النظر عن قدرة السعودية المشكوك فيها على فرض أي حصار فعليًّا، فإنه لا يؤثر حقًا على واردات مثل: الغذاء والنفط. علاوة على ذلك، شهد العديد من المسؤولين الأمريكيين السابقين والحاليين المنخرطين في سياسة اليمن بأن الحوثيين، وليس الحصار، هم المسؤولون بشكل كبير عن المشاكل المتعلقة بالمساعدات الإنسانية.
أخبرت المنسقة السابقة للشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة في اليمن “ليز غراندي” لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي في أبريل أن “دولة أنصار الله القسرية والوحشية فرضت مئات القيود على إيصال المساعدات الإنسانية، وتواصل التهديد، والبلطجة، والترهيب، واحتجاز العاملين في المجال الإنساني”. أعربت “غراندي” عن أسفها لأنه قد لا يمكن منع المجاعة الكارثية القادمة أو حتى التخفيف من الوضع الإنساني طالما استمرت ثيوقراطية “أنصار الله”.
وعلى نحو مماثل ألقى مساعد وزير الخارجية في إدارة ترامب لشؤون الشرق الأدنى “ديفيد شينكر”، في يونيو 2020، باللوم على الحوثيين في الكارثة الإنسانية، داعيًّا الحوثيين إلى التوقف عن عرقلة المساعدات الإنسانية للشعب اليمني.
ومن العوائق القاتلة الإضافية التي تحول دون تسليم المساعدات الإنسانية الاستخدام الواسع النطاق والعشوائي للألغام الأرضية من قِبل الحوثيين. لقد زرع الحوثيون مئات الآلاف، وربما أكثر من مليون، من الألغام في جميع أنحاء اليمن، التي أعاقت إيصال المساعدات، وقتلت وشوهت بشكل مباشر المئات إن لم يكن الآلاف من المدنيين، وستواصل ذلك.
كما يستغل الحوثيون سيطرتهم على المساعدات والأموال لتجنيد المقاتلين، بمن فيهم الأطفال. يؤدي رفض الخضوع لمطالب الحوثيين أو توريد القوى العاملة إلى حرمان اليمنيين من المساعدات. وبالتالي، فإن المنظمات والأموال الإنسانية تدعم بشكل مباشر آلة الحرب الحوثية وترسخ قوتهم السياسية، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني الذي يحاولون ظاهريًّا التخفيف منه.
التوازن الكاذب
هناك حالة صادمة بين المحللين وصانعي السياسات، كما لو أن السعودية من جهة والحوثيين وإيران من جهة أخرى مسؤولون بنفس القدر عن الحرب، والمأزق الدبلوماسي الحالي، والأزمة الإنسانية الشاملة.
السعودية انخرطت في الواقع، كما أكد المبعوث الخاص “ليندركينغ” على مجلسي النواب والشيوخ، بشكل بنَّاء وبحسن نية مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي وحاولت بشدة إخراج نفسها من الحرب، وهو تقييم شاركه قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي، وكبير ممثلي وزارة الخارجية الإقليمية في إدارة ترامب، ديفيد شينكر.
أعلن السعوديون وقف إطلاق النار من جانب واحد لعدة شهور، على الرغم من زيادة هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات دون طيار على البنية التحتية المدنية، ويقترحون باستمرار خطط سلام يرفضها الحوثيون وحزب الله وإيران.
إن الحوثيين غير مهتمين صراحة، لدرجة أنهم ببساطة لم يحضروا محادثات السلام الدولية في سبتمبر 2018، مما اضطرهم إلى إلغائها. أعلن شينكر في سبتمبر 2019 أن إدارة ترامب تجري محادثات مع الحوثيين للسعي إلى وقف إطلاق النار.
كما عرقل الحوثيون المحادثات واستمروا في هجماتهم، مما أدى إلى إدراجهم في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في يناير 2021. ولتحفيزهم على إعادة الانخراط دبلوماسيًّا، لم تكتف إدارة بايدن بشطب تصنيف الجماعة باعتبارها منظمة إرهابية أجنبية فحسب، بل ذهبت أيضًا إلى أبعد من ذلك وشطبت قادتها من قائمة الإرهابيين العالميين المحددين بصفة خاصة.
كان رد الحوثيين الوحيد على مبادرات السلام السعودية والدولية هو التصعيد بشكل كبير في الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة، بما في ذلك الهجوم الذي كاد يقضي على الحكومة اليمنية بأكملها وقت وصولها إلى مطار عدن.
لم لا يكون هناك غضب من تجنيد الحوثيين الممنهج لأطفال المدارس، حيث قُتل الآلاف منهم على الخطوط الأمامية كوقود للمدافع، ومقتل وتشويه المدنيين بسبب ألغام الحوثيين، أو الإعدامات العلنية المروعة، بما في ذلك قطع الرؤوس، والتعذيب الممنهج، أو الإساءة المؤسسية على غرار نظام طالبان وقمع النساء، بما في ذلك منع النساء في صنعاء مؤخرًا من العمل مع المنظمات غير الحكومية، واستخدام الهواتف الذكية، ووضع المكياج، والتطهير العرقي لليهود، والهجمات على البهائيين وتقويض الصحافة.
لا أحد ينكر أن حملة القصف السعودية في السنوات الأولى من الحرب كانت مروّعة، لكن هذا بالتأكيد ليس الوضع الحالي، ولم يتكرر منذ أكثر من عامين رغم تعرض البنية التحتية المدنية في السعودية لهجمات بالصواريخ الباليستية والطائرات دون طيار. مع ذلك جميع الضغوط الأمريكية لا تزال موجهة ضد السعودية، بما في ذلك تجريدها من المعلومات الاستخباراتية واللوجستية والدعم، وسحب أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية في خضم الهجمات المتصاعدة. حتى هذا غير كاف بالنسبة للعديد من الديمقراطيين؛ الذين يطالبون باستسلام سعودي فوري أحادي الجانب للحوثيين.
يعتمد هذا النهج على الافتراض الخاطئ بأن الحوثيين سيكونون على استعداد للتفاوض على اتفاق لتقاسم السلطة إذا أثبتت الولايات المتحدة أنها لن تدعم السعودية.
الحوثيون الشموليون ليس لديهم دور يلعبونه، ولن يتنازلوا أبدًا على السيطرة المطلقة. هم حركة طالبان اليمنية، والسعي لبدء المفاوضات اليمنية الداخلية سينتهي بشكل مماثل لـ “المفاوضات بين الأفغان”، التي سهلت ببساطة سيطرة طالبان.
ولأن إدارة “بايدن” تقارن بين القوة العسكرية والدبلوماسية بدلًا من النظر إليهما على طول سلسلة تكميلية متصلة، فإنها لا تستطيع تصور أي نهج يتجاوز الاسترضاء والتعامل مع الأعداء، إلى جانب الضغط الشديد على الحلفاء والعملاء. ونتيجة لذلك، قد يغزو الحوثيون مأرب قبل عام 2022.
استنتاجات السياسة العامة
سياسة الولايات المتحدة تجاه اليمن تحتاج إلى تصحيح مسارها بشكل كبير. لعل القضية الأكثر إلحاحًا، بغض النظر عن أي سياسة أوسع نطاقًا في اليمن أو إيران، هى مساعدة السعوديين على صد هجوم الحوثيين على مأرب. يجب أن تدرك أي سياسة أمريكية واقعية أن أي تعامل دبلوماسي تقريبًا مع الحوثيين لن يجدي نفعًا- مثل طالبان في أفغانستان، فهم أصوليون مهووسون بمواصلة جهاد لا هوادة فيه لإقامة الدولة الإسلامية الخاصة بهم، وكما هو الحال مع طالبان، فإنهم يخضعون لسيطرة قوة أجنبية. إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في تجنب أفغانستان ثانية، فعليها أن تعترف بالحقيقة البسيطة المتمثلة في أنه -على عكس الشعار المتواصل، لا يوجد حل عسكري- لا يوجد في الواقع حل دبلوماسي يلوح في الأفق.
علاوة على ذلك، يوضح أكثر من عقد من المشاركة المحلية والإقليمية والدولية مع الحوثيين، أنهم مثل المشرفين الإيرانيين، عناصر سيئة النية. وقد تجلى هذا مؤخرًا في رفضهم ضمان سلامة مفتشي الأمم المتحدة للتحقيق في ناقلة النفط صافر-التي على وشك الانهيار والتسبب في كارثة بيئية ذات أبعاد لا يمكن تصورها- على الرغم من الالتزامات المتعددة للقيام بذلك.
في اليمن، هناك معتد عنيد، غزا بشكل وحشي وأخضع معظم اليمن منذ عام 2004. والخطوة الأولى الواقعية في سياسة الولايات المتحدة تجاه اليمن ستكون وقف مساواة المعتدين بالمدافعين والتوقف عن تمكين الأول بالمشاركة غير المجدية والاسترضاء مع الضغط على الأخيرة وتقويضها.
بدلًا من الاستمرار في نفس النهج الفاشل للدبلوماسية غير الفعالة والضعيفة والمنفصلة تمامًا عن الواقع، يحتاج صانعو السياسة الأمريكيون إلى مساعدة السعودية في الدفاع عن مأرب، وليس إعاقتها عن طريق سحب كل الدعم اللوجستي. إذا سقطت مأرب، فإن الحوثيين لن يوجهوا نظرهم فقط إلى المناطق التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات -التي هي نفسها في حالة حرب فعليًّا مع الحكومة اليمنية- بل إلى الأراضي السعودية أيضًا.
مهما كانت تعقيدات الصراع، فإن الجاني الأساسي في معاناة اليمنيين واستمرار الحرب هو وحشية الحوثيين وداعميهم الإيرانيين، وليس السعودية.
إذا كانت الولايات المتحدة مهتمة حقًا باليمنيين، فإن الحد الأدنى يتطلب: التوقف عن دعم الثيوقراطية التوسعية الحوثية بالمساعدات الإنسانية، ومضاعفة الجهود لاعتراض شحنات الأسلحة الإيرانية، والتوقف عن إضفاء الشرعية على “المسيرة القرآنية” بمشاركة دبلوماسية لا أمل في تقدمها.
الطائرات المسيّرة الإيرانية تعيد تشكيل الوضع الأمني في المنطقة
قال سيث جي فرانتزمان[3] في موقع جيروزاليم بوست إن الطائرات الإيرانية دون طيار تشكل تهديدًا ناشئًا للشرق الأوسط. برنامج الطائرات، على عكس برنامج الأسلحة النووية، ليس سريًّا. تتفاخر إيران علانية بقدرات طائراتها بدون طيار. كما تسلط الضوء على كل طائرة بدون طيار جديدة وتقدم ادعاءات شائنة حول قدراتها. زعمت إيران أن طائراتها المسيّرة يمكنها التحليق آلاف الكيلومترات وقادرة على تسليح بعضها بالصواريخ.
الطائرات الإيرانية يمكنها تنفيذ هجمات دقيقة على العروض العسكرية، والمطارات، والمنشآت النفطية والناقلات عندما تكون مبرمجة مسبقًا بمجموعة من الإحداثيات، ويمكنها إلحاق الدمار، إلا أنها ليست سلاحًا ينتصر في الحروب.
أرسلت إيران الآن أعدادًا كبيرة من الطائرات المسيرة إلى حلفائها في المنطقة، بما في ذلك اليمن، كما تقوم الآن بوضعهم في البحر، وعلى متن سفن تابعة للبحرية وقوارب سريعة تابعة للحرس الثوري الإيراني. هذا هو السبب في أن الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل وغيرها يجب أن تركز على الدفاع عن المناطق الاستراتيجية الرئيسية. بالنسبة لإسرائيل، باعتبارها بلد صغير، التحدي ليس كبيرًا. لكن الطائرات المسيّرة يمكن أن تضرب ناقلات ومواقع الغاز الطبيعي أيضًا.
القدرات الإيرانية معروفة. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيضع خصومها صواريخ كافية وأنظمة الرادار والبنادق لإسقاط الطائرات في المستقبل أو التنبؤ بمكان هدف إيران التالي؟
لقاء مثير للاهتمام بين قائد المخابرات العسكرية السورية ومسؤول حوثي في دمشق
تناول موقع نتسيف الإخباري الإسرائيلي لقاء الملحق العسكري لمليشيا الحوثي في دمشق “شرف الماوري” باللواء “كفاح ملحم” رئيس شعبة المخابرات العسكرية السورية.
جاء هذا الاجتماع بعد أن بدأ النظام الإيراني في إرسال شبان سوريين للقتال إلى جانب الحوثيين في اليمن ضد السعودية.
التعاون الإيراني-الحوثي يُحوِّل اليمن إلى عش دبابير من الإرهاب
كتب “روني شاكيد”[4] في موقع “زمان إسرائيل” حول التهديد الإيراني الذي لا يمثل مصدر قلق لإسرائيل فحسب، ولكن أيضًا للإمارات والسعودية، والشرق الأوسط بأكمله. وإلى جانب السباق الإيراني للحصول على القنبلة النووية، تستخدم إيران “الحرس الثوري” لتعزيز سيطرتها في الشرق الأوسط – في سوريا ولبنان وغزة وفي السنوات الأخيرة في اليمن.
السيطرة الإيرانية في اليمن تجري عبر جماعة الحوثيين المسلحة، وهذا لم يحظ بالاهتمام في المناقشات الاستراتيجية للشرق الأوسط ولا سيما في إسرائيل، فيما لا تولي وسائل الإعلام أيضًا تلك السيطرة الاهتمام الذي تستحقه. تنجح إيران في تحويل اليمن “الحوثية” إلى قاعدة هجومية ضد السعودية، لكن هذا التهديد يقترب من إسرائيل بشكل مقلق.
التهديد على إسرائيل يتركز في المجالين الجوي والبحري. الجوي باستخدام صواريخ كروز وطائرات دون طيار التي وفرتها إيران بسخاء للحوثيين، والبحري عبر الأسلحة البحرية الجديدة التي تزودها إيران للحوثيين، وبالتالي لا تهدد بهذا الشكل الملاحة في الخليج الفارسي فحسب، بل البحر الأحمر أيضًا.
إيران لا تساعد جماعة الحوثيين، بل تستخدمها لإنشاء بؤرة استيطانية إيرانية في اليمن تكون خاضعة لها مثلما تفعل إيران مع حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان. لكن اليمن أكثر أهمية بالنسبة لإيران هذه الأيام؛ ليس فقط بسبب الصراع ضد السعودية والقدرة على مهاجمة السعودية، ولكن في إنشاء بؤرة استيطانية وقاعدة هجومية ضد إسرائيل.
المرء لا يحتاج إلى أن يكون خبيرًا عسكريًّا ليعرف أن الحوثيين ليس لديهم التدريب والمعرفة والمهارة لإطلاق صواريخ كروز، أو طائرات مسيّرة متطورة أو رزع ألغام بحرية. في الواقع، ضباط الحرس الثوري الإيراني الموجودون في اليمن هم من يضغطون على الزناد. حوَّل قادة طهران وعلى رأسهم “إبراهيم رئيسي” الحوثيين، تمامًا -كما فعلوا مع حزب الله والجهاد الإسلامي الفلسطيني وإلى حد كبير مثل حماس- إلى ذراع للحرس الثوري.
انتشرت في الآونة الأخيرة تقارير إعلامية حديثة عن توثيق التعاون بين الحوثيين وتنظيمي داعش والقاعدة. هذا التعاون الذي يحول اليمن إلى عش دبابير من الإرهاب يهدد الشرق الأوسط بأكمله. قبل حوالي شهر ونصف، في 11 سبتمبر، وهو تاريخ رمزي للإرهاب، نفذ الحوثيون أحد أكثر الهجمات وحشية وتدميرًا داخل اليمن. دمر هجوم بصواريخ كروز والطائرات المسيّرة ميناء المخا، وهو أقدم ميناء يمني على البحر الأحمر، الذي سُميت على اسمه قهوة “موكا” الشهيرة.
في حال اندلاع مواجهة بحرية بين إسرائيل وإيران، فإن المسار البحري الذي يسيطر عليه الحوثيون سيمنح الإيرانيين ميزة، وقد تكون السفن الإسرائيلية هدفًا للصواريخ والطائرات المسيّرة من باب المندب وخليج عدن إلى الخليج العربي. تعد هذه البيانات مؤشرًا لإسرائيل، يلزمها أن تأخذ بعين الاعتبار التصعيد العسكري الحوثي- الإيراني الموجه للسعودية اليوم، لأنه قد يوجه لإسرائيل غدًا، ومن الجنوب سيخرج الشر.
استئناف العلاقات بين إيران والسعودية يمثل ضربة قاصمة لإسرائيل
قال تسفي برئيل[5] في موقع هآرتس إنه في حال انتهت المفاوضات بين السعودية وإيران بالاتفاق والتطبيع، فسيكون الفصل الأخير من التحالف المناهض لإيران الذي علقت عليه إسرائيل آمالًا ضخمة، بل ورأت نفسها عضوًا غير رسمي فيه لدرجة أن هذا القاسم المشترك بينها السعودية بعث الأمل في تطبيع المملكة علاقاتها مع إسرائيل.
التطلع السعودي لإنهاء الحرب في اليمن بانتصار كاسح خلال أسابيع قليلة ذهب سدى؛ بسبب مثابرة وصمود الحوثيين الذين سيطروا على أجزاء كبيرة من البلاد. السعودية وجدت نفسها في غضون أربع سنوات في مسار تصادمي ليس فقط مع الحوثيين، ولكن أيضًا مع الكونغرس الأمريكي، الذي طالب السعودية بوقف الحرب التي راح ضحيتها أكثر من مئة ألف شخص.
أما بالنسبة لإيران، فلديها اهتمام كبير باستئناف العلاقات مع الرياض، حيث ستمنحها هذه الاتفاقية اعتراف -ولو بشكل غير رسمي- بوضعها الخاص في لبنان وسوريا واليمن والعراق وتفتح أمامها منطقة الشرق الأوسط العربي، الذي يتوخى الحذر إلى حد كبير حتى الآن، تحت ضغط أمريكي شديد، لإظهار الصداقة والتقرب من طهران.
التقارب واستئناف العلاقات بين إيران والسعودية يمثّل ضربة قاصمة للطرف الإسرائيلي ليس فقط بسبب الخلاف الأساسي بين رئيس الوزراء “نفتالي بينيت” و “جو بايدن” بشأن برنامج إيران النووي والاتفاق النووي الذي تدفع به واشنطن، بل إن فقاعة التحالف العربي المناهض لإيران قد تذهب أدراج الرياح.
الدول العربية، وخاصة السعودية، التي سعت إلى تعزيز مكانتها في واشنطن من خلال تسويق الصراع المشترك ضد إيران، اتضح لها الآن أن الحملة ضد إيران لم تعد سلعة مرغوبة، وإسرائيل هي أيضًا وسيط يتقاضى رسومًا، ولكنها لا تستطيع تسليم البضائع.
الهوامش:
- كاتب، ومحلل، وصحفي يركز على الشؤون الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط والمشرق العربي. هو زميل باحث في معهد القدس للدراسات الاستراتيجية، وزميل في منتدى الشرق الأوسط، ومحلل أمني مستقل، ومراسل فيIHS Janes. وهو المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للتقارير والتحليل (MECRA). ومؤلف كتاب: “أيام السقوط: رحلة المراسل في حربي سوريا والعراق” (2017)، وهو وصف لتقاريره الميدانية في سوريا والعراق. وكتاب: “النار المتغيرة: صعود الصراع الإسرائيلي الإسلامي” (2010).
- محلل سياسات في مجلس الشؤون الإسرائيلية والأسترالية واليهودية AIJAC))، يركز على التفاعل الجيوستراتيجي بين إيران وروسيا وإسرائيل وتركيا في الشرق الأوسط. وتُنشر تحليلاته على نطاق واسع في الصحف والمجلات، بما في ذلك صحيفة جيروزاليم بوست، هآرتس، وذا أستراليان، وكاب إكس، ومعهد السياسة الاستراتيجية الأسترالية، فضلًا عن مجلة “أستراليا/إسرائيل ريفيو” الشهرية التابعة لمجلس الشؤون الإسرائيلية والأسترالية واليهودية.
- محلل في شؤون الشرق الأوسط لدى صحيفة “جيروزاليم بوست”. غطى الحرب ضد تنظيم داعش، وحروب غزة الثلاثة، والصراع في أوكرانيا، وأزمة اللاجئين في أوروبا الشرقية. حصل على درجة الدكتوراه من الجامعة العبرية في القدس عام 2010. عمل مسبقًا باحثًا مشاركًا في مركز “روبين” للأبحاث والشؤون الدولية، ومحاضرًا في الدراسات الأمريكية في جامعة القدس. ويشغل حاليًّا منصب المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للتقارير والتحليل.
- يتابع روني شاكيد ملف الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني منذ أكثر من خمسة عقود. خدم في جهاز الأمن العام في وظائف ميدانية رفيعة. عمل كاتبًا ومعلقًا للشؤون الفلسطينية في صحيفة “يديعوت أحرونوت”. خلال العقد الأخير عمل باحثًا في المجتمع الفلسطيني في معهد ترومان بالجامعة العبرية. تتركز أبحاثه حول الجوانب النفسية والاجتماعية لروح الصراع في المجتمع الفلسطيني. ألف شاكيد خمسة كتب.
- محلل شؤون الشرق الأوسط لدى صحيفة “هآرتس”، عمل مسبقًا مبعوثًا للصحيفة في واشنطن. يحاضر في كلية “سابير”، وجامعة “بن جوريون”، ويبحث في سياسة وثقافة الشرق الأوسط. نال عام 2009 جائزة “سوكولوف” على إنجازاته.