أسفر الصراع المدمر في اليمن منذ عام 2015 عن أزمة اقتصادية وإنسانية حادة وشرد ملايين اليمنيين، بقي أغلبهم -حوالي 3.65 مليون[1]– داخل اليمن بينما نزح العديد إلى دول أخرى، مثل مصر، والسودان، وجيبوتي، والأردن، وماليزيا، والصومال؛ بحثًا عن الأمان.
وبحسب السفارة اليمنية في القاهرة، يترواح عدد المقيمين اليمنيين في مصر بين 500 ألف و700 ألف، ويُعد ذلك ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بعددهم قبل اندلاع الحرب إذ كان يبلغ حوالي 70 ألف فقط.[2] ولكن عدد اليمنيين المسجلين كلاجئين أو طالبي لجوء مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هو 9,200 فقط.[3] تستضيف مصر حوالي 250 ألف طالب لجوء ولاجئ من دول مختلفة مسجلين لدى المفوضية.[4]
لعبت مصر، تاريخيًّا، دورًا سياسيًّا بارزًا في الشؤون اليمنية. تتواجد الجالية اليمنية في القاهرة منذ عقود، ارتفع عدد أفرادها بشكل كبير منذ ثورة 1962. ولكن على الرغم من هذا التاريخ المشترك، يكافح الكثير من اللاجئين اليمنيين في مصر لتدبير أمورهم المعيشية إذ يواجهون صعوبات اقتصادية في ظل قلة فرص العمل؛ ويعانون لتغطية النفقات الطبية والتعليمية.
يسلّط هذا التقرير الضوء على الظروف الاقتصادية والمعيشية للاجئين اليمنيين في مصر، ويستند إلى مقابلات مع حوالي 20 لاجئًا يمنيًّا في القاهرة حول التحديات التي يواجهونها واحتياجاتهم والدعم الذي يتلقونه من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمات الخيرية. استخدم التقرير أسماء مستعارة لجميع اللاجئين الذين أُجريت معهم مقابلات لحماية خصوصيتهم. تقيم الكاتبة قبول، يمنية، في القاهرة منذ عام 2017، وهي أحد الأعضاء المؤسسين لمبادرة “مجتمع وجود”، ويديرها يمنيون لدعم حقوق اللاجئين في مصر.[5]
استضافت مصر جالية يمنية على مر الزمن كونها ملتقى طرق تجاري وثقافي بارز في العالم العربي. تنامت أعداد هذه الجالية، التي يقيم معظم أفرادها في القاهرة، عقب ثورة شمال اليمن عام 1962 ضد الإمامة والتي دعمها الرئيس المصري آنذاك جمال عبدالناصر. تلقى الكثير من اليمنيين التعليم على يد أساتذة مصريين في اليمن، حيث كان المنهج المعتمد هناك هو المنهج المصري حتى الثمانينيات. كان لهذه العوامل التاريخية والاجتماعية دورًا كبيرًا في قرار الكثير من اليمنيين النزوح إلى مصر بعد نشوب الصراع الحالي.
وحتى قبل الحرب، كانت مصر وجهة الكثير من اليمنيين لتلقي العلاج الطبي أو الدراسة أو السياحة حيث لم يحتاج اليمنيون إلى تأشيرة لدخول البلاد، وكان بوسعهم الإقامة بشكل دائم دون الحاجة إلى الحصول على تصريح.
ولكن بعد أن شنت السعودية حملتها العسكرية ضد جماعة الحوثيين المسلحة في شمال اليمن نهاية مارس/آذار 2015، فرضت مصر إجراءات جديدة وبات على اليمنيين الذين يريدون السفر إليها الحصول على تأشيرة دخول، كما يجب على اليمنيين الذين يريدون البقاء فيها الحصول على تصريح إقامة.[6] أُعفي من هذه الإجراءات من كان دون الثامنة عشر عامًا ومن يزيد عن الخمسين.[7] وبموجب هذه التدابير، تمنح مصر اليمنيين إقامة لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد بعد فترة من دخولهم البلاد.[8]
وحتى بعد فرض هذه الإجراءات، استمر اليمنيون بالسفر إلى مصر بهدف الإقامة هناك بشكل عام. وغالبًا ما يدخل اليمنيون البلاد بتأشيرة للعلاج الطبي، يُستلزم الحصول عليها تقرير طبي صادر عن وزارة الصحة ووزارة الخارجية في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، يؤكد التقرير الحاجة لتلقي الرعاية الصحية خارج اليمن.[9] وفي حين أن بعض اليمنيين بحاجة ماسة بالفعل لهذه الرعاية الصحية في المستشفيات المجهزة بشكل أفضل من مستشفيات اليمن، فإن العديد يحصلون على التقرير الطبي مع أنهم ليسوا بحاجة لتلقي أي علاج، والهدف تأمين دخولهم إلى البلاد. وفور وصولهم إلى مطار القاهرة وبحوزتهم التقرير، يُمنحون تصريح الدخول. وبعدها، عليهم الذهاب إلى مجمع المصالح الحكومية، مجمع العباسية، بغضون أسبوع للحصول على تصريح الإقامة.[10]
الكثير من اليمنيين الذين نزحوا من الحرب يسكنون في مصر كمقيمين بحوزتهم تصاريح إقامة وليسوا مسجلين كلاجئين أو طالبي لجوء لأسباب عدة؛ مثل رغبتهم الاحتفاظ بالقدرة على العودة إلى اليمن متى شاؤوا. أما المسجلون لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فمعظمهم من الطبقة الفقيرة التي تأمل بالحصول على المساعدة الاقتصادية الأساسية. ومن الجدير بالذكر أن المفوضية لا تجري عملية تحديد اللجوء لليمنيين في مصر بشكل روتيني إلا إذا كانت تنظر في إعادة توطينهم أو إذا كان ملفهم بحاجة إلى المزيد من التدقيق،[11] ولذلك، معظم اليمنيين المسجلين لدى المفوضية يُصنفون كطالبي لجوء وليس كلاجئين. ولأغراض هذا التقرير، يُشار إلى جميع اليمنيين المسجلين لدى المفوضية كلاجئين.
ينحدر اليمنيون المتواجدون في مصر من مختلف أنحاء اليمن وينتمون لطبقات اجتماعية وخلفيات ثقافية مختلفة، ويسكن معظمهم في القاهرة، على الجهة الغربية من نهر النيل، فيما يُعرف رسميًّا بالجيزة، وتحديدًا في أحياء فيصل وأرض اللواء والمهندسين والدقي. كما تقطن بعض العائلات اليمنية في مناطق بعيدة عن مركز المدينة، مثل مدينة السادس من أكتوبر.
وبالإضافة إلى اليمنيين، تستضيف مصر لاجئين وطالبي لجوء مسجلين لدى المفوضية من 57 دولة أخرى، معظمهم من سوريا، والسودان، وجنوب السودان، وإريتريا، وإثيوبيا.[12] وفي مصر، يتمتع اللاجئون وطالبو اللجوء بحق العمل شرط الحصول على تصريح عمل من الصعب الحصول عليه نظرًا للعوائق الإدارية.[13] كما بوسعهم الحصول على الرعاية الطبية في المرافق الصحية التابعة للدولة ولكن بعض الخدمات الطبية تطلب دفع مبلغًا من المال.[14] كما يحق لليمنيين ولطالبي اللجوء واللاجئين من سوريا والسودان وجنوب السودان الدراسة في المدارس الحكومية ويُعاملون كالطلاب المصريين من حيث الرسوم والتكاليف.[15]
أفادت المفوضية في فبراير/شباط 2019 أن عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين في مصر ازداد بنسبة 24% خلال العامين الماضيين.[16] تزامن هذا مع تحديات على صعيد التمويل إذ أن عمليات المفوضية في مصر لم تتلقَ سوى 46% من التمويل اللازم عام 2019.[17] وبحلول أغسطس/آب 2020، لم تتلقَ المفوضية سوى 35% من التمويل اللازم لعام 2020.[18] وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي إن ثمانية من أصل 10 لاجئين في مصر “يعيشون في أوضاع إنسانية بائسة، ولا يمكنهم تلبيّة أبسط احتياجاتهم.” وأضاف: “يحتاج هؤلاء اللاجئون إلى مساعدة إنسانية كافية وفي الوقت المناسب. ولكن مع ذلك، فنحن عاجزون الآن عن تزويدهم بالاحتياجات الضرورية أو المحافظة على برامجنا الأساسية لحماية اللاجئين في هذا البلد.[19]
تبلغ معدلات البطالة في أوساط اللاجئين وطالبي اللجوء في مصر مستويات مرتفعة،[20] بالموازاة مع ارتفاع معدل البطالة في مصر إلى 9.6% خلال الربع الثاني من عام 2020.[21] أما نسبة البطالة بين أفارقة جنوب الصحراء الكبرى واللاجئين وطالبي اللجوء العراقيين واليمنيين فبلغ حوالي 25 % خلال العام 2018.[22]
يتوجب على جميع الأجانب في مصر، بمن فيهم اللاجئون، الحصول على تصاريح عمل من أجل العمل، وهي عملية مرهقة ذات متطلبات صارمة.[23] بالتالي يعمل اللاجئون وطالبو اللجوء في الغالب في قطاع الاقتصاد غير الرسمي.[24]
معظم اللاجئين اليمنيين في القاهرة الذين يجدون فرص عمل يعملون بشكل غير رسمي في أماكن يديرها يمنيون، مثل المطاعم أو مقاهي الشيشة، ويعيش العديد منهم في ظل ظروف اقتصادية صعبة تفاقمت نتيجة جائحة كورونا، كما يعاني البعض من الديون المتراكمة وعدم القدرة على دفع الإيجار أو تأمين الاحتياجات الأساسية، وخاصة الأمهات العازبات، وكبار السن، والأشخاص ذوي الإعاقة.
وبشكل عام، تعيش العائلات اليمنية الفقيرة في أحياء القاهرة المكتظة والفقيرة، في حين تنحشر الأسر الكبيرة في شقق ضيقة كونها غير قادرة على تحمل تكاليف منازل أكبر. صحيح أن هذه الأُسر ربما كانت تعاني أيضًا من صعوبات اقتصادية في اليمن قبل الحرب إلا أنها غالبًا ما كانت تعيش في منازل تمتلكها، كما كانت قادرة على العثور على عمل بشكل أسهل. ولكن، في مصر، يفتقد اليمنيون شبكة الأمان التي يؤمنها المجتمع القوي والأواصر العائلية والقبلية التي غالبًا ما تساعدهم في التغلب على الصعاب الهائلة التي يواجهونها في وطنهم الأم، ما يخلق معاناة جديدة في بلد جديد.
وجدت التقييمات التي أجرتها منظمة كاريتاس في عام 2018، انخفاض معدلات إنفاق الأسر لحوالي 80% من اللاجئين وطالبي اللجوء من أفريقيا جنوب الصحراء والعراق واليمن، إلى ما دون الحد الأدنى لسلة إنفاق المفوضية،[25] وهي أحد مؤشرات الفقر.
في كثير من الحالات تقترض العائلات اليمنية التي تمر بظروف اقتصادية عصيبة أموالًا من الأصدقاء والأقارب لتغطية احتياجاتهم أو لدفع تكاليف العلاج الطبي. كما يحصل بعض اليمنيين على مساعدة من فاعلي الخير اليمنيين في مصر عبر التواصل الشخصي أو المبادرات المحلية، مثل مبادرة “مجتمع وجود” التي تعمل فيها الكاتبة، والتي لفتت انتباه الأثرياء اليمنيين إلى حالات المحتاجين.
تحدثت الكاتبة مع سوزان، وهي شابة من صنعاء كانت تعيش مع والديها وأشقائها الثلاثة منذ خمسة أعوام في وضع اقتصادي صعب في حي فيصل بالجيزة الذي تقطنه الطبقة العاملة.[26] تعمل سوزان في بيع البهارات والحناء لإعالة أسرتها ولكنها تقول: “بالكاد نستطيع الحصول على الطعام والشراب، ونادرًا ما نأكل اللحم أو الدجاج”.[27] كان أحد أشقائها يعمل في محل ملابس يملكه سوريون ويتقاضى راتبًا زهيدًا، مما ساعد الأسرة على دفع الإيجار وشراء الضروريات الأساسية، لكنه توقف عن العمل في بداية أزمة جائحة كورونا.
لاجئ يمني آخر يعيش في وضع اقتصادي صعب هو عبد الله البالغ من العمر 54 عامًا من الحديدة.[28] يعيش عبد الله في القاهرة منذ أربع سنوات، وحيدًا في ضواحي المدينة كون الإيجار هناك أقل تكلفة. قال عبد الله إن صاحب المنزل متفهم ويسمح له بالتأخر في دفع إيجاره البالغ حوالي 64 دولارًا أمريكيًّا في الشهر[29] والذي غالبًا ما يدفعه من خلال تبرعات صغيرة من الأصدقاء والمجتمع اليمني في القاهرة.[30]
عبدالله مسجّل لدى المفوضية ولكنه يتلقى دعمًا محدودًا على الرغم من تدهور حالته الصحية بسبب السكتة الدماغية التي تعرّض لها قبل 14 عامًا.[31] قال عبدالله إن إجمالي ما تلقاه هو دفعتين من رواتب الشتاء من المفوضية بقيمة 600 جنيه مصري لكل دفعة، أي حوالي 38 دولارًا أمريكيًا، ودفعة واحدة أخرى تبلغ حوالي 6 دولارات أمريكية أثناء جائحة كورونا.[32] اتصل عبدالله بالمنظمات الشريكة للمفوضية للمساعدة في دفع إيجاره أو فواتير العلاج لكن دون جدوى. “دائما ما أذهب إليهم للمتابعة، حتى يتمكنوا من إعادة تقييم حالتي ومساعدتي. أنا رجل أبلغ من العمر 54 عامًا، وعليّ أن أدفع ثمن تعريفة سيارات الأجرة وأن أجعلها تنتظرني (أثناء انتظاره في مكتب المنظمة) فمن الصعب عليّ السير بمفردي. الله كريم”.[33]
على الرغم من هذه القصص عن الصعوبات التي يواجهونها، إلا أن بعض اللاجئين اليمنيين تمكنوا من إيجاد وخلق فرص عمل. بدأت بعض النساء العمل من منازلهن، كمصففات شعر أو عاملات في الطبخ وتوصيل الطعام والحلويات للآخرين داخل المجتمع اليمني، وللمصريين أيضًا. على سبيل المثال، تهاني، امرأة يمنية مطلّقة جاءت إلى مصر عام 2018 وتعيش مع ابنتيها وشقيقتها، تصنع المعجنات في منزلها، وتبيعه للحصول على دخل بسيط. تتلقى تهاني أيضًا منحة غذائية صغيرة من المفوضية لها ولأطفالها. وعلقت عما تجنيه من المعجنات قائلة: “الدخل بسيط، لكنه يساعدني على الاستمرار”.
كما تقوم نساء أخريات بامتهان الحرف اليدوية مثل صياغة المجوهرات، وصنع السلال والحقائب الصغيرة، وكذلك تركيب العطور والبخور، وغالبًا ما يجرين عمليات الشراء عبر الإنترنت. تمكّن بعض الشباب من العثور على وظائف، غالبًا في المطاعم والمحلات التجارية ومقاهي الشيشة التي يديرها يمنيون. يعمل عدد قليل من اليمنيين مع المنظمات الخيرية، لكن الحصول على هذا النوع من العمل صعب؛ لأنه يتطلب خبرة وطلاقة في اللغة الإنجليزية.
تقدم المفوضية والمنظمات الشريكة لها المساعدة المالية للاجئين اليمنيين، مانحة الأولوية للفئات الأكثر ضعفًا، مثل الأسر التي تعيلها نساء وكبار السن وذوي الإعاقات الطبية.[34] كانت مصر عام 2018 أحد الدول المستفيدة من أكبر عشر عمليات تقديم للمساعدات النقدية للمفوضية[35] وهي معونات تهدف إلى تغطية نفقات المعيشة الأساسية، وتبلغ حوالي 115 دولارًا أمريكيًّا على الأكثر شهريًّا لكل أسرة.[36]
وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن قيود التمويل تعني عدم تلقي بعض المحتاجين المساعدة التي هم بحاجة إليها.[37] فلم يتلقَ سوى 21% فقط من اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين في مصر مساعدات نقدية شهرية في عام 2019، كما أن الموارد أكثر ندرة نسبيًّا بالنسبة للاجئين غير السوريين مقارنة بنظرائهم السوريين[38] وبحلول خريف عام 2020، كان 16% من اللاجئين في مصر يتلقون مساعدات نقدية شهرية.[39] بالإضافة إلى ذلك، تقدم المفوضية مساعدة نقدية خلال شهور فصل الشتاء للاجئين الضعفاء.[40]
سمحت الحكومة المصرية منذ عام 2013 للأطفال اليمنيين بالدراسة في المدارس المصرية مقابل نفس الرسوم التي يدفعها الطلاب المصريون.[41] أما قبل ذلك، لم يكن بإمكان اليمنيين الدراسة في المدارس الحكومية المصرية إلا في حال حصل أحد والديهم على منحة دراسية للدراسة في إحدى الجامعات الحكومية المصرية.[42] تأسست أول مدرسة يمنية في مصر عام 2017، وتستضيف القاهرة حاليًّا ثلاث مدارس يمنية خاصة، تدرس مناهجًا يمنية.[43]
وعلى الرغم من ذلك لا يزال عدد كبير من الأطفال اليمنيين في القاهرة غير مسجلين في المدارس.[44] يعود ذلك لعدة أسباب. أحيانًا ينسحب الأطفال من التعليم لمساعدة أسرهم في كسب المال، كما أن بعض العائلات غير قادرة على دفع الرسوم المدرسية التي تتراوح بين 10 دولارات و12 دولارًا في السنة.[45] تتميز العائلات اليمنية بكبر عدد أفرادها وبالتالي فإن بعضهم غير قادر على تحمل تكاليف إرسال جميع أطفاله إلى المدرسة. أضف إلى ذلك انقطاع تعليم بعض الأطفال بسبب الحرب والسفر، وعدم عودتهم إلى الدراسة بعد ذلك؛ إما لعدم رغبتهم في أن يكونوا متأخرين عن أقرانهم لمدة عام أو عامين، أو بسبب صعوبات التنقل في الحياة في بلد جديد.[46]
بالإضافة إلى ذلك، فقدت الكثير من العائلات وثائق مثل شهادات الميلاد وسجلات التعليم في اليمن، مما حال دون تسجيل أطفالهم في المدارس. صحيح أن السفارة اليمنية في مصر تصدر شهادات ميلاد جديدة لمواطنيها، لكن السجلات المدرسية يجب الحصول عليها من اليمن،[47] وهذه الوثائق تُعد من شروط تسجيل الأطفال اليمنيين في المدارس المصرية.
أوضح اللاجئ أبو علي أن اثنتين من بناته لم تتمكنا من الاستمرار في تعليمهما؛ لأنهما لم تمتلكا الأوراق أو شهادات الميلاد المطلوبة للالتحاق بالمدرسة. وأضاف أن الوثائق احترقت خلال غارة جوية دمرت منزلهم في صنعاء.[48]
تعاني إحدى بنات أبو علي من ضمور دماغي، ولم يتمكن والدها من دفع تكاليف علاجها، كما لم يستطع دفع تكاليف معاملات الوثائق الجديدة والرسوم المدرسية. قال أبو علي: “يأتي الطعام أولاً. أدعو الله أن يتمكنوا من الذهاب إلى المدرسة، ولكن ماذا أفعل للحصول على الأوراق؟ من أين آتي بها؟ ليس لدينا المال، وآمل أن يعيننا الله.”[49]
تأخر بعض الأطفال اليمنيين عن الدراسة بسبب الانقطاع عن الدراسة نتيجة الحرب والسفر، ويرفض بعضهم الالتحاق بالمدرسة بسبب وصمة العار الاجتماعية المتمثلة في الدراسة مع زملاء أصغر سنًا منهم.
وفي حين يدفع الطلاب اليمنيون الملتحقون بالمدارس الحكومية المصرية نفس الرسوم الدراسية التي يدفعها الطلاب المصريون،[50] إلا أن الآباء اليمنيين غالبًا ما يواجهون صعوبة في دفع رسوم الدروس الخصوصية، التي أصبحت جزءًا مهمًا من نظام التعليم المصري وغالبًا ما تُعد ضرورية للطلاب لمواكبة دراساتهم.[51]
تُشكّل هذه الدروس الخصوصية عبئًا ماليًّا إضافيًّا على العائلات، فعلى سبيل المثال، قالت أم عبدالرحمن، وهي أم يمنية لثلاثة أطفال من محافظة تعز، إنها تتلقى منحة دراسية من هيئة الإغاثة الكاثوليكية في مصر، والتي توفر التمويل لرسوم تسجيل أطفالها في كل فصل دراسي، لكنها لا تكفي لتغطية الرسوم الدراسية والكتب وأقساط الدروس الخصوصية.[52]
قالت أم عبدالرحمن: “التعليم صعب هنا، فإذا لم أدفع مقابل الدروس الخصوصية، سيصعّب المدرسون الأمر على أطفالي، لذلك يجب أن أدفع.” ما يزال أولادها يذهبون إلى المدرسة، ولكن للقيام بذلك؛ بالكاد تستطيع هذه الأسرة الصغيرة التأقلم مع الظروف، وهو الوضع الذي تعيشه العديد من العائلات اليمنية.[53]
يلتحق بعض الأطفال اليمنيين بمدارس سودانية أو سورية، وهي أغلى من المدارس الحكومية المصرية، ولكنها ليست باهظة التكلفة مثل المدارس الخاصة أو المدارس اليمنية. تدرّس المدارس السورية المنهج المدرسي المصري ويُمتحن طلابها في المدارس المصرية، أما السودانية فتدرّس المنهج السوداني. إذا استطاع اللاجئون اليمنيون تحمل تكاليف ذلك، فقد يسجلون أطفالهم في هذه المدارس لأنها أقل ازدحامًا من المدارس الحكومية المصرية.
خلال السنوات الأخيرة، افتُتحت ثلاث مدارس يمنية في مصر، اثنتان في حي المهندسين وواحدة في حي الهرم، لكن هذه المدارس غير معتمدة من قِبل وزارة التربية والتعليم المصرية، ولكن لديها اعتماد من وزارة التربية والتعليم في اليمن.[54] بطبيعة الحال، يجد الأطفال اليمنيون أنه من الأسهل أن يتأقلموا فيها؛ كون المعلمون يمنيون والمناهج يمنية. لكن هذه المدارس تكلّف أكثر بكثير من المدارس الحكومية، فالمدارس اليمنية تُعد مدارس خاصة، والمنظمات الإغاثية لا تقدم مساعدات مالية للاجئين من أجل دراسة أطفالهم في مدارس خاصة. تقدم هذه المدارس منحًا دراسية للأسر اليمنية الأكثر فقرًا للمساعدة في تكلفة التعليم، لكن تلك المنح محدودة العدد.
أم صالح، لاجئة يمنية وأم عزباء سجلت ابنها في مدرسة يمنية، حصلت على خصم في الرسوم الدراسية من إدارة المدرسة، لكنها لم تعد قادرة على دفع الرسوم المتبقية، قالت: “لقد سجلت ابني في المدرسة لأنها مدرسة يمنية، فقد أراد أن يكون له زملاء يمنيون، وقدمت لي المدرسة خصمًا. لكنّي الآن لا أمتلك المال لدفع تكاليفها، وعليّ أن أدفع الرسوم المتبقية حتى يتمكن من مواصلة الدراسة للفصل الدراسي الثاني، أو سيتعيّن عليه ترك الدراسة”.[55]
جاءت خديجة، وهي لاجئة تقطن حاليًّا في أرض اللواء، إلى مصر في أبريل/نيسان 2018 لتلقي العلاج الطبي مع أطفالها الأربعة وبقيّت في البلاد، وهي مسجلة لدى المفوضية.[56] ترك جميع أطفال خديجة – التي فقدت زوجها في اليمن – المدرسة لأنها غير قادرة على دفع الرسوم الدراسية وغيرها من المصاريف المدرسية، مثل الكتب والأدوات المكتبية. “لا توجد أم لا تريد لأطفالها الدراسة والعمل لتحسين مستقبلهم وحياتهم. فعلت كل ما بوسعي، كل هذا من أجلهم. أنا والدتهم، ووالدهم، وأختهم، وكل شيء. الحمد لله ولكني لم أستطع دفع رسومهم الدراسية.”[57]
تُقدم منح دراسية من قِبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمات أخرى للأطفال اللاجئين وتغطي نحو 40% من رسومهم الدراسية.[58] وتلقّى نحو 48,400 طفل هذه المنح عام 2019.[59]
بعد ثورة 26 سبتمبر عام 1962، بدأ اليمنيون في السفر إلى مصر لتلقي الرعاية الطبية بوتيرة متزايدة، كان الأمر عملية سهلة نسبيًّا حيث لم تكن مصر تطلب تأشيرات لليمنيين في ذلك الوقت، وكانت أيضًا أحد الخيارات الأرخص للعلاج في الخارج. كما كانت مستشفيات القاهرة تقدم رعاية طبية أفضل بشكل عام من اليمن.
استمر هذا التقليد خلال الحرب، حيث يأتي اليمنيون إلى مصر لتلقي العلاج من الأمراض المزمنة، مثل السرطان أو أمراض الكبد، كون المستشفيات في اليمن، التي تعاني من وضع صعب، غير مجهزة لعلاجها. كما يقصد اليمنيون الذين أصيبوا في الحرب والقتال مستشفيات القاهرة للعلاج. يُعد السفر إلى مصر عن طريق التأشيرة الطبية أحد أكثر الطرق شيوعًا بالنسبة لليمنيين للوصول إلى القاهرة منذ فرض الإجراءات الجديدة على اليمنيين.
بعد الوصول إلى القاهرة، يسجل العديد من اليمنيين الذين يسعون للحصول على الرعاية الطبية لدى المفوضية؛ على أمل أن تدفع الأمم المتحدة تكاليف علاجهم، حيث يتمتع طالبو اللجوء واللاجئون بإمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية الحكومية في مصر، لكن ذلك ليس مجانيًّا، وقد تكون خدمات مثل الجراحة والعلاج الكيميائي وغسيل الكلى مكلفة.
يقول بعض اللاجئين اليمنيين الذين يحتاجون إلى مساعدة طبية لكن لا يستطيعون تحمل تكاليفها، إنهم غير قادرين على الحصول على هذه المساعدة من المفوضية أو المنظمات الخيرية. في بعض الحالات يفتقر اللاجئون إلى الوعي أو المعرفة بماهية المساعدات المتاحة لهم أو لا يستوفون المعايير الموضوعة من قبل منظمات الإغاثة للتأهل للحصول على المساعدة.
هربت حنان إلى القاهرة عام 2017 مع زوجها الذي كان يحتاج إلى عمليتين جراحيتين لمشاكل في الجهاز الهضمي.[60] وسجل كليهما لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لكنهم يقولون إنهم لا يعرفون المنظمة التي يجب التواصل معها للحصول على المساعدة لدفع تكاليف العمليات الجراحية، وبالتالي دفعوا تكاليف العلاج البالغة نحو 1,500 دولار أمريكي،[61] في وقت لاحق، أخذ زوج حنان ملفه الطبي إلى مكتب كاريتاس للحصول على مساعدة مالية لدفع تكاليف العلاج الإضافي، ولكن المقابلة التي كان من المقرر إجراؤها في يونيو/حزيران أُلغيت بسبب مخاوف من جائحة كورونا. يقول الزوجان إنهما لم ينجحا في إعادة جدولة الموعد.[62]
أما صفاء، لاجئة يمنية من صنعاء، فقد فرّت إلى مصر عام 2018 وهي مسجّلة لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. تعاني صفاء من التهاب المفاصل الروماتويدي المؤلم لكنها لا تستطيع تحمل تكاليف الدواء.[63] قالت إن المفوضية طلبت منها التوجه إلى كاريتاس للحصول على الدعم الطبي، لكن كاريتاس قالت إنها لا تستطيع مساعدتها إذا كانت لا تزال قادرة على المشي ولا تستخدم كرسي متحرك.[64]
يلجأ بعض اللاجئين اليمنيين إلى طلب المساعدة من الأفراد ورجال الأعمال اليمنيين الأثرياء لدفع تكاليف بعض العلاجات مثل العلاج الكيميائي، في حين لا يتلقى الآخرون العلاج الذي يحتاجونه على الاطلاق كونهم لا يستطيعون تحمل تكاليفه ولا يمكنهم العثور على أي شخص يدفع تكاليفه.
ومع ذلك فإن المفوضية والمنظمات الشريكة لها تملأ فجوة حيوية في احتياجات الرعاية الصحية للعديد من اللاجئين. على سبيل المثال توفر كاريتاس الرعاية الصحية الأولية للاجئين من خلال العديد من العيادات الحضرية،[65] بينما تقدم منظمة إنقاذ الطفولة خدمات رعاية الأمومة والطفولة وتساعد الأطفال في الحصول على الرعاية الصحية.[66] وتعمل المفوضية على تحسين نظام الرعاية الصحية الحكومي المصري وجعله أكثر فعالية من حيث التكلفة للاجئين وطالبي اللجوء.[67] ويقدم برنامج هيئة القديس أندرو – وهو برنامج لدعم اللاجئين في كنيسة القديس أندرو بوسط القاهرة – للاجئين المشورة الطبية لمحاولة مساعدتهم على التواصل مع الجهات التي تؤمّن الدعم الطبي الذي يحتاجون إليه.[68] لكن بالنسبة لخدمات الرعاية الصحية يجب على اللاجئين المتابعة مع المنظمات بأنفسهم، وهي عملية بيروقراطية غالبًا ما تكون مرهقة ومتعبة.
على سبيل المثال، قال فتحي، وهو لاجئ يمني يبلغ من العمر 21 عامًا ويقيم في القاهرة منذ عام 2018، إنه سعى للحصول على الدعم من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة إنقاذ الطفولة وكاريتاس وأخيرًا كنيسة القديس أندرو لمعالجة مشاكل طبية ناجمة عن بتر ساقه.[69] وقال إن منظمة إنقاذ الطفولة أعطته طرفًا اصطناعيًا عام 2018، وإن كاريتاس قدمت له دعمًا ماليًّا قدره 62 دولارًا أمريكيًّا شهريًّا لفترة محدودة عام 2019، ومؤخرًا ساعدته كنيسة القديس أندرو على التواصل مع طبيب، لكنه ما يزال غير قادر على تحمل تكاليف العلاج الذي يحتاجه.[70]
تقدم بعض المنظمات الشريكة للمفوضية خدمات الدعم النفسي للاجئين، كما تفعل ذلك أيضًا المبادرات المحلية مثل “مجتمع وجود”. بعض اللاجئين اليمنيين يسعون للاستفادة من هذه الخدمات، ولكن ليس من المعتاد في الثقافة اليمنية طلب هذا النوع من المساعدة، وبالتالي ما يزال البعض مترددًا في طلب هذه الخدمات بسبب وصمة العار السلبية.
بالنسبة للاجئين اليمنيين في مصر، تبيّن أنه من الصعب عليهم معرفة الخدمات المتاحة لهم وكيف يستفيدون منها، فضلًا عن أن هذا يستغرق وقتًا طويلًا أيضًا. أخبر بعض اللاجئين اليمنيين الكاتبة أنهم وجدوا أنفسهم ينتظرون في طوابير لساعات على أمل تلقي المساعدة، ليكتشفوا في النهاية أنه يجب عليهم العودة في اليوم التالي، أو أنهم لم يكن لديهم الأوراق الصحيحة المطلوبة، أو أنهم غير مؤهلين للحصول على الخدمات المتاحة. وقد أدى ذلك إلى خلق حالة من الإحباط بين العديد من اللاجئين اليمنيين تجاه المفوضية ومنظمات الإغاثة بشكل عام.
أخبرت اللاجئة اليمنية، أم فاروق، الكاتبة عن تجربة زوجها في محاولة الحصول على رعاية طبية للانزلاق الغضروفي،[71] إذ ذهب إلى المستشفى، وقيل له هناك إنه يجب عليه تجديد أوراقه الطبية في كاريتاس لتلقي العلاج التكميلي، وبعد الانتظار لعدة ساعات في عيادة كاريتاس للحصول على الأوراق الجديدة، قيل له إن أوراقه سليمة ولا تحتاج إلى تجديد[72] ولكنه لم يعد إلى المستشفى ولا إلى عيادة كاريتاس بسبب انزعاجه مما حدث.
علاوة على ذلك، يشعر غالبية اللاجئين اليمنيين في مصر الذين تحدثت معهم الكاتبة بأن قضاياهم لا تؤخذ على محمل الجد مثل قضايا الأفراد من الجنسيات الأخرى، خاصة اللاجئين السوريين والسودانيين. في حالات نادرة، يُمنح اللاجئون إعادة توطين دائمة في دول مثل الولايات المتحدة، وكندا، والدول الأوروبية. على الصعيد العالمي كان اللاجئون السوريون والكونغوليون والأفغان والصوماليون والإريتريون من بين أكثر الأشخاص الذين أعادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين توطينهم عام 2019. بينما في مصر، كان معظم اللاجئين المقدمين لإعادة التوطين سوريين وسودانيين وإريتريين.[73] وأعيد توطين 4 آلاف لاجئ فقط من مصر عام 2019 وكان معظمهم من السوريين والسودانيين. من النادر للغاية أن تقدم المفوضية السامية إعادة التوطين للاجئين اليمنيين، وهذا يضاعف من الشعور السائد بينهم من أن محنتهم يتم التغاضي عنها. كما أن برامج الأمم المتحدة للاجئين السوريين أكبر من برامج اللاجئين الآخرين مجتمعة،[74] في حين أن السوريين يشكلون حوالي نصف عدد اللاجئين في مصر،[75] وهو ما يؤدي إلى عدم المساواة في الخدمات المقدمة لغير السوريين.[76]
مبادرة منتدى سلام اليمن هي منبر مسار ثان للمجتمع المدني والشباب، ييسره مركز صنعاء بتمويل من وزارة الخارجية الهولندية في هولندا. تسعى هذه المبادرة التفاعلية إلى الاستثمار في بناء وتمكين الجيل القادم من الشباب والجهات الفاعلة في المجتمع المدني اليمني وإشراكهم في القضايا الوطنية الحرجة. بناءً على الهدف الأساسي لمركز صنعاء المتمثل في إنتاج المعرفة بالأصوات المحلية، تسعى هذه المبادرة إلى التطوير والاستثمار في محللي السياسات الشباب والكتاب من جميع أنحاء اليمن.