لقد تغير الكثير بالنسبة لشباب اليمن منذ أن لعبوا ذلك الدور الحاسم في الإطاحة بالرئيس السلطوي للبلاد، علي عبد الله صالح، عام 2012. في بلد حوالي 75% من سكانه البالغ عددهم أكثر من 30 مليون نسمة، تقل أعمارهم عن 30 عامًا، كان العديد من هؤلاء الشباب يأملون أن الإطاحة بصالح تعني أنهم على بعد خطوات فقط من تحقيق انتقال سلمي إلى يمن جديد.
ولكن، بعد سنوات من الحرب، أدت العواقب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للصراع إلى إحداث تحول في احتياجات وأولويات الشباب في البلاد. في الواقع، يعيش معظمهم الآن في “يمن جديد” يختلف عن اليمن الذي سعوا إليه. والآن، هم موجودون في بلد مشرذم يعاني من انهيار الاقتصاد وتمزق التماسك الاجتماعي وانسداد الأفق نحو الأمام حيث غالبًا ما تؤدي السبل الضيقة إلى ساحة المعركة والمزيد من المعاناة.
هذا التقرير هو نتيجة دراسة نوعية تستكشف كيف أثرت الحرب الدائرة في اليمن على احتياجات وأولويات الشباب في البلاد، مقارنة بوضعهم قبل اندلاع الصراع. و يعتمد على مناقشات مجموعات التركيز، و 18 مقابلة معمقة أجريت مع شباب يمنيين هم باحثون ونشطاء وموظفون في منظمات غير حكومية محلية ودولية، وأعضاء في تحالفات بناء السلام التي يقودها الشباب، وشباب من المجتمعات المهمشة.
وجد التقرير أن الأولويات والاحتياجات الأكثر إلحاحًا للشباب اليمنيين حاليا تتمحور حول:
تُقدم التوصيات التالية للعمل إلى الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية ومنظمات التنمية والمجتمع الدولي:
يهدف هذا التقرير إلى فهم كيفية تأثير الحرب المستمرة على أولويات واحتياجات الشباب اليمني وتغيرها منذ مارس/آذار 2015. كما يستكشف ما إذا كان شباب وشابات اليوم ما زالوا متمسكين بالتطلعات والرؤى والأولويات التي ظهرت خلال انتفاضة 2011، التي قادها الشباب، وعملية الانتقال التي أعقبت نظام صالح.
للوصول إلى هذا الفهم، استفاد التقرير من الزخم المتزايد لأجندة الشباب والسلام والأمن بين بناة السلام اليمنيين الشباب، وتحالفات السلام والمجموعات والمبادرات والمنظمات التي يقودها الشباب/تركز على الشباب. كما استفاد من مطالب هذه الكيانات المستمرة بإدماج الشباب في عملية السلام، وفي جميع مستويات صنع القرار.
كما يستخدم التقرير ركائز قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2250 (المشاركة والحماية والوقاية والشراكة وفك الارتباط وإعادة الإدماج)، لتوجيه الشباب اليمني في التعبير عن أولوياتهم واحتياجاتهم الأكثر إلحاحًا، بعد سبع سنوات من النزاع المسلح الوحشي.
ويجمع التقرير أيضًا بين مراجعة الأدبيات الموجودة وطرق جمع البيانات النوعية. تشمل هذه الأساليب، على سبيل المثال لا الحصر، المقابلات المعمقة ومقابلات مع مقدمي المعلومات الرئيسيين ونقاشات مجموعات التركيز.
تم جمع البيانات بين شهري يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول 2021. وأجريت 18 مقابلة معمقة ومقابلات مع مقدمي المعلومات الرئيسيين، تسعة شبان وتسع شابات، تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عامًا. أجريت المقابلات شخصيًا أو عبر الهاتف أو عبر برنامج زوم. وكان من بين المشاركين شباب يعملون مع منظمات بناء السلام المحلية التي يقودها الشباب، والمنظمات الإنسانية غير الحكومية ومبادرات خدمة المجتمع التي يقودها الشباب، فضلاً عن باحثين ونشطاء وشباب من المجتمعات المهمشة، والأرياف، ومقاتلين سابقين، وشباب في المهجر، ومن النازحين داخليًا، وأعضاء في تحالفات السلام الشبابية.
ومن بين المستجيبين، كان هناك بعض الذين أجروا دراسات بحثية في السابق حول الشباب، أو أحاطوا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن وضع الشباب في اليمن، أو شاركوا في جهود الوساطة المحلية.
كان المستجيبون الـ 18 من ثماني محافظات هي: عدن، صنعاء، تعز، لحج، إب، أبين، الحديدة وحضرموت. وتشمل المحافظات المذكورة أعلاه مناطق سيطرة الحوثيين، ومناطق خاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، ومناطق خاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي. ساعد اختيار المشاركين من مختلف المناطق في تحليل كيفية تأثير الحرب على حياة الشباب والشابات في أجزاء مختلفة من البلاد.
بالإضافة إلى المقابلات مع مقدمي المعلومات الرئيسيين، تم إجراء مناقشات مجموعة التركيز في عدن وحضرموت، مع القادة الشباب والشابات المشاركين في برنامج شبكة القيادات الشبابية اليمنية، الممول من قبل فريدريش إيبرت (عدن)، وفي برنامج منتدى سلام اليمن التابع لمركز صنعاء (المكلا). تضمنت كل مجموعة من مجموعات التركيز 12 مشاركًا من الجنسين (شباب وشابات)، بما في ذلك صحفيين وفنانين وقادة منظمات مجتمع مدني وكتاب ومؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي وبناة سلام ومتطوعين في الأمم المتحدة وشباب من الأقليات والفئات المهمشة وعاملين في المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية.
يتمثل أحد القيود الرئيسية لهذه الدراسة في الوضع الأمني في اليمن، والذي لعب دوراً في كيفية استجابة بعض مقدمي المعلومات الرئيسيين للدعوة للمشاركة في الدراسة. وافق بعض المشاركين على المشاركة بشرط عدم الكشف عن هويتهم. شعر الآخرون الذين تم تضمينهم في الأصل في قائمة مقدمي المعلومات الرئيسيين المخططة في البداية بالتردد وطلبوا عدم المشاركة. جاءت جميع هذه الحالات من أشخاص يعيشون في مناطق يسيطر عليها الحوثيون. لم يتم إجراء حلقات نقاش مركزة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
التحدي الآخر كان حالة الكهرباء غير الموثوق بها في عدن، حيث يقيم المؤلف. انقطع التيار الكهربائي لفترات طويلة كل يوم بين يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول 2021، مما أثر بشكل كبير على كل جانب من جوانب حياة الأشخاص الذين يعيشون في المدينة، وشكل عاملًا أساسيًا في إشعال الاحتجاجات الشعبية هناك في سبتمبر/أيلول. كان هذا تحدٍ واجهه أيضًا بعض المشاركين. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما كانت شبكات الهاتف المحمول في عدن لا تعمل، الأمر الذي شكل تحدٍ آخر عند إجراء المقابلات.
في السنوات التي سبقت انتفاضة 2011، كان الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد قاتمًا بالفعل.[1] كان اليمن أفقر دولة عربية وواحدة من أقل البلدان نموا في العالم. وتوقع تقرير أهداف التنمية الألفية الوطنية للأمم المتحدة لعام 2010[2] أنه من غير المرجح أن تحقق البلاد العديد من أهدافها، مثل الحد من الفقر المدقع والجوع بمقدار النصف. وأشار التقرير إلى فشل الدولة في توفير احتياجات مواطنيها البالغ عددهم – حينها – 23 مليون نسمة.
وكان معظم هؤلاء المواطنين من الشباب. عام 2010، كان 75% من السكان دون سن الثلاثين، مما جعل اليمن أحد البلدان التي لديها أكبر نسبة شباب. غالبًا ما اعتبر المحللون هذا على أنه مشكلة وليس فرصة – إنها قنبلة زمنية ديموغرافية أكثر من كونها عائدًا ديموغرافيًا محتملاً.[3] وطلبت الحكومة اليمنية مساعدة الجهات المانحة لخفض معدل الخصوبة، حيث توقعت أرقام من مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان بصنعاء عام 2008، أن يبلغ عدد سكان اليمن 60 مليون نسمة – ثلاثة أضعاف المستوى في ذلك الوقت – بحلول عام 2050. وقال مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان إن النمو المتوقع ينذر بالخطر وإنه يطرح تحديات إنمائية كبيرة.[4]
في حين أن الشباب نفسهم لا يشكلون تهديدًا لاستقرار اليمن، فإن وضعهم مع ذلك خطير،[5] فقد واجهوا الفساد المستشري، والموارد المتضائلة، والبطالة المرتفعة للغاية، والفقر، والانقسامات السياسية، والصراعات المتكررة (والمفتعلة على الأرجح).[6] كانت النخبة السياسية في صنعاء، بقيادة الرئيس صالح، تلعب لعبة العروش اليمنية بدلاً من معالجة هذه المخاوف والمظالم.[7]
في الواقع، كان نهج الدولة اليمنية تجاه الشباب غير ملائم وقصير النظر لعقود. لم ترد كلمة “شباب” إلا مرة واحدة في الدستور اليمني، بينما لم تضع حكومتا عبد القادر باجمال (2001-2006) وعلي محمد مجور (2006-2011) أي سياسات خاصة بالشباب.
كانت الاستراتيجية الوطنية للأطفال والشباب لعام 2005، التي كان من المقرر تنفيذها من عام 2006 إلى عام 2015، إحدى الاستثناءات، والتي تم وضعها إلى حد كبير كجزء من الجهود العالمية لإضفاء الطابع المحلي على أهداف الأمم المتحدة الإنمائية للألفية. وقد اشتملت على 12 مجالًا للسياسات، أربعة منها تستهدف الشباب والباقي يستهدف الأطفال.
أشار تقييم للاستراتيجية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن ومرصد الشباب اليمني عام 2013، إلى إيجابية بعض العناصر، حيث أخذت الاستراتيجية في الاعتبار المخاطر والفرص التي يواجهها الأطفال والشباب على مدار دورة حياتهم بأكملها، وركزت على حماية الشباب والأطفال. حدد التقييم أيضًا نقاط الضعف، وخلص إلى أن دور الشباب في تطوير الاستراتيجية كان ضئيلًا للغاية – اقتصر إلى حد كبير على المشاركة في لجنة استشارية. كما لم تكن الاستراتيجية قائمة على رؤية وطنية أو التزام وطني وفهم لاحتياجات وأولويات الشباب والأطفال.[8] ولاحظ شاب تمت مقابلته أثناء إعداد هذا التقرير أن الاستراتيجية عرفت “الشباب” بأنهم من تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا، ورأى أن هذا التعريف يشوبه اختلالات.
خلص تقييم عام 2013، إلى أن السياسات الحكومية المتعلقة بالشباب، لم تفعل ما يكفي لتحقيق إمكاناتهم غير المستغلة، وأنها أهملت باستمرار احتياجاتهم وأولوياتهم. كان هناك “عدد من أوجه القصور والاختلالات في طريقة تناول قضايا الشباب على مدار السنوات الماضية، مما أدى إلى تفاقم مشاكل الشباب”. من بين هذه المشكلات، كان هناك عدد من الأعراف والتقاليد الاجتماعية السلبية التي جعلت تبني استراتيجية وطنية خاصة بالشباب أمرًا لا بد منه. ويشمل ذلك مضغ القات والثأر وانتشار الأسلحة والزواج المبكر وضعف نظام التعليم والاستقطاب السياسي والاستغلال.[9]
في عام 2011، تظاهر مئات الآلاف من اليمنيين على مدى شهور ضد الرئيس السابق صالح، الذي كان في السلطة لأكثر من 30 عاماً. وفي المقابلات، نظر المجيبون في الأسباب الكامنة وراء تلك الانتفاضة. وقاموا بذكر نظام المحسوبية الراسخ، والتفاوتات الاجتماعية، والإقصاء الاجتماعي، والافتقار إلى الرؤية الرسمية أو الاهتمام بتمكين الشباب اقتصاديًا وسياسيًا.
قالت شابة ناشطة في العديد من تحالفات ومنتديات بناء السلام الشبابية من عدن، “حوصر الشباب والشابات في اليمن دون ضوء في نهاية النفق. لم تكن هناك وظائف للأشخاص الذين تخرجوا من الجامعة قبل عدة سنوات، وفرص تعليمية غير كافية ولا آفاق للنمو، حيث ذهبت جميع الفرص لمن هم في السلطة”.
ورأت مستجيبة أخرى، وهي شابة من بناء السلام في إب، أن الشباب يريدون إنهاء “البؤس الاقتصادي السائد” والمحسوبية التي جعلت “الشباب يشعرون بعدم الأمان بشأن مستقبلهم”. وقال أشخاص آخرون تمت مقابلتهم إنه كان على الحكومة معالجة مشاكل محددة في مناطق جغرافية محددة، لا سيما المناطق الريفية.
قال البعض إن زخم موجة الانتفاضات التي يُشار إليها على نطاق واسع باسم “الربيع العربي” أتاح لأحزاب المعارضة الفرصة لإنهاء سنوات من الجمود السياسي مع الحزب الحاكم، المؤتمر الشعبي العام.
عندما نزلت حشود من الشباب اليمني إلى الشوارع في فبراير/شباط 2011، كانت المطالب الأولية للشباب هي الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد.[10] وكان الشباب وطلاب الجامعات والخريجون الجدد الذين ليس لديهم انتماءات سياسية[11] مدفوعين أيضًا برغبتهم في دولة مدنية شاملة تعزز المساواة. وأشاد المعلقون المحليون والدوليون بالشباب بوصفهم “أبطال التغيير التحولي”[12] لشجاعتهم والطبيعة السلمية للاحتجاجات، على الرغم من مشاركة رجال قبائل من مناطق مدججة بالسلاح في اليمن.
في الشهرين الأولين من الانتفاضة، استغل الشباب حقيقة أن العديد من الفصائل كانت تعيش معًا في موقع واحد في صنعاء يطلق عليه اسم ساحة التغيير. ووجدوا فرصًا للتواصل مع الفاعلين السياسيين والتعبير عن رغبتهم في كسر استبعادهم الطويل من المشاركة السياسية، فشكلوا تحالفات وحركات ومنتديات، بما في ذلك مجلس التنسيق لشباب الثورة اليمنية، الذي وصفته سيلفانا توسكانا، أستاذة مساعدة بكلية ديفيدسون، على أنه “إنجاز مذهل.”[13] كان مجلس التنسيق لشباب الثورة اليمنية قادرًا على لعب دور الوسيط بين مجموعات الشباب المختلفة التي تشكلت داخل ساحات الاحتجاج في جميع أنحاء البلاد. وحاول خلق توافق بين هذه المجموعات المختلفة على قائمة من 13 مطلبًا، بشأن طبيعة الانتقال السلمي في المستقبل،[14] بما في ذلك المواطنة المتساوية، وإعادة هيكلة الجيش ضمن هيكل موحد وشفاف، واستقلال القضاء.
لقاء أشخاص مثل المفكرين والصحفيين والسياسيين والفنانين والأكاديميين، لم يشجع الشباب على التفكير في التغيير السياسي وحسب ولكن على التفكير أيضًا بتغيير المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في اليمن.[15] ومع اكتساب هذه المرونة والثقة حينها، قدموا أولوياتهم التي أعادوا تحديدها. ووجدوا مشاركة هادفة وشراكة حقيقية مع القادة السياسيين التقليديين والتقدميين، بينما وجدوا أيضًا أن هذه الظروف كانت شرطًا أساسيًا لإحداث التغيير الذي كانوا يسعون إليه. حددت النقطة الخامسة من خطة العمل المكونة من 13 نقطة دورًا رئيسيًا للشباب، مشيرة إلى “تشكيل مجلس وطني انتقالي يضم ممثلين عن الشباب وجميع القوى السياسية والوطنية”.[16]
مع الانتفاضة التي استمرت قرابة عام كامل، تمكنت مجموعات الشباب الثوري من تطوير القدرات، وتمكين أنفسهم بالأدوات التي يحتاجونها للتعامل مع التحديات المتعددة التي واجهوها. ولكن، منح طول الانتفاضة الأحزاب السياسية التقليدية الوقت لاختراق مجموعات الشباب واستمالة قادتها وأعضائها.[17]
كما فشلت أكثر من 70 مجموعة شبابية نشطة في ساحة التغيير، في الاتحاد تحت قيادة واحدة وأيديولوجية سياسية واحدة، وبالتالي أصبحت مجزأة.[18] ففي العديد من المناسبات، على سبيل المثال، كان الشباب المستقلون البارزون يغادرون ساحة التغيير احتجاجًا على تأثير المنتسبين إلى حزب الإصلاح على القرارات المتخذة هناك. وكما أوضحت الباحثة نادية السقاف: “المشكلة بالنسبة لشباب اليمن أنهم لم يمارسوا الديمقراطية بأي معنى تنظيمي حقيقي قبل الآن. باستثناء عدد قليل من النشطاء، الذين ما زالوا منقسمين فيما بينهم على المستويات الفكرية والإيديولوجية، فإن بقية شباب الثورة ليس لديهم أي فكرة عن كيفية تنظيم أنفسهم”.[19]
تطلب الاستمرار في الاحتجاج لفترات طويلة أيضًا قدرات لوجستية وتنظيمية ومالية يفتقر إليها الشباب المستقلون، ولكن كان بوسع الأطراف السياسية القائمة أن توفرها. وبالتالي اعتمد تأمين الطعام والشراب والمواد اللازمة للافتات والدعاية وجميع الأدوات الأخرى اللازمة لمواصلة النشاط في ميدان التغيير بشكل كبير على الدعم من خلال الجهات السياسية الفاعلة – وخاصة أولئك المرتبطين بحزب الإصلاح.
مكنت هذه العوامل في نهاية المطاف أحزاب المعارضة القائمة من توجيه الانتفاضة لصالحها.
في 18 مارس/آذار 2011، نظم عشرات الآلاف من المتظاهرين مسيرة في ساحة التغيير أطلقوا عليها اسم “جمعة الكرامة”. مع انتهاء صلاة الجمعة، فتح رجال يرتدون ملابس عسكرية النار وقتلوا 45 متظاهرا على الأقل.[20] في أعقاب المذبحة، ومع ضعف معنويات حركات الشباب الناشئة، تمكنت جماعة المعارضة المعروفة باسم تكتل أحزاب اللقاء المشترك من تولي زمام القيادة في الحركة الثورية. وأصبح التكتل صانع القرار الرئيسي داخل وخارج الساحات الثورية في جميع أنحاء البلاد وشكل مجلس يسمى “اللجنة الثورية”، مستفيداً من موارد الأحزاب التنظيمية والمادية القائمة.
وفي أعقاب المذبحة، انضم اللواء علي محسن الأحمر، الحليف الأقرب لصالح لفترة طويلة (ويمكن القول أنه الأقوى)، إلى الثوار. وقد أدى ذلك إلى انشقاق المئات من المسؤولين العسكريين والحكوميين عن صالح، مما عزز نفوذ الفاعلين السياسيين الراسخين – وخاصة حزب الإصلاح الإسلامي – داخل الساحة الثورية. خلق هذا ديناميكية جديدة حيث “أقوى مؤيدي الحركة الديمقراطية هم من المخضرمين (الذين كانوا جزءًا) من النظام”.[21]
وبالتالي، أصبح تكتل أحزاب اللقاء المشترك – النخب السياسية التقليدية – معترفًا بها إقليمياً ودولياً ودعا التكتل – وليس الشباب المستقلون – إلى التفاوض مع صالح بشأن انتقال سياسي. نتج عن هذه المفاوضات مبادرة مجلس التعاون الخليجي في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، التي نصت على تنحي صالح مقابل الحصانة. كان هناك شعور على نطاق واسع بأن هذا الاتفاق قد استثنى حركات الشباب، حيث أشار بعض الشباب أحيانًا إلى “اختطاف الثورة”.[22]
شعر العديد من المشاركين في البحث في كل من مجموعات النقاش المركزة ومناقشات مع مقدمي المعلومات الرئيسيين، بأنه وبصرف النظر عن نقل السلطة من صالح إلى نائبه المختار، عبد ربه منصور هادي، أدى توقيع مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي إلى احتواء الاحتجاجات، وتحويل مسارها من المطلب الأصلي للإطاحة بالنظام السياسي.[23] كما رأوا أن المبادرة حفزت تفتيت جبهة كانت ذات يوم موحدة وتطمح إلى إنشاء يمن جديد إلى مجموعات أصغر ذات أهداف متنافسة.[24]
شعر المستجيبون أيضًا أن الشباب تم استغلالهم واستخدامهم كأدوات من قبل الفاعلين السياسيين، الذين فشلوا على مدى عقود في إجبار صالح على إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية. وقال العديد من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم والذين شاركوا في مجموعة التركيز في المكلا، إن العديد من القادة الشباب في انتفاضة 2011 أصبح لديهم انتماءات سياسية الآن، بعد استمالتهم إلى الأحزاب السياسية. و اليوم ليس لدى الشباب غير المنتسبين لأي حزب أي تأثير سياسي يذكر. وتم إعطاء الأولوية لمصالح الأحزاب السياسية حتى لو جاءت على حساب الأهداف التي وضعها الشباب المستقل للانتفاضة في جميع أنحاء البلاد. قال بعض الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إن الشباب المستقلين كانوا في البداية قصيري النظر وعديمي الخبرة السياسية، ولم يدركوا أن صعود الجماعات المتحالفة مع تكتل أحزاب اللقاء المشترك سيؤدي إلى اختطاف الثورة من قبل النخب السياسية المتجذرة.
على الرغم من ذلك، رأى المستجيبون أن الشباب عام 2011، قد أحرزوا تقدمًا في تحقيق التغيير السياسي وطوروا القدرة على العمل على المستوى السياسي. قال المشاركون في نقاشات المكلا إن الشباب قد شهدوا نموًا في التمكين السياسي، واكتسبوا فهمًا أكبر للديناميكيات المتضاربة. واعتقدوا أن الشباب قد شكلوا هوية جديدة كأطراف فاعلة وشركاء رئيسيين في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وقال أحد المشاركين: “ما فعله الشباب والشابات عام 2011 حطم جدران الصمت، وسُمع صوتهم. لقد أقنعوا العالم بأن الإخفاقات في اليمن كانت نتيجة جشع القادة السياسيين وعدم كفاءتهم، وأثبتوا أن اليمن يمكن أن يكون بلدًا أفضل، إذا تم اعتبار الشباب كشركاء”.
بعد مرور عام على توقيع مبادرة مجلس التعاون الخليجي في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، استمر الانقسام بين الثوار، مدفوعاً جزئياً بالمشاركة المتزايدة للأمم المتحدة في التفاوض بشأن الانتقال السياسي.
قسّمت مبادرة مجلس التعاون الخليجي، المدعومة من الأمم المتحدة، الثوار إلى معسكرين: الأول يضم العديد من المستقلين، بالإضافة إلى جماعة الحوثيين والحراك الجنوبي الانفصالي. رفض هذا المعسكر الخطة وعارض المفاوضات. كان المعسكر الثاني في الغالب تابعًا لتكتل أحزاب اللقاء المشترك، وشارك في المفاوضات.[25]
كان رفض المجموعة الأولى للمبادرة الخليجية مدفوعاً بالاعتقاد بأن المبادرة وآلية تنفيذها لم تعالج الأسباب الجذرية للمظالم الطويلة الأمد التي أثارت الغضب العام. كما أشار الأكاديمي إبراهيم فريحات “لقد اختارت تجديد النظام بدلاً من تغيير النظام، الأمر الذي حمل بذور عدم الاستقرار في المستقبل”.[26] ووصف بعض القادة الشباب المبادرة بأنها “مؤامرة خليجية (ضد الثورة)” واعتبروها “عملية تلاعب” للاحتفاظ بالسلطة في أيدي النخب السياسية التقليدية.[27]
وتعهدت هذه المجموعة بمواصلة احتجاجاتها في الشوارع. هؤلاء الشباب على وجه الخصوص اعتبروا أنفسهم “قوة ثالثة” مستقلة عن كل من القوى الحاكمة والمعارضة القائمة، واعتبروا أنفسهم حراس الثورة.[28] وعلى غرار ما شعرت به جماعة الحوثيين والحراك الجنوبي، شعروا أنهم يُنظر إليهم على أنهم غرباء أو غير ذوي صلة بالعملية السياسية.[29] لكن على الرغم من رفض هذه المجموعة الشديد للمبادرة الخليجية، سادت المجموعة الثانية التي تفضل العملية السياسية في الرياض على التصعيد الثوري السلمي.
ومع ذلك، استمرت بعض المجموعات الشبابية المستقلة باتخاذ خطوات استباقية في المناقشات حول مستقبل دور الشباب في اليمن بعد الثورة. ولقد أدركوا أن هناك حاجة كبيرة للتنظيم، والمعرفة السياسية، والفهم، والحظي باعتراف رسمي من الجهات الفاعلة الداخلية والخارجية، والتي بدونها سيخسرون “نضالهم من أجل الظهور”.[30] ودفعت هذه التطلعات، إلى جانب الرغبة في تغيير النظام السياسي المتجذر،[31] المجموعات والحركات الشبابية إلى اتخاذ خطوات ملموسة لتأسيس الوطن، أول حزب سياسي بقيادة الشباب، عام 2011.[32] وشكل آخرون منظمات غير حكومية أو منظمات مجتمع مدني تهدف إلى الدعوة للإصلاح في البلاد.[33] وجدت دراسة أجراها البنك الدولي أنه بين عام 2010 ونهاية عام 2012، زاد عدد منظمات المجتمع المدني والمنظمات المماثلة المسجلة بنسبة 33%، ويعزى جزء كبير من هذه التعبئة إلى الاضطرابات السياسية التي أعقبت عام 2010.[34]
بينما شعرت حركات الشباب بأنها مستبعدة من مفاوضات مبادرة مجلس التعاون الخليجي الأولية، عززت الأمم المتحدة إلى حد ما آمال الشباب في التغيير الديمقراطي. وتقديراً لنضال الشباب لبدء تحول حقيقي في اليمن، حثت الأمم المتحدة لاحقًا الأطراف على “التفكير فيما وراء المصطلحات الأساسية لمبادرة مجلس التعاون الخليجي”، وفقًا لدراسة أجرتها جامعة الأمم المتحدة عام 2018،[35] وإيجاد دور للشباب والنساء والمجتمع المدني والآخرين خلال العملية الانتقالية.
أدت زيارات المبعوث الخاص للأمم المتحدة، جمال بنعمر، لليمن، إلى وضع خطة تنفيذ أكثر شمولاً لمبادرة مجلس التعاون الخليجي، وافقت عليها الأحزاب السياسية اليمنية في نهاية المطاف في نوفمبر/تشرين الثاني 2011. كما قال بنعمر إنه يجب التعبير عن تطلعات الشباب من قبل الشباب أنفسهم، وعقد اجتماعات في ساحة التغيير مع ممثلي المجموعات الشبابية، لإعطائهم رسائل مطمئنة.
كما سعى بنعمر إلى إقناع الشباب وغيرهم من المستبعدين من مفاوضات مجلس التعاون الخليجي، بأنهم سيظلون قادرين على التأثير في نتائج المبادرة من خلال المشاركة في الحوار الوطني المقترح والمبين في خطة التنفيذ. ثم جرى هذا الحوار بين مارس/آذار 2013 ويناير/كانون الثاني 2014.[36] كان هذا نهجًا جديدًا يهدف إلى تجنب ما وصفته شيلا كارابيكو وستايسي فيلبريك ياداف بأنه هدف مجلس التعاون الخليجي المتمثل في “إعادة تغليف النظام القديم”.[37]
كان بنعمر يحظى بدعم قوي من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. سعى قرارا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2014 و2051 في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 ويونيو/حزيران 2012، على التوالي، إلى التغلب على العوائق التي تحول دون مشاركة الشباب وبناء العلاقات مع الفئات المستهدفة الأخرى، أثناء وبعد الحوار الوطني. وأنشأ مكتب بنعمر عام 2013، وحدة جديدة (منتدى المرأة والشباب)، بهدف “دعم مشاركة الشباب والنساء في الانتقال إلى الديمقراطية من خلال زيادة الوعي بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بهدف تحقيق المواطنة المتساوية”.[38]
وسعى المبعوث الخاص من خلال المنتدى إلى معالجة بعض التحديات التي يواجهها الشباب المستقلون، قبل مشاركتهم في الحوار الوطني. قدم هذا المنتدى الدعم اللوجستي والتقني لممثلي الشباب اليمني، كإنشاء مركز مجهز جيدًا حيث يمكنهم الالتقاء والتعاون، وبناء مهاراتهم في الدعوة والتواصل، وإجراء مناقشات مع مختلف الخبراء لسد فجوات المعرفة والخبرة.[39]
كان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد مول إنشاء وتشغيل مرصد الشباب اليمني، وهو مرصد غير حزبي يركز على الشباب. سعى المرصد إلى توفير تحليل قوي وشامل لوضع الشباب في اليمن، وتقييم السياسات الحالية المتعلقة بالشباب، ووضع توصيات بشأن السياسات.
قبل بدء الحوار الوطني في مارس/آذار 2013، كانت هناك بعض المقاومة لإشراك الشباب والنساء والمجتمع المدني في عملية سلام تهدف إلى تقرير مستقبل البلاد. دفعت بعض الأحزاب، وفقًا للناشطة السياسية بلقيس اللهبي، نحو عملية انتقالية أكثر تقليدية تتمحور حول النخبة.[40] على نطاق أوسع، كانت هناك محاولات لعرقلة الانتقال. كما لاحظت الباحثة هيلين لاكنر، “كان هناك عدد لا يحصى من التمردات الأصغر والأكبر ضد أوامر الرئيس هادي”.[41]
رداً على ذلك، تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 2051 في يونيو/حزيران 2012. بالإضافة إلى الإشارة إلى استعداده لفرض عقوبات على أولئك الذين تسعى أفعالهم إلى عرقلة الانتقال السياسي، أكد القرار أيضًا “على أهمية عقد مؤتمر حوار وطني شامل وتشاركي وشفاف وهادف، بما في ذلك مع مجموعات الشباب والنساء”.[42]
بدأ الحوار الوطني في 18 مارس/آذار 2013، بمشاركة 565 مندوب، يمثلون الأحزاب السياسية والحركات (الحراك الجنوبي وجماعة الحوثيين) والمستقلين (الشباب والنساء والمجتمع المدني). وذهبت غالبية المقاعد لممثلي الأحزاب السياسية الرئيسية، ما يقرب من 47 %. وإلى جانب السبعة في المائة من المقاعد المخصصة للأعضاء غير المنتسبين في حركات الشباب، طُلب من المجموعات المشاركة الأخرى تخصيص 20% من مقاعدها للأشخاص دون سن الأربعين.
تم اختيار 40 شابًا مستقلاً شملهم الحوار من قائمة تضم 1000 متقدم، من خلال آلية اختيار تديرها اللجنة الفنية للحوار الوطني والمستشار الخاص للأمم المتحدة، و أخيرًا أقرها الرئيس هادي.[43] وكانت المعايير هي أن تتراوح أعمار المشاركين بين 18 و40 عامًا وألا تكون لديهم انتماءات سياسية، و كانوا نشطين في انتفاضة 2011.[44]
وبحسب الباحثة أطياف الوزير، فإن 40 مندوباً شبابياً مستقلاً تم اختيارهم، جاءوا من خلفيات ديموغرافية وجغرافية وتعليمية متنوعة. وحسب ما كتبته الوزير أنه من الـ18 محافظة، “كان بعضهم تكنوقراطًيين فصحاء وذوي تعليم عالٍ، من النخبة السياسية في أواخر الثلاثينيات من العمر، والبعض الآخر لا تزيد أعمارهم عن 20 عامًا، وأقل تعليماً وليس لديهم بالضرورة معرفة بالمشهد السياسي”. “غالبية (مندوبي الشباب) لم يكونوا أبدًا أعضاء في أي حزب سياسي، ولم ينخرطوا بشكل مباشر في السياسة قبل الثورة”.[45]
كان من المقرر أن يستمر الحوار ستة أشهر، تم خلالها تقسيم المندوبين إلى تسع مجموعات عمل مواضيعية لتقديم توصيات بشأن القضايا الحاسمة والشكاوى التي طال أمدها، ولتوفير إطار وطني إرشادي للمبادئ التأسيسية لـ “يمن جديد”. وشملت المواضيع الحكم الرشيد، والعقد الاجتماعي، والأمن والجيش، والتنمية، والعدالة الانتقالية، والحقوق والحريات.
ووصفت إريكا غاستون، مسؤولة برنامج في معهد الولايات المتحدة للسلام، مشاركة الشباب وكذلك الفئات المستقلة الأخرى في مثل هذه العملية في اليمن، بأنها غير مسبوقة. كما لاحظت، فقد “مكّنت إشراكا أكبر للأحزاب السياسية الأصغر، والشباب، والنساء، ومجموعات أخرى خارج مراكز القوة التقليدية.”[46]
حاول الشباب جاهدين خلال الحوار سد الفجوة بين الأجيال وتغيير الثقافة السياسية.[47] كان كثيرون يصلون مبكرين للاجتماعات، للحصول على مقاعد في الصفوف الأمامية. فعلى سبيل المثال، وفقًا للتقاليد اليمنية، عادة ما يتم ملء هذه المقاعد بشيوخ القبائل والشخصيات العسكرية رفيعة المستوى وكبار السياسيين.[48] شارك الشباب في تحالفات مع النساء المستقلات وممثلي المجتمع المدني، لتشكيل كتلة غير حزبية مؤثرة قامت بالإدلاء بصوتها بشكل موحد.[49] وقاموا بتحويل النغمة من لعبة خاسرة، إلى مسعى تعاوني.[50] واعتبر محللو السياسة والباحثون مثل هيلين لاكنر وإريكا غاستون وأطياف الوزير، أن مساهمات هذه الكتلة في الحوار الوطني مثلت لحظة تحول في الخطاب السياسي اليمني يصعب التراجع عنها، وهي ذات صلة بالمستقبل.
كان التأثير الأكبر الذي حققه الشباب المستقلون والمنتسبون إلى الأحزاب، هو تبني مجموعة من التوصيات لتعزيز المواطنة المتساوية بين الرجل والمرأة في القرارات التي اعتمدها المؤتمر. لم يكن هذا ممكنا إلا بعد دعوات وضغط الشباب داخل مجموعات عمل المؤتمر. واعتقد المشاركون في الحوار الوطني أن المواطنة المتساوية ستتحقق إذا كان هناك استثمار في التمكين السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي للشباب.[51]
ومن بين نتائج الحوار الوطني أيضًا عدد من التوصيات بإدراج السياسات المتعلقة بالشباب في الدستور الجديد، بهدف تحقيق مثل هذا التمكين.
على الصعيد السياسي، تقرر إنشاء مجلس وطني أعلى ومستقل للشباب، لتقديم المشورة بشأن صنع السياسات المتعلقة بالشباب، حيث يعمل هذا المجلس على حماية الشباب من العنف والمخاطر الصحية، وبناء جيل جديد قادر ونشط للمساعدة في تنمية المجتمع. ويقوم بذلك من خلال تشجيع برامج التنمية وبناء القدرات ودعم الإبداع الفكري والتنمية الثقافية وكذلك السماح للشباب بالمشاركة في صنع السياسات. كما تقرر أن يشكل الشباب نسبة 20% في جميع الهيئات التي تديرها الدولة، وكذلك الهيئات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ومجالس الأحزاب السياسية ولجان صياغة الدستور. وسيكفل المجلس التمثيل المتساوي للشباب والشابات.[52]
على الجانب الاقتصادي، ركزت التوصيات على معالجة البطالة، من خلال التمويل الصغير لتقديم قروض بدون فائدة للمشاريع التي يقودها الشباب، إلى جانب إنشاء الدولة لمشاريع زراعية وتعاونية صغيرة الحجم. كما نصت التوصيات على تقديم الدولة المزيد من الدعم للمشاريع كثيفة العمالة وتلك التي تخلق فرص عمل في المناطق الريفية، مثل الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومشروع الأشغال العامة، وصندوق المشاريع الصغيرة.[53]
أما المجال الثالث فقد ركز على التعليم والمشاركة الاجتماعية والثقافية. على سبيل المثال، ضمان حرية البحث العلمي والإنجاز الأدبي والفني والثقافي، وضمان وسائل تحقيق كل هذا. كما ركز على تقديم المساعدة للنهوض بالعلوم والفنون لتشجيع الابتكار العلمي والتقني والإبداع، وحماية الانجازات.
كانت أهمية مخرجات الحوار الوطني المتعلقة بالشباب، كما أشار رأفت الأكحلي، رئيس مؤسسة رنين، هي أنها كانت “بيانات مبادئ مُلزمة”، و إذا تم دمجها في الدستور الجديد وتم تنفيذها بنجاح، فإنها “يمكن أن تؤدي إلى تحول جوهري في واقع الشباب اليمني ومستقبلهم.”[54] وقد أثيرت فكرة إنشاء المجلس الوطني الأعلى للشباب في التوصيات السياسية السابقة.[55]
قبل سبع سنوات، فشلت هذه العملية الانتقالية واندلعت حرب أهلية مدمرة، الأمر الذي أدى إلى إنهاء العديد من المكاسب المؤقتة التي حققها الشباب اليمني اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا.
بينما احتفل الكثيرون باختتام الحوار الوطني في يناير/كانون الثاني 2014، معتقدين أنهم بدأوا في بناء اليمن الجديد الذي كان الشباب ينادي به، كانت قوات الحوثيين بحلول سبتمبر، بالتحالف مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، قد سيطرت على صنعاء بالقوة. وبعد بضعة أشهر، وضعت هذه القوات الرئيس هادي قيد الإقامة الجبرية.
بحلول مارس/آذار 2015، امتد النزاع المسلح إلى المحافظات الجنوبية، وأصبح الصراع حربًا إقليمية بعد شن تدخل عسكري من قبل السعودية والإمارات العربية المتحدة وحلفائهما، ضد تحالف الحوثيين-صالح.
تجاوز تأثير الصراع الاقتصاد المنهار، والقطاع الصحي المدمر، والأمن المتدهور وانعدام الأمن الغذائي المرتفع. أثرت الحرب على حياة الناس، وخاصة الشباب، وسلط المجيبون الضوء على: أزمة صحة نفسية منتشرة ومتفاقمة، نسيج اجتماعي ممزق، تدمير منهجي ومتعمد لنظام التعليم، واستغلال فقر الناس لدفع المراهقين والشباب إلى التطرف.
أشار غالبية المجيبين إلى أنهم أو أقاربهم الصغار، قد عانوا نفسياً بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة في زمن الحرب.
انخفضت قيمة الريال اليمني بشكل كبير، وأصبحت البضائع أكثر تكلفة. ظل موظفو الخدمة المدنية سنوات بدون رواتب وارتفعت معدلات البطالة. وقال العديد من المشاركين إن الضغط على الشباب لا يطاق، لأنهم يشعرون بمسؤولية تأمين الطعام لأسرهم.
كما قال أحد المشاركين الشباب “نشعر أننا في حاجة دائمة إلى المال. إذا استطعنا دفع ثمن الطعام، فإننا نكافح لدفع ثمن الأدوية. لا أستطيع إحصاء عدد الليالي التي مرت دون أن أنام. لم أتوقع أبدًا أن أرى عائلتي وعائلات أخرى في صراع لا نهاية له”.
وقد تسبب نقص الوظائف في شعور الكثيرين، وخاصة الشباب الذكور، بأنهم محاصرون ومصدومون وخائفون ومكتئبون. وتم تجنيد العديد من قبل الجماعات المسلحة، وإغرائهم بأجر منتظم. كما تضررت الصحة النفسية للشابات. ففي ذمار، كشفت الأبحاث التي أجراها مركز الرحمة للصحة النفسية عام 2019، عن أن عدد الأشخاص المتضررين من مشاكل الصحة النفسية في مدينة ذمار وحدها قد يتجاوز 4000 فرد، معظمهم من الفتيات والنساء. وقدر مسؤولو المركز أن الرقم أصبح حوالي 6000 فرد، بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2021.[56] وقال ناشط مجتمعي في ضواحي مدينة ذمار، إن نصف الأفراد في العديد من الأسر يعانون من مشاكل نفسية نتيجة الحرب.[57] هذا الرقم مثير للقلق، لا سيما في اليمن، حيث نادرًا ما تكون العائلات والأفراد منفتحين على الاعتراف بالمشكلات النفسية أو الصدمات بسبب وصمة العار المنتشرة حول الصحة النفسية.[58]
أحد المصادر الرئيسية لمشاكل الصحة النفسية بين الشباب على وجه الخصوص، هو الضغط المتزايد للانضمام إلى جماعة مسلحة. فقبل اندلاع الصراع المستمر، كان زعماء القبائل يضغطون أحيانًا على من هم في السلطة لعدم تجنيد شبابهم، أو على الأكثر لإضافتهم إلى “قوائم الظل” الخاصة بالجيش وقوات الأمن، مما يسمح لهم بالحصول على رواتب شهرية دون الانضمام إلى هذه الوحدات في الواقع، وقد تغير هذا الآن نتيجة للصراع، وفقا لزعيم قبلي شاب.[59] قال “لقد دفعنا الحوثيون إلى تجنيد المزيد من المقاتلين مقابل إظهار احترامهم لنا أمام مجتمعاتنا وشعبنا. وتبدو مثل عملية مساومة محمومة ومثيرة للقلق للحفاظ على الوضع الاجتماعي”.
خلال مجموعة التركيز في عدن، تم الكشف عن مصدر آخر لصدمة الشباب، حيث قالت شابات إن بعض العائلات أجبرن بناتهن على الزواج في سن مبكرة للغاية، لأن الأسرة كانت بحاجة إلى المال من المهور. ووفقًا للمشاركين، حدثت معظم الحالات في مخيمات النازحين، أو في أفقر الأحياء حيث تقطن المجتمعات المهمشة المعروفة باسم “المهمشين”.[60]
كما عانى الشباب اليمني في المهجر من الصدمة النفسية. حيث قال أحد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم ويعيش في أوروبا، إن القيود والمخاطر المرتبطة بالسفر داخل اليمن جعلتهم يشعرون بأن العودة إلى الوطن تعني المخاطرة بحياتهم. ويتعرض الشباب بشكل متزايد للانتهاكات على أساس أصولهم، حيث تعرض المواطنون الشماليون الذين يعودون إلى منازلهم عبر المطارات الجنوبية في بعض الأحيان، إلى الاحتجاز بشكل غير قانوني، أو مواجهة الاتهامات بدعم الحوثيين، أو الإجبار على دفع المزيد من المال.[61] في غضون ذلك، فقد العديد من اليمنيين في دول الخليج، وخاصة السعودية، وظائفهم بسبب سياسات توطين العمل (السعودة).[62]
في مجموعة التركيز بالمكلا، انفجرت دموع شابة كانت تتطوع مع الأمم المتحدة في ألمانيا، وهي تصف تأثير الحرب:
“كل شاب في هذا البلد يتمنى أن يتمكن من السفر خارج اليمن، ولكن إجبارك على مغادرة أو الفرار من منزلك وبلدك، وعدم القدرة على رؤية أسرتك، ليس بالأمر السهل على الإطلاق. يخبرنا الجميع كم نحن محظوظون، دون أن يدركوا الألم الذي نعيش فيه، ولا يدركون أنه إذا لم تكن هناك حرب، لكنا بقينا وعملنا بحماس ودعمنا بلدنا وساهمنا في بناء بلدنا الجميل. أولئك الذين غادروا البلاد بالقوة دائمًا ما يشعرون بالقلق والانشغال بالتفكير في الأحداث والوضع في اليمن”.[63]
تحدث المشاركون أيضًا عن انعدام الأمن والعنف واليأس العام وتقييد الوصول إلى المساحات المدنية، كأسباب للمعاناة العقلية. فوفقًا لدراسة أجراها مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية عام 2019، كان اليمنيون الذين يبلغون من العمر 25 عامًا عام 2019 قد عاشوا بالفعل 15 نزاعًا مسلحًا، وأثرت الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر على أكثر من 80% من السكان.[64] ومع ذلك، فإن خدمات الصحة النفسية شحيحة. حيث تُظهر الإحصاءات التي تم جمعها لأطلس الصحة النفسية التابع لمنظمة الصحة العالمية لعام 2011، وجود 0.17 فقط من اختصاصي علم النفس لكل 100 ألف يمني، مقارنة بـ 29.03 في الولايات المتحدة.[65] وفي يناير/كانون الثاني 2016، قدرت منظمة الصحة العالمية أن هناك 40 اختصاصيًا نفسيًا فقط في جميع أنحاء اليمن، معظمهم في صنعاء.[66] الصحة النفسية هي أزمة غير مرئية لا تحظى بالاهتمام الكافي، وقد يستمر تأثيرها لفترة طويلة بعد انتهاء الحرب.[67]
كانت آثار الحرب على النسيج الاجتماعي في اليمن موضوعًا متكررًا في الردود التي تلقيناها. قال المستجيبون إن الصراع أضر بالعلاقات الشخصية، وأشعل المواقف العدائية وأدى إلى ارتفاع خطاب الكراهية والجرائم، التي غالبا ما تكون مدفوعة بالانحياز والتحيز ضد مواطنين من أجزاء أخرى من البلاد.
وبشكل عام، يلوم الشباب الفاعلين المتحاربين على ذلك. وتحدث غالبية المجيبين من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون عن انعدام الثقة المتزايد بين العائلات والجيران. وقال أحد المشاركين إن الآباء يخشون رؤية أبنائهم المراهقين يتم إقناعهم بالانضمام إلى الجماعات المسلحة ونقلهم إلى جبهات القتال. ويثير هذا القلق الخلافات الأسرية، ويقوض الثقة بين الجيران، حيث لا تثق العائلات في الناس الذين يعتقدون أنهم يجندون المراهقين في مجتمعهم. في حضرموت، قال المستجيبون إن الصراع أثر إلى حد ما على التماسك الاجتماعي بين الناس من مختلف مديريات المحافظة. وأشاروا إلى التوتر والانقسام بين السلطات المحلية وأهالي المكلا من جهة، وسكان وادي حضرموت من جهة أخرى.
قالت إحدى المشاركات من شبوة، إن شباب المحافظة لا يشعرون بالأمان للسفر إلى عدن. ويعزى ذلك إلى الشعور المتزايد بانعدام الأمن وتراكم التوترات منذ الأحداث الدامية في أغسطس/آب 2019 في شبوة، عندما اندلعت اشتباكات بين القوات الموالية للرئيس هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي. وأضافت أنه منذ ذلك الحين، تم الإبلاغ عن عدة حوادث استهدف خلالها الشبوانيون في عدن.
أعرب العديد من المشاركين عن قلقهم المتزايد من التأثير طويل المدى للصراع على حياتهم، وعلى تراجع احتمالات تحقيق سلام دائم في اليمن. إن انهيار نظام التعليم، وانتشار الأفكار المتطرفة في المدارس، وتنامي الخطاب المذهبي، والتجنيد من قبل الفصائل المسلحة، كلها تشكل تهديدات مستمرة للسلام والاستقرار. قال أحد المشاركين: “حتى إذا نجحت عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة في إقناع الأطراف بالتوقيع على اتفاق سلام اليوم، فمن المرجح جدًا أن ينهار في اليوم التالي، أو بعد أيام، حيث تستثمر أطراف النزاع في تجنيد المزيد من المقاتلين الشباب وغرس الأفكار المتطرفة في أذهانهم”. ووصف الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، أوك لوتسما، الوضع لوكالة فرانس برس، حيث قال: “إذا تواصل الأمر على هذا المنوال، فسيكون من الصعب للغاية إعادة بناء اليمن كدولة. وإذا تم تدمير المزيد من عوامل التنمية وأصبح الناس أكثر فقرا، فسيصبح (اليمن) دولة غير قابلة للحياة تقريبا”.[68]
وردد المشاركون الآخرون نفس القلق. فقد أجبر التدهور العديد من الشباب على ترك المدارس والجامعات، أو البحث عن وظائف بدوام جزئي ليتمكنوا من مواصلة تعليمهم وإعالة أسرهم. قالت الناشطة علا الأغبري، إنه في بعض المناطق ينضم الشباب إلى جبهات القتال ليس فقط من أجل المال، ولكن لأنهم يشعرون أنهم مسؤولون إلى حد ما عن التسبب في أزمة اقتصادية لمجتمعاتهم بعد مشاركتهم في انتفاضة 2011.[69]
ظهرت الحماية أيضًا كواحدة من أكثر الاحتياجات إلحاحًا حسب الأشخاص الذين تمت مقابلتهم من المشاركين في مجموعات النقاش المركزة. وقالت إحدى المستجيبات الشابات إن شقيقها قُتل بدم بارد بعد أن قدم المساعدة في إنشاء ناد ثقافي في عدن لترويج مبادئ الدولة المدنية وحرية التعبير والنقاشات المفتوحة بين الشباب:
“نشطت أنا وأخي مع شباب وشابات وأنشأنا ناد ثقافي. كان هدفنا من إنشاء النادي هو رفع الوعي الثقافي للمجتمع. تلقينا تهديدات، واعُتبر عملنا تهديداً، واعُتبر الوعي الثقافي تهديدا من قبل المسلحين. طلبوا مرارًا من أخي الانضمام إليهم كجندي في إحدى الوحدات العسكرية المشكلة حديثًا. لكنه رفض وواصل نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي. قُتل أخي ولم يُسمح لنا حتى بدفنه”.[70]
وأضافت: “أسرتنا تلقت مكالمات من السفارات الأوروبية، من مكتب الرئيس، من مسؤولين رفيعي المستوى جميعهم يدينون الجريمة. لكن هذا كل شيء، ولم يساعدنا أحد في تحقيق العدالة”.
قال مستجيب آخر يعمل في منشأة طبية في صنعاء، إن سلطات الحوثيين تحضر أحيانًا الأسرى الذين يبدو أنهم تعرضوا للتعذيب الوحشي، جميعهم من الشباب. ويبدو أن آسريهم يريدون تعافيهم، حتى يمكن استخدامهم في تبادل الأسرى على حد اشتباه المستجيب. ومن بين بواعث القلق الأخرى التي ذكرها المشاركون، التنمر الإلكتروني، إذا عبروا عن آرائهم عبر الإنترنت، والخطر عند السفر بين المدن، وانتشار الأسلحة والمقاتلين الذين لا تحاسبهم فصائلهم.
كما تتزايد الحاجة إلى حماية الشابات كل عام أثناء النزاع. فوفقًا لصندوق الأمم المتحدة للسكان، ارتفعت معدلات زواج القاصرات، حيث تسعى العائلات التي تعاني من ضائقة اقتصادية شديدة للحصول على المال أو حتى وسيلة مضللة لحماية الفتيات الصغيرات.[71] وأشار تقرير صادر عن مركز صنعاء نُشر عام 2019، إلى زيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى مستويات غير مسبوقة في عدة أجزاء من البلاد أثناء النزاع. ووجد التقرير أن النساء والفتيات قد تعرضن للاغتصاب والخطف والتحرش الجنسي والعنف الأسري الذي تمارسه المليشيات وأفراد المجتمع وكذلك الأزواج والآباء والإخوة.[72]
قالت شابة مشاركة في مجموعة التركيز في عدن: “انضم جميع الشبان في منطقتنا [في عدن] إلى الجماعات المسلحة. لقد تغيرت مواقفهم وطريقة تفكيرهم، وأصبحوا عنيفين في طريقة تعاملهم مع النساء في منازلهم”.
وتساءل مشارك آخر، ومقره صنعاء، عن صمت المجتمع الدولي إزاء حملات سلطات الحوثيين لزيادة معدلات الخصوبة، الأمر الذي يخلق أعباء كبيرة، لا سيما على النساء والفتيات. وقال المشارك إن الحوثيين يستخدمون التفسير الخاطئ للنصوص الدينية لحث الرجال على إنجاب المزيد من الأطفال، حتى يتمكنوا من الدفاع عن الإسلام ضد “العدوان الغربي”، وأن يصبحوا مقاتلين في معارك الحوثيين المستقبلية. ووجدت المشاركات الشابات هذا الأمر مقلقًا ويُخشى أن يكون له عواقب وخيمة على المستقبل. ولم يكن هذا فقط لأنهن شعرن بأن الاكتظاظ السكاني وعجز الدولة اليمنية عن تلبية احتياجات الشعب اليمني، كانت الأسباب الكامنة وراء صراعات اليمن، ولكن أيضًا لأن هذا الخطاب تلاعب واستغل المستويات المرتفعة من الأمية بين المقاتلين الحوثيين وبين الشباب الذكور بشكل عام، ليقودهم دون قصد إلى ممارسة العنف ضد المرأة.
أراد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم أيضًا، تجنب العودة إلى السلام حيث يكون لديهم فرص ضئيلة للعيش دون أن يصبحوا جيلًا ضائعًا. ويأسف الشباب بشدة لعدم الالتحاق بالتعليم أو الانقطاع عنه، وأشاروا إلى غياب الأنشطة الثقافية، والقيود المفروضة على الترفيه والرياضة. وأكد غالبية من تمت مقابلتهم على ضرورة دعم استمرارية التعليم الجيد ومنع تسييسه. أوضح المحلل إبراهيم جلال من معهد الشرق الأوسط، أن الأطفال والشباب والرجال، بدلاً من الذهاب إلى المدارس والجامعات، وقبل أن يروا كيف تبدو الحياة الهادئة، قد تم استخدامهم كوقود للصراع، حيث يتعلمون فقط أغاني “الزوامل الشعبية” التي تلهم المقاتلين قبل المعركة.[73]
كان الشباب متحمسين لدورهم في صنع القرار والمشاركة السياسية خلال انتفاضة 2011 والعملية الانتقالية اللاحقة، ولكن يبدو أن مسار هذا الاهتمام في تراجع سريع.
أدى الصراع إلى تغيير أولوياتهم ومواقفهم تجاه السياسة. من بين جميع الشباب الذين تمت مقابلتهم وشاركوا في مجموعات المناقشة، قال أكثر من 70%، إن الشباب في جميع أنحاء اليمن اليوم لا يفكرون كثيرًا في المشاركة السياسية، أو أن يكون لهم دور في صنع القرار، لأنهم يكافحون من أجل إطعام أسرهم.
قال أحد الذين تمت مقابلتهم، وهو شاب من إب، إن الناس الآن مشغولون بالتفكير في كيفية البقاء على قيد الحياة أكثر من الانشغال بما أسماه “العصابات السياسية”. وقال مشارك آخر من عدن، يقود مركزًا مجتمعيًا يدعم الفئات المهمشة والنازحين داخليًا، إنه حتى قبل اندلاع الصراع كان معظم الناس فقراء، لكنهم الآن يعيشون في فقر مدقع. وأضاف أن المشاركة السياسية الآن شيء تتحدث عنه النخب فقط، وليس أولئك الذين يعيشون في المجتمعات المهمشة أو في المناطق الريفية أو في مراكز المدن التي شهدت فشل تقديم الخدمات الأساسية بالكامل. بينما يعتقد معظم المشاركين أن اهتمام الشباب بالمشاركة السياسية وصل الآن إلى أدنى مستوياته على الإطلاق، قالوا إن هذا قد يتغير إذا تحسن الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
ويعتقد أحد المجيبين أن تراجع اهتمام الشباب بالمشاركة السياسية لم يكن فقط بسبب الوضع الإنساني الكارثي، ولكن أيضًا بسبب ما وصفه بالشعور الجماعي بالخيانة. وعلى حد قوله وغيره، فإن الموقف العام من الشباب المستقل الذي شارك في الحوار الوطني قد تحول إلى موقف سلبي. بينما ألقى المشاركون معظم اللوم على جماعة الحوثيين وصالح، انتقدوا أيضًا انقسام الشباب المستقل. قال المشاركون إن إحدى المجموعات “انحازت إلى جانب القوى الإقليمية”، وانتقد مجموعة أخرى “للاختفاء والتحول إلى مراقبين عن بعد، عقب قبولها في صنع القرار أو الأدوار الدبلوماسية”.
قال أحد الذين تمت مقابلتهم، إن الأحزاب السياسية لم تعد قادرة على التعبئة السياسية، ولا يمكنها استعادة ثقة الجمهور في أي وقت قريب. وأوضح: “بعد انتفاضة 2011، كانت قيادات الأحزاب السياسية قصيرة النظر ولم تتوقع (هذا الوضع الحالي). لم يقوموا بأي استثمار حقيقي في تمكين شباب أحزابهم وبناء قدراتهم، كانوا مشغولين فقط بأخذ نصيبهم من السلطة”.
انتقد مشاركان آخران، أحدهما في صنعاء والآخر من أبين ومقره عدن، المجتمع الدولي لعدم مساءلة أي شخص عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها، ما وصفوه بـ “شبكات المحسوبية الجديدة والوكلاء والموظفين المحليين” للقوى الإقليمية. واستشهد كلاهما بأمثلة على الأعمال الوحشية للسلطات والجهات الفاعلة غير الحكومية في شبوة وتعز وعدن وصنعاء، لمنع الأنشطة السياسية، مع “إدانات خجولة وعديمة الجدوى” من قبل المجتمع الدولي.
في ديسمبر/كانون الأول 2015، اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 2250 – الأول على الإطلاق بشأن الشباب والسلام والأمن. وقد أشادت المنظمات التي يقودها الشباب بالقرار في جميع أنحاء العالم، باعتباره علامة بارزة تقر بالدور الإيجابي للشباب ومساهماتهم في بناء السلام وحل النزاعات.
يعرّف القرار الشباب بأنهم شباب وشابات تتراوح أعمارهم بين 18 و 29 عامًا، مع الاعتراف بوجود تعريفات وطنية ودولية مختلفة للشباب. يتضمن القرار خمس ركائز رئيسية هي: المشاركة، والحماية، والوقاية، والشراكات، وفك الارتباط، وإعادة الإدماج. كما يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة “إجراء دراسة مرحلية تبحث في مساهمات الشباب في عمليات السلام وحل النزاعات”.[74]
في يونيو/حزيران 2018، اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع القرار 2419، باعتباره القرار الموضوعي الثاني على جدول أعمال الشباب والسلام والأمن. يحث القرار البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة وجميع أصحاب المصلحة المعنيين، على “تسهيل مشاركتهم المتساوية والكاملة في عمليات السلام وصنع القرار على جميع المستويات”. بعد ذلك بعامين، تبنى مجلس الأمن القرار الثالث المخصص من أجل الشباب والسلام والأمن، برقم 2535. تكمن أهمية القرار الثالث في اعتراف مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالشباب والسلام والأمن كأجندة دائمة للمجلس. توفر القرارات الثلاثة إطارًا رائدًا يمكن للشباب والمنظمات التي يقودها الشباب استخدامه للدعوة أو العمل على قضايا الشباب والسلام والأمن.
وتم إطلاق أول مشاريع الشباب والسلام والأمن الخاصة باليمن في أوائل عام 2018. وكان المشروع الرائد هو “توطين قرار مجلس الأمن رقم 2250 في اليمن”، ونفذه صندوق الأمم المتحدة للسكان وثلاث منظمات غير حكومية محلية. كما نفذ صندوق الأمم المتحدة للسكان وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، مشروعًا لاحقًا لمدة عامين، بعنوان “تعزيز أجندة الشباب والسلام والأمن في اليمن”، بين يناير/كانون الثاني 2019 وديسمبر/كانون الأول 2020.
سعى المشروع الأول إلى زيادة وصول الشباب إلى المعرفة حول قرار مجلس الأمن رقم 2250، وتحديد طرق المساهمة في بناء السلام. سعى الثاني إلى تفعيل قرار مجلس الأمن رقم 2250 في اليمن، من خلال ثلاثة مستويات من التأثير: البيئة الفردية، والمؤسسية، والتمكينية.[75]
عام 2020، دعمت الأمم المتحدة والجهات المانحة الدولية والمنظمات غير الحكومية المجتمع المدني اليمني ومراكز الأبحاث، لإنشاء منصات بناء السلام التي تركز على الشباب في المسار الثاني، والتي عززت أجندة الشباب والسلام والأمن، وربطت بناة السلام الشباب مع صناع السياسات والقرارات ذات الصلة وقادة المجتمع والدبلوماسيين والشخصيات البارزة والباحثين والمراكز البحثية. ومن بين هذه المنصات منتدى سلام اليمن، ومنصات الشباب لبناء السلام، وميثاق الأمن والسلام للشباب.
في ديسمبر/كانون الأول 2020، نظمت مؤسسة القيادة الشبابية ومنظمة شباب بلا حدود ومجموعة التسعة، فعالية عبر الإنترنت لمدة ثلاثة أيام بعنوان: “مؤتمر الشباب اليمني لبناء السلام”، بدعم ومساعدة فنية من هيئة الأمم المتحدة للمرأة وصندوق الأمم المتحدة للسكان. وشارك ما مجموعه 990 شاب يمني في تسع جلسات استشارية افتراضية، واختتم المؤتمر بعدها ببيان تضمن 33 توصية للمبعوث الخاص للأمم المتحدة وأطراف النزاع ووكالات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والمجتمع المدني اليمني.
لكن بعض المشاركين الشباب اليمنيين شعروا أنهم تم تضمينهم فقط كرموز. وقال أحد المتحدثين الرئيسيين إنه في يوم الافتتاح، “وجدت نفسي في النهاية الخاطئة لإحدى هذه المنصات عالية المستوى التي تعتبر نموذجية إلى حد ما للعمليات – عندما يديرها ممثلون دوليون -، فالكثير من كبار السن، معظمهم من الخارج، يأخذون الكثير من الوقت والمساحة مع الشباب الذين يستمعون إليهم، وحتماً يشعرون بالإحباط إلى حد ما”. قال متحدث آخر من الشباب: “شعرت أنه كان مؤتمرًا (للدعاية) لتسليط الضوء على إنجازات المنظمين أمام جمهور دولي، ثم بدا أنه منصة للدفاع عن أجندة الشباب والسلام والأمن، قبل أن يمنحنا [المنظمون] فرصًا لنتكلم.”
أدى زخم أجندة الشباب والسلام والأمن في اليمن إلى إنشاء العديد من مجموعات السلام والائتلافات والمنتديات والمنصات التي يقودها الشباب بدعم من الأمم المتحدة والجهات المانحة الدولية. يتمثل أحد الأهداف الرئيسية لهذه المجموعات في الدعوة إلى المشاركة الهادفة للشباب في عمليات السلام على جميع المستويات. ومع ذلك، هناك شعور سائد بالاستياء داخل هذه المجموعات ناتج عن شعورهم بنقص المعرفة والمهارات المطلوبة للمشاركة بنشاط في المسار الأول لعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، إذا تمت دعوتهم لذلك. ووفقًا لما ذكره المشاركون، فإن اللوم يقع على تصميم البرامج التي لم تضمن توفير مكونات بناء القدرات التي تلبي توقعات أعضاء مجموعات السلام التي يقودها الشباب.
أظهر وضع الشباب اليمني خلال السنوات الأولى من الصراع المستمر، وبشكل ملحوظ، تركيزًا كبيرًا بين الشباب على الدور الإيجابي الذي يلعبونه للتخفيف من تأثير الصراع العنيف على مجتمعاتهم المحلية. فحتى عام 2019 على الأقل، كان بناة السلام اليمنيون الشباب والنشطاء وموظفو المنظمات غير الحكومية، لا يزالون يتحدثون عن مرونة الشباب وإبداعهم وسعة حيلتهم، وعن معالجة الآثار الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للنزاع،[76] ناهيك عن تطلعاتهم للقيام بدور هادف في عمليات السلام.[77] واليوم، نتيجة للآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحرب، أصبحت علامات اليأس والألم بين الشباب أكثر وضوحًا. مع استمرارهم في كفاحهم لتغطية نفقاتهم، يفقد الشباب في اليمن الأمل بشكل متزايد بشأن مستقبل بلدهم. وبالتالي، يقدم هذا البحث التوصيات التالية لتوجيه الجهود التي قد تتناول – إلى حد ما – تأثير الحرب على الشباب في اليمن.
أنتجت هذه الورقة كجزء من مبادرة منتدى سلام اليمن، وهي مبادرة لمركز صنعاء تسعى إلى تمكين الجيل القادم من الشباب والجهات الفاعلة في المجتمع المدني اليمني، وإشراكهم في القضايا الوطنية الحرجة.
مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.