بحكم موقعها وسط اليمن ومتاخمتها لعدة محافظات رئيسية أخرى، بما في ذلك العاصمة صنعاء، برزت مأرب في العقود الأخيرة باعتبارها المحرك الرئيسي لاقتصاد البلاد.[1] ورغم ثروتها النفطية والغازية، ظلت المحافظة تعاني من الفقر نتيجة سياسة التهميش التي اعتمدتها حكومة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، لتُحرم مشاريع البنية التحتية الأساسية والمشاريع التنموية والاقتصادية.[2] من بين العواقب المترتبة على هذه السياسة الافتقار إلى منظمات مجتمع مدني[3] قادرة على دعم السكان في ظل غياب الخدمات الحكومية. قبل عام 2011، كانت منظمات المجتمع المدني المحلية قليلة العدد. بعضها شبه نشطة فقط، ولم يبقَ سوى عدد قليل من المنظمات العاملة، على نحو غير مستدام، في مجالات التنمية والعمل الخيري والتعاون.
في أعقاب اندلاع ثورة فبراير/شباط 2011 التي أطاحت بصالح، أسس الشباب اليمني عددًا من الجمعيات والمنظمات المحلية الجديدة وأنشأوا فروعًا للنقابات العمالية في مأرب.[4] ونجحت هذه الجهود في إنعاش المجتمع المدني داخل المحافظة من خلال تنفيذ الأنشطة والمشاريع الأساسية، المموّل بعضها من قِبل منظمات مانحة دولية، والبعض الآخر من قِبل أعضائها المؤسسين.[5]
أدى النزاع الدائر في اليمن إلى نزوح داخلي لملايين الأشخاص على مدى السنوات الست الماضية، حيث لجأ اليمنيون من جميع أنحاء البلاد إلى مأرب نتيجة تمتعها باستقرار نسبي. استوعبت[6] المحافظة -آخر معقل للحكومة المعترف بها دوليًا في الشمال -معظمهم، وواجهت تحديات كبيرة مع تزايد عدد سكانها بشكل كبير. عام 2020، بلغ عدد سكان محافظة مأرب ثلاثة ملايين نسمة، وفقًا لتقديرات حكومية رسمية[7] -وهي زيادة هائلة من 360 ألف نسمة عام 2014.[8]
حتى نهاية فبراير/شباط 2021، فرّ نحو 2,231,000 من الأشخاص النازحين داخليًا[9] إلى المحافظة، وتوزعوا على 139 مخيمًا وتجمعًا سكانيًا في خمس مديريات. تستضيف مدينة مأرب -مركز المحافظة التي تحمل ذات الاسم -وحدها ما يقرب من 82% من النازحين داخليًا في المحافظة.[10]
كان للصراع والوضع الإنساني المصاحب له تأثير كبير على عدد وطبيعة وأنشطة ونوع منظمات المجتمع المدني المحلية. تأسست منظمات حقوقية جديدة، وأنشأت منظمات يمنية فروعًا لها في مأرب، وغيرت منظمات أخرى محور عملها من التنمية إلى الإغاثة. واضطرت بعض المنظمات إلى وقف أنشطتها تمامًا.
ساعد الاستقرار الأمني والاقتصادي الذي شهدته المحافظة خلال السنوات القليلة الماضية على احتضان منظمات المجتمع المدني والعاملين فيها. ووجدت المنظمات بيئة خصبة للعمل، على النقيض من المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين المسلحة التي فرضت قيودًا على تمويل المنظمات والمشاريع المنفذة ذات الصلة.[11] أجبرت قيود الحوثيين بعض المنظمات على إغلاق أبوابها أو الانتقال إلى مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة، بما في ذلك مأرب. بين عامي 2011 ونهاية 2019، سجل مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل 138 منظمة وجمعية ومؤسسة محلية، وفقًا للإحصاءات الصادرة عنه عام 2019.[12] في أوائل عام 2020، قال المدير العام السابق لمكتب الشؤون الاجتماعية والعمل حسن الشبواني إن عدد منظمات المجتمع المدني المحلية العاملة في محافظة مأرب ازداد بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث ارتفع من 90 منظمة في نهاية فبراير/شباط 2020 إلى ما يقرب من 160 منظمة في غضون بضعة أشهر.[13]
من جانبه، قال المدير الحالي لمكتب الشؤون الاجتماعية والعمل عبد الحكيم القيسي إنه قبل عام 2015، كان هناك 35 منظمة وجمعية تعمل في مأرب تعمل في أنشطة محدودة[14] تتمحور إلى حد كبير على الأعمال الخيرية، وتتسم مشاريعها بطبيعة موسمية. وكانت تفتقر إلى البنية التحتية والكوادر البشرية المؤهلة. ومع ذلك، كانت هناك زيادة في عدد المنظمات والجمعيات المسجلة بين عامي 2015 و2020. سُجل ما مجموعه 120 منظمة جديدة خلال تلك الفترة، مع إصدار 43 تصريح عمل للمؤسسات التي نقلت مقارها إلى المحافظة أو افتتحت فرعًا آخر. كما اتسع نطاق أنشطة ومشاريع منظمات المجتمع المدني وتنوعت، لتشمل الأعمال الخيرية، والإغاثة، وحقوق الإنسان، والتنمية.[15]
يتناول هذا الموجز السياساتي تنامي منظمات المجتمع المدني المحلية في محافظة مأرب بين عامي 2015 و2020، مع التركيز على تأثير الحرب على بيئة عملها الداخلية والخارجية وعلى أنشطتها وأدائها، بما في ذلك أهم التغييرات التي شهدها المجتمع المدني. كما يعرض وجهات نظر مختلف الجهات الفاعلة الرئيسية في المجتمع المدني في مأرب والتحديات التي واجهوها خلال تلك الفترة. ويقدم توصيات لتحسين عمل منظمات المجتمع المدني وتحسين فرص التعاون والشراكة مع المنظمات الدولية سواء في فترة الحرب وما بعدها.
كجزء من منهجية البحث النوعي، يعتمد هذا الموجز السياساتي بشكل أساسي على مقابلات أُجريت بين أكتوبر/تشرين الأول ويناير/كانون الثاني 2021 مع إحدى المنظمات غير الحكومية الدولية؛ ومكتب الشؤون الاجتماعية والعمل في مأرب، وسبع منظمات مجتمع مدني محلية، بما في ذلك منظمات حقوقية وتنموية وإغاثية؛ فضلًا عن مقابلات مع تسعة ناشطين ومتطوعين يعملون مع منظمات المجتمع المدني. كما شارك 49 فردًا من سكان مدينة مأرب، من المجتمعات المحلية ومجتمعات النازحين داخليًا، في استطلاع على الإنترنت أُعدّ لغرض هذه الورقة.
ركزت المقابلات التي أُجريت مع منظمات المجتمع المدني على استكشاف دورها الحالي، مع الأخذ بالاعتبار التغيّرات التي شهدتها من حيث السياسات الداخلية المعتمدة بعد عام 2015. كما بحثت الآثار الإيجابية والسلبية للنزاع على عمل هذه المنظمات وأدائها وأهدافها، بالإضافة إلى فرص الشراكة والتمويل. ركزت الأسئلة التي طُرحت على المنظمة الدولية الشريكة لمنظمات محلية على رؤيتها وتقييمها لعمل منظمات المجتمع المدني المحلية أثناء فترة النزاع. كان الهدف من المقابلات هو التأكد مما إذا كانت الحرب قد أثرت على عمل المنظمات المحلية، وعلى طبيعة الشراكات والدعم المقدم من جانب المنظمات الدولية، وما طبيعة هذا التأثير.
سُئل العاملون والمتطوعون في منظمات المجتمع المدني في مأرب عن تداعيات الحرب على مستوى أدائهم وحالتهم النفسية، وكيف أثر ذلك على قناعاتهم ورغبتهم في مواصلة العمل المجتمعي والتطوعي. كما سعت المقابلات إلى تقييم الأنشطة والمشاريع التي اضطلعت بها هذه المنظمات استنادًا إلى تجربتها خلال فترة الحرب.
من جانب آخر، سعى الاستطلاع عبر الإنترنت إلى الحصول على آراء وتقييمات عينة من المستفيدين داخل المجتمع المحلي حول تأثير الحرب على جودة واستدامة المشاريع والخدمات التي تقدمها منظمات المجتمع المدني في مدينة مأرب.
قبل عام 2015، ركزت أهداف المنظمات المحلية على تطوير قدرات الشباب اليمني، وتعزيز دور المرأة والشباب في التنمية المجتمعية، ومساعدة السلطات المحلية في تقديم الخدمات والمساهمة في حل بعض المشاكل التي يعاني منها المجتمع المحلي.[16]
في ذلك الوقت، كان العمل في مجال حقوق الإنسان ضئيلًا في مأرب، ولكن مع تزايد التحديات واحتياجات السكان مع تطور الحرب، زادت الحاجة إلى تدخل المنظمات المحلية وسد الفجوة القائمة. نتيجة لذلك، تحولت أهداف منظمات المجتمع المدني المحلية، وتوسعت الخدمات والمشاريع والأنشطة المقدمة للمستفيدين لتصل إلى مختلف شرائح المجتمع في مأرب، ولا سيما النازحين داخليًا.
بعد عام 2015، تغيرت الأهداف الرئيسية للمنظمات المحلية. ركزت المنظمات المنشأة خلال هذه الفترة على دعم مبادرات السلام، والدفاع عن حقوق الإنسان، وحماية حقوق الطفل، ودعم ومساعدة المرأة في الوصول إلى دوائر صنع القرار. ومع تدهور المستوى المعيشي والوضع الاقتصادي في مأرب، قادت منظمات المجتمع المدني الجهود الرامية إلى الاستجابة للاحتياجات الإنسانية للسكان المحليين والنازحين داخليًا من خلال توفير خدمات الرعاية الصحية والمياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي والمساعدات الغذائية وغيرها من الضروريات. أُسست عدد من المنظمات المحلية للدفاع عن حقوق المعتقلين والمختفين قسرًا بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء أواخر عام 2014 وما أعقبه من اعتقالات تعسفية وحالات اختفاء قسري واختطاف.
على الرغم من الحرب الدائرة والاضطرابات التي واجهتها منظمات المجتمع المدني اليمنية على مدى العقد الماضي، اتضح أن غالبية منظمات المجتمع المدني في مأرب التي استُشيرت لإعداد هذه الورقة لديها هياكل داخلية قوية وتتبع إجراءات سليمة فيما يتعلق بإعداد اللوائح التنظيمية والمالية والالتزام بها، فضلًا عن تقديم التقارير الفنية والمالية إلى الحكومة اليمنية.[17] وكشف صناع القرار داخل منظمات المجتمع المدني هذه أن ذلك نابع من الرغبة في إبرام الشراكات، والحصول على فرص التمويل، وتجديد تراخيصهم، ومواصلة أنشطتهم. فالتقيد باللوائح الداخلية السليمة يسمح لمنظمات المجتمع المدني بتنظيم أعمالها وتعزيز الإدارة الرشيدة والرقابة.
تنظم هذه اللوائح كيفية أداء منظمات المجتمع المدني لأنشطتها وتمهد السبيل لإدارة هذه المنظمات بشكل منظم ودقيق. أولًا، اتباع نظام منسق للإدارة يُسهل سير العمل عبر الأقسام والمجالات التي تنشط فيها تلك المنظمات. لدى منظمات المجتمع المدني شبكات تواصل وخبرة كبيرة تساعدها على تحديد واستخدام وتعميم ونقل وتوظيف معلوماتها وخبراتها في مختلف الأنشطة الإدارية، مثل اتخاذ القرارات وإجراءات العمل والتخطيط الاستراتيجي. كما تعتمد المنظمات على نظام للمتابعة وإجراء التقييمات المستمرة لاستعراض التقدم المحرز وفقًا لجدول زمني وبرامج محددة، وتحديد مكامن الخلل وتصحيحها.
غير أن بعض منظمات المجتمع المدني في مأرب ممن تم التواصل معها لم تفِ بهذه المعايير التشغيلية العالية. بعضها لم تقدم التقارير الفنية والمالية المطلوبة قانونًا، بسبب ضعف كفاءة موظفيها وافتقارها للموارد التشغيلية والمالية اللازمة أو بسبب توقفها التام عن العمل. أشارت أقلية من منظمات المجتمع المدني التي أُجريت مقابلات معها إلى وجود حاجة لوضع وتحديث اللوائح الداخلية، بما يتيح لها استيفاء متطلبات العمل والحصول على التمويل. أكدت بعض المنظمات أنها لم تُحدّث لوائحها الداخلية والمالية منذ تأسيسها، في حين حدثت منظمات أخرى نظمها الأساسية لاستيفاء متطلبات مانحيها الدوليين، ولكنها لم تنفذ التغييرات على أرض الواقع.
يتجلى عدم اكتراث بعض منظمات المجتمع المدني للوائح في الطرق التي يحاولون من خلالها توفير الوقت أو المال. ذكر أحد صانعي القرار العاملين في مجال التنمية أن مدراء المنظمات المحلية المنشأة حديثًا يطلبون في كثير من الحالات من منظمة أخرى نسخة من لوائحها لاستنساخها، دون تغيير أي شيء باستثناء الاسم والشعار. ووفقًا لما ذكره صانع القرار، لا يعبأ هؤلاء المدراء بقراءة اللوائح أو تنقيحها لتتناسب مع رؤيتهم وأهدافهم الخاصة. بالأحرى يركزون على استيفاء معايير التمويل التي تقتضي من الممولين والمانحين مراجعة اللوائح التنظيمية والمالية.[18]
وفي حين يمكن إلقاء قدر كبير من اللوم عن أوجه القصور في بعض منظمات المجتمع المدني بمأرب على عاتق المنظمات نفسها، تتحمل منظمات التمويل والجهات المانحة أيضًا بعض المسؤولية. هذه المنظمات لا تبذل جهدًا يُذكر للتحقق من اللوائح المعروضة عليها، كما أنها لا تساعد المنظمات المحلية على وضع لوائحها الخاصة بما يتسق مع معايير التمويل. والواقع أن معظم الجهات المانحة والمنظمات الدولية تُلزم منظمات المجتمع المدني التقيد بلوائحها وسياساتها الخاصة عند تنفيذ الأنشطة والمشاريع التي تمولها، دون الاستفادة من اللوائح الداخلية لشركائها المحليين أو اعتمادها.
رغم أهمية أن تركز منظمات المجتمع المدني على المشاريع الحالية، يجب عليها أيضًا التخطيط والتأهب للمستقبل. استنادًا إلى المقابلات التي أُجريت، لدى المنظمات في مأرب عمومًا أهداف وخطط استراتيجية محددة للسنوات الخمس المقبلة. حتى من لم تضع أهدافًا وخططًا للسنوات الخمس المقبلة، قالت إن التخطيط وتحديد الأهداف هي من بين أقوى سماتها إذ يسمح لها ذلك بتقديم المشورة إلى المنظمات المحلية الأخرى ومكتب الشؤون الاجتماعية والعمل. تُستعرض الأهداف والخطط بصورة دورية، سعيًا إلى تحليل كيفية تنفيذ المشاريع.
الوضع ليس كذلك بالنسبة لجميع منظمات المجتمع المدني في مأرب. فقد تفشل منظمات في تنفيذ حتى الخطط الأساسية لنشاط أو مشروع ما، أو قد يطلب منها إدخال تغييرات جزئية أو جوهرية على استراتيجياتها، كما كان الحال خلال جائحة كورونا، عندما اضطرت المنظمات المحلية والعالمية إلى إلغاء أو تعليق العديد من مشاريعها.
لم يكن مفاجئًا وجود هذه الفوارق الملحوظة بين منظمات المجتمع المدني المحلية، وينبع ذلك من العوامل التالية: غياب برامج تدريبية في مجال التخطيط الاستراتيجي أو بناء القدرات المؤسسية، والافتقار إلى مصادر تمويل مستدامة تُمكّن المنظمات من وضع أهداف أو خطط استراتيجية قصيرة أو طويلة الأجل. ولذلك تضطر معظم المنظمات إلى غض الطرف عن وضع استراتيجيات قصيرة أو طويلة الأجل. ويمكن أن يسهم تدخل مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل في الحد من هذه المشكلة عبر تنسيق تبادل الخبرات بين المنظمات المحلية.
تُدار منظمات المجتمع المدني في مأرب إلى حد كبير بتوافق الآراء بين أعضاء الهيئة الإدارية أو مجلس الإدارة، بمعنى أنه لا يُلزم إجراء تصويت لاتخاذ قرار بشأن المسائل العالقة. من الناحية القانونية، تتوقف طبيعة وأسلوب إدارة منظمات المجتمع المدني على قرارات المؤسسين أو مجلس الأمناء، الذين يُحددون ما إذا كان ينبغي إدارة المنظمة بتوافق الآراء أو بطريقة انتخابية.[19]
أفادت إحدى المنظمات بأن قراراتها تُتخذ بشكل جماعي، وتُدار بصورة تشاركية على كافة المستويات. وأضافت أن القرارات الانفرادية يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة، وقد يُحاسب فرد واحد على اتخاذ هذا القرار. في مقابل ذلك، يتحمل الجميع المسؤولية عن نتائج اتخاذ قرار جماعي، سواء كان ناجحًا أو فاشلًا.[20]
عززت الحاجة المتزايدة إلى الخدمات التي تقدمها منظمات المجتمع المدني قدرتها على تنفيذ المشاريع على نطاق أوسع. وساهم التمويل الدولي المخصص للاستجابة الإنسانية وعمليات الإغاثة في تمكين المنظمات من تنفيذ المشاريع والأنشطة والتدخلات. ومع ذلك، أثّر الوضع الأمني على قدرتها في الوصول إلى المناطق المتضررة مباشرة من الحرب وتنفيذ عمليات الإغاثة، مثل توزيع المساعدات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ ورصد وتوثيق الحوادث والانتهاكات؛ ومقابلة الضحايا في المناطق المعرضة للخطر. في الوقت نفسه، تعطلت بعض الأنشطة الإنمائية التي تلقت بالفعل تمويلًا وكانت تُنفذ في مديريات أكثر استقرارًا بعد امتداد نطاق الحرب إلى تلك المناطق، مما دفع المنظمات إلى وقف المشاريع أو نقلها. فقد نُقل مشروع لتجديد إحدى المدارس في مديرية مدغل بمأرب إلى مديرية أخرى “رغوان” في نفس المحافظة، نتيجة القتال.[21]
يمكن الاستدلال على تنامي وجود المنظمات الإنمائية الدولية في مأرب، وتأثير الوضع الأمني على تنفيذ المشاريع، من خلال حالة واحدة من هذه المنظمات التي افتتحت مكتبًا لها في مأرب بعد عام من بدء الحرب. قبل عام 2015، لم يكن للمنظمة وجود مباشر في محافظة مأرب.[22] وحدث هذا التغيير استجابة لتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية لسكان مأرب وتدفق النازحين داخليًا إلى المحافظة. خصصت المنظمة جزءًا كبيرًا من تمويلها لمشاريع مختلفة في مجال الإنعاش المبكر وتوفير الخدمات في القطاعات الرئيسية، مثل الزراعة والمياه. ومع ذلك، أثر النزاع على طبيعة أنشطتها وقدرتها في تنفيذ مشاريع بالمحافظة، مع امتداد المعارك القتالية إلى عدة مديريات تُنفذ فيها برامج. أجبر هذا الوضع المنظمة على إعادة النظر في المناطق المضطربة أو إعادة التنسيق مع الأطراف التي تسيطر على هذه المناطق، وهي عملية تستغرق وقتًا طويلًا وتتطلب جهدًا كبيرًا. في ظل هذه الظروف، قد يستغرق الأمر من ثلاثة إلى ستة أشهر لإعادة تنسيق وتنفيذ الأنشطة المخطط لها. هذا بدوره يؤثر على الجدول الزمني للمشروع وميزانيته والالتزامات تجاه المانحين في حالة حدوث تأخير في التنفيذ أو عند طلب تمديد فترة المشروع.
لم تقتصر تداعيات الحرب على خطط عمل المنظمات. وأفادت معظم منظمات المجتمع المدني المحلية التي أُجري معها مقابلات أن العاملين والمتطوعين فيها عانوا أيضًا على المستوى الشخصي في ظل ما يواجهونه من تدهور الظروف المعيشية وارتفاع أسعار المواد الغذائية والإيجارات والرسوم المفروضة على التحويلات النقدية من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وفي بعض الحالات، أدى تأثير الحرب على الحالة النفسية للعاملين إلى تراجع دافعهم وقناعاتهم بأهمية العمل المجتمعي والتطوعي.
أفادت إحدى المنظمات أنه في ذروة الحرب، أُجبر معظم موظفيها وعامليها على الانتقال مع أسرهم خارج المحافظة، وعلقت المنظمة أنشطتها وأغلقت مقرها من عام 2015 حتى عام 2017. ولكن حين انتهى الخطر المحدق، تغيرت الحالة النفسية للعاملين. بعد عودتهم، باتوا يعيشون في خوف دائم من أن تستمر الحرب وأنهم لن يروا الأمن والاستقرار مرة أخرى. الأمر لم يكن كذلك في جميع الأمكنة؛ حيث صرحت منظمة محلية أخرى بأن الحرب لم تؤثر سلبًا على فريقها، بل على النقيض، جعلتهم أكثر حماسًا للعمل. وقد منحتهم رؤية مدى حاجة المجتمع المحلي إليهم أكثر من أي وقت مضى، القوة والحماس لتقديم المساعدة.[23]
ظل هذا التفاؤل منتشرًا على نطاق واسع؛ وأشار الموظفون المحليون والمتطوعون من مختلف منظمات المجتمع المدني المحلية في مدينة مأرب أنهم يشعرون بمستوى عالٍ من الرضا عن الأنشطة والمشاريع والخدمات التي قدمتها منظماتهم على مدى السنوات الخمس الماضية. وشددوا على العمل المهم الذي تقوم به هذه المنظمات والأثر المجتمعي الكبير الذي أحدثته من خلال المشاريع التي تدعم وتمكّن النساء والشباب والأشخاص النازحين. كما سلطوا الضوء على الدور الذي لعبته منظمات المجتمع المدني في تشجيع ودعم المبادرات المجتمعية في مجال بناء السلام والمصالحة المجتمعية والتوعية بمخاطر الأوبئة والأمراض وبأهمية التدابير الوقائية والاحترازية ضد كورونا.
أوجد عمل منظمات المجتمع المدني وتنفيذ عشرات المشاريع في المحافظة خلال الحرب فرص عمل جديدة للعديد من الشباب العاطلين عن العمل. كما عزز اهتمام الشباب المتزايد بالعمل المجتمعي ورغبتهم في العمل مع هذه المنظمات لتحسين أوضاعهم المهنية والمالية.
ظلت هناك أيضًا تحديات، حيث ينجز المتطوعون مهامهم بمناطق النزاع في ظل خوف على حياتهم وسلامتهم. ويتعرض من يشارك في إعداد تقارير صحفية وأبحاث ترصد وتوثق الانتهاكات لخطر الاعتقال بسبب طبيعة عملهم. ويواجه آخرون مخاطر بالعمل مع منظمة معينة أو في منطقة يسيطر عليها طرف من أطراف النزاع. كما أن تأثير الوضع الأمني والاقتصادي على صحتهم النفسية وسبل عيشهم يلقي بثقله على العاملين والمتطوعين.
منذ عام 2015، أثرت الحرب بشكل كبير على أنشطة وتمويل منظمات المجتمع المدني المحلية في مأرب. وحولت عدد من المنظمات طبيعة ونوع التدخلات المخطط لها للمجتمع المحلي من التنمية إلى الإغاثة والاستجابة في حالات الطوارئ. جرى التخلي إلى حد كبير عن المشاريع التي نُفذت قبل الحرب، مثل البرامج التدريبية، وحملات المناصرة، وبرامج بناء قدرات الشباب، والأنشطة الرياضية. وعوضًا عن ذلك، تركز المنظمات على توفير الاحتياجات الإنسانية للنازحين داخليًا والسكان المحليين. إلاّ أنه مع تزايد عدد المنظمات التي تعمل على تلبية احتياجات النازحين، عادت بعض المنظمات إلى أنشطتها الإنمائية السابقة.
خلال فترة النزاع، خصص المانحون تمويلًا محدودًا لتنفيذ مشاريع خارج نطاق أعمال الإغاثة، لا سيما قبل عام 2018. وأدى ذلك إلى تعليق بعض المنظمات أعمالها مؤقتًا أو إطلاق مشاريع لا تتفق مع أهدافها الأولية ونطاق عملها. اتخاذ هذه القرارات كان ضروريًا لكي تظل المنظمات عاملة وتفي بالالتزامات المالية، مثل إيجار المكاتب، والمرتبات، وبدلات النقل الخاصة بموظفيها.[24] لاحظ السكان المحليون في مدينة مأرب هذا التغيير، حيث أفاد أكثر من ثلاثة أرباع الذين شملهم الاستطلاع لهذه الورقة عن زيادة وتغيّر في نوع المشاريع والتدخلات التي تنفذها المنظمات داخل المحافظة.
أشارت منظمتان محليتان تأسستا قبل عام 2015 إلى أن أكثر من 20 مشروعًا مختلفًا نُفذت قبل الحرب في عدة مجالات، أهمها بناء وتنمية قدرات الشباب، وتعزيز الحوار، وخلق فرص العمل، وإجراء البحوث، فضلًا عن مجال التعليم. وأكدت خمس منظمات محلية، أُنشئت بين عامي 2015 و2020، أنها نفذت أكثر من 100 مشروع. وفي حين تركز معظم أعمالها على الإغاثة والاستجابة الإنسانية، شملت مشاريع أخرى التدريب وإعادة التأهيل، والمساءلة المجتمعية، وحل النزاعات، وبناء السلام، ورصد وتوثيق الانتهاكات ضد حقوق الإنسان والصحافة.[25]
أثر النزاع في مأرب على استدامة المشاريع التي تنفذها المنظمات المحلية، وأجبرها على تضييق نطاق أهدافها. تغير خطوط المواجهة كان يعني اضطرار بعض المشاريع مثل بناء وحدات سكنية للنازحين إلى التوقف في مناطق معينة بمجرد بدء المعارك القتالية فيها، مما حد من وصول العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية.[26] اضطرت بعض المنظمات المحلية إلى الحد من تطلعاتها، حيث اضطرت إحدى المنظمات المحلية إلى التخلي عن خططها لتوسيع أنشطتها دوليًا بسبب النزاع الذي طال أمده.[27]
كان للحرب آثار متفاوتة على أسماء المنظمات المحلية في مدينة مأرب ومجال عملها وأهدافها. ففي بعض الحالات، قد ترى أطراف النزاع مشكلة في طبيعة العمل الذي تضطلع به بعض المنظمات أو في مصادر تمويلها. ولتجنب أي تعقيدات، قد تضطر المنظمات إلى تغيير اسمها وأسماء مشاريعها. وقد صرح عضو في منظمة حقوقية تعمل في مناطق يسيطر عليها الحوثيون ومناطق تسيطر عليها الحكومة أن المنظمة اضطرت إلى استخدام اسم مختلف في كل منطقة من أجل تنفيذ أنشطتها.[28]
لدى معظم المنظمات المحلية التي تعمل في مأرب منذ عام 2015 معرفة محدودة بمصادر التمويل الجديدة المحتملة. لم تعلم هذه المنظمات عن وجود هذه القنوات إلا من خلال خبرتها الطويلة في العمل المجتمعي وعلاقتها الواسعة مع عدد من الوكالات والمنظمات. كما اعتمدت على التواصل المباشر مع المانحين والممولين لمناقشة فرص التعاون والشراكة والتمويل، إضافة إلى البحث عبر الإنترنت ومراقبة الدعوات المفتوحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتقديم مقترحات المشاريع.
واكتسبت عدد من المنظمات المحلية منذ عام 2015 المزيد من المعرفة بالفرص المتاحة للتقدم بطلب للحصول على المنح. ورغم تقديم عدد من مقترحات المشاريع، إلا أنهم يواجهون الكثير من التحديات للحصول على موافقة المانحين كصعوبة استيفاء المعايير والشروط ومتطلبات وجود مكاتب لهم في صنعاء، أو الانتماءات السياسية أو الحزبية، أو القدرة المحدودة في اللغة الإنجليزية حيث إنها تعوق قدرة الموظفين على تقديم مقترحات وتقارير إلى الجهات المانحة.
تؤمن الأغلبية العظمى من المنظمات المحلية في محافظة مأرب بأهمية التعاون والشراكات الفاعلة مع السلطات المحلية والمكاتب التنفيذية ذات الصلة. يلعب هذا النوع من العلاقات دورًا رئيسيًا في تسهيل تنفيذ المشاريع والتغلب على التحديات التي قد تواجه المنظمة أو العاملين فيها. جميع المنظمات التي تواصلنا معها قالت إن لديها علاقات ممتازة مع الجهات الرسمية والسلطات الحكومية وعدد من المكاتب التنفيذية في المحافظة مثل مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل ومكتب حقوق الإنسان ومكتب الشباب والرياضة. كما أنها تنسق مع الوحدة التنفيذية المسؤولة عن إدارة مخيمات النازحين داخليًا في مأرب.
هذه العلاقة مع المنظمات الدولية والمانحين الدوليين تسمح للمنظمات المحلية أن تقيم شراكات وتموّل مشاريع بشكل مباشر. على بعض المنظمات أن تستخدم منظمات المجتمع المدني المحلية كوسيط عند سعيها للتشبيك أو إقامة شراكة مع المنظمات الدولية. لكن عدم وجود مكاتب لبعض المانحين الدوليين في مأرب قد يصعب على بعض منظمات المجتمع المدني إقامة شراكات فعالة.
غير أن هذا التنسيق والتعاون أقل تواترًا بين المنظمات المحلية نفسها. يبدو وكأن منظمات المجتمع المدني بمأرب لا تدرك أهمية بناء شراكات حقيقية مع بعضها البعض عند تخطيط وتنفيذ المشاريع في المحافظة. 70% من المنظمات المحلية التي أُجريت معها مقابلات قالت إنها ليست عضوًا في أي ائتلاف أو شبكة. وأشارت 30% من منظمات المجتمع المدني المنضوية ضمن شبكة أو ائتلاف أو تحالف مدني إلى أن هذه العضوية تُحسن من فرص الشراكات الفعالة والتعاون المشترك. من شأن التنسيق بين المنظمات المحلية أن يخلق فرصًا للتشبيك وتبادل الخبرات، فضلًا عن إتاحة فرص أكبر لمنظمات المجتمع المدني للحصول على التمويل من المنظمات الدولية والمانحين الدوليين الذين يمنحون أولوية التمويل للمنظمات التي تعمل ضمن شبكة. كما أن العمل ضمن مجموعة يسهّل وصول أنشطة المنظمة لعدد أكبر من الناس.
شددت المنظمات المحلية بمأرب على أهمية امتلاك حد أدنى من القدرات والمعايير في الإدارة والأنظمة والسياسات والهيكلية لتكون مؤهلة للحصول على فرص التمويل وبناء شراكات فعالة مع مختلف الجهات الحكومية والمحلية والدولية. من أهم هذه المتطلبات إنشاء هيكل مؤسسي والتنظيم الداخلي واللوائح والأنظمة المالية. كما تشمل هذه المعايير، التي تسهّل وصول المنظمات إلى التمويل والشراكات، حيازة قدرات تشغيلية أساسية مثل وجود فريق مؤهل يتمتع بخبرة واسعة ولديه علاقات واسعة النطاق، ووجود مقر مجهز بالمعدات الأساسية.
أشارت جميع المنظمات إلى أنها تمتلك القدرة على التوظيف وجذب متطوعين، لكن الأغلبية منهم ليسوا مؤهلين أو لا يمتلكون خبرة كافية في العمل المجتمعي أو في إدارة وتنفيذ المشاريع، الأمر الذي يزيد العبء المالي على هذه المنظمات حيث إنها تغطي تكاليف تدريب وتطوير مهارات الموظفين والمتطوعين.
تعتمد معظم المنظمات المحلية بمأرب على المنح والأموال التي توفرها المنظمات الدولية والمانحون الدوليون وعلى التمويل الذاتي والدعم من المؤسسين أو أعضاء مجلس الإدارة والتبرعات والمساهمات من رجال الأعمال وفاعلي الخير. نتيجة لذلك، تفتقر المنظمات إلى الاستقرار المالي لتغطية التكاليف التشغيلية والرواتب. وبالتالي فإن استبقاء الموظفين المؤهلين والأكفاء يشكل تحديًا بالنسبة لها نظرًا لعدم قدرتها على دفع الرواتب بانتظام، لا سيما عندما تجف التدفقات النقدية عند انتهاء المشاريع. الكثير من الموظفين يستقيلون من عملهم فور عثورهم على عمل مقابل راتب أفضل.
إضافة إلى ذلك، ازدادت فرص العمل مع المنظمات الدولية وضمن المشاريع الكبيرة التي يمولها مانحون بين عامي 2015 و2020، ما أدى إلى فقدان منظمات المجتمع المدني المحلية العشرات من الموظفين والمتطوعين الذين دربتهم على مر سنوات. وأدى وجود منظمات دولية في مأرب إلى ارتفاع كلفة إيجار السيارات وقاعات التدريب والوجبات المقدمة خلال الأنشطة. كما ازدادت أجور وأتعاب المستشارين والمتخصصين في الإعلام والمدربين ومقدمي الخدمات التقنية واللوجستية.
أثر النزاع في اليمن أيضًا على الشراكات الفاعلة بين منظمات المجتمع المدني المحلية والمنظمات الدولية.
أشار أحد صناع القرار في منظمة تُعنى بالتنمية المحلية إلى أنه ورغم من إضافة أنشطة الإغاثة والأعمال الإنسانية إلى عمليات المنظمة، إلا أن فرص العمل في هذا المجال لم تكن فرص شراكات أو تمويل دولي مباشر. اقتصر دور المنظمة على تنفيذ الأنشطة على الأرض دون الانخراط في تصميم وصياغة المشاريع. كما لم تُشمل المنظمة في عملية اختيار وشراء الأغراض المخطط توزيعها على الفئات المستهدفة، ولم تُمنح الفرصة لتدريب موظفيها وتطوير مهاراتهم على كيفية إدارة وتنفيذ هذه المشاريع والأنشطة.[29]
أثر النزاع على فرص منظمات المجتمع المدني للوصول إلى التمويل الدولي، حيث أوضحت بعض المنظمات أن هذا يعود لعدم قدرتها على الوصول إلى الممولين. كما أن الافتقار إلى التواصل مع الممولين قد يخلق مشاكل من نوع آخر. على سبيل المثال، قالت إحدى المنظمات إنه وبسبب النزاع، صُنفت على أنها منظمة سياسية رغم أن عملها إنساني بشكل أساسي، وأدى ذلك إلى فقدانها فرص التمويل والشراكات مع المنظمات الدولية والمانحين الدوليين.[30]
بالمقابل، أدى النزاع إلى ازدياد التعاون والشراكات بين منظمات المجتمع المدني المحلية والعديد من الأطراف الفاعلة المحلية والدولية. أشار أحد صناع القرار في منظمة محلية بمأرب إلى توسع الشراكات الموجودة مع المنظمات التي عملوا معها قبل اندلاع الحرب، وأن المنظمة تمكنت من بناء المزيد من العلاقات مع منظمات دولية جديدة ومانحين دوليين آخرين. وأكد مدير عام مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل أن فرص الشراكة والتمويل التي تتيحها المنظمات الدولية لمنظمات المجتمع المدني المحلية قد ازدادت بوجه عام.[31]
من جانبها، استفادت منظمات التنمية الدولية من التعاون مع المنظمات المحلية. قال موظف في منظمة تنمية دولية لديها مكتب بمأرب إنهم ينفذون مشاريعهم عبر فريق يعمل على الأرض وأن هناك شراكات محدودة مع السلطات المحلية والمكاتب التنفيذية ذات الصلة.[32] وبدلًا من معالجة احتياجات المجتمع بشكل مباشر، توفر المنظمة برامج تدريبية إلى منظمات المجتمع المدني المحلية وأفراد من المجتمع المحلي حول أهداف مشروع ما. على سبيل المثال، إذا كان المشروع يتعلق بتوفير الماء، تدرب المنظمة عددًا من المتطوعين المحليين ليشكلوا لجان اجتماعية تضمن إدارة المشروع بشكل جيد في منطقتهم. وأنشأت المنظمة شراكة استشارية مع عدد من منظمات المجتمع المدني المحلية للاستفادة من خبرتهم وقدرتهم على الوصول. وقال الموظف إن المجتمع يستجيب بشكل إيجابي للمشاريع والأنشطة التي تنفذها المنظمات الدولية، ويعود ذلك إلى إدراك السكان بأهمية هذا العمل وهذه المشاريع. لكنه أشار إلى إمكانية نشوء تحديات عند التعامل مع السكان المحليين نتيجة فهم المنظمات الضعيف لطبيعة وجغرافية وفئات وشرائح المجتمع المحلي.
أثر النزاع بشدة على حرية حركة موظفي منظمات المجتمع المدني بمأرب، حيث يخشى الموظفون من التعرض للاعتقال عند ذهابهم إلى العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، حتى لو أنهم ينحدرون من هناك.[33] نتيجة النزاع، أصبحت الطرق المباشرة بين المناطق المختلفة غير آمنة للتنقل عبرها. فالطريق المعتاد بين مأرب وصنعاء يبلغ طوله 160 كيلومترًا، غير أنه أُغلق بسبب الصراع ليضطر موظفو منظمات المجتمع المدني واليمنيون بشكل عام إلى استخدام طريق بديلة يبلغ طوله أكثر من الضعف.
لا تقتصر المصاعب المتعلقة بالتنقل وإغلاق الطرقات على المناطق الواقعة على الجبهات بين قوات الحوثيين والحكومة اليمنية، إذ أن سكان الجنوب يعانون من صعوبات مماثلة نظرًا لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال على عدة مناطق. يعوق الصراع على السلطة بين قوات الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي قدرة موظفي منظمات المجتمع المدني من التنقل من مأرب إلى عدن، العاصمة المؤقتة التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي.
لم يؤثر النزاع على حرية الحركة بين المحافظات وحسب، ولكن أيضًا على التنقل بين المديريات والعزل والقرى داخل المحافظة نفسها. لم يعد بوسع موظفي منظمات المجتمع المدني المحلي الوصول إلى المناطق شديدة الخطورة داخل مأرب خشية على سلامتهم لا سيما وأنهم يجرون مسوحات ميدانية ويقدمون خدمات إنسانية أو يقومون بمهام في مخيمات النازحين داخليًا. تعود هذه المعوقات إلى افتقار الأطراف المتحاربة وأولئك الذين يديرون نقاط التفتيش العسكرية والأمنية إلى فهم طبيعة الأنشطة التي تنفذها المنظمات المحلية. ورغم حيادية منظمات المجتمع المدني وعدم تحيزها، زعمت الأطراف المتحاربة أن هذه المنظمات وموظفيها ينفذون أجندات خارجية ويؤججون الصراع عبر جمع معلومات ومشاركة بيانات استخباراتية مع دول أجنبية.
واجهت منظمات المجتمع المدني في اليمن على مدى السنوات الخمس الماضية عوائق وقيود متعددة على طبيعة وموقع ونوع المشاريع والأنشطة التي تنفذها، وفُرضت من قِبل جميع أطراف النزاع، لا سيما جماعة الحوثيين.[34] قالت المنظمات المحلية التي تعمل بمحافظة مأرب إن السلطات المحلية والقوات الأمنية تعاملت معها بشكل جيد ومرن على صعيد تنسيق المشاريع وتقديم التسهيلات. وأفادت إحدى المنظمات العاملة في مجال الحماية وسيادة القانون أنها تمكنت من إقامة شراكات فعالة مع عدد من مكاتب الحكومة التي استضافت العديد من أنشطتها واجتماعاتها.[35] ويسرت المكاتب الحكومية زيارات إلى السجون، فضلًا عن عقد اجتماعات ومقابلات مع قادة مدنيين وأمنيين في المحافظة. كما سهلت السلطات بمأرب حركة موظفي منظمة مجتمع مدني أخرى ونقل المواد واللوازم لتنفيذ مشاريعها عبر منح التصاريح للعمل الميداني.[36]
كما شاركت السلطات المحلية في إطلاق مشاريع وأنشطة المنظمات بمأرب وأبدت استعدادها لإزالة العوائق والمصاعب التي قد تواجهها خلال عملها المجتمعي. وسهل المسؤولون منح تصاريح عمل لمنظمات جديدة أو لمنظمات نقلت مقارها إلى مأرب، وتجديد تصاريح المنظمات التي تعمل في المحافظة منذ سنوات. كما أمنت السلطات الحماية الأمنية لبعض المنظمات التي تنفذ أنشطة تتطلب الحماية، مثل تلك التي تُنفذ خلال المظاهرات أو الاحتفالات وغيرها من الفعاليات العامة.
رغم المساعدة التي تقدمها السلطات المحلية والأجهزة الأمنية لمنظمات المجتمع المدني، إلا أن الصراع المستمر والوضع العسكري والأمني في المحافظة دفع بالمسؤولين إلى فرض عدد من القيود والعوائق على عمل وأنشطة هذه المنظمات. تشمل إحدى العقبات التي تستغرق وقتًا طويلًا والتي يعوق عملها إلزام المنظمات الشريكة غير المقيمة بفتح فروع لها في المحافظة والحصول على إذن من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في عدن. كما يُتوقع من المنظمات أن تقدم إلى السلطات نسخًا من بطاقات الهوية لجميع الموظفين والعاملين في مشروع معيّن. أفادت إحدى المنظمات أن القيود التي واجهتها أدت إلى تأخير تنفيذ الأنشطة التي كان من المخطط تنفيذها بالشراكة مع منظمة محلية أخرى.[37]
أحد القيود التي فُرضت مؤخرًا على منظمات المجتمع المدني المحلية هي اشتراط الحصول على تصريح أمني قبل منح الموافقة على تنفيذ نشاط ميداني أو أي نشاط يشمل استئجار مساحة أو قاعة. يتوقع من المنظمات تقديم معلومات عن هدف المشروع ومصدر التمويل وعن خلفيتها وأجندتها والفئات المستهدفة إلى الجهات الأمنية. وبعد استيفاء هذه الشروط، تتفحص السلطات المعلومات ثم تقرر إذا ستوافق على تنفيذ المشروع. رغم هذه الإجراءات، إلا أن المنظمات أشارت إلى سهولة الحصول على هذه التصاريح.[38]
لتقييم أثر النزاع على جودة واستدامة المشاريع والخدمات التي تقدمها منظمات المجتمع المدني بمأرب، أُجري مسح عبر الإنترنت شارك فيه 49 فردًا من المجتمع المحلي ومجتمعات النازحين داخليًا – 43% منهم نساء و57% منهم رجال.
بحسب المسح، فإن أغلبية المستجيبين ينظرون إلى منظمات المجتمع المدني بشكل إيجابي. أفاد حوالي 77% منهم أنهم يلجؤون -بدرجات متفاوتة -للحصول على الخدمات والدعم الذي لا يتلقونه من السلطات المحلية. وقال 86% منهم إنهم تعاملوا مع منظمات المجتمع المدني المحلية من قبل بينما قال 14% منهم إنهم لم يتعاملوا معها. اتفق معظم المستجيبين -بدرجات متفاوتة -أن منظمات المجتمع المدني المحلية تلعب دورًا مهمًا في التنمية والدعم الإنساني. كما أشاروا إلى ازدياد عدد المنظمات والمشاريع في مجال الإغاثة والاستجابة الإنسانية التي أمنت المساعدة للسكان، لا سيما النازحين داخليًا، ولبت احتياجاتهم وسط انخفاض الرواتب وتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وخلقت فرص عمل للشباب في المحافظة.
ذكر المستجيبون هذه النتائج الإيجابية المرتبطة بعمل منظمات المجتمع المدني:
شدد مشاركون آخرون في الاستطلاع على وجود أوجه قصور في أداء العديد من منظمات المجتمع المدني المحلية، قائلين إن معظم أنشطتها ومشاريعها لا تستجيب لاحتياجات المجتمع والمعاناة الناجمة عن الحرب. وأشاروا إلى أن أنشطة العديد من المنظمات العاملة في مجاليّ الإغاثة والاستجابة الإنسانية لا تتفق مع معايير اسفير، وهي مجموعة من المبادئ المعترف بها على نطاق واسع والمعايير الدنيا للعمل الإنساني. كما قيّموا ضعف قدرة منظمات المجتمع المدني على تقييم الفئات الضعيفة التي تحتاج إلى خدماتها.
وفيما يلي بعض النتائج السلبية الرئيسية التي ذكروها:
أدرجت منظمات المجتمع المدني المحلية عددًا من التحديات التي تواجه عملها وأدائها في محافظة مأرب على النحو التالي:
خطت منظمات المجتمع المدني في محافظة مأرب خطوات واسعة في السنوات التي انقضت منذ بدء الحرب، وستستمر الحاجة إلى خدماتها لفترة طويلة بعد انتهاء الحرب. وعلى الرغم من الأثر الإيجابي الذي خلفته على المجتمعات المحلية ومجتمعات النازحين، يلزم اتخاذ عدد من الخطوات للتصدي للتحديات الداخلية والخارجية التي تعوق عملها وتحد من نموها في المستقبل. وتحقيقًا لهذا الغرض، ينبغي للسلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية والجهات المانحة أن تنظر بعين الاعتبار في التوصيات التالية:
للسلطات المحلية ومكاتبها التنفيذية في محافظة مأرب:
للمنظمات المحلية في محافظة مأرب:
للمنظمات والجهات المانحة الدولية:
أُعد هذا التقرير كجزء من مشروع منتدى سلام اليمن، وهو مبادرة من مركز صنعاء تسعى إلى تمكين الجيل القادم من الشباب اليمني ونشطاء المجتمع المدني من المشاركة في القضايا الوطنية الملحة.
مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.