كانت اليمن من بين آخر الدول التي أعلنت عن وصول جائحة كوفيد-19 إلى أراضيها. فأول حالة مؤكدة في البلاد أُعلنت بتاريخ 10 أبريل/نيسان 2020، بعد شهر واحد من إعلان منظمة الصحة العالمية وباءً عالميًّا في 11 مارس/آذار. ترقب الكثيرون حدوث انفجار في أعداد الإصابات والعدوى باليمن، بعد أن دمرت ست سنوات من الحرب قطاع الرعاية الصحية وشرذمت البلاد. تزامنت الموجة الأولى من وباء كوفيد-19 في اليمن مع تفشي الملاريا وحمى الضنك وحمى الشيكونغونيا، وهي أمراض متوطنة منذ فترة طويلة في البلاد وأعراضها مشابهة لتلك التي تظهر على المصابين بكوفيد-19.[1] في ذلك الوقت، وصفت كلير هادونغ، رئيسة بعثة منظمة أطباء بلا حدود في اليمن، الاستجابة اليمنية للوباء بأنها مزيج من إنكار انتشار الفيروس، والخوف عند مواجهة حالة مصابة. ويُتفهم هذا الذعر بالنظر إلى افتقار البلد شبه التام القدرة على الاستجابة.[2]
سجلت اليمن واحدة من أدنى معدلات الإصابة بفيروس كوفيد-19 والوفيات المرتبطة به على مستوى الشرق الأوسط، رغم أن الأعداد الرسمية المعلنة لكل من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا وجماعة الحوثيين المسلحة (أنصار الله) غير موثوقة بسبب الافتقار لقدرات إجراء الاختبارات ومحدودية الوصول إلى العلاج الطبي.[3] علاوة على ذلك، قامت سلطات الحوثيين بترهيب العاملين في مجال الرعاية الصحية، والصحفيين، بل وحتى حفاري القبور لحجب المعلومات المتعلقة بمدى تفشي المرض في المناطق التي يسيطرون عليها.[4] لم تقدم سلطات الحوثيين، التي تسيطر على معظم المناطق الحضرية الكبرى في البلاد، إحصاءات عن مدى انتشار الفيروس منذ مايو/أيار 2020 حين أعلنت عن تسجيل أربع حالات إصابة بفيروس كورونا، وحالة وفاة واحدة.[5]
بالإضافة إلى ذلك، حال الخوف والوصم المرتبطان بمرض كوفيد-19 دون سعي الناس للحصول على الرعاية الطبية.[6] ففي المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، انتشرت شائعات خلال الموجة الأولى مفادها أن المرضى المشتبه بإصابتهم بكوفيد-19 يتعرضون للقتل الرحيم أو ما يطلق عليه “حقن الرحمة”. وغذى ذلك الخوف لدى الناس وأثناهم عن الذهاب إلى المستشفيات.[7] علاوة على ذلك، دفعت سمعة المستشفيات السيئة بعض الناس إلى البقاء في منازلهم عوضًا عن التماس العلاج. وخلال الموجة الأولى من الوباء، دفع الافتقار إلى قدرات الاستجابة والوقاية أعدادًا كبيرة من العاملين الصحيين، المعرضين لخطر التعرّض المباشر للفيروس، إلى الاستقالة والبقاء في منازلهم خوفًا من التقاط العدوى.[8] وأغلقت العديد من المستشفيات أبوابها أمام المرضى، بمن فيهم أولئك الذين لا يعانون من أعراض كوفيد-19، للحد من انتشار المرض بين العاملين الصحيين.[9]
انحسر الذعر الذي سببته الموجة الأولى، وتلاشى معه حذر الناس من الوباء. ظهرت موجة ثانية من وباء كوفيد-19 في فبراير/شباط 2021،[10] ولكن -وفقًا للدكتور آدم الجعيدي، وهو طبيب في مركز العزل الصحي “شفاك”- أصبح الناس غير مُبالين. وأشار إلى أن البعض باتوا يعتقدون أنهم في حال أصيبوا بالفيروس فقد أصبحوا محصنين ضده، مؤكدًا أن الناس باتوا غير مستعدين للتوقف عن العمل وفقدان دخولهم كما حدث خلال الموجة الأولى.[11]
وفي حين لم يَسْلم سوى عدد قليل من أثر هذه الأزمة، عانت النساء والفتيات في اليمن من الجائحة بشكل مختلف مقارنة بالرجال والفتيان. ويستكشف موجز السياسة هذا تأثير جائحة كوفيد-19 على النساء في اليمن، ويستقصي مدى إمكانية وصول النساء إلى الرعاية الصحية وكيف تؤدي الأعراف الاجتماعية إلى عدم تكافؤ فرص حصولهن على العلاج؛ والزيادة الملحوظة في العنف القائم على النوع الاجتماعي المرتبطة بفقدان سبل كسب العيش والحبس المنزلي؛ والأثر الاقتصادي الناجم عن التدابير المفروضة لاحتواء الجائحة، مثل حظر التجول والإغلاق العام، على النساء اليمنيات.
كما هو الحال في العديد من المجتمعات، تقع أعمال الرعاية في اليمن غالبًا على عاتق النساء. يُتوقع من المرأة أن تتولى رعاية الأطفال والزوج، وفي بعض الحالات، يقمن برعاية بعض أفراد الأسرة مثل الحَمَوين المرضى أو المسنين، ولا سيما في ظروف استثنائية مثل حالات تفشي الأوبئة والحروب. تُعتبر المرأة، وفقًا للعُرف المجتمعي، الممرضة المنزلية. وحين يُلم بها المرض، لا تلتمس المرأة في كثير من الأحيان الرعاية الطبية إلا في الحالات الحرجة؛ وهي عادة آخر من يتلقى العلاج داخل الأسرة.[12]
تؤدي الصعوبات العملية المرتبطة بالوصول إلى المرافق الصحية إلى مفاقمة هذا الوضع: قدّرت دراسة أجرتها مجلة الصحة العالمية لانسيت (Lancet Global Health) في عام 2018 أن ما يقرب من 8.8 مليون من إجمالي سكان اليمن -أي حوالي الثلث- يعيشون على بُعد أكثر من 30 دقيقة من أقرب منشأة رعاية صحية أولية عامة تعمل بشكل كامل أو جزئي، وأن أكثر من 12 مليون يمني يعيشون على بُعد أكثر من ساعة من أقرب مستشفى عام. يعيش حوالي 40% من اليمنيين على بُعد ساعتين من المرافق التي توفر الرعاية التوليدية والجراحة الطارئة الشاملة.[13] تفترض هذه التقديرات سهولة وصول الناس إلى وسائل النقل، علمًا أنها تضررت بشدة جراء الحرب. فلم تعد الطرق آمنة وغالبًا ما تكون غير ملائمة للتنقل بسبب الأضرار أو آثار الفيضانات، فيما قد يترتب على التنقل تكاليف باهظة بسبب الارتفاع الحاد في أسعار الوقود.
تتعدد الأسباب التي تؤخر أو تمنع المرأة من تلقي الرعاية الصحية. ووفقًا لمقابلات أُجريت بين 2 مايو/أيار ومارس/آذار 2021 مع عدد من العاملين في مجال الرعاية الصحية والمجتمع المدني ممن كانوا على دراية مباشرة بوضع الجائحة على الأرض في تعز وعدن وحضرموت وشبوة والحديدة ولحج، كانت الصعوبات المالية عقبة رئيسية تحول دون الحصول على الرعاية الصحية. أثرت جائحة كوفيد-19 سلبًا على سبل معيشة الناس في جميع أنحاء العالم؛ وفي اليمن تحديدًا، حيث كان السكان يعانون أساسًا من الصراعات والأزمات الاقتصادية، أدت الجائحة إلى استشراء الفقر على نطاق واسع، مما حدّ من إمكانية الحصول على الرعاية الصحية التي غالبًا ما تكون مُكلفة. يقول سامي الحكيمي، الذي يعمل في منظمة كير (CARE) الدولية في مدينة تعز، إن الفقر غالباً ما حال دون ذهاب النساء إلى المستشفيات إلا في الحالات الحرجة، في حين يحصل الرجال والأطفال عادة على الأولوية في تلقي الرعاية الصحية. من جانبها، أشارت علياء الحامدي، من اتحاد نساء اليمن في حضرموت، إلى وجود أوجه قصور في معايير الرعاية الصحية المقدمة للنساء في الظروف العادية، وهو الوضع الذي تفاقم خلال جائحة كوفيد-19. وتجد العديد من النساء صعوبة في تحمل تكاليف الخدمات الطبية لدى المستشفيات الحكومية.[14]
وفي حين أن الصعوبات المالية تشكل عاملًا رئيسيًّا في عدم حصول المرأة على الرعاية الصحية، تلعب الأعراف المجتمعية أيضًا دورًا رئيسيًّا. يتسم المجتمع اليمني بأعراف اجتماعية صارمة تقيد سلوك المرأة في أجزاء واسعة من البلاد. على سبيل المثال، تشترط بعض الأسر أن تُعالَج نساؤهن في حضور طبيبة، مما يحدّ من إمكانية وصول المرأة إلى العلاج. وقد أدت استقالة و/أو غياب العديد من العاملين الصحيين خلال تفشي الوباء إلى صعوبة أكبر في إيجاد طبيبات. علاوة على ذلك، يُعد الحجر الصحي في حالة الإصابة، والعزل الذاتي لفترات طويلة، غير مألوف كليًّا في المجتمع اليمني. بالنسبة لبعض اليمنيين من النساء والرجال، فإن احتمال العزلة قد يكون أكثر عبئًا من المرض ذاته، بينما قد تكون المرأة اليمنية غير راغبة أو غير قادرة على ترك أعمالها المنزلية ورعاية أطفالها. وفقًا للأعراف المجتمعية اليمنية، يُتوقع من النساء اليمنيات قضاء معظم وقتهن في المنزل. ومن هذا المنطلق، أمرت سلطات الحوثيين في صنعاء أن يوضع الرجال في الحجر الصحي في المدينة داخل فندق موفنبيك بينما يتم الحجر الصحي للنساء في المنازل.[15]
ذكرت داليا الذبحاني، من مؤسسة بنات الحديدة، أن واجبات الرعاية الصحية المنزلية الملقاة على عاتق النساء تعني تحملهن عبئًا ثقيلًا جراء تفشي هذا الوباء: بالإضافة إلى المُخاطرة بالتقاط العدوى، يعانين أيضًا من الاستنفاد والتأخير في الحصول على الرعاية الصحية. في بعض الحالات، أُلقي باللائمة على النساء بسبب الوفيات داخل أسرهن واتُهِمن بعدم رعاية المريض على نحو كاف، وفقًا لما ذكرته منال الشيباني، التي شاركت في مبادرة لإسعاف المرضى بأسطوانات الأكسجين في ذروة تفشي المرض بمدينة عدن. أعطت الشيباني مثالًا على طبيبة شابة عوملت كمنبوذة من قِبل المشيعين في جنازة والدتها، حيث حمّلوها مسؤولية عدم توفير العلاج الكافي. قدمت مبادرة الشيباني الدعم النفسي لأسر ضحايا كوفيد-19 المكلومة وللشابات اللاتي تعرضن لضغوط نفسية جراء حبسهن الخانق. بحسب الشيباني، يُعتبر الجميع ضحايا الإهمال الحكومي وفشل النظام الصحي، مُنوهة إلى أنها شهدت هي وفريقها العديد من الوفيات المفاجئة التي لم يكونوا مجهزين للتعامل معها، مما ترك أثرًا نفسيًّا عميقًا لديها. وأكدت أنه بسبب هذه الصدمة، اتخذت هي وآخرون قرارًا بعدم المشاركة في أي مبادرات خلال الموجة الثانية.
ترأس حنان صالح البدوي مؤسسة بسمة التنموية في لحج، وساعدت في إطلاق مبادرة طبية لمساعدة المتضررين من الوباء. قالت إنها ركزت جهودها على النساء، مثلًا من خلال شراء الأدوية وتوصيلها إليهن في منازلهن، وعن طريق إحضار الطبيبات إلى منازل النساء غير القادرات على الذهاب إلى المستشفى. وأشارت البدوي إلى أوجه التباين الكبيرة بين وضعي الرجل والمرأة فيما يتعلق برعاية الأسرة، حيث تقع مسؤولية الرعاية على عاتق المرأة حتى وإن ألمّ بها المرض.
أشار بعض الذين أُجريت معهم مقابلات إلى السمعة السيئة للقطاع الصحي باعتباره عامل يردع النساء عن التماس الرعاية الصحية. حتى قبل الحرب، كانت الخدمات الصحية في اليمن غير كافية. وفي بداية الجائحة، أدى إغلاق العديد من المستشفيات والمراكز الصحية إلى اقتصار العلاج على العيادات الصغيرة غير المجهزة بمعدات كافية. بحلول مايو/أيار 2020، لم يكن هناك سوى حوالي 37 مركزًا للحجر الصحي، و208 أجهزة تنفس اصطناعي وأربعة مختبرات لإجراء فحوصات كورونا في اليمن.[16] انتشرت أنباء عن وفاة المرضى في أروقة المستشفيات بعد رفض الأطباء استقبالهم أو فحصهم بسبب المخاوف الواسعة النطاق من العدوى. وأدى سوء الإدارة من جانب السلطات إلى عدم طرح تدابير عَملية لتوفير مستلزمات الاختبار والوقاية. وتسبب ذلك بوفاة أشخاص في منازلهم وأرصفة الشوارع وداخل السيارات خلال سعيهم للحصول على الرعاية الطبية في المستشفيات التي رفضت استقبالهم. كما أن الخوف من العدوى ردع المرضى عن التماس الرعاية الطبية لحالات لا علاقة لها بمرض كوفيد-19. أشارت زهى العيدروس، وهي طبيبة العناية المركزة في محجر الأمل بمدينة عدن، إلى أن الناس توقفوا عن التماس الرعاية الطبية في مستشفى الجُمهورية، أحد أكبر مستشفيات المدينة، بسبب احتضانه مركزًا للحجر الصحي أدى إلى تشويه سمعة المستشفى، فضلًا عن سوء تعامله مع المرضى.
بصفة عامة، جرى استقبال عدد قليل جدًا من النساء في مراكز الحجر الصحي. وقال الدكتور آدم الجعيدي من مركز “شفاك” إن النساء يشكلن نسبة تقل عن 10% من إجمالي الوافدين إلى المركز، مشيرًا إلى أن النساء هن الأقل احتمالًا في الحصول على الرعاية الصحية أيًّا كان نوعها. من ناحية أخرى، قال الدكتور نشوان الحسامي، مدير مستشفى الجُمهوري في مدينة تعز، إن نسبة النساء لم تتجاوز 5% من إجمالي عدد المرضى، مؤكدًا أنهن الأضعف احتمالًا في تلقي الرعاية الصحية سواء بسبب الأعراف الاجتماعية أو الظروف الاقتصادية. وبالنظر مستقبلًا، أكّد أن النساء اللاتي فقدت أسرهن مُعيليها يواجهن ضغوطًا نفسية متزايدة. يُضاف إلى ذلك توقف الدعم المقدم لمركز الحجر الصحي المعني بالتعامل مع حالات كوفيد-19، في حين أثّر انخفاض قيمة العملة على القدرة التشغيلية للمركز وكذلك على قدرة الناس في شراء الدواء.[17]
وأدى التراجع في الدعم المقدم من المانحين الدوليين للاستجابة للطوارئ الإنسانية في اليمن إلى تضاؤل الدعم المالي للقطاع الطبي، في حين أثرت جائحة كوفيد-19 على جميع المحتاجين إلى الرعاية الصحية، وليس فقط المصابين بالفيروس. وقد يكون للتأثير المزدوج لتراجع التمويل لليمن وجائحة كوفيد-19 عواقب مأساوية على صحة الأمهات. أظهرت الأبحاث التي أُجريت في سيراليون بين أعوام 2013 و2016، خلال فترة تفشي وباء الإيبولا، أن عدد النساء اللائي توفين بسبب مضاعفات الولادة كان أكبر من عدد النساء اللائي توفين بسبب الإيبولا.[18] في اليمن، وبعد الدفعة الأولى من الاستقطاعات المالية التي أعقبت مؤتمر المانحين الدولي في يونيو/حزيران 2020، عُلقت خدمات رعاية الأمومة في 150 مستشفى تدعمها الأمم المتحدة.[19] وفي هذا السياق، قالت الدكتورة عهد لخضر، طبيبة نساء وتوليد من شبوة، إنه خلال الأسابيع الأولى من الوباء، اُغلقت المراكز الطبية الخاصة التي تقدم خدمات رعاية الأمومة لمدة أسبوعين، مما أجبر النساء على اللجوء إلى المستشفيات الحكومية التي تطال الكثير منها سمعة سيئة. من جانبه، أشار الدكتور الحسامي إلى أن عدد النساء اللاتي يحصلن على خدمات رعاية الأمومة لم ينخفض خلال فترة الجائحة.
تظل التوقعات بالنسبة لخدمات الرعاية الصحية المقدمة للأمهات في اليمن قاتمة: فقد حذر النداء الذي أطلقه صندوق الأمم المتحدة للسكان عام 2020 من أجل تقديم الدعم العاجل لبرنامجه في اليمن من أن أكثر من 48 ألف امرأة قد يفقدن حياتهن بسبب مضاعفات الحمل والولادة نتيجة النقص الحاد في التمويل واحتمال إغلاق مرافق الرعاية الصحية الإنجابية.[20]
على مر السنين، أدت أزمات الصحة العمومية إلى تفاقم العنف الأسري والعنف القائم على النوع الاجتماعي. خلال فاشية الإيبولا بين أعوام 2014 و2016، وتفشي فيروس زيكا في الفترة ما بين عامي 2015-2016، أدت ظروف الحجر الصحي أو تدابير الإغلاق، التي أجبرت الكثيرين على البقاء في المنزل، إلى تعرّض العديد من النساء والأطفال ممن كانوا يعيشون مع رجال عنيفين إلى خطر أكبر بكثير.[21]
تصاعد العنف الأسري على الصعيد العالمي خلال فترة تفشي جائحة كوفيد-19. وأفادت الأمم المتحدة أن الاتصالات الواردة إلى الخطوط المخصصة لتقديم المساعدة في حالات العنف المنزلي تضاعفت ضعفين في لبنان وماليزيا وثلاثة أضعاف في الصين خلال فترة الجائحة، بينما بلغت عمليات البحث عبر الإنترنت عن العنف الأسري أعلى مستوى لها في أستراليا منذ خمس سنوات.[22] وفي بلدان مثل قبرص وسنغافورة، سجلت خطوط المساعدة زيادة في عدد الاتصالات الواردة بنسبة 30% و33% على التوالي، أما في الأرجنتين، كانت هناك زيادة بنسبة 25% في المكالمات المستنجدة المتعلقة بحالات عنف أسري.[23] وقال النشطاء ومنظمات المجتمع المدني والسلطات الحكومية في إسبانيا وألمانيا وكندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة إن البلاغات الواردة عن سوء المعاملة المنزلية ازدادت خلال فترة جائحة كوفيد-19، بينما أبلغت فرنسا عن ارتفاع في حالات العنف الأسري بنسبة 30% بعد فرض تدابير الإغلاق العام في مارس/آذار 2020. وفي أستراليا، كشفت دراسة استقصائية تتناول سلامة المرأة في نيو ساوث ويلز عن ارتفاع في حالات الاستنجاد، حيث أفاد 70% من العاملين في الخطوط الأمامية بأن حالات العنف أصبحت أكثر تعقيدًا خلال فترة الوباء.[24]
وفقًا لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، تشير الأرقام الرسمية إلى أن حوالي 35% من النساء المتزوجات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعرضن للعنف من أزواجهن، وهو ما يقارب المتوسط العالمي البالغ 33%.[25] وفي اليمن، أشارت الأمم المتحدة إلى أن العنف القائم على النوع الاجتماعي ارتفع بنسبة 63% خلال الحرب الجارية، ومنذ عام 2017، تتعرض ما يقرب من 17% من النساء والفتيات بدرجة كبيرة لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي.[26]
ورغم عدم توافر البيانات اللازمة لتتبّع العنف القائم على النوع الاجتماعي في اليمن خلال فترة الجائحة، أفاد العديد من الخبراء أن حالات العنف ضد المرأة شهدت ارتفاعًا. وفي هذا الصدد، قالت علياء الحامدي، من اتحاد نساء اليمن في حضرموت، إن مركزهن تلقى بلاغات عديدة عن حالات عنف قائم على النوع الاجتماعي خلال الموجة الأولى من الوباء، شملت الإساءة اللفظية والجسدية. وأشارت الحامدي إلى أن السبب الرئيسي للمشاكل الأسرية هو عجز الرجال في الإنفاق على زوجاتهم وأطفالهم. من جانبها، أفادت سوسن الشدادي، مسؤولة البرامج في اتحاد نساء اليمن -فرع عدن، عن ارتفاع في حالات العنف الأسري المرتبطة مباشرة بفقدان الرجال لوظائفهم. بدوره، قال سامي الحكيمي، موظف منظمة كير (CARE) في تعز، إن فقدان الرجال المُعيلين لمصادر رزقهم ساهم في تنامي العنف الأسري. يُنظر إلى بطالة الرجال على نطاق واسع باعتبارها محركًا للعنف الأسري في اليمن، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى تقويض شعور رب الأسرة بالرجولة وكذلك إلى إمكانية نشوب خلافات بين الزوجين بسبب عدم الاستقرار المالي.[27]
ذكرت منال الشيباني أن فقدان النساء لفرص العمل ساهم أيضًا في زيادة خطر التعرض للعنف الأسري خلال الجائحة. بالنسبة لبعض النساء العاملات، أتاحت وظائفهن فرصة لتفادي التعرض للعنف في المنزل، في حين وفر الدخل الحماية لهن من سوء المعاملة المنزلية. أشارت الشيباني إلى أن البقاء في المنازل يشكل معاناة بالنظر إلى مناخ عدن الحار، في ظل عدم انتظام التيار الكهربائي. تُلزم الأعراف الاجتماعية المرأة بقضاء وقتها في المنزل، في حين يتمتع الأفراد الذكور في الأسرة بحرية أكثر لقضاء الوقت خارج المنزل. وفي هذا الصدد، نوّهت الشيباني إلى أن العديد من النساء في عدن، ولا سيما المسنات، أصبن بالمرض بعد التقاطهن العدوى من أبنائهن الذين استهانوا بتدابير الإغلاق، على سبيل المثال التردد على أسواق القات.
أدت تدابير الصحة العامة التي فُرضت خلال الجائحة، مثل الحجر الصحي والإغلاق العام وأوامر البقاء في المنزل، إلى تعطيل سبل معيشة الناس على الصعيد العالمي. وأثرت هذه الاختلالات على النساء والرجال بصورة متباينة. فعلى سبيل المثال، أدت القيود المفروضة خلال فاشية الإيبولا في الفترة 2014-2016 إلى تراجع كبير في الأنشطة الاقتصادية، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي. وفي حين يستأنف الرجال العمل عمومًا بمجرد تخفيف القيود، يبقى الأثر السلبي الناجم عن تعطيل سبل كسب العيش طويل الأمد بالنسبة للنساء.[28]
تشير البحوث الأولية التي أُجريت بشأن تأثير جائحة كوفيد-19 على المرأة إلى أن النساء معرضات أكثر لخطر فقدان وظائفهن بنسبة 19% مقارنة بالرجال. ففي حين تشكل النساء 39% من إجمالي القوى العاملة عالميًّا، يبقى تمثيلهن على نحو غير متكافئ في ثلاث من القطاعات الأربع الأكثر تراجعًا على الصعيد العالمي: الفنادق وخدمات الطعام (54%)؛ تجارة التجزئة وتجارة الجملة (43%)؛ الخدمات مثل الفنون والترفيه والإدارة العامة (46%).[29]
كما تشير التقديرات إلى أن جائحة كوفيد-19 ستؤدي إلى فقدان 1.7 مليون وظيفة في جميع أنحاء العالم العربي، بما في ذلك نحو 700 ألف وظيفة تشغلها النساء. يُعدّ انخراط المرأة في سوق العمل محدودًا في المنطقة، وبلغت نسبة البطالة بين الإناث 19% عام 2019، مقابل 8% بين الرجال.[30] في اليمن تحديدًا، تضررت النساء بشدة نتيجة الجائحة على الرغم من أنهن يمثلن نسبة صغيرة من سوق العمل.
تهدد القيود المرتبطة باحتواء جائحة كوفيد-19 المكاسب الاقتصادية الهشة التي حققتها بعض النساء في اليمن خلال السنوات الأخيرة. أدت الحرب والأزمة الاقتصادية الناجمة عن الصراع إلى زيادة عدد الأسر المعيشية التي تعيلها النساء، ودفعت المرأة اليمنية إلى الانخراط في القوى العاملة المدفوعة الأجر، حيث أسست مشاريع منزلية وانخرطت في قطاعات غير مألوفة بالنسبة للنساء.[31] قالت داليا الذبحاني إن الجائحة قوّضت فرص العمل هذه. على سبيل المثال، بقيت النساء اللاتي يبعن اللوازم والوجبات المدرسية للطلاب دون عمل بسبب إغلاق المدارس. وخلال فترة الإغلاق، عُلّقت بعض المِهَن التي تنخرط فيها العديد من النساء، مثل بيع الأطعمة المُعدّة منزليًّا أو غيرها من السلع سواء في الشوارع أو المدارس أو التي يتم توصيلها للمنازل؛ والعمل في صالونات التجميل؛ والمِهَن المرتبطة بحفلات الزفاف مثل المصورات الفوتوغرافيات والعاملات في صالات الأعراس؛ والعمل في المدارس سواء كمعلمات أو عاملات نظافة أو الوظائف الخدمية. خلال الحرب، بدأت بعض النساء مشاريعهن التجارية الخاصة مثل المقاهي أو المطاعم النسائية؛ غير أنها كانت من أولى الأعمال التجارية التي اضطرت للإغلاق خلال الجائحة.
قالت منال الشيباني إن الضرر الاقتصادي الذي لحق بالنساء كان بليغًا. هي نفسها فقدت وظيفتها كمخرجة في مجال الفنون والمسرح بسبب الجائحة، وتحوّلت لمبادرات العمل التطوعي. وأضافت أن العديد من النساء الأخريات فقدن أعمالهن في مجال الحرف اليدوية أو بيع الأطعمة المُعدّة في المنازل. من جانبها، قالت علياء الحامدي، إن العديد من النساء فقدن وظائفهن في المكاتب والمؤسسات الخاصة بسبب عجز أرباب العمل عن تسديد رواتبهن. وتأثرت النساء اللاتي يبعن الفواكه والخضروات والبخور والعطور بإغلاق الأسواق. وقد أوجد فقدان هذه الوظائف، إلى جانب ارتفاع أسعار السلع الأساسية بما في ذلك الأغذية، ظروفًا صعبة للنساء وأسرهن.
شكل انخفاض دخل الأسرة خلال الجائحة مخاطر متعددة على النساء والفتيات. كما أُشير سابقًا، ارتبط عدم الاستقرار المالي والبطالة الناجمان عن الأزمة الاقتصادية التي تسببت بها الحرب في اليمن بارتفاع حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي في المنازل والأماكن العامة. كما ارتبط ذلك بانخفاض معدل التحاق الأطفال بالمدارس، ولا سيما الفتيات، حيث إن تنامي احتياجات الرعاية الصحية المرتبطة بالجائحة قد يحرم الفتيات من الذهاب إلى المدارس. وسبق أن حدث ذلك خلال فاشية الإيبولا في غرب أفريقيا، عندما اضطرت الفتيات اللاتي أصيبت أمهاتهن بالمرض إلى ترك المدارس والبقاء في المنزل لرعايتهن.[32] كما تُعد الصعوبات المالية عامل من عوامل الزواج المبكر. ورغم أن مثل هذه الزيجات سائدة بالفعل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلاّ أن الأعباء الاقتصادية المتنامية قد تزيد من احتمال قبول الأسر بتزويج بناتها مبكرًا.[33]
يتناول هذا التقرير تأثيرات جائحة كوفيد-19 والتي كان يُمكن أن يكون وقعها مختلفًا على النساء والفتيات في اليمن.
وفيما يلي المبادئ التي يُمكن أن تُوجّه جهود المجتمع الدولي والمانحين والسلطات اليمنية للتخفيف من آثار جائحة كوفيد-19 على اليمن:
الأولويات العاجلة:
الأولويات على المدى المتوسط:
أُعدت هذه المقالة كجزء من أنشطة منتدى سلام اليمن، وهي مبادرة تابعة لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية تسعى إلى الاستثمار في بناء وتمكين الجيل القادم من الشباب والجهات الفاعلة في المجتمع المدني اليمني وإشراكهم في القضايا الوطنية الحرجة.
مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات الدبلوماسية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والحقوقية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.