منذ اندلاع الحرب اليمنية عام 2015، ضعفت قدرات الحكومة المعترف بها دولياً بشكل كبير حيث أنها لم تعد تحتفظ بالمهام والسمات التقليدية للدولة، وأبرزها السيادة على أراضيها أو الإشراف على حرمة حدودها. وتعرضت الحكومة لمزيد من العقبات بسبب التوزيع المبعثر لقواتها العسكرية والأمنية على الأرض والاعتماد على الشركاء الأجانب. في محافظة حضرموت الجنوبية، سمح ضعف أمن الدولة بسقوط مدينة المكلا الساحلية في أيدي تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب في إبريل/نيسان 2015. وظلت المدينة، التي تُركت عرضة للخطر بسبب إعادة نشر قوات الأمن إلى جبهات أخرى، محتلة إلى أن طُرد التنظيم من قبل القوات الإماراتية والجيش اليمني في العام التالي. غير أن إعادة بسط سيطرة الحكومة لم تعجل بإعادة فتح الهياكل الأساسية لقطاع النقل في المدينة. وظل مطار الريان الدولي وطريق الضبة الشرقي، الذي يعتبر شريان رئيسي يربط المدينة بشرق البلاد، مغلقين، مما أدى إلى تداعيات سلبية. تكبد السكان تكاليف نقل أعلى بكثير وأوقات أطول للسفر حيث أجبروا على استخدام طرق بديلة أو التغاضي عن السفر كلياً.
وفي سياق تراجع سيطرة الدولة، أخذ المواطنون اليمنيون على عاتقهم تنظيم حملات دفاعا عن حقوقهم وتخفيف حدة تداعيات النزاع في مجتمعاتهم. وقد ظهرت حملات تدعو للدفاع عن الحقوق المدنية والإبلاغ عن المظالم إلى صناع القرار، في محاولة لتحسين الوضع على أرض الواقع. بعد استعادة المكلا، أطلقت “نساء حضرموت من أجل السلام”، وهو فريق مكون من ثمان نساء، حملة مناصرة لإعادة فتح مطار الريان وطريق الضبة الشرقي. ونجحت المبادرة في نهاية المطاف في إعادة فتح الطريق وتخفيف تداعيات الإغلاق، وتمكين السكان المحليين وتشجيعهم على تنظيم حملات دعما للتغيير.
تهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء على دور حملات المناصرة في إرساء أرضية اجتماعية تعاونية لحل القضايا المحلية وتعزيز السلام، وتبحث كيف وتحت أي ظروف تمكن فريق نساء حضرموت من أجل السلام من تنسيق حملة مناصرة فعالة. كما تناقش الورقة قضية إغلاق المطار، وتتناول أعمال الحملة وبرامجها، وتدرس السياق الاجتماعي للحملة. وتسلط الورقة الضوء على الصعوبات والتحديات التي تواجهها حملات المناصرة النسائية، وتدرس الاستراتيجيات والأساليب التي استخدمتها للتغلب على هذه التحديات، من أجل تعميم تجاربهن ونشر الوعي بالدور الهام للمرأة في التخفيف من حدة الصراعات.
تعتمد هذه الورقة على المنهج الوصفي التحليلي. أجريت مقابلات شخصية وعبر الهاتف خلال شهر أبريل/نيسان ومايو/أيار 2021 مع أعضاء فريق حملة المناصرة: سلاف عبود الحنشي، أبها باعويضان، رائدة سعيد رويشد، عبير محسن بابعير، أماني خليل باخريبة، وشادن يسلم بازهير. كما أجريت مقابلة مع مستشارة في إدارة الأعمال والمشاريع سميحة الحنشي، للوقوف على تداعيات إغلاق طريق الضبة الشرقي. وأجريت مقابلات أخرى مع هشام باجابر، وهو محام وناشط في مجال حقوق الإنسان؛ وأسامة العمودي، الناشط في مبادرات الشباب ومؤسس مؤسسة السلام والإعمار؛ ومجدي بازياد ، مديرة إذاعة نما؛ والشيخ خالد محمد الكثيري،[1] أحد الزعماء القبليين، من أجل فهم النجاحات المتصورة للحملة وتأثيرها داخل محافظة حضرموت.
تسببت الحرب في معاناة لا حصر لها للشعب اليمني. يودي القتال في ساحات المعارك النشطة بحياة العديد ويشرد الكثيرين في الوقت الذي تخضع فيه مناطق عدة للحصار أو تعاني من غياب الخدمات والمرافق اللازمة لتمتع الأشخاص بحياة طبيعية. وتشمل هذه التحديات بعض المبادئ الأساسية للعيش الإنساني الكريم، بما في ذلك حرية التنقل. وقد تم التطرق الى أوجه الحرمان هذه لسكان المكلا، عاصمة حضرموت أكبر محافظة في اليمن، التي تفاقمت مع إغلاق مطار الريان الدولي وطريق الضبة الشرقي.
مطار الريان الدولي هو ثالث أكبر مطار في اليمن بعد مطاري صنعاء وعدن. بالإضافة إلى تسيير رحلات جوية داخلية، يعمل المطار على ربط مدن حضرموت بعدد من البلدان الأخرى في المنطقة. يكتسي هذا المطار أهمية كبيرة بالنسبة لسكان محافظات شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى، فضلا عن الأهمية الاقتصادية، حيث اعتمد عليه سكان حضرموت والمحافظات المجاورة بشكل كبير لشتى أنواع التنقل. وإلى جانب مطار سيئون، كان مطار الريان من أهم موارد اقتصاد الدولة قبل الحرب.[2]
اُغلق مطار الريان بعد سيطرة تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب على المكلا في أبريل/نيسان 2015. استعاد الجيش السيطرة على المدينة بدعم من قوات التحالف السعودي-الإماراتي في أبريل/نيسان 2016 ، غير أن المطار ظل مغلقا لأعمال الصيانة، وفقا للسلطات المحلية في حضرموت.[3] وعلى الرغم من أن السلطات المحلية وعدت مرارا بإعادة فتح المطار للرحلات التجارية بعد الانتهاء من عمليات الصيانة، إلا أنه ظل مغلقا. وأثار عدم إعادة فتحه غضباً شعبياً متزايداً، خاصة بعد استئناف الرحلات العسكرية وسفر المسؤولين اليمنيين الموالين للإمارات العربية المتحدة.[4] زعمت وسائل الإعلام أن السبب في استمرار إغلاقه هو أن القوات الإماراتية حولت المطار إلى قاعدة عسكرية، وأنشأت سجوناً سرية حيث احتجزت وعذبت المعتقلين. وأفيد بأن إعادة فتح المطار قد عُلقت بناء على طلب قوات التحالف، ولا سيما القوات الاماراتية.[5]
كان للإغلاق تداعيات سلبية بالغة على المواطنين وأدى الى تفاقم معاناة المرضى والمسافرين المسنين في حضرموت والمحافظات المجاورة. ولتلقي العلاج في الخارج، يتعين على المرضى الآن السفر أكثر من 360 كيلومتر عبر البر للوصول إلى مطار مدينة سيئون. ذكرت إحدى المقيمات في المكلا: “لم نجد حجزاً سريعاً، لذا كان علينا البحث عن رحلات سياحية، ولكن لم يكن أي منها متاحاً. جميع الرحلات الجوية المتاحة تغادر في تواريخ متأخرة. هذا بالإضافة إلى المسافة التي كنا سنعبرها من (المكلا) إلى (سيئون)، والتي ستكون مرهقة وخطرة على المريض. في نهاية المطاف، اضطررنا لنقله من مستشفى إلى آخر حتى لفظ أنفاسه الأخيرة “.[6] ومع إغلاق مطار الريان، ارتفعت أسعار النقل بشكل كبير. في السابق، كان الوصول من المكلا إلى المطار يكلف 2500 ريال يمني، غير أن الرحلة إلى سيئون قد تكلف 50,000 ريال يمني، دون الأخذ بعين الاعتبار الحاجة المحتملة للمكوث في المدينة. وفي حالات الطوارئ، يمكن أن تصل رسوم النقل إلى 180,000 ريال يمني.[7]
تفاقمت معاناة المواطنين جراء إغلاق طريق الضبة الشرقي، الذي يربط مدينة المكلا بمقاطعات الشحر، والديس الشرقية، والريدة وقصيعر، والحدود العُمانية. كان طريق الضبة هو الطريق الرئيسي الذي يتنقل عبره مئات الطلاب والموظفين إلى جامعاتهم ووظائفهم في مدينة المكلا، حيث كان أقصر الطرق وأكثرها أمانا. غير أن الطريق أُغلق بسبب مخاوف أمنية، في إطار الجهود الرامية لحماية ميناء الضبة.[8] وكان البديل الوحيد القائم هو استخدام طريق قديم أطول مسافة، مما ترتب عليه رسوم نقل أعلى. وكانت الرحلات تعجيزية والأسعار باهظة – ونتيجة للإغلاق، توقف العديد من الطلاب عن حضور المحاضرات بالجامعات.[9]
واستجابة لعمليات الإغلاق التي طال أمدها، أنشأ فريق مؤلف من ثمان نساء مجموعة مناصرة مجتمعية ، تحت مسمى “نساء حضرموت من أجل السلام”،[10] وأطلقن حملة مبتكرة[11] للضغط على صانعي القرار والتأثير عليهم من أجل إعادة فتح طريق الضبة الشرقي ومطار الريان الدولي.
في مارس/آذار 2018، أطلقت مبادرة “نساء حضرموت من أجل السلام”، وهي نتاج مشروع تابع للمعهد الديمقراطي الوطني يهدف إلى تعزيز قدرة المرأة على المشاركة بفعالية في صنع السلام.[12] وانطلاقا من هذه الجهود، نُظمت أربع حلقات نقاش استهدفت السلطات المحلية، والقيادة الأمنية في حضرموت، والشخصيات المجتمعية، والشباب، والأحزاب السياسية، ووسائل الإعلام. وكان الغرض من الجلسات تحديد أهم القضايا وأكثرها حساسية فيما يتعلق بحياة المواطنين. واختير موضوع إعادة فتح مطار الريان الدولي وطريق الضبة الشرقي كأولوية، نظرا للضرر الذي ألحقته عمليات الإغلاق بجميع شرائح المجتمع.[13] بناءً على الأولويات التي تم تحديدها، استفادت النساء من معارفهن وخبرتهن وتجربتهن للبدء في تنفيذ خطة مناصرة استنادا إلى مخرجات مجموعات التركيز والمناقشات مع ممثلين من المجتمعات المحلية.[14]
أدركت النساء الحاجة إلى إشراك المسؤولين من السلطات المحلية والحصول على تأييدهم وأهمية المشاركة والتواصل على نطاق أوسع مع الشباب والإعلام والقطاع الخاص والأكاديميين والأحزاب السياسية. وصفت الدكتورة أبها باعويضان، وهي عضو في مبادرة “نساء حضرموت من أجل السلام” ورئيسة مؤسسة الأمل النسوية، مسألة إنشاء شبكات للتواصل باعتبارها ركيزة حملات المناصرة الناجحة، كونه يساعد على ضمان عدم انهيار الحملة.[15] عقدت “نساء حضرموت من أجل السلام” اجتماعات مع محافظ حضرموت اللواء فرج البحسني، وقيادة الأركان، والسلطات المحلية لمناقشة أسباب استمرار إغلاق المطار وفهم مواقفهم بشأن هذه القضية. كما عقد أعضاء المبادرة اجتماعات أخرى مع شخصيات اجتماعية وقبلية لشرح الوضع والإعراب عن الرغبة في تغييره.[16]
عقد الفريق ورش عمل حول الأدوار التي يمكن أن تضطلع بها منظمات المجتمع المدني، ومبادرات الشباب، ووسائل الإعلام، والتجار، والأكاديميين، وقوات الأمن، والشخصيات الدينية والاجتماعية، في المساعدة على إعادة فتح مطار الريان وطريق الضبة. حضر ورش العمل ممثلون عن الأحزاب السياسية ـ محمد الحامد، سكرتير أول الحزب الاشتراكي في حضرموت، ومحمد بالطيف، رئيس الدائرة السياسية في حزب الإصلاح بحضرموت، وزعماء فصائل الحراك الجنوبي. وفرت ورش العمل الحماية الاجتماعية للحملة، لا سيما بعد تعرضها للهجوم والمضايقات على وسائل التواصل الاجتماعي من جانب المعارضين لأهدافها وأساليبها.[17]
أشارت الدكتورة شادن يسلم، وهي ناشطة نسوية، وأكاديمية جامعية، وعضو في مبادرة “نساء حضرموت من أجل السلام”، إلى إنه في بداية عقد ورش العمل، تم تلقي تهديدات مباشرة عبر الهاتف من جانب أشخاص ادعوا أنهم يمثلون الأجهزة الأمنية. وذكرت أنه طُلب منهن وقف الحملة، وتحديداً ورشة العمل التي تشارك فيها الغرفة التجارية. وأضافت يسلم بأنها تلقت اتصالاً من أحد أعضاء قيادة المنطقة الذي أخبرها أن المحافظ طلب منها إيقاف ورشة العمل، زاعماً أن قوات معادية تمولها قطر وتركيا وإيران تسعى إلى تقويض الاستقرار في حضرموت من خلال مثل هذه الحملات.
تقول يسلم إنها أخبرته بأن الحملة ستستمر، وأنه كشخصية عسكرية لا يملك سلطة التدخل في المسائل المدنية، وأنه يمكن لمدير مكتب المحافظ التواصل معها ومع بقية أعضاء الفريق مباشرة. وأضافت أنه رفض طلبها. لجأت يسلم إلى شيخ قبلي كانت مبادرة نساء حضرموت من أجل السلام قد تحدثت معه قبل بدء الحملة، بغية شرح أهداف الفريق. بعد أقل من ساعة، اتصل الشيخ بيسلم وأخبرها أن الأمور على ما يرام. ورافقته إلى مديرية الأمن حيث التقوا بالعميد منير التميمي وشرحت له أهداف الحملة، وبالتالي توسعت شبكة التواصل الخاصة بالفريق أكثر فأكثر لتشمل شخصيات هامة ومناصرين لقضيتهن.[18]
لم تكتف الحملة بإنشاء علاقات مع المسؤولين المعنيين بل اعتمدت على مجموعة متنوعة من الأساليب للتنظيم المجتمعي.[19] وقد ميزها ذلك عن حملات المناصرة السابقة في اليمن، التي اعتمدت طرقا تقليدية مثل عقد ورش العمل والتواصل مع صانعي القرار دون خطة مفصلة أو هدف ملموس. واتسمت حملات المناصرة التقليدية بنهج تنازلي لا يشمل المجتمع المحلي على نطاق واسع. ولم تنجح حملة لخفض الإيجارات بصورة ملحوظة لأنها فشلت في إشراك السلطات المعنية واستبعدت أصحاب المصلحة المهمين مثل ملاك العقارات. وكان الإنجاز الوحيد الذي حققته هو أن المحافظ أمر بتشكيل لجنة لتحديد أسعار الإيجار على طول الساحل، غير أنه لم يتم إحراز أي تقدم ملموس في هذا الشأن.[20]
تعتقد رائدة رويشد، وهي قيادية نسوية ومدربة في مجال السلام وعضوة في منظمة نساء حضرموت من أجل السلام، أن الهدف من حملات الدعوة هو تعميم روح جديدة داخل المجتمع، والكشف عن مواطن القوة والضعف في جهود بناء المجتمع، ومساعدة المجتمع على تنظيم حملات من أجل المنفعة المجتمعية. وهذا ما حدث من خلال تشكيل لجنة مجتمعية لمتابعة إعادة فتح طريق الضبة ومطار الريان. وشملت المجموعات التي مارست ضغوطا باسم الحملة نقابات ورسامين ومحطات إذاعية.[21] وستبني الحملة استراتيجيتها بصورة تضمن الاستفادة من مواطن قوتها.
وصفت أماني باخريبة، وهي ناشطة مجتمعية ونسوية، إدارة الحملة عبر الإنترنت بأنها مماثلة لإدارة العمليات القتالية، بسبب ردود الفعل العدائية التي تلقتها الحملة على وسائل التواصل الاجتماعي. وتم التنديد بالنساء المشاركات في الحملة باعتبارهن خائنات ولديهن أجندات خفية. وقال كثيرون إن كون المشاركات من النساء، فهذا يعني أنهن لا يستطعن تحقيق أي شيء بسبب القيود الاجتماعية المفروضة على أدوارهن. واختار أعضاء الحملة ضبط النفس، حيث تجنبن الدخول في جدال يمكن أن يصرف الانتباه عن جهود الفريق، وركزن على سرد تجارب المتضررين من إغلاق الطريق والمطار. وبدلا من مجرد عقد ورش عمل، تطورت حملة المناصرة إلى ما أسمته باخريبة “حملة وطنية شعبية”.[22]
عقدت الحملة سلسلة من المقابلات الإذاعية على المحطات المحلية، بما في ذلك إذاعة نما، وإذاعة الأمل، وإذاعة سلامتك، الأمر الذي أتاح لها فرصة زيادة عدد مؤيديها. قال مجدي بازياد، مدير إذاعة نما: “حققت الحملة الإذاعية نجاحات عديدة غير متوقعة، لأنها خلقت حالة من التضامن المجتمعي وأسفرت عن تفاعل إعلامي. ونقلت صوتاً آخر غير الصوت الذي تحب السلطات سماعه، ولكن بطرق سلمية وناجحة وقوية”.[23]
استخدمت حملة المناصرة أحد أكثر وسائل التواصل فعالية في نقل المعاناة: الفنون. فقد تم تنظيم معرض للفنانين، دعا فيه الرسامون من كافة الفئات العمرية إلى إعادة فتح المطار. وكان الأطفال من أبرز المشاركين حيث أعربوا عن مشاعرهم إزاء هذه القضية. وقالت عبير بابعير، مذيعة وشخصية تربوية، “كان المعرض الفني أداة فعالة بفضل اللوحات التعبيرية لفناني حضرموت. وساهم الأطفال أيضا من خلال رسوماتهم في التعبير عن شعورهم بالإحباط إزاء إغلاق المطار والمطالبة بإعادة فتحه”.[24] كما تم إنتاج فيلم قصير بعنوان “أطول طريق إلى أحلامنا”، يعرض معاناة أهل حضرموت.[25]
عقدت الحملة أيضا جلسات للاستماع إلى المتضررين مباشرة من إغلاق مطار الريان الدولي، لفهم معاناة المواطنين بشكل أفضل عندما يتعلق الأمر بالتنقل والحق في العلاج، وإشراكهم في جهود المناصرة. وخلال هذه الجلسات، أعرب السكان عن المعاناة والمشقة التي تعرضوا لها أثناء السفر إلى الخارج في طريقهم إلى مطار سيئون. ونجحت هذه الجلسات في تيسير التفاعل المجتمعي، حيث ناقش المواطنون القضية فيما بينهم، واستقاء التغطية الإعلامية للقضية.[26] وأصدر الفريق كتيبا بعنوان “كي لا ننسى” يضم القصص التي تم سردها خلال الجلسات، ووُزع في مدينة المكلا.[27]
تواجه المرأة اليمنية صعوبات وعقبات تعوق مشاركتها في العمل السياسي. إن الثقافة القبلية السائدة، والعادات والتقاليد، لا تعامل المرأة على قدم المساواة مع الرجل، بل تعزز الفكرة القائلة بأن لكل من الرجال والنساء مجالاتهم الخاصة، وأن الرجال هم الأكثر قدرة على التعامل في المجالات الصعبة، بما في ذلك السياسة. تكبر المرأة وهي تعلم أن هناك حدودا لا يسمح لها بتجاوزها.[28]
تحدثت صابرين الكربي، منسقة مكتب حقوق الإنسان في محافظة حضرموت، عن دور المرأة الحضرمية: “على الرغم من المعاناة التي تعاني منها المرأة اليمنية، وكونها الأكثر تضررا من النزاع الدائر، إلا أنها تتصدر مشهد صنع السلام، سواء من خلال دورها كأم وزوجة في المنزل، أو في عملها، أو في الشارع. [هذا] رغم عدد الصعوبات والعقبات التي تواجهها في الأوقات التي لا تتلقى فيها أي دعم أو مساعدة، لمجرد كونها امرأة”.[29]
وقد اتفقت علياء الحامدي، وهي عضو بارز في اتحاد نساء حضرموت، على ما يلي: “لا شك أن النساء الحضرميات أسهمن بشكل إيجابي في بناء السلام في العديد من الحالات. ومن الأمثلة على ذلك كيف قدن المظاهرات أثناء سيطرة القاعدة على المكلا، على الرغم من كل المخاطر التي واجهنها، مثل الاعتداء أو القتل. وعلى الرغم من ذلك، كانت المرأة في الواجهة”.[30] وساعدت مبادرة نساء حضرموت من أجل السلام، من خلال حملة المناصرة التي شرعت بها، على تغيير القاعدة المجتمعية التي تحصر دور المرأة في المنزل، ومكنت المرأة في حضرموت من خلال المطالبة بدور جديد للمشاركة في الحياة المدنية.[31]
توفر القوى المجتمعية الدعم الحقيقي لأي حملة مناصرة. لا يقتصر دور الحملة على تحقيق هدفها المعلن فحسب، بل في تجميع وبناء هذه القوى المجتمعية معاً. وعلى المدى القصير، يمكن تعبئة هذه القوى لصالح هدف حملة ما والمساعدة في حماية نجاحاتها. وعلى المدى الطويل، يتيح تمكين المجتمعات المحلية لها الدفاع بشكل أفضل عن حقوق أفرادها. في البلدان التي تشهد صراعات طال أمدها، مثل اليمن، يمكن لحملات المناصرة أن تعزز الروابط المجتمعية، التي يمكن أن تساعد على الحد من الصراع وبناء السلام. ونجحت مبادرة نساء حضرموت من أجل السلام في إنشاء منظمة مجتمعية قوية من خلال إقامة شبكات للتواصل والانخراط. وتمكن الفريق من حماية حملته وتشكيل حركة مجتمعية منظمة لمناصرة واحدة من أهم القضايا التي تؤثر على أهل حضرموت.[32]
ظهرت حملة المناصرة خلال ظروف استثنائية شديدة الخطورة. علاوة على ذلك، استهدفت الحملة مناطق تم استخدامها كقواعد عسكرية. وامتنعت الجهات الفاعلة المؤثرة عن المشاركة لأسباب أمنية إذ أنها خشيت من التداعيات. قال الناشط الحقوقي هشام باجابر أن إطلاق الحملة في ذلك الوقت لم يكن بالأمر السهل، حيث كان المطار يستخدم كمركز احتجاز عسكري، وكان الطريق المؤدي إلى الضبة أشبه بالسير نحو قاعدة عسكرية كبيرة.[33] وتمكنت الحملة من التغلب على هذه الصعوبات من خلال التخطيط والإعداد الذي شمل تقييم المخاطر والبدائل المتاحة، وبناء شبكة من العلاقات القادرة على حماية الحملة وأهدافها. وأنشأت مبادرة نساء حضرموت من أجل السلام إطارا غير تقليدي لحملات المناصرة من حيث الأسلوب والمنهجية والأدوات، التي أصبحت نموذجا يحتذى به في الحملات الأخرى.[34]
تمكنت مبادرة نساء حضرموت من أجل السلام من تمكين المرأة في المجتمع اليمني، ولا سيما داخل حضرموت. وعلى الرغم من أن مطار الريان ظل مغلقاً، فقد أعادت السلطات المحلية فتح طريق الضبة الشرقي في يوليو/تموز 2018.[35] ولا ينبغي النظر إلى هذا باعتباره فشلاً للحملة ــ فالقرار بإعادة فتح الريان ــ يرتبط بالقوى الإقليمية التي تتحكم بتشغيله.[36]
من الممكن أن تلعب حملات المناصرة دوراً فعالاً في الدفاع عن حقوق المواطنين وتخفيف حدة الصراعات، وخاصة في المجتمعات التي تزعزع استقرارها نتيجة الصراع. ولكن لكي يتسنى لها القيام بهذا الدور، يجب أن يمتلك القائمون على تلك الحملات قدرة تنظيمية عالية وقدرات تؤهلهم لكي ينالوا شرعية بوصفهم حلقة وصل بين المواطنين وصانعي القرار. نجحت حملة نساء حضرموت من أجل السلام في إنشاء آليات لإدارة رسائلها ومبادراتها، تمكنت من خلالها من استرعاء انتباه المسؤولين وصانعي القرار إلى الأضرار الناجمة عن إغلاق مطار الريان الدولي وطريق الضبة الشرقي. ويمتد تأثيرها إلى أبعد من ذلك، مما يسهم في تغيير النظرة المجتمعية عن دور المرأة. تمكن الفريق من إثبات أنه حين تتاح الفرص للمرأة، تصبح قادرة على إدارة حملات المناصرة السياسية والتأثير على المجتمع اليمني وبناء السلام.
أنتجت هذه الورقة كجزء من مبادرة منتدى سلام اليمن، وهي مبادرة لمركز صنعاء تسعى إلى تمكين الجيل القادم من الشباب والجهات الفاعلة في المجتمع المدني اليمني وإشراكهم في القضايا الوطنية الحرجة.
مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.