الملخص التنفيذي
وجه فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن مؤخرًا اتهامات للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا وبنكها المركزي ومستوردي الأغذية في البلاد بالتواطؤ لاختلاس ما يقرب من نصف مليار دولار، حيث وردت تلك الاتهامات في التقرير السنوي لفريق الخبراء المقدم إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمنشور بتأريخ 25 يناير/ كانون الثاني، واستعرض التقرير بالتفصيل مجموعة واسعة من النتائج المتعلقة بالتطورات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية في اليمن خلال عام 2020.
خلص فريق الخبراء في القسم الاقتصادي من تقريرهم أن الطرفين اليمنيين الرئيسيين المتحاربين في الصراع الدائر باليمن -الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا وجماعة الحوثيين المسلحة- حولا موارد البلاد الاقتصادية والمالية عن مسارها بشكل غير قانوني من أجل تحقيق أهدافهما الخاصة، متسببين في تعميق المحنة التي يعاني منها ملايين اليمنيين الذين يواجهون واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم. سيركز هذا التقرير من مركز صنعاء على الاتهامات الموجهة إلى البنك المركزي في عدن التابع للحكومة اليمنية، والذي قال فريق الخبراء بأنه شارك في “ممارسات غسيل الأموال والفساد”.[1]
على وجه التحديد اتهم فريق الخبراء البنك المركزي بتسهيل عملية اختلاس مبلغ 423 مليون دولار أمريكي من الوديعة البالغة ملياري دولار أمريكي قدمتها السعودية للبنك أوائل عام 2018 لتمويل واردات السلع الأساسية والمساعدة في استقرار سعر صرف الريال اليمني. أكد تقرير فريق الخبراء أن البنك سهّل خلال الفترة من يوليو/ حزيران 2018 إلى أوائل أغسطس/ آب 2020 الوصول إلى الأموال المسحوبة من الوديعة السعودية من خلال آلية تمويل قدمت للتجار سعر صرف أفضل من سعر صرف السوق عبر خطابات الاعتماد المستندية لتمويل شراء واستيراد البضائع من الخارج. قال فريق الخبراء إن من بين أولئك التجار مجموعة هائل سعيد أنعم -أكبر مجموعة تجارية في اليمن- والتي تلقّت مبلغ 194.2 مليون دولار أمريكي من الأموال غير القانونية، أي ما يقرب من نصف إجمالي المبلغ المختلس بحسب زعم فريق الخبراء.
لكن تقرير فريق الخبراء يتضمن أخطاء فادحة في الأدلة والحجج. كانت أحد تأكيدات فريق الخبراء أن اليمنيين لم يستفيدوا من نظام خطابات الاعتماد وذلك لعدم انخفاض أسعار الواردات الأساسية في السوق -أي الواردات التي شملتها خطابات الاعتماد: الأرز والقمح والسكر والحليب وزيت الطهي. قد يبدو من الواضح عدم صحة هذا الادعاء، ففي حين عانى اليمنيون من تدهور قيمة العملة وتضخم الأسعار طوال معظم فترات الصراع، إلا أنهم حصلوا على فترة راحة نسبية من هذه التداعيات السلبية -من نهاية 2018 حتى نهاية 2019- وهي الفترة التي انخفض فيها الحد الأدنى لمتوسط تكلفة سلة الغذاء السنوية بشكل طفيف واستقر سعر صرف الريال اليمني بشكل عام، وخلال هذه الفترة صُرفت الحصة الأكبر من الوديعة السعودية لتمويل الواردات الأساسية إلى البلاد. أخطأ فريق الخبراء أيضًا في البيانات والعمليات الحسابية التي استخدمها لتحديد الفرق بين سعر الصرف التفضيلي الذي يقدمه البنك المركزي لدعم خطابات الاعتماد ومتوسط سعر الصرف السائد في السوق ذلك الوقت، وبالتالي كان قراره بأن البنك المركزي ومحافظه خالفا نصوص القانون اليمني مستندًا إلى سوء فهم كبير لسلطة التفويض القانونية للبنك المركزي اليمني، والتي تتمثل في تحقيق الاستقرار في المستوى العام للأسعار، وليس كما قال فريق الخبراء “السعي لتحقيق أكبر عائد ممكن” من إدارة احتياطاته من النقد الأجنبي. وبالنظر إلى الافتراضات الخاطئة التي بنى عليها فريق الخبراء حجته، فإن استنتاجاته المحددة غير سليمة.
على الرغم من ذلك تتطلب المخاوف أو مصادر القلق التي يثيرها تقرير فريق الخبراء أخذها بجدية. فمنذ أن نُقلت إدارة البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في عام 2016، كان هناك غموضًا وتعتيمًا شاملين فيما يتعلق بالعمليات التي يقوم بها؛ ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى الافتقار للإجراءات الرقابية اللازمة وتعطيل أسس الحوكمة وتصاعد الخلافات السياسية الداخلية، حيث لم يجرِ أي تدقيق أو مراجعة لعمليات البنك منذ انتقاله إلى عدن، بل إنه توقف عن نشر بياناته المالية السنوية. أما فيما يتعلق بآلية خطابات الاعتماد على وجه التحديد فلم يكن لدى البنك أي إجراءات رقابة وامتثال جادتين للإشراف على إصدار دفعات التمويل من الوديعة عبر نظام الاعتماد المستندية لدعم الواردات الأساسية، كما لا يوجد إطار للمراقبة والمساءلة يضمن تحقيق البنك لهدفه الرئيسي المتمثل في الحفاظ على استقرار الأسعار. كما كانت هناك اتهامات عديدة بوجود فساد في البنك المركزي اليمني بعدن، ونشأت تلك الاتهامات من القطاع الخاص، وفي وسائل الإعلام اليمنية، وأوساط الشخصيات البارزة في البنك نفسه. هناك حاجة إلى القيام بتحقيق دقيق ومحايد لمعرفة ما إذا كان قد أُسيء استخدام الأموال العامة، لكن من الواضح وجود فرصة كبيرة لممارسات الفساد.
بغض النظر عن صحة الاتهامات الواردة في تقرير فريق الخبراء، إلا أنه سلط الضوء على ما لا يمكن إنكاره من وضع يعاني فيه البنك المركزي من مشاكل واختلالات كبيرة، وهو وضع قد تنتج عنه عواقب وخيمة. نفد مخزون البنك من النقد الأجنبي الذي يمكن من خلاله تمويل الواردات ودعم قيمة الريال اليمني، ونتيجة لذلك سجلت قيمة الريال أدنى مستوى لها على الإطلاق مع بداية 2021 واستمر في التدهور منذ ذلك الحين. يؤدي ضعف قيمة العملة إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتراجع القوة الشرائية للمستهلكين، ما يعني أن القدرة على تحمل تكاليف توفير احتياجات الحياة الأساسية تتلاشى أكثر عند ملايين اليمنيين الذين يعتمدون أساسًا على المساعدات من أجل البقاء. على المدى القريب، يكمن الحل الوحيد لمنع تدهور القوة الشرائية للمستهلكين في توفير احتياطيات جديدة من النقد الأجنبي على نطاق واسع لتمويل واردات اليمن، ولكن لا يبدو هذا الحل وشيكًا. فالسعودية التي بدت مترددة بالفعل عن تجديد دعمها المالي للبنك المركزي ستكون أكثر إحجامًا بعد اتهامات فريق الخبراء. وبالمثل قد تعيق هذه الاتهامات حصول اليمن على دعم من المانحين المحتملين الآخرين.
هناك أزمة ثقة في البنك المركزي للحكومة اليمنية، وبالتالي يحتاج اليمنيون والفاعلون الدوليون الذين سيدعمون البلاد لاتخاذ إجراءات جدية وفورية لاستعادة الثقة بقدرة البنك على الاستمرار في تنفيذ السياسات النقدية والمالية للبلاد بطريقة سليمة وشفافة وخاضعة للمساءلة. ومن أجل تحقيق ذلك، يقدم هذا التقرير التوصيات التالية:
بشكل فوري يجب على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا ما يلي:
- إقالة الإدارة العليا للبنك المركزي اليمني ومجلس إدارته بالكامل، واتخاذ الإجراءات اللازمة لشغل مناصب هذه القيادات بكفاءات مؤهلة تأهيلًا عاليًّا وغير منتمية سياسيًّا ولديها سجل واضح في دعم المصلحة العامة.
- إجراء تدقيق شامل ومستقل لجميع عمليات البنك المركزي، والالتزام بإعلان نتائج هذا التدقيق لعامة الشعب فور الانتهاء منه بشكل كامل.
- تعيين لجنة تحقيق مستقلة لفحص جميع المعاملات المتعلقة بالوديعة السعودية ومشتريات ومبيعات البنك المركزي من النقد الأجنبي.
- البدء بإجراء تحقيقات جنائية وملاحقات قضائية ضد أي شخص يشتبه في مخالفته للقوانين اليمنية، وقانون البنك المركزي على وجه الخصوص، في أي جانب من جوانب عملهم أو تعاملاتهم مع البنك في عدن. يجب على وجه التحديد التحقيق مع كل من الأربعة الذين شغلوا منصب محافظ البنك منذ انتقاله من صنعاء عام 2016، وجميع أعضاء الإدارة التنفيذية للبنك الذين عملوا تحت إدارة هؤلاء المحافظين وجميع أعضاء مجلس الإدارة للتحري عن احتمال وجود أي مخالفات جنائية.
- البدء في استكشاف خيارات السياسة المعقولة لتعزيز المنافسة والحد من النزعات الاحتكارية ونفوذ احتكار القلة للسوق اليمني.
يجب على البنك المركزي اليمني في عدن في أقرب وقت ممكن وفي ظل الإدارة التنفيذية العليا ومجلس الإدارة الجديدين للبنك التالي:
- النشر الفوري لكافة البيانات التي توضح الحصة التي تلقاها كل مستورد يمني من الوديعة السعودية.
- الشروع في إجراءات حوكمة شاملة لإصلاح الهياكل المؤسسية والتنظيمية للبنك المركزي اليمني في عدن، وتطوير أطر السياسة النقدية وتعزيز آليات المساءلة والشفافية. يجب أن يشمل ذلك إصلاحًا شاملًا لنظام تمويل الواردات الخاص بالبنك المركزي ليشمل آليات المساءلة والشفافية التي تستوفي المعايير الدولية.
- اعتماد سياسة سعر صرف معوّم وموحد، وإلغاء الاستخدام الحالي لأسعار الصرف المتعددة للمحاسبة الداخلية والمعاملات المالية داخل الحكومة. يجب أن تأخذ سياسة سعر الصرف الجديدة في الاعتبار مخزون البنك من النقد الأجنبي الضعيف حاليًّا ومحاولة التأثير على جانبي العرض والطلب في سوق صرف النقد الأجنبي بشكل غير مباشر من خلال تدخلات مخططة ومدروسة بدقة.
- الشروع في اتخاذ الإجراءات اللازمة لنشر البيانات المالية والإفصاحات المرتبطة بها منذ انتقال البنك المركزي إلى عدن في عام 2016.
- استئناف إصدار نشرة التطورات النقدية والمصرفية الشهرية والتقرير السنوي للبنك. يجب أن يتبنى البنك المركزي اليمني في عدن إجراءات شفافية واضحة لنشر جميع البيانات والمعلومات المتعلقة بسعر الصرف والأنشطة النقدية، والقرارات المتعلقة بتمويل خطابات الاعتماد وأسماء المستوردين المستفيدين منها وكذلك أنشطة وبيانات سوق القطاع المالي.
مجموعة هائل سعيد أنعم هي أكبر مجموعة تجارية في البلاد، وهي صاحبة تاريخ أطول من تاريخ الجمهورية اليمنية نفسها، وتحمل المجموعة لواء القطاعين التجاري والخاص في اليمن بشكل عام، وبالتالي فإن استعادة سمعتها يصب في المصلحة الوطنية، ويجب عليها:
- نشر جميع البيانات المتعلقة باستخدامها لآلية خطابات الاعتماد، وتحديدًا البيانات التفصيلية لأسعار السلع التابعة لها والمنتجات التي استخدمت سلعًا تم استيرادها عبر خطابات الاعتماد، والتي بيعت في مناطق سيطرة الحوثيين وفي مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، للسماح بالشفافية فيما يتعلق بإمكانية استفادة المجموعة من فارق سعر الصرف السائد في السوق بالمقارنة مع سعر الصرف الذي تلقته من خطابات الاعتماد المختلفة.
- التكليف بإجراء تدقيق مستقل لجميع أنشطة مجموعة هائل سعيد أنعم فيما يتعلق باستخدام شركاتها لآلية تمويل الواردات الخاصة بالبنك المركزي اليمني في عدن ومن أي مصدر آخر للنقد الأجنبي يتقاطع معها.
- إصدار ونشر النتائج الكاملة لهذا التدقيق بمجرد اكتماله؛ كدليل على التزام المجموعة بمبادئ الشفافية والمساءلة.
على فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن أن يقوم فورًا بما يلي:
- الشروع في مراجعة تقريرهم السنوي لعام 2020 لتصحيح كافة الأخطاء الواردة فيه.
- مراجعة المنهجية التي توصل بها الفريق إلى الأرقام والاستنتاجات الخاطئة، وعمل الترتيبات اللازمة لتفادي الوقوع في مثل هذه الأخطاء في أي تقارير مستقبلية.
- البحث عن الخبرات اليمنية واستقطابها للمساعدة في جمع وتقييم المعلومات والبيانات لتقاريرهم؛ كون فريق الخبراء لا يتضمن أي يمني، ويفتقر بشكل واضح إلى المعرفة المستنيرة، وأحيانًا المعرفة الأساسية بالسياق المحلي.
خلفية عامة
سوق تمويل الواردات قبل النزاع
اعتمدت اليمن لعقود طويلة بشكل كبير على التجارة الخارجية لتلبية احتياجاتها المحلية، حيث تستورد اليمن ما يصل إلى 90% من احتياجاتها الغذائية، ومن بينها ما نسبته 100% من الأرز المستهلك في البلاد.[2] عام 2013 بلغ إجمالي قيمة الواردات في اليمن 10.8 مليار دولار أمريكي، أي ما يمثل 32% من الناتج المحلي الإجمالي،[3] في حين بلغت احتياطيات النقد الأجنبي في البنك المركزي اليمني عند 5.3 مليار دولار أمريكي مع نهاية العام.[4] شكلت صادرات النفط والغاز أكبر مصدر للنقد الأجنبي المساهم في تعبئة احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي، وقد مكّن هذا البنك من تحقيق هدفه الرئيسي المرسوم له في قانونه رقم 14 لعام 2000 من خلال الحفاظ على درجة معقولة من الاستقرار في أسعار السلع الأساسية.[5] بلغت عائدات تصدير النفط والغاز عام 2014 ما يقرب من 6.4 مليار دولار أمريكي، أو 36% من تدفقات النقد الأجنبي الواردة الى البلاد، في حين قُدرت تحويلات المغتربين اليمنيين الواردة إلى البلد بنحو 3.3 مليار دولار، أي 18% من مصادر العملة الصعبة في اليمن.[6]
تمتّع تجار السلع الأساسية بوصول مطلق ومستمر إلى خطوط ائتمان مفتوحة للحصول على النقد الأجنبي لاستيراد السلع عبر نظام خطابات اعتماد يعمل بشكل جيد، وساعدهم في هذا وجود قطاع مصرفي قادر على تسهيل التجارة الدولية من خلال استخدام حساباته المفتوحة لدى البنوك المراسَلة الخارجية. سمح نظام تمويل الواردات في البنك المركزي والتنظيم الرشيد لسوق الصرف قبل النزاع الحالي بالحفاظ على استقرار قيمة العملة المحلية عند سعر صرف 215 ريالًا يمنيًّا لكل دولار أمريكي، وحماية أسعار المواد الغذائية من التقلبات الكبيرة.
تمويل الواردات في وقت مبكر من الصراع وبذور انحراف العملة
تسببت تصاعد النزاع باليمن في مارس 2015 بانهيار اقتصادي سريع وواسع النطاق، وتعطّلت سلاسل الإمداد الغذائي القائمة (الأمر الذي انعكس في انخفاض الواردات كما هو مبيّن في الشكل رقم 1 أدناه)، وتعليق شبه كامل لصادرات النفط والغاز التي كانت تمثل المصدر الرئيسي لتدفق النقد الأجنبي إلى البلاد، لكن الطلب على الوقود وواردات السلع الأساسية استمر مما أدى إلى استنفاد احتياطيات النقد الأجنبي للبنك المركزي اليمني. أواخر 2014 بلغت احتياطيات النقد الأجنبي للبنك 4.6 مليار دولار أمريكي، ولكن البنك المركزي أنفق ما يقرب من 40% من هذه الاحتياطيات لتمويل واردات السلع الأساسية، بما في ذلك القمح والدقيق والأرز والسكر والمشتقات النفطية، خلال النصف الأول من 2015.[7] ومن أجل مواجهة الانخفاض المتسارع في احتياطيات النقد الاجنبي، خفّض البنك في يوليو/ حزيران 2015 دعمه الممنوح عبر نظام الاعتماد المستندي لتمويل واردات الوقود، على الرغم من أنه بلغ ما أنفقه حتى نهاية العام 1.9 مليار دولار أمريكي لتغطية واردات الوقود والسلع الأساسية، وذلك بسعر الصرف الرسمي البالغ 215 ريالًا يمنيًّا لكل دولار أمريكي، مقارنة بحوالي 3.1 مليار دولار أمريكي لنفس الفترة في 2014. [8]
الشكل رقم 1: أثر الصراع على الواردات التجارية المهمّة في اليمن
المصدر: قاعدة البيانات الإحصائية للأمم المتحدة/ مجموعة البنك الدولي
استمر الصراع في اليمن وضعفت معه قدرة البنك المركزي على تنظيم سوق الصرف، وبدأ سعر الصرف في السوق الموازية بالتصاعد أوائل 2016. وبحلول فبراير كان سعر صرف الريال اليمني قد بلغ 250 ريالًا يمنيًّا لكل دولار أمريكي تقريبًا.[9] وبشكل متزامن بدأت مراجحة العملة من خلال آلية تمويل الواردات، فخلال الربع الأول من 2016، موّل البنك 414 مليون دولار أمريكي من واردات السلع الأساسية بسعر صرف 215 ريالًا للدولار، مع تخصيص ما يقرب من 70% من هذا المبلغ للقمح، و20% للأرز، في حين غطى بقية المبلغ بالكامل تقريبًا واردات المشتقات النفطية.[10] بحلول يونيو من نفس العام، أصبح سعر صرف الريال في السوق ما يقرب من 300 ريال لكل دولار. ووفقًا لمصادر مطلعة على مناقشات البنك المركزي رفيعة المستوى في ذلك الوقت، أدركت إدارة البنك أوائل 2016 أن سعر الصرف التفضيلي لم ينعكس في أسعار السلع الغذائية التي يدعمها البنك في السوق، مما دفع البنك إلى تبني خطة طوارئ لتخفيف الضغط على احتياطياته من النقد الأجنبي المتناقصة، وانسجامًا مع هذه الخطة أوقف البنك تمويل واردات السكر في فبراير، وخفّض سعر الصرف الرسمي إلى 250 ريالًا لكل دولار في الربع الثاني من عام 2016.
وبحلول سبتمبر/ أيلول، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 20.1% مقارنة بأسعارها قبل الصراع؛[11] وكان سعر صرف الريال في السوق أكثر من 300 ريال للدولار، ولم يبقَ لدى البنك من احتياطيات النقد الأجنبي سوى 700 مليون دولار،[12] وفي الشهر نفسه نقلت الحكومة اليمنية مقر البنك المركزي رسميًّا من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن.[13]
أدى نقل مقر البنك إلى نشوء بنكين متنافسين: البنك المركزي اليمني في عدن التابع للحكومة اليمنية، والبنك المركزي اليمني في صنعاء التابع لجماعة الحوثيين المسلحة. يتمتع الأول باعتراف دولي وامتيازات مرتبطة بهذا الاعتراف، في حين يحتفظ الثاني بنطاق اختصاصه وسيطرته على المركز المالي وأكبر المراكز السكانية والأسواق الاستهلاكية في اليمن. منذ انقسام البنك، أصدر البنكان المركزيان توجيهات متناقضة وغير متوافقة للشركات والمؤسسات المالية اليمنية في خضم صراع متصاعد للسيطرة على السياسات النقدية والمالية في البلاد، بما في ذلك نظام خطابات الاعتماد لتمويل الواردات.
في أعقاب انقسام البنك المركزي، تعطلت سلسلة توريد السلع بشكل كبير بسبب مجموعة من العوامل، أهمها أن المستوردين كانوا معزولين تمامًا عن الوصول إلى قنوات النقد الأجنبي الرسمية وخطابات الاعتماد المدعومة من البنك المركزي اليمني. كما واجه المستوردون والقطاع المصرفي في الوقت نفسه قيودًا متزايدة على الوصول إلى البنوك المراسلة والنظام المالي الدولي بسبب رفع اليمن -في سبتمبر/ أيلول 2016- إلى أعلى تصنيف عالمي للمخاطر في إطار تطبيق إجراءات مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.[14] في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، قطعت الحكومة اليمنية اتصال البنك المركزي في صنعاء بشبكة السويفت SWIFT المالية العالمية، وبالتالي أوقفت المعاملات والتحويلات المالية عبر الشبكة، ولم يعاد ربط البنك المركزي في عدن والبلد ككل بشبكة السويفت حتى منتصف أبريل/ نيسان 2017.[15] ومع ذلك بقي الربط بالسويفت غير فعّال بسبب افتقار البنك في عدن للقدرات والمعرفة الفنية اللازمة لتشغيل النظام، فضلًا عن شحة احتياطيات النقد الأجنبي التي يمكن إرسالها عبر شبكة السويفت لتمويل فاتورة الاستيراد. أدى سوق الصرف غير الرسمي الذي استمر بالعمل وفقًا لدينامياته الخاصة وبشكل متزايد، والذي ظهر بالتزامن مع تدهور مستوى احتياطيات النقد الأجنبي المتوفرة لدى البنك في عدن ومع ظهور الفئات الجديدة من الريال التي طبعتها الحكومة اليمنية لتغطية الفجوة التمويلية الكبيرة في عجز الموازنة العامة إلى زيادة الضغوط الهبوطية على الريال.
الوديعة السعودية وإنشاء آلية خطابات الاعتماد
في مارس/ آذار 2018، تلقّى البنك المركزي في عدن وديعة بقيمة ملياري دولار أمريكي من السعودية، وهدفت الوديعة إلى دعم واردات خمس سلع أساسية: الأرز والقمح والسكر والحليب وزيت الطهي، وكان من المقرر أن يبدأ تمويل الواردات في شهر يونيو/ حزيران عبر تزويد التجار المستوردين بالنقد الأجنبي (لمزيد من المعلومات، انظر نشرة “اليمن في الأمم المتحدة” أبريل ومايو 2018). كما كان الهدف من الوديعة السعودية تخفيف الضغط الهبوطي على قيمة الريال وتحقيق استقرار في أسعار السوق. بحلول مارس/ آذار 2018، بلغ متوسط سعر صرف الريال 483 ريالًا للدولار، مما يعني أن الريال أصبح يساوي أقل من نصف ما كان عليه عند بدء الصراع. تسبب انخفاض قيمة العملة بضغوط تضخمية في جميع جوانب الاقتصاد اليمني، وكان يُنظر إليه على أنه العامل الأكبر الذي أدى إلى تفاقم مستوى انعدام الأمن الغذائي وتعميق الأزمة الإنسانية في البلاد. جاء الضغط الهبوطي الكبير على الريال اليمني من خلال شراء التجار للنقد الأجنبي في سوق الصرف المحلي لتمويل الواردات، فوفقًا لمسح أُجري عام 2018 على كبار المصرفيين اليمنيين، كان يُنظر إلى طلبات تجار الوقود غير المنظمة على النقد الأجنبي لتمويل الواردات كأحد أبرز العوامل التي ساهمت بشكل رئيسي ومنفرد في تدهور قيمة الريال.
في تعميم للبنوك التجارية بتأريخ 21 يونيو/ حزيران، قدم البنك المركزي في عدن تفاصيل الآلية التنفيذية لتمويل دعم الواردات عبر خطابات الاعتماد، وتضمن التعميم 15 شرطًا يتعيّن على البنوك والتجار الوفاء بها ليكونوا مؤهلين للحصول على النقد الأجنبي من الوديعة السعودية (لمزيد من المعلومات، انظر نشرة “اليمن في الأمم المتحدة” لشهر يونيو 2018). كان الجانب الأكثر بروزًا في آلية خطابات الاعتماد لدى البنك في عدن هو المنهج القائم على النقد: ذكر البنك أنه لن يقبل سوى السيولة النقدية من العملة المحلية في مقابل الحصول على النقد الأجنبي، وهذا يعني أنه لكي يكون مستوردو الأغذية مؤهلين للحصول على تمويل الواردات؛ يتعيّن على البنوك اليمنية التي تمثلهم أو تعمل بالنيابة عنهم إيداع نصف المبلغ المعادل لمبلغ النقد الأجنبي المطلوب من البنك المركزي نقدًا، وبعد الدفع يرسل المركزي في عدن ملف الطلب إلى السلطات السعودية للمراجعة قبل تحويل الأموال بالنقد الأجنبي إلكترونيًّا من حساب البنك المركزي اليمني في جدة إلى حساب البنك المراسَل للمستورد في الخارج. بعد الحصول على الموافقة السعودية، تتطلب آلية خطابات الاعتماد إيداع البنوك اليمنية النصف الثاني من المبلغ نقدًا في البنك المركزي بعدن، ولا تقبل آلية خطابات الاعتماد أي وسائل دفع أخرى، مثل الشيكات والتحويلات الأخرى غير النقدية.
في تأريخ 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، بعثت غرفة التجارة والصناعة في عدن رسالة إلى رئيس الحكومة اليمنية معين عبدالملك توضح فيها قائمة بالقضايا التي قالت إنها تحد من مشاركة المستوردين في آلية تمويل خطابات الاعتماد.[16] كانت الشكوى الأساسية هي أن آلية خطابات الاعتماد لم تتضمن نظام دفع مقاصة نقدية للبنوك التجارية وشركات الصرافة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون -المناطق التي توجد فيها أكبر الأسواق والمراكز السكانية في البلاد- لتلبية المتطلبات النقدية لآلية خطابات الاعتماد. كان إيداع النقد مباشرة في البنك المركزي في عدن شاقًا لهذه المؤسسات المالية؛ نظرًا للقيود التي فرضها الحوثيون. اقترحت غرفة التجارة والصناعة في رسالتها حلًا: بدلًا من الإيداع المباشر للنقد، يمكن للبنوك وشركات الصرافة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون تغطية نفقات الحكومة اليمنية لدفع رواتب الموظفين، وتغطية التحويلات المالية للمنظمات غير الحكومية الدولية في تلك المناطق من الأموال المودعة لدى البنك المركزي في عدن.
شكوى أخرى، تمثلت في اشتراط البنك في عدن دفع المستورد لكامل مبلغ خطاب الاعتماد بمجرد موافقة السلطات السعودية على الخطاب، بدلًا من أن يُدفع المبلغ كاملًا عند وصول البضائع للموانئ اليمنية، وأدى ذلك إلى إضعاف قدرة التجار على استيراد البضائع والبيع بالائتمان. كما أثّر هذا الشرط سلبًا على مستوى حجم السيولة المتوفرة لدى المستوردين وأضعف حركة التجارة؛ بالنظر إلى أن عملية الموافقة على طلب خطابات الاعتماد قد تستغرق شهورًا؛ ولعدم وجود آلية واضحة للشكاوى ضد النكوث بالمواعيد النهائية. تطلب آلية خطابات الاعتماد من المستوردين أيضًا إحضار جميع السلع المعتمدة للتمويل في شحنة واحدة، ولم تتضمن أحكامًا تسمح بوصول البضاعة في شحنات متعددة (الشحن الجزئي) تحت ظروف معينة -عند مواجهة صعوبات في الشحن البحري أو ندرة البضائع في الأسواق الدولية على سبيل المثال. كما اشتكت غرفة التجارة والصناعة من عدم وجود آلية مراقبة تشمل القطاع الخاص أو الهيئات المجتمعية للإشراف على عمليات خطابات الاعتماد؛ لتحقيق أكبر قدر من الشفافية والمساءلة. تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد سابقة قانونية لإشراف كهذا على عمليات البنك المركزي اليمني.
في 20 أبريل/ نيسان من العام التالي 2019 توصّل البنك في عدن وممثلو مستوردي السلع الأساسية إلى اتفاق بشأن آلية جديدة لتمويل خطابات الاعتماد لمعالجة بعض العقبات التي شكا منها المستوردون اليمنيون. وعلى الرغم من موافقة رئيس الحكومة على الاتفاق إلا أنه لم يُنفذ أبدًا، وفقًا لمسؤول مصرفي كبير مطّلع على الإجراءات.[17]
في السوق عمومًا، نُظر إلى أن البنك المركزي في عدن استغرق وقتًا طويلًا للغاية لإطلاق آلية دعم الواردات في يونيو 2018، وأن العملية التي نتجت عن الآلية مرهقة وغير مرنة وتستغرق وقتًا أيضًا. بعد الإعلان عن بدء العمل بالآلية في يونيو/ حزيران 2018، بدأت سلطات الحوثيين في اتخاذ تدابير قسرية متزايدة لثني الشركات والمؤسسات المالية اليمنية عن الالتزام بمتطلبات خطابات الاعتماد الخاصة بالبنك في عدن. أما النتيجة كانت صدور دفعتين فقط من تمويل الواردات بقيمة 32.6 مليون دولار[18] خلال الأشهر الأربعة الأولى من تطبيق الآلية. للمقارنة، قُدر متوسط فاتورة الواردات الشهرية للسلع الأساسية في اليمن قبل الصراع بقيمة 217.5 مليون دولار، وفقًا لأرقام 2014 الصادرة عن البنك الدولي.[19] أما في عامي 2018 و2019 فقدّر صندوق النقد الدولي متوسط فاتورة الواردات الشهرية للسلع الأساسية في اليمن بمبلغ 178 و271 مليون دولار على التوالي.[20]
وخلال الفترة ذاتها -يوليو إلى أكتوبر 2018- شهد الريال أكبر انخفاض في قيمته حتى الآن، حيث انخفضت بنسبة 42% من بداية أغسطس/ آب إلى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول. في أحد الأيام خلال الفترة تلك، بلغ سعر صرف الريال مقابل الدولار أقل من 800.[21] خلال الفترة بين يونيو/ حزيران وأكتوبر/ تشرين الأول ارتفع متوسط تكلفة الحد الأدنى لسلة المستهلك الغذائية الشهرية للفرد بنحو 28%.[22]
أما في نوفمبر/ تشرين الثاني فشهد الريال تحسنًا كبيرًا في قيمته من سعر صرف 750 ريال للدولار في بداية الشهر إلى 380 بعد أربعة أسابيع، أي ارتفاع في قيمته بنسبة 50% تقريبًا.[23] توافق ذلك مع تسريع البنك في عدن إجراءات الصرف لتمويل الواردات من الوديعة السعودية، إذ أصدر البنك خلال الفترة من 3 إلى 23 نوفمبر/ تشرين الثاني ست دفعات من خطابات الاعتماد لواردات السلع الأساسية، والتي بلغت ما يقرب من 200 مليون دولار. وكما أفاد مركز صنعاء حينذاك، حصل المستوردون على المبالغ بالريال اليمني من مكاتب الصرافة لفتح خطابات الاعتماد في البنك؛ إذ أغرتهم أسعار الصرف التفضيلية التي قدمها البنك.[24] وكانت أسعار الصرف التفضيلية لهذه الدفعات الست من تمويل الواردات هي 585 و585 و585 و570 و530 و520 ريال للدولار على الترتيب.[25]
من بين العوامل الأخرى التي ساهمت في تعافي الريال حينها؛ منحة سعودية بقيمة 60 مليون دولار كمشتقات نفطية، وإعلان الرياض عن منحة إضافية بقيمة 200 مليون دولار لمركزي عدن في أكتوبر. (كما قدمت السعودية منحة مشتقات نفطية أخرى قيمتها 120 مليون دولار في يناير 2019).[26]
أثّر الصرافون على مكاسب قيمة الريال واستفادوا منها، فكما ذكر تقرير اليمن لشهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 الصادر عن مركز صنعاء، “عملت العديد من محلات وشركات الصرافة ضمن اتحاد احتكاري لشراء العملات الأجنبية من السوق بسعر صرف أعلى، أي بسعر أفضل مما كان يقدمه البنك المركزي في عدن للمستوردين. كانت هذه المغالاة المتعمدة في تقييم الريال تهدف إلى الحصول على حيازات المواطنين من العملات الأجنبية. في الوقت نفسه، رفضت محلات وشركات الصرافة نفسها بيع العملات الأجنبية مؤقتًا، أو خفّضت بشدة من بيعها للعملات الأجنبية في السوق، متوقعة أن الريال سيفقد قيمته مرة أخرى. في الأول من ديسمبر/كانون الأول، انخفضت قيمة الريال من 380 لكل دولار إلى 460؛ ما سمح للصرافين ببيع عملاتهم الأجنبية مقابل الريال بأسعار صرف أعلى بكثير من الأسعار التي اشتروها بها”.[27]
خلال الفترة من ديسمبر/ كانون الأول 2018 حتى ديسمبر/ كانون الأول 2019، ظلت أسعار العملة المحلية والسلع المحلية مستقرة إلى حد كبير، وذلك وفقًا لبيانات من مركز صنعاء والبنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، وأرجع كل من مركز صنعاء والبنك الدولي ذلك إلى دعم الواردات من خلال الوديعة السعودية. في يناير 2019 بلغ متوسط سعر صرف الريال 545 للدولار. أما بحلول ديسمبر/ كانون الأول فانخفضت قيمة الريال بنسبة 8% فقط -وهي أقل نسبة انخفاض سنوي منذ بدء الصراع- إلى متوسط 591 لكل دولار أمريكي.[28] خلال نفس فترة الـ12 شهرًا، انخفض سعر الحد الأدنى لسلة الغذاء بشكل طفيف، من حوالي 37,500 إلى 36,600 ريال يمني.[29] من إجمالي الـ38 دفعة الصادرة عن البنك المركزي في عدن لتمويل الواردات والبالغة 1.89 مليار دولار، صدرت 32 منها -1.45 مليار دولار تقريبًا- خلال هذه الفترة التي شهدت تعافي واستقرار الريال، أي خلال الفترة من نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 إلى ديسمبر/ كانون الأول 2019.
ابتداءً من ديسمبر/ كانون الأول 2019، بدأت مجموعة من العوامل بالتأثير على قيمة الريال في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، وعادت العملة إلى فترة عانت فيها من تدهور مستمر، وشملت تلك العوامل حظر سلطات الحوثيين تداول الأوراق النقدية التي طبعها البنك في عدن عام 2017 في مناطق سيطرتها؛ ما جعل الأوراق النقدية الجديدة تتدفق نحو مناطق سيطرة الحكومة، ليسفر ذلك عن زيادة معروض الريال بشكل أكبر عام 2020، فيما استمرت الحكومة في سياستها النقدية التوسعية بطباعة نقود جديدة لتغطية النفقات. في الوقت ذاته تراجعت تدفقات النقد الأجنبي نظرًا لانخفاض التمويل الإنساني الدولي، وأدى الإغلاق الاقتصادي المرتبط بـجائحة كورونا في جميع أنحاء المنطقة إلى تراجع مبالغ التحويلات المرسلة لليمن.[30]
بعد أن استنفد البنك في عدن معظم الوديعة السعودية، خفّض أيضًا دعم تمويل الواردات بشكل كبير عام 2020، وبلغ إجمالي التمويل المقدم لخطابات الاعتماد على مدار العام 509 مليون دولار، أي ما يقرب من نصف مبلغ 1.16 مليار دولار الذي أصدرها البنك لتمويل خطابات الاعتماد عام 2019. في الوقت نفسه، انخفض متوسط سعر الصرف الشهري للريال في مناطق سيطرة الحكومة بشكل مطرد، من 647 ريال للدولار في يناير/ كانون الثاني إلى 880 في نوفمبر/ تشرين الثاني، أي انخفاض بنسبة 36% على مدى 11 شهرًا. وصلت العملة إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 916 ريال للدولار في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، قبل أن تستعيد قوتها لفترة وجيزة في وقت لاحق من الشهر على خلفية التطورات السياسية الإيجابية.[31] في غضون ذلك، ارتفع سعر الحد الأدنى لسلة الغذاء بنسبة 38% بين بداية 2020 ومنتصف سبتمبر في مناطق سيطرة الحكومة، وفقًا لبرنامج الغذاء العالمي.[32] في نهاية 2020، لم يتبقَ سوى 11.3 مليون دولار من الوديعة السعودية الأصلية البالغة ملياري دولار.[33] أما في مناطق سيطرة الحوثيين فقد ساعد تقييد العرض ليشمل فقط الطبعة القديمة من الريال إلى جانب التطبيق الصارم للسياسات المنظمة لسوق صرف العملات الأجنبية على استمرار سعر صرف مستقر في هذه المناطق بلغ 600 ريال للدولار طوال 2020 بشكل رئيسي.
خلال فترة استخدام الوديعة السعودية لتمويل الواردات (يوليو/ تموز 2018 – ديسمبر/ كانون الأول 2020)، لم تغطِ سوى جزء من إجمالي واردات السلع الأساسية الواردة إلى اليمن (انظر الشكل رقم 2 أدناه). على سبيل المثال، تقدّر الوحدة الاقتصادية لمركز صنعاء أنه في عام 2019، وهو العام الذي أصدر فيه البنك في عدن أكبر قدر من المدفوعات من الوديعة السعودية، غطت خطابات الاعتماد من البنك المركزي 40 إلى 50% فقط من إجمالي واردات الأرز والقمح والسكر والحليب وزيت الطهي.
الشكل رقم 2
المصدر: تقرير صندوق النقد الدولي وفريق الخبراء، يناير/ كانون الثاني 2021
سعر الصرف التفضيلي لخطابات الاعتماد
في أغسطس/ آب 2017، قرر البنك المركزي في عدن تعويم الريال والسماح بتحديد قيمته الرسمية وفقًا لسعر الصرف في السوق، وكما أفاد مركز صنعاء في ذلك الوقت، جاء ذلك بعد ضغوط دولية لمعالجة المراجحة (فوارق أسعار الصرف) فيما يتعلق بالأموال التي ترسلها وكالات المساعدات إلى اليمن. في السابق، كان على منظمات الإغاثة الانسانية صرف العملات الأجنبية في البنوك اليمنية بسعر الصرف الرسمي البالغ 250 ريالًا للدولار، بينما في شهر يوليو/ تموز 2017، بلغ سعر صرف الريال مقابل الدولار في السوق 367، ويمثل هذا فارق في القيمة بنسبة 47% احتفظت به البنوك لنفسها.
وفقًا لمحافظ البنك المركزي السابق محمد زمام، في أعقاب قرار أغسطس/ آب 2017، سيحدد مجلس إدارة البنك المركزي سعر الصرف للريال من خلال أخذ متوسط سعر الصرف السائد لدى أكبر خمسة بنوك رائدة وأكبر خمس شركات صرافة، بعد احتساب تأثيرات المضاربة، وطرح 10 إلى 15 ريالًا منها (بمعنى أن البنك في عدن يقيّم الريال هامشيًّا بقدر أعلى من سعر السوق). لكن طريقة تحديد سعر الصرف هذه تركت مجالًا كبيرًا للغموض، فأولاً لا يوجد ما يشير إلى كيفية حساب تأثيرات المضاربة، وأضف على ذلك أنه وفي أوقات التقلبات الكبيرة في أسعار العملات قد يختلف سعر الصرف بين المؤسسات المالية داخليًّا، وبين المناطق، وحتى خلال الأوقات المختلفة في اليوم الواحد. وبالتالي، فإن سعر الصرف الذي حدده البنك المركزي في مناطق سيطرة الحكومة في أي يوم معيّن يجب أن يكون متوسطًا مرجحًا يراعي هذه المتغيرات، لكنه لم يكن من الواضح كيف تم ترجيح هذا المتوسط.
أصدر مجلس الوزراء اليمني في سبتمبر/ أيلول 2018 القرار رقم 75 لتنظيم عملية استيراد السلع الأساسية والمشتقات النفطية، ونصت الفقرة 2أ على أن “الحكومة اليمنية والبنك المركزي اليمني يلتزمان بتوفير النقد الأجنبي اللازم لتغطية جميع الاعتمادات والتحويلات المطلوبة للسلع الخمس الأساسية والمعلنة (الدقيق والسكر والأرز وحليب الأطفال والزيت النباتي) بسعر السوق لجميع التجار وعبر جميع البنوك”. ومع ذلك، فإن خطابًا من سبع صفحات صدر عن اللجنة الاقتصادية للحكومة اليمنية فسر القرار رقم 75، واضعًا آلية تنفيذية لتنظيم واردات الوقود دون وضع سياسة لتحديد سعر الصرف لخطابات الاعتماد، بينما جرى تأجيل تنفيذ اللوائح الجديدة المتعلقة باستيراد المواد الغذائية (راجع تقرير اليمن-أكتوبر/ تشرين الأول 2018) وهكذا ظلت الصيغة السابقة للبنك في عدن لتحديد سعر الصرف الرسمي هي السياسة السارية للدفعات الثمان الأولى من خطابات الاعتماد التي أصدرها البنك (من يوليو/ تموز إلى نوفمبر/ تشرين الثاني 2018).
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 ومع التحسّن المتسارع للقيمة السوقية للريال اليمني، أعاد البنك المركزي تقييم الريال بقيمة أعلى في آلية خطابات الاعتماد الخاصة به، وإن لم تكن إعادة التقييم تلك متناسبة. وابتداءً من 3 ديسمبر/ كانون الأول قدم البنك خطابات الاعتماد بسعر 440 ريالًا للدولار، وذلك بدءًا بالدفعة التاسعة من خطابات الاعتماد، وأبقى سعر الصرف ثابتًا طوال فترة التقلبات الكبيرة للعملة ذلك الشهر حتى يناير/ كانون الثاني.
الأهم من ذلك أنه خلال فترات تقلبات سعر الصرف الكبيرة في السوق -مثل التقلب الشديد الذي شهده أواخر 2018- أصبح الأمر متاحًا للبنك المركزي لإعادة تقييم سعر صرف خطابات الاعتماد بما يتماشى مع السوق مقيدًا بهدفه الأساسي المتمثل في الحفاظ على استقرار الأسعار. إذا ما حاول البنك المركزي اليمني في عدن إعادة تقييم سعر صرف خطابات الاعتماد يوميًّا، فقد يستفيد مستورد واحد تمت الموافقة على طلبه للتو من آلية تمويل الواردات أكثر أو أقل من مستورد آخر للسلعة نفسها التي تم طلبها للتو وهي في طريقها إلى اليمن، وذلك بسبب التأخير في الوقت بين دفع المستوردين للقسط الأول من قيمة خطابات الاعتماد في بداية العملية عند تقديم الطلب وبين دفع القسط الثاني عند الموافقة النهائية على الطلب من السلطات السعودية. قد يكون من الممكن أيضًا، بحلول الوقت الذي تكتمل فيه عملية تقديم الطلب، أن يجد المستورد أن خطاب اعتماده قد مُوِل بأسعار صرف أعلى مما كان يمكن أن تعرضه عليه السوق الموازية. للحد من هذه العوامل المحتملة التي تنعكس في السوق الاستهلاكية على شكل تقلب أسعار متزايد، يتعين على البنك المركزي أن يحافظ على تقييمه لسعر صرف خطابات الاعتماد بشكل تدريجي ومعتدل.
في تصريحات علنية تناول زمام بالتفصيل خلال اجتماع رسمي عُقد في فبراير / شباط 2019 بين البنك المركزي اليمني في عدن والحكومة اليمنية ولجنتها الاقتصادية سعر الصرف. كانت لجنة البنك المسؤولة عن تحديد سعر صرف خطاب الاعتماد حينها قد أعادت تقييم سعر الصرف عند 520 ريالًا للدولار، لكن -وكما قال زمام- أُلغي سعر الصرف المعاد تقييمه في اجتماع فبراير/ شباط من قِبل رئيس اللجنة الاقتصادية حافظ معياد الذي قال إن خفض قيمة الريال من شأنه أن يعطي “مؤشرًا سلبيًّا” في السوق. وكانت نتيجة الاجتماع تحديد سعر صرف خطابات الاعتماد رسميًّا عند 440 ريالًا لكل دولار، وهو السعر الذي استمر حتى إصدار الدفعة الثانية والثلاثين من خطابات الاعتماد في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
بالنسبة للدفعات اللاحقة الصادرة خلال 2020، عاد البنك إلى الآلية السابقة لتحديد سعر الصرف التفضيلي وفقًا لسعر السوق، والتي كانت سارية قبل نوفمبر/ تشرين الثاني 2018. بالتالي حددت أسعار الصرف التفضيلية بالنسبة لشهر يناير/ كانون الثاني وأبريل/ نيسان وأغسطس/ آب 2020 عند 530 و570 و650 ريال للدولار على الترتيب.[34] والجدير بالذكر أن تقييمات الوحدة الاقتصادية لمركز صنعاء لأسعار الصرف السائدة في السوق ذلك الوقت قدرت بانخفاض كبير للريال عند 650 و660 و760 على الترتيب، بمتوسط تباين يبلغ 107 ريالات للدولار.
مدى تأثّر أسعار السلع الأساسية بتقلبات أسعار الصرف
ارتفعت أسعار السلع عمومًا خلال فترات انخفاض قيمة الريال اليمني، لكن تلك الأسعار كانت أبطأ بكثير في الانخفاض خلال فترات ارتفاع قيمة الريال، فعلى سبيل المثال، خلال الفترة بين أكتوبر/ تشرين الأول وديسمبر/ كانون الأول 2018، ارتفعت قيمة الريال بمتوسط شهري بلغ حوالي 30%، من 732 إلى 518 ريالًا للدولار. خلال نفس الفترة، انخفض متوسط أسعار دقيق القمح وحبوب القمح والسكر والزيت النباتي في صنعاء وعدن بشكل جماعي بنسبة 21% فقط.[35] وكما ذكر مركز صنعاء في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018: “أدى غياب سلطات منظمة للإشراف على الأسعار وتنظيمها إلى خلق بيئة مواتية للاستغلال من قبل تجار المواد الغذائية، مما سمح لهم بالتلاعب بالأسعار وتضخيم هوامش أرباحهم. على سبيل المثال لا يستفيد المواطنون اليمنيون حتى مع وجود آلية دعم الواردات من قِبل البنك المركزي اليمني في عدن التي تزوّد مستوردي المواد الغذائية الأساسية المختارة بأسعار صرف تفضيلية أقل من أسعار السوق الموازي، بل وأصبح تجار السلع بالجملة وتجار التجزئة هم المستفيدين الرئيسيين بدلًا من المواطنين. وفقًا لتجار مقيمين في صنعاء، كانت متاجر التجزئة، حتى نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، ما تزال تبيع السلع على حساب سعر صرف 800 ريال للدولار، وهو سعر الصرف في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول عندما انخفض الريال إلى مستويات قياسية”.
كما هو مبيّن في الشكل رقم 3 أدناه، طوال فترة مبادرة البنك لتمويل الواردات باستخدام الوديعة السعودية، كانت أسعار المواد الغذائية الأساسية الخمسة المشمولة أقل استجابة لارتفاعات الريال مما كانت لتقلباته الهبوطية.
الشكل رقم 3
المصدر: مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، اليمن – منصة تبادل بيانات العمل الإنساني لأسعار الغذاء (humdata.org)
بعد تنفيذ آلية خطابات الاعتماد من قِبل البنك، لم تحقق المحاولات التي بذلتها كل من الحكومة والحوثيين لفرض تخفيضات في الأسعار تماشيًّا مع ارتفاع قيمة الريال سوى نجاح محدود عمومًا.[36] تنظيم السوق في اليمن أصبح صعبًا بشكل متزايد بالنسبة للسلطات في عدن أو صنعاء، نظرًا للمنافسة الشرسة بينهما على الصدارة النقدية والمالية.
اتهامات بالاختلاس ضد البنك المركزي اليمني في عدن
حالة فريق الخبراء
ذكر فريق الخبراء المعني باليمن في تقريره النهائي لعام 2020 ما يلي: “كشفت تحقيقات الفريق أن البنك المركزي اليمني متواطئ مع البنوك والتجار المحليين، وخالف قواعد صرف العملات الأجنبية الخاصة به، وتلاعب بسوق الصرف، وغسل جزءًا كبيرًا من الوديعة السعودية عبر عملية معقدة للغاية…خالف البنك برئاسة المحافظ محمد زمام جميع الإجراءات والقوانين المتعلقة بتغطية خطابات الاعتماد من الوديعة السعودية”.
تركز هذه الادعاءات على سعر الصرف التفضيلي الذي قدمه البنك في عدن للتجار على شكل خطابات اعتماد لتمويل الواردات. وفقًا للأرقام التي استخدمها فريق الخبراء لتقريرهم، كان متوسط سعر الصرف المصرفي الممنوح لتمويل الواردات الغذائية للدفعات الثمان الأولى من خطابات الاعتماد الممتدة من يوليو/ تموز إلى نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 570 ريالًا للدولار، مقارنة بمتوسط سعر صرف السوق خلال نفس الفترة والبالغ 683 ريالًا. أفاد الفريق أنه اعتبارًا من أوائل ديسمبر/ كانون الأول 2018 فصاعدًا (حتى إصدار الدفعة الـ38 في أغسطس/ آب 2020، وهي آخر دفعة تمت تغطيتها في تقرير فريق الخبراء)، تم تثبيت سعر الصرف التفضيلي عند 440 ريالًا لكل دولار بينما كان متوسط سعر الصرف في السوق 557 خلال نفس الفترة.[37] وفقًا للفريق، كانت النتيجة التراكمية وجود فرق بين متوسط سعر صرف خطابات الاعتماد ومتوسط سعر صرف السوق بنسبة 29%. (يستثني تقرير فريق الخبراء الدفعة الأخيرة من خطابات الاعتماد الصادرة عن البنك في ديسمبر/ كانون الثاني 2020 من تحليله ويركز على الفترة من يوليو/ تموز 2018 إلى سبتمبر/ أيلول 2020، والتي أصدر خلالها البنك المركزي 38 دفعة خطاب اعتماد بإجمالي 1.89 مليار دولار أمريكي).[38]
ويقول فريق الخبراء إن الفرق بين سعر الصرف التفضيلي للبنك المركزي اليمني وسعر السوق سهّل تحويل أكثر من 423 مليون دولار من الوديعة السعودية إلى “تجار مفضلين” وشكل “ثروة لهم ولأعمالهم”، فوفقًا لتحليل فريق الخبراء ومن بين 91 شركة تجارية استفادت من آلية خطابات الاعتماد، حصلت تسع شركات تابعة لشركة قابضة واحدة هي مجموعة هائل سعيد أنعم على 48% من التمويل المعتمد للواردات. وهذا يعني أن المجموعة استفادت بما يصل إلى 194.2 مليون دولار من سعر الصرف التفضيلي وحده، إضافة إلى جني الأرباح من بيع البضائع المستوردة. يقول فريق الخبراء إن مجموعة هائل سعيد أنعم كانت قادرة على الحصول على مثل هذه الحصة الكبيرة من الوديعة السعودية من خلال هيمنتها على السوق، وحقيقة أنها “تضع موظفين سابقين لها في وظائف حكومية رئيسية (بما في ذلك المناصب العليا في البنك المركزي اليمني ومجلس الوزراء)”.[39]
وفقاً للفريق جاء هذا الاختلاس المزعوم على حساب عموم سكان اليمن، وذلك كون اليمنيون لم يشهدوا انخفاضًا في أسعار المستهلك نتيجة الدعم الفعّال الذي قدمه البنك في عدن للتجار، حيث يقول فريق الخبراء: “على سبيل المثال في عام 2019 انخفضت قيمة الريال مقابل الدولار بنسبة 23%، ونتيجة لذلك ارتفع سعر الحد الأدنى لسلة الغذاء بنسبة 21%. تأثرت تكلفة السلة بشكل أساسي بسلعتين ارتفع سعرهما، حيث ارتفع سعر زيت الطهي بنسبة 47% والسكر بنسبة 40%. حصل التجار الذين يستوردون هاتين السلعتين على أسعار صرف تفضيلية من البنك المركزي، ولكنه كان من الواضح جدًا أن هذا الخصم لم يصل للمستهلكين. علاوة على ذلك، كان السعر الدولي للحبوب عند أدنى مستوياته منذ عدة سنوات، وكان سعر تداول الزيت النباتي عند أدنى مستوى له منذ 11 عامًا في عام 2019، لكن سعره ازداد في اليمن”.[40]
وقال الفريق في تقريره إن البنك المركزي اليمني في عدن خالف العديد من القوانين اليمنية، وأكد أن محافظ البنك محمد زمام خالف القرار رقم 75 لعام 2018 عند تحديد سعر الصرف التفضيلي لخطابات الاعتماد، وتحديدًا البند الذي ينص على أن يتم تمويل الواردات “بسعر السوق لجميع التجار وعبر جميع البنوك”.[41] كما ذكر الفريق أن البنك المركزي “انتهك عددًا من مواد قانون البنك المركزي رقم 14 لعام 2000”[42] لكنه لم يذكر تلك المواد، وأن البنك خالف أيضًا أحد بنود القانون رقم 21 لسنة 1991 الذي ينص على أن البنك، في إدارته لاحتياطيات النقد الأجنبي، يجب أن يسعى إلى تحقيق “أكبر عائد ممكن من التعامل مع البنوك ذات التصنيف المرتفع[43] مع مراعاة وتطبيق معايير الأمان فيما يتعلق بالسيولة والتعامل مع “بنك التسويات الدولية وصندوق النقد العربي والبنك الدولي لإدارة جزء من هذه الاحتياطيات”. وفقًا لفريق الخبراء “البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم هي من الناحية النظرية مؤسسات ربحية لحكوماتها، ومع ذلك من الواضح أن البنك المركزي اليمني في عدن لا يتصرف بما يخدم المصالح المثلى [للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا] في هذه الحالة”.
وهكذا خلص فريق الخبراء إلى أن البنك المركزي اليمني في عدن والحكومة اليمنية قد تواطأوا مع “شركات وشخصيات سياسية ذات مكانة مرموقة” لتحويل 423 مليون دولار أمريكي من الأموال العامة بشكل غير قانوني إلى شركات خاصة. واعتبر الفريق ذلك “استراتيجية مدمرة” ترقى إلى مستوى “غسيل الأموال والفساد” وتنتهك حق اليمنيين في الحصول على الغذاء من خلال التأثير على وصول السكان إلى الإمدادات الغذائية.
الفشل في أدلة وحجج فريق الخبراء
أخطاء في التحليل تشوه استفادة اليمنيين من آلية تمويل الواردات الخاصة بالبنك المركزي اليمني في عدن
كان الخطأ الأكثر وضوحًا في تقرير فريق الخبراء هو استنتاجه أن اليمنيين لم يستفيدوا من آلية تمويل الواردات باستخدام الوديعة السعودية البالغة ملياري دولار أمريكي من البنك المركزي، فكما ذُكر أعلاه شهدت الفترة الزمنية التي صُرفت فيها الحصة الأكبر من الوديعة -نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 إلى ديسمبر/ كانون الأول 2019، عندما تم إصدار 1.45 مليار دولار في خطابات الاعتماد- تعافي قيمة العملة اليمنية المحلية واستقرارها، كما شهدت نفس الفترة استقرار سعر سلة الغذاء. قبل هذه الفترة وبعدها مباشرة، شهدت قيمة الريال انخفاضًا سريعًا وارتفعت أسعار المواد الغذائية. كما ذكرنا، لاحظ مركز صنعاء والمنظمات الدولية الارتباط الواضح بين الفترة التي تم فيها صرف الجزء الأكبر من تمويل الواردات واستقرار العملة المحلية وأسعار السلع الأساسية، ووفقًا لتقرير البنك الدولي الصادر في ديسمبر 2019: “لعب دعم تمويل الواردات المستمر من قِبل البنك المركزي اليمني في عدن دورًا مهمًّا في استقرار أسعار المواد الغذائية الأساسية خلال عام 2019، على الرغم من وجود مجموعة من العوامل الأخرى التي تؤثر أيضًا على أسعار المواد الغذائية: سعر الصرف الموازي في السوق، وعدم الاستقرار السياسي والأمني، وعدم اليقين في ترتيبات التجارة والاستيراد، والضرائب، وتوفر الوقود”.[44]
الشكل رقم 4
المصدر: نظام معلومات الأمن الغذائي في منظمة الفاو والأمانة الفنية للأمن الغذائي في وزارة التخطيط والتعاون الدولي[45]
الشكل رقم 5
المصدر: نظام معلومات الأمن الغذائي في منظمة الفاو والأمانة الفنية للأمن الغذائي في وزارة التخطيط والتعاون الدولي[46]
الشكل رقم 6
المصدر: مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية[47]
تكشف مراجعة تقرير فريق الخبراء عن المصدر المحتمل للخطأ الذي وقع فيه هذا التقرير فيما يتعلق باستفادة اليمنيين من سياسة البنك المركزي، حيث يستشهد الفريق بتقرير واحد لبرنامج الغذاء العالمي الصادر في أغسطس/ آب 2020، كمصدر للإحصاءات التي تدعم بياناتهم بشأن انخفاض سعر صرف الريال وزيادة أسعار السلع لعام 2019، لكن يبدو أنهم أخطأوا في قراءة البيانات التي قدمها برنامج الغذاء العالمي. تغطي الإحصاءات التي يشير إليها فريق الخبراء من تقرير برنامج الأغذية الفترة من أغسطس/ آب 2019 إلى أغسطس/ آب 2020 وليس من يناير/ كانون الثاني إلى ديسمبر/ كانون الأول 2019. في الحقيقة، يظهر رسم بياني في تقرير برنامج الغذاء العالمي -بجوار الجدول الذي يحتمل أن الخبراء استمدوا منه إحصاءاتهم- بوضوح أن الريال اليمني تمتع بفترة استقرار نسبي عام 2019، ثم فقد قيمته بسرعة في مناطق سيطرة الحكومة من بداية 2020 إلى أغسطس/ آب حين نشر برنامج الغذاء العالمي تقريره.
وبالتالي كان فريق الخبراء مخطئًا في القول إن اليمنيين لم يستفيدوا من آلية تمويل الواردات الخاصة بالبنك المركزي اليمني في عدن من خلال استقرار العملة وأسعار السلع. لكن من الممكن أن اليمنيين كانوا قادرين على الاستفادة من الوديعة السعودية أكثر بكثير مما استفادوا منه بالفعل، وأن اختلاس واسع النطاق قد حدث.
أخطاء البيانات والجدولة في حساب فارق سعر الصرف بين السوق وآلية خطابات الاعتماد
ذكر تقرير الفريق أن متوسط سعر صرف البنك المركزي المطبّق على خطابات الاعتماد كان 455.57 ريالًا لكل دولار، بينما كان متوسط سعر الصرف في السوق عند إصدار خطابات الاعتماد 587.93، وهكذا استنتج فريق الخبراء أن هناك فرقًا بنسبة 29% بين السعرين. أعاد مركز صنعاء حساب هذه الأرقام باستخدام البيانات المقدمة في تقرير فريق الخبراء نفسه[48] ووجد أن متوسط سعر صرف البنك لخطابات الاعتماد -وفقًا لأرقام فريق الخبراء- كان 469.8 ريالًا للدولار، في حين أن متوسط سعر الصرف في السوق خلال الفترة نفسها بلغ 585.6، مما يعني أن فريق الخبراء كان يجب أن يبلِّغ عن فارق أصغر وقدرة 24.6%. عند تطبيق نفس نسبة الخطأ على قيمة خطابات الاعتماد الصادرة للفترة التي ناقشها التقرير، أي على 1.89 مليار دولار، فإن هذا الخطأ الحسابي يصل إلى أكثر من 83 مليون دولار.
لكن هناك مشكلة أعمق تتمثل في أن الأرقام التي استخدمها فريق الخبراء في حساباته (الخاطئة) احتوت أيضًا على العديد من الأخطاء. خلصت مراجعة مركز صنعاء للبيانات التي استخدمها فريق الخبراء لحساب الفرق من الـ38 دفعة من خطابات الاعتماد التي يغطيها التقرير إلى وجود 16 خطأ استخدم فيها الفريق إما سعر صرف سوق غير صحيح في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، أو سعر صرف غير صحيح لخطابات الاعتماد، وفي عدة حالات كان كلا السعرين المستخدمين غير صحيحين.[49] ففي حين حسب الفريق المبلغ الإجمالي للمراجحة المحتملة بمبلغ 423.2 مليون دولار، أعاد مركز صنعاء حساب هذا الرقم ليصل لمبلغ 323 مليون دولار؛ باستخدام سعر الصرف الصحيح في مناطق سيطرة الحوثيين، ويعني ذلك خطأ قدره 100 مليون دولار أمريكي. قارن مركز صنعاء جميع الأرقام مع تلك الموجودة في نظام المحاسبة الداخلي للبنك المركزي، الذي يسجل أسعار الصرف في وقت كل معاملة. استشهد فريق الخبراء بـ”البنك المركزي اليمني في عدن والفريق” كمصدر لأرقامها.
ما زاد من التشويش على حساب فريق الخبراء للفارق بين سعر السوق وخطابات الاعتماد هو استخدام الفريق لسعر السوق في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون فقط.، وليس متوسط سعر السوق الوطني. كما ذُكر أعلاه في بداية عام 2020 بدأ الفارق في قيمة الريال بين مناطق سيطرة الحوثيين والحكومة بالنمو بسرعة، حيث ارتفع الفارق من 10% في يناير/ كانون الثاني إلى ما يقرب من 30% في أغسطس/ آب، أي خلال نفس الفترة التي نظر فيها الفريق في آخر مدفوعات خطابات الاعتماد. يُعد ذلك واضحًا خصوصًا فيما يتعلق بتمويل الواردات كون الحوثيون يسيطرون على أكبر المراكز السكانية في البلاد وأكبر أسواقها، وبالتالي فإن المناطق الخاضعة لسيطرتهم هي وجهة حصة الأسد من الواردات الممولة من خلال آلية خطابات الاعتماد. إن الحساب الأكثر تمثيلًا للفرق بين سعر صرف البنك في عدن وأسعار السوق اعتبارًا من يناير 2020 فصاعدًا كان سيستخدم متوسط سعر الصرف الوطني.[50] أعاد مركز صنعاء حساب أرباح المراجحة المحتملة التي كان يمكن تحقيقها من الأموال المصروفة من الوديعة السعودية في هذه الفترة باستخدام متوسط سعر الصرف الوطني، وبلغ الرقم الناتج 347 مليون دولار، مما يعني أن فريق الخبراء أخطأ بما لا يقل عن 76 مليون دولار أمريكي في تقييمه.
كما أن قرار فريق الخبراء أن مجموعة هائل سعيد أنعم حصلت على 48% من الوديعة السعودية البالغة 1.89 مليار دولار لتمويل الواردات كان خاطئًا أيضًا، كما وضع الفريق شركة صوامع ومطاحن عدن كجزء من المجموعة وهي لا تملكها ولا تديرها.[51] وتلقت شركة صوامع ومطاحن عدن -شركة تابعة لمجموعة الرويشان، إحدى مجموعات الأعمال التجارية الكبيرة الأخرى في اليمن- 32.5 مليون دولار من النقد الأجنبي عبر آلية خطابات الاعتماد. في الحقيقة حصلت مجموعة هائل سعيد أنعم على 45% من الوديعة السعودية، أي أن الفريق أخطأ بنسبة 3%.
سوء فهم التفويض القانوني (الولاية القانونية) للبنك المركزي اليمني في عدن
يبدو أن فريق الخبراء قد أساء فهم التفويض القانوني للبنك المركزي اليمني في عدن من أساسه، حيث أن قانون البنك (رقم 14 لسنة 2000) كان قد أبطل جميع التشريعات السابقة المتعلقة بالبنك، فالمادة الخامسة منه تنص بشكل لا لبس فيه على ما يلي: “يجب أن يكون الهدف الأساسي للبنك هو تحقيق استقرار الأسعار والمحافظة عليها.[52] ” من بين أمور أخرى، يفرض القانون أن ينفذ البنك سياسة نقدية تتفق مع هذا الهدف الأساسي ويضع نظام سعر صرف العملات الأجنبية “بالتشاور مع الحكومة”.[53] تحقيق الهدف الرئيسي للبنك يتمثل في “استقرار الأسعار”؛ يتطلب منه أن يعمل لتحقيق المصلحة العامة، بدلًا من العمل كمؤسسة “ربحية” للحكومة (كما يدعي الفريق أن البنوك المركزية يجب أن تفعل)، وهو ما يبدو أنه يتعارض عمومًا مع تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي في اليمن.
يبدو أن الفريق استند في تحليله إلى تفسير خاطئ لمواد من قانون البنك المركزي اليمني القديم رقم 21 لعام 1991، وتحديدًا الاستشهاد بمادة تنص على أنه يجب على البنك المركزي تطبيق: “الإدارة الفعّالة للاحتياطيات الخارجية مع اتخاذ معايير الأمان -السيولة- وتحقيق أكبر عائد ممكن من التعامل مع البنوك ذات التصنيف العالي للحصول على أعلى عائد ممكن مع مراعاة عامل الأمان. والتعامل مع بنك التسويات الدولية وصندوق النقد العربي والبنك الدولي لإدارة جزء من هذه الاحتياطيات”.[54]
يبدو أن فريق الخبراء في تقييمه قد خلط أيضًا بين قضايا إدارة البنك لاحتياطياته الخارجية ومهمته الأساسية المتمثلة في الحفاظ على استقرار الأسعار. يجب بالفعل أن يعمل البنك في عدن كمؤسسة تجني أرباحًا لحكومتها عند التعامل مع المنظمات المالية الدولية، مثل بنك التسويات الدولية، وصندوق النقد العربي، والبنك الدولي، لأنه بموجب القانون يعمل على إدارة احتياطيات النقد الأجنبي الخاصة بالبلاد كبنك ومستشار ووكيل مالي للحكومة. وتحقيقًا لهذه الغاية، استثمر البنك المركزي اليمني الكثير من احتياطياته في محافظ لدى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسات دولية أخرى لتوليد الأرباح. ومع ذلك فإن هذا يدعم قيام البنك بوظيفته الأساسية المتمثلة في تحقيق استقرار الأسعار بدلًا من تقويضها.[55]
كما أخطأ فريق الخبراء في قوله إن تطبيق المحافظ زمام لسعر الصرف التفضيلي كان غير قانوني. فنظرًا لأن القرار رقم 75 الصادر في سبتمبر 2018 يقضي بإصدار خطابات الاعتماد “بسعر السوق”، دون أن يضع سياسة صريحة لسعر الصرف، فإن الآلية المحددة مسبقًا لتحديد سعر السوق، والتي وُضعت في أغسطس/ آب 2017، كانت سارية المفعول. بالتحديد قام البنك المركزي بأخذ متوسط أسعار الصرف في أكبر خمسة بنوك وأكبر خمس شركات صرافة في البلاد، ومن ثم تعديلها للمضاربة وطرح 10 إلى 15 ريالًا يمنيًّا منها. تشكل هذه الآلية لتحديد سعر السوق العامل للبنك المركزي بطبيعتها فارق هامشي مع سعر صرف الريال الفعلي في البنوك ومحلات الصرافة. على الرغم من ذلك وكما ذُكر أعلاه لا يزال هناك غموض فيما يتعلق بكيفية تعديل البنك للمضاربة واستخلاصه للأسعار من السوق. بالتالي يبدو من المرجّح من الناحية الفنية أن تحديد سعر الصرف التفضيلي للبنك كان من ضمن اختصاصات المحافظ زمام حتى فبراير 2019 عندما -كما ذُكر أعلاه- اتخذ البنك والحكومة اليمنية ولجنتها الاقتصادية قرارًا رسميًّا بالإبقاء على سعر صرف خطابات الاعتماد ثابتًا عند 440 ريالًا للدولار. ثم عادت آلية سعر الصرف المعوّم السابقة حيّز التنفيذ بعد أن أدى الاختلاف السريع في سعر الصرف بين المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون والحكومة اليمنية خلال الفترة ديسمبر/ كانون الأول 2019 ويناير/ كانون الثاني 2020، إلى جعل سعر صرف خطابات الاعتماد الثابت غير مقبول.
خلل كبير في استنتاجات محددة، ومخاوف تستدعي النظر فيها
تنسف أخطاء فريق الخبراء المتعلقة بالبيانات الأساسية وجدولة الحسابات وتحليل الجدول الزمني والتفسيرات القانونية عمليًّا الادعاءات الواردة في التقرير ضد البنك في عدن والحكومة اليمنية والمستوردين التجاريين. لكن، ومع ذلك فإن القضايا العامة التي يثيرها التقرير بشأن هيمنة النخبة، وانعدام الشفافية، والفساد المحتمل في آلية تمويل الواردات للبنك تتطلب أخذها بعين الجدية كما سيناقش التقرير أدناه.
مخاوف بارزة بشأن البنك المركزي اليمني في عدن
تساؤلات عن هيمنة النخبة
أبدى الطيف الواسع من الفاعلين التجاريين والماليين في اليمن ميلًا مستمرًا للبحث عن فرص للمراجحة من خلال شراء وبيع السلع أو العملات. أحيانًا تواطأت أطراف مختلفة للتلاعب بالسوق من أجل المنفعة المتبادلة، مثلًا عمليات صرف الأموال المذكورة أعلاه في الربع الأخير من 2018. ومع ذلك فإن المراجحة والتي تحدث في أي حالة معينة لا تعني في حد ذاتها حدوث تواطؤ ولا تسمح بتحديد الجهات المشاركة فيها بدقة. أدى الانهيار الاقتصادي الواسع النطاق وتآكل التنظيم الفعّال خلال الصراع إلى ظهور ديناميكيات سوق جائرة جدًا. كان الضغط الذي مارسه الحوثيون على المؤسسات المالية والشركات بشكل متزايد لمنعها من الخضوع للشروط المتعلقة بآلية خطابات الاعتماد الخاص بالبنك في عدن بمثابة عامل مثبط كبير ضد تعاملهم مع هذه الآلية. كان البنك منفتحًا بشأن استخدام سعر الصرف التفضيلي كإغراء للتغلب على هذا العامل المثبّط. وفي بيئة يسودها هذا الاضطراب فغالبًا ما تكون الخطوط الفاصلة بين الفساد والتواطؤ والإكراه وتجربة ما يُعد ضروريًّا مع الديناميكيات المتاحة لتحقيق النتائج المرجوة في السوق غير واضحة.
قُدم قرار مجلس الوزراء رقم 75 كسياسة مقترحة من قبل اللجنة الاقتصادية والبنك المركزي اليمني، وفقًا لمسؤول مصرفي رفيع المستوى مطّلع على المناقشات الداخلية المتعلقة بآلية خطابات الاعتماد، فإنه في أفضل الأحوال كان القرار خاطئًا نظرًا لأنه أنشأ آلية تداول غير تنافسية من خلال تقييد استخدام النقد الأجنبي لتمويل واردات خمس سلع أساسية فقط، حيث استبعدت الأغذية الأخرى من الآلية، وتضمن السكر الذي يُستخدم كأحد مدخلات عدة سلع غير أساسية مثل الحلوى. كما منحت معايير الأهلية المقيدة لخطابات الاعتماد بشكل غير مباشر عددًا محدودًا من التجار امتيازًا خاصًا لاحتكار حصة الأسد من النقد الأجنبي المتاح من خلال الوديعة السعودية. كما أنها تتعارض مع اتفاقية الوديعة السعودية الأصلية التي سمحت بإنشاء آلية تنافسية يمكن بموجبها لمستوردي جميع السلع الأساسية، بما في ذلك المواد الغذائية والأدوية، التقدم بطلب للحصول على تمويل بالعملة الأجنبية من الوديعة.[56]
تسهم عدة عوامل في احتكار المواد الغذائية باليمن، بما في ذلك حقيقة أن سوق استيراد المواد الغذائية هيمن عليه تاريخيًّا عدد صغير من الشركات الخاصة، فضلاً عن القيود والصعوبات التي ارتبطت مؤخرًا بتلبية متطلبات نظام خطابات الاعتماد للبنك المركزي اليمني في عدن. في 2014، سيطرت أربع شركات فرعية تابعة لمجموعه هائل سعيد أنعم على 52.5% من السوق المحلي لدقيق القمح.[57]
عام 2018، قُدرت حصة مجموعة هائل سعيد أنعم من السلع الرئيسية في السوق اليمني بأكثر من 50%، وبالتالي فإن حصة المجموعة في آلية الوديعة السعودية يمكن ببساطة أن تشبه حصتها المهيمنة في السوق، وتعكس تاريخها الممتد لعقود من الزمن في توريد السلع الأساسية للسوق اليمني.[58] ذكر الفريق أن التواجد الواسع للمجموعة من خلال عدة شركات في مختلف القطاعات، وسنوات من المعرفة التي تملكها، وقدرتها على الوصول إلى الأسواق الخارجية والموردين؛ عوامل تمنحها ميزة نسبية وتنافسية بالمقارنة مع التجار الآخرين، مما سمح للمجموعة بالحصول على حصة كبيرة من الوديعة. بالإضافة إلى ذلك، ذكر فريق الخبراء أن عاملًا آخر ساعد مجموعة هائل سعيد أنعم على تأمين حصتها من الوديعة السعودية هو حقيقة أن موظفيها السابقين يشغلون مناصب عليا في البنك المركزي والحكومة، فنائب محافظ البنك شكيب الحبيشي كان يعمل سابقًا في المجموعة، ورتب الحبيشي تعيين صهره شادي محمد عبدالقوي سيف مديرًا للعمليات الدولية والتنمية بالبنك. على الرغم من ذلك لا يوجد حتى الآن دليل على أن مجموعة هائل سعيد أنعم وضعت الحبيشي أو غيره في مناصبهم بالبنك المركزي أو الحكومة كما قال فريق الخبراء.
ومع ذلك، في مقابلات مركز صنعاء مع العديد من مستوردي المواد الغذائية بين ديسمبر/ كانون الأول 2018 وفبراير/ شباط 2019، اشتكى العديد منهم من أن البنك يعامل بعض المستوردين معاملة تفضيلية من خلال الموافقة على طلباتهم بشكل أسرع من غيرهم.[59] وفقًا لمصدر مصرفي موثوق، فإن شركة الاستثمارات الصناعية اليمنية المحدودة، المملوكة لرجل الأعمال البارز محمد فاهم، هددت بمقاضاة إدارة البنك من خلال تسوية المنازعات بين المستثمرين والدولة بدعوى الاستبعاد غير العادل لـطلب الشركة للحصول على تمويل بالعملة الأجنبية بقيمة 118 مليون دولار أمريكي، ضمن دفعة خطابات الاعتماد رقم 30 الصادرة في سبتمبر/ أيلول 2019.
بين نهاية يوليو/ تموز 2018 وأوائل أبريل/ نيسان 2019، تلقت 10 شركات ومجموعات أعمال 865.7 مليون دولار من النقد الأجنبي عبر 20 دفعة من الوديعة السعودية. حصلت مجموعة هائل سعيد أنعم على 50% من إجمالي هذه الأموال.[60] وتجدر الإشارة إلى أن مجموعة هائل سعيد أنعم تلقت تمويلًا لواردات سلع استُخدمت أيضًا كمكونات لمصانعها في اليمن التي تتطلب عناصر مثل السكر والزيت ودقيق القمح لإنتاج الحلوى والمواد الغذائية الأخرى، في حين أن معظم المستوردين الآخرين يبيعون جميع سلعهم في السوق كما هي.
الشكل رقم 7
المصدر: البنك المركزي اليمني في عدن، فريق خبراء الأمم المتحدة[61]
واستنادًا إلى أحكام القانون رقم 19 لسنة 1999، “يُحظر التركيز إذا أدى إلى تقييد المنافسة أو إضعافها”.[62] وفقًا للقانون، يتحقق الاحتكار عندما تتجاوز حصة الشركة في السوق 30% من إجمالي عرض سلعة معينة في السوق الذي تعمل فيه الشركة
غياب الرقابة وتعطل الإدارة والاقتتال السياسي ومزاعم الفساد
كمؤسسة ذات اختصاص وطني من الناحية النظرية، فشل البنك المركزي اليمني في عدن منذ نقله إلى العاصمة المؤقتة للحكومة في فرض سلطته حتى على فروعه الواقعة في مناطق سيطرة الحكومة، فعلى سبيل المثال استمر فرعا البنك في محافظتي مأرب والمهرة في العمل بشكل شبه مستقل عن المركز في تحصيل الإيرادات المتولدة محليًّا وممارسة الأنشطة المرتبطة بالسياسة النقدية (انظر: “الكفاح من أجل الانضمام إلى بنك مركزي منقسم” في “نهاية الحرب بعيدة المنال – التقرير السنوي لليمن 2019).”
بالإضافة إلى الفوضى المؤسسية وتقويض قدرة البنك المركزي على تعظيم الاستفادة من احتياطياته من النقد الأجنبي، بما في ذلك الوديعة السعودية، كانت هناك انقسامات عميقة الجذور بين مختلف الهيئات المؤسسية والموظفين المرتبطين بإدارة عمليات البنك في عدن والإشراف عليها. تتضمن بعض أهم الانقسامات التي تعيق وظائف البنك ما يلي: الانقسام داخل الإدارة التنفيذية للبنك والقطاعات التابعة له، والانقسام بين البنك ومجلس إدارته، والانقسام بين اللجنة الاقتصادية العليا للحكومة اليمنية والإدارة التنفيذية للبنك، والانقسام بين هاتين الأخيرتين والحكومة المركزية التي فشلت بعد انتقال البنك إلى عدن في إنشاء إدارة غير متحزبة ومتناغمة مؤسسيًّا للمساعدة في تنفيذ وظائف السياسة النقدية.
بدأ الانقسام الإداري للبنك فور انتقاله إلى عدن، لكنه اشتد مع وصول الوديعة السعودية. في الحقيقة، كانت الخلافات حول إدارة سياسة سعر الصرف واضحة منذ فترة طويلة وبرزت في الآراء المتباينة والمشادات الحادة لمحمد زمام محافظ البنك من فبراير/ شباط 2018 إلى مارس/ آذار 2019 وحافظ معياد الذي ترأس اللجنة الاقتصادية التابعة للحكومة خلال فترة عمل زمام. بعد ذلك حل معياد محل زمام كمحافظ للبنك وظل في نفس الوقت رئيسًا للجنة الاقتصادية حتى سبتمبر 2019 حتى تم استبداله وتعيينه مستشار اقتصادي للرئيس اليمني.
في يناير/ كانون الثاني 2019، اتهم معياد إدارة زمام للبنك المركزي مباشرة بالتورط في فساد عمليات صرف النقد الأجنبي. قال معياد في رسالة وجهها إلى الهيئة العليا لمكافحة الفساد ومقرها عدن إن البنك حوّل ما يقرب من 9 مليارات ريال يمني (ما يعادل 14.4 مليون دولار أمريكي تقريبًا في ذلك الوقت) بشراء ما يقرب من 450 مليون ريال سعودي من السوق المحلي بسعر أعلى من سعر السوق لتمويل خطابات الاعتماد للسلع الأساسية. طلب معياد من الهيئة التدخل والتحقيق، ولكن تبيّن فيما بعد أن ادعاءاته غير دقيقة: فالفرق في سعر الصرف ناتج عن الارتفاع الكبير الذي شهده الريال خلال نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، والتأخير الذي يصل إلى 48 ساعة بين الوقت الذي وافق فيه البنك على السعر والوقت الذي تم فيه إجراء المصارفة الفعلية.
وبعد شهر من ذلك -بحسب زمام- تدخلت الحكومة اليمنية واللجنة الاقتصادية في عمليات البنك المركزي وعطلت سوق العملات. كما وجه زمام أصابع الاتهام نحو معياد وذلك بدعم المغالاة في تقييم الريال اليمني بسعر صرف تفضيلي ثابت قدره 440 ريالًا للدولار، وهو أقل بكثير من سعر السوق، لتمويل ما مجموعه 24 دفعة من خطابات الاعتماد بقيمة 1.25 مليار دولار من الوديعة السعودية. بناء على بيانات فريق الخبراء، خلال إدارة معياد للبنك للفترة من 20 مارس/ آذار إلى 18 سبتمبر/ أيلول 2019، صُرف حوالي 757 مليون دولار أي 40% من إجمالي 38 دفعة (1.89 مليار دولار) من الوديعة السعودية بسعر صرف تفضيلي قدره 440 ريالًا للدولار يمني (اللافت أن تقرير فريق الخبراء يذكر زمّام بالاسم، لكنه تجاهل معياد).
في 14 يناير/ كانون الثاني 2020، شكل رئيس الحكومة معين عبدالملك مجلسًا اقتصاديًّا أعلى يرأسه بنفسه ويضم محافظ البنك المركزي ووزراء المالية والنفط والتخطيط والتعاون الدولي، وكان أول قرار اتخذه المجلس هو سحب الصلاحيات من اللجنة الاقتصادية برئاسة معياد، خاصة فيما يتعلق بآلية خطابات الاعتماد وتنظيم الواردات.
كما أكدت تقارير إعلامية حدوث فساد هائل في البنك المركزي من خلال المراجحة في العملة، حيث ذكرت صحيفة الوطن في 12 يناير/ كانون الثاني 2021 أن مذكرة مسربة بتأريخ 15 سبتمبر/ أيلول 2019 أفادت أن ثلاثة أعضاء من مجلس إدارة البنك المركزي اليمني في عدن -جلال فقيرة وشكيب الحبيشي وشرف الفودعي- خاطبوا الرئيس هادي بشأن الانتهاكات المتعددة والممارسات الفاسدة التي حدثت أثناء إدارة معياد. واتهمت المذكرة معياد بإجراء معاملات مشبوهة والمضاربة بالعملات الأجنبية مع عدد من الصرافين وكاك بنك (بنك التسليف التعاوني الزراعي) الذي ترأس معياد مجلس إدارته قبل اندلاع الصراع الحالي. وفقًا للمذكرة قد تكون إدارة معياد مسؤولة عن إهدار أكثر من 975 مليون دولار من خلال التدخلات غير المبررة في أسعار الصرف. وأشارت المذكرة المسربة إلى فروق أسعار الصرف غير المبررة الممنوحة لشركات صرافة وكاك بنك. عملت هذه المؤسسات كوسطاء في معاملات البنك المركزي بقيمة 3.5 مليار ريال على مدى ثلاثة أشهر ونصف فقط، دون الحصول على الموافقة اللازمة من مجلس إدارة البنك.
شملت الاتهامات الأخرى ضد معياد في المذكرة ما يلي: إهدار الوديعة السعودية من خلال منح التجار تسهيلات ائتمانية مالية كبيرة تقدر بـ70% من خطابات الاعتماد المعتمدة دون مطالبتهم بإيداع النقد في البنك المركزي حتى وصول البضائع إلى الموانئ اليمنية، والمضاربة في سوق الصرف خارج مناطق سيطرة الحكومة، وحضور اجتماع مجلس إدارة واحد فقط في انتهاك واضح للوائح البنك، وفي نفس الوقت استخدام الموالين له في مجلس الإدارة لتعطيل الاجتماعات الأخرى، وإجراء تغييرات إدارية، وإنشاء كيانات ولجان ومجالس خارج الهيكل المؤسسي للبنك دون موافقة مجلس الإدارة.
تقييم الوحدة الاقتصادية لمركز صنعاء هو أن الانقسامات الإدارية الحادة داخل البنك نتجت عن فشل الحكومة في تعيين كفاءات غير مسيسة لإدارة السياسة النقدية، وبدلًا من ذلك أصبح البنك المركزي وإداراته المختلفة خاضعة للصراع بين الأحزاب السياسية والنخب الاقتصادية الممثلة في الحكومة. في حين أنه من الصعب حاليَّا تأكيد صحة أي من الاتهامات في ظل عدم وجود تحقيق صارم ونزيه، فقد بُذلت جهود جديدة للتحقيق في أنشطة البنك المركزي اليمني في عدن منذ صدور تقرير لجنة الخبراء. في 31 يناير/ كانون الثاني 2021، كلف رئيس مجلس النواب سلطان البركاني لجنة من الخبراء والمسؤولين الماليين بالتحقيق والتدقيق في أنشطة البنك، بما في ذلك إجراء مقابلات مع موظفي البنك، ومن ثم اطلاعه على النتائج التي توصلت لها. كما أعلن رئيس الحكومة معين عبدالملك في 7 فبراير تعيين شركة إرنست آند يونغ للتدقيق في عمليات البنك المركزي. قوبلت هذه الجهود بالمعارضة، ففي 17 فبراير/ شباط 2021، رفض محافظ البنك الحالي، أحمد عبيد الفضلي -عبر مذكرة موجهة إلى رئيس الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد- السماح للهيئة بإجراء تحقيق في عمليات البنك، مبررًا أن ذلك لا يدخل ضمن اختصاص الهيئة، بموجب أحكام قانون البنك المركزي رقم 14 لسنة 2000.
منذ نقل إدارة البنك من صنعاء إلى عدن في سبتمبر / أيلول 2016، كان هناك قدر كبير من الغموض وعدم الوضوح فيما يتعلق بعمليات البنك، إذ افتقر إلى إطاري المراقبة والمساءلة الضروريين لضمان تلبية الأموال المصروفة من الوديعة السعودية للهدف المنشود منها والمتمثل في الحفاظ على استقرار أسعار الغذاء. لم يكن لآلية خطابات الاعتماد أي ميزات رقابة وامتثال، فلم يكن هناك إشراف على أي نشاط في اليمن أو اشتراط موافقة السلطات السعودية على كل دفعة. لم يكن هناك أي تدقيق خارجي أو داخلي للبنك. كما لم ينشر حتى بياناته المالية السنوية على مدى السنوات الأربع الماضية، وهو ما يُعد انتهاكًا مباشرًا للمعيار الدولي رقم 30 والمادة رقم 57 من قانون البنك المركزي اليمني، والتي تنص بوضوح على: “أن يقدم البنك خلال ثلاثة أشهر من نهاية السنة المالية إلى كل من مجلس النواب ومجلس الوزراء ما يلي: نسخة من ميزانيته السنوية مصدقًا عليها من المراجعين، وتقريرًا عن الحالة الاقتصادية في الجمهورية وعن شؤون البنك وعملياته خلال تلك السنة”.
إن ما جعل عمليات البنك المركزي أكثر غموضًا، وخلق مساحة أكبر للمعاملات غير المشروعة، وساهم في تباين أسعار صرف العملة، وسلط الضوء على الخلل في السياسة النقدية للبنك المركزي اليمني في عدن، هو استخدام البنك لأربعة أسعار صرف مختلفة في عملياته الداخلية، ولم يكن أي منها السعر الفعلي الذي يتم به بيع وشراء العملة في السوق. الأول هو سعر الصرف للتقييم الداخلي، والذي يطبق على الموازنة والمعاملات بين البنك والحكومة اليمنية -في الغالب وزارة المالية- وقد حُدد بين 370 و400 ريال لكل دولار منذ منتصف عام 2017. والثاني هو معدل التقييم الجمركي الذي حُدد عند 250 ريالًا للدولار. والثالث هو سعر الصرف التفضيلي المستخدم لواردات السلع الغذائية الخمس الممولة من الوديعة السعودية، والمحدد -وفقًا لآلية سعر السوق المذكورة أعلاه- عند 440 ريالًا للدولار طوال عام 2019. أما الرابع فهو سعر الصرف التفضيلي المعتمد منذ أبريل/ نيسان 2019 بموجب آلية خطابات اعتماد أخرى لتمويل واردات المشتقات النفطية والسلع الأساسية الأخرى التي لا تغطيها الوديعة السعودية (مواد غذائية أخرى، ومستلزمات طبية، ومواد بناء، وأقمشة، وملابس) بسعر صرف تفضيلي، وهو سعر أقل من سعر السوق الموازي، وأعلى من السعر المستخدم لتمويل الواردات من الوديعة السعودية، وكان في الغالب 506 ريالات للدولار.
إن الفرق بين هذه المعدلات، والذي يسمح بتقييم نفس الموجودات النقدية داخل البنك في عدن بمعدلات مختلفة اعتمادًا على استخدامها، قد سمح بحساب “القيمة” بشكل لا يمكن توقعه في الأساس. على سبيل المثال، تقدر الوحدة الاقتصادية لمركز صنعاء أن الفرق بين سعر الصرف للتقييم في نظام المحاسبة الداخلية للبنك وسعر الصرف التفضيلي الممنوح لتمويل السلع الغذائية، بين يوليو/ تموز 2018 وديسمبر/ كانون الأول 2020، أدى إلى توليد مبلغ وقدرة 11 مليار ريال يمني في الميزانية العمومية للبنك المركزي، وهو المبلغ الذي حُسب على أنه حصة الحكومة اليمنية من صافي أرباح البنك.
كما ذكرنا، هناك حاجة إلى تحقيق صارم ونزيه لتحديد نطاق وحجم أي اختلاس محتمل للأموال العامة من البنك، وفي ظل الانقسامات العميقة حول إدارة البنك وغياب الحد الأدنى من معايير الشفافية والمساءلة في عملياته فإن فرص ظهور الفساد كانت وما تزال موجودة.
التطلع قُدمًا: الآثار المترتبة على تقرير فريق الخبراء
يعاني البنك حاليًّا من أزمة نقدية وأزمة صرف العملات الأجنبية، بعد أن استنفد تقريبًا جميع احتياطياته من النقد الأجنبي. خفض البنك المركزي تمويله لواردات البلاد من السلع الأساسية طوال 2020، مما حد من تدخلاته في العملات الأجنبية في السوق، وبالتالي انخفضت قيمة الريال إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق: حيث قُدرت قيمته بأقل من 900 ريال للدولار بداية عام 2021.
منذ بداية الصراع الحالي، وخاصة خلال الفترة من 2018 إلى 2020، كانت السعودية أكبر داعم مالي للحكومة اليمنية، من خلال تقديمها أكثر من 2.5 مليار دولار من الدعم الثنائي، ومن ضمنها كانت وديعة قيمتها ملياري دولار وُجهت من الرياض عبر البنك للمساعدة في الاستقرار الاقتصادي. كانت السعودية مترددة بشكل واضح في تجديد دعمها المالي الواسع النطاق للحكومة حتى قبل نشر تقرير فريق الخبراء في يناير/ كانون الثاني 2021، وستجعل الاتهامات التي وردت في التقرير بالفساد وغسيل الأموال ضد البنك المركزي في عدن السلطات في الرياض أقل ميلًا للمساعدة. للبدء في طلب دعم خارجي مباشر متجدد، من المحتمل أن تكون هناك حاجة إلى إجراء إصلاحات شاملة في قيادة وإدارة البنك في عدن، وإصلاح الشقاق بين أطراف التحالف المناهض للحوثيين، وإصلاح السياسات النقدية للبنك.
قبل نشر تقرير فريق الخبراء كانت الحكومة بمساعدة ودعم فني من البنك الدولي قد أحرزت بعض التقدم نحو إقناع المانحين والمنظمات الإنسانية الدولية بتوجيه تحويلاتها لتمويل المساعدات الإنسانية إلى اليمن من خلال البنك المركزي اليمني في عدن، كون ذلك يسمح للبنك بمراقبة تدفقات النقد الأجنبي ويساعده على إعادة الدورة النقدية للقطاع المصرفي الرسمي من خارج الاقتصاد غير الرسمي، ويعزز قدرته في تحقيق استقرار سعر الصرف. ومع ذلك من المرجح أن تؤدي نتائج تقرير فريق الخبراء إلى إضعاف ثقة المانحين في قدرة الحكومة اليمنية على العمل كوسيط في دفع أموال المساعدات الإنسانية عبر النظام المصرفي اليمني، ويمكن أن يؤجل دعمهم للحكومة الجديدة.
قال مسؤولون في القطاع المصرفي اليمني للوحدة الاقتصادية بمركز صنعاء إنه وفي حين لم يكن تأثير التقرير فوريًّا كونهم تمكنوا من العمل خلال النظام المالي العالمي وإجراء معاملات دولية كما فعلوا من قبل إلا أنهم أصبحوا خاضعين للمزيد من إجراءات الامتثال المكثفة المتعلقة بقوانين مكافحة غسيل الأموال الصادرة عن المؤسسات المالية العالمية التي يتعاملون معها. يمكن أن تجعل هذه الإجراءات الجديدة ممارسة الأعمال المصرفية من اليمن وإليها أكثر تعقيدًا وتكلفة وأكثر خطورة.
يعاني اليمن حاليًّا أحد أسوأ الأزمات الإنسانية في العقود الأخيرة، حيث قدرت الأمم المتحدة في فبراير/ شباط 2021 أن 20.7 مليون يمني، أي حوالي 66% من السكان، سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية هذا العام، مع كون 12.1 مليون منهم في حاجة ماسة للمساعدة.[63] ما زالت البلاد تعتمد على الواردات بنسبة 90% من احتياجات الغذاء الأساسية، وإذا لم يكن البنك المركزي اليمني في عدن قادرًا على تأمين دعم جديد بالنقد الأجنبي لإعادة تمويل الواردات، فسيتجه المستوردون إلى السوق لشراء العملات الأجنبية، وقد تنخفض قيمة الريال اليمني إلى 1,000 لكل دولار قبل منتصف العام. ستكون العواقب الاقتصادية لذلك تآكلًا إضافيًّا للقوة الشرائية المحلية وزيادة أسعار السوق للسلع الأساسية، مما سيتسبب بآثار سلبية مباشرة وفورية على الوضع الإنساني، ويجعل القدرة على تحمل تكاليف الضروريات الأساسية أبعد مما يمكن لمعظم اليمنيين.
توصيات
هناك أزمة ثقة في البنك المركزي للحكومة اليمنية، وبالتالي يحتاج اليمنيون والفاعلون الدوليون الذين سيدعمون البلاد لاتخاذ إجراءات جدية وفورية لاستعادة الثقة بقدرة البنك على الاستمرار في تنفيذ السياسات النقدية والمالية للبلاد بطريقة سليمة وشفافة وخاضعة للمساءلة. ومن أجل تحقيق ذلك، يقدم هذا التقرير التوصيات التالية:
بشكل فوري يجب على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا ما يلي:
- إقالة الإدارة العليا للبنك المركزي اليمني ومجلس إدارته بالكامل، واتخاذ الإجراءات اللازمة لشغل مناصب هذه القيادات بكفاءات مؤهلة تأهيلًا عاليًّا وغير منتمية سياسيًّا ولديها سجل واضح في دعم المصلحة العامة.
- إجراء تدقيق شامل ومستقل لجميع عمليات البنك المركزي، والالتزام بإعلان نتائج هذا التدقيق لعامة الشعب فور الانتهاء منه بشكل كامل.
- تعيين لجنة تحقيق مستقلة لفحص جميع المعاملات المتعلقة بالوديعة السعودية ومشتريات ومبيعات البنك المركزي من النقد الأجنبي.
- البدء بإجراء تحقيقات جنائية وملاحقات قضائية ضد أي شخص يشتبه في مخالفته للقوانين اليمنية، وقانون البنك المركزي على وجه الخصوص، في أي جانب من جوانب عملهم أو تعاملاتهم مع البنك في عدن. يجب على وجه التحديد التحقيق مع كل من الأربعة الذين شغلوا منصب محافظ البنك منذ انتقاله من صنعاء عام 2016، وجميع أعضاء الإدارة التنفيذية للبنك الذين عملوا تحت إدارة هؤلاء المحافظين وجميع أعضاء مجلس الإدارة للتحري عن احتمال وجود أي مخالفات جنائية.
- البدء في استكشاف خيارات السياسة المعقولة لتعزيز المنافسة والحد من النزعات الاحتكارية ونفوذ احتكار القلة للسوق اليمني.
يجب على البنك المركزي اليمني في عدن في أقرب وقت ممكن وفي ظل الإدارة التنفيذية العليا ومجلس الإدارة الجديدين للبنك التالي:
- النشر الفوري لكافة البيانات التي توضح الحصة التي تلقاها كل مستورد يمني من الوديعة السعودية.
- الشروع في إجراءات حوكمة شاملة لإصلاح الهياكل المؤسسية والتنظيمية للبنك المركزي اليمني في عدن، وتطوير أطر السياسة النقدية وتعزيز آليات المساءلة والشفافية. يجب أن يشمل ذلك إصلاحًا شاملًا لنظام تمويل الواردات الخاص بالبنك المركزي ليشمل آليات المساءلة والشفافية التي تستوفي المعايير الدولية.
- اعتماد سياسة سعر صرف معوّم وموحد، وإلغاء الاستخدام الحالي لأسعار الصرف المتعددة للمحاسبة الداخلية والمعاملات المالية داخل الحكومة. يجب أن تأخذ سياسة سعر الصرف الجديدة في الاعتبار مخزون البنك من النقد الأجنبي الضعيف حاليًّا ومحاولة التأثير على جانبي العرض والطلب في سوق صرف النقد الأجنبي بشكل غير مباشر من خلال تدخلات مخططة ومدروسة بدقة.
- الشروع في اتخاذ الإجراءات اللازمة لنشر البيانات المالية والإفصاحات المرتبطة بها منذ انتقال البنك المركزي إلى عدن في عام 2016.
- استئناف إصدار نشرة التطورات النقدية والمصرفية الشهرية والتقرير السنوي للبنك. يجب أن يتبنى البنك المركزي اليمني في عدن إجراءات شفافية واضحة لنشر جميع البيانات والمعلومات المتعلقة بسعر الصرف والأنشطة النقدية، والقرارات المتعلقة بتمويل خطابات الاعتماد وأسماء المستوردين المستفيدين منها وكذلك أنشطة وبيانات سوق القطاع المالي.
مجموعة هائل سعيد أنعم هي أكبر مجموعة تجارية في البلاد، وهي صاحبة تاريخ أطول من تاريخ الجمهورية اليمنية نفسها، وتحمل المجموعة لواء القطاعين التجاري والخاص في اليمن بشكل عام، وبالتالي فإن استعادة سمعتها يصب في المصلحة الوطنية، ويجب عليها:
- نشر جميع البيانات المتعلقة باستخدامها لآلية خطابات الاعتماد، وتحديدًا البيانات التفصيلية لأسعار السلع التابعة لها والمنتجات التي استخدمت سلعًا تم استيرادها عبر خطابات الاعتماد، والتي بيعت في مناطق سيطرة الحوثيين وفي مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، للسماح بالشفافية فيما يتعلق بإمكانية استفادة المجموعة من فارق سعر الصرف السائد في السوق بالمقارنة مع سعر الصرف الذي تلقته من خطابات الاعتماد المختلفة.
- التكليف بإجراء تدقيق مستقل لجميع أنشطة مجموعة هائل سعيد أنعم فيما يتعلق باستخدام شركاتها لآلية تمويل الواردات الخاصة بالبنك المركزي اليمني في عدن ومن أي مصدر آخر للنقد الأجنبي يتقاطع معها.
- إصدار ونشر النتائج الكاملة لهذا التدقيق بمجرد اكتماله؛ كدليل على التزام المجموعة بمبادئ الشفافية والمساءلة.
على فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن أن يقوم فورًا بما يلي:
- الشروع في مراجعة تقريرهم السنوي لعام 2020 لتصحيح كافة الأخطاء الواردة فيه.
- مراجعة المنهجية التي توصل بها الفريق إلى الأرقام والاستنتاجات الخاطئة، وعمل الترتيبات اللازمة لتفادي الوقوع في مثل هذه الأخطاء في أي تقارير مستقبلية.
- البحث عن الخبرات اليمنية واستقطابها للمساعدة في جمع وتقييم المعلومات والبيانات لتقاريرهم؛ كون فريق الخبراء لا يتضمن أي يمني، ويفتقر بشكل واضح إلى المعرفة المستنيرة، وأحيانًا المعرفة الأساسية بالسياق المحلي.
النشرة الاقتصادية اليمنية هي نشرة إخبارية اقتصادية دورية يصدرها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية وتقدم تحليلًا معمّقًا وآراء واستجابات تحليلية ومقترحات سياسات اقتصادية.
مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، هو مركز أبحاث مستقل، يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.
هذا الإصدار من نشرة اليمن الاقتصادية هو جزء من برنامج مركز صنعاء لرصد المساعدات الإنسانية وآثارها الجزئية والكلية على الاقتصاد اليمني، بتمويل من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون. يستكشف البرنامج العمليات والطرق المستخدمة لتقديم المساعدات في اليمن، ويحدد آليات تحسين كفاءتها وتأثيرها بهدف تحقيق المزيد من الشفافية والكفاءة في المساعدات المقدمة للجمهورية اليمنية.
- داكشيني روانثيكا جوناراتني، ومراد سامي، وهنري طومسون، وماري لويز توجاس، وولف كريستيان بايس، “التقرير النهائي لفريق الخبراء المعني باليمن،” مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، 25 يناير/ كانون الثاني 2021، ص. 223، https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/S_2021_79_E.pdf
- “دراسة سوق: اليمن،” برنامج الغذاء العالمي، 2010، https://documents.wfp.org/stellent/groups/public/documents/ena/wfp230278.pdf
- منصور راجح، وأمل ناصر، وفارع المسلمي، “اليمن بلا بنك مركزي: فقدان أساسيات الاستقرار الاقتصادي وتسريع المجاعة”، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/main-publications-ar/59
- “التقرير السنوي للبنك المركزي اليمني 2013،” البنك المركزي اليمني (من مبادرة حوكمة الموارد الوطنية)، 2013، https://www.resourcedata.org/document/rgi-central-bank-of-yemen-annual-
- القانون رقم 14 لسنة 2000، الفصل 2، المادة 5، البنك المركزي اليمني، http://centralbank.gov.ye/App_Upload/law14.pdf
- “التحديث الاجتماعي والاقتصادي لليمن 2018″، وزارة التخطيط والتعاون الدولي، العدد 32، فبراير/ شباط 2018، https://fscluster.org/sites/default/files/documents/yseu32_english_final.pdf
- نفس المرجع السابق.
- نفس المرجع السابق.
- منصور راجح، وأمل ناصر، وفارع المسلمي، “اليمن بلا بنك مركزي: فقدان أساسيات الاستقرار الاقتصادي وتسريع المجاعة”، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/main-publications-ar/59
- نفس المرجع السابق.
- “تقرير رصد السوق اليمني” برنامج الغذاء العالمي، العدد الخامس، سبتمبر/ أيلول 2016، https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/yemen_market_watch_report_-_september_2016.pdf
- هذا الرقم وفقًا لبيانات من نظام المحاسبة الداخلي للبنك المركزي اليمني وتم الوصول إليها من قبل مركز صنعاء.
- منصور راجح، وأمل ناصر، وفارع المسلمي، “اليمن بلا بنك مركزي: فقدان أساسيات الاستقرار الاقتصادي وتسريع المجاعة”، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/main-publications-ar/59
- “سياسة الاتحاد الأوروبي بشأن البلدان الثالثة عالية المخاطر”، المفوضية الأوروبية، 7 مايو/ أيار 2020، https://ec.europa.eu/info/business-economy-euro/banking-and-finance/financial-supervision-and-risk-management/anti-money-laundering-and-counter-terrorist-financing/eu-policy-high-risk-third-countries_en؛ “السلطات القضائية تحت مراقبة متزايدة” ، مجموعة العمل المالي، فبراير/ شباط 2021، www.fatf-gafi.org/publications/high-risk-and-other-monitored-jurisdictions/documents/increased-monitoring-february-2021.html
- “اليمن في الأمم المتحدة – نشرة أبريل/ نيسان 2017″، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 8 مايو/ أيار 2017، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/the-yemen-review-ar/100
- معلومات من الرسالة غير المنشورة والتي وصل إليها مركز صنعاء. احتوت الرسالة على مقترح حل لكل مشكلة تواجه مستوردي السلع الأساسية الخمس المؤهلة للحصول على التمويل من الوديعة السعودية.
- حصل مركز صنعاء على نسخة من الاتفاق غير المنشور والموقع من قبل ممثلي المستوردين والبنك المركزي اليمني في عدن ووافق عليها رئيس اللجنة الاقتصادية الحكومية ورئيس الوزراء اليمني.
- داكشيني روانثيكا جوناراتني، ومراد سامي، وهنري طومسون، وماري لويز توجاس، وولف كريستيان بايس، “التقرير النهائي لفريق الخبراء المعني باليمن،” مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، 25 يناير/ كانون الثاني 2021، ص. 223، https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/S_2021_79_E.pdf
- “مذكرة السياسة 3 بشأن اليمن: استعداد القطاع الخاص للمساهمة في إعادة الإعمار والتعافي في اليمن” مجموعة البنك الدولي، 23 مايو/ أيار 2017، ص. 12، https://openknowledge.worldbank.org/bitstream/handle/10986/28591/120538-WP-P159636-PUBLIC-Yemen-PN-No-3-Edited-clean.pdf
- “صندوق احتواء الكوارث وتخفيفها – الموافقة على منحة المساعدة لتخفيف خدمة الديون”، صندوق النقد الدولي، 15 أبريل/ نيسان 2020، https://www.imf.org/en/Publications/Policy-Papers/Issues/2020/04/16/Catastrophe- Containment-And-Relief-Trust-Approval-Of-Grant-Assistance-For-Debt-Service-Relief-49330
- “أزمة العملة وخطر المجاعة” في “جوع، دبلوماسية، وأصدقاء لدودون: تقرير اليمن السنوي 2018″، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 22 يناير/ كانون الثاني 2019، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/the-yemen-review-ar/6976
- “تقرير موجز يرصد الأوضاع الاقتصادية في اليمن – شتاء 2019”، مجموعة البنك الدولي، 14 مارس / آذار 2019، https://www.albankaldawli.org/ar/country/yemen/publication/yemen-economic-monitoring-brief-winter-2019
- “تحسن كبير في قيمة الريال اليمني ومحلات الصرافة تجني الفوائد” في “تقرير اليمن – نوفمبر / تشرين الثاني 2018”، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 8 ديسمبر/ كانون الأول 2018، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/the-yemen-review-ar/6737
- نفس المرجع السابق.
- تم الحصول على جميع الأرقام المتعلقة بأسعار الصرف التي يقدمها البنك المركزي اليمني في عدن على دفعات خطابات الاعتماد من نظام المحاسبة الداخلي للبنك المركزي اليمني.
- “أزمة العملة وخطر المجاعة” في “جوع، دبلوماسية، وأصدقاء لدودون: تقرير اليمن السنوي 2018″، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 22 يناير/ كانون الثاني 2019، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/the-yemen-review-ar/6976
- “تحسن كبير في قيمة الريال اليمني ومحلات الصرافة تجني الفوائد” في “تقرير اليمن – نوفمبر/ تشرين الثاني 2018”، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 8 ديسمبر/ كانون الأول 2018، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/the-yemen-review-ar/6737
- “توقعات بتقلب العملة وأسواق السلع مع نفاد الوديعة السعودية” في “الحرب المراوغة: التقرير السنوي لليمن 2019″، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ، 30 يناير/ كانون الثاني 2020 ، https://sanaacenter.org/publications/the–yemen–review/8923؛ “التحديث الاقتصادي الشهري لليمن” ، مجموعة البنك الدولي ، ديسمبر/ كانون الأول 2019، ص. 4، https://pubdocs.worldbank.org/en/360391580209593452/Yemen-Update-Dec-2019.pdf
- “النشرة الشهرية لرصد السوق،” منظمة الأغذية والزراعة والأمانة الفنية للأمن الغذائي، نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، ص. 2، www.fsts-gov.com/sites/default/files/FAO%20-FSIS-MOPIC%20-%20FSTS%20-%20Market%20Bulletin_Nov_19_EN.pdf
- “اليمن بين سندان الحرب ومطرقة فيروس كورونا: اقتصاد هش بمواجهة محن متصاعدة”، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 13 أكتوبر/ تشرين الأول، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/main-publications-ar/11717
- “تقرير حالة اليمن رقم 1 لبرنامج الغذاء العالمي، يناير/ كانون الثاني 2021″، برنامج الغذاء العالمي، 22 فبراير/ شباط 2021، https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/01%202021%20WFP%20Yemen%20External%20Situation%20Report%20January.pdf
- “اليمن: الأمن الغذائي ومراقبة الأسعار”، برنامج الغذاء العالمي، 14 سبتمبر/ أيلول 2020، https://docs.wfp.org/api/documents/WFP-0000119696/download/
- بناءً على بيانات من تقرير فريق الخبراء للدُفعات من 1 إلى 38 الممولة من الوديعة السعودية بالإضافة إلى مبلغ الدفعة 39 التي تم صرفها في أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2020.
- مقابلة مع مصدر مصرفي موثوق به يمتلك معرفة جيدة عن آلية تمويل الواردات بخطابات الاعتماد من البنك المركزي اليمني في عدن، مارس/ آذار 2021
- “أزمة العملة وخطر المجاعة” في “جوع، دبلوماسية، وأصدقاء لدودون: تقرير اليمن السنوي 2018″، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 22 يناير/ كانون الثاني 2019، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/the-yemen-review-ar/6976
- “تقرير اليمن لشهر نوفمبر / تشرين الثاني لعام 2018″، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 8 ديسمبر/ كانون الثاني 2018، https://sanaacenter.org/ar/publications-all/the-yemen-review-ar/6737
- استندت هذه المؤشرات إلى البيانات المستمدة من تقرير فريق الخبراء.
- أشار تقرير فريق الخبراء إلى أن الفرق بين متوسط سعر الصرف في البنك المركزي اليمني المطبق على خطابات الاعتماد والبالغ 455.57 ريالًا يمنيًّا لكل دولار أمريكي ومتوسط سعر صرف السوق البالغ 587.93 ريالًا يمنيًّا لكل دولار أمريكي كان 29%. قام مركز صنعاء بحساب الفارق باستخدام البيانات المستخرجة من تقرير فريق الخبراء نفسه وكانت النتيجة أن الفارق أصغر مما ذكر فريق الخبراء ويبلغ 24.6%.
- داكشيني روانثيكا جوناراتني، ومراد سامي، وهنري طومسون، وماري لويز توجاس، وولف كريستيان بايس، “التقرير النهائي لفريق الخبراء المعني باليمن،” مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، 25 يناير/ كانون الثاني 2021، ص. 223، https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/S_2021_79_E.pdf
- نفس المرجع السابق، ص 240
- نفس المرجع السابق، ص 225
- نفس المرجع السابق، ص 229
- نفس المرجع السابق
- “التحديث الاقتصادي الشهري لليمن”، مجموعة البنك الدولي، ديسمبر/ كانون الأول 2019، ص. 4، https://pubdocs.worldbank.org/en/360391580209593452/Yemen-Update-Dec-2019.pdf
- “النشرة الشهرية لمراقبة السوق،” منظمة الأغذية والزراعة والأمانة الفنية للأمن الغذائي، أكتوبر / تشرين الأول 2019، https://fscluster.org/sites/default/files/documents/fsis_-_fao_-_fsts_-_mopic_monthly_markets_bulletin_october_19_en.pdf
- “النشرة الشهرية لمراقبة السوق،” منظمة الأغذية والزراعة والأمانة الفنية للأمن الغذائي، فبراير/ شباط 2020، http://www.gov.com/sites/default/files/FAO%20-FSIS%20-%20MOPIC-%20FSTS%20-%20Market%20Bulletin_Feb_20_؛ “النشرة الشهرية لمراقبة السوق،” منظمة الأغذية والزراعة والأمانة الفنية للأمن الغذائي، ديسمبر/ كانون الأول 2020، http://fsts-gov.com/sites/default/files/FAO%20_FSTS%20Market%20Monitoring%20Bulletin_Dec_20_En_.pdf
- “اليمن – أسعار الغذاء”، مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، https://data.humdata.org/dataset/wfp-food-prices-for-yemen
- داكشيني روانثيكا جوناراتني، ومراد سامي، وهنري طومسون، وماري لويز توجاس، وولف كريستيان بايس، “التقرير النهائي لفريق الخبراء المعني باليمن،” مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، 25 يناير / كانون الثاني 2021، ص. 223، https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/S_2021_79_E.pdf
- فيما يلي قائمة بالدفعات التي كانت بيانات فريق الخبراء عنها غير صحيحة وقائمة القيم المصححة التي تأكدت منها الوحدة الاقتصادية بمركز صنعاء بمقارنتها مع نظام المحاسبة الداخلي للبنك المركزي. جميع أسعار الصرف بالريال اليمني / الدولار الأمريكي. الدفعة 1، سعر خطاب الاعتماد: 497، سعر السوق: 560؛ الدفعة 7، سعر خطاب الاعتماد: 530، سعر السوق: 586؛ الدفعة 8، سعر السوق: 545؛ الدفعة 20a، سعر السوق: 508؛ الدفعة 20b، سعر السوق: 508؛ الدفعة 25، سعر السوق: 566؛ الدفعة 27، سعر السوق: 575؛ الدفعة 28، سعر السوق: 575؛ الدفعات 35-33، سعر خطاب الاعتماد: 530؛ الدفعات 37-36، سعر خطاب الاعتماد: 570؛ الدفعة 38، سعر خطاب الاعتماد:650.
- قام مركز صنعاء بحساب سعر الصرف الوطني باستخدام المعادلة التالية: (سعر صرف السوق في مناطق سيطرة الحوثيين + سعر صرف السوق في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية) /2.
- “صوامع الغلال تقصف في اليمن”، وورلد غرين، 9 أبريل / نيسان 2015، https://www.world-grain.com/articles/5264-Grain-silos-in-yemen-shelled
- قانون رقم 14 لسنة 2000، البنك المركزي اليمني، ص. 3، http://centralbank.gov.ye/App_Upload/law14.pdf
- القانون رقم 14 لسنة 2000، الفقرة 2ب من المادة الخامسة، البنك المركزي اليمني، http://centralbank.gov.ye/App_Upload/law14.pdf
- داكشيني روانثيكا جوناراتني، ومراد سامي، وهنري طومسون، وماري لويز توجاس، وولف كريستيان بايس، “التقرير النهائي لفريق الخبراء المعني باليمن،” مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، 25 يناير / كانون الثاني 2021، ص. 223، https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/S_2021_79_E.pdf
- مقابلة مع مصدر مصرفي موثوق به وعلى دراية جيدة بخطة تمويل خطابات الاعتماد لدى البنك المركزي اليمني في عدن، مارس/ آذار 2021.
- مقابلة مركز صنعاء مع مصدر مصرفي موثوق به في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية.
- “دراسة قطاع منتجات صوامع ومطاحن الغلال الدقيق عام 2014” وزارة الصناعة والتجارة، اليمن، https://www.moit.gov.ye/moit/ar/content/دراسة–قطاع–منتجات–صوامع–ومطاحن–الغلال–الدقيق–عام-2014م
- مقابلة مركز صنعاء مع موظف رفيع المستوى في مجموعة هائل سعيد أنعم، 14 فبراير/ شباط 2021.
- “ادعاءات الفساد تلقي بظلال من الشك على تطبيق لوائح استيراد الغذاء والوقود” في “نهاية الحرب بعيد المنال – التقرير السنوي لليمن 2019″، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 30 يناير/ كانون الثاني 2020، https://sanaacenter.org/publications/the-yemen-review/8923#Claims-of-Corruption-Cast-Doubt-on-
- جميع البيانات وفقًا لنظام المحاسبة الداخلي للبنك المركزي اليمني في عدن ومقارنتها بالبيانات المنشورة في تقرير فريق الخبراء.
- نفس المرجع السابق.
- القانون رقم 19 لسنة 1999 بشأن تشجيع المنافسة ومنع الاحتكار والغش التجاري، المادة 9، https://www.wto.org/english/thewto_e/acc_e/yem_e/WTACCYEM4A1_LEG_15.pdf
- وثيقة النظرة العامة للاحتياجات الإنسانية في اليمن 2021، الاوتشا، 21 فبراير 2021، https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/Final%20-Yemen_HNO_2021_Ar%20_V2_final.pdf.