يوافق هذا الشهر ذكرى سنوية مهمة لنا في مركز صنعاء: أربع سنوات مرت منذ إطلاق الإصدار الأول للمركز.
خلال هذه المدة القصيرة والكثيفة، تحول ما كان شرارة فكرة عابرة في ديوان يمني إلى ما نأمل أن يكون أهم مركز بحثي مستقل في اليمن، وخلال ذات المدة كبُر طاقمنا من مجموعة صغيرة من الملتزمين والعاملين على أساس طوعي من غرف معيشتهم، إلى أكثر من 30 موظفاً يعملون بدوام كامل من مختلف أنحاء اليمن والعالم في سبع توقيتات زمنية حول الكرة الأرضية.
تصل منشوراتنا اليوم إلى أعلى مستويات صناعة القرار تأثيراً في العالم، وتقتبسها كبار المنابر الإعلامية والبحثية الدولية.
وبالطبع، لم يكن هذا سهلا، لقد كانت رحلة مضنية بالنسبة لنا، حيث عملنا في سياق نزاع دموي شديد التعقيد.
لذا، نكتب إليكم الآن للاحتفاء بهذه الذكرى، ولشكركم على قراءتكم وولائكم وملاحظاتكم وعلى ثقتكم الدائمة وهي الأهم، ولتسمحوا لنا أن نغتنم هذه الفرصة لنسترسل في الحديث عن توسّعنا وأين صرنا اليوم وما هي خططنا للعام المقبل.
المهمة الأساسية: إنتاج معرفي، وتوفير منبر، والتأثير على السياسات.
بينما استثمرنا في نموّنا، فقد فعلنا ذلك بعناية وحذر شديدين حتى نظل ملتزمين نحو رؤيتنا ورسالتنا: الإنتاج المعرفي، توفير منبر للأصوات اليمنية، والتأثير على السياسات.
كما واصلنا صياغة أولوياتنا الخاصة: جميع البرامج التسعة الأساسية التي يديرها مركز صنعاء حالياً بدأت على شكل مبادرات من فريقنا حتى نجحنا لاحقاً في توفير الموارد اللازمة لها.
من حيث الإنتاج المباشر للمعرفة، نما إنتاجنا بشكل كبير من حيث عدد الأبحاث وتقارير السياسات التي نشرناها وبنسبة تفوق الضعف كل عام.
خلال النصف الأول من عام 2019 فقط، نشرنا من الأوراق مقدار ما نشرناه طوال عام 2018 – ونتوقع هذا العام مضاعفة إنتاجنا مرة أخرى على الأقل – مع الحفاظ على التزامنا الصارم بجودة معلوماتنا ومصداقيتنا واستقلالنا.
أقدم برامجنا، “تقرير اليمن” (المعروف سابقاً باسم “اليمن في الأمم المتحدة“) بلغ أشدّه بعد أن تحوّل من موجز شهري قصير يقيّم دور الأمم المتحدة في اليمن إلى محطة معلومات شاملة لصانعي السياسات ومتابعي الشأن اليمني.
وفي يناير / كانون الثاني 2019، نشرنا أيضاً تقرير اليمن السنوي للعام الثاني، والذي يقدم نظرة إجمالية وتحليلاً شاملاً للتطورات التي جرت على مدار العام، حيث كان أكبر منشور لدينا حتى الآن من حيث الحجم.
كذلك، يستمر التقرير الشهري في تغطية التطورات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية والإنسانية والحقوقية المتعلقة باليمن، ونحن بصدد توسيع نطاق تغطيتنا واستحداث أقسام جديدة في التقرير لقضايا الطاقة والبيئة والتطورات الإقليمية. الأهم من ذلك أننا قمنا خلال الأشهر الستة الماضية بإضافة افتتاحية شهرية لمركز صنعاء، نقدم عبرها رأينا بلا مواربة بشأن العديد من القضايا الأكثر صلة ومزامنة والأكثر عرضة للإغفال والاستقطاب في اليمن عادة.
وضمن عملنا الأوسع، يواصل باحثو مركز صنعاء البحث في مواضيع لم يسبق التطرق إليها بشكل منهجي من قبل، مثل تأثير النزاع على الصحة النفسية للأفراد والمجتمعات والأطفال في اليمن.
ولزيادة تأثيرنا على صنع السياسات، قدم باحثو مركز صنعاء، بالتعاون مع شركائنا، تقرير المراجعة الدورية الشاملة حول الصحة النفسية إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قبل 23 يناير / كانون الثاني 2019، وذلك ضمن الاستعراض الدوري الشامل لسجل حقوق الإنسان في اليمن.
وفي الوقت نفسه، أجرى قسم دراسات الجندر في المركز دراسة بحثية جندرية من أجل سياسة تقدمية طوال عام كامل – استناداً إلى 88 مجموعة نقاش و40 مقابلة مع خبراء في جميع أنحاء اليمن – وسوف تُنشر النتائج قريباً، إذ سيكون هذا التقرير أشمل توثيق وتحليل للآثار التي خلقتها الحرب على النساء اليمنيات والأسر اليمنية.
وصْل اليمن بالعالم والعالم باليمن
وعلى صعيد توفير المنابر، أعلنَّا مؤخراً عن مؤتمر التبادل المعرفي اليمني الرابع لشهر أكتوبر / تشرين الأول القادم، كانت هذه الفعاليات المكثفة بمثابة تعريف شامل ومعمّق للدبلوماسيين والمسؤولين الحكوميين وموظفي المنظمات الدولية والصحفيين والأكاديميين حول اليمن، وقد جمع المنبر مشاركين من جميع أنحاء العالم للتفاعل مع سياسيين وبيروقراطيين وممثلي مجتمع مدني وأكاديميين وفنانين وشخصيات قبلية ورجال أعمال وخبراء آخرين من اليمن.
كما كانت فرصة فريدة لمسار ثانٍ للأطراف المتصارعة، حتى حينما فشلت جهود المسار الأول في ذلك، ونظراً للطلب الكبير على هذا المؤتمر / الدورة، سنبدأ في عقد التبادل المعرفي اليمني عدة مرات في السنة، حيث ستجري الفعالية التالية في الربع الأول من عام 2020.
كذلك توسعت مبادرة إفطار اليمن الإعلامي التي أطلقناها، تم إطلاق هذا البرنامج عام 2015، وقد تم تصميمه في البداية كفعالية إفطار لتعريف الصحفيين الدوليين بأبرز الأصوات والمصادر والقصص اليمنية، ومنذ ذلك الحين تطور ليصبح منصة لتسهيل نفاذ وسائل الإعلام الدولية إلى التقارير الميدانية في اليمن، وقد شمل ذلك تنظيم زيارتين لوفدين من الصحفيين الدوليين إلى اليمن: مرة إلى محافظة مأرب عام 2017، وأخرى إلى حضرموت في عام 2018.
كانت الزيارتان مؤثرتين وغير مسبوقتين ومليئتين بالتحديات اللوجستية في بلد يعاني من الاضطراب الأمني الكبير والعزلة شبه الكلية عن العالم، ومن خلال هذه الجهود المجتمعة، ساعدت مبادرة إفطار اليمن الإعلامي في تسهيل نشر أكثر من 100 قصة إخبارية عن اليمن في وسائل الإعلام الدولية (في حال الاهتمام بالاشتراك في ملخصاتنا الإعلامية، يرجى إرسال رسالة إلى [email protected]).
وبالتعاون مع شركائنا، يواصل مركز صنعاء إدارة مشروع إعادة تصور الاقتصاد اليمني، وهي مبادرة مسار ثانٍ أخرى توفر منصة لقادة التنمية اليمنيين وتصدر توصيات عملية لصانعي السياسات.
يجمع هذا البرنامج بين المسؤولين الحكوميين اليمنيين الحاليين والسابقين، وقادة الأعمال والقطاع المصرفي، وفئات من المجتمع المدني والمؤسسات الدولية للنظر في الأولويات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية العاجلة وتلك التي تلي انتهاء النزاع، كما نشر باحثو المركز عدة أوراق حول قضايا مثل ترحيل العمال اليمنيين من السعودية، واقتصاد الحرب، وإطار مؤسسي لإعادة الإعمار بعد النزاع.
تعد مجموعات بناء السلام المحلية الاستراتيجية في محافظتي مأرب وحضرموت منبراً آخر من منابرنا التي نفخر نحن وشركاؤنا بجلبها إلى الواجهة، فمن خلال الحوار الشامل والاستراتيجي، تعمل هذه المجموعات على المستوى المحلي للربط بين هذه المناطق اليمنية الحيوية – والمغيبة في نفس الوقت – وبين عملية السلام الأممية وقد عقدنا منذ إطلاق هذا البرنامج 13 لقاء مع ممثلين عن هذه المحافظات في اليمن وخارجه، وسننشر قريباً تقارير شاملة عن الأوضاع في المحافظتين.
وتكريساً لالتزامنا بواجب العطاء، فإننا نساعد المنظمات اليمنية الأخرى خاصة الناشئة على بناء حضور خارجي أوسع لها، وعلى التواصل مع المجتمع الدولي ووسائل الإعلام، كما قدمنا عمليات إرشاد وبناء مباشرة ورتبنا عدة جلسات بناء قدرات، كذلك قمنا بالتعاون مع شركائنا بتنظيم اجتماع بناء شبكات واستراتيجيات – هو الأول من نوعه منذ بداية الحرب الراهنة– لعشرين منظمة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا العام الماضي.
تنمية فروعنا وجذورنا في آن واحد
خلال السنوات الماضية دأب فريقنا على توسيع تواجده الجغرافي في مختلف بقاع اليمن والعالم، فخلال العام الماضي، عقدنا مع شركائنا فعاليات في (صنعاء، سيئون، المكلا، مأرب، عمان، بيروت، أديس أبابا، نيويورك، واشنطن، لندن، باريس، بروكسل، برلين، لاهاي، جنيف، أوتاوا، وغيرها)، كما سجلنا مؤخراً رسمياً مركز صنعاء في جنيف، سويسرا، ونحن بصدد فتح مكاتب رسمية في مدن غربية أخرى.
من الناحية المؤسسية فقد انضم في العام الماضي خمسة أفراد استثنائيين – ثلاث نساء ورجلان – إلى الهيئة الاستشارية لمركز صنعاء لتوجيه نمونا وتقدّمنا المؤسّسي، وفي الوقت الذي نعتز فيه بالاستثمار في/ وصناعة وبناء خبراء ومحللي سياسات مستقبليين في اليمن – وهو ما يعزز التزامنا بإنتاج مقاربات معرفية محلية بأصوات محلية – فإننا نعتز أيضاً بأحدث المنضمين الخبراء لفريقنا: د. غريغوري جونسن وسوزان سيفاريد. غريغوري حالياً هو زميل غير مقيم في مركز صنعاء، وقد عمل سابقاً في فريق الخبراء المعني باليمن التابع لمجلس الأمن والآن يقود أبحاث المركز المتعلقة بالجماعات المسلحة في البلاد، كما تأتي سوزان إلى قسم التحرير بخبرة تقارب 15 عاماً كمحررة الشرق الأوسط وصحافية في وكالة أسوشيتيد برس.
اليمن الذي نعرف أنه ممكن
حينما نستعيد شريط الذاكرة، وكيف تمكنّا من النمو وتحقيق ما حققناه خلال السنوات الأربع القصيرة منذ أول ظهور لنا، من الصعب – ودون أي تواضع زائف – ألا يترك ذلك شعوراً بالرهبة داخلنا، فلدينا الكثير مما نفخر به: لقد تطورنا عضوياً وفقاً لنموذج قيادة وإدارة خاص بنا؛ وحافظنا على انحيازنا المطلق للمعلومة والجرأة في قول ما نراه بغض النظر عمن سيُغضِب – أو يُفرِح – ذلك؛ ولقد حافظنا على التزامنا وانتصارنا لمبدأ البحث المستقل، في واحدة من أكثر المناطق المتنازع عليها في العالم، وبذلك ساهمنا في بناء وصياغة السردية العالمية حول اليمن.
اليوم لا يسعنا إلا أن نتخيل مقدار ما كان يمكننا إنجازه لو لم تكن هذه الحروب الغبية. وحتى ذلك الحين، سنستمر في الجرأة على تخيل البلد الذي يمكن أن تكونه اليمن.
شكراً لكم مجدداً على قراءتكم.
مع أطيب التحيات،
فريق مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية