افتتاحية مركز صنعاء
اليمنيون تحت وطأة ارتفاع الرسوم الجمركية وسط غياب الإصلاحات
أقرت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا مؤخرًا زيادة كبيرة في الرسوم الجمركية على البضائع غير الأساسية، الأمر الذي يبدو أنه تسبب في ارتفاع أسعار جميع الواردات. جاءت هذه الخطوة في الوقت الذي تفاقمت أزمة الأمن الغذائي نتيجة الصراع لا سيما نتيجة تقلب الأسعار. ونظرًا لأن هذا الإجراء الحكومي الأخير يهدد بتفاقم هذه الأزمة الإنسانية، يتوجب على الحكومة التراجع عن هذا القرار فورًا.
في الظروف العادية، تُعد هذه السياسة منطقية لكي تحاول الحكومة زيادة إيراداتها من خلال فرض المزيد من الرسوم الجمركية تدريجيًّا على المنتجات المستوردة من الخارج التي تدخل البلاد، خاصة السلع غير الأساسية منها. في اليمن، الذي تعاني حكومته عجزًا كبيرًا في الموازنة العامة وسط محدودية الخيارات لتضييق الفجوة بين الإيرادات والنفقات، تُصنف الرسوم الجمركية كأقل الرسوم في العالم العربي.
ولكن الظروف في اليمن ليست عادية على الإطلاق. قسمت الخطوط الأمامية للقتال البلاد بين أطراف الصراع المختلفة على مدى السنوات الماضية. وبالتالي، يُعد وجود الحكومة ضعيفًا أو معدومًا في الموانئ البحرية والمنافذ البرية الحدودية الواقعة في المناطق التي يفترض أنها تخضع لسيطرتها، الأمر الذي يعرقل بشدة قدرة الحكومة على فرض الإجراءات الجمركية من الأساس. تقدّر الوحدة الاقتصادية في مركز صنعاء أن خزانة الدولة تتلقى حاليًّا أقل من 40% من الإيرادات الجمركية التي يجب أن تتحصلها بموجب القانون. كما أن قدرة الحكومة على تنظيم أسواق السلع والعملة ضعيفة للغاية في الوقت الذي بالكاد تثق الجهات الكبيرة الفاعلة في القطاع الخاص والسلطات الإقليمية بالكفاءة الإدارية للحكومة وقدرتها على التصرف بطريقة سديدة وناجحة.
وفي خضم هذا السياق، أعلنت الحكومة اليمنية في 25 يوليو/تموز مضاعفة الرسوم الجمركية على البضائع غير الأساسية دون أن تضع خطة تنفيذية أو تنسّق مع القطاع الخاص. وما يعنيه هذا القرار هو أن المبلغ الذي كان يتوجب على المستورد ارتفع من 250 ريالًا يمنيًّا لكل دولار أمريكي إلى 500 ريال.
سرعان ما استنكرت مجموعات وممثلو الشركات والأعمال من جميع أنحاء البلاد هذه الخطوة، محذرين من أن إجراء كهذا سيتسبب في تعطيل حركة البضائع التجارية، وارتفاع جميع أسعار السلع، وتقويض الأمن الغذائي أكثر في بلد يعتمد على الواردات للحصول على ما يصل إلى 90% من المواد الغذائية التي يستهلكها. في البداية، رفض العديد من التجار التي كانت بضائعهم قد فُرغت في ميناء عدن دفع الرسوم الجمركية الجديدة وتركوا بضائعهم في المخازن. كما أدانت سلطات جماعة الحوثيين المسلحة في الشمال هذه الخطوة أيضًا، وسعت إلى إغراء المستوردين لتحويل شحناتهم لتصل إلى الموانئ التي تسيطر عليها في محافظة الحديدة، والتي ما يزال سعر الصرف المعتمد فيها هو السعر السابق، 250 ريالًا يمنيًّا لكل دولار أمريكي. أدى هذا القرار الحكومي إلى المزيد من الفوضى التي تشوب عمليات استيراد البضائع إلى اليمن، والتي تُعد معقدة للغاية أساسًا، حيث يحاول التجار تجنب دفع التعرفة الجديدة بإعادة توجيه البضائع الواردة إلى موانئ وممرات برية مختلفة.
كانت الحكومة اليمنية قد زعمت أن الزيادة في الرسوم الجمركية لن يكون لها سوى تأثير محدود، وأن الزيادة لن تتجاوز 5% على أسعار السوق للسلع غير الأساسية. لو كان لدى الحكومة القدرة على تنظيم سوق السلع ومنع التجار من استغلال القرارات لصالحهم وتمرير الزيادات المترتبة بشكل استباقي إلى المستهلك وفرضها عليه، لكان الوضع مختلفًا. ولكن، وحتى كتابة هذه الافتتاحية، كان مركز صنعاء قد تلقى تقارير من محافظتي عدن وحضرموت تفيد بأن أسعار العديد من المنتجات، سواء الأساسية أو غير الأساسية، قد ارتفعت بشكل كبير في أغسطس/آب. طبعًا هناك حاجة إلى مزيد من البيانات بهدف قياس التأثير الكامل لزيادة الرسوم الجمركية، لكن الدلائل الأولية تشير إلى أن وطأة وتداعيات هذه الخطوة ستقع على عاتق المستهلكين اليمنيين كون المستوردون يفرضونها على المستهلك للحصول على أرباحهم كالمعتاد.
حاجة الحكومة إلى زيادة إيراداتها واضحة، فهي تغطي حاليًّا العجز الحالي في موازنتها وذلك بشكل أساسي لدفع رواتب القطاع العام عبر طباعة أوراق نقدية جديدة، وذلك هو السبب الرئيسي للتدهور المتسارع لقيمة الريال في المناطق التي لا يسيطر عليها الحوثيون. يقوّض ذلك بدوره القوة الشرائية المحلية ويعمّق من الأزمة الإنسانية. نفذت الحكومة سياستها الجديدة على الرغم من أنها ليست في وضع يسمح لها أن تستفيد منها بشكل كبير نظرًا لقدرتها المحدودة للغاية على فرض عملية تحصيل الإيرادات. (من المهم أن نذكر هنا أن سلطات الحوثيين نجحت بشكل أفضل في تغطية عجز الموازنة التابعة لها من خلال التدابير القسرية لفرض الضرائب وتحصيلها في الوقت الذي لم تدفع رواتب الموظفين الحكوميين في مناطقها، ووجهت معظم إيراداتها -ومن بينها رسوم تبلغ 30% مفروضة على البضائع التي تدخل المناطق الشمالية من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية- لصالح مجهودها الحربي).
قبل النزاع، كانت مصلحة الجمارك اليمنية واحدة من أكثر المصالح الحكومية فسادًا في البلاد. وخلال الصراع الجاري، ساءت قدراتها -وقدرة الحكومة اليمنية على تحصيل الإيرادات بشكل عام- ما خلق بيئة مواتية لفقدان الجزء الأكبر من إيراداتها. هناك حاجة إلى إصلاحات إدارية لسد هذه الثغرات وحماية المستهلكين من التلاعب بالأسعار قبل فرض أي رسوم جديدة. وبالتالي، فإن عدم الإقدام على إصلاحات كهذه سيحفز على المزيد من أنشطة التهريب وممارسات الفساد المتعلقة بالواردات، وسيستمر المستهلكون في المعاناة من صدمات الأسعار في السوق، ولن يشهد عجز الموازنة الحكومية أي تحسن يذكر.
المحتويات
-
جبهات جديدة في الحرب الاقتصادية
- البنك المركزي اليمني في عدن يوجه البنوك بنقل مقارها إلى الجنوب
- رد البنوك اليمنية والبنك المركزي اليمني في صنعاء على إجراءات البنك المركزي اليمني في عدن
- الحكومة اليمنية تتلقى دعمًا بـ 665 مليون دولار أمريكي من صندوق النقد الدولي
- البنك المركزي اليمني في صنعاء يعارض وضع البنك المركزي اليمني في عدن يده على الدعم المقدم من صندوق النقد الدولي
- التطورات السياسية والاقتصادية تزيد من عدم استقرار العملة في المناطق التي لا يسيطر عليها الحوثيون
- ارتفاع أسعار الوقود الرسمية في المحافظات الجنوبية والشرقية
- التطورات على الساحة السياسية
- تطورات الحرب
- ما يستطيع اليمنيون تعلّمه من أفغانستان
- التوازن الدقيق في سلوك المجلس الانتقالي الجنوبي
- أصدقاء مع أطراف متعادية: محاولات حماس للتنقل بين الإصلاح والحوثيين
أغسطس في لمحة
جبهات جديدة في الحرب الاقتصادية
البنك المركزي اليمني في عدن يوجه البنوك بنقل مقارها إلى الجنوب
تصاعدت معركة السيطرة على عمليات البنوك اليمنية والمراكز المالية بين فرعي البنك المركزي المنقسم خلال شهر أغسطس/ آب، وهو الأمر الذي زاد من تهديد قدرة البنوك على العمل في اليمن، ففي الخامس من أغسطس/ آب، وجه البنك المركزي في عدن البنوك التجارية والإسلامية اليمنية بالعديد من الأمور التي تضمنت نقل مراكز عملياتها الرئيسية للعمل بشكل كامل من محافظة عدن، وتضمن بيانه الصادر في 5 أغسطس/ آب تذكيرًا للبنوك اليمنية بوجوب تقديم بياناتها المالية التي طلبها البنك مسبقًا في السادس من يوليو وحدد فترة تقديمها بـ15 يومًا. كما هدد البيان بإجراءات عقابية ضد البنوك غير الملتزمة، وشملت تلك التهديدات الضمنية الشركات والمؤسسات التجارية التي تقوم بعملياتها المالية أو المصرفية من خلال البنوك غير الملتزمة بتوجيهاته، مثل فتح خطابات الاعتماد وإجراء التحويلات المالية. وحذر بيان البنك المركزي في عدن بأنه لن يتحمل أي مسؤولية عن أي عواقب وخيمة قد تنتج من التورط في تعاملات مالية مع البنوك غير الملتزمة بالتوجيهات. وتابع البيان بأن البنك سيعلن قائمة تلك البنوك التي لا تلتزم بتوجيه نقل مراكزها إلى عدن وسيقدمها إلى جميع الهيئات المحلية والبنوك والمؤسسات المالية والمصرفية الخارجية والمنظمات الدولية ذات الصلة.
كما أشار إلى البنوك التي تلتزم بتلك التوجيهات سيتم تحويل احتياطيات النقد الأجنبي إلى حسابات البنوك المراسلة لتلك البنوك وتمكينها من تمويل الواردات.
وتأتي هذه الخطوة كأحدث ضربة يوجهها البنك المركزي في عدن خلال الحرب الاقتصادية الطويلة بين فرعي البنك المركزي المتنافسين. كان بنكا عدن وصنعاء قد شرعا في تصعيد المنافسة للسيطرة على الوصول إلى البيانات التي تحتفظ بها البنوك وشركات الصرافة اليمنية نهاية 2020، وهو ما أدى بدوره إلى إجراءات عقابية ضد البنوك ومنها فرض غرامات كبيرة وإحالة ثلاثة بنوك إلى القضاء في عدن لعدم امتثالها للتعليمات. في غضون ذلك، أغلق جهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين بنكين بسبب مشاركتهما بياناتهما المالية مع البنك المركزي في عدن.
سيشكل قرار البنك المركزي في عدن لشهر أغسطس/ آب تحديًّا كبيرًا للبنوك في البلاد، حيث تقع مقرات 17 بنكًا من البنوك اليمنية الـ18 في صنعاء، وفي الوقت نفسه ركزت جميع البنوك التجارية والإسلامية اليمنية تقريبًا عملها وأنشطتها التجارية وبنت علاقات تجارية قوية في الجزء الشمالي من البلاد، وهو ما يجعل من الصعب عليها التنازل عن تلك الترتيبات.
وفقًا لمسؤول مصرفي كبير تحدث مع الوحدة الاقتصادية بمركز صنعاء شريطة عدم الكشف عن هويته، فإن أحد الحلول الممكنة قيد الدراسة حاليًّا هو السماح للبنوك اليمنية بفتح مقر ثانٍ في عدن، إضافة إلى الاحتفاظ بمقرها الحالي في صنعاء. ولكن وعلى الرغم من أن مثل هذا الحل قد يُطبق سطحيًّا، ما تزال هناك شكوك كبيرة حول ما إذا كان البنك المركزي في صنعاء سيوافق على هذه الترتيبات ويسمح للبنك المركزي في عدن بالوصول إلى البيانات المصرفية من خلال المقرات الجديدة للبنوك في عدن والتي ستعمل بالتوازي مع مقرات البنوك في صنعاء التي تنفذ السياسات النقدية في مناطق سيطرة الحوثيين.
عوضًا عن ذلك، من المرجح أن يواصل البنك المركزي في صنعاء منعه للبنوك اليمنية من مشاركة بياناتها مع البنك المركزي في عدن والإصرار على الحل الاستراتيجي لأزمة القطاع المالي الحالية الذي يطرحه الحوثيون وهو: تقسيم قائم على الأمر الواقع للسلطة والقدرات النقدية بين مناطق سيطرة الحوثيين ومناطق سيطرة الحكومة.
بالنظر إلى ضعف القدرة المؤسسية للبنك المركزي في عدن وعدم استقرار البيئة السياسية التي يعمل فيها، يتوجب عليه توخي الحذر بشأن كيفية المضي قدمًا فيما يتعلق بنقل مقرات القطاع المصرفي إلى عدن، فقد يهدد هذا الأمر مجموعة واسعة من الأنشطة المالية ويتسبب في تداعيات إنسانية واقتصادية مزعزعة للاستقرار بشكل كبير. في حال عدم التوصل إلى حل لتهدئة المواجهة بين البنكين المركزيين، سيعاني القطاع المالي بشكل عام والنظام المصرفي بشكل خاص من تصدع وانقسام كبيرين وضعف كبير في قدرته على تقديم الخدمات المالية. من المرجح أن تشهد البلاد مزيدًا من التشوه في الدورة النقدية مع نشوء نظام مالي مزدوج على المستوى المصرفي، وتزايد الأنشطة الاقتصادية في السوق السوداء، وتسارع انخفاض قيمة الريال اليمني.
رد البنوك اليمنية والبنك المركزي اليمني في صنعاء على إجراءات البنك المركزي اليمني في عدن
في 9 أغسطس/ آب، أصدر البنك المركزي في صنعاء بيانًا يدين التصعيد الأخير من قِبل البنك المركزي في عدن قائلًا إنه سيضر بالقطاع المصرفي الوطني ومطالبًا بضرورة إبعاد الأنشطة المصرفية والاقتصادية عن المنافسة السياسية
كما قال البنك المركزي في صنعاء إنه لم يعترض أبدًا على تزويد البنوك البنك المركزي في عدن بالبيانات والتقارير المتعلقة بالعملاء والتعاملات المالية الخاصة بالفروع العاملة في مناطق سيطرة الحكومة. لكنه وصف نقل مقر البنك المركزي اليمني إلى عدن بالانتهاك للدستور اليمني الذي أدى إلى تسييس عمل البنك واستخدامه لتمويل الحرب. وقال إنه وبالنظر إلى هذه العوامل، سيكون من المبرر توجيه البنوك بعدم مشاركة بيانات العملاء والعمليات المصرفية مع البنك المركزي في عدن.
بعد ذلك، في 12 أغسطس/ آب، صدر بيان عن جمعية البنوك اليمنية في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين يدين تهديد البنك المركزي في عدن البنوك التجارية والإسلامية اليمنية التي ترفض مشاركة بياناتها أو نقل مقراتها إلى عدن بإجراءات عقابية.
وقال البيان إن التصعيد الأخير للبنك في عدن يتعارض مع الدور القانوني للبنك المركزي كسلطة نقدية مسؤولة عن توفير وسيلة آمنة لعمل البنوك في البلاد وفي نفس الوقت حماية أموال المودعين في البنوك.
وادعت جمعية البنوك اليمنية أن الخطوة الأخيرة للبنك المركزي في عدن كانت مخالفة للوائح الداخلية للبنوك اليمنية والإطار القانوني الحالي الذي ينظم القطاع المصرفي في البلاد. وذكرت أن البنوك اليمنية كالبنوك الأخرى في جميع أنحاء العالم اختارت موقع مقراتها بالقرب من المراكز التجارية والصناعية الرئيسية في البلاد والتي يقع معظمها في صنعاء، وهو المكان الذي أقرضت فيه البنوك الجزء الأكبر من مواردها المالية، إضافة إلى أن وجود البنوك في تلك المناطق يساعدها على متابعة التطورات والقضايا المتعلقة بتلك الاستثمارات.
كما ذكرت جمعية البنوك اليمنية أن قانون البنك المركزي رقم 14 لعام 2000 ينص على أن إحدى المسؤوليات الرئيسية للبنك المركزي هي الحفاظ على أموال المودعين، ولكن نقل مقرات البنوك اليمنية إلى عدن قد يعرض أصول المودعين لعدة مخاطر تشمل الانخفاض المحتمل في قيمة تلك الأموال بسبب الفرق بين سعر صرف الريال اليمني في عدن وصنعاء.
إضافة إلى ذلك، قالت جمعية البنوك اليمنية إن البنك المركزي في صنعاء كان يمارس رقابة فعلية تضمن استمرار البنوك في تطبيق القوانين واللوائح المصرفية بما في ذلك الإجراءات والمعايير العالمية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. قد يشير هذا التصريح أيضًا إلى أن جمعية البنوك اليمنية لا ترى أن البنك المركزي في عدن مؤهل بما يكفي لأداء دور الإشراف على القطاع المصرفي. ناشدت الجمعية الجهات الفاعلة المحلية والدولية لاستخدام علاقتها مع السلطات المشرفة على البنك المركزي في عدن للضغط عليها لاحترام استقلالية وحيادية القطاع المصرفي اليمني والسماح له بأداء وظائفه بعيدًا عن الاستقطاب السياسي. وخلص بيان الجمعية إلى أن البنوك اليمنية تحتفظ بحقها القانوني في الرد على تحركات البنك المركزي في عدن بما في ذلك الحق في الدعوة إلى إضراب جزئي أو شامل في القطاع المصرفي اليمني.
الجدير بالذكر أن البنك المركزي اليمني عند موافقته على طلبات كل بنك تجاري وإسلامي للحصول على التراخيص اللازمة للعمل قبل النزاع كان قد وافق على اللوائح والهياكل الداخلية للبنوك والتي كان من ضمنها موقع المقر الرئيسي للبنك. راجعت الوحدة الاقتصادية لمركز صنعاء التشريعات ذات الصلة -أي الفصل السابع من قانون البنك المركزي رقم 14 لسنة 2000 بشأن علاقة البنك المركزي اليمني بالبنوك والمؤسسات المالية، والقانون رقم 38 لسنة 1998 بشأن البنوك، والقانون رقم 21 لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم 16 لسنة 2009 بشأن البنوك الإسلامية، ولا توجد أي نصوص أو أحكام قانونية تمنح البنك المركزي اليمني في عدن سلطة سحب موافقته السابقة. بالنظر إلى ذلك، يبدو أن مطالبة البنك المركزي في عدن بنقل البنوك اليمنية مقارها لا يستند على أساس قانوني. هذا بالإضافة إلى حقيقة أن البنك المركزي التابع للحكومة المعترف بها دوليًّا يحاول توجيه البنوك في البلاد بنقل مقارها إلى موقع لم يتمكن فيه البنك المركزي اليمني في عدن نفسه من أداء وظائفه النقدية الأساسية.
الحكومة اليمنية تتلقى دعمًا بـ 665 مليون دولار أمريكي من صندوق النقد الدولي
في 23 أغسطس/ آب، خصص صندوق النقد الدولي ما مجموعه 665 مليون دولار أمريكي من احتياطيات النقد الأجنبي لليمن وذلك على شكل حقوق سحب خاصة، وحقوق السحب الخاصة هي أصول احتياطية تكميلية من النقد الأجنبي يصدرها صندوق النقد الدولي. تُقيَّم حقوق السحب الخاصة اعتمادًا على سلة من العملات العالمية الرئيسية تتضمن اليوان الصيني واليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني والدولار الأمريكي، وعلى الرغم من أن حقوق السحب الخاصة لا تمثل عملة بحد ذاتها، إلا أنه من الممكن مبادلة حقوق السحب الخاصة بالعملة الصعبة مع الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي.
الاحتياطيات المخصصة لليمن هي جزء من أكبر تخصيص لحقوق السحب الخاصة في تاريخ صندوق النقد الدولي على الإطلاق، والذي بلغ في الإجمالي 456 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (650 مليار دولار أمريكي) تمت الموافقة عليه في 2 أغسطس/ آب لتلبية الحاجة العالمية لاحتياطيات النقد الأجنبي ومساعدة البلدان على التعامل مع الآثار السلبية لجائحة كورونا.
من المقرر أن تُوجه حقوق السحب الخاصة المخصصة لليمن عبر الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا والبنك المركزي في عدن. ورغم أن صندوق النقد الدولي يخصص حقوق السحب الخاصة دون قيد أو شرط، إلا أن البلدان التي يحتمل أن تكون مستعدة لمبادلة حقوق السحب الخاصة مع اليمن قد تفرض على الأخيرة بعض الشروط. في الحقيقة، ووفقًا لأحد الخبراء الاقتصاديين اليمنيين الذين تحدثوا إلى مركز صنعاء، من المحتمل جدًا أن تحتاج الحكومة اليمنية والبنك المركزي اليمني إلى تزويد الدول التي قد تفكر في مبادلة حقوق السحب الخاصة بخطة مفصلة حول الكيفية التي ستستخدم بها احتياطيات النقد الأجنبي. ما زال البنك في عدن يعاني من محدودية القدرات واختلالات تتعلق بالثقة بين الجهات الفاعلة المحلية والخارجية على حد سواء؛ وبالتالي قد يُلزم بإجراء إصلاحات هيكلية لطالما طال انتظارها حتى تتحقق عملية مبادلة حقوق السحب الخاصة. دعت العديد من الجهات المعنية والمراقبين، ومن بينها مركز صنعاء، إلى تغيير مجلس إدارة البنك في عدن نظرًا لوجود اختلالات تتعلق بالكيفية التي صرف بها مجلس إدارة البنك الوديعة السعودية -المستنفدة حاليًّا- والتي بلغت ملياري دولار أمريكي، وكانت تهدف إلى تمويل واردات السلع الأساسية. تشمل الاختلالات أيضًا إدارة البنك المركزي للسياسة النقدية بصفة عامة.
التوقعات الأولية هي أن يسعى البنك المركزي في عدن لاستخدام حقوق السحب الخاصة المخصصة من صندوق النقد لتأمين استيراد السلع الأساسية (مثل الغذاء والدواء) بالإضافة إلى تغطية بعض النفقات الحكومية. من شأن ذلك أن يساعد الحكومة والبنك المركزي اليمني في عدن على الأقل في كبح تقلبات أسعار الصرف في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إن لم يكن من شأنه أن يساعد بالفعل على تحسين أسعار الصرف في السوق.
البنك المركزي اليمني في صنعاء يعارض وضع البنك المركزي اليمني في عدن يده على الدعم المقدم من صندوق النقد الدولي
في 29 أغسطس/ آب، أصدر البنك المركزي في صنعاء بيانًا أعرب فيه معارضته لقرار صندوق النقد الدولي بأن يعهد إلى البنك المركزي اليمني في عدن بإدارة وحدات حقوق السحب الخاصة المخصصة لليمن.
أوجز البنك المركزي في صنعاء المراسلات السابقة مع صندوق النقد الدولي والجهات الفاعلة الدولية الأخرى بشأن هذه المسألة، مشيرًا إلى رسالة سابقة وُجِّهت إلى الصندوق في 3 يونيو/ حزيران، شكك فيها بقانونية وشرعية البنك المركزي في عدن وسلّط فيها الضوء على الاتهامات الواسعة بالفساد وسوء الإدارة التي تحيط بسمعة البنك المركزي في عدن، وتحديدًا فيما يتعلق بإدارة الوديعة السعودية سابقة الذكر.
كما اعتبر البنك المركزي في صنعاء موقف صندوق النقد بشأن تخصيص حقوق السحب الخاصة على أنه خروج عن التأكيدات السابقة بالتزام الحيادية، وأورد ثلاثة مطالب تضمنت: تجميد تخصيص وحدات حقوق السحب الخاصة ومنع البنك المركزي في عدن من استخدامها، واختيار طرف ثالث لإدارة وحدات حقوق السحب الخاصة التي سيتم استخدامها لتأمين الواردات ودفع رواتب موظفي القطاع العام لستة أشهر متتالية، وتغطية الديون المستحقة للبنوك اليمنية. يتعلق الطلب الثالث بالأموال التي استثمرتها البنوك في أدوات الدين العام (مثل سندات الخزانة) التي جمدها البنك المركزي في صنعاء وتوقف عن دفع فوائدها.
في بيانه الصادر في 29 أغسطس/ آب، حذر البنك المركزي في صنعاء صندوق النقد الدولي من أنه لن يتحمل أي مسؤولية عن تداعيات الموقف الحالي لصندوق النقد الدولي بشأن تخصيص حقوق السحب الخاصة، ويمكن تفسير هذا الإعلان على أنه تحذير استباقي عن مزيد من التصعيد من قِبل جماعة الحوثيين والبنك المركزي بصنعاء في ظل المنافسة الاقتصادية المستمرة مع الحكومة المعترف بها دوليًّا والبنك المركزي في عدن.
واختتم البنك في صنعاء بيانه بالقول إنه سيوقف كافة أشكال التعاون والتواصل مع صندوق النقد في حالة عدم تلبية مطالبه، بالإضافة إلى أنه سيرسل إشارة إلى المبعوث الأممي الخاص الجديد هانس غروندبرغ مفادها أن كيفية تعامله مع مسألة تخصيص حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد ستكون بمثابة اختبار مبكر لمدى مهنيته وحياده.
في رسالة منفصلة بتأريخ 30 أغسطس/ آب، وجه هشام شرف وزير الخارجية في حكومة الحوثيين (غير معترف بها) خطابًا إلى مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا. واتسم الخطاب بلهجة أكثر ليونة مقارنة مع بيان البنك المركزي في صنعاء، غير أن الخطاب أكد في الوقت ذاته على معارضة حكومة الحوثيين قرار صندوق النقد بتخصيص وحدات حقوق السحب الخاصة للبنك المركزي في عدن. ودعا وزير الخارجية في رسالته صندوق النقد الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولية المراقبة الدقيقة لكيفية إنفاق حقوق السحب الخاصة محذرًا من إساءة الاستخدام والفساد.
التطورات السياسية والاقتصادية تفاقم من أزمة تدهور العملة في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية
خلال شهر أغسطس/ آب، شهدت قيمة الريال اليمني في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا تحسنًا مؤقتًا، من 1,060 ريالًا يمنيًّا للدولار الأمريكي في 9 أغسطس/ آب إلى 950 ريالًا يمنيًّا للدولار في 11 أغسطس/ آب. غير أن هذا التحسن لم يدم طويلًا، مع انخفاض قيمة الريال إلى 1,042 ريالًا يمنيًّا للدولار في 22 أغسطس/ آب. بحلول نهاية أغسطس/ آب، ارتفع سعر الصرف مرة أخرى ارتفاعًا طفيفًا، ليصل إلى 1,028 ريالًا يمنيًّا للدولار.
اقترن التحسن المؤقت في قيمة الريال اليمني في النصف الأول من الشهر مع تقارير تتوقع صدور قرارات لتغيير محافظ البنك المركزي في عدن ونائبه ومجلس إدارة البنك. ينظر البعض إلى هذه التغييرات على أنها ضرورية، من أجل فتح المجال أمام أي دعم مالي إضافي محتمل يمكن أن يُقدم من السعودية إلى الحكومة اليمنية والبنك المركزي.
في 16 أغسطس/ آب، عقد الرئيس عبدربه منصور هادي اجتماعًا في الرياض مع رئيس الوزراء معين عبدالملك ومحافظ البنك المركزي في عدن أحمد الفضلي ونائبه شكيب حبيش وأعضاء مجلس إدارة البنك. وبدا من تقارير عن الاجتماع كما لو أن هادي منح البنك الثقة على الرغم من الاتهامات الموجهة لقيادته بسوء الإدارة. شهدت الأيام التي أعقبت هذا الاجتماع انخفاضًا في قيمة الريال اليمني.
في الوقت الذي ما زالت مستويات ثقة الجهات الفاعلة المحلية والدولية في البنك المركزي في عدن متدنية، يحاول المجلس الانتقالي الجنوبي فرض سلطته على إدارة العملة المحلية والاقتصاد المحلي في عدن وجنوب اليمن بصفة عامة. حمّل المجلس علنًا الحكومة المسؤولية عن تدهور قيمة العملة. وفي منتصف أغسطس، وفي محاولة لفرض وجوده، نظم كبار المسؤولين في المجلس الانتقالي الجنوبي اجتماعًا مع الصرافين في عدن. وضع المسؤولون في هذا الاجتماع خططًا للتنسيق مع الصرافين لخفض سعر صرف الريال اليمني مقابل الريال السعودي بمقدار 5 ريالات يوميًّا للوصول إلى سعر صرف 240 ريالًا يمنيًّا لكل ريال سعودي. وأعقب هذا المقترح تعميم صادر في 17 أغسطس/ آب هدِف إلى تثبيت سعر شراء وبيع الريال السعودي عند 247 و249 ريالًا يمنيًّا لكل ريال سعودي، على التوالي، ولمدة أسبوع واحد.
ومع ذلك، استبعدت مصادر محلية في عدن تحدث معها مركز صنعاء، تأثير تحركات المجلس الانتقالي على تغيرات وقيمة العملة المحلية وأسعار الصرف. ويأتي هذا التكهن وسط أنباء عن وجود مضاربات على العملات وفجوة ملحوظة بين سعري بيع وشراء الريال السعودي لدى شركات الصرافة المحلية. اعتُبر هذا الفرق الكبير بين سعر البيع والشراء مبالغًا به ومثالًا على انتهازية صارخة بغرض التربح. وبغض النظر عن تأثير تحركاته حتى الآن، يبدو أن المجلس الانتقالي يحاول ملء الفراغ الذي تركه البنك المركزي في عدن، حيث يواصل البنك العمل بقدرات محدودة، مع استمرار تدني الثقة في سياسته النقدية، وتلوح في الأفق علامات استفهام حول مستقبله.
إضافة إلى الضغط الذي يمارسه المجلس الانتقالي، واجه البنك المركزي في عدن أيضًا جولة جديدة من التصعيد في معركته المستمرة مع البنك المركزي في صنعاء بشأن تنظيم شركات الصرافة.
في أوائل أغسطس/ آب، أصدر البنك المركزي في عدن قائمة بأكثر من اثنتي عشرة شركة صرافة حُظرت من تقديم خدمات التحويلات المالية في مناطق سيطرة الحكومة، وفي 10 أغسطس/ آب، رد البنك المركزي في صنعاء بقائمة خاصة به سحبت فيها تصاريح 14 شركة صرافة لم يعد من المسموح لها بالعمل في مناطق سيطرة الحوثيين. بناءً على أسماء شركات الصرافة المدرجة في القائمتين المنفصلتين، يبدو أن ديناميكيات الاقتصاد السياسي أصبحت تؤثر على تنظيم شركات الصرافة.
ارتفاع أسعار الوقود الرسمية في المحافظات الجنوبية والشرقية
في 17 أغسطس/ آب، أعلن فرع شركة النفط اليمنية في عدن رفع سعر البنزين من 11,200 ريال لكل 20 لترًا إلى 12 ألف ريال.
جاءت هذه الزيادة في السعر “الرسمي” للبنزين المباع في المحطات التي تديرها الشركة اليمنية للنفط في عدن ووكلاء شركة النفط اليمنية كاستجابة لانخفاض قيمة الريال اليمني، وحدثت زيادات مماثلة في الأسعار في كل من محافظات المكلا وشبوة والضالع وارتبطت جميع تلك الزيادات بضعف العملة المحلية.
التطورات على الساحة السياسية
التطورات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة
الرياض تتوسط لحل التوتر القائم بين الحكومة اليمنية والإمارات بشأن منشأة الغاز الطبيعي المسال في بلحاف
تصاعدت حدة التوتر بشأن منشأة تصدير الغاز الطبيعي المسال في بلحاف بمحافظة شبوة خلال أغسطس/آب الماضي. تقع المنشأة التي تُعد أكبر مشروع استثماري في البلاد بتكلفة 4.5 مليار دولار أمريكي، على طول ساحل بحر العرب. قبل اندلاع الصراع الراهن، كانت المنشأة تضخ الغاز الطبيعي المسال من مأرب، ولكن عملها عُلق مع تصاعد حدة الحرب؛ ولما يقرب من خمس سنوات تُستخدم كقاعدة للجنود الإماراتيين وقوات النخبة الشبوانية المحلية التي سلحتها ودربتها أبوظبي.
في الأول من أغسطس/آب، صوتت السلطة المحلية في شبوة، بقيادة محافظ المحافظة محمد صالح بن عديو، بالإجماع للضغط من أجل إعادة فتح المُنشأة فورًا. خلال الاجتماع أكد بن عديو أن صادرات المنشأة ستساعد على منع انهيار الريال اليمني، مضيفًا أن شركة توتال الفرنسية -وهي شركة نفط متعددة الجنسيات تدير المنشأة- حريصة على استئناف أنشطتها.
في 24 أغسطس/آب، نصبت قوات الأمن الموالية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا نقطة تفتيش على الطريق الساحلي على بعد نحو 10 كيلومترات غرب منشأة بلحاف، واعتقلت ستة من عناصر قوات النخبة الشبوانية كانوا في طريق عودتهم إلى القاعدة العسكرية، وفق مصدر في قوات النخبة الشبوانية تحدث لمركز صنعاء. في وقت لاحق من نفس اليوم، ألقت قوات النخبة الشبوانية القبض على أربعة صيادين كانوا يبحرون بالقرب من بلحاف، وفق ما ذكره أحد أعضاء جمعية الصيادين. وفي 27 أغسطس/آب، نُصبت نقطة تفتيش حكومية ثانية على الطريق الساحلي على بعد كيلومتر واحد شرق منشأة بلحاف.
في 30 أغسطس/آب، وصلت قوات سعودية إلى شبوة للتوسط في تسوية الوضع في بلحاف، واجتمعت مع المحافظ بن عديو. يُعد المحافظ من أشد المنتقدين للوجود الإماراتي في شبوة؛ إذ طالب القوات الإماراتية بإخلاء بلحاف وإتاحة المجال أمام استئناف عمليات التصدير من المنشأة. أفادت أنباء أن فريق الوساطة السعودي اقترح مدة شهرين إلى ثلاثة أشهر لانسحاب القوات الإماراتية من بلحاف، إلاّ أن بن عديو أصر على انسحاب الإماراتيين بشكل فوري. لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق بشأن تأريخ انسحابهم حتى كتابة هذه السطور. غير أنه في أعقاب الاجتماع، أزالت القوات الحكومية نقطتي التفتيش بالقرب من منشأة بلحاف وأطلقت سراح عناصر قوات النخبة الشبوانية الذين اعتقلتهم الأسبوع السابق.
نجاة قائد شرطة في وادي حضرموت من محاولة اغتيال
في 12 أغسطس/آب، أُصيب قائد قوات النجدة وأمن الطرقات بوادي حضرموت عبيد بازهير برصاصة في صدره على يد مسلح في مدينة شبام. ولقي المسلح مصرعه على يد الحراس الشخصيين لبازهير، ونُقل الأخير إلى مستشفى قريب حيث استقرت حالته. اتصل محافظ حضرموت، فرج البحسني، ببازهير للاطمئنان على صحته عقب إعلان مكتب المحافظ بأن الحادث نجم عن اشتباكات مع “عناصر إرهابية”. يذكر أن وادي حضرموت شهد العديد من الاغتيالات لمسؤولين عسكريين وأمنيين طيلة فترة الحرب.
المجلس الانتقالي الجنوبي يشدد الإجراءات الأمنية في عدن بعد استهداف قوات الأمن بقنبلة
في 15 أغسطس/آب، شددت سلطات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن الإجراءات الأمنية بعد يوم واحد من وقوع انفجار ضخم استهدف المجندين حديثًا من قوات الأمن شمالي المدينة، وأسفر ذلك عن مقتل جنديين. وقال مصدر حكومي محلي لوكالة الأنباء الصينية (شينخوا) إن السلطات نشرت وحدات أمنية في عدن “وكثفت عملياتها الاستخباراتية لإحباط هجمات إرهابية وشيكة ضد مؤسسات الدولة في المدينة”.
السعودية تُسرح عشرات المهنيين اليمنيين
أواخر يوليو/تموز وأوائل أغسطس/آب، أُخطر المئات من الأطباء والأكاديميين اليمنيين العاملين في المنطقة الجنوبية للسعودية المتاخمة لليمن بعدم تجديد عقود عملهم. وقال محلل سعودي لوكالة رويترز إن إجراءات التسريح كانت مدفوعة باعتبارات أمنية في المناطق القريبة من الحدود مع اليمن، ولخلق فرص عمل للمواطنين السعوديين.
تستضيف السعودية أكثر من مليوني عامل يمني يرسلون ما قيمته مليارات الدولارات الأمريكية من التحويلات المالية إلى عائلاتهم سنويًّا، وهو ما يوفر شريان حياة لملايين الأشخاص في الوقت الذي دمرت فيه الحرب الاقتصاد اليمني، ويعد ذلك مصدرًا رئيسيًّا للنقد الأجنبي في البلاد.
وأعلن نائب وزير شؤون المغتربين في الحكومة اليمنية محمد العديل، في 21 أغسطس/آب، على تويتر، “عودة أعضاء هيئة التدريس اليمنيين في جامعات جنوب السعودية إلى أعمالهم”. وفي هذا الصدد، أشار الاتحاد العالمي للجاليات اليمنية بأن إعلان العديل عن عودة بعض الأكاديميين لأعمالهم في بعض المدن السعودية الجنوبية لم يكن كافيًّا، وأن استثناء عدد قليل من الأكاديميين من التسريح كان محاولة ضعيفة لتهدئة الغضب إزاء التسريح التعسفي للعمالة اليمنية في المملكة.
رئيس مجلس النواب يقول إن البرلمان سينعقد في سيئون
صرح رئيس مجلس النواب اليمني سلطان البركاني لصحيفة الشرق الأوسط بأن الاستعدادات جارية لعقد جلسات البرلمان في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت “في غضون أسابيع”. يُذكر أن البرلمان اليمني انعقد مرة واحدة فقط خلال فترة الحرب، في أبريل/نيسان 2019 بسيئون. اُختيرت المدينة، التي لا تزال خاضعة لسيطرة الحكومة، آنذاك، عوضًا عن عدن لتجنب أي مواجهات مباشرة مع المجلس الانتقالي الجنوبي. تعهدت الجماعة الانفصالية المدعومة إماراتيًّا، أواخر يوليو/تموز الماضي على ضوء زيارة البركاني إلى سيئون، بعرقلة أي محاولة لعقد اجتماعات برلمانية.
محكمة عسكرية تصدر حكم إعدام بحق قياديين حوثيين والسفير الإيراني
في 25 أغسطس/آب، أصدرت المحكمة العسكرية التابعة للحكومة أحكامًا بالإعدام بحق زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي و172 آخرين من قياديي الجماعة، فضلًا عن السفير الإيراني لدى اليمن حسن إيرلو، الضابط السابق في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والمقيم في صنعاء. حُكم عليهم بالإعدام رميًّا بالرصاص على خلفية دورهم في الانقلاب العسكري ضد الجمهورية في سبتمبر/أيلول 2014، والتجسس لصالح إيران إلى جانب ارتكاب جرائم حرب مختلفة. كما صنفت المحكمة العسكرية جماعة الحوثيين المسلحة منظمة إرهابية وأمرت بمصادرة ممتلكاتها ونقل أسلحتها ومعداتها إلى عُهدة وزارة الدفاع. تجدر الإشارة إلى أنه عام 2017، حكمت محكمة جنائية يديرها الحوثيون على الرئيس عبدربه منصور هادي وستة مسؤولين كبار آخرين في الحكومة بالإعدام بتهمة “الخيانة العظمى”.
التطورات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين
الحوثيون يحتجزون صحفيًّا
في 17 أغسطس/آب، عقب أسبوعين من اختفاء الصحفي اليمني يونس عبدالسلام من شوارع صنعاء، صرح محام بأن الصحفي المفقود محتجز لدى الأجهزة الاستخباراتية التابعة للحوثيين. وقال المحامي عبدالمجيد صبرة، المقيم في صنعاء والمدافع عن عشرات الصحفيين اليمنيين الذين اختطفهم الحوثيون خلال الحرب، إن عبد السلام يعاني من الاكتئاب منذ احتجازه العام الماضي من قِبل قوات الحزام الأمني في عدن، ومن المرجح أن تسوء حالته النفسية في قبضة الحوثيين.
عقد جلسة استماع في المحكمة لفنانة معتقلة
في 22 أغسطس/آب، عقدت محكمة تابعة للحوثيين في صنعاء جلسة الاستماع السابعة للممثلة وعارضة الأزياء اليمنية انتصار الحمادي، التي اعتقلتها سلطات الحوثيين في 20 فبراير/شباط. ولم تتمكن الحمادي من حضور الجلسة “بسبب اندلاع أعمال شغب في قسم النساء في سجن صنعاء المركزي، حسبما ذكر موقع يمن فيوتشر الإخباري. هذا ومنعت سلطات الحوثيين أي تغطية إعلامية للقضية في أعقاب تعرضها لضغط من الرأي العام للإفراج عن الشابة، حسبما ذكرت مصادر لـ”يمن فيوتشر.”
وثائق تحدد عقوبة سجن، وغرامات للفنانين الذين يحيون حفلات الزفاف
في منتصف أغسطس/آب، نصت وثيقة تداولتها مواقع الإنترنت مُوقعة من سلطات الحوثيين في مديرية الزيدية بمحافظة الحديدة منع الفنانين من إحياء حفلات الأعراس في المديرية وفرض غرامة قدرها 500 ألف ريال يمني والسجن 20 يومًا لمخالفي هذا القرار. كما حظرت الوثيقة قصات الشعر “الشاذة المتفشية في أوساط الشباب”. وبررت سلطات الحوثيين الحظر، الذي يأتي على غرار حظر مماثل مفروض في محافظات المحويت وصنعاء وعمران منذ يونيو/حزيران، باعتباره محاولة للحفاظ على الهوية الدينية.
التطورات على الساحة الدولية
الرئيس الإيراني الجديد والحوثيون يؤسسون علاقات بسرعة
في 4 أغسطس/آب، أعلنت قناة المسيرة الإخبارية التابعة للحوثيين أن الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، استقبل وفد الجماعة برئاسة المتحدث الرسمي محمد عبدالسلام، في “أول اجتماع رسمي له” مع وفد أجنبي. وسافر وفد الحوثيين إلى طهران كممثلين عن رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط للمشاركة في مراسم أداء اليمين الدستورية للرئيس الإيراني المعروف بمواقفه المتشددة.
تلى ذلك تهنئة وزير خارجية حكومة الحوثيين هشام شرف، في 25 آب/أغسطس، لحسين أمير عبداللهيان على تعيينه وزيرًا للخارجية في حكومة رئيسي. ودعا شرف إلى تعزيز التواصل والتعاون بين الحكومتين موجهًا دعوة إلى نظيره الإيراني لزيارة اليمن.
السفير البريطاني الجديد في اليمن يباشر عمله
في 5 أغسطس/آب، أعلن السفير البريطاني الجديد لدى اليمن، ريتشارد أوبنهايم، على تويتر عن تقديمه نسخة من أوراق اعتماده إلى وزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك. وكانت هذه أول تغريدة لأوبنهايم منذ يناير/كانون الثاني، عندما أُعلن عن تعيينه خلفًا للسفير المنتهية ولايته، مايكل آرون. شغل أوبنهايم، قبل تعيينه سفير لدى اليمن، منصب نائب السفير البريطاني في الرياض لمدة ثلاث سنوات.
الدوحة تستأنف علاقاتها الدبلوماسية مع الرياض
في 11 أغسطس/آب، عينت قطر سفيرًا لها لدى السعودية، بعد أربع سنوات من قطع العلاقات السياسية والتجارية وحظر الرحلات الجوية بين البلدين. وسبق للسفير القطري الجديد في الرياض بندر محمد العطية أن شغل منصب سفير الدوحة لدى الكويت ولعب دور وسيط في حلّ النزاع الخليجي. اندلعت هذه الخصومة منتصف عام 2017 بين السعودية والإمارات ومصر والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى على خلفية اتهام الأخيرة بدعمها للجماعات الإسلامية التي تعتبرها الدول الأخرى إرهابية.
تجدر الإشارة إلى أن الرياض عينت سفيرًا لها لدى الدوحة في حزيران/يونيو. كما استأنفت الإمارات، التي لعبت دورًا محوريًّا في التدخل العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، علاقاتها التجارية والرحلات الجوية مع الدوحة، غير أن العلاقات الدبلوماسية لم تستأنف بعد.
تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يهنئ طالبان بشأن سيطرتها على أفغانستان
في 18 أغسطس/آب، هنأ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب حركة طالبان على “الفتح” والنصر الذي حققته في أفغانستان. وفي بيان من صفحتين، قال التنظيم إن النصر يثبت أن الجهاد، وليس الديمقراطية وغيرها من الوسائل السلمية، هو السبيل لتحقيق الأهداف السياسية.
تطورات الحرب
أبوبكر الشماحي
تركز القتال حول مأرب وشبوة والبيضاء
كانت المحافظات المتجاورة، مأرب والبيضاء وشبوة، ساحة رئيسية للمعارك بين الحكومة اليمنية وقوات الحوثيين في شهر أغسطس/آب، مع عدم إحراز كلا الطرفين أي تقدم يذكر. يشكل تصاعد القتال في شبوة مصدر قلق للحكومة اليمنية، حيث تعد المحافظة واحدة من المعاقل القليلة المستقرة الخاضعة لسيطرتها. تركزت الاشتباكات في نفس المناطق في شبوة منذ يوليو/تموز عندما اندلعت نتيجة تداعيات القتال في البيضاء – وهي المناطق الحدودية الوعرة بين المحافظتين، وفي مديرية بيحان غربي شبوة.
يتمتع كلا الجانبين بمكامن قوة يبدو أنها توازن بعضها في الوقت الراهن. شكلت الأراضي التي استولى عليها الحوثيون في شهر يوليو/تموز في مديريتي ناطع ونعمان الجبليتين في البيضاءة مواقع ترصُّد استراتيجية لقواتهم، الأمر الذي سمح لهم بقصف المواقع الحكومية اليمنية في شبوة. ولكن دفعت أهمية محافظة شبوة، لا سيما حقول النفط والغاز، بالتحالف بقيادة السعودية إلى التحرك لدعم القوات الحكومية وصدّ الحوثيين.
سيُمثل أي تقدم عسكري في شبوة انتصارا معنويا للحوثيين، وسيسمح لهم بتهديد حقول النفط والغاز في المحافظة، ويوفر منفذ دخول إلى المحافظات الجنوبية الأخرى. كما أن السيطرة على أراضي في شبوة من شأنه أن يخدم الحوثيين بشكل جيد في أي مفاوضات مستقبلية لوقف إطلاق النار. الهدف الآخر لهجمات الحوثيين على شبوة هو قطع خطوط إمدادات الحكومية اليمنية بين شبوة ومأرب التي يشن الحوثيون فيها هجوماً أيضا. لن يمنع قطع خطوط الإمداد في شبوة وصول الإمدادات إلى القوات الحكومية في مدينة مأرب وما حولها فحسب، بل أيضا سيمنع وصول الإمدادات إلى مديريتي الصومعة ومسورة، اللتين يتم إمدادهما من شبوة عن طريق مديرية العبدية الجنوبية بمأرب.
الحوثيون يفتحون جبهة جديدة في مأرب رغم استمرار حالة الجمود
واصلت قوات الحوثيين هجماتها على القوات القبلية المتحالفة مع الحكومة في العبدية طوال شهر أغسطس/آب، في الوقت الذي كثفت فيه هجماتها أيضا على طول خطوط المواجهة مثل الكسارة والمشجع، غرب مدينة مأرب. وكما كان الحال في الأشهر السابقة، لم تحرز أي من قوات الجانبين تقدم عسكري، غير أن الحوثيين فتحوا جبهة جديدة في منتصف أغسطس/آب ضد القوات الحكومية في عزلة أراك، شمال وادي ذنة، في مديرية صرواح، غرب مدينة مأرب. وقد أدى قصف الحوثيين للقوات الحكومية في أراك المكتظة بالسكان إلى موجة نزوح للمدنيين، حسبما ذكر السكان المحليين ومسؤولي الأمن الحكوميين لمركز صنعاء.
القبائل تتفاوض على خروج قوات الحوثيين من قرى البيضاء
تراجعت حدة المعارك القتالية في محافظة البيضاء مقارنة بالوضع الذي كان عليه في شهر يوليو/تموز، رغم استمرار المواجهات في مديريات مثل الصومعة وولد ربيع بين قوات الحوثيين والقوات القبلية الموالية للحكومة. ولكن في 5 أغسطس /آب ، توصلت قبيلة ضريبة إلى اتفاق مع الحوثيين يقضي بانسحاب قوات الحوثيين من قرى حلان وزلقة وريمة في مديرية ناطع، مقابل تعهد من القبيلة بمنع القوات الحكومية من التمركز في تلك المناطق، حسبما أفاد به السكان المحليين.
الحوثيون يقصفون قاعدة العند مجدداً في لحج، ومقتل العشرات
لا تزال الهجمات الصاروخية البعيدة المدى التي يشنها الحوثيون على مناطق يمنية أخرى بعيدا عن خطوط المواجهة تشكل تهديداً على القوات الحكومية والقوات المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية. في 29 أغسطس/آب، شن الحوثيون هجوماً على قاعدة العند في لحج، إحدى أهم القواعد العسكرية اليمنية، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 40 جنديا وإصابة نحو 60 آخرين. وأكدت مصادر متعددة استخدام الصواريخ الباليستية أثناء الهجوم، في حين أفاد جنود في القاعدة أيضا أنهم سمعوا ما بدا وكأنه صوت طائرة بدون طيار تحوم فوق المنطقة في الليلة التي سبقت الهجوم، مما يشير إلى احتمال وجود نشاط استطلاعي. يذكر أن العديد من الجنود القتلى هم أعضاء في اللواء الثالث عمالقة، المُشكل في معظمه من مقاتلين سلفيين وقبليين غالبيتهم من المحافظات الجنوبية، بما في ذلك من قبائل الصبيحة في لحج.
يُنظر إلى هذا اللواء، بقيادة عبد الرحمن اللحجي، على أنه موال للحكومة، حيث أُجبر على الانسحاب من ساحل البحر الأحمر إلى لحج بعد رفض اللحجي اتّباع شخصيات موالية للإمارات مثل طارق صالح. وكان خصوم اللحجي في صفوف القوات المشتركة التي يدعمها التحالف بقيادة السعودية قد عينوا قائد جديد للواء الثالث عمالقة، والذي كان في طريقه إلى قاعدة العند قبل وقوع الهجوم.
هذا وأفادت التقارير بأن الصواريخ أطلقت من مديرية الحوبان في شرق محافظة تعز الخاضعة لسيطرة الحوثيين. تجدر الإشارة الى أنه في يناير/كانون الثاني 2019، شن الحوثيون هجوما على قاعدة العند الجوية بطائرة بدون طيار محملة بالمتفجرات، ما أسفر عن مقتل عدد من القادة العسكريين خلال مشاركتهم في عرض عسكري.
القوات الموالية لحزب الإصلاح تؤجج اضطرابات مدنية عنيفة في تعز
لا تزال المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في تعز تعج بالنشاط الإجرامي وعدم الاستقرار، وغالباً ما يُلقى باللوم على القوات الحكومية. وكان اللواء 170 دفاع جوي، وهو جزء من محور تعز العسكري الموالي للإصلاح، في قلب العديد من حوادث العنف التي وقعت في مدينة تعز طوال شهر أغسطس/آب. ففي 10 أغسطس/آب، لقي سبعة أشخاص، بينهم طفل، حتفهم خلال اشتباكات اندلعت بعد أن حاول قائد ميداني تابع للّواء الاستيلاء على أرض غربي مدينة تعز، وفقا لما ذكرته مصادر محلية وتقارير إعلامية.
هذا ولقي القائد الميداني، ماجد الأعرج، حتفه خلال الاشتباكات التي وقعت بعد أن فتح النار على أفراد من أسرة الحرق التي تمتلك الأرض. وكان من بين القتلى عصام الحرق، نائب مدير شرطة بير باشا. حاصر الحراس الشخصيين للأعرج المستشفى الذي كان يعالج فيه أفراد أسرة الحرق، كما اقتحموا منزل الأسرة.
لم ينجح إعلان مسؤولي الأمن في تعز عن بدء التحقيق في ملابسات الاشتباكات في كبح جماح العنف، حيث اندلعت اشتباكات مرة أخرى في 18 أغسطس/آب بين ضباط الشرطة الحكومية المسؤولين عن حماية منزل أسرة الحرق، ومسلحين تابعين لعيسى العجوز، وهو موال للإصلاح وعضو في قوات الأمن العام التابعة للحكومة. أسفرت الاشتباكات عن مقتل أحد مسلحي العجوز قبل فرار الأخير، حسبما أفادت به تقارير وسائل الإعلام المحلية.
من ناحية أخرى، اختطفت جماعة مسلحة بقيادة عبد الواحد القيسي، جندي في اللواء 170 دفاع جوي ، القاضي إبراهيم المجيدي في مدينة تعز في 28 أغسطس/آب، حسبما ذكرت مصادر محلية لمركز صنعاء.
أبو بكر الشماحي، هو باحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية.
مقالات
ما يستطيع اليمنيون تعلّمه من أفغانستان
في غضون أسبوع فقط، انتقلت طالبان من حركة تسيطر على بضعة أراض في أفغانستان إلى بسط السيطرة على كامل الدولة. جذب الانهيار السريع للحكومة الأفغانية أنظار العالم، وكان له صدى خاص لدى اليمنيين، الذين شهدوا انهيارًا مماثلًا عام 2014 حين سيطرت جماعة الحوثيين المسلحة على العاصمة صنعاء.
في أفغانستان، لاذ الرئيس أشرف غني بالفرار من البلاد بحقائب مليئة بالنقود، حسبما أفادت التقارير، وهو الأمر الذي نفاه. في اليمن، وُضع الرئيس عبدربه منصور هادي قيد الإقامة الجبرية واستقال من الرئاسة تحت وطأة الضغط قبل أن يفر من صنعاء ويدعو الدول المجاورة لليمن إلى التدخل عسكريًّا.
وكما هو الحال في أفغانستان، حيث اقتحم مقاتلو طالبان منازل المسؤولين الأفغان الأثرياء، استرجعت ذاكرة اليمنيين أيضًا المشهد ذاته حين اقتحم الحوثيون عام 2014 منازل أبرز خصومهم مثل حميد الأحمر وعلي محسن الأحمر. يزعم كل من الحوثيين وطالبان أن الحكومات التي أطاحوا بها حكومات فاسدة. وكلاهما لديه وجهة نظر.
كانت كل من حكومة غني الأفغانية وحكومة هادي اليمنية مدعومة من قوى خارجية، الولايات المتحدة في حالة أفغانستان، والسعودية في حالة اليمن. ربما لا ينبغي أن يكون من المستغرب وجود كلا الرئيسين في المنفى، وأن يعاني جيشا كلاهما من ظواهر مشتركة مثل الجنود الوهميين أو الجنود المدرجين مرتين في القوائم.
وأثار المشهد السائد في أفغانستان خلال الشهر الماضي عددًا من التساؤلات لدى اليمنيين بشأن حالة الحرب ومستقبل بلادهم.
بصفة عامة، انقسم اليمنيون إلى ثلاث فِرَق من خلال مراقبتهم للأحداث المتكشفة في أفغانستان. ينظر الحوثيون -إلى جانب بعض الشخصيات اليسارية- إلى انتصار طالبان باعتباره أحد أوجه المقاومة التي انتصرت على الاحتلال الأميركي. وهذا يتسق مع سردية “المقاومة” الإيرانية، التي تميل إلى تصوير كل ما يحدث في العالم على أنه صراع بين “الغرب” والمقاومة المحلية.
أما التحالف المناهض للحوثيين، فاعتبر أن استيلاء طالبان على السلطة هو الخطوة الأولى نحو جرّ أفغانستان مرة أخرى إلى حرب أهلية طاحنة وإلى الأيام المظلمة لحُكم طالبان الوحشي في تسعينيات القرن الماضي.
ولكن كان لجماعات أخرى من تلك المناهضة للحوثيين وجهة نظر أقل تشددًا تجاه طالبان، تدعي أن الحركة غيرت نهجها في العشرين عامًا التي انقضت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول والغزو الأميركي. يوالي الكثير من الذين يتبنون هذا الموقف تجاه طالبان جماعة الإخوان المسلمين الإقليمية. يعتبر حزب الإصلاح فرع الأخيرة الرئيسي في اليمن، ولكن الحزب نفسه لا يتبنى هذا الموقف رسميًّا تجاه طالبان. وعلى غرار الحوثيين، يرى الكثير من موالي جماعة الإخوان المسلمين في انتصار طالبان انتصارًا أفغانيًّا على الولايات المتحدة. ولكن على النقيض من الحوثيين، الذين يميلون إلى النأي بأنفسهم عن حركة طالبان، تدافع جماعة الإخوان المسلمين عن الحركة. هذا الموقف المتناقض لجماعة الإخوان -سواء في المنطقة أو في اليمن- يثير الدهشة بشكل خاص. فالجماعة ترفض سردية الحوثيين حول كونهم حركة وطنية تجابه عدوانًا خارجيًّا وتتهمهم بالانقلاب على مؤتمر الحوار الوطني (2013-2014) واستيلائهم على السلطة بالقوة، في حين يشيدون بطالبان للأمر نفسه.
اتخذت كل من هذه الفِرَق وجهة نظر معينة عن الأحداث في أفغانستان، واعتمدت كل منها نَهْج استخلاص الدروس من استيلاء طالبان على السلطة.
اعتبر التحالف المناهض للحوثيين انهيار الحكومة في أفغانستان جاء كنتيجة مباشرة للانسحاب الأمريكي غير المدروس وسنوات من الفساد في حكومة غني. وكانت النتيجة سيطرة ميليشيا دينية متشددة على البلاد. السؤال الذي يطرحه كثيرون في هذا الفريق الآن هو: ما الذي قد يحدث في اليمن إذا قررت السعودية الانسحاب فجأة؟ هل سيسيطر الحوثيون، مثل طالبان، على بقية البلاد في غضون أسابيع؟
بوسع المرء أن يجادل أن استيلاء طالبان على السلطة يُعزى إلى التدخل الأمريكي أكثر مما يُعزى إلى الانسحاب الأمريكي. فعلى مدى السنوات العشرين الماضية، أخفت طالبان إلى حد كبير طابعها العقائدي أو المذهبي، تحت عباءة المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الأجنبي. ويمكن قول الشيء نفسه بالنسبة للحوثيين، الذين استخدموا الحرب التي تقودها السعودية في اليمن لصالحهم، وتعاملوا مع التحديات الداخلية التي تواجه حُكمهم من خلال التركيز على وجود قوة خارجية تلقي القنابل باستمرار.
الدرس الذي استخلصه الفريق الموالي للحوثيين من الأحداث المتكشفة في أفغانستان هو أنه في حالة انتصار الحوثيين الكامل في اليمن، فإن الآلاف سوف يفرون من البلاد، كما حدث في أفغانستان. على غرار طالبان، يمثل الحوثيون طائفة وأيديولوجية معينة تحاول فرض آرائها على بقية المجتمع. هل يمكن للحوثيين الصمود أمام مثل هذا السيناريو لـ”هجرة الأدمغة” في اليمن؟ وهل يمكن لطالبان الصمود أمام ذلك في أفغانستان؟
يبدو أن ما تدركه كل هذه الفِرَق المنقسمة آراؤها في اليمن بعد رصدها للأنباء الواردة مؤخرًا من أفغانستان هو أن: ما حدث هناك يمكن أن يحدث هنا. فلا يمكن أن يستمر التدخل الأجنبي إلى الأبد، لا سيما عندما يعوقه حلفاء ضعفاء وفاسدون ينأون عن المجتمع الذي يزعمون أنهم يمثلونه.
في حال انسحاب القوات العسكرية السعودية، سيكون لدى الحوثيين القدرة على التوسع في جميع أنحاء اليمن، بما في ذلك مناطق ومدن الجنوب، حتى ولو توّهم بعض الجنوبيين بوجود خط أحمر دولي عندما يتعلق الأمر بالجنوب. وفي حال انسحب التحالف من اليمن، فإنه لن يعود مجددًا بسرعة.
وكما هو الحال في أفغانستان، فإن غياب الدعم الجوي الخارجي للقوات الموالية للحكومة سيتيح لجماعة الحوثيين ضمان النصر بسرعة. ولكن شأنهم شأن طالبان، سيتعين على الحوثيين فرض سلطتهم في مختلف أنحاء البلاد. لا يمكن الحُكم بعد على ما ستؤول إليه الأوضاع في أفغانستان، ولكن ثمة شك أن ينجح الحوثيون في تنفيذ مثل هذا المشروع السياسي باليمن.
يسيطر الحوثيون على المناطق القبلية الزيدية في الشمال، حيث تتمتع الجماعة بقاعدة شعبية. كما يسيطرون على بعض المناطق الشافعية مثل إب والحديدة، وكلاهما مناطق يسهل نسبيًّا الهيمنة والسيطرة عليهما. غير أن الوضع يختلف في المناطق القبلية السنية المحيطة بمأرب وشبوة، أو في المناطق الحضرية المُعقدة مثل تعز وعدن، وكذلك في المناطق الجنوبية مثل الضالع ولحج، حيث توجد مجتمعات محلية مسلحة وغاضبة إزاء أي محاولة من جانب الشماليين لفرض الهيمنة.
إن أي توسع عسكري للحوثيين في هذه المناطق لن يؤدي إلاّ إلى المزيد من المعارك القتالية. وسينضم الشباب إلى الجماعات المسلحة، التي قد تكون بعضها من الجماعات الدينية المتطرفة أو الجماعات الإرهابية. وسيشهد اليمن نوعًا من حركات التمرد الإقليمية المماثلة بطبيعتها للمعارك التي خاضها الحوثيون ضد نظام صالح بين 2004 و2010. غير أن هذه المرة، الحوثيون لن يكونوا هم المتمردين.
من نواح عديدة، تدق أفغانستان ناقوس الخطر لدى اليمنيين من جميع أطراف الصراع الحالي. سيُراود الفريق المناهض للحوثيين القلق بشأن مستقبلهم في حال انسحب السعوديون. وسيكون لدى الفريق الموالي للحوثيين نموذجًا لكيفية الاستيلاء السريع والسهل على دولة بأكملها. لكن من الأهمية بمكان أن يدرك كليهما أنه بقدر تردي الأوضاع في اليمن حاليًّا، فإن الأمور قد تنحدر للأسوأ -بالنسبة لجميع الأطراف وللشعب وللجميع.
التوازن الدقيق في سلوك المجلس الانتقالي الجنوبي
قبل ما يقرب من عامين، وتحديدًا في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وقّع المجلس الانتقالي الجنوبي على اتفاق الرياض، وهي الصفقة التي توسطت فيها السعودية وبموجبها وُضعت ترتيبات لتقاسم السلطة بين المجلس والحكومة المعترف بها دوليًّا بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي. منذ ذلك الحين، حاول المجلس الانتقالي الجنوبي إرضاء الجميع في شتى الجوانب، محاولًا الموازنة بين أربعة أدوار له متناقضة بطبيعتها: كيان سياسي رسمي يتقاسم السلطة مع الحكومة، وحركة ثورية مسلحة تسعى إلى إقامة دولة جنوبية مستقلة، ومعارضة شعبية تقود احتجاجات الشارع، وسلطة حاكمة بحُكم الأمر الواقع في بعض مناطق الجنوب.
في فترات زمنية مختلفة خلال العامين الماضيين، حاول المجلس الانتقالي الجنوبي الاضطلاع بدور أو أكثر من هذه الأدوار المتعددة. بعد التوقيع على اتفاق الرياض، تم الاعتراف به كطرف سياسي من قِبل حكومة هادي والسعودية. غير أن هذا لم يفضِ إلى مزيد من التلاحم السياسي في صفوف التحالف المناهض للحوثيين. ماطل كل من حكومة هادي والمجلس الانتقالي في تنفيذ الاتفاق، في ظل التشاحنات بينهم على الأدوار وحول ماذا يجب أن ينفذ أولًا من الاتفاق.
مع شعوره بالإحباط وتطلعه إلى فرض الحقائق على الأرض، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي أنه سيفرض الإدارة الذاتية في جميع المحافظات الجنوبية أوائل عام 2020. ورغم أنه لم يتمكن من الاستيلاء على كل المحافظات الجنوبية، نجح المجلس في السيطرة على عدن ولحج والضالع وسقطرى، إلى جانب مناطق في أبين حيث اشتبكت قواته في قتال عنيف مع القوات الموالية لهادي. بعد بضعة أشهر من المشاورات، تراجع المجلس الانتقالي عن سياسة التصعيد التي ينتهجها ووافق على إعادة الانخراط مع حكومة هادي لاستكمال تنفيذ اتفاق الرياض.
بعد أشهر، وتحديدًا في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، انضم المجلس الانتقالي الجنوبي رسميًّا إلى حكومة هادي، وقَبِلَ بخمسة مقاعد وزارية من أصل 22 إلى جانب منصب محافظ عدن. ولكن في غضون أشهر، دعا المجلس إلى احتجاجات ضد الحكومة أمام قصر معاشيق، مقر الأخيرة في العاصمة المؤقتة عدن تضامنًا مع مطالب العسكريين المتقاعدين. اقتحم المتظاهرون على إثره مقر إقامة رئيس الوزراء معين عبدالملك، الأمر الذي دفع الحكومة إلى الفرار من عدن.
في مايو/أيار 2021، دعا رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزُبيدي، الحكومة في خطاب متلفز للعودة إلى عدن. غير أن الزبيدي، وفي الخطاب نفسه، وصف نفوذ الحكومة في سيئون وشبوة والمهرة بـ”الاحتلال”، ودعا أنصاره إلى مواصلة احتجاجاتهم ضد السلطات المحلية هناك. ثم في يونيو/حزيران، أعلن الزُبيدي بشكل أحادي إعادة هيكلة قواته العسكرية والأمنية، ودمجها في قوات وزارتي الدفاع والداخلية. كما شَرَع بإنشاء قوات جديدة تحت مسمى مكافحة الإرهاب.
هذا ما كان عليه نهج المجلس الانتقالي الجنوبي خلال العامين الماضيين: تصعيد أعقبه خطوات تصالحية، في الوقت الذي يحاول فيه -أي المجلس- تقييم ما يمكن أن يتسامح معه المجتمع الدولي على وجه التحديد فضلًا عن مقدار الدعم الذي يحظى به على الأرض.
جزء من القضية المطروحة هو أن جميع هذه الخيارات لا تحقق للمجلس الانتقالي الجنوبي طموحه. أدى الانضمام إلى حكومة هادي -كجزء من اتفاق الرياض- إلى تخفيف الضغط عن كاهل السعودية، غير أن المجلس لا يتمتع سوى بسلطة محدودة داخل الحكومة. ولا تزال عملية صنع القرار محتكرة من قِبَل الرئيس هادي وحلفائه من حزب الإصلاح. ونتيجة لذلك، عاود المجلس الضغط على هادي من موقع المعارضة. غير أن المجلس، شأنه في ذلك شأن دوره داخل الحكومة، أضعف من أن يحقق أهدافه السياسية رغم أنه قوي بما يكفي لفرض بعض التغييرات.
نجحت الوساطة السعودية في نزع فتيل التوتر في شبوة وأبين، لكنها لم تغير الديناميكيات في الجنوب. يؤمن الجانبان -أي المجلس الانتقالي وهادي- بقدرة كل منهما على تحقيق أهدافهما على المدى الطويل، وعلى هذا الأساس شَرع كل منهما في خوض حرب استنزاف مع الآخر. وكل هذا يأتي بطبيعة الحال على حساب إنعاش مؤسسات الدولة، ومحاربة الحوثيين، والتخفيف من حدة الانهيار الاقتصادي المستمر. إن المجلس وهادي منشغلان للغاية بالتخطيط ضد بعضهما؛ بحيث لا يمكن أن يشكلا جبهة موحدة.
كما أدت الأدوار المتعددة والمتناقضة للمجلس الانتقالي إلى تقويض قدرته على تصوير نفسه كسلطة حاكمة بديلة تتمتع بمقومات النجاح، وهددت بتراجع قاعدته الشعبية، لا سيما في عدن. أدرك المجلس مؤخرًا هذه المخاطر وسارع إلى معالجتها بمزيد من الإجراءات المستقلة، لا سيما في مجال الاقتصاد والسلك القضائي.
فخلال الشهرين الماضيين، عقد الزُبيدي اجتماعات مكثفة مع اللجنة الاقتصادية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي وجمعية الصرافين الجنوبيين في محاولة للحد من المضاربة بالعملة. وفي سياق مماثل، وفّر المجلس غطاءً سياسيًّا لـ”نادي القضاة الجنوبي” -وهو تجمّع نقابي يتكون من أعضاء السلطة القضائية- وأوعز إلى جميع وحداته الأمنية في فبراير/شباط 2021 بالاستجابة لدعوات النادي بتعليق عمل المحاكم في العاصمة المؤقتة احتجاجًا على قرار الرئيس هادي بتعيين نائب عام موالِ لحزب الإصلاح. غير أن هذا التصعيد تسبب بشلل تام في الحياة العامة في المناطق الخاضعة لسيطرة المجلس، واضطر نادي القضاة الجنوبي إلى إنهاء إضرابه في منتصف أغسطس/آب. دعم المجلس الانتقالي في أغسطس/آب النادي في إنشاء الهيئة العليا لإدارة شؤون السلطة القضائية، هيئة قانونية مكلفة بالإشراف على السلطة القضائية في عدن، وهو ما سيُضفي على الأرجح مزيدًا من التعقيد على العلاقة بين الأجهزة الرسمية للدولة والمؤسسات الموازية للمجلس الانتقالي.
يحاول المجلس أيضًا تعزيز السلطات المحلية في عدن، والتي تتبع محافظ عدن أحمد لملس، المسؤول في المجلس الانتقالي، كي يملأ الفراغ الناجم عن غياب الحكومة. ويجري بذل جهود مماثلة على الصعيد العسكري، حيث يحاول المجلس إنشاء قنوات مستقلة للتمويل الذاتي للتعامل مع واقع انقطاع المرتبات من قِبل السعودية والحكومة اليمنية لمدة سنة تقريبًا.
على المجلس الانتقالي الجنوبي أن يحرص بألّا يتمادى كثيرًا. فهو لا يرغب في إثارة غضب السعودية دون داع، والتي ما تزال تمارس نفوذًا كبيرًا عليه، ولا يريد تنفير المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى درجة قد يخسر فيها فرصة الاعتراف به في نهاية المطاف كممثل عن الجنوب في أي مفاوضات سياسية. يسعى المجلس إلى أن يُنظر إليه باعتباره جزءًا من حلّ مشكلة اليمن. وهذا يعني أن يتعين عليه التعامل بحرص مع هادي، وأن يبقى في حكومته ويمنحه بعض الدعم الرمزي، ولكن دون التنازل عن هدفه الأساسي المتمثل في إقامة دولة جنوب مستقلة. وبالتالي، سيواصل المجلس نهجه المعتاد: أي اتخاذ خطوة في اتجاه معين ثم خطوة أخرى في الاتجاه المعاكس. كل هذا بهدف عدم تنفير الجمهور الدولي أو المحلي أكثر مما ينبغي.
أما معيار نجاح المجلس في سياسته الراهنة فيرتبط بمحددين أساسيين: قدرته على الصمود كفاعل رئيسي في معادلة الصراع اليمني -وهو ما تحقق نسبيًّا في الجنوب رغم تنامي التهديدات العسكرية والسياسية من حوله- وقدرته على التحول إلى نموذج حكم يجذب الدعم الشعبي في مناطق سيطرته ولاسيما في العاصمة المؤقتة عدن. يواجه المجلس صعوبات حقيقية في هذا الجانب إذ لم يعد ممكنًا فصل نجاحه المنفرد عن نجاح الحكومة اليمنية، أو النأي بنفسه عن تداعيات الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه الدولة اليمنية.
أصدقاء مع أطراف متعادية: محاولات حماس للتنقل بين الإصلاح والحوثيين
أواخر مايو/أيار المنصرم ومع اشتداد الهجوم الاسرائيلي العسكري على قطاع غزة، تناكف القيادي الإصلاحي محمد الحزمي مع القيادي الحوثي، حسين العماد، على تويتر بعد أن استنكر الحزمي تبرع الحوثيين لفلسطين بالمال، زاعمًا أن الحوثيين لصوص نهبوا ماله وممتلكاته ومال وممتلكات غيره في صنعاء. رد عليه القيادي الحوثي بأن أموال القدس عادت للقدس، في تلميح إلى أن الحزمي اكتسب أمواله من التبرعات التي كان يجمعها في مسجده من أجل فلسطين.
كشف تبادل الاتهامات هذا بين قيادي حوثي وإصلاحي كيف أن الأطراف اليمنية غالبًا ما تستغل محنة الفلسطينيين لخدمة أهدافها المحلية. تكسب التيارات السياسية المختلفة التأييد الشعبي محليًّا عبر تأييدها للقضية الفلسطينية التي تحظى بشعبية كبيرة في اليمن. تاريخيًّا، هي القضية الوحيدة التي يدعمها اليمنيون على اختلاف توجهاتهم السياسية حيث غالبًا ما توحدوا حولها أكثر مما توحدوا حول قضاياهم الوطنية.
بعد طرد منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عام 1982، سمح الرئيس اليمني آنذاك علي عبدالله صالح بإنشاء معسكرات لقوات فتح جنوب العاصمة صنعاء. استمر مختلف الفاعلين اليمنيين في التنافس لتصوير أنفسهم على أنهم مناصرون للقضية الفلسطينية بهدف كسب الدعم الشعبي. على سبيل المثال، لطالما كان تدمير إسرائيل جزءًا من الشعار الرسمي للحوثيين. غير أن الاستثناء الأبرز هو المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أدلت بعض قياداته بتصاريح تبدو مؤيدة لتطبيع الإمارات علاقاتها مع إسرائيل.
ولكن كحال الكثير من الفاعلين الخارجيين، واجهت حركة حماس صعوبة في إدارة علاقاتها باليمن خلال النزاع الحالي، حيث فُسرت تصرفات الحركة على أنها منحازة لطرف ضد آخر، الأمر الذي عرّض شعبيتها في اليمن للخطر. في البدء اعتُبرت حماس داعمة للحكومة المعترف بها دوليًّا، ما أثار غضب الحوثيين. ولكن مؤخرًا، بدت الحركة أكثر قربًا من الحوثيين، ما أثار استنكار حزب الإصلاح وغيره من الأطراف اليمنية.
استُقدم معلمون فلسطينيون من الإخوان المسلمين لليمن منذ السبعينيات للتدريس في المعاهد العلمية التي مثلت نظام تعليم موازي أداره الإخوان المسلمون في السبعينيات والإصلاح في التسعينيات. كما كان هناك بعض المدربين والخبراء العسكريين الفلسطينيين الذين عملوا في جيشي اليمن الشمالي والجنوبي، ورجال أعمال فلسطينيين أثرياء أداروا شركات في صنعاء وعدن. وبحلول الوحدة اليمنية عام 1990، فُتحت سفارة فلسطينية بصنعاء.
عمل مكتب حماس وكأنه يمثل دولة مستقلة حيث تواصل مباشرة مع الحكومة اليمنية، وحظيت حماس بدعم مباشر من حزب الإصلاح ورئيسه الشيخ عبدالله الأحمر شديد النفوذ، والذي كان حينها رئيس مجلس النواب اليمني وشيخ مشايخ قبيلة حاشد. وكغيره من اليمنيين البارزين، رأس الأحمر أيضًا جمعية لدعم القضية الفلسطينية.
بعد الانتفاضة الثانية عام 2000، وصعود السياسي محمود عباس، الذي يُنظر إليه بشكل عام على أنه شخصية باهتة في الساحة الفلسطينية، انخفضت شعبية فتح في اليمن بشكل كبير. وعندما فرضت إسرائيل حصارها على قطاع غزة عام 2010، شاركت قيادات من حزب الإصلاح مع مئات الأشخاص في الإبحار نحو القطاع على متن أسطول الحرية، الذي تكون من ست سفن، في محاولة لكسر الحصار. ومن أبرز هذه القيادات، محمد الحزمي الذي كان نائبًا عن الإصلاح في البرلمان حينها.
وعلى مر السنوات، حافظت حماس على آليات للتواصل باستمرار مع آلاف الفلسطينيين الذين يعيشون في اليمن، حيث وزعت لهم سلالًا غذائية خلال شهر رمضان وأضاحي في عيد الأضحى. كما قدمت مساعدات علاجية ومعيشية لبعضهم.
ولكن، بدأ الكثير من الفلسطينيين بمغادرة اليمن عقب الانتفاضة التي شهدتها البلاد عام 2011. وفي بداية الحرب الحالية في اليمن، حاولت حماس دعم الفلسطينيين في اليمن عبر توزيع مبالغ نقدية صغيرة على العائلات. وكمعظم الجماعات الخارجية، وجدت حماس نفسها بعد فترة وجيزة في خضم الحرب اليمنية. أغلق الحوثيون بعد استيلائهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014 مكتب حماس هناك بسبب علاقة الأخيرة بحزب الإصلاح. غادر ممثل حماس صنعاء بعد بضعة أشهر، في مارس/آذار 2015، عندما شن التحالف العربي عملية عاصفة الحزم في اليمن.
وخلال العقد الماضي، أدى دعم حماس للاحتجاجات الشعبية خلال الربيع العربي وعلاقتها بإيران إلى تآكل الدعم الذي تحظى به من قِبل القوى الإقليمية. عام 2018، اعتقلت السعودية بعض أعضاء حماس الذين يقطنون في المملكة. ومن بين داعميها العرب السابقين، وحدها قطر استمرت بدعم حماس بنشاط.
ولكن في السنوات الأخيرة، قلصت حماس من خطابها المعادي لنظام الأسد في سوريا، وهو حليف إيران، وزادت من تنسيقها وتعاونها مع حليف إيران الآخر، حزب الله. شجعت إيران هذا النوع من العلاقة المباشرة بين مختلف حلفائها في المنطقة. بدا هذا الهدف المشترك مع طهران عند اغتيال واشنطن للجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، في يناير/كانون الثاني عام 2020، حيث رفعت حماس صوره في أنحاء قطاع غزة. وفي نفس الوقت رفع الحوثيون صور سليماني في شوارع صنعاء، وفعل حزب الله الأمر نفسه في لبنان.
وخلال المواجهات الأخيرة بين حماس وإسرائيل، جمعت جماعة الحوثيين تبرعات مالية لحماس ونظمت مسيرات لدعمها. وتبرع محمد علي الحوثي بخنجره (الجنبية اليمنية الشهيرة والثمينة) للمقاومة الفلسطينية. ورد القائم بأعمال ممثل حماس في اليمن معاذ أبو شمالة الجميل لمحمد علي الحوثي عبر منحه، وبشكل علني، درعًا تكريما لموقف جماعة الحوثيين الداعم لحماس. استنكر حزب الإصلاح وغيره من الأطراف في التحالف اليمني المناهض للحوثيين هذا التكريم، وقالوا إن حماس لا تستطيع دعم الإصلاح وعدوها اللدود في الوقت نفسه. ردت حماس في بيان وقالت إن تصرف أبو شمالة “موقف شخصي لا يعبر عن الحركة وقيادتها بأي حال من الأحوال”.
استغلت جماعة الحوثيين مؤخرًا هذا التقارب الواضح من حماس لإحراج الرياض، في محاولة لإظهار الأخيرة على أنها ضد القضية الفلسطينية. وصرح زعيم جماعة الحوثيين، عبدالملك الحوثي، في أغسطس/آب 2021 بأن جماعته مستعدة للإفراج عن أسرى سعوديين ويمنيين لدى جماعته مقابل إفراج الرياض عن قيادات حماس المعتقلة لديها.
بشكل عام، لا يعني تقارب حماس مع الحوثيين في اليمن بالضرورة تخليها عن علاقتها بحزب الإصلاح والإخوان المسلمين. ففي المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحوثيين، تستمر حماس بالتواصل والتفاعل مع حزب الإصلاح وغيره من المؤيدين. ولكن استئناف الحركة لعلاقتها مع الحوثيين يقوّض من شعبيتها، فعلى سبيل المثال، استنكر حزب الإصلاح هذا الانحياز. وبالتطلع إلى المستقبل، تواجه حماس مسارًا صعبًا في اليمن للبقاء صديقة مع أطراف متعادية.
هذه المقالة هي جزء من سلسلة إصدارات لمركز صنعاء تسلط الضوء على أدوار الجهات الحكومية وغير الحكومية الأجنبية الفاعلة في اليمن.
تحت المجهر
احتجاج الجدران
ذي يزن العلوي
منذ سنوات وأنا أرسم على جدران صنعاء. أطلقت أول حملة فنية “كاريكاتير الشارع” عام 2012 حين كنت طالبًا في الثانوية. كنت أدخر من مصروفي الخاص لأرسم في الشارع وأعبر عن رأيي وأعكس ما يقوم به شباب ثورات الربيع العربي. سلطت هذه الجداريات الضوء على العديد من القضايا، مثل السياسة، وجرائم تنظيم القاعدة، والمجاعة، والرقابة، والتي تؤثر عليّ بشكل مباشر كفرد في المجتمع وكفنان.
ومع الوقت، ألفت أناملي الفرشاة حتى أصبحت أصبعًا سادسًا في يدي. وأدمنت رائحة الألوان. كنت أقف لساعات أرسم بيد مثقلة الحلم بحرية التعبير والتغيير. كل لون يعني لي الكثير. الخطوط والنقاط والحركات كلها شكلت وعيي أكثر بأهمية الفن وكيف أعكس الواقع في الجداريات.
مؤتمر الحوار الوطني
في بداية عام 2014، بدأ المارة يتوقفون ليسألوني ماذا أرسم؟ كنت أجيب بحماس المبتدئ: أعبر عن نفسي بالكاريكاتير عن انطلاق مؤتمر الحوار الوطني الشامل، عملية الانتقال التي بدأت العام الماضي عقب الثورة. كانت رسوماتي حلمًا لحل مشاكل اليمن العالقة منذ عقود. اعتقد البعض أن الجدارية مثلت نظرة تشاؤمية، إذ تنبأت بفشل الحوار من خلال متابعتي للوضع حينذاك. كان المجتمع الدولي يتعامل مع تلك المرحلة في اليمن بطريقة مستهترة ومتسرعة حيث تجاهل الصراع الذي كان يحدث خارج قاعات المؤتمر.
جرعة فن وحياة
بعد أن اقتحم الحوثيون صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، أطلقت حملة فنية واجتماعية جديدة في الشارع اسميتها “فن وحياة” بهدف توطيد السلم المجتمعي حيث رسمت واحدًا وعشرين وجهًا لأبرز المطربين اليمنيين، لتكريمهم وتكريم إرثهم الفني والثقافي. رسمت الصور أولًا على ورق ثم باللون الأسود على الجدران. تجمع الكثير من الأصدقاء والمارة وساعدوني في تلوين الوجوه بألوان الفن والحياة. كانت ضحكاتنا تتعالى في الشارع ونحن نوثق مرحلة فنية مهمة في تاريخ اليمن المعاصر. كان كرنفال ألوان يحتفل بتلك الشخصيات التي ما تزال تطربنا حتى يومنا هذا. أصوات هؤلاء المطربين جزء لا يتجزأ من الذاكرة المجتمعية والتراث الثقافي لليمنيين سواء في الحقول أو المناطق الريفية أو شوارع المدينة. شعرت أن من واجبي كفنان أن أوثق هذا الأمر الذي نفتخر به والذي يجب حمايته ونشره في كل مكان.
ثورة سلمية على الجدران
ولاحقًا في ديسمبر/كانون الأول 2014، رسمت جداريات في شارع القيادة توثق شعارات ومطالب الشباب المدنية. لهذه الشعارات قيمة سوف تظل موجودة رغم تغيرات الوضع السياسي في البلاد. كانت خيام وساحات الثورة قد أصبحت خالية، ولكن هذه الجداريات كانت بمثابة توثيق للاحتجاجات السلمية التي غيرت اليمن. وكنت أقول حينها: “إذا صمت صوت الشباب في الشارع فسوف تظل الجدران تتحدث”. وما زلت أؤمن بذلك. كانت حملة “كاريكاتير الشارع” شاهدة على الوضع منذ عام 2012 وحتى سبتمبر/أيلول 2014، مرحلة اتسمت بمشاركة الشباب في الكثير من المجالات وحرية الرأي والتعبير.
يمن جديد “مقسم”
شعرت بالمسؤولية الملقاة على عاتقي منذ استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014. ولم يكن الحوثيون هم الأمر الوحيد الذي أثار مخاوفي خلال تلك الفترة. خرجت قبل أسبوعين من انطلاق عاصفة الحزم في مارس/آذار 2015 لرسم جداريات في شارع السبعين عن موضوع التدخلات الخارجية في اليمن. رسمت شخصيتين باردتين تحركان قطعتي شطرنج على الرقعة التي رسمتها على شكل خريطة اليمن ومقسّمة إلى مربعات. ولم أكن أعلم حينها أني كنت اتنبأ بتدخل خارجي جديد سيمزق بلدي.
جفت الصحف ووضعت الألوان
توقفت لفترة عن الرسم، ولم أعد أعرف كيف استأنف نشاطي الفني. ففي الأشهر الأولى من شن عملية عاصفة الحزم، أصبحت صنعاء مدينة أشباح. الشوارع مهجورة. والناس خائفين. كان الصمت أكثر ما يثير بي الرعب. لم يعد هناك مساحة للفن أو للحياة بعد أن دارت رحى الحرب. بدت القضايا التي كنت أرسم عنها هامشية أمام القضايا الأخرى كالمجاعة والنزوح والموت المستمر. تغيرت الحياة اليومية من كل النواحي. لم تعد المدينة متسامحة مع أي صحف أو آراء مخالفة لجماعة الحوثيين.
وكما تختار الحرب ضحاياها، تختار أيضًا تجارها. وكنت أتساءل كيف يمكنني كرسام أن أحافظ على سطوع ألواني وألّا أغرق في اليأس أو الكراهية. كيف يمكنني أن استمر بالرسم استنادًا إلى شعاري بأن الفن جزء من حياتي اليومية؟ كيف سأتمكن من تجسيد المعاناة الإنسانية التي أصابتنا؟
كنت أتساءل أحيانًا كيف أرسم والناس يتضورون جوعًا وسألت نفسي هل سيشكل فني أي فارق؟ لم أعرف الجواب، ولكنني كنت أعرف أنه يجب عليَّ أن أرسم وأوثق ما أراه. أخذت أفكر كيف استأنف الرسم. بما أن كل الصحف كانت قد مُنعت في صنعاء، قررت إعادة إنتاج الجريدة وتحويلها إلى ملصق احتجاجي. بحثت عن الجرائد في الأكشاك والمحال التي اعتادت بيع الصحف إلى أن وجدت جرائد صالحة لأعيد استخدامها كأقمشة رسم لفني.
عندما بدأت الرسم لأول مرة، كان هدفي أن أخرج للشارع لأعبر عن رأيي واستمتع بالرسم. أما اليوم، فعندما أخرج للشارع، أخبئ الألوان في حقيبتي وينتابني الخوف من أن يتم اعتراضي. اليمن مليء بأحداث وجرائم وقصص يجب ألا ينساها العالم. الفن واجب. يجب أن أوثق ما أعيشه. كل لحظة أعيشها أشعر بوجوب توثيقها للمستقبل. يومًا ما ستنتهي الحرب. قد تعود الجدران لما كانت عليه وسينسى العالم ما مررنا به وعشناه. أتمنى أن تبقى هذه الجداريات وغيرها من الأعمال الفنية لتحكي ما عانيناه نتيجة هذه الحرب وسط صمت العالم.
ذي يزن العلوي، هو مشارك في منتدى سلام اليمن التابع لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، وهو فنان يمني أطلق عدة حملات ومشاريع فنية في شوارع اليمن منذ عام 2012.
فنون وثقافة
استعراض كتاب
مُختفون: عن اليمن واليمنيين والاختطاف
استعراض لكتابيّ: الظلام الدامس: رهينة أمريكي في اليمن، سام فران (وبنيامين بوشولز) ولا تنسونا هنا: المفقود والموجود في غوانتانامو ، بقلم منصور الضيفي
برايان أونيل
يمني في أفغانستان يغرق في ظلمات الثقب الأسود في غوانتانامو، وأمريكي في اليمن يختفي في سجن يديره فجأة مسلحون حوثيون. قصتان وشخصان مختفيان، لكلٍ منهما طريقة وقصة مختلفة. هذا هو الشيء المبهر في الاختفاء: الغياب المفاجئ للقصص.
هذا هو أحد أسباب كون الاختفاء أمر مرعب جدًا، فجأة تنتهي قصتك، ولا تُروى إلا من قِبل الآخرين. وبالتالي بالنسبة للمختفين والمعتقلين والمسجونين يُعد من المهم فرض رواياتهم وقصصهم في الحياة.
يخبرنا هنا شخصان مختلفان اختفيا في ظروف وبطرق مختلفة عن حاجة المختفي إلى رواية قصته وكيفية اختفائه. اعتُقل سام فران جندي المارينز السابق والمستشار الأمني الخاص حاليًّا في صنعاء من قِبل جماعة الحوثيين المسلحة لسبعة أشهر، في حين احتُجز منصور الضيفي، وهو يمني اعتُقل في أفغانستان، في غوانتانامو لـ 14 عامًا.
قصتهما مختلفتان للغاية، فأحدهما شخص سحقته قوة بعيدة قائمة على “الحرب العالمية على الإرهاب” واعتُقل من قِبل الدولة الأقوى في العالم دون أي أسباب أو مبررات قانونية. أما الآخر فهي قصة شخص كان متعودًا على ممارسة تلك القوة وأصبح عاجزًا فجأة. كلا القصتين مليئتان بالرعب، ولكن رعب كل منهما كان له صدى مختلف تمامًا.
تختلف أصداء رعب كلًا من القصتين باختلاف الشعور بالقوة. فمن يمتلك القوة يمكنه رواية قصته الخاصة تمامًا كما يرغب، وجعل جميع من سواه شخصيات جانبية فيها. أما من لا يمتلك القوة فيتوجب عليه السعي جاهدًا لفهم ما يحدث له، حتى لو جُعل عالمه صغيرًا ومظلمًا ومليئًا بالعنف. وفي هذا الجانب لا يختلف الأمر عن قيام وسائل الإعلام الغربية بالتركيز على سياسة الحرب في اليمن أو أفغانستان متجاهلة الدمار البشري الذي تخلفه تلك الحرب.
هذه، إذن، هي قصص حول الحرب وعواقبها. قصص تدور حول من جرفتهم الحرب في حطامها. قصص تدور حول من يعتبر مهمًّا، ومن يعتبر غير مهم، قصص تتعلق في نهاية المطاف بكيف يمكن للقوة حياكة قصص خاصة حتى عن أولئك الذين كانوا في وقت ما – وإن كان لوقت وجيز- عاجزين.
منصور الضيفي ورعب غوانتانامو
في بداية كتابه، يكتب الضيفي قائلًا “يستهلك التعذيب ذاكرتك وإحساسك بالوقت”. إذا كان هناك أحد يعرف عن ذلك، فهو منصور الضيفي، الذي اعتُقل في أفغانستان في وقت مبكر من الغزو الأمريكي، في عام 2001، وكان الضيفي أحد موجات السجناء هائلة العدد التي اختفت من السجون، بل من البلاد (انعكاس مظلم للهجرة الأخيرة في نهاية الفصل الأمريكي للحرب في أفغانستان).
قصة الضيفي هي أنه كان طالبًا يقيم بتأشيرة هناك، باعه أحد أمراء الحرب إلى الأميركيين. وتبدو هذه القصة معقولة بكل تأكيد فوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تعتقل أي شخص يصفه أي شخص -وأعني أي شخص- بأنه من تنظيم القاعدة. أما الرواية الأمريكية للأمر، بناء على ما قيل في جلسة الإفراج عنه، فتتناقض مع رواية الضيفي وتقول إنه كان مقاتلًا في صفوف القاعدة، ولكن أُعيد تأهيله وإصلاحه (أو أصبح ممتثلًا) بالشكل الكافي للإفراج عنه وإرساله إلى دولة ثالثة.
ما حدث خلال كل تلك السنوات -وفي الفجوة بين الروايتين – هو ما يدفعه لاسترجاع ذكرياته الوحشية والمؤلمة والمتكررة بقسوة، والمؤثرة والمضحكة أحيانًا، وروايتها. لب الأمر في روايته لما حدث هو أنه اتُهم بكونه جنرالًا مصريًّا عمل مباشرة مع تنظيم القاعدة، وصدق الأمريكيون هذه الرواية أو كان لديهم على الأقل الحافز لإثباتها وبالتالي فعلوا كل ما يمكنهم القيام به لجعله يعترف بهذه الاتهامات.
لم يكن الأمر مجرد اختبار لتحمل الضغط أو أسلوب الشرطي الجيد والشرطي السيئ، فقد عومل السجناء في غوانتانامو على أنهم أقل من البشر وأنهم وحوش شريرة، تعرضوا للضرب والاستجواب اليومي والحبس الانفرادي لأشهر، وإخضاع لأساليب، وأفعال قاسية، ووحشية.
كأي كتاب عن السجن والأسر، يتصف الكتاب بالتكرار، ويعتبر التكرار هو الهدف منه نوعًا ما. فهناك عبارات تكررت طوال الكتاب (“اقتحموا حبسي وبدأوا في ضربي”، “فتشوا أعضائي التناسلية بأسوأ الطرق الممكنة”) وتكررت كأنها صلوات تكرر وتكرر. كل هذا هو جزء من كسر الإنسان وتدميره وفعلوا كل هذا من أجل تأكيد روايتهم.
كانت أساليب التعذيب أحيانًا سادية للخيال البشري. الشيء الوحيد الذي فاجأني هو كيف أن الضيفي قال إن السجناء سُمح لهم بالغناء معًا مرة في الأسبوع، وهو لمحة صغيرة عن الإنسانية. ولكنهم -ولإيقاف الغناء- كانوا يشغلون عشرات المكانس الكهربائية كبيرة الحجم لإخفاء أصواتهم. كانوا يضعون المكانس الكهربائية بجانب أبواب غرف السجن الانفرادية الصغيرة لكي تملأ رأسك هديرًا يومًا بعد يوم دون القدرة على النوم.
غوانتانامو يعني إخفاء الأشخاص. اختُير هذا الموقع كونه يقع خارج السلطة القضائية للولايات المتحدة الأمريكية ويبعد 90 ميلًا عن الأراضي الأمريكية. غوانتانامو كان ثقبًا أسود لا يسمح بسماع أي صراخ، أو رؤية أي وجه، أو رواية أي قصة.
إحدى الشخصيات الشريرة الرئيسية في القصة هو جيفري ميلر، وهو جنرال أشرف من قبل على سجن أبو غريب في العراق، كان ميلر (الذي وُجهت إليه تهمًا بجرائم الحرب في المحاكم الأوروبية)، كان قاسيًّا بشكل متعمد. فهو لم ينظر إلى السجناء على أنهم بشر على الإطلاق ولو للحظة من اللحظات، بل حيوانات يجب ضربهم وتكسيرهم. وكان أغلب التعذيب القاسي والمفرط تحت إمرته.
ومع ذلك وبشكل غريب، كان ميلر في بعض من أفضل لحظات الكتاب، حيث حاول السجناء جعل حياته جحيمًا فسخروا منه ورموا قاذوراتهم عليه، وجاؤوا بالمقابل -محاولين إحراجه- بأسماء مستعارة له، فمثلًا قال الضيفي إنه كان يدعوه “بالدجاجة الكبيرة /الجبان الكبير ميلر” مرارًا وتكرارًا، وحاول السجناء إظهار عدم خوفهم منه. وبهذه الطريقة، استعاد السجناء بعضًا من روايتهم عن شخص حاول أن ينتزعها كلها منهم.
يُعد ما ذُكر استرجاعًا لشيء ما، فهو استرجاع لإنسانية الضيفي، وقلب الطاولة على شخص لا يراه إلا كقطعة لحم يجب استخراج المعلومات منها. شيئًا فشيئًا وصراع بعد صراع (الضيفي صارع باستمرار ما جعلهم يرونه أسوأ السيئين)، حصل السجناء على المزيد من الحقوق وعُومل معهم بشكل لائق أكثر. في نهاية المطاف، ومن خلال التغييرات السياسية، والنشاط والعمل القانوني، وقوة الإرادة الشديدة، تمكن الضيفي من رواية قصته.
كان هذا الموضوع شائعًا كونه قلب ومركز حياة الضيفي، وعلى الرغم من أن الحياة التي عاشها بعد خروجه من السجن كانت صعبة (سنتحدث عن هذا لاحقًا) فقد عمل الضيفي من أجل رواية قصته وقصة المعتقلين الآخرين. الضيفي استرجع قصته التي انتزعت منه سواء من خلال إقناع الحراس أن أحد السجناء هو شيطان يمكنه استدعاء العواصف أو بعد عناء طويل من الفرار من عذاب المكانس الكهربائية بالتظاهر أنه يحبها، وقد قام برواية قصته لأنه وكما قال “الأمريكيون مستعدون لتصديق أي شيء سوى الحقيقة”.
متعاقد أمريكي في اليمن
الحديث عن الحياة لا يشكل مشكلة بالنسبة لسام فران فهو راو اجتماعي يمتلك قصة يمكنه روايتها. قصته في نهاية المطاف هي أنه أُخذ كرهينة من قِبل الحوثيين بعد أن اجتاحوا صنعاء عام 2014، للوصول إلى هذه النقطة لدينا قصة طويلة، فكتابه عبارة عن مذكرات حياة غير عادية أكثر بكثير من كونها قصة رهينة، كما أنها تُروى من قِبل شخص متعود أن يستمع إليه.
ولد فران في جنوب لبنان، وعاش طفولة طبيعية قبل الحرب، تلتها انتقالات لعائلته وانتهى بهم الأمر بفتح مطعم ناجح في مدينة بنغازي الليبية، قبل أن تتم ملاحظته كأحد منفيي منظمة التحرير الفلسطينية وتنتقل أسرته إلى ميشيغان، بلدة عدد العرب فيها كبير.
أصبح فران أمريكيًّا إلى حد ما وانظم إلى المارينز عندما سمح له سنه بذلك، وعانى بعض الشيء من الخطاب “المضاد للمسلمين” ومن قيام الناس بتصعيب الأمور عليه، ولكنه يرد عليهم. وفي أحد لحظات الرواية اتُهم بالغش في اختبار اللغة العربية (على الرغم من أنه كان يشعر بالغضب لعدم إجابته عن سؤالين في الاختبار) وشعر بالإهانة إلى درجة أنه ترك برنامج المترجمين.
إنها قصة متقلبة إلى حد ما، ولكنها قصة ممتعة تصبح أكثر وضوحًا ومقنعة كلما اقتربت من “الحرب على الإرهاب”، فقد منحته حادثة تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993 فرصة لاستخدام مهاراته اللغوية، كما قربه هجوم عام 2000 على المدمرة الأمريكية يو إس إس كول من اليمن (ولكن ليس بعد). أخيرًا، بعد الحادي عشر من سبتمبر، والذي يُذكر في القصة بشكل عابر، تغيرت حياته لتتسارع الأحداث في مستوى أعلى.
أُرسل فران إلى اليمن في عقد مدته شهرين وجرى تمديده إلى عدة سنوات، فالقارئ الذي يعرف اليمن سيشعر بعدم الارتياح في الانطباع الأول لفران عند وصوله إلى اليمن وهو رائحة المجاري، ويقول فران إن الرائحة كانت مختلفة عن الروائح التي نشأ عليها وأحبها، ولكن هذا تفصيل غريب.
لكن الجزء المحزن حقًا هو الفترة الأخيرة التي قضاها في اليمن، فران يحب اليمن، وعمل بعمق في عالم السفارة الأمريكية الواقعة في ظل فندق الشيراتون، ويتحدث واصفًا العالم اللامتناهي من الأطراف والعلاقات، فهو يتقابل مع شخصيات مؤثرة، ويتحدث عن أن كل شيء يتم عبر العلاقات وهو الأمر الدقيق.
لتوضيح ذلك، يخبرنا فران بقصة مروّعة عن حفل مليء بالسُكْر مع المارينز (فهو لا يشرب الخمر كونه مسلم) حيث قام أحد المارينز بإصابة خادمة إثيوبية حين قام برميها بالخطأ على مروحة السقف، أو على الأقل رُويت القصة التي لم يشكك فيها بهذا الشكل. ويطمئننا بعدها قائلًا “لقد كانت الخادمة على ما يرام” وتتحدث بقية القصة عن كيف تسللوا وأخفوها عن الشرطة وأخذوها إلى المستشفى. ولحسن حظ المارينز، كانت الخادمة فاقدة للوعي ولم تستطع نفي تلك القصة.
بعيدًا عما حدث هنا وهناك، الخادمة هي أكثر ما نسمع عن الأصدقاء غير المتنفذين، فاليمن نوعًا ما وسيلة لجمع بعض المال، والأصدقاء المتنفذون هم وسيلة ذلك، احتفظ فران بعلاقته بهم عندما انتقل للعمل في مجال المقاولات الخاصة والعمل لدى سلسلة من المجموعات والشركات الخاصة، ومن ثم النجاح بالعمل لوحده. اتصف عمل فران سواء كان جيدًا أو سيئًا بالغموض دائمًا.
وجد فران نفسه في صنعاء عندما استكمل الحوثيون هجومهم السريع الذي أدى إلى وضع هادي تحت الإقامة الجبرية والسيطرة على صنعاء (وصف فران لتحركات الحوثيين العسكرية كانت على الأغلب الجزء الأكثر دقة في الكتاب)، وتم اعتقاله وتغطية عينية وإخضاعه لشهور من الاستجواب والضرب بعصا كلما تعارضت إجاباته مع أسئلتهم.
على الرغم من وجود خلفية تاريخية بسيطة عن حركة الحوثيين إلا أنها سطحية للغاية. بالنظر إلى أن أخذه كرهينة هو الشيء الوحيد الجاذب في الكتاب، إلا أن المختطفين (كما هو الحال مع معظم اليمنيين) غائبين عن الكتاب بشكل غريب. في الكتاب لا نفهم أبدًا السبب وراء أخذه كرهينة ووضعه في السجن مع المسلحين والمجرمين. الكاتب يقول إنه كان في المكان الخطأ وكان ضحية لبعض الاختلافات حول شحنات الأسلحة، ولكن كل هذا مغفول. أما قضية سبب اشتباه جماعات محلية مشبوهة بشخص يعمل في مجال “الأمن” فلم تناقش أبدًا.
لا يوضح لنا الكتاب سبب ما يقوم به الحوثيون وما هي أهدافهم، أو بكل صراحة ما يقومون به من حرمان وقسوة ضد الشعب اليمني الذي وقع تحت سلطتهم فجأة، فما نرى في الكتاب هو ما يقوم به الحوثيون مع فران.
هذا ما تفعله القوة بالشخص، فهي تجعل القصة عنك أنت فقط، وقد تكون القصة الحرفية أو الطريقة التي تشن بها بلدان كالولايات المتحدة الأمريكية والسعودية الحرب، أي دون أي قلق بشأن الشخصيات الهامشية الذين تعتبرهم أقل من أن يكونوا بشرًا. قصة فران هي قصة من يمتلك السلطة.
تأتي اللحظات الأكثر دراماتيكية في الكتاب عندما يعرض عليه الحوثيون العمل معهم كونه مسلم وذلك بعد أشهر من الضرب والخوف الشنيع من أن يموت في السجن، ولكنه رفض ذلك.
لقد قلت لهم “نعم، أنا شيعي، لكنني أيضا في مارينز الولايات المتحدة الأمريكية”، ربما تم تقليل الدراما بتسمية هذا الفصل “نهاية الأسر”، ولكن هذا لم يجعل كلامه أقل حقيقة، فمن نواح كثيرة فران أمريكي كليًّا.
الأسر والقصة
لا تنتهي أي من القصتين بالإفراج عنهما، أُرسل الضيفي إلى صربيا، البلد الوحيد الذي قبل به، ويخضع هناك للمراقبة المستمرة ولا يسمح له بالمغادرة (وقد ادعى أنه أُلقي القبض عليه واستجوابه بشكل عشوائي). يواجه فران الكثير من المشاكل في الحصول على المال الذي كان يمتلكه عندما اعتُقل، ولكنه يبدو مصدومًا للدمار الذي حدث في صنعاء بسبب القصف السعودي، حيث مر على ذلك مرورًا سريعًا.
يسرد كلا الرجلين قصتهما الخاصة، فقد وصف فران كتابه كرهينة أمريكية في اليمن، ومن الصعب الجدال بشأن مصطلح رهينة، فقد أخذته ميليشيا واحتجزته في سجن مع سجناء آخرين، وتعرض للعنف المتكرر (وعانى من نوبة قلبية). أما من وجهة نظر الحوثيين فقد كان سجينًا أمريكيًّا يعمل لدى أعدائهم.
من السهل جدًا قول إن الحوثيين ليسوا بأي شكل من الأشكال حكومة شرعية فهم يحكمون بالعنف والترهيب، لكن كيف يمكن أن نقول إن اليمني المعتقل في أفغانستان ومن ثم المنقول إلى كوبا ليس رهينة؟ ما هي القوانين -باستثناء السلطة- التي يمكن أن تجعله مجرد معتقل وليس حتى سجين له حقوق، بل معتقل سوى تعريف شبه قانوني تركه في حالة دائمة من عدم الوجود هنا ولا هناك، بل على الهامش؟
من يملك السلطة هو من يصنع تلك التعريفات. لطالما كان الأمر كذلك وسيكون دائمًا كذلك. فران على الرغم من معاناته البشعة والحقيقية كانت لديه علاقات وأشخاص في أمريكا واليمن وحتى في حزب الله اللبناني وعملوا جميعًا على إخراجه. أما الفندق الذي أقام فيه في عمان بعد خروجه، قال له إن كل ما يريده هو كرامة من السلطان. لا أشك بأنه يحب اليمن ويهتم لشعبه ولا أرغب في نفي معاناته إلا أن فران في قصته اختار أن يقول إن ما كان يحدث في اليمن كان عرضيًّا بالنسبة لقصة حياته.
أما منصور الضيفي فلم يكن له نفس القدر من الحظ، فهو لا يمتلك العلاقات ولا توجد له طريقة تمكنه من تعريف نفسه، فهو يكتب (بما في ذلك عمود ساحر لصحيفة Modern Love) لكنه ما زال يخضع لمراقبة دقيقة في برد صربيا. كتابه غير مريح لهم، وذلك لأنه في الوقت الذي يقوم أبطال أمريكيون بالنضال من أجله، وفي الوقت الذي يصف حراس سجنه بالبشر ويتعاطف معهم، إلا أن هذه القصة ليست القصة التي يرغب الأمريكيون الذين صمموا معتقله في روايتها.
من يمتلك السلطة نادرًا ما يرغب في حكاية قصة من دهسهم بقدمه، فحتى اليوم، مع خروج الوجود الأمريكي من أفغانستان، ما زال نفي حدوث هذه القصص مستمرًا. لا يزال هناك بشر في غوانتانامو تائهين بين الوجود هنا أو هناك. قد يكون الجزء الأمريكي من الحرب قد انتهى لكن آثاره ما زالت مستمرة. أما بالنسبة لمن دُهست حياتهم في الحرب على الإرهاب فإن القصة لا تنتهي أبدًا.
قصة الضيفي هي قصة لا تهتم فيها أمريكا باليمنيين، فاليمن مجرد مساحة على الخريطة موصوفة “بالإرهاب” وليست كدولة حية مليئة بالأشخاص لهم آمال ومعاناة ويمكن أن تكسرهم عجلة القدر. قصة تناقض الفئات السهلة التي لا تفكر وقصة تظهر إنسانيته الشديدة، والنازفة، والغاضبة، والحزينة.
إنها قصة شخص أبى أن يختفي، قد تكون قصة غير مريحة لكنها في وقت كهذا تبتلع فيه أفغانستان بالكامل وتتجاهل معاناة اليمن على جميع المستويات، قد تكون هذه القصة هي أقوى قصة ممكن روايتها.
براين أونيل هو كاتب مستقل مقيم خارج شيكاغو. ينشر في مجلة Chicago Review of Books، وNecessary Fictions، وله منشوراتأخرى. يمكن متابعته على تويتر @oneillofchicago
سيرة حياة
محمد بن إسماعيل العمراني (22 ديسمبر، 1921 – 12 يوليو، 2021)
أهم رمز للتسامح الديني في اليمن الحديث
أمجد خشافة
توفي القاضي محمد بن إسماعيل العمراني في الـ12 من يوليو 2021 عن عمر يناهز 99 عامًا. وبغضون ساعات فقط على إعلان وفاته، احتشد آلاف المشيعين،[1] زيديين وشافعيين، بصنعاء لتوديعه. وكما هو متعارف، صُلى على جثمانه ثلاث مرات، في مسجده، وفي الطريق لدفنه، وجوار قبره في مقبرة الدفعي جنوبي صنعاء.
ولد العمراني في 22 ديسمبر 1921، في مدينة صنعاء القديمة. نشأ العمراني في أسرة متدينة في بيئة زيديّة وبلغ سن الرشد خلال إمامة حميد الدين. كان جده لوالده أحد طلاب الإمام محمد الشوكاني، أشهر علماء اليمن في القرن الثامن عشر. ألهم الإمام الشوكاني العمراني وأثر في تفكيره للغاية، ما دفعه إلى التحرر من التفسيرات المذهبية الصارمة للآراء الفقهية بحلول سن السابعة عشرة. تأثر العمراني بالإمام الشوكاني إلى حد كبير لدرجة أنه لقب “بالشوكاني الصغير”، حسب أحد تلامذة العمراني.[2]
كتلميذ، درس العمراني في البداية بالجامع الكبير بصنعاء، ولكنه انتقل بعد فترة قصيرة إلى جامع الفليحي المجاور الذي كان أكثر تسامحًا مع المذاهب الأخرى والمفكرين غير الزيديين. وحتى حين كان ما يزال تلميذًا، كان الكثيرون يسعون للتعلم منه، حيث عقد حلقات علمية لتدريس الفقه. ولم يترك العمراني التدريس إلا قبل وفاته بثلاثة أشهر.
عقب الثورة التي أطاحت بالإمامة عام 1962، درَّس العمراني في جامعة صنعاء، والمعهد العالي للقضاء، ومسجد الزبيري، وجامعة الإيمان. ولكنه ربما اشتُهر بكونه ضيفًا متكررًا لبرنامج “فتاوى” الذي بثته إذاعة صنعاء حيث كان يجيب على أسئلة المواطنين ويصدر أحكامًا دينية.
تميز العمراني بتواضعه وورعه، وكانت الحلقات العلمية التي يقيمها في مسجد الزبيري جوار منزله في صنعاء تغص بالطلاب. الكثيرون في اليمن وصفوه “بمفتي الجمهورية” على الرغم من أنه لم يعيّن قط في هذا المنصب بقرار رسمي.
لم يفضل العمراني مذهبًا على آخر في أحكامه حيث قال: “كنت أطمح أن أكون في القضاء مثل الإمام علي بن أبي طالب، وفي الفقه مثل أبي حنيفة، وفي الصرامة مثل ابن تيمية” -شخصيات تنتمي لمدارس مختلفة في الفكر الإسلامي.
أحب العمراني تصوير نفسه على أنه فوق السياسة. وعند اندلاع الحرب الراهنة، سأله الكثيرون من هو الطرف الذي يجب دعمه، وكانت نصيحته “بالابتعاد عن الطرفين، لأن على المسلم تجنب الفتنة، والحرب فتنة”. وفي آخر مقطع فيديو له في يوليو/تموز 2021، نصح اليمنيين بأن لا ينضموا لأي حزب سياسي أو ديني، وقال: “يعملوا مثلما أنا”.[3]
اعتبر العمراني أن كيفية التعامل مع الآخرين هي جوهر الدين، وعندما لخص متطلبات دخول الجنة التي يجب الالتزام بها، قال في فيديو على الإنترنت: “لا تغثوا أحد”، أي لا تغضبوا أحدًا.
رفض العمراني تأليف الكتب وقال إنه ليس مؤهلًا لذلك، ولكن غالبًا ما جمع تلامذته دروسه وفتاويه في كتب للنشر. وغالبًا ما أشار العمراني إلى أن الإسلام لا يحرم شيئًا إلا بنص ديني واضح. كما كان حريصًا على تبديد الأساطير التي يتم تداولها كحقائق دينية.
انعكس انفتاح العمراني على نصوص جميع المذاهب الدينية وسعة اطّلاعه على أسلوبه في التدريس والإفتاء، ما جعل حلقتي تدريسه بجامع الزبيري -اللتين عقدهما بعد الفجر وبعد الغروب- مقصدًا للطلاب من مختلف المذاهب.[4]
وعلى عكس العديد من معاصريه، استشهد بآراء علماء من المدارس الفقهية المختلفة. كما حث العمراني طلابه دائمًا على: “البحث أولًا ثم الاعتقاد وليس العكس”.[5] مثّل العمراني خلال حياته صوتًا نادرًا وقويًّا في اليمن ينشر روح الانفتاح والتسامح.
أمجد خشافة صحافي وباحث، وطالب ماجستير بكلية الإعلام بجامعة صنعاء.
أعد هذا التقرير (حسب الترتيب الأبجدي): أبو بكر الشماحي، اسامة الروحاني، إلهام عمر، أماني حمد، حمزة الحمادي، ريان بيلي، سبنسر أوسبرغ، علي الديلمي، غريغوري جونسن، فارع المسلمي، ماجد المذحجي، كيسي كومبس، نزيهة بعاصيري، وهانا باتشيت.
تقرير اليمن، هو تقرير شهري يصدره مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية منذ يونيو/ حزيران 2016، وصدر كنشرة شهرية باسم “اليمن في الأمم المتحدة” في أعوامه الأولى. يهدف التقرير إلى رصد وتقييم التطورات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية والإنسانية والحقوقية بشأن اليمن وتزويد القراء برؤية سياقية شاملة حول أهم القضايا الجارية في البلاد.
لإعداد “تقرير اليمن”، يقوم فريق مركز صنعاء في مختلف أنحاء اليمن والعالم، بجمع المعلومات والأبحاث، وعقد اجتماعات خاصة مع الجهات المعنية المحلية والإقليمية والدولية، لتحليل التطورات المحلية والإقليمية والدولية المتعلقة باليمن.
مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.
- من بين الشخصيات البارزة التي شاركت في الجنازة، محمد علي الحوثي، القيادي البارز في جماعة الحوثيين وعضو المجلس السياسي الأعلى، ومفتي الديار الذي عيّنه الحوثيون، شمس الدين بن شرف الدين، وعدة أعضاء في البرلمان وعلماء بارزين. “تشييع رسمي وشعبي مهيب لفقيد الوطن الكبير العلامة محمد بن إسماعيل العمراني”، الثورة، 13 يوليو/تموز 2021،2021، http://althawrah.ye/archives/685607
- جمال الحميقاني، أحد طلاب محمد بن إسماعيل العمراني، مقابلة مع المؤلف عبر الإنترنت، 13 يوليو/تموز 2021.
- “القاضي محمد بن إسماعيل العمراني قبل موته بدقائق”، محمد علي الجلال، يوتيوب، 13 يوليو/تموز 2021، https://www.youtube.com/watch?v=q9npBvL_r44
- صلاح الكلدي، أحد طلاب القاضي محمد إسماعيل العمراني، “توفي اليوم علامة اليمن ومفتيها شيخنا العلامة القاضي محمد بن إسماعيل العمراني…” فيس بوك، 12 يوليو/تموز 2021، https://www.facebook.com/slah.b.salm/posts/4117051271708138
- بشير البعداني، “فضيلة الشيخ محمد بن إسماعيل العمراني يجب على المسلم أن ينصف من نفسه. . لا أن يعتقد ثم يبحث”، المكتبة الشاملة، 1421هـ ذو القعدة، https://al-maktaba.org/book/1541/3798