إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

السقوط في المستنقع: استكشاف السياسة الأمريكية في اليمن

Read this in English

اتخذت واشنطن منذ تنصيب الإدارة الأمريكية الجديدة موقفاً أكثر حدة تجاه الحوثيين الذين يمثلون آخر ركيزة صامدة لمحور المقاومة الموالي لإيران، وكان الحوثيون الحليف الوحيد لإيران الذي ازداد نفوذه في خضم الصراع مع إسرائيل. اعتُبرت هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر تهديدًا عالميًا لحرية الملاحة، مما دفع الولايات المتحدة إلى الرد عسكريًا في عام 2024، ومن ثم تصعيد هذا الرد بعد عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة. تنظر واشنطن إلى الحوثيين على أنهم امتداد لإيران، وتعتبر الهجمات ضدهم وسيلة سهلة لدفع الجمهورية الإسلامية إلى التفاوض بشأن برنامجها النووي. لكن هذا التقييم يستند إلى افتراضات خطيرة بشأن العلاقة بين إيران والحوثيين، فللحوثيين أجندتهم الخاصة، التي قد لا تتوافق بالضرورة مع أجندة طهران، ومن المرجح ألا يترددوا في تحدي التحذيرات الإيرانية إذا اعتقدوا أن التصعيد يخدم مصالحهم، وبالتالي، ما هي خيارات الولايات المتحدة في هذا المشهد المتغير؟

أصبحت سياسة الولايات المتحدة أكثر حزماً وخطورة في ظل غياب توجه واضح، فمنذ إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية في يناير، تبنت إدارة ترامب خطاباً تصعيدياً، تجسد منتصف مارس عندما بدأت الولايات المتحدة غارات جوية يومية ضد مجموعة واسعة من الأهداف في جميع أنحاء اليمن، وتجاوزت الضربات الجديدة سياسة إدارة بايدن المتمثلة في الاشتباك المحدود، فبحلول نهاية مارس، كانت القوات الأمريكية قد استهدفت صنعاء وصعدة معقل الحوثيين وأهداف عسكرية في محافظات أخرى، واستهدفت الضربات قيادات الجماعة بهدف تصفية قياداتها، على الرغم من أن فعالية هذه الضربات في هذا الصدد لم تتضح بعد.

أدى التصعيد الأخير في اليمن إلى بدء مرحلة جديدة من التدخل الأمريكي في المنطقة، مرحلة تتصف بعدم القدرة على التنبؤ، حيث أثبت الحوثيون قدرتهم على الصمود في وجه الضربات الجوية الأمريكية، وتلك التي شنتها قوات التحالف بقيادة السعودية، وتمكنوا من الصمود في وجهها لأكثر من سبع سنوات، وهذا لا يعني أن الحوثيين وبالتالي الشعب اليمني الخاضع لسيطرتهم لن يواجهوا العواقب الوخيمة لسياسة ترامب التصعيدية، لكن قدرة الجماعة على الصمود تشكل معضلة أمام واشنطن.

على الرغم من ادعاءات الرئيس ترامب بنجاحه في “تدمير” الحوثيين، يعتقد مسؤولو البنتاغون عكس ذلك، حيث أفادت التقارير أن الضربات المكلفة لم تحقق سوى نجاح محدود النطاق في تدمير ترسانة الأسلحة تحت الأرض التابعة للجماعة، كما فشلت هذه الضربات من ناحية أخرى، حيث لم يكن هناك رد فعل عام كبير من طهران، باستثناء إدانة تلك الضربات الجوية. أفاد تقرير إعلامي غربي نقلاً عن مسؤول إيراني، أن عناصر عسكرية إيرانية غادرت اليمن مشيراً إلى عدم الثقة في قدرة الحوثيين على الصمود في وجه الهجوم الجديد، وسلسلة الضربات التي تعرضت لها طهران وحلفاؤها خلال العام الماضي. في حين أن الانسحاب المزعوم لإيران من اليمن قد يُعتبر نجاحًا لسياسة ترامب، إلا أنه قد يكون أيضًا مؤشرًا على أن الجمهورية الإسلامية غير مهتمة بربط هذه القضية بتعاملاتها الأخرى مع واشنطن، بما في ذلك المحادثات النووية.

يجعل هذا خيارات إدارة ترامب قليلة وصعبة، فقد لا تكون إطالة أمد الحملة الجوية ضد الحوثيين وتصعيدها من أجل “القضاء” على الجماعة خيارًا قابلاً للتطبيق، وربما نتيجة إدراكهم لذلك بدأ المسؤولون في واشنطن بالفعل بإجراء اتصالات مع حلفائهم الإقليميين والفصائل على الأرض في اليمن، للمساعدة في توجيه ضربة قاضية لقدرات الحوثيين، وكان السعوديون على رأس تلك القائمة. تريد الرياض توثيق علاقاتها مع الولايات المتحدة والتوصل إلى اتفاق يحمي مصالحها، لكنها ستتردد في دعم سياسات الولايات المتحدة في المنطقة بشكل مطلق، خوفاً من تجدد الهجمات ضد المملكة.

سواء تفككت الصواريخ الحوثية الموجهة إلى إسرائيل أو سقطت على الأراضي السعودية، ومع اقتراب السعودية من التوصل إلى اتفاق مع الحوثيين، فهي ما تزال غير راغبة في أن تجعل نفسها هدفاً لتلك الهجمات من جديد، بل إن مصادر سعودية نفت تقديم دعم لوجيستي للضربات الجوية الأمريكية خوفاً من الانتقام، ومن المرجح أن تحتاج الرياض إلى ضمانات أمريكية كبيرة للتنسيق علناً مع إدارة ترامب ضد الحوثيين.

قد تكون فرص الولايات المتحدة أفضل على المستوى المحلي، بالنظر إلى أن بعض الأطراف اليمنية رحبت بإدراج الحوثيين على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية وتجديد الضربات الجوية ضدهم، حتى أن السفارة اليمنية في الولايات المتحدة ألمحت إلى نقطة الضغط المطلوبة من خلال حث الأمريكيين على المساعدة في استعادة ميناء الحديدة. بالنسبة للعديد من الأطراف اليمنية في المعسكر الموالي للحكومة سواء كانت من قوات الإصلاح أو قوات المقاومة الوطنية بقيادة طارق صالح أو القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي أو غيرهم، فإن الولايات المتحدة تعمل لصالحها ويمكنها تغيير ميزان القوى ضد الحوثيين من خلال إضعاف قدرات الجماعة على الجبهات اليمنية.

في ذات الوقت يبدو أن واشنطن تسعى إلى الحصول على دعم الأطراف المحلية لتجنب تورطها أكثر في مسرح عمليات لا يحمل أهمية استراتيجية كبيرة لها. ترددت شائعات عن قيام الولايات المتحدة بالاتصال بالقوات المحلية وحثها على التحرك ضد الحوثيين، لكن يبدو أن القوى المناهضة للحوثيين مترددة في الانضمام إلى الهجوم الأمريكي دون ضمانات بتوفير الدعم الجوي والأسلحة، سواء من واشنطن أو الرياض، وهي المطالب التي لم تُلب بعد، لكن هذه المبادرات تشير إلى أن واشنطن ليست مستعدة بعد للمشاركة أكثر، ولا تملك استراتيجية متماسكة ومحددة مسبقاً للتعامل مع الحوثيين.

يمثل المشهد الاستراتيجي الجديد تحديات كبيرة، خاصة وأن واشنطن غير راغبة في تعميق انخراطها في المنطقة كجزء من سياستها المعلنة “أمريكا أولاً”. وحتى لو كانت ردود الحوثيين على الغارات الجوية الأمريكية غير فعالة عموماً، إلا أنه يجب على واشنطن إيجاد رد فعال طالما استمرت تلك الردود، وسيكون إشراك الحلفاء الإقليميين والمحليين ضرورياً في استراتيجية أكثر شمولاً، لكن على الولايات المتحدة أن توفر لهم الضمانات والحوافز اللازمة لاتخاذ موقف ضد الحوثيين.


هذا المقال جزء من سلسلة من المنشورات الصادرة عن مركز صنعاء، بتمويل من حكومة مملكة هولندا، وتستكشف هذه السلسلة قضايا متعددة في الاقتصاد والسياسة والبيئة، بهدف إثراء مناقشات وصياغة السياسات التي تعزز السلام المستدام في اليمن، ولا يجب أن تُفسر أية آراء معبر عنها في هذه المنشورات على أنها تمثل مركز صنعاء أو الحكومة الهولندية.

مشاركة