إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

رسائل مسربة واستراتيجية محدودة: الضربات الأمريكية في اليمن

Read this in English Read this in English

الأمر لا يتعلق بالحوثيين“. – وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، مارس 2025[1]

لم تكن خطط الهجوم الأمريكية التي سُرّبت، وتمت مشاركتها عن غير قصد مع رئيس تحرير مجلة أتلانتك، جيفري غولدبرغ، مفاجئة فقط بسبب الكشف عنها، بل لما كشفته بدورها، وهو أن إدارة ترامب قد لا تمتلك أي خطة متوسطة أو طويلة الأمد للتعامل مع الحوثيين. يبدو أن الغارات الجوية تهدف ببساطة إلى إعادة تأكيد القوة الأمريكية، مع قليل من الاكتراث لاحتمال تصعيدها للحرب الأهلية في اليمن، أو للمخاطر الأمنية التي قد تترتب عليها، أو للخسائر الإنسانية التي ستتسبب بها.

تخاطر الاستراتيجية الأمريكية بالفشل وفقًا حتى لمعاييرها. إن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر ليست عملًا تضامنيًا مع الفلسطينيين بقدر ما هي ممارسة دعائية، والمواجهة مع الولايات المتحدة لا تؤدي إلا إلى إضفاء مزيد من الزخم عليها. تعاني اليمن من الجوع وتتعطشٍ للسلام، لكن دوامة من المناورات السياسية الدموية قوّضت كل المساعي لإنهاء الحرب الجارية فيها. توقف القصف الإسرائيلي على غزة في 19 يناير، وتولي دونالد ترامب منصبه في اليوم التالي، خلقا تفاؤلا بأن عجلة الدبلوماسية قد تعود للدوران، لكن تجدد الغارات الجوية الأمريكية في اليمن والهجمات الإسرائيلية على غزة بدد هذه الآمال. يبدو أن الحرب في اليمن الآن مهيأة للاستئناف بشكل جدي. من المرجح أن تؤدي الضربات الجوية الأمريكية وتخفيض المساعدات إلى سلسلة من العواقب غير المقصودة، بما في ذلك مخاطر كبيرة لنشوب صراع أوسع وكارثة إنسانية، وليس ثمة ما يشير إلى أن الولايات المتحدة قد أولت اهتمامًا كافيًا لأيٍّ منهما.

السابع من أكتوبر يقلب جهود السلام رأسًا على عقب

إن قصر نظر السياسة المعلنة لإدارة ترامب واضح لأي شخص على دراية بتعقيدات الحرب الأهلية في اليمن. ظلت خطوط المواجهة ثابتة نسبيًا منذ مطلع العام 2022، عندما تمكنت القوات المدعومة من إماراتيا من كسر هجوم حوثي مكلف على حقول نفط استراتيجية. أعقبت ذلك هدنة برعاية الأمم المتحدة في أبريل من ذلك العام، وعلى الرغم من انتهائها نظريا في ذلك الخريف، لم تُستأنف العمليات البرية الكبرى. بحلول سبتمبر 2023، حظيت خطة سعودية للانسحاب من الصراع، تم التفاوض عليها مع الحوثيين دون مشاركة من الحكومة المعترف بها دوليًا، بتأييد مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة. سعت الرياض إلى خروج سريع، مع تأجيل المسائل الأكثر تعقيدًا ومفاوضات الوضع النهائي إلى عملية يمنية-يمنية مستقبلية.

لكن عملية حماس في جنوب إسرائيل بتاريخ 7 أكتوبر 2023، والرعب واسع النطاق من التدمير السريع الذي ألحقته إسرائيل بغزة، أتاح للحوثيين فرصة لقمع المعارضة الداخلية وتعظيم نفوذهم السياسي في آن واحد. في إطار تضامن مزعوم مع غزة، استولت الجماعة على سفينة الشحن “غالاكسي ليدر” في نوفمبر 2023، وبدأت هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد السفن التجارية العابرة في البحر الأحمر. أصبحت فكرة التوصل إلى اتفاق مع الجماعة مرفوضة تمامًا لدى الولايات المتحدة، وتم تعليق المحادثات الثنائية بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية إلى أجل غير مسمى.

سرعان ما استفاد الحوثيون من موجة الدعم الشعبي لموقفهم. اجتذبت المسيرات الأسبوعية الداعمة لفلسطين عشرات الآلاف من المتظاهرين في صنعاء ومدن أخرى. يذكر أن السعودية كانت مهتمة بالتطبيع مع إسرائيل، ولكن مع مشاهدة العالم لدمار غزة، لم يكن بإمكانها متابعة تلك المحادثات أيضًا.[2] بدت الإدانة العلنية من المملكة للقصف الإسرائيلي خجولة مقارنة بالحملة البحرية الحوثية، ودون التزام دفاعي أقوى من الولايات المتحدة، لم تتمكن الرياض من الضغط على الحوثيين للتخلي عن مغامراتهم العسكرية والعودة إلى طاولة المفاوضات في اليمن. عندما حاولت الحكومة اليمنية عزل الحوثيين عن النظام المالي الدولي، أثار ذلك تهديدات برد عسكري ضد أهداف سعودية، وأدى ضغط السفير السعودي على الحكومة إلى تراجع متسرع ومحرج عن القرارات.

لم تكن السعودية وحدها في عجزها عن ضبط سلوك الحوثيين. ردًا على هجمات البحر الأحمر، بدأت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حملة غارات جوية في اليمن بتاريخ 12 يناير 2024، استهدفت مواقع إطلاق الصواريخ وأسقطت طائرات مسيرة ومقذوفات. في وقت لاحق، قام سرب بحري صغير تابع للاتحاد الأوروبي بدورياته الخاصة في المنطقة. قالت البحرية الأمريكية إن العملية كانت الأكثر كثافة منذ الحرب العالمية الثانية، وتجاوزت تكلفتها 4 مليارات دولار أمريكي حتى سبتمبر 2024. كانت تلك العمليات المحدودة دفاعية فقط، حيث تجنبت استهداف قيادة الجماعة أو مواقعها الأمامية، كما أنها كانت غير فعالة إلى حد كبير.

استمرت هجمات الحوثيين على الشحن، وسرعان ما بدأت الجماعة في استهداف إسرائيل نفسها. في 19 يوليو، حلقت طائرة مسيرة حوثية لمسافة 1200 ميل تقريبًا، عابرة مصر والبحر الأبيض المتوسط قبل أن تضرب تل أبيب. رد الجيش الإسرائيلي بغارات جوية استهدفت بنى تحتية مزدوجة الاستخدام مثل الموانئ ومستودعات الوقود ومحطات الطاقة في صنعاء والحديدة، لكن الحوثيين لم يرتدعوا؛ فقد أصبحت صناعتهم المحلية للأسلحة راسخة، تعززها المواد والعتاد المهرب من إيران. بحلول يناير 2025، كان الحوثيون قد هاجموا أكثر من مئة سفينة منذ بدء الصراع في غزة.

وقف إطلاق النار في غزة وتجدد التصعيد

على الرغم من تأثيرها المحدود على السلوك الإسرائيلي، أصر الحوثيون على أن هجماتهم بالصواريخ والطائرات المسيرة ستستمر حتى يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة. هذا بدوره كان يعتمد على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أدرك بشكل صحيح أن إدارة بايدن لن تفعل شيئًا لتقييد العمل العسكري الإسرائيلي، خاصة في عام انتخابي. من المرجح أن نتنياهو اعتقد أيضًا أنه قد يجد شريكًا أكثر تعاطفًا في حال فوز ترامب. لقد كان رهانًا ذكيًا. بدأت المحادثات بجدية في يناير، وأُعلن عن وقف إطلاق النار في الـ19 من ذات الشهر، وأدى ترامب اليمين الدستورية في اليوم التالي.[3]

أوقف الحوثيون هجماتهم لاحقًا، وبدا لبعض الوقت أن المناورة قد نجحت، فقد سمحت لهم الحملة باستعراض نطاق ومدى ترسانتهم ومرونة قدراتهم العسكرية التي خرجت سالمة نسبيًا، كما تبين أن شهية الغرب للانتقام والتدخل في اليمن محدودة. على الصعيد المحلي، كسب الحوثيون الوقت لتعزيز سيطرتهم على المجتمع، حيث استهدفت حملة اعتقالات النشطاء والعاملين في المجال الإنساني وموظفي السفارات. اتُهم بعضهم بأنهم جواسيس لإسرائيل وأمريكا، وبُثت اعترافاتهم القسرية على التلفزيون الرسمي. لم تشكل الحكومة المعترف بها دوليًا، التي تعاني من الصراع والانقسام، تهديدًا كبيرًا، ومع تدفق المجندين الجدد، عزز الحوثيون خطوطهم الأمامية وتحركوا لتوسيع سيطرتهم على مؤسسات الدولة والتجارة.

كان وقف إطلاق النار قصير الأمد في نهاية المطاف. أعطت الخلافات حول تبادل الأسرى ذريعة للإسرائيليين لإغلاق طرق المساعدات الإنسانية عن غزة، وسرعان ما هدد الحوثيون باستئناف استهداف السفن الإسرائيلية حتى تتم إعادة وصول المساعدات، لكن البيئة السياسية كانت الآن مختلفة تمامًا. أوضحت إدارة ترامب نيتها في اتباع سياسة “الضغط الأقصى” على إيران، التي أُضعفت في مواجهتها مع إسرائيل. كان تهديدها الرادع يعتمد إلى حد كبير على شركائها الإقليميين، أو ما يسمى بـ “محور المقاومة“. لقد تحطمت وانكشفت قدرات حماس في غزة وحزب الله في لبنان، وسقط نظام الأسد في أيدي قوات المتمردين على نظامه في ديسمبر 2024.

بعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) عام 2018، أعرب ترامب الآن عن اهتمامه بإجبار الإيرانيين على توقيع اتفاق جديد. يمكن القول إن تدمير حلفاء طهران جعل القنبلة (النووية) أكثر أهمية بالنسبة لها، فقد اعتمدت على ما يسمى “محور المقاومة” كتأمين ضد أي عمل أمريكي-إسرائيلي، ومن المؤكد أن ذلك زاد من أهميتها كمحور للتفاوض. في تصريحاته العلنية، كان ترامب مهددًا كعادته، حيث قال إنه يأمل في التوصل إلى اتفاق، لكنه في الوقت نفسه هدّد بعمل عسكري.

بصفتهم آخر حليف صامد في التحالف الإيراني، والطرف الوحيد الذي استفاد من الصراع مع إسرائيل، كان من الطبيعي أن يكون الحوثيون هم الهدف الأول. لطالما كان زعيمهم عبد الملك الحوثي، معجباً بزعيم حزب الله حسن نصر الله، وبعد اغتيال الأخير، سارع إلى ملء موقعه كواجهة للمقاومة، محاكياً خطاباته المتحدية ولهجته العدائية. فور توليه السلطة، بادرت إدارة ترامب إلى إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، مما أعاد فرض حزمة واسعة من العقوبات التي هددت بعرقلة تدفق المساعدات وخنق ما تبقى من الاقتصاد اليمني. في نهاية المطاف، يبدو أن نفور ترامب المعلن من التورط العسكري قد تم التغلب عليه إما بضغط من وزرائه الصقور، أو بوهم إبرام صفقة مع إيران، أو لأن الولايات المتحدة لم توقف هجماتها ضد الحوثيين إلا مؤخراً. بالفعل، مثّلت هذه العملية فرصة للنجاح حيث فشل سلفه.

في 15 مارس، استأنفت الولايات المتحدة القصف في اليمن. تشير التقارير إلى أن نطاق الأهداف تجاوز بكثير العمليات السابقة، حيث استهدفت الضربات قيادات ومنشآت عسكرية حوثية في جميع أنحاء شمال اليمن، بما في ذلك قوات بالقرب من خطوط المواجهة. وصف ترامب الحوثيين بأنهم “برابرة” ستتم “إبادتهم بالكامل”، وردت الجماعة بعشرات الهجمات الفاشلة ضد البحرية الأمريكية وإسرائيل. لم تصدر الولايات المتحدة سوى القليل من المعلومات حول الضربات التي نفذتها، ولكن يبدو أنها تمتلك معلومات استهداف دقيقة وترسل سفنًا إضافية للانضمام إلى مجموعة حاملة الطائرات في البحر الأحمر.

عواقب غير مقصودة

لن يرغب أي من الجانبين في الظهور بمظهر المتراجع. الموقف الرسمي للولايات المتحدة هو أنها ماضية في تدمير قدرة الحوثيين على تعريض حرية الملاحة للخطر. لا تكشف التعليقات الداخلية لكبار المسؤولين الأمريكيين عن الكثير بشأن الاستراتيجية الأوسع. بحسب نائب الرئيس جي دي فانس، كانت نية ترامب الأساسية هي “إرسال رسالة”. أضاف وزير الدفاع بيت هيغسيث، أن العملية تهدف أيضًا إلى إعادة ترسيخ الردع، مصرّحًا علنًا بأن الحملة لن تنتهي إلا حين يلتزم الحوثيون بوقف هجماتهم. لكن المشكلة تكمن في أنه من غير المرجح أن يفعلوا ذلك في غياب استراتيجية أكثر شمولاً.

أوضح ترامب أنه ينظر إلى الحوثيين على أنهم ذراع إيرانية، وأن يد طهران هي التي توجه حملتهم في البحر الأحمر، وبالتالي فإن أي رد من الحوثيين سيُنظر إليه على أنه رد إيراني. هذا الخلط بين الأمرين يتكرر كثيراً، وهو ليس بالأمر العفوي، فالنفوذ الإيراني، خاصة في مواجهة السعودية، قد استفاد بشكل هائل من استثمار طهران المتواضع نسبيًا في الحوثيين. أدى توفير الأسلحة المتقدمة والمعلومات الاستخباراتية والمستشارين العسكريين إلى ترسيخ وجود عسكري قوي على الحدود الجنوبية للمملكة، لكن يُقال إن طهران كانت متشككة بشأن حملة البحر الأحمر، وبينما أصبح الحوثيون جزءًا أكثر أهمية من المحور، لا ينبغي الاستهانة باستقلاليتهم.

يمتلك الحوثيون قيادة منفصلة، وأيديولوجية قوية، وأجندة سياسية محلية، وبفضل سلسلة نجاحاتهم العسكرية، لديهم شهية للمخاطرة تفوق بكثير شهية طهران، حيث يعملون كحكومة أمر واقع في العاصمة اليمنية صنعاء، وتضم المناطق التي يسيطرون عليها أكثر من 70 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم 39 مليون نسمة. إن تصوير الحوثيين كوكيل لإيران يمنح الولايات المتحدة مبرراً لتسويق ضرباتها العسكرية كجزء من استراتيجية الضغط على طهران، إلا أن هذا المنطق يقوم على فرضيتين لا تدعمهما الأدلة المتاحة: تتمثل الأولى في أن الحوثيين سيطيعون الأوامر الإيرانية؛ أما الثانية فتفترض أن الضغط على الجماعة سيدفع طهران إلى طاولة المفاوضات. الواقع أن النتيجة قد تكون عكس ذلك تمامًا.

من غير المرجح أن تؤدي الضربات الجوية وحدها إلى إزاحة الحوثيين من السلطة. كانت صعوبات هزيمة المنظمات العسكرية الأيديولوجية في التضاريس الوعرة واضحة في أفغانستان. لقد سوت إسرائيل معظم غزة بالأرض في محاولتها للقضاء على حماس، لكن الجماعة كانت لا تزال تحتفظ بوجود قوي عند وقف إطلاق النار بعد 16 شهرًا. يقاتل الحوثيون بشكل مستمر تقريبًا منذ العام 2004، وتحملوا سبع سنوات من الغارات الجوية من التحالف الذي تقوده السعودية، قبل أن تبدأ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل القصف. لم يكن أي من ذلك فعالاً. قُدر عدد مقاتلي الحوثيين بنحو 350، 000 مقاتل العام الماضي، وربما أضافوا آلافًا آخرين منذ ذلك الوقت بفضل حملتهم في البحر الأحمر. معقل الجماعة في شمالي اليمن الجبلي يجعل الاستهداف صعبًا. حتى لو تمكن الجيش الأمريكي من استهداف قيادة الحوثيين، وتدمير الأسلحة المخزنة ومرافق الإنتاج، وإغلاق طرق التهريب، فمن المرجح أن تنجو الجماعة، بل سيعتبر الحوثيون ذلك نصرًا، وبينما قد يوفر ذلك فترة استراحة للتجارة البحرية، فمن غير المرجح أن يستمر.

بالنسبة للحوثيين، تمنح المواجهة مع الولايات المتحدة مصداقية لمشروعهم الأيديولوجي. حتى خلال سنواتهم الأولى كحركة تمرد ضد نظام الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، كان أعضاؤهم يصرخون: “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”. يعتقد بعض المحللين أنهم قد يتحينون فرصة استفزاز الولايات المتحدة للدخول في صراع أوسع في المنطقة، مثلما فعل تنظيم القاعدة بعد 11 سبتمبر، أو أنهم ببساطة يعولون على فقدان الإدارة لاهتمامها مع استمرار الحملة.

في الرسائل المسربة، أعرب نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس، عن قلقه فقط من أن العملية قد تؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط، وأن الجمهور الأمريكي لن يفهم ضرورة العملية نظرًا لقلة التجارة الأمريكية التي تمر عبر البحر الأحمر، وأضاف هيغسيث أن الولايات المتحدة يمكنها “التوقف بسهولة”، لكن الولايات المتحدة دخلت بيئة أكثر تعقيدًا مما تتخيل. إذا كانت الغارات الجوية غير فعالة، سيواصل الحوثيون هجماتهم، ولكن إذا بدأت الغارات الجوية – أو العقوبات – في التأثير على الجماعة بشكل كبير، فقد يتصاعد الموقف بسرعة إلى ما هو أبعد من قدرة واشنطن على إدارته.

بناء على ذلك، يمكن توقع تطورين: الأول، أن الحوثيين سيستهدفون ليس فقط الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين تكاد أسلحتهم أن تكون عديمة الفائدة تمامًا في مواجهتهما، بل سيشنون هجمات جديدة على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. بدأ زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، بتصعيد خطابه العلني ضد الرياض بينما سخر من الولايات المتحدة في خطابات متلفزة شبه يومية خلال شهر رمضان. كانت الدولتان الخليجيتان راضيتين بالبقاء على الهامش عندما بدأت الولايات المتحدة القصف العام الماضي – فقد لام الغرب الرياض مرارًا وتكرارًا على حملة قصف متهورة في اليمن قتلت آلاف المدنيين، وسحبت الإمارات قواتها رسميًا من اليمن عام 2019، بعد أن أدى الضغط الدولي إلى وقف الهجوم على الحديدة في 2018، بسبب مخاوف إنسانية.

بدت الرياض وأبوظبي راضيتين بترك الغرب يتعلم تعقيدات الموقف. علاوة على ذلك، لم ترغب أي منهما في أن يتم استهدافها مرة أخرى بهجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيرة. الآن، يبدو أن السعوديين مستعدون لإعادة الانخراط، أو على الأقل لتحمل إمكانية استهدافهم مرة أخرى. من المرجح أن هذا تم إبلاغه للولايات المتحدة وأثر على قرارها بشن ضربات أوسع نطاقًا – توضح الاتصالات المسربة رغبة أمريكية في حماية منشآت النفط السعودية. قامت المملكة باستثمارات عسكرية كبيرة في السنوات القليلة الماضية وربما تلقت ضمانات إضافية.

التطور الثاني المتوقع، يتمثل في استئناف العمليات الحربية الرئيسية في الصراع الأهلي اليمني. يبدو أن القوات الموالية للحكومة تستعد للعودة إلى الحرب. عندما بدأت إدارة بايدن الضربات في يناير 2024، زار القائد العسكري البارز في الساحل الغربي طارق صالح، العواصم الغربية للترويج لقدرات جماعته، ومن المرجح أنه سعى للحصول على دعم عسكري. الآن هناك شائعات بأن الولايات المتحدة تشجع القوات المناهضة للحوثيين على التحرك. في الوقت الحاضر، يُقال إن أيًا من هذه القوات غير مستعد للقيام بذلك دون وعود بالدعم الجوي والأسلحة، والتي لم تأتِ بعد من واشنطن أو الرياض، فلا يزال مستوى التنسيق غير واضح.

من جانبها، تعمل الحكومة المعترف بها دوليًا على تنسيق قواتها المنقسمة بشكل أفضل مع تدهور الوضع، خوفًا من تصعيد حوثي على خطوط المواجهة واحتمال شن هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على العاصمة المؤقتة عدن. سيؤدي تجدد القتال في اليمن إلى مزيد من الضحايا والمعاناة للمدنيين. لقد مات حوالي 370، 000 شخص خلال الصراع، ويمكن أن يخلق الفقر وعدم الاستقرار فرصًا للجماعات المتطرفة الأخرى، مثل تنظيم القاعدة، الذي يحتفظ بموطئ قدم على نطاق ضيق في الجنوب.

لن تفيد أي من هذه التطورات الولايات المتحدة. لقد فشل صناع القرار السياسي والعسكري بشأن اليمن في واشنطن والرياض وأبو ظبي باستمرار في التعامل مع تعقيدات الصراع في اليمن وهشاشة سكانه المدنيين، مما أدى إلى أهداف سياسية غير محققة، وعدم استقرار سياسي، وضحايا كان يمكن الحفاظ على سلامتهم. إذا كانت الولايات المتحدة مهتمة فقط بوقف الهجمات في البحر الأحمر، فإن أفضل فرصة لها هي الدفع من أجل إنهاء الحرب الدموية في غزة؛ ولكن إذا أرادت شل قدرة الحوثيين على احتجاز التجارة العالمية كرهينة، فإن الإدارة بحاجة إلى النظر في كيفية تحقيق الاستقرار وتوحيد الحكومة اليمنية المنقسمة، وإعادة إطلاق محادثات السلام المحتضرة. في الوقت الحاضر، يبدو أنها مشتتة أكثر بكيفية جعل أوروبا تتحمل تكلفة الغارات الجوية.

الأكثر مأساوية هو أن تجدد الأعمال العدائية يأتي في وقت حرج بشكل خاص للسكان المدنيين في اليمن. تعد اليمن من أفقر بلدان العالم، ولا تزال تمثل إحدى أكبر الأزمات الإنسانية، حيث تقف بشكل متكرر على شفا مجاعة بسبب اقتصادها المنهار الذي دمره عقد من الصراع. تم تخفيض المساعدات بشكل كبير، ليس فقط من قبل الولايات المتحدة ولكن من جميع بلدان الغرب، مما يهدد حياة الآلاف. من المرجح أن يسبب تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية مزيدًا من الضرر لما تبقى من الاقتصاد، ويمكن أن يزيد من تقييد توفير المساعدات المنقذة للحياة.

لدى الحوثيين تاريخ طويل في الاستيلاء على المساعدات والتلاعب بها وإعادة توجيهها لأغراضهم الخاصة. خلال العام الماضي، بدأت الجماعة في اختطاف عمال الإغاثة لكسب نفوذ على قطاع المساعدات. طالبت السلطات الحوثية مؤخرًا بإدخال جميع المساعدات عبر ميناء الحديدة، الذي تسيطر عليه، قائلة إنها ستصادر الشحنات البرية. سيؤدي تجدد القتال إلى تفاقم الحاجة وإعاقة الوصول، ومن المرجح أن يتدهور الوضع الإنساني بسرعة، وأن يستغل الحوثيون هذا الوضع استغلالاً كاملاً، فيستعرضون معاناة السكان الجائعين ويلقون باللوم على الأمريكيين، ولكن دون جهد جاد لاستعادة المساعدات والسلام، لن يكون اتهامهم بعيداً عن الحقيقة.


تأتي هذه المادة ضمن سلسلة من الإصدارات التي يُنتجها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، بتمويل من حكومة مملكة هولندا. تغطي السلسلة موضوعات اقتصادية وسياسية وبيئية، تهدف إلى تغذية النقاش العام حول السياسات المتعلقة باليمن، بما يعزّز تحقيق سلام مستدام. لا تُعبّر الآراء الواردة في هذه المادة بالضرورة عن مواقف مركز صنعاء أو حكومة هولندا.

الهوامش
  1. وردت المراسلة في: جيفري غولدبرغ وشين هاريس، “إليكم خطط الهجوم التي شاركها مستشارو ترامب عبر تطبيق سيغنال”، مجلّة “ذا أتلانتك”، 26 مارس 2024، متاح على الرابط: https://www.theatlantic.com/politics/archive/2025/03/signal-group-chat-attack-plans-hegseth-goldberg/682176/
  2. من المرجح أن حماس كانت تأمل في عرقلة المحادثات عندما شنت هجماتها.
  3. ربما أراد نتنياهو تحقيق أمرين في آن واحد: أن ينسب ترامب الفضل لنفسه في وقف إطلاق النار، وفي الوقت نفسه أن يقدّمه كأمر محسوم، كي لا يتدخل فيه أكثر من اللازم، وبالفعل، أمكن استئناف الأعمال العدائية بمجرد اتضاح مدى مواقف ترامب.
مشاركة