إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

سقطرى: مقال مصوّر عن تغير المناخ والذاكرة

Read this in English Read this in English

“مراعاة حدود الله والتآلف والعيش ببساطة وهدوء، ونفعل كما يفعل أهلنا وأجدادنا”.[1]

تتمتع سقطرى، وهي أحد مواقع التراث العالمي الطبيعي لليونسكو، بواحد من أكثر النظم البيئية تفرداً وعزلة في العالم. يقع أرخبيل سقطرى قبالة سواحل اليمن بالقرب من القرن الأفريقي، عند ملتقى بحر العرب والمحيط الهندي. يعد الأرخبيل موطناً لتنوع بيولوجي مذهل: 37 بالمئة من أنواع النباتات البالغ عددها 825 نوعاً مستوطنة فيه (أي أنها لا توجد في اي مكان بالعالم خارج الأرخبيل)، فهو موطن لأشجار نادرة، بما في ذلك شجرة دم الأخوين الشهيرة، ومجموعة متنوعة من الحيوانات، تشمل الطيور البرية والبحرية، والعديد منها مهدد بالانقراض. عام 1992، خلال قمة الأرض في ريو دي جانيرو بالبرازيل، تم الاعتراف بسقطرى كواحدة من أكثر مناطق العالم بكارة، والتي لم يمسها التدهور. أعلنت الحكومة اليمنية رسمياً أرخبيل سقطرى محمية طبيعية بموجب المرسوم الجمهوري رقم 75 لعام 2000، وقسمتها إلى 27 محمية بحرية و12 محمية برية، وأعلنتها اليونسكو محمية للإنسان والمحيط الحيوي عام 2003، وموقعاً للتراث العالمي الطبيعي عام 2008.

بنى سكان سقطرى لقرون علاقة وثيقة مع بيئتهم، متكيفين مع طبيعتها ومستفيدين من مواردها، مع بذل الجهود للحفاظ عليها. يشكل تأثير تغير المناخ الآن التهديد الأكبر لأسلوب الحياة السقطري. خلال السنوات الأخيرة، أدى الجفاف المطول والآثار المدمرة للأعاصير، بما في ذلك إعصار تشابالا في 2015، وإعصار مكونو في 2018، إلى تدمير الموائل الطبيعية في الأرخبيل، وتدمير الشعاب المرجانية، والتسبب في تآكل التربة، وإلحاق الضرر بالأشجار والنباتات المستوطنة في الجزر. لقد ازدادت وتيرة الأعاصير في اليمن، مما يشكل مخاطر جسيمة على سكان السواحل المعرضين للخطر في البلاد.

في هذا المقال المصوّر، نوثق التغييرات التي شهدها أهالي سقطرى، ونرصد آثار تغير المناخ على سبل عيشهم ومحيطهم الطبيعي. نغوص في حكاياتهم لنفهم مدى تأثير هذه التغيرات على الأرخبيل، مسلطين الضوء على التجارب الإنسانية والثقافية للسكان المحليين خلال هذه الفترة التحويلية. كان للتحولات المناخية السريعة عواقب بعيدة المدى في سقطرى على الأرض والإنسان.

مع اندلاع الحرب في اليمن والتحولات التي حدثت خلال العقد الأخير، لم تجرَ سوى القليل من الأبحاث ولم يُمنح سوى القليل من الاهتمام للتأثيرات السريعة لتغير المناخ على تراث اليمن الطبيعي والثقافي الثمين. بفضل تنوعه البيولوجي الفريد، يُعد أرخبيل سقطرى مثالاً جلياً على كيفية إعادة تشكيل تغير المناخ للعالم الطبيعي وحياة سكانه.


شبان يدفعون قاربًا إلى الشاطئ في مديرية حديبو، شمال شرقي سقطرى، بعد عودتهم من رحلة صيد، في 22 يونيو 2025. // الصورة لمركز صنعاء، بعدسة محمود فتحي

الحياة في البحر

“سيأتي زمن يكون فيه الساحل خالياً من أي صياد، والمراعي خالية من الأغنام”.[2]

يحمل البحر حكايات عزيزة ومؤلمة في آن واحد لأهالي سقطرى. منذ العصور القديمة، كان مصدراً للرزق خلال فترات الجوع والجفاف، ويوفر فرص عمل حيوية. يسلط الفولكلور المحلي في سقطرى الضوء على وفرة خيرات البحر والتهديدات المرتبطة بالظواهر الجوية المتطرفة. سلط فؤاد نصيب سعيد، [3] وهو من السكان المحليين ومدير قسم الأبحاث والمناطق البحرية المحمية بفرع هيئة حماية البيئة بسقطرى، الضوء على الأضرار الجسيمة التي ألحقتها الأعاصير بسبل عيش الصيادين ومعداتهم.

وبحسب سعيد، تفتقر سقطرى حالياً إلى نظام إنذار مبكر لتنبيه الصيادين بشأن الكوارث المناخية الوشيكة، مما يمكنهم من تأمين ممتلكاتهم ومعداتهم قبل أن تضرب الأعاصير. عام 2015، دمر إعصار تشابالا العديد من القوارب والمحركات وقطع المعدات، مما فاجأ الصيادين. وبعد أسبوع واحد فقط، تبعه إعصار ميغ، مسبباً المزيد من الدمار.

أثّر الصيد الجائر – والكثير منه غير قانوني – إلى جانب ارتفاع درجة حرارة البحر، بشكل كبير على ممارسات الصيد التقليدية في سقطرى، مما أدى إلى انخفاض حاد في المصيد. في الماضي، كانت القوانين والأعراف المحلية تنظم الصيد، لكنها بدأت تختفي شيئاً فشيئاً. لا تزال الدراسات التي تبحث في تأثيرات تغير المناخ على الحياة البحرية بسقطرى نادرة بسبب نقص الموارد.


أشجار السدر في منطقة تار دترر بوادي عفره، وسط غربي سقطرى، 25 يونيو 2025 // الصورة لمركز صنعاء، بعدسة محمود فتحي

الوديان

“وادي دفعرهوا تغير بعد الاعصارات”.[4]

استذكر الشيخ سالم حزمهي، وهو من سكان وادي دفعرهوا، طفولته في هذا الوادي الأوسط، الذي يُعد من أهم وديان سقطرى، قائلا: “كان هذا الوادي مليئاً بالأشجار الوارفة الظلال، وكنا نقيم كل تجمعاتنا هنا. ذات يوم، وكنت صغيراً، أتى السلطان [من سلالة بنو (آل) عفرار] إلى هذا الوادي، واجتمعت القبائل هنا وجلبت معها الأغنام. تم ذبح الأغنام، وتوسط السلطان لحل النزاعات بين سكان المناطق المجاورة. بعد أيام، غادر السلطان وعدنا إلى بيوتنا هنا”.

تضررت الوديان الأخرى أيضاً بشكل كبير في سقطرى. أوضح حزمهي أن العديد من هذه الوديان، التي كانت مليئة بالأشجار، تشبه الآن صحارى جرداء بسبب تأثير الأعاصير، وأعرب عن أسفه قائلاً: “كانت الأمطار غزيرة، والرياح المصاحبة شديدة؛ فتدمر كل شيء”. هُدم بيت حزمهي المطل على الوادي، خلال أحد الأعاصير؛ وجرفت السيول أجزاء منه. مشيراً إلى بيت مدمر بالقرب من موقع التصوير، قال: “هذا البيت يحمل ذكرياتي. حياتي كلها كانت هنا. هنا ولدت، وهنا تزوجت، وهنا عشت حياتي كلها. لكن الأعاصير جاءت وأخذت الكثير، وأجبرتني على الانتقال وبناء بيت آخر في مكان آخر”. حذر خبير في التنوع البيولوجي يعمل في سقطرى من أن ملايين السنين من التطور البيولوجي قد تكون مهددة بشكل خطير بسبب تغير المناخ.


شجرة دم الأخوين سقطت بسبب الجفاف في هضبة ديكسام – وسط سقطرى، في 19 يونيو 2025 // الصورة لمركز صنعاء، بعدسة محمود فتحي

شجرة دم الأخوين

“شجرة دم الأخوين في قلب سقطرى”.[5]

تحيط الأساطير بشجرة دم الأخوين (Dracaena cinnabari) الشهيرة في سقطرى. تحكي إحدى الأساطير الشعبية عن جزيرة غير مأهولة، وفي البر الرئيسي، مرضت ابنة سلطان، ورغم قصارى جهدهم، لم يتمكن الأطباء من إيجاد علاج لمرضها. أخيراً، أشار أحد الأطباء على السلطان بوجود جزيرة غير مأهولة اسمها سقطرى، يوجد فيها نبات يمكنه علاج ابنته، فأعلن السلطان أن أي فارس يجرؤ على المغامرة إلى تلك الجزيرة وإحضار العلاج سيتزوج ابنته. تقدم فارس شجاع وأبحر إلى جزيرة سقطرى. عند وصوله، وجد أن الجن يحرسون الجزيرة. خاض معركة مع أحد الجن وتمكن من جرحه. عندما أدرك الجني أنه جُرح، هرب إلى الجبال وهو ينزف، وحيثما سقطت قطرة من دمه، نبتت شجرة دم الأخوين. عاد الفارس إلى البر الرئيسي بالعلاج. فشفيت الابنة وتزوجها، وذهبا معاً إلى سقطرى، ليصبحا أول من سكن الجزيرة.[6] كان صمغ الشجرة، المعروف باسم “أمصَلة”، يُستخدم ويُصدَّر في العصور القديمة كعلاج لوقف النزيف، أما اليوم، فتستخدمه النساء في سقطرى في مستحضرات التجميل، كما يُباع للسواح.

يشير تقرير لليونسكو عام 2022 حول سقطرى إلى أن الأعاصير دمرت بساتين بأكملها من شجرة دم الأخوين.


أشجار النخيل المحملة بعناقيد التمر الصفراء الجاهزة للحصاد، في منطقة قيسو بمديرية قلنسية – غربي سقطرى، في 26 يونيو 2025 // الصورة لمركز صنعاء، بعدسة محمود فتحي

النخيل

“نحن نحافظ على أشجار النخيل لأنها مباركة ومقدسة في نظرنا”.[7]

يعتبر السقطريون شجر النخيل مباركاً. في التراث الشعبي السقطري، هناك أسطورة رواها الشيخ حسن القيسي من قرية قيسو غرب سقطرى، تقول: “في قرية صغيرة غرب سقطرى، كان الماء شحيحاً، وكان هناك نظام لاستخدام الماء القليل المتوفر، حيث يُخصص لكل شخص يوم ليسقي مواشيه ويخزن ما يكفيه لمنزله حتى يأتي دوره التالي. في يوم هادئ، كانت امرأة من القرية تجمع الماء، وبينما كانت مشغولة بملء القربة (وعاء ماء تقليدي مصنوع من جلد الحيوان)، اقترب منها رجل على صهوة جواد، وطلب منها ماءً ليروي عطشه، فأعطته، ثم طلب ليسقي حصانه، فلبت طلبه، ثم طلب ليغتسل، فأعطته المزيد من الماء، ثم طلب أن يغسل حصانه، ومرة أخرى لبت طلبه. قال الرجل على صهوة الجواد: ‘أنتِ امرأة كريمة. أطلب منكِ أن تعودي إلى هذا المكان في الصباح الباكر غداً، وستجدينه قد امتلأ بينابيع المياه وتحول إلى غابة من النخيل’. عادت المرأة إلى بيتها، وفي صباح اليوم التالي، رجعت إلى المكان لتجده مليئاً بالينابيع وأشجار النخيل. منذ ذلك الحين، أُطلق على هذا المكان اسم “عيهن مصبيحة”، (الينابيع التي ظهرت فجأة في الصباح). تقول الأسطورة إن ذلك الرجل كان ملاكاً من السماء”.

شكل النخيل لأجيال متعاقبة مصدراً للبقاء خلال سنوات الجفاف، حيث كان يوفر القوت الأساسي للسكان المحليين، لكن تغير المناخ والأعاصير المتزايدة العنف تعرض هذه الأشجار المباركة للخطر.


شجرة أمته محاطة بأشجار جافة، نتيجة للجفاف الذي ضرب سقطرى عام 2025، في منطقة حيبق بمديرية حديبو شمال – شرقي سقطرى، في 26 يونيو 2025 // الصورة لمركز صنعاء، بعدسة محمود فتحي

شجرة أمته

“لقد تضررت الأشجار في سقطرى بشدة، ومنها شجرة أمته”.[8]

الرعي في سقطرى غير منظم إلى حد كبير. تجول الماعز بحرية باستثناء موسم الجفاف، عندما تحتاج إلى تغذية تكميلية بسبب نقص العشب والشجيرات الناجم عن الجفاف. تختلف ممارسات توفير العلف باختلاف المناطق، ففي الشريط الساحلي الشمالي، لا يزال الرعاة يعتمدون على شجرة أمته لإطعام الماعز أثناء الجفاف. تاريخياً، كان جميع الرعاة يعتمدون على هذه الشجرة أكثر لإطعام ماعزهم، ولكن مع بدء استيراد الشعير، توقف الكثيرون عن الاعتماد عليها.

شجرة أمته (Euphorbia arbuscula) هي نوع مستوطن في سقطرى وكانت منتشرة في العديد من المناطق. خلال العقد الماضي، أثرت الأعاصير بشدة على العديد من الأشجار المستوطنة، تاركة مساحات واسعة جرداء. تشبه شجرة أمته شجرة دم الأخوين، وهناك طرفة محلية يتداولها السقطريون تروي حادثة عن مسؤول يمني كبير من البر الرئيسي زار الجزيرة لأول مرة. رصد شجرة أمته على الطريق من المطار إلى حديبو وجلس تحتها، ظناً منه خطأً أنها شجرة دم الأخوين، التي لا تنمو إلا على ارتفاعات أعلى.

في تقرير بيئي عن سقطرى، أبرزت وكالة أسوشيتد برس أنه في عام 2015، اقتلع إعصار مزدوج شديد بشكل استثنائي آلاف الأشجار، بعضها يزيد عمره عن 500 عام. لقد استمر الدمار خلال العام 2018، مع وصول إعصار مكونو.


شجرة لبان تجف بسبب الجفاف في محمية حومهل الطبيعية، مديرية حديبو – شمال شرقي سقطرى، 21 يونيو 2025 // الصورة لمركز صنعاء، بعدسة محمود فتحي

شجرة اللبان

“فقدت العديد من الغابات 70 بالمئة من أشجار اللبان بسبب الأعاصير”.[9]

شجرة اللبان (boswellia sacra) هي شجرة نادرة تزدهر في المناطق الجبلية جنوبي شبه الجزيرة العربية، خاصة في عُمان واليمن. تنتج الشجرة اللبان، أثمن سلعة كانت تُتداول على طول طريق البخور القديم. من بين 24 نوعاً معروفاً من أشجار اللبان (Boswellia)، يوجد 11 نوعاً منها فقط في سقطرى. يُباع ويُصدَّر غالبية اللبان السقطري، عادةً عبر البر الرئيسي لليمن، عن طريق المكلا، قبل أن يصل إلى دول أجنبية، ويُباع الباقي محلياً للسياح. قال صالح عمر، [10] وهو من سكان محمية حمهل الطبيعية الواقعة في شمال شرق سقطرى، والمعروفة بنباتاتها الفريدة وغاباتها الكثيفة من الأشجار المستوطنة: “اسم شجرة اللبان بالسقطرية هو ‘صمعانه’ أو ‘سقطرانه'”. “كان هذا المكان غابة من أشجار اللبان، لكن الأعاصير والرياح القوية دمرت الكثير منها، وحولت المنطقة إلى مشهد مدمر مليء بالأشجار الملقاة على الأرض”. قال صالح عمر الذي بادر بزراعة ما يقرب من 700 شجرة لبان: “لم أستطع تحمل رؤية هذه المنطقة بدون أشجار اللبان”. أشار صالح أيضاً إلى أنهم اكتشفوا مؤخراً أن صمغ الشجرة مفيد لمرضى القلب، وأن هذا الصمغ كان يُستخدم في طقوس المعالجين الشعبيين السقطريين أثناء علاج مرضاهم.


ماعز تتجه إلى المرعى بين الأشجار في مديرية قلنسية – غربي سقطرى، في 27 يونيو 2025 // الصورة لمركز صنعاء، بعدسة محمود فتحي

الأغنام

“لقد تأثرت كثيرا حياتنا وصرنا كل فترة نترك شيئا من ثقافتنا وموروثنا الجميل”.[11]

ارتبطت الأغنام بالسقطريين منذ أقدم العصور وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من فلسفة الحياة الريفية. تشير التقديرات إلى أن هناك حوالي 480٬000 رأسا من الماعز في سقطرى. يقول عامر سالم سعيد، [12] وهو راعٍ في مديرية قلنسية غرب سقطرى: “نحن نحب أغنامنا لأنها مصدر رزقنا. نفخر بها ونعتز بها، ونسميها ‘مغصُب دي الله’ (المقدسة عند الله). كانت الأغنام ولا تزال ذات أهمية كبيرة لنا؛ فهي تدر الحليب، وتنقذنا من الجوع، وبها نكرم ضيوفنا. كما نعتبرها حيوانات مباركة نتقرب بها إلى الله في دعائنا، وكثيراً ما يستجيب لنا”.

أشار صالح بن دوهر من لسكه، [13] من وسط غرب سقطرى، إلى كيف أدى المناخ المتطرف إلى تدهور واختفاء مجموعة متنوعة من الشجيرات المستوطنة التي ترعى عليها الماعز: “كانت هناك نباتات تنمو في المراعي يأكلها السكان المحليون أحياناً، وكانت لذيذة، لكنها اختفت تماماً”. عدد راعٍ آخر[14] من نفس المنطقة الشجيرات التي كانت الماعز تأكلها، وبعضها كان صالحاً للاستهلاك البشري أيضاً، ومنها “أيڜهر وصيفت وتلالية وكبدنه وجفاهن ومݣخيرهم و ريبه و مندورب وغيرها الكثير”. “لقد اختفت تسعون بالمئة من هذه الشجيرات في السنوات الأخيرة ولم تعد تنمو”. تأثرت قطعان الماعز بشدة أثناء الأعاصير بسبب الأمطار الغزيرة، مما أدى إلى نفوق الكثير من الحيوانات. بعد الأعاصير، شهدت أنماط وممارسات الرعي تغييرات كبيرة بسبب التغيرات في التربة والمراعي، واختفاء العديد من الشجيرات، والأضرار الواسعة التي لحقت بالبيئة الطبيعية، وسقوط الأشجار.


نحّال يرتدي بَدلة الحماية في منحل بمنطقة معَنوفة التابعة لمديرية حديبو، شمال شرقي سقطرى، في 23 يونيو 2025 // الصورة لمركز صنعاء، بعدسة محمود فتحي

العسل

“نحل سقطرى يواجه خطر الانقراض”.

يُعد العسل السقطري من أجود أنواع العسل في اليمن، وهي دولة تشتهر بتقاليد تربية النحل القديمة التي تعود لآلاف السنين. في سقطرى، كان العسل يُباع في الأسواق داخل عبوات مياه “شمسان” البلاستيكية (العلامة التجارية الوطنية للمياه في اليمن الجنوبي قبل الوحدة)، ويُصدَّر إلى البر الرئيسي لليمن والخليج. مع تزايد السياحة، بدأت بعض المتاجر في تسويق العسل في عبوات بلاستيكية تحمل ملصقاً يحمل شعار المتجر.

اعتاد النحالون السقطريون على استخراج العسل من الخلايا الموجودة في الجروف الصخرية الطبيعية والأشجار الكبيرة، حيث يتغذى النحل على أنواع مختلفة من الأشجار المستوطنة في سقطرى، مثل “المتهن” و”الضد” و”الأسفة” و”أمته”. أثرت الأعاصير المتكررة أيضاً على نحل سقطرى. تسببت العواصف في اقتلاع العديد من الأشجار، مما أثر بدوره على نحل الأرخبيل. وفي العديد من مناطق سقطرى، اختفى النحل الآن بشكل شبه كامل. قال أحمد عبد الله، [15] وهو نحال من جبال حجهر في شرق سقطرى: “في الماضي، كان النحل يأتي بداية الموسم إلى بيوته وخلاياه في الأشجار الكبيرة أو الصخور في الوديان والجبال، لكن الأعاصير دمرت الأشجار والوديان وكل شيء آخر. لقد تغير نمط حياة النحل الآن”. يمكن أن يكون لتأثيرات تغير المناخ أثر وخيم على تربية النحل، مع تداعيات خطيرة على سبل عيش الناس وهذه المهنة القديمة.


منزل حجري تقليدي بُني بالطريقة السقطرية القديمة وسُقِفَ بألواح من الأشجار المحلية، في قرية شَبِن بهضبة دِكْسَم – وسط سقطرى، في 24 يونيو 2025. تضرر المنزل جراء إعصار تشابالا عام 2015. // الصورة لمركز صنعاء، بعدسة محمود فتحي

طرق البناء القديمة

“كانت البيوت المبنية بالطريقة القديمة دافئة”.

بالإضافة إلى تأثيره على تنوعها البيولوجي، يؤثر تغير المناخ على التراث المعماري الفريد للأرخبيل. في سقطرى، كانت طريقة البناء القديمة للمنازل والأكواخ الحجرية، المسماة “طَاد ضَافْرِي”، تتضمن رص الحجارة المفردة حجراً فوق حجر، بدلاً من استخدام جدران مزدوجة الطبقات. كان السقف يُبنى بوضع فروع الأشجار الكبيرة كعوارض من جانب إلى آخر، ثم يُرص السقف بالفروع الصغيرة، وأخيراً، توضع طبقة من نوع معين من التربة لمنع تسرب المياه إلى الأرضية. وجد السكان المحليون هذه الطريقة موثوقة، لكنها لا تستطيع الصمود أمام الطقس العنيف الناجم عن التحولات المناخية، فاضطر أهالي سقطرى إلى التكيف مع طريقة بناء جديدة وحديثة تعتمد على الإسمنت والحديد، وهو ما يتناقض بشدة مع بيئة سقطرى الطبيعية البرية.

ألحقت الظواهر الجوية المتطرفة خلال عامي 2015 و 2018، على وجه الخصوص، أضراراً جسيمة بالتراث المعماري في سقطرى، بما في ذلك الأضرار التي لحقت بالمعالم الأثرية الوطنية مثل مسجد علاء الذي يعود إلى القرن التاسع عشر. أقر الصندوق العالمي للآثار، وهو منظمة مكرسة للحفاظ على تراث سقطرى المعماري، بالتهديد الذي يشكله تغير المناخ على التنوع البيولوجي، والتراث المعماري، والتقاليد الثقافية، وسبل العيش المحلية في أرخبيل سقطرى، مشيراً إلى أن تراثه الحي الغني يستحق التقدير والحماية.


البحر العربي، وهو مصدر رئيسي لكسب العيش لسكان سقطرى، التقطت الصورة في قرية قاضب بمديرية حديبو – شمال شرقي سقطرى، في 22 يونيو 2025 // الصورة لمركز صنعاء، بعدسة محمود فتحي

مخاوف بشأن المستقبل

“قد يحدث تغيير في سقطرى لدرجة أن تأتي رياح الربيع في ذروة فصل الخريف”[16]

تعكس كلمات الشيخ سعد سليمان، [17] وهو راعٍ للماعز من قرية خرسوا في غرب سقطرى، قلق سكان سقطرى من تغير المناخ، مسلطة الضوء على أن تأثير تغير المناخ ليس بيئياً فحسب، بل هو إنساني في الصميم: “منذ زمن بعيد، أمطرت السماء لمدة أسبوع تقريباً. نفقت الكثير من الأغنام ومات بعض الناس أيضاً. قبل أمطار تلك السنة، كان هناك جفاف استمر لسنوات طويلة. تُعرف تلك السنة بأمطار ‘دي الربوع’ (أمطار الأربعاء). أعتقد أن المطر بدأ يوم أربعاء واستمر حتى الأربعاء التالي. لم يكن الوضع آنذاك على الإطلاق مثل ما شهدناه في السنوات الأخيرة. لم أسمع قط أياً من كبار السن يتحدث عن أمطار بهذه الطريقة غير المألوفة. لقد دمرت الأعاصير كل شيء وعطلت نمط الحياة في سقطرى. كنا نعتقد أن سقطرى ستكون دائماً بخير، لكن مؤخراً ينتابني قلق عميق على سقطرى، وأخشى أن تتكرر هذه الكوارث”.

الهوامش
  1. عبارة وردت على لسان راعي الماعز صالح بن دوهر، أحد سكان منطقة لسكه في وسط غرب سقطرى، خلال مقابلة معه بتاريخ 29 يونيو 2025.
  2. “عاد طوحح لكن خله دبال مشعرك وعاد شاضرن أديهم دبال غݣيه باسن”. أنشودة شعبية باللغة السقطرية ينشدها الصيادون وهم في عرض البحر.
  3. مقابلة مع فؤاد نصيب سعيد، مدير قسم الأبحاث والمناطق البحرية المحمية بفرع الهيئة العامة لحماية البيئة بسقطرى، 22 يونيو 2025.
  4. مقابلة مع الشيخ سالم حزمهي، من سكان وادي دفعرهوا، 25 يونيو 2025.
  5. جيس كريج، “إنقاذ دم الأخوين: كيف رفضت جزيرة أن تترك شجرة أسطورية تموت”. الغارديان، 12 نوفمبر 2022.
  6. كما رواها سالم الكيباني، من سكان هضبة دكسم، وسط سقطرى، 26 يونيو 2025.
  7. مقابلة مع الشيخ حسن القيسي، أحد السكان المحليين وشيخ منطقة قيسو غرب سقطرى، 26 يونيو 2025.
  8. مقابلة مع أحمد محمد أحمد، راعٍ في منطقة هيباغ، 26 يونيو 2025.
  9. مقابلة مع سالم حمديه السقطري، خبير في شجرة اللبان، 26 يونيو 2025.
  10. مقابلة مع صالح عمر، من سكان منطقة حمهل، وهي محمية طبيعية لأشجار اللبان في شمال شرق سقطرى، 21 يونيو 2025.
  11. مقابلة مع الراعي عامر سالم، أحد سكان منطقة شاتا غرب سقطرى، 27 يونيو 2025.
  12. المصدر السابق.
  13. مقابلة مع راعي الماعز صالح بن دوهر، أحد سكان منطقة لسكه وسط غرب سقطرى، 29 يونيو 2025.
  14. مقابلة مع عبد الله أحمد، أحد سكان منطقة لسكه وسط غرب سقطرى، 29 يونيو 2025.
  15. مقابلة مع النحال أحمد عبد الله، رئيس جمعية معثن للعسل، 23 يونيو 2025.
  16. “حرصى حرصى خلفى أمدتن. ليل بيدن من خرفى أريس لمديه لعلى”. النص الأصلي للعبارة باللغة المهرية، من أقوال نبهي، حكيم سقطري.
  17. مقابلة مع الشيخ سعد سليمان حرسي، راعي ماعز من قرية خرسوا، غرب سقطرى، 28 يونيو 2025.
مشاركة