شيماء بن عثمان
خلال الأعوام الثلاثة الماضية، اندلعت احتجاجات متكررة هزت مدينة المكلا الساحلية، عاصمة محافظة حضرموت اليمنية. كان السبب الرئيسي بالعادة ضُعف شبكة الكهرباء في المكلا والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وإن تخلل تأثير السياسة والحرب اليمنية الأوسع نطاقًا في بعض الأحيان على تلك الاحتجاجات. في المقابل، واصلت السلطات تكثيف حملاتها المضادة هذا العام في محاولة لقمع الاضطرابات.
في مارس/آذار 2021، على سبيل المثال، خرج طلاب الجامعات إلى الشوارع للتنديد بتدهور قيمة الريال اليمني وارتفاع أسعار الوقود. وبعد ذلك بأيام، تصدّت قوات الأمن والجيش بشراسة لاحتجاج آخر، حيث أطلقت الرصاص الحي والمطاطي على المتظاهرين مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة آخرين.
أعلن محافظ حضرموت، فرج البحسني، “حالة الطوارئ” قائلًا إنه سيُشكل لجنة للتحقيق في الواقعة. كما شرع وزير الداخلية، إبراهيم حيدان، بتشكيل لجنة خاصة للتحقيق. ولم تكشف بعد أي من اللجنتين النتائج التي توصلت إليها.
ورغم أن حالة الطوارئ التي أعلن عنها البحسني حظرت فعليًّا أي مظاهرات شعبية، إلا أن ذلك لم يُحدث تأثيرًا ملموسًا على الحالة المزاجية للرأي العام. لا تزال الخدمات الكهربائية ضعيفة في حين تدهورت قيمة الريال اليمني في الآونة الأخيرة الى أدنى مستوياتها في جنوب اليمن، حيث بلغ سعر الصرف 1,000 ريال مقابل كل دولار أميركي.
نُظمت الاحتجاجات الطلابية في مارس/آذار من قِبل اتحاد طلاب جامعة حضرموت، حيث طالب قادة الحركة الاحتجاجية الحكومة بالتراجع عن قرارها برفع أسعار المشتقات النفطية، ومنع تدهور قيمة العملة، وضبط أسعار المواد الغذائية وإيجار المساكن، إلى جانب خفض الرسوم المدرسية أيضًا للتخفيف من حدة انعكاسات الخسارة في قيمة الريال. ألقى العديد من المتظاهرين اللوم على محافظ حضرموت، البحسني، والذي يتبوأ أيضًا منصب قائد المنطقة العسكرية الثانية وقائد قوات النخبة الحضرمية المدعومة من الإمارات. دحض البحسني العديد من تلك الاتهامات مُعتبرًا إياهم “مخربين مأجورين“. كما تكررت الاحتجاجات المنددة بانخفاض القدرة الشرائية، وانتهاكات حقوق الإنسان، والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
انضمت النساء أيضًا للحركات الاحتجاجية في الشوارع. ففي مارس/آذار 2021، نظّمت النسوة مسيرة مع أطفالهن طالبن فيها بوضع حد للفساد ودَعَيْن المسؤولين إلى التعامل مع انهيار العملة وارتفاع الأسعار.
جاءت مظاهراتهن إلى جانب احتجاجات الطلاب، في وقت شهدت أسعار الوقود ارتفاع مطرد في حضرموت. ففي الفترة ما بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2021، ارتفعت أسعار المشتقات النفطية في حضرموت بنسبة 30%. وبالتالي أصبح العديد من الطلاب المُحتجين غير قادرين على تحمل تكاليف المواصلات إلى الجامعات لحضور المحاضرات.
يقول طارق باني، طالب في جامعة حضرموت “سيضطر عشرات الطلاب من مدينتي إلى التوقف عن الدراسة إذا استمر (الوضع) على هذا النحو. فأولياء الأمور الذين يتقاضون رواتب شهرية تصل إلى 70 ألف ريال يمني لا يمكنهم تحمل تكاليف المواصلات الخاصة لكل ابن/ابنة والتي قد تصل إلى 25 ألف ريال يمني. ناهيك عن الرسوم الدراسية وما يرتبط بها من احتياجات الطالب كالكتب والقرطاسية وغير ذلك”.
في أوائل شهر مارس/آذار، شكل البحسني لجنة للنظر في مطالب الطلاب وتقديم التوصيات. ولكن مع انعدام بوادر حلّ في الأفق، علق البحسني الدراسة الجامعية تحت مبرر تهديد موجة جديدة من جائحة كوفيد-19.
أُعيد فتح الجامعات في يونيو/حزيران، غير أن أسعار الوقود ظلت على ارتفاعها. فشلت السلطات المحلية في اتخاذ أي إجراءات لتصحيح الوضع في ساحل حضرموت. غير أنه في وادي حضرموت، شكل عصام الكثيري، وكيل المحافظة لشؤون مديريات حضرموت الوادي والصحراء، لجنة أوصت بدعم جميع تكاليف المواصلات الخاصة بالطلاب لمواجهة ارتفاع أسعار الوقود. وعلى عكس الوضع في ساحل حضرموت، يتمتع سكان وادي حضرموت باستقرار اجتماعي نسبي، مع توافر الخدمات والكهرباء بصورة أفضل. ومنذ عام 2018، لم يشهد وادي حضرموت سوى مظاهرة عامة كبرى واحدة فقط، شجب خلالها المتظاهرون الوضع الأمني لا سيما حالات الاغتيال المتزايدة.
مع تنامي الاحتجاجات، تتزايد المخاوف على الحقوق والحريات بسبب الأسلوب الذي ينتهجه البحسني في التعامل مع المواطنين. ففي 27 مايو/أيار 2020، شنت السلطات حملة اعتقالات طالت العديد من الأفراد العاملين في مكتب وقصر المحافظ، بما في ذلك الصحفي عبدالله بكير، والمهندس التقني أحمد اليزيدي، والطباخ فهمي باعافية. وفي 3 يونيو/حزيران، أصدرت النيابة الجزائية المتخصصة بيانًا صحفيًّا تُبرر فيه هذه الاعتقالات، مُدعية أنها جاءت في إطار إحباط مؤامرة اغتيال استهدفت البحسني. غير أنها لم تصدر قطّ أي مذكرات اعتقال.
بعد مرور أربعة أشهر على هذه الاعتقالات، وعلى إثر حملة متواصلة من الصحفيين ومنظمات حقوق الإنسان والناشطين، وافقت النيابة الجزائية المتخصصة في المكلا على بدء إجراءات المحاكمة. وبعد عام واحد على الاعتقالات -تخلّلها محاكمة مطوّلة لم تُقدَّم فيها قطّ أي أدلة دامغة- دخل بكيرفي إضراب عن الطعام احتجاجًا على استمرار اعتقاله ما أدى الى تدهور حالته الصحية، وفقًا لمنظمة مراسلون بلا حدود. أُطلق سراح عبدالله بكير والآخرين في أبريل/نيسان 2021.
وفقًا لمرصد الحريات الإعلامية في اليمن، سُجلت 49 حالة انتهاك طالت صحفيين في حضرموت من عام 2015 وحتى سبتمبر/أيلول 2020، شملت عمليات اختطاف، واعتقال، وتهديد، وتعذيب. ويزعم الناشطون المحليون أن السلطات أنشأت ما يُعرف بـ”غرفة الرصد” لتتبّع منشورات الصحفيين والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي.
في منشور له على فيسبوك، قال صحفي محلي يدعى محمد اليزيدي إنه تعرض في سبتمبر/أيلول 2020 للتهديد والمطاردة ومحاولة اختطاف من قِبل رجال مسلحين يرتدون ملابس مدنية، منوّهًا في وقت لاحق إلى أنهم عناصر تابعون للاستخبارات العسكرية في حضرموت. وأضاف أن السلطات الأمنية في حضرموت اعتقلت شقيقه بعد شهرين، وتحديدًا في نوفمبر/تشرين الثاني، وهو ما اعتبره محاولة لترهيبه ومنعه من كتابة التقارير الصحفية عن قضايا الفساد وانهيار الخدمات العامة في حضرموت. يجري حاليًّا ملاحقة اليزيدي قضائيًّا من جانب السلطات، حيث نجح في الفرار من المكلا.
في ذات الفترة، اعتدى جنود من المنطقة العسكرية الثانية على معتز النقيب، مراسل قناة يمن شباب، وصادروا معداته. كما اعتُقل مراسل قناة المهرية زكريا محمد في أعقاب تغطيته وقفة احتجاجية أمام بوابة ديوان المحافظة.
من المرجح أن تدوم الاحتجاجات في ظل استمرار المعاناة نتيجة ضعف البنية التحتية في حضرموت، لا سيما مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف وبروز الفوارق في توافر الكهرباء بين وادي حضرموت وساحل حضرموت بصورة أكثر جلاءً.
شيماء بن عثمان هي محللة سياسات وناشطة وباحثة اجتماعية. وهي زميلة في منتدى سلام اليمن التابع لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية وفي المركز اليمني للسياسات. سبق وأن نُشرت لها مقالات في مجلة المدنية، وهي حاليًّا طالبة ماجستير دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأمريكية في بيروت.