بعد مفاوضات استمرت لأكثر من شهرين، وقعت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والمجلس الانتقالي الجنوبي في العاصمة السعودية الرياض، اتفاقية لإنهاء التوتر في عدن والمحافظات الجنوبية.
وفي حال نُفذت الاتفاقية بشكل كامل، فإن الجانب الأهم منها؛ يتمثل بأن تتحمل السعودية على عاتقها كامل المسؤولية عن جميع الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية في جنوب اليمن، بعد أن تتخلى الإمارات عن سلطتها على الأطراف اليمنية التي تعمل لصالحها بالوكالة.
أما الانتقالي الجنوبي وهو مجموعة جنوبية انفصالية موّلتها ودعمتها الإمارات، فسيجري استيعابه كطرف في الحكومة، التي بدورها ستصبح الجهة الوحيدة المسؤولة أمام لجنة سعودية تشرف على تنفيذ هذه الاتفاقية.
وفق بنود الاتفاقية، فإن القوات المدعومة من الإمارات في الجنوب، ستُضمّن في الوحدات العسكرية والأمنية الرسمية التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية في الحكومة، وسيكون لها هرم قيادة وسيطرة جديد وموحد، يكون مسؤولاً أمام السعوديين، والهدف الواضح من هذا الإجراء هو خلق جبهة موحدة لمواجهة جماعة الحوثيين المسلحة والسيطرة على المحافظات الشمالية.
ما يتضح أيضاً من بنود الاتفاقية والجدول الزمني لتنفيذها، هو أنها تهدف إلى تأمين عدن سياسياً وعسكرياً، وتثبيت سلطة الحكومة ومؤسسات الدولة فيها، ومن ثم استخدامها كنموذج على بقية المحافظات الجنوبية.
الجوانب السياسية للاتفاقية
من الناحية السياسية، فإن أهم جانب في اتفاقية الرياض هو تشكيل حكومة جديدة تضم ممثلين من الانتقالي الجنوبي – الذي رفض منذ تأسيسه في مايو 2017 الاعتراف بسيادة الحكومة ونافسها للسيطرة على المحافظات الجنوبية – في غضون 30 يوماً من التوقيع، وخفض عدد الوزراء من أكثر من 30 وزيراً إلى 24 كحد أقصى.
تنص الاتفاقية على عودة الحكومة إلى عدن وتأديتها اليمين الدستورية أمام الرئيس عبدربه منصور هادي، وهي خطوة هامة كون الحكومة ومنذ اندلاع النزاع لم تكن قادرة إلى حد كبير على العمل من عاصمتها المؤقتة، الرئيس هادي نفسه زار الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على الرعاية الطبية أكثر مما زار بلده، منذ وصوله إلى المنفى في الرياض عام 2015.
تقضي اتفاقية الرياض أيضاً على أن يستأنف رئيس الوزراء العمل من عدن في غضون أسبوع من توقيع الاتفاقية، وهو ما سيؤدي إلى إعادة تفعيل جميع المؤسسات الحكومية في المدينة.
يبدو أن الاتفاقية تهدف إلى تحسين عملية صناعة القرار في الحكومة وجعلها شاملة أكثر، وتحاول تحقيق ذلك عن طريق اشتراط أن يشغل المقاعد الوزارية أشخاص مؤهلين تأهيلاً جيداً ومعروفين بنزاهتهم لتشكيل حكومة تكنوقراط، وفي الوقت الذي سيكون للوزراء انتماءات سياسية طبقاً لتقسيم الوزارات بالتساوي بين الشماليين والجنوبيين فإن أحد الشروط الأساسية أن يكونوا ممن بقي بعيداً هو أن يكونوا قد أبعدوا أنفسهم عن الانخراط في “الدعاية التحريضية”.
الأهم من ذلك هو أنه يجب التوافق على الوزراء من خلال مشاورات بين مختلف القوى السياسية المناهضة للحوثيين، وهي عملية مختلفة تماماً عما حدث عند تشكيل الحكومة الأخيرة التي شُكلت فيها الحكومة بشكل كامل من قبل الرئيس وحلفائه في حزب الإصلاح.
وتخضع عملية تنفيذ هذه البنود، لإشراف لجنة سعودية مكونة لهذا الغرض، وبالتالي ما تحاول السعودية القيام به عبر اتفاقية الرياض هو تقديم نفسها كضامن لتكوين حكومة يمنية أكثر فاعلية وتشاركية.
أما على مستوى المحافظة – وبالإضافة إلى أن الاتفاقية دعت لتعيين محافظ جديد لعدن – فقد نصت الاتفاقية على تعيين محافظين جديدين لمحافظتي الضالع وأبين في غضون 30 يوماً من توقيع الاتفاقية.
اختيار هاتين المحافظتين الجنوبيتين تحديداً هو أمر داع للاهتمام، فبالإضافة إلى كونهما غريمين متنافسين تاريخياً فهما أيضاً معاقل رئيسية تدعم الطرفين الرئيسيين في الاتفاقية، حيث تدعم الضالع المجلس الانتقالي وتدعم أبين حكومة هادي نظراً لأنها مسقط رأس الرئيس، ولكن بدرجة أقل من دعم الضالع للمجلس الانتقالي.
كما أن المحافظين الحاليين لتلك المحافظتين كانا داعمين رئيسيين للطرفين، حيث دعم المحافظ الحالي للضالع علي مقبل صالح القوات المتحالفة مع المجلس الانتقالي، في حين قدم العميد أبو بكر حسين محافظ أبين دعمه لقوات الحكومة الشرعية خلال المعارك التي جرت شهري أغسطس وسبتمبر.
أما فيما يتعلق بالمالية العامة، فتنص الاتفاقية على أن تودع جميع إيرادات الدولة (بما في ذلك صادرات النفط والجمارك وغيرها) في البنك المركزي بعدن، في محاولة لإنهاء ممارسات العديد من المحافظات مؤخراً، التي جمعت هذه الإيرادات واحتفظت بها لتغطية النفقات المحلية.
وإضافة لذلك، نصت الاتفاقية على ضمان الشفافية من خلال إخضاع كل النفقات العامة للرقابة البرلمانية، وتطبيق إصلاحات على الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والهيئة المركزية للرقابة والمحاسبة وإعادة تعيين كوادرها من ذوي الخبرة والسمعة الطيبة وتمكين تلك الكوادر وتأهيلها لمكافحة الكسب غير المشروع.
ويبدو أن الإشارة الصريحة لوجود رقابة برلمانية على الحكومة تعني أن جهوداً متضافرة ستبذل أيضاً لإعادة تفعيل البرلمان في عدن، الذي عقد جلسته الوحيدة في أبريل بمدينة سيئون في محافظة حضرموت، بعد أن حالت التوترات بين المجلس الانتقالي والحكومة من عقد تلك الجلسة في عدن.
وما نصت عليه الاتفاقية من إصلاحات حكومية وإعادة تأكيد سيطرة الحكومة على الإيرادات والموارد وتفعيل الهيئات الإشرافية والرقابية، من شأنه أن ينذر بمواجهة الفساد وحالة عدم اليقين، الأمران اللذان تسببا في خنق الحكومة.
وعلى الرغم من ذلك فإن الاتفاقية لا تتضمن أي بنود تتعلق بالبيروقراطية في أوساط كبار المسؤولين -مثل وكلاء الوزارات ومدراء عموم المؤسسات-وهي المناصب التي عيّن فيها هادي شخصيات بالوساطة والمحسوبية، وبالتالي فإن أي تحسن في الرقابة والشفافية والمساءلة كنتيجة لاتفاقية الرياض من المحتمل أن يكون تحسناً جزئياً في أحسن الأحوال.
وبشأن المجلس الانتقالي الجنوبي تحديداً، فإن اتفاقية الرياض تمثل أول اعتراف رسمي سعودي به ككيان سياسي، وهو اعتراف أكثر أهمية له من اعتراف الإمارات أو حتى الدول الغربية.
تعرف قيادة المجلس – كالأحزاب اليمنية الأخرى – أن مصالح القوى الأجنبية وتأثيرها في اليمن متقلب، ولكن السعودية ستظل دوماً القوة العظمى المجاورة، وبالتالي فإن مصلحته على المدى الطويل تعتمد على بناء علاقات جوار عملية.
والأهم من ذلك هو أن المجلس قد حصل على مقعد بجانب الحكومة على الطاولة في مفاوضات السلام التي تقودها الأمم المتحدة.
الجوانب العسكرية والأمنية للاتفاقية
تدعو اتفاقية الرياض إلى إصلاح شامل لهيكل وتكوين القوات العسكرية والأمنية في جميع أنحاء جنوب اليمن لتحقيق هدف واضح وهو توحيد القيادة والسيطرة.
من الناحية الرسمية سُيعاد تشكيل معظم الوحدات تحت مظلة وزارتي الدفاع والداخلية التابعة للحكومة اليمنية، ولكن في نهاية المطاف ستتلقى جميع الوحدات العسكرية والأمنية – باستثناء قوات الحماية الرئاسية المكلفة بحماية كل من الرئيس وقادة المجلس الانتقالي – توجيهاتها من الرياض.
ومن المقرر أن تتم إعادة تشكيل تلك الوحدات على مدى فترة 90 يوماً، وهو جدول زمني طموح للغاية في بيئة منقسمة مثل بيئة جنوب اليمن.
التركيز الفوري للاتفاقية هو مواكبة التقدم الإقليمي الذي تم إحرازه خلال المعارك بين قوات الطرفين التي جرت في أغسطس من هذا العام، حيث تدعو المادة الأولى في الاتفاقية المتعلقة بالوضع العسكري والأمني جميع القوات في محافظات عدن وأبين وشبوة إلى العودة لمواقعها ما قبل أغسطس، وتسليم المهام الأمنية إلى القوات المحلية.
ومن ثم تركز اتفاقية الرياض على تأمين عدن، حيث نصت على نقل جميع الأسلحة الثقيلة الموجودة في المدينة، بما في ذلك الدبابات والعربات المدرعة وقاذفات الصواريخ وما شابه، إلى قواعد خاضعة للسيطرة السعودية في غضون 15 يوماً، وعدم إمكانية إعادة نشرها إلا بموافقة وتوجيهات سعودية.
كما يتعين على جميع القوات إعادة الانتشار خارج عدن في غضون 30 يومًا، وايقاف أي تحركات أو إجراءات أخرى إلا بموجب التوجيهات السعودية، وخلال 60 يوماً من توقيع الاتفاقية ستدمج كل هذه الوحدات في صفوف وزارة الدفاع وتوزع وفقاً للخطط السعودية، ويرجح أن تكون هذه إشارة لإرسالها إلى الخطوط الأمامية للانضمام إلى المعركة ضد قوات الحوثيين في الشمال.
تكلف الاتفاقية الرئيس بتعيين مدراء الأمن في جميع المحافظات الجنوبية بحسب الكفاءة والسمعة الحسنة، أما بالنسبة لمهام الأمن العام في عدن فستتولاها قوة شرطة تشكل خلال 30 يوماً من أفراد وكوادر يتمتعون بالمصداقية والمهنية من قوات الطرفين.
وبصورة مماثلة سيتم اختيار جنود من قوات الطرفين لتشكيل قوة حماية المنشآت، مكلفة بشكل خاص بحماية البنية التحتية والمؤسسات الحكومية الحيوية. وستخضع كل من الشرطة وقوة حماية المنشآت لوزارة الداخلية.
بعد ذلك سيتم تطبيق هذا النموذج لإعادة تشكيل قوات الأمن في جميع المحافظات الجنوبية الأخرى خلال 60 يوماً، وفقًا لاتفاق الرياض ويجب أن تكون جميع هذه القوات تحت سلطة وزارة الداخلية خلال 90 يوماً.
يبدو أن المكون العسكري والأمني في اتفاقية الرياض يهدف بوضوح إلى إبراز حقيقة جديدة للسيطرة الأمنية السعودية في جنوب اليمن. ففي الحين الذي تشير فيه نصوص الاتفاقية مراراً وتكراراً إلى “التحالف” الذي بدأ التدخل العسكري الإقليمي في اليمن وبالنظر إلى الانسحاب المستمر للقوات الإماراتية، فإن القوة المهمة الوحيدة المتبقية في التحالف هي المملكة العربية السعودية.
تتضمن اتفاقية الرياض ديناميكية عسكرية جديدة تتولى فيها الرياض الإشراف الكامل على جميع القوات المناهضة للحوثيين في جنوب اليمن، والأهم من ذلك الإشراف على تحركات قوات المجلس الانتقالي الجنوبية والأسلحة المقدمة لها والتي كانت في السابق تابعة لأبو ظبي.
النظر قدماً
على الرغم من العثرات الكثيرة للسعودية في اليمن فقد أثبتت طوال الصراع أنها نسبياً أقل تهوراً من الإمارات، شريكها السابق، فأبوظبي دعمت الميليشيات وغيرها من الجماعات التي قوضت تقويضاً كبيراً أداء الحكومة اليمنية، بعد أن كان من المفترض أن تقدم دعماً لها.
على الرغم من أن اتفاقية الرياض يجب أن تضع السعودية كسلطة لا منافس لها في جنوب اليمن، إلا أن العديد من العوامل ما تزال تقف ضد نجاح الاتفاقية وتشمل: العداوة الشديدة بين الأطراف المختلفة في جنوب اليمن، والإصلاحات الجذرية الشاملة التي يدعو إليها اتفاق الرياض، والجداول الزمنية للتنفيذ، وكذلك ميل السعودية في عملية اتخاذ القرارات إلى البيروقراطية، والبطء في الاستجابة للتطورات على الأرض.
سيتحتم على الاتفاقية أيضاً أن تعالج الجوانب الفنية غير المكتوبة حول كيفية تنفيذها، فكيف سيتم دمج قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الحكومة اليمنية بالضبط؟ كيف سيتم اختيار قوات الأمن المكلفة بتأمين عدن؟ من سيكون قادة تلك القوات؟ كانت هذه بعض من الأسئلة التي تركتها اتفاقية الرياض دون معالجة والتي من المحتمل أن تكون أكثر إثارة للجدل بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة هادي، فالسعودية لم تضع علناً على الأقل مصفوفة أو آلية يمكن بواسطتها حل تلك المسائل.
ماجد المذحجي، هو مؤسس ومدير تنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. ويغرد على الحساب: @Malmadhji