افتتاحية مركز صنعاء
مجلس رئاسي: أفضل الخيارات السيئة بدلًا عن هادي
على الرغم من الأحاديث التي لا تنتهي عن الحروب الإقليمية بالوكالة في اليمن، فإن العقبتين الأساسيتين أمام السلام بعد مرور أكثر من ست سنوات على اندلاع الحرب لا تزال في الواقع: جماعة الحوثيين المسلحة وعبدربه منصور هادي، رئيس البلاد المعترف به دوليًّا. تعمل جماعة الحوثيين، التي يقودها متعصبون مصابون بجنون الشك والاضطهاد، كمافيا مدفوعة بالأيديولوجيا في المناطق التي تسيطر عليها شمالي البلاد.
يعاني من يسكن في ظل حكم الحوثيين من الرقابة الاجتماعية الخانقة حيث يقمع الحوثيون حرية الفكر والتعبير ويبذلون جهودًا عبر التلقين الديني لإنشاء ثيوقراطية شمولية وفق رؤيتهم. من غير المرجح أن تتحقق طموحات الحوثيين بشكل راسخ على المدى الطويل، ومن غير المرجح أيضًا أن يكفوا عن كونهم لاعب قوي في اليمن. في حال تم التوصل إلى اتفاق على الصعيد الوطني لإنهاء الصراع، كما هو مأمول، فلا بد أن تكون هناك آلية وطنية معينة تشمل الحوثيين لرسم مستقبل سياسي للبلد بغض النظر عن كون ذلك غير مستساغ لكثير من اليمنيين.
بالنسبة لعبدربه منصور هادي، ليس بوسعنا قول الشيء نفسه عنه، كرأس للسلطة التي يجب عليها أيضًا أن توقع على أي اتفاق سلام لإنهاء النزاع. من شبه المؤكد أن هادي، الذي كان من المفترض أن تنتهي ولايته عام 2014، سيخرج من السلطة ضمن أي ترتيب في مرحلة ما بعد النزاع، فلا الحوثيون ولا معظم الأطراف داخل التحالف المناهض لهم سيقبلون بأن يظل رئيسًا.
يُنظر إلى هادي على نطاق واسع كرجل دولة غير كفؤ؛ إذ يفتقر إلى الشرعية المحلية، واتسمت فترة رئاسته بتكريس الفساد الذي استغله أعضاء دائرته المقربة لإثراء أنفسهم. وبما أن خروجه من السلطة حتمي ضمن أي ترتيب في مرحلة ما بعد الصراع، فإن انتهاء الحرب لا يخدم مصالحه المكتسبة على الإطلاق. وفضلًا عن الاختلاس والنهب، استخدم هادي منصبه بشكل رئيسي لتقويض خصومه داخل التحالف المناهض للحوثيين، وتحديدًا المجلس الانتقالي الجنوبي، ما أحدث تصدعًا في الجبهة المشتركة ضد الحوثيين عسكريًّا وسياسيًّا وساهم في فشل وظائف الدولة الأساسية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية شكليًّا.
باختصار: الرئيس اليمني هو النواة الفاسدة لحكومة فاشلة -جرح يتقيّح في جسد السلطة ويعني بقاؤه عدم تحقيق أي مكاسب مستدامة على صعيد تحقيق تقدم عسكري ضد الحوثيين أو أي تقدم نحو السلام أو حتى تحسين الحكم الرشيد. بالنسبة للفاعلين الرئيسيين في الصراع اليمني -وتحديدًا الأطراف الخارجية التي أبقت هادي عائمًا- فإن الأمر الملح بات واضحًا: على هادي الرحيل (كما جادلت هذه الافتتاحية سابقًا). هذا يطرح سؤالًا مهمًّا: ماذا يجب أن يحدث بعد ذلك وكيف؟
المجلس الرئاسي ليس الحل الأمثل لليمن، ولكنه أفضل حل ممكن كإجراء انتقالي على المدى القصير، ففي ظل الظروف الراهنة من المستحيل عقد انتخابات اليوم، كما أن البرلمان يحتضر والشرعية التي يمتلكها هي في الواقع أقل حتى من شرعية هادي. ولكن صلاحية المجلس (الرئاسي) يجب أن تكون مقتصرة على إدارة محادثات السلام، والسياسات الخارجية والدفاعية والتعيينات للمناصب الحكومية العليا مثل رئيس الوزراء، ومن المهم أيضًا أن تقتصر صلاحيته فيما يخص ميزانية الدولة على الإشراف/ الرقابة وليس التنفيذ أو الإنفاق. أما المهام الحكومية للشؤون اليومية والوزارات فيجب أن تتولاها حكومة تكنوقراط.
هناك سوابق تاريخية للمجالس الرئاسية باليمن، ولقد استكشف مركز صنعاء الفكرة بعمق في ورقة نُشرت مؤخرًا. باختصار: يجب أن تكون السعودية هي الداعم الأساسي لفترة الانتقال نظرًا لأن الرياض هي الطرف الوحيد الذي يملك النفوذ لإجبار هادي على الإذعان. وعلى الأمم المتحدة أن تيسر هذه العملية ومنحها الشرعية الدولية عبر قرار من مجلس الأمن. ويجب أن تتألف تشكيلة المجلس من الأطراف الفاعلة السياسية عبر أنحاء اليمن وأن تشمل تمثيل نساء بارزات وشباب وأفراد من المجتمع المدني. كما يجب أن تكون عملية التصويت داخل المجلس ولوائح المجلس بما فيها حقوق ومسؤوليات كل عضو واضحة ومحددة.
يجب أن يُنظر إلى المجلس الرئاسي كخطوة أولى ضمن مسار لا بد منه نحو الإصلاح الشامل للحوكمة – مسار يضمن الشفافية ويشمل الجميع في قرارات الحكومة الرئيسية. أما التفاصيل والسياق فستتضح مع التنفيذ، ومن الواضح أن هناك بعض المصاعب المحتملة لعل أبرزها نشوب حالة من الجمود السياسي داخل المجلس. ولكن حتى في حال حدوث هذا، فإنه نظرًا لفصل مهام السلطة التنفيذية عن مهام الحكومة الأساسية، فإن هذا النموذج يهدف للسماح لوزارات الدولة بالاستمرار بتأمين الخدمات حتى في الوقت الذي تتشاجر فيه الأطراف على المستوى التنفيذي.
وإلى أن يتمكن اليمن من إجراء انتخابات، فإن المجلس الرئاسي هو أفضل فرصة لهيئة تنفيذية مؤقتة متينة قد تحقق الاستقرار الكافي لإعادة إحياء مؤسسات الدولة والسماح لها بمتابعة وظائفها الرئيسية وتلبية احتياجات اليمنيين الماسة. وأخيرًا، سيساعد المجلس الرئاسي أيضًا على حماية مفاوضات السلام كي لا تؤخذ رهينة زمرة من النخبة تعمل وفقًا لمصالحها الخاصة.
المحتويات
مايو/أيار في لمحة
مقالات
-
مطلوب صانع سلام في اليمن قادر على الانجاز
- المبعوث الخاص غريفيث: لمحة عن الماضي – بنجامين فيلانتي
- رسول الأمم المتحدة – عبدالغني الارياني
- إستبدال غريفيث: فرصة سانحة لمعاودة النظر في نهج الأمم المتحدة في اليمن – ندوى الدوسري
- معضلة إيران والمبعوث الأممي القادم – توماس جونو
- الوصايا العشرون للمبعوث الأممي الجديد إلى اليمن – فارع المسلمي
- “هادي في قلب الشعب اليمني” – سؤال وجواب مع عبدالله العليمي
- مُذكرات رمضانية من صنعاء – شعيب المساوى
تحت المجهر
- العودة إلى عدن – غيداء الرشيدي
- السينما في عدن، من أطفأ العرض؟ – خالد لكرع
عين على اليمن
لطالما كانت عدن تاريخيًّا تقاطعًا ثقافيًّا وتجاريًّا يربط بين الشرق والغرب. وفضلًا لمينائها الشهير وتاريخها الطويل من التجارة، توافد الناس من جميع مناحي الحياة إليها وساهموا في جعلها مركزًا عالميًّا. ولكن في حين تعيد الحرب المستمرة تشكيل المدينة ومجتمعها، ماذا سيبقى للأجيال القادمة؟ ينشر هذا التقرير مقال يلقي نظرة فاحصة على المدينة بعنوان “العودة إلى عدن“.
تتناول مقالتنا الثانية التي تلقي أيضًا نظرة فاحصة على عدن ماضي المدينة، ولكن من خلال عدسة الكاميرا ودور المدينة طوال معظم القرن العشرين كمركز لثقافة السينما في اليمن وشبه الجزيرة العربية. كان هناك 40 دار سينما عاملة في عدن، ولكن اختفت هذه الثقافة إلى حد كبير بعد أن وقعت ضحية التكنولوجيا الحديثة والمشاكل السياسية في اليمن. للمزيد انظر “السينما في عدن، من أطفأ العرض؟“.
مايو/أيار في لمحة
التطورات على الساحة السياسية
التطورات في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية
بعد غياب عام كامل رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي يعود إلى جنوب اليمن
1 مايو/أيار: عاد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي إلى عدن بعد أكثر من عام قضاه خارج البلاد. وجاءت عودته عقب سلسلة من المقابلات رفيعة المستوى مع وسائل إعلامية دولية، ناقش فيها عيدروس خطط المجلس لتحقيق مطالبه بالانفصال. كان الزبيدي قد غادر عدن في يناير/كانون الثاني 2020 متوجها إلى أبو ظبي لاستكمال المفاوضات بشأن تنفيذ اتفاق الرياض، وفي وقت لاحق من العام (مارس / آذار 2020)، منعت السعودية الزبيدي وغيره من كبار المسؤولين في المجلس الانتقالي الجنوبي من صعود طائرة في العاصمة الاردنية عمان للتوجه إلى عدن. اتسمت عودة الزبيدي في مايو/أيار 2021 بخطاب عدائي تجاه الحكومة المعترف بها دوليًا فيما يتعلق بتنفيذ اتفاق الرياض وتقديم الخدمات في العاصمة المؤقتة عدن، كما تضمنت إشارات إلى نوايا المجلس المؤيد للانفصال لتشكيل دولة جنوبية مستقلة.
المجلس الانتقالي يأمر وسائل الإعلام في عدن بالتسجيل لدى سلطاته
2 مايو/أيار: أصدرت السلطات المحلية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن تعميماً دعت فيه شركات الإعلام والإذاعة والإنتاج الخاصة إلى الحصول على تراخيص من المكتب الإعلامي للمحافظة لمواصلة عملها. وتضمن التعميم تهديداً باتخاذ إجراءات إدارية وقانونية ضد الشركات التي لا تقدم تراخيصها للمراجعة خلال أسبوعين. طالب معمر الإرياني وزير إعلام الحكومة المعترف بها دولياً محافظ عدن أحمد لملس بإلغاء هذا التعميم.
رئيس الوزراء يزور مدينة مأرب
4 مايو/أيار: خلال زيارة له إلى مدينة مأرب، عقد رئيس الوزراء معين عبد الملك سلسلة من الاجتماعات مع قيادات الجيش ومحافظ مأرب سلطان العرادة وأعضاء آخرين في السلطة المحلية، بشأن الهجوم الحوثي المستمر على المدينة. بعد وقت قصير من وصول رئيس الوزراء ضربت صواريخ أطلقها الحوثيون أطراف المدينة.
أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي يحتفلون بإعلان عدن
4 مايو/أيار: احتفل آلاف الجنوبيين بالذكرى الرابعة لإعلان عدن في الرابع من مايو/أيار 2017، وهو الإعلان الذي أدى إلى تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي. تضمنت الاحتفالات مراسم رفع العلم حيث رفع أعضاء فريق مفاوضات اتفاق الرياض التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي علم اليمن الجنوبي السابق فوق القصر الرئاسي – مقر الحكومة المعترف بها دوليًا في العاصمة المؤقتة عدن. ودعا رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي في سياق منفصل الدول الراعية لاتفاق الرياض إلى الضغط على الحكومة اليمنية لإلغاء القرارات أحادية الجانب التي اتخذها مكتب الرئيس هادي والتي خالفت الاتفاق. كما اتهم الحكومة بالتخطيط لنقل العاصمة المؤقتة من عدن إلى سيئون في حضرموت وألمح إلى احتمالية عودة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الإدارة الذاتية.
مقتل مسؤولين في أبين على أيدي مسلحين
5 مايو/أيار: اغتيل مسؤولون في السلطة المحلية بمحافظة أبين، على أيدي مسلحين مجهولين في حادثتين منفصلتين: في الأولى، اغتال مسلحون ملثمون على متن دراجة نارية مدير أمن مديرية مودية المقدم ناظم الصالحي، شرقي أبين مطلع شهر مايو/أيار؛ وقبل ذلك بأيام، أطلق مسلحون النار على أمين عام المجلس المحلي لمديرية المحفد، محمد سالم الكازمي، وأردوه قتيلاً بالقرب من منزله في منطقة الحوسة في عدن، بينما لا يوجد أي مشتبه بهم حتى الآن.
وزارة الصحة توزع لقاحات فيروس كورونا
8 مايو/أيار: قالت وزارة الصحة بأنها طعمت أكثر من 18 ألف موظف في القطاع الصحي، ومن الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليًا شكلياً، بلقاح التحصين ضد كورونا. كما قالت الوزارة التي تتخذ من عدن مقرا لها إنها وزعت أيضا 10 آلاف جرعة من اللقاح مخصصة للعاملين الصحيين في مناطق سيطرة الحوثيين. وبحلول نهاية مايو/أيار، كان مسؤولون في محافظة تعز قد أفادوا بنفاد اللقاحات.
محافظ تعز يلتقي طارق صالح
8 مايو/أيار: عقد محافظ تعز نبيل شمسان وقائد قوات المقاومة الوطنية العميد طارق صالح أول لقاء مباشر بينهما بهدف إنهاء أزمة الثقة بين الطرفين. ودعا المحافظ “الحكومة الشرعية والتحالف العربي” إلى اتخاذ قرار بفتح كل الجبهات. وكان شمسان قد أعلن في أبريل/نيسان، التعبئة العامة لتحرير المحافظة بعد أن تمكنت قوات الجيش من كسر حصار الحوثيين على الجانب الغربي من المدينة والتقت بقوات طارق صالح. كان مركز صنعاء قد أجرى مقابلة مع طارق صالح في أبريل/نيسان.
إيقاف مسؤولين حوثيين من قبل وزير في الحكومة اليمنية
9 مايو/أيار: أوقف وزير الأشغال العامة والطرق المتحالف مع المجلس الانتقالي الجنوبي في الحكومة المعترف بها دولياً، مانع بن يمين، رئيس صندوق صيانة الطرق والجسور المعين حديثاً من قبل الحوثيين معين الماس وتجميد صلاحياته. في وثيقة قرار التجميد، اتهم بن يمين الماس بارتكاب مخالفات إدارية. يعد صندوق صيانة الطرق والجسور إلى جانب المؤسسة العامة للطرق، من بين آخر الجهات الحكومية التي تدار بشكل مشترك بين الحكومة المعترف بها دوليًا والحوثيين، وذلك نظراً للعدد الكبير من الأصول التي تديرها.
المجلس الانتقالي يعتقل شيخ قبلي معارض في سقطرى
15 مايو/أيار: اعتقلت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في سقطرى الشيخ القبلي البارز علي سليمان محمد بن مالك، بعد أن دعا عبر تطبيق الواتساب إلى مظاهرة ضد التدخل الإماراتي والسعودي. كانت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من قبل الإمارات قد سيطرت على سقطرى في يوليو/تموز 2020 وطردت ممثلي الحكومة المعترف بها دوليًا.
الزبيدي يحيي ذكرى فك اليمن الجنوبي للارتباط عام 1994
21 مايو/أيار: أحيا عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، الذكرى السابعة والعشرين لإعلان فك اليمن الجنوبي الارتباط باليمن الشمالي. أبرم كل من اليمن الشمالي واليمن الجنوبي اتفاقية الوحدة التي شكلت الجمهورية اليمنية عام 1990، ولكن بعد أربع سنوات، في 21 مايو/أيار 1994 أعلن علي سالم البيض، ممثل اليمن الجنوبي في دولة الوحدة (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) سابقا، عزمه على الانفصال عن اليمن الشمالي، بعد أسابيع من اندلاع حرب أهلية بين شريكي الوحدة، كانت قصيرة ودموية، وانتصرت فيها قيادات الشمال وحافظت على الوحدة بالقوة.
المجلس الانتقالي الجنوبي يصعد الخطاب بشأن إخفاقات الحكومة في الجنوب
24 مايو/أيار: في بيان صحفي عقب اجتماع لقادة المجلس الانتقالي الجنوبي صرح المجلس بأن جميع الخيارات ما زالت مفتوحة لملء فراغ الخدمات الحكومية في المحافظات الجنوبية، وأضاف بأن “أي تباطؤ في عودة حكومة المناصفة المنبثقة عن اتفاق الرياض إلى العاصمة عدن، يعد خرقا وتجاوزا صارخا للاتفاق”. أصدر المجلس الانتقالي بعد أيام من ذلك بيانًا حمّل فيه “الرئاسة والحكومة” مسؤولية عدم الوفاء بالتزاماتهما بموجب اتفاق الرياض، وتضمنت تلك الالتزامات تشغيل محطتي بترومسيلة والحسوة 2، قائلين إن التأخير في تشغيل المحطتين هو جزء من “الحرب الخدماتية التي تُمارس ضد الجنوب والعاصمة عدن على وجه الخصوص”. في ظل احتدام هذه الخطابات، عين محافظ عدن الموالي للمجلس الانتقالي الجنوبي أحمد لملس إدارة جديدة للمؤسسة العامة للكهرباء في عدن بقيادة سالم الوليدي.
صور الأقمار الصناعية تظهر قاعدة عسكرية تحت الإنشاء في جزيرة يمنية
26 مايو/أيار: نشرت وكالة أسوشيتيد برس تقريراً يظهر صور أقمار صناعية لما يبدو أنه منشأة عسكرية قيد الإنشاء في جزيرة ميون اليمنية الواقعة في مضيق باب المندب، ويُعتقد أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي من تبني تلك القاعدة العسكرية. في حين أكد وزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك أن الحكومة المعترف بها دولياً ليس لديها اتفاق مع أي دولة أجنبية لإنشاء قواعد عسكرية، وأن الأراضي والمياه اليمنية من الثوابت الأساسية التي لا يحق لأي طرف التنازل عنها.
التطورات في مناطق سيطرة الحوثيين
منظمة العفو تسلط الضوء على قضية ممثلة وعارضة يمنية اعتقلها الحوثيون
7 مايو/أيار: نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً يفصل سوء المعاملة التي تعرضت لها الممثلة والعارضة اليمنية انتصار الحمادي، التي تحتجزها سلطات الحوثيين بشكل تعسفي منذ أكثر من ثلاثة أشهر لأسباب زائفة. خضعت انتصار الحمادي منذ اعتقالها للاستجواب وهي معصوبة العينين، وتعرضت للإيذاء الجسدي ووجهت لها تهم حيازة المخدرات وممارسة الدعارة. أفاد محامي انتصار بأن سلطات الحوثيين خططت لإجراء “فحص العذرية” وهو ما وصفته منظمة العفو الدولية بأنه يرقى إلى العنف الجنسي والتعذيب بموجب القانون الدولي. وقالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية أن الحمادي تتعرض “للعقاب من قبل السلطات بسبب تحديها للأعراف المجتمعية السائدة في المجتمع اليمني الذي يقوم إلى حد كبير على نظام أبوي”. تعتبر قضية الحمادي جزء من نمط أوسع لانتهاكات حقوق المرأة في ظل حكم الحوثيين، مثل مضايقة النساء اللواتي يسافرن دون (ولي أمر)، وفصل النساء من وظائفهن، والفصل بين الجنسين، ومنع الوصول إلى الصحة الإنجابية.
اتهام مشرف حوثي بقتل رجل مسن يؤم صلاة رمضان
10 مايو/أيار: قتل مشرف حوثي رجلاً عجوزاً في التسعينيات من عمره في مسجد محلي بمحافظة المحويت، أم صلاة تُؤدى عادة في شهر رمضان. المشرفون هم أشخاص ذوو نفوذ من الحوثيين ويشرفون على العمل الرسمي للدولة على مستوى المناطق والمؤسسات الرسمية. في الغالب لا يتمتع المشرفون بأي خبرة سابقة في العمل الذي يشرفون عليه وعادة ما يكون لهم صلاحيات أعلى من رؤساء المؤسسات ومسؤولي المناطق، وحصانة من عواقب الجرائم التي يرتكبونها خلال عملهم، وقد عينهم الحوثيون في جميع مستويات الحكومة والمؤسسات الاستراتيجية الأخرى في المناطق التي يسيطرون عليها.
التطورات الدولية
المرجعية الدينية المصرية تستنكر قمع الحوثيين لصلاة التراويح
1 مايو/أيار: استنكر الأزهر، المرجعية الدينية البارزة في مصر، الحملة التعسفية التي شنها الحوثيون لمنع الناس من أداء صلاة التراويح في المساجد خلال شهر رمضان المبارك. صلاة التراويح هي شكل من أشكال التعبد الخاصة برمضان في الإسلام السني. ووصف الأزهر المنع القسري لصلاة التراويح بأنه عبارة عن ممارسة عنصرية بغيضة مطالباً باحترام الحريات الدينية والتسامح. كرر البرلمان العربي، وهو الهيئة التشريعية لجامعة الدول العربية، ما صرح به الأزهر منتقدًا عدم احترام الحوثيين لحرمة الشعائر الدينية.
السفير الفرنسي: الحوثيون يقودون اليمن إلى حرب لا نهاية لها
4 مايو/أيار: وجه السفير الفرنسي في اليمن جان ماري صفا انتقادات حادة لسلطات الحوثيين، مشيراً إلى أن أيديولوجية الحوثيين تقود اليمن نحو حرب لا نهاية لها. وقال إن خطاب الحوثيين عن السلام ليس إلا “عبارات فارغة”، كون جميع أفعالهم موجهة نحو الحرب والسيطرة على البلاد والهيمنة على المجتمع.
قيادي في حماس يرحب بتبرعات الحوثيين
11 مايو/أيار: أعرب المسؤول الفلسطيني في حماس أسامة حمدان عبر تطبيق تيليجرام عن تقديره لحملة التبرعات التي أطلقها زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، وأضاف: “في نفس اليوم الذي يدعو فيه السيد عبدالملك
لدعم المقاومة الفلسطينية يتم تسليم أول دفعة من مبالغ دعم المقاومة بشكل مباشر وسريع”. أطلقت سلطات الحوثيين جهوداً لجمع التبرعات لصالح فلسطين تحت شعار “القدس أقرب” رداً على موجة العنف الأخيرة في الصراع الاسرائيلي-الفلسطيني.
ترقية مارتن غريفيث تفتح الباب لمبعوث رابع إلى اليمن
12 مايو/أيار: عُين مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن مارتن غريفيث، رئيسا للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، لكنه سيستمر في دوره كمبعوث خاص حتى اختيار خلف له. غريفيث هو ثالث مبعوث خاص لليمن منذ أن إندلع النزاع منذ أكثر من ست سنوات. جاء الإعلان عن ترقية غريفيث بعد أسبوع من الاجتماعات مع دبلوماسيين في عُمان في وقت سابق من شهر مايو/أيار، والتي صرح بعدها بعدم قدرته على ضمان الاتفاق على وقف إطلاق النار. وبحسب ما ورد رفض ممثلو الحوثيين مقابلة غريفيث في ذلك الوقت. التقى غريفيث في وقت لاحق مع رئيس فريق المفاوضين الحوثيين محمد عبدالسلام في العاصمة الأردنية عمان في 27 مايو/أيار وأجرى محادثات مع كبار المسؤولين الحوثيين بمن فيهم زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، خلال زيارته صنعاء في 30 مايو/أيار.
ضبط شحنة أسلحة ضخمة في بحر العرب
6 مايو/ايار: أوقفت القوات البحرية الأمريكية شحنة أسلحة ضخمة في بحر العرب، وقال السفير الأمريكي في اليمن كريستوفر هينزل في بيان له إن المركب الشراعي الذي حمل الأسلحة – تضمنت صواريخ موجهة مضادة للدبابات وآلاف البنادق ومئات الرشاشات وبنادق القنص وقاذفات القنابل- قدم مؤخرًا من ميناء إيراني، وألمح إلى أن الأسلحة كانت متوجهة للحوثيين.
الولايات المتحدة الأمريكية تفرض عقوبات على قائدين عسكريين حوثيين
20 مايو/أيار: فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات جديدة على اثنين من قادة الحوثيين. فرضت العقوبات على محمد عبد الكريم الغماري رئيس هيئة الأركان العامة لقوات الحوثيين، والقائد الأعلى في هيكل القيادة العسكرية لهم، وذلك لدوره في الإشراف على الهجوم العسكري الحوثي على محافظة مأرب. أشار مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية إلى الأمر التنفيذي رقم 13611 باعتباره الأساس القانوني للعقوبات المفروضة، وهو أمر يمنح صلاحية تجميد أصول ممتلكات الأشخاص الذين يهددون السلام أو الأمن أو الاستقرار في اليمن. كما فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية العقوبات على يوسف المداني، قائد المنطقة العسكرية الخامسة التابعة للحوثيين، غربي اليمن، بموجب الأمر التنفيذي 13224 المتعلق بمكافحة الإرهاب. نصت النشرة التي أعلنت العقوبات أن المداني “يشكل خطراً كبيراً لارتكاب أعمال إرهابية تهدد أمن المواطنين الأمريكيين، أو الأمن القومي، أو السياسة الخارجية، أو الاقتصاد الأمريكي”. للمداني صلة صهارة مع الحوثي، كون زوجته هي إحدى بنات مؤسس جماعة الحوثيين حسين بدر الدين الحوثي. عُين المدني قائداً للمنطقة العسكرية الخامسة في أبريل/نيسان 2017، عندما أصبح واضحاً أن التحالف بقيادة السعودية يعد لهجوم للسيطرة على مدينة الحديدة الساحلية التي يسيطر عليها الحوثيون.
المبعوث الأمريكي إلى إيران يلتقي وزير الخارجية اليمني
28 مايو/أيار: التقى المبعوث الأمريكي الخاص إلى إيران روب مالي بوزير خارجية اليمن في الحكومة المعترف بها دولياً، أحمد بن مبارك. وفي الأسبوع الأخير من شهر مايو/أيار، التقى المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ بمسؤولين في عُمان والإمارات والسعودية لدفع الأطراف المتحاربة في اليمن وداعميهم الإقليميين نحو وقف إطلاق النار، وعقد مفاوضات سياسية لإنهاء الحرب. واختتم ليندركينغ ووفد من الكونجرس الأمريكي اجتماعات مماثلة في الخليج والأردن في وقت سابق في مايو/أيار. كانت هذه هي الزيارة السادسة التي يقوم بها ليندركينغ للمنطقة منذ الإعلان عن تعيينه مبعوثا خاصا لليمن في فبراير/شباط.
كيسي كومبس هو صحفي مستقل متخصص في شؤون اليمن وباحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. يغرد على: @Macoombs
تطورات الحرب
مأرب
تباطأت وتيرة القتال في مأرب خلال شهر مايو/أيار، حيث ركزت القوات الموالية للحكومة وقوات الحوثيين في الغالب على تثبيت سيطرتها على المواقع التي تسيطر عليها دون تقدم. تركزت معظم المعارك في مناطق الطلعة الحمراء والزور وجبل البلق وجبهة المشجح والكسارة شمال غرب مدينة مأرب. في 26 مايو/أيار، وردت أنباء للمرة الأولى منذ أسابيع، عن اشتباكات بين الحوثيين والقوات الحكومية في جبهة خرفان جنوب مديرية العبدية قرب الحدود مع محافظة البيضاء.
شنت قوات التحالف بقيادة السعودية غارات جوية متكررة على طول الخطوط الأمامية لردع تقدم قوات الحوثيين، في حين أطلقت الأخيرة عدة طائرات مسيرة وصواريخ استهدفت مدينة مأرب. ففي 28 أبريل/نيسان، سقط صاروخ باليستي على معسكر صحن الجن في مدينة مأرب مسفراً عن مقتل العميد عبد الغني سلمان، مدير دائرة شؤون الضباط في جيش الحكومة اليمنية وثلاثة جنود آخرين. كما أطلق الحوثيون عدة صواريخ باتجاه مدينة مأرب في 5 مايو/أيار، أي نفس اليوم الذي وصل فيه رئيس الوزراء معين عبد الملك في زيارة إلى المدينة. وفي 10 مايو/أيار، أصيب سبعة مدنيون بشظايا صاروخ باليستي حوثي سقط في منطقة سكنية بمدينة مأرب.
يُعزى تباطؤ وتيرة القتال في مأرب في الغالب إلى الخسائر الفادحة التي تكبدها كلا الجانبين في المعركة المستمرة لأشهر حتى الآن. كانت الخسائر في الأرواح جسيمة على الحوثيين بشكل خاص، وفقًا
لتقديرات تقارير إعلامية موالية للجماعة. نظم الحوثيون مواكب جنازات لأكثر من 500 مقاتل منهم خلال شهر رمضان. كما قُتل ما لا يقل عن ثلاثة من قيادات الجماعة البارزين في معارك في جبهتي المشجح
والكسارة شمال غرب مأرب. وعلى الرغم من الانخفاض النسبي في حدة القتال، إلا أن أعداد الضحايا التي نقلتها وسائل الإعلام الدولية والإقليمية خلال شهر مايو/أيار ظلت مرتفعة.
وأكد اثنان من كبار المسؤولين الحكوميين تحدثا مع مركز صنعاء شرط عدم الكشف عن اسميهما، أنه تم إبرام صفقتين منفصلتين في مايو/أيار لشراء أسلحة للجبهات في مأرب، صفقة لشراء أسلحة من تجار سلاح محليين يمنيين، وأخرى أبرمت مع دولة لم يكشفا عن اسمها في شرق أوروبا، تتراوح قيمتها ما بين 50 إلى 70 مليون دولار وتشمل صواريخ موجهة بالأشعة تحت الحمراء.
تعز
تركزت غالبية المواجهات بتعز في مديريتي حيفان ومقبنة، وفي الوقت نفسه كانت هناك مواجهات وأعمال عنف محدودة داخل مدينة تعز نفسها. في مديرية مقبنة غربي تعز، تركزت الاشتباكات في مناطق القحيفة العليا في التبة السوداء والتبة الغبراء وجبل السن وقرية القعشة جنوب شرقي مقبنة، وكذلك منطقة القحيفة السفلى شرق مقبنة، وكانت كل من القوات الموالية للحكومة وقوات الحوثيين قد دفعت بتعزيزات إلى الخطوط الأمامية في مقبنة طوال الشهر، ولكن لم يتم إحراز أي تقدم جديد من قبل أي منهما. أما في مديرية حيفان فقد تركزت الاشتباكات على جبهة الأعبوس جنوبي المديرية.
في النصف الثاني من مايو/أيار، اندلعت المعارك بالقرب من مقر الدفاع الجوي شمال مدينة تعز، وتمكنت قوات الحوثيين من السيطرة على عدة مواقع في 13 مايو/أيار قبل أن تستعيدها القوات الموالية للحكومة مدعومة بالتعزيزات التي وصلتها وذلك بحسب مصدر عسكري حكومي. كما وردت أنباء عن اشتباكات في جبهات القتال غرب مدينة تعز بعد فترة طويلة من الهدوء النسبي. وكان القتال قد تجدد في الوقت الذي حاولت فيه قوات الحوثيين التقدم في عدة مواقع مستفيدة من العدد المحدود لقوات الحكومة اليمنية في المنطقة. كما اندلعت اشتباكات في مديرية الصلو جنوبي شرق تعز ومديرية صالة شرقي مدينة تعز في الأسبوع الأخير من الشهر.
في ذات الوقت كانت هناك عدة تحركات قام بها محور تعز العسكري الموالي للإصلاح خلال الشهر، تهدد بزيادة التوتر بين تشكيلات القوات الموالية للحكومة، وإضعاف وحدة صف الموالين للحكومة، وإتاحة فرصة لقوات الحوثيين للتقدم. ففي 20 مايو/أيار أعلنت قيادة اللواء 35 مدرع عن عدة تعيينات جديدة منها تعيين أمين البريهي قائدا لجبهة الصلو، ورشاد العوني كأركان حرب جبهة الصلو، وأحمد القدسي قائداً لجبهة الكدحة. كان يُنظر إلى اللواء 35 مدرع على أنه قريب من الحزبين الاشتراكي والناصري، وتمتع اللواء لسنوات بالدعم الإماراتي كثقل مقابل لحزب الإصلاح في تعز. عام 2020، تحرك محور تعز العسكري الموالي للإصلاح ضد اللواء مخرجاً إياه من مدينة تعز وعين قادة متعاطفين معه في صفوف اللواء، إذ عين القائد الموالي للإصلاح اللواء عبد الرحمن الشمساني على رأس اللواء 35 مدرع إثر اغتيال القائد السابق للواء عدنان الحمادي في ديسمبر/كانون الأول 2019.
في 25 مايو/أيار، أقيمت نقاط تفتيش جديدة تابعة للواء الثالث دعم وإسناد (جزء من محور تعز العسكري) من أجل السيطرة على نقاط الدخول إلى سوق الأحد شمالي مديرية المعافر وفقاً لمذكرة أرسلها مدير أمن مديرية المعافر إلى قائد اللواء الثالث دعم وإسناد، ونُفذ الأمر دون الرجوع إلى وزارة الدفاع وخارج إطار قوات الحكومة اليمنية. رداً على ذلك بعث النائب علي بن مسعد اللهبي برسالة الى رئيس البرلمان الموالي للحكومة اليمنية في 30 مايو/أيار، دعا فيها وزارة الدفاع إلى مواجهة قيام حزب الإصلاح بإنشاء ألوية خارج سيطرة الحكومة. وكان محور تعز العسكري قد أقام سابقًا معسكرًا للواء الرابع دعم وإسناد في منطقة الحجرية في أغسطس/آب 2020 وهو ما مكن اللواء من بسط نفوذه على مناطق كان يسيطر عليها اللواء 35 مدرع سابقًا. أما اللواء الثالث دعم وإسناد فقد أنشأه حزب الإصلاح بمديرية المعافر عام 2020 ثم أعاد نشره في طور الباحة بمحافظة لحج.
عدن
أدى تدهور الأوضاع وتزايد الحوادث الأمنية في محافظة عدن خلال شهر مايو/أيار، إلى زيادة الضغط الشعبي على كل من الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي في العاصمة المؤقتة عدن.
في 2 مايو/أيار، قُتل أمين عام المجلس المحلي بمديرية المحفد بمحافظة أبين محمد سالم الكازمي، برصاص مسلحين مجهولين بالقرب من منزله في مديرية البريقة غربي عدن، وفي الأسبوع التالي، نجا عبد الله أبو عرب نائب قائد قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي من محاولة اغتيال على خط العريش بمديرية خور مكسر في 8 مايو/أيار.
عقب عطلة العيد، نصبت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي نقاط أمنية جديدة في البريقة على مدخل عدن الغربي، منعت اليمنيين من المحافظات الشمالية من دخول المدينة. كما مُنع المواطنون من دخول عدن في نقطة الرباط عند المدخل الشمالي للمدينة.
زيادة نشاط تنظيم القاعدة بجزيرة العرب في محافظة أبين
شهدت محافظة أبين الجنوبية تجدد النشاط المشبوه لتنظيم القاعدة بجزيرة العرب منذ مارس/آذار، وأبلغ عن عدة حوادث عنف مرتبطة بالجماعة في مايو/أيار.
في نهاية أبريل/نيسان، لقي رجل مصرعه عندما داهمت القوات الخاصة الحكومية منزله خلال عملية أمنية ضد تنظيم القاعدة في قرية الكدو بمديرية الوضيع شرقي محافظة أبين، وجاءت هذه المداهمة بعد يومين من قيام مسلحين يشتبه بانتمائهم للتنظيم، بقتل أحد مقاتلي الحزام الأمني التابع للمجلس الانتقالي في جبل لصبا في مديرية الوضيع، على بعد حوالي 15 كيلومترًا غربي قرية الكدو. وحسب مصادر أمنية اغتيل مدير الأمن في مديرية مودية شرقي أبين المقدم ناظم فضل الميسري، في 5 مايو/أيار، في منطقة ثوعة شمال مودية، على أيدي مسلحين يعتقد أنهم ينتمون لتنظيم القاعدة. وفي 17 مايو/أيار، ألقى مسلحون يُعتقد أنهم ينتمون للتنظيم قنبلة يدوية على بوابة مقر قوات الحزام الأمني التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي في مديرية لودر شرقي أبين، وفقًا لمصدر أمني في المجلس الانتقالي.
في ذات السياق، نفذت قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي عمليتين ضد مسلحي تنظيم القاعدة في 19 مايو/أيار. في العملية الأولى نصبت القوات كميناً في مديرية المحفد شرقي أبين، ونجحت في قتل صالح أحمد السامل، القيادي في تنظيم القاعدة بجزيرة العرب، ومرافقه ناصر سعيد بكرع بحسب ما أفادت مصادر أمنية من الانتقالي الجنوبي. يُزعم أن السامل كان أمير تنظيم القاعدة في مديرية المحفد. وفي اليوم نفسه، أصيب المسؤول المالي لتنظيم القاعدة فضل محمد الشكلي الكازمي، في كمين نصبته قوات المجلس الانتقالي في منطقة وادي صباب بين مديريتي المحفد وأحور. وقالت مصادر أمنية في الانتقالي الجنوبي إن الكمينين كانا ردا على هجمات سابقة لتنظيم القاعدة استهدفت نقاط تفتيش تابعة للانتقالي الجنوبي. كان تنظيم القاعدة قد نشر مقطع فيديو لهجوم في 18 مايو/أيار على نقطة تفتيش تابعة للانتقالي في منطقة دحومة، جنوب غرب مديرية أحور، وهجوم في 19 مايو/أيار، على نقطة أمريدة في مديرية الوادي وسط أبين. وأسفرت تلك الهجمات عن مقتل 13 جنديًا وإصابة ثلاثة آخرين وفقًا لمصادر أمنية في المجلس الانتقالي الجنوبي.
في 25 مايو/أيار، فجر مسلحون يُعتقد أنهم ينتمون لتنظيم القاعدة مبنى يقع بالقرب من نقطة الطنخ المهجورة في منطقة الخضيرة شمالي غرب مديرية الوضيع بمحافظة أبين، حسب مصادر أمنية حكومية. وكانت قوات الحزام الأمني الانتقالي الجنوبي تدير هذه النقطة قبل أن تتخلى عنها في إطار انسحابها من مديرية خنفر في أغسطس/آب 2019، خلال معاركها مع قوات الحكومة اليمنية. بعد أيام، أبلغ سكان من مديرية لودر، شمالي شرق أبين، عن زيادة في نشاط طائرات الاستطلاع الأمريكية بدون طيار. في 30 مايو/أيار، نجا جندي من قوات الحزام الأمني الانتقالي من محاولة اغتيال من قبل مسلح يعتقد أنه ينتمي إلى تنظيم القاعدة بالقرب من منزله في مديرية لودر بحسب مصادر أمنية في المجلس الانتقالي الجنوبي.
التطورات العسكرية بإيجاز:
- أنباء عن اشتباكات بين قوات الحوثيين والقوات المشتركة المدعومة من التحالف بقيادة السعودية في المديريات الجنوبية لمحافظة الحديدة (الدريهمي والتحيتا وحيس)، وفي مدينة الحديدة أيضا، خلال شهر مايو/أيار. على الرغم من ذلك تشهد المحافظة هدوء نسبياً في وتيرة القتال منذ أبريل/نيسان.
- ساد الهدوء جبهات الجوف معظم شهر أبريل/نيسان، لكن في 4 مايو/أيار نفذت قوات الحوثيين ما وصفته مصادر عسكرية حكومية بأنه أكبر وأعنف هجوم على القوات الحكومية في جبهة جدافر شرق مديرية الحزم، جنوبي غرب الجوف، من حيث عدد المقاتلين وحدة الاشتباكات منذ بدء المعارك في المنطقة.
- في 15 مايو/أيار، أطلقت قوات الأمن التابعة للحكومة في لحج النار بالقرب من منطقة سكنية بمديرية المسيمير، وذلك أثناء اقتحامها لمنزل خلدون بادي الحوشبي الصحفي والمتحدث الرسمي باسم اللواء العاشر صاعقة التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي. وقالت مصادر محلية وشهود عيان إن القوات الأمنية بثت الرعب في أوساط المواطنين وألحقت أضرارا بالغة بمنزل الصحفي وعدة منازل مجاورة قبل أن تنسحب بعد ساعتين.
التطورات الاقتصادية
عدم وصول واردات وقود عبر الحديدة
لم تصل أي واردات وقود إلى ميناء الحديدة خلال شهر مايو/أيار، في الوقت الذي دخلت فيه هذه الأزمة بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا الشهر الخامس على التوالي. بالمقابل، تزايدت كميات الوقود التي وصلت عبر مينائي عدن والمكلا، وذلك بالإضافة إلى الوقود الذي أرسلته السعودية إلى عدن كجزء من منحة الوقود البالغة قيمتها 422 مليون دولار، والتي أعلن عنها نهاية شهر مارس/آذار.
في 31 مايو/أيار، صرح وزير الخارجية في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، أحمد بن مبارك، بأن الحكومة “سمحت لعدد من سفن المشتقات النفطية بالدخول عبر الحديدة للتخفيف من الوضع الإنساني الحالي”. ولم يتضح ما إذا كان بن مبارك يتكلم عن الأشهر السابقة أم يلمح إلى تغيير في الوضع الراهن، لكن الصور من موقع مارين ترافك MarineTraffic في 1 يونيو/حزيران أظهرت عدم وجود أي سفن وقود سواء في الرصيف أو في الطريق إلى ميناء الحديدة.
زيادة مقترحة في إنتاج غاز البترول المسال
في 30 مايو/أيار، التقى ممثلون لشركة صافر لعمليات الإنتاج والاستكشاف بمسؤولي شركة الغاز اليمنية، وكان من بين الموضوعات المختلفة التي تمت مناقشتها، اقتراح بزيادة معدلات إنتاج غاز البترول المسال. تقدر معدلات الإنتاج اليومية الحالية لمنشأة صافر في مأرب، بنحو 21 ألف برميل يوميًا، وهو ما يعادل حوالي 75 شاحنة غاز مسال، حيث تحمل كل شاحنة ما مجموعه 2,200 اسطوانة غاز على متنها ليصبح إجمالي عدد الأسطوانات 165 ألف اسطوانة.
السعودية تقدم الوقود لتوليد الطاقة الكهربائية في عدن
خلال شهر مايو/أيار، سلمت السعودية الشحنة الأولى من الوقود لتوليد الطاقة الكهربائية في محافظة عدن، وذلك كجزء من منحة الوقود البالغة قيمتها 422 مليون دولار، تم التعهد بها في 30 مارس/آذار 2021. تلتها شحنتان خلال الشهر نفسه، وبلغ إجمالي حمولة الـ 3 شحنات 150 ألف طن متري. في أبريل/نيسان 2021، أفادت وكالة الأنباء السعودية أن الرياض تخطط لتقديم ما مجموعه 1,260,850 طن متري عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، لتشغيل “أكثر من 80 محطة كهرباء” تقع في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة شكلياً.
انخفاض قيمة الريال اليمني خارج مناطق الحوثيين
انخفضت قيمة الريال اليمني في المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحوثيين بشكل أكبر خلال شهر مايو/أيار. بلغت قيمة الريال اليمني في بداية الشهر 893 ريال يمني لكل دولار أمريكي، وانخفضت بحلول 26 مايو/أيار إلى 933 ريال يمني لكل دولار أمريكي. ارتبط أحد الأسباب الرئيسية لانخفاض قيمة الريال، كما هو متوقع، بالتوجه المتكرر المتمثل بتبادل التجار المحليين وتجار التجزئة كميات أكبر من الريال اليمني بعد شهر رمضان وعطلة عيد الفطر.
تمثل أحد العوامل الرئيسية المساهمة في انخفاض قيمة العملة في التقارير المضللة والتكهنات المحيطة بوصول كميات من الطبعة الجديدة للريال اليمني إلى المكلا، فقد وصل ما يقدر بنحو 180 مليار ريال يمني من الطبعة الجديدة للريال إلى المكلا في 12 مايو/أيار، ولكن – على عكس ما تقوله بعض التقارير- ما زالت تلك الأموال محتجزة حاليًا في فرع البنك المركزي اليمني المحلي في المكلا، ولم تضخ في السوق ولم تتم إضافتها إلى إجمالي المعروض النقدي بعد. ساهمت التكهنات حول وصول المزيد من الطبعة الجديدة للريال اليمني بشكل شبه مؤكد في انخفاض قيمة الريال اليمني داخل المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحوثيين، وذلك بسبب انخفاض الثقة وكذلك المخاوف المتعلقة بالتضخم الناجم عن زيادة المعروض النقدي.
الحوثيون يستخدمون سعر السوق الموازي في المحطات الرسمية
خلال شهر مايو/أيار، حُدد السعر “الرسمي” للوقود في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون بـ 11500 ريال يمني لكل 20 لترًا. وعلى الرغم من عدم وجود إعلان رسمي من شركة النفط اليمنية التي يديرها الحوثيون بخصوص رفع السعر الرسمي للوقود (5,900 ريال يمني) لكل 20 لترًا، إلا أن حقيقة أن بعض المحطات التي تديرها شركة النفط اليمنية ومحطات الوقود الخاصة التي يديرها وكلاء شركة النفط اليمنية باعت الوقود مقابل 11500 ريال يمني تشير إلى أن شركة النفط اليمنية وافقت على “السعر الرسمي” الجديد. شركة النفط اليمنية هي الموزع المعتمد الوحيد للوقود في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وتلعب دورًا رئيسيًا في تنسيق كمية الوقود المباعة في المحطات التي تديرها الشركة، والكمية المحولة التي تباع في السوق الموازية.
كان السعر الجديد البالغ 11500 ريال، في عدد محدود من محطات الوقود بصنعاء، بمثابة إضفاء الرسمية على النشاط التجاري الذي بدأ في 20 أبريل/نيسان عندما أعادت شركة النفط اليمنية التي يديرها الحوثيون فتح عدد من محطات الوقود التابعة للشركة وباعت الوقود بالسعر “الرسمي” الجديد. جعلت هذه الخطوة السعر “الرسمي” للوقود قريبًا من متوسط سعر الوقود في السوق الموازية خلال الفترة بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2021. بعد إضفاء الطابع الرسمي على السعر “الرسمي” الجديد، ارتفع سعر الوقود في السوق الموازية أيضًا ويتراوح حاليا بين 14 ألف و16 ألف ريال يمني لكل 20 لترًا في صنعاء.
من الجدير بالذكر أنه لا يوجد سوى عدد محدود من محطات الوقود التي تبيع الوقود بالسعر “الرسمي” الجديد، ويتعين على المستهلكين الانتظار في طوابير لفترات أطول بالمقارنة مع المحطات الأخرى التي تبيع الوقود بسعر السوق الموازي.
مقالات
مطلوب صانع سلام في اليمن قادر على الإنجاز
في شهر مايو/أيار، أعلنت الأمم المتحدة عن قرب تنحي مبعوثها الخاص إلى اليمن، مارتن غريفيث، الذي سيتبوأ منصبًا جديدًا كوكيل للأمين العام للشؤون الإنسانية. بالتالي سيصبح خلفه، الذي لم يُكشف عن اسمه حتى وقت كتابة هذه السطور، رابع شخص يشغل هذا المنصب منذ سيطرة قوات الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014. وعلى ضوء هذا التحوّل، طلب مركز صنعاء من خمسة خبراء تدارس فترة تولّي غريفيث لمنصبه والتي قاد خلالها جهود وساطة الأمم المتحدة من أجل إحلال السلام في اليمن، وكذلك استشراف التحديات التي تنتظر المبعوث الخاص الجديد.
هذه المقالات الواردة في التقرير هي جزء من سلسلة إصدارات لمركز صنعاء تسلّط الضوء على أدوار الجهات الحكومية وغير الحكومية الأجنبية الفاعلة في اليمن.
المبعوث الخاص غريفيث: لمحة عن الماضي
بنجامين فيلانتي
تنتهي قريبًا فترة ولاية مارتن غريفيث كمبعوث خاص للأمم المتحدة إلى اليمن، ليتبوأ منصبًا جديدًا كوكيل للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية. أعلنت الأمم المتحدة ذلك عقب تقديم غريفيث إحاطة أمام مجلس الأمن في 12 مايو/أيار. خلال أكثر من ثلاث سنوات كمبعوث خاص، قاد غريفيث جهود الوساطة المبذولة من الأمم المتحدة وكثّف انخراط المنظمة في اليمن، لكن مع استعداده مغادرة منصبه، يظل التوصل إلى اتفاق أمرًا بعيد المنال.
حين عُيِّن غريفيث مبعوثًا للأمم المتحدة في مارس/آذار 2018، كانت جهود الأمم المتحدة للتفاوض على إنهاء الحرب في حالة من الجمود لأكثر من عام ونصف بعد فشل محادثات السلام في الكويت عام 2016. وعند توليه المنصب، نظر غريفيث في جدوى إصدار قرار جديد من مجلس الأمن يحلّ محل القرار 2216، الذي أقره مجلس الأمن في بداية التدخل العسكري الذي شنه التحالف بقيادة السعودية، والذي انتُقد كثيرًا باعتباره يعرقل جهود الوساطة. نص القرار على عدد من المطالب الموجهة إلى جماعة الحوثيين، من ضمنها انسحابهم من الأراضي التي استولوا عليها وتسليم أسلحتهم فيما قد يرقى إلى حد الاستسلام. وبعد اختتام جولة واحدة من المشاورات الإقليمية في أبريل/نيسان 2018، تيقّن غريفيث أن استصدار قرار جديد لا يستحق العناء بالنظر إلى ما سيترتب عليه من متاعب.
تمثلت أولويات غريفيث في وضع إطار للمفاوضات. وهو ما كان يتسق إلى حد كبير مع ما نوقش في محادثات السلام في الكويت: انسحاب الحوثيين ونزع سلاحهم في مقابل اضطلاعهم بدور في المستقبل السياسي لليمن. تلخص التحدي الرئيسي الذي واجهه غريفيث في معرفة كيفية ترتيب الخطوات الأمنية والسياسية، وهو ما قلب مسار محادثات الكويت رأسًا على عقب، إلى جانب التساؤلات المثارة حول مستوى التمثيل المناسب للحوثيين وكيفية ضم أصوات العديد من الفصائل والجهات الفاعلة الأخرى في اليمن.
الحديدة
غير أنه في غضون أشهر، بات غريفيث يركز على الاشتباكات الحاصلة حول مدينة الحديدة الساحلية ذات الأهمية. وبحلول أوائل يونيو/حزيران 2018، تقدمت القوات التي تقودها الإمارات إلى أطراف المدينة. وكان احتمال خسارة الحوثيين لمدينة الحديدة سيشكل ضربة قاسية للجماعة، فالمدينة كانت المنفذ البحري الوحيد لها، ولطالما استفادت من الإيرادات المكتسبة نتيجة السيطرة على أكبر ميناء في اليمن.
حذرت الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية من عواقب اندلاع معركة شرسة للسيطرة على المدينة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 600 ألف نسمة؛ فهذه المعارك لن تتسبب في وقوع خسائر بين المدنيين فحسب، بل من المرجح أيضًا أن تلحق الضرر بميناء الحديدة وأن تؤدي إلى إغلاقه لأمد طويل. دفع مسؤولو الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية بالتأكيد على أن هذا سيُخلِّف تداعيات هائلة على معظم سكان اليمن، ممن يعتمدون على الواردات من الأغذية والأدوية وغيرها من السلع المتدفقة إلى اليمن عبر الميناء، الأمر الذي سيؤدي إلى تفاقم ما وُصفت بأنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وفي ظل ضغوط دولية قوية، أوقفت الإمارات عملياتها الهجومية في بادئ الأمر، معلنة منح غريفيث مزيدًا من الوقت للعمل على انسحاب الحوثيين من المدينة عن طريق التفاوض.
رغم ذلك، تفاقم الوضع الإنساني. وفي سبتمبر/أيلول 2018، بدأ منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، الذي سيحل غريفيث محله، بالتحذير من “مجاعة كبرى” قد تجتاح البلاد. حدث هذا في الوقت الذي كانت فيه السعودية موضع تمحيص من جانب وسائل الإعلام الغربية جراء سلوكها خلال الحرب في أعقاب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في شهر أكتوبر/تشرين الأول. بحلول نهاية الشهر، نفد صبر الولايات المتحدة في ظل تفاقم الوضع. وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول، دعا كل من وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس ووزير الخارجية مايك بومبيو، في تصريحات منفصلة، إلى وقف إطلاق النار واستئناف محادثات السلام بحلول الشهر المقبل.
بعد مرور خمس أسابيع، أي في ديسمبر/كانون الأول تحديدًا، أشرف غريفيث على عملية تفاوضية في السويد امتدت لثمانية أيام. (ولضمان أن تتم المحادثات بالفعل، سافر غريفيث مع وفد الحوثيين إلى السويد، متجنبًا تكرار تأجيل المحادثات في جنيف قبل ثلاثة أشهر حين لم يغادر وفد الحوثيين صنعاء). أسفرت مفاوضات ديسمبر/كانون الأول عن إبرام اتفاق ستوكهولم، الذي تضمّن صفقة لإنهاء المعارك القتالية في الحديدة، وبيان تفاهم لخفض التصعيد في تعز، إلى جانب استحداث آلية لتبادل الأسرى.
لم تنفذ جوانب كثيرة من اتفاق ستوكهولم إلا أن الأخير حقق هدف المجتمع الدولي المتمثل في وقف معركة الحديدة. انتشرت بعثة صغيرة من مراقبي الأمم المتحدة، تحت مسمى بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، والتي يُرجح أن وجودها ساعد في الحيلولة دون اندلاع معارك مستقبلية للسيطرة على المدينة. كما بدا أن الاتفاق زاد من تمعّن مجلس الأمن في الوضع الجاري في اليمن، حيث بدأ في عقد اجتماعات شهرية مع غريفيث. تمثلت إحدى التبعات التي أغفل عنها اتفاق ستوكهولم في إتاحة المجال لاحقًا أمام الحوثيين بإعادة تركيز اهتمامهم على الجبهات الأخرى، بما في ذلك مأرب، على الرغم من نجاحه في تحييد التهديد القائم على مدينة الحديدة.
ما بعد اتفاق ستوكهولم
أمضى غريفيث معظم عام 2019 في العمل على تنفيذ جوانب من اتفاق الحديدة، لا سيما إعادة انتشار القوات المتموضعة في الميناء والمدينة، إلاّ أن هذا تعثر بسبب غياب التفاصيل والتعريفات في الاتفاق الأصلي. وفشل الطرفان في التوصل لاتفاق حول إطار تشكيل “قوات الأمن المحلية”، التي كان من المقرر أن تحل محل قوات الحوثيين والقوات التابعة للحكومة.
لم تُستأنف محادثات السلام، التي كان من المقرر أن تبدأ دورة جديدة في نهاية يناير/كانون الثاني 2019، قط. وأعلنت الحكومة اليمنية بأنها لن تعود إلى طاولة المحادثات حتى يتم تنفيذ اتفاق الحديدة.
وتحت ضغط من أعضاء مجلس الأمن الدولي لتوضيح مدى التقدم المحرز، أعلنت الأمم المتحدة في مايو/أيار -بشكل سابق لأوانه- انسحاب الحوثيين من ميناء الحديدة. كان الإعلان يفتقر إلى الدقة، فقوات خفر السواحل التي تضطلع بمسؤولية الأمن في الميناء كانت تحت قيادة شخصيات حوثية. وتسبب هذا الجدل الدائر في توتر العلاقات بين غريفيث والحكومة اليمنية التي دعت لاستبداله.
في وقت لاحق من صيف عام 2019، في شهر أغسطس/آب، اندلعت معارك قتالية بين القوات التابعة للحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي. دفعت هذه الأزمة المجتمع الدولي إلى إدراك أنه لم يعد بالوسع تأجيل إجراء محادثات سلام لإيجاد حل شامل للصراع في انتظار تنفيذ اتفاق الحديدة. بحلول ذلك الوقت، تبيّن أيضًا لغريفيث أنه من المستبعد حلّ الخلاف القائم على تشكيل قوات الأمن المحلية في الحديدة خارج إطار عملية سياسية أوسع نطاقًا تتناول ترتيبات تقاسم السلطة في المستقبل.
شهد ذلك الخريف بداية فترة من التهدئة تُبشر بالخير، على إثر انخراط الحوثيين والسعودية في محادثات في أعقاب الهجوم بطائرات مسيّرة على منشأة بقيق لمعالجة النفط في عمق الأراضي السعودية الذي تبناه الحوثيون. كما توسطت السعودية في اتفاق الرياض المبرم بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، واضطلعت كذلك بالمسؤولية عن تنفيذه. بيد أن تخفيف حدة العنف كان مؤقتًا. ففي أوائل عام 2020، شن الحوثيون هجومًا على معقل الحكومة في مأرب.
الإعلان المشترك
على إثر استشراء جائحة كوفيد-19 حول العالم في مارس/آذار 2020، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى وقف إطلاق النار على الصعيد العالمي من أجل مجابهة كورونا. وفي اليمن، استند غريفيث إلى دعوة الأمين العام من أجل مناقشة مسودة “إعلان مشترك” لوقف إطلاق النار على مستوى البلاد، إلى جانب سلسلة من التدابير الاقتصادية والإنسانية، واستئناف محادثات السلام.
في 8 أبريل/نيسان، أعلنت السعودية وقفًا لإطلاق النار من جانب واحد بسبب التهديد الذي تشكله جائحة كوفيد-19، إلا أن فرص التوصل إلى اتفاق “في المستقبل القريب”، بحسب ما صرح به غريفيث خلال إحاطته أمام مجلس الأمن في 16 إبريل/نيسان 2020، سرعان ما تحولت إلى أشهر من المفاوضات. استمر هجوم الحوثيين على مأرب، ووصلت قواتهم إلى أطراف مدينة مأرب مطلع 2021. حذر غريفيث مرارًا من أن الهجوم يهدد بتقويض عملية السلام في المستقبل. ومن جانبه دعا مجلس الأمن مرات عديدة إلى وقف الهجوم وانخراط جميع الأطراف مع مبعوث الأمم المتحدة.
منذ فبراير/شباط 2021، عمل غريفيث مع المبعوث الأمريكي الخاص المعيّن حديثًا إلى اليمن تيموثي ليندركينج سعيًّا إلى التوسط من أجل إبرام اتفاق حول العناصر الرئيسية الأربعة للإعلان المشترك: وقف إطلاق النار، فتح مطار صنعاء، رفع القيود المفروضة على الواردات إلى الحديدة، واستئناف محادثات السلام. وعلى الرغم من هذه الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى اتفاق، لا توجد مؤشرات تُذكر على حدوث انفراج دبلوماسي وشيك مع استعداد غريفيث للمغادرة.
خلال فترة ولايته، كان غريفيث أكثر نجاعة حين تمكن من استغلال الضغوط الأميركية على التحالف الذي تقوده السعودية. ففي عام 2018، لعبت الضغوط الأمريكية المُمارسة على السعودية دورًا أساسيًّا في دفع الحكومة اليمنية إلى الانخراط في مفاوضات السويد ومن ثم قبول اتفاق ستوكهولم. وعلى نفس المنوال، كان الدعم الذي أظهرته الولايات المتحدة عام 2021 عاملًا رئيسيًّا في حشد التأييد الدولي لمبادرة غريفيث الأخيرة من أجل وقف إطلاق النار. ولكن غريفيث كان يفتقر إلى شريك على الجانب الآخر، أي بلد له نفوذ على الحوثيين وعلى استعداد لاستخدام هذا التأثير. قد تشكل زيارة غريفيث إلى إيران في فبراير/شباط 2021 إشارة موحية بالأمل يمكن للمبعوث الخاص القادم البناء عليها.
ولكن لم يكن بوسع غريفيث سوى التوسط؛ إذ لم يكن بمقدوره إحلال السلام في ظل انعدام رغبة أحد الطرفين أو كلاهما. على مدى السنوات الثلاث الماضية، كثيرا ما أعاد غريفيث إلى الأذهان دور الوسيط، حيث صرّح أمام مجلس الأمن في فبراير/شباط 2021 قائلًا “أسعى إلى إيجاد أرضية مشتركة للاتفاق. هذه هي مهمتي. وبدعم من المجتمع الدولي، نحاول الإقناع والتيسير والتشجيع على الحوار ونحاول تخطي أحداث الحرب”. وتابع: “ومع ذلك، لا شيء يمكن لأي أحد أن يقوم به ليفرض على الطرفين المتحاربين الدخول في عملية السلام ما لم يختارا إلقاء السلاح والتحدث إلى بعضهم. هذه مسؤوليتهم”.
بنجامين فيلانتي هو محلل للسياسات في مركز Security Council Report، ويغطي المستجدات في اليمن ومالي وغرب إفريقيا ومنطقة الساحل، إلى جانب بناء السلام، والنزاعات والجوع والأوبئة.
رسول الأمم المتحدة
من غير السهل تقييم أداء مارتن غريفيث كوسيط ومبعوث أممي خاص، فالمبعوثون الخاصون للأمم المتحدة ليسوا وسطاء عاديين، حيث يحملون في طياتهم الثقل الدبلوماسي الكامل للمجتمع الدولي فضلا عن امتلاكهم مجموعة من وسائل الترهيب والترغيب. فبوسعهم أن يثنوا على حسن السلوك، وأن يقترحوا مكافآت ــ كتمويل الأعمال الإنسانية ومشاريع الإنعاش المبكر ــ وأن يقدموا الدعم التقني. والأهم من كل هذا، يمكنهم أن يوصوا بالاعتراف الدولي بأطراف الصراع.
بمقدور المبعوثين الخاصين أيضا إبراز السلوك السيئ لطرف ما، وفضح الأفعال المشينة، وكشف الأعمال الإجرامية، والتوصية بفرض العقوبات. ولعل الأكثر أهمية أنهم يُبلورون نظرة المجتمع الدولي للأطراف المتحاربة. وفي حين يصعب تحقيق السلام ما لم تكن الأطراف مستعدة لذلك، فإن بمقدور أي مبعوث محنك للأمم المتحدة أن يهيئ الظروف المواتية لعملية السلام باستخدام مختلف هذه الوسائل لتغيير حسابات الأطراف المتحاربة بحيث يصبح السلام مربحا أكثر من الحرب.
حين عين مارتن غريفيث في فبراير/شباط 2018، حذره مستشاروه من وجود عدد من العقبات أمام تحقيق السلام في اليمن. (كنت أحد هؤلاء المستشارين). اقتصاد الحرب كان أحد هذه العقبات. فزيادة أسعار المنتجات النفطية كان جزءاً كبيراً من وسائل التربح من هذه الحرب. نص أحد المقترحات لمعالجة هذا الأمر على دعم الأمم المتحدة لشركة النفط اليمنية من أجل توزيع المنتجات النفطية بسعر التكلفة، وإلغاء هوامش الربح التي كانت تتدفق إلى جيوب أمراء الحرب والأطراف المتحاربة. تجاهل غريفيث هذا المقترح، وبالتالي تزايدت هوامش الربح واستمرت الحرب.
العقبة الأخرى كانت تتمثل في الأهداف الغامضة للتحالف الذي تقوده السعودية، بما في ذلك عزمه إنشاء منفذ إلى المحيط الهندي عبر شرقي اليمن. وعوضاً عن التعامل مع هذه المسألة مباشرة ودراسة بدائل أخرى مثل إبرام معاهدة دولية بين البلدان المعنية تتيح سبل الاستفادة من هذه المنافذ دون المساس بسيادة الأراضي اليمنية، لم يتخذ المبعوث الخاص أي إجراء. وقد نقل ناشط سياسي يمني ما قيل له على لسان أحد كبار المسؤولين السعوديين المعنيين بالملف اليمني: “في حال لم نحقق أهدافنا، فإننا نعتزم إبقاء الوضع في اليمن كما هو عليه”.
تمثلت العقبة الثالثة في الافتقار للتمثيل الكافي لمختلف الجهات اليمنية الفاعلة، خلال مفاوضات السلام التي تطرحها الأمم المتحدة. فقد اختزلت الأمم المتحدة الصراع اليمني المتعدد الأوجه في أبرز طرفين مرئيين: الحكومة المعترف بها دولياً وأنصار الله (جماعة الحوثيين المسلحة). لم يُقْدِم المبعوث الخاص على خطوة تُذكر لمعالجة الوضع. وحتى عقب لجوء المجلس الانتقالي الجنوبي لاستخدام القوة العسكرية من أجل السيطرة على عدن، بما ضمن له مقعداً على طاولة المفاوضات، لم يتغير نهج عمل غريفيث. لم يكن هناك “مظلة كبيرة” تتيح لجميع الجهات الفاعلة الرئيسية تحتها، إبداء رأيها في عملية السلام منذ بدء المفاوضات. وبالتقاعس عن القيام بذلك، منح غريفيث حوافز مشجعة لبعض المجموعات لعرقلة بدء مفاوضات سلام جادة.
تفتقد “مبادرة الإعلان المشترك”، التي اقترحها غريفيث لوقف الأعمال العسكرية، القدرة على صنع السلام. فهي لا تتناول أهمية ضمان تمثيل أكثر شمولاً، ولا تُقرّ بانهيار الدولة اليمنية، وبضرورة وضع نموذج جديد للقيادة الجماعية. كما أن الإعلان لا يعترف بأن الاتفاق على الخطوط العريضة لخطة تقاسم السلطة والثروات استناداً إلى الحقائق الميدانية الجديدة، هو شرط مسبق لوقف الأعمال العدائية من أجل منع اليمن من الانزلاق إلى واقع يشبه الصومال. ولا يُقرّ الإعلان المشترك بأنه في هذه المرحلة من تفكك الدولة، يحتاج المجتمع الدولي إلى البدء في بناء عملية السلام من القاعدة إلى القمة، وتحقيق الاستقرار في المحافظات وتمكينها من ترسيخ الأمن حتى في حال اجتاحت الفوضى مُجريات العمل السياسي على المستوى الوطني.
كما لم تستند صياغة الإعلان المشترك إلى خطة تُحقق التوازن بين الأطراف المتحاربة وبين التركيبة الديمغرافية في اليمن، بما يضمن الحد الأدنى من الاستقرار اللازم لاستعادة الدولة اليمنية، أو حتى للحفاظ على السلام لفترة زمنية طويلة.
اللائحة الخاصة بأخطاء وأوجه قصور غريفيث قد تكون طويلة، ولكن: هل يمكن القول بأنه فشل؟ الجواب هو: على حسب.
من مزايا هذا المنصب الدولي الرفيع أن يتمتع صاحبه ببعض الحرية في تحديد نطاق مهامه أو مهامها، وكان غريفيث ذكياً بما يكفي لتعريف مهمته في اليمن على أنها تهدف “لإنهاء الحرب وليس إحلال السلام”. أدرك غريفيث أن تحقيق السلام يتطلب فهما متعمقاً لسياسة وتاريخ اليمن. ويتطلب أيضا تقديرا للديناميات السياسية الإقليمية التي كان لها تأثير هائل على الصراع. وهذه مهمة عسيرة بالنسبة إلى دخيل، لذا منذ البداية أخبر غريفيث فريق عمله بأنه “لا يرغب أن يكون مشوشاً بالتفاصيل”.
وبالاستناد إلى تعريف غريفيث لنطاق مهامه، يمكن القول بأنه لم يفشل كثيراً. فوقف الأعمال العدائية على الصعيد الوطني يكاد يكون في متناول اليد.
غير أن مبادرة الإعلان المشترك هي معادلة ستُفضي بالتأكيد الى استئناف المعارك، ويتسق ذلك على الأرجح مع ما عناه مسؤول سعودي حين قال: “إبقاء الوضع كما هو عليه”.
اتجه اليمن أكثر فأكثر نحو الانهيار خلال فترة ولاية مارتن غريفيث، حيث ضاعت فرص عديدة كان يمكن أن تعكس أو حتى توقف هذا المسار. ولكن، لا نستطيع إلقاء اللوم عليه، فهذا الأمر لم يكن من مسؤولياته، حسب تعريفه لمهامه، فقد كان الرسول فقط وليس صانع سلام.
عبد الغني الإرياني هو باحث أول في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، حيث تتركز أبحاثه على عملية السلام وتحليل النزاع والتحوّلات في الدولة اليمنية.
إستبدال غريفيث: فرصة سانحة لمعاودة النظر في نهج الأمم المتحدة في اليمن
أعلنت الأمم المتحدة الشهر الماضي تعيين مبعوثها الخاص إلى اليمن، مارتن غريفيث، وكيلاً للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية. لم يتضح بعد متى سيتم تعيين مبعوث جديد يحل محل غريفيث، ولكن أيا يكُن، ينبغي عليه أو عليها عدم المتابعة من حيث توقف المبعوث الحالي، إذ أن هذا التطور يعد فرصة سانحة لمعاودة النظر في النهج الذي تتبعه الأمم المتحدة في الوساطة لحل النزاع في اليمن. يتعين على الأمم المتحدة التعلّم من أخطائها السابقة، وأن تقيم قدرتها على التخفيف من حدة الصراع تقييماً واقعياً، وأن تخطط لخطواتها التالية وفقًا لذلك.
لم يتمكن غريفيث منذ تعيينه في فبراير/شباط 2018 من إحراز أي تقدم ملحوظ. ولم يُفده الإطار الجامد الذي ورثه من الأمم المتحدة والمتمحور حول تقاسم السلطة كحل لإنهاء الصراع في البلاد. حفزت وساطة الأمم المتحدة نشوب العنف وعززت ديناميات السلطة التي أفضت إلى اندلاع الحرب من خلال السماح للحوثيين والحكومة اليمنية باحتكار المفاوضات. فقد تجاهل هذا النهج المتمحور حول النخبة الأطراف الفاعلة المحلية الرئيسية الأخرى التي تتمتع بالنفوذ والشرعية، فضلاً عن فشله في معالجة أوجه المظالم. بالغ غريفيث في تقييم قدرته على التأثير على الأحزاب السياسية، وكان متلهفاً لتحقيق نصر سريع بلغ حد الاستهانة بالطبيعة المعقدة للصراع.
فور توليه منصبه كمبعوث أممي في أوائل عام 2018، أطلق غريفيث حملة دبلوماسية واسعة النطاق أشرك فيها عدة قوى من بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للضغط على التحالف الذي تقوده السعودية و الحكومة اليمنية من أجل إنهاء عملياتهم الهجومية الساعية الى استعادة ميناء الحديدة الهامّ من قبضة الحوثيين. وأدى هذا الضغط إلى إبرام اتفاق ستوكهولم الذي وضع في نهاية المطاف حدّاً للعمليات الهجومية على الحديدة في ديسمبر/كانون الأول 2018، إلا أن الاتفاق كان بعيداً كل البعد عن تحقيق النجاح المتوخى منه.
تمكن غريفيث من حشد دعم دولي كاف لإجبار التحالف والحكومة اليمنية على وقف عملياتهم العسكرية، إلا أنه فشل في ممارسة نفس الضغط على الحوثيين. وجراء ذلك، استغل الحوثيون الوضع وأعادوا تمركز قواتهم وحققوا مكاسب عسكرية كبيرة من خلال السيطرة على محافظة الجوف ومديرية نهم ومناطق استراتيجية في محافظة البيضاء ومحافظة مأرب. ويشكل الحوثيون حاليًّا تهديدًا على مدينة مأرب التي يقطنها ثلاثة ملايين مواطن يمني بما في ذلك أكثر من مليون نازح داخلي، وهي تعتبر آخر معقل للحكومة اليمنية في الشمال.
ينبغي لأي مبعوث جديد للأمم المتحدة أن يكون أكثر واقعية. فممارسة الضغط على طرف واحد والفشل في ممارسة نفس الضغط على الطرف الآخر، من شأنه أن يؤدي بصورة عرضية إلى ترجيح كفة الميزان لصالح الطرف الذي يرفض التعاون. وقد أظهر الحوثيون مرارًا وتكرارًا عدم استعدادهم لوقف التصعيد أو قبول حل سياسي مع الأطراف الأخرى.
وحتى في حال نجحت الضغوط الدولية الراهنة في التوصل إلى تسوية سياسية بين حكومة هادي والحوثيين، فمن المرجح أن تُخلف نتائج عكسية حيث من شأنها أن تضفي الشرعية على المكاسب العسكرية التي حققها الحوثيون عبر نيل الاعتراف السياسي، الأمر الذي يشكل سابقة تُحفز على العنف. والواقع أن صفقة كهذه بين الطرفين قد تهمش أيضاً الأطراف السياسية والمسلحة الرئيسية وتعزز ديناميات السلطة النخبوية وتفاقم المظالم التي طال أمدها. ومن المرجح أن يواصل الحوثيون هجومهم العسكري للسيطرة على مأرب كون لديهم اليد العليا عسكريًا. وستكون النتيجة اشتداد الصراع الداخلي وانتشار أعمال العنف وتوفير ملاذ آمن للجماعات المتطرفة. وعوضاً عن محاولة فرض حلول متسرعة، فإن النهج الأكثر واقعية هو التركيز على تخفيف وطأة الحرب على اليمنيين وتكثيف المطالبة بإحلال السلام من خلال توسيع دائرة التمثيل في المفاوضات.
بمقدور مبعوث الأمم المتحدة – بل ويجدر به – التوصل إلى آلية متينة لإشراك الأطراف اليمنية الفاعلة الأخرى بشكل مباشر أو غير مباشر. على سبيل المثال، يمكن ضم مزيد من الجهات الفاعلة المعنية مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، والجناح السياسي لقوات المقاومة الوطنية التي يقودها طارق صالح، ومجلس تهامة الوطني كجزء من وفد الحكومة اليمنية. كما يُمكن إشراك أطراف أخرى، مثل قادة المجتمع المدني والقبائل، في المسار الثاني للمفاوضات، ولكن ينبغي على المبعوث ضمان أن تُرفد مناقشات المسار الثاني وتُثري مفاوضات المسار الأول، وهو ما لم يكن عليه الحال من قبل.
من ناحية أخرى، يمكن أن تركز المفاوضات على فتح الطُرُق والمطارات وكذلك تيسير دخول المساعدات الإنسانية والوصول إلى الأغذية والسلع. ينبغي للمبعوث الجديد الاستفادة من الالتزام الدولي بإنهاء الحرب في اليمن عبر جلب الأطراف الفاعلة الدولية الرئيسية للمساعدة في تحقيق ذلك. فعلى سبيل المثال، يمكن للمبعوث أن يدعو الاتحاد الأوروبي – الذي كثيراً ما يُنظر إليه كطرف محايد في اليمن – إلى قيادة المفاوضات المتعلقة بالمسائل الاقتصادية مثل دفع المرتبات، أو إشراك القطاع الخاص في المفاوضات.
إن تيسير الأمم المتحدة للأمور وفق نهجها المعتاد لن يسفر عن تغيير في الوضع الراهن، ولن يؤدي ذلك إلاّ إلى زيادة فرص استيلاء الحوثيين على مأرب، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى إطالة أمد الحرب وزيادة خطر التشرذم على المدى الطويل. وسيشكل انهيار الدولة اليمنية تهديدا أمنيا من شأنه أن يمتد إلى جميع أنحاء المنطقة.
ندوى الدوسري، هي باحثة يمنية غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط، وباحثة في شؤون النزاعات وفي رصيدها خبرة تفوق عشرين عامًا من العمل الميداني في اليمن. تغرد على ndawsari@.
معضلة إيران والمبعوث الأممي القادم
سيواجه المبعوث الخاص القادم للأمم المتحدة في اليمن مهمة صعبة للغاية نظرًا لتعدد العقبات التي تواجهها عملية السلام في البلاد وتعقيدها، ويعتبر الدور الإيراني أحد أبرز التحديات.
إيران هي أحد الفائزين القلائل في الحرب المدمرة باليمن. تدخلت السعودية عام 2015 على رأس تحالف مكوّن من 10 دول، وكان سبب التدخل جزئيًّا هو الهدف المعلن والمتمثل في دحر النفوذ الإيراني في الطرف الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية، لكن الحرب كان لها تأثير معاكس تمامًا لما هدفت له. في الحقيقة وخلال أكثر من ست سنوات ويزيد من الحرب، تحولت علاقات إيران بالحوثيين من مجرد علاقات محدودة إلى موطئ قدم راسخ في شمال غرب اليمن. في عام 2014، كانت إيران تقدم كميات محدودة من الأسلحة الصغيرة والذخيرة للحوثيين، أما الآن فقد زاد هذا الدعم بشكل كبير من ناحيتين، الكم (أي المزيد من الأسلحة الصغيرة) والنوع (أي أسلحة أكثر تقدمًا أيضًا، مثل قطع الطائرات المسيّرة والصواريخ).
يخلق هذا الأمر معضلة للأمم المتحدة، فمن ناحية برزت إيران كلاعب لا غنى عنه في اليمن. ومن الناحية النظرية على الأقل، لا يمكن لأي عملية سلام أن تنجح إذا استبعدت اللاعبين الرئيسيين، ومن المفترض أن هذا هو سبب سفر المبعوث مارتن غريفيث -الذي سيغادر منصبه قريبًا- إلى إيران في فبراير/شباط لعقد اجتماعات، هي الثانية من نوعها رسميًّا بين مكتبه وطهران.
يثير هذا الواقع تساؤلات حول وجهات نظر طهران في عملية السلام، فمن الناحية النظرية هي لا تعارض عملية السلام، لكنها، ونظرًا لاستعدادها التحلي بالصبر؛ تقوم بالتقييم وتصل إلى تقييم صحيح بأن الحوثيين هم من ينتصرون في الحرب. وبالتالي تعرف أن تعثر عملية السلام يزيد من نزيف خصمها، السعودية، ويسمح لشركائها الحوثيين في اليمن بمواصلة التوسع وتعزيز السيطرة على المناطق الواقعة تحت أيديهم. الأمر الثاني هو أن إيران لن تدعم عملية السلام إلا إذا كانت تلك العملية ترسخ نفوذ وسلطة الحوثيين في أي تسوية بعد الحرب. كما أن أي جهد يدعو -على وجه الخصوص- إلى نزع سلاح الحوثيين من جانب واحد كما يفعل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 لا يمكن أن يكون بداية لعملية السلام من منظور إيران. وكما يظهر العقدان الماضيان بوضوح، فإن الجمهورية الإسلامية تتمتع بمهارات عالية في إفساد التطورات السياسية الإقليمية التي تعتقد أنها لا تأخذ مصالحها في الاعتبار بالشكل الكافي.
مبعوث الأمم المتحدة القادم في وضع حرج؛ فإيران ظهرت أكثر جرأة كلاعب لا يمكن تجاهله في اليمن؛ نتيجة لاستثمار مادي محدود، ومن ناحية أخرى ستعمل السعودية بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية على حرمان إيران من مكان على طاولة عملية السلام. ما يعنيه ذلك هو أن طهران والحوثيين سيستمرون في معارضة أي عملية سلام يرون أنها مدعومة من الولايات المتحدة وتقودها السعودية وتهدف إلى تهميشهم وحرمانهم من المساحة التي يعتقدون أنهم قد استحقوها. هذا لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد الحرب الطويلة والمدمرة.
هناك مستوى آخر من التعقيد في المسألة وهو أن الحوثيين ليسوا على الإطلاق وكلاء لإيران. فعلى الرغم من أنهم يستفيدون من الدعم الإيراني المتزايد، إلا أنهم يتمتعون بحكم ذاتي إلى حد كبير، وبكل تأكيد لا يتلقون الأوامر من شريكهم الإيراني. أضف إلى ذلك أن إيران والحوثيين يتفقون إلى حد كبير على القضايا الاستراتيجية الرئيسية، وعلى هذا النحو لا يوجد احتمال لدق إسفين بينهما. بعبارة أخرى، من غير المرجح أن يكون إشراك إيران في عملية السلام قناة ضغط يمكن تطبيقها على الحوثيين لتقديم تنازلات.
خلاصة القول هي أنه سيتعين على المبعوث الأممي القادم تحقيق توازن صعب، فالفشل في إشراك إيران في عملية السلام سيؤدي إلى إفشال الأخيرة عملية السلام، وفي الوقت ذاته ستواصل السعودية والولايات المتحدة -دول سيحتاج المبعوث إلى تعاونها- في مقاومة التدخل الإيراني. أضف إلى ذلك أن مجرد محاولة إدخال إيران في المعادلة سيعرض المبعوث نفسه للانتقاد بأنه يحاول تسهيل تقوية الدعم الإيراني لحكم حوثي قمعي ووحشي جدًا في مناطقهم باليمن.
توماس جونو هو زميل غير مقيم في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. يعمل الدكتور جونو أستاذًا مساعدًا للشؤون العامة والدولية في كلية الدراسات العليا بجامعة أوتاوا – كندا.
الوصايا العشرون للمبعوث الأممي الجديد إلى اليمن
- لا تقبل الوظيفة. حقًا لا تفعل، وإن كان يجب عليك ذلك، اعتذر لأسرتك مقدمًا.
- قبل قبولك لهذه الوظيفة، اشترط صدور قرار جديد من مجلس الأمن الدولي يحل محل القرار رقم 2216، عدا ذلك فكل ما ستفعله هو تضييع وقت الجميع.
- كن صبورًا، فالأمور في اليمن تستغرق كثير من الوقت، ومحاولة القيام بكثير من الأشياء بسرعة أوقع سابقيك بالمنصب في الكثير من الأخطاء (انظر: تسرّع جمال بنعمر نحو الفيدرالية وتسرّع مارتن غريفيث وطموحه المبالغ به في اتفاق ستوكهولم عام 2018).
- لا تحاول إعادة اختراع العجلة، بل ادرس الجهود التي بذلها المبعوثون السابقون وابنِ على ما هو موجود. يجب في جميع الأحوال أن تكون الخطة ب والخطة ج جاهزة لأن الخطة أ لن تنجح على الأرجح.
- يقولون إن الشيطان يكمن في التفاصيل، أما في اليمن فالقاعدة الذهبية هي أن الشيطان -ليس فقط الشيطان، بل وكل قبيلته- يكمنون في التفاصيل (انظر: اتفاق الرياض 2019، اتفاق السلم والشراكة الوطنية 2014، والجوانب الاقتصادية والأمنية لاتفاق ستوكهولم 2018).
- إذا توصلت إلى صفقة فخذها على الفور. لا يوجد شي اسمه “صفقة أفضل” غدًا. ابدأ على نطاق صغير ومن ثم ابنِ ما هو أكبر.
- “لا يوجد حل عسكري للحرب في اليمن”. جميعنا يعرف ذلك، وهذا صحيح. ولكن لا يوجد “حل أممي للحرب في اليمن” أيضًا. اعلم أنك ستحتاج إلى مساعدة، بل ستحتاج إلى الكثير من المساعدة في الحقيقة.
- اجعل من المرأة حليفًا لك، فقد أطلقت اليمنيات سراح سجناء أكثر من جميع مبعوثي الأمم المتحدة مجتمعين. ستكون بحاجة إلى مساعدتهن وعونهن ونصحهن.
- اقضِ وقتًا في الدواوين (جلسات القات)، فذلك سيساعدك في فهم كيف تجري الأمور فعلًا باليمن.
- استمع إلى مستشاريك اليمنيين، فهم على معرفة بالسياق التاريخي المحلي ويعرفون ما الذي نجح وما الذي فشل في الماضي، وأسباب النجاح والفشل. أضف إلى ذلك أنهم يفهمون القواعد الاجتماعية والسياسية غير المكتوبة في اليمن، وهذا أمر بالغ الأهمية. وعلى نفس القدر من الأهمية، حين يتعلق الأمر بالخبراء الدوليين الذين تحيط نفسك بهم، اختر من لديه استعداد لإخبارك بأنك مخطئ.
- لا تتنافس مع دبلوماسيين آخرين للحصول على المساحة والسيطرة والوقت، فذلك طفولي جدًا وسيتشتت ذهنك عن العمل الأكثر أهمية. وعلى العكس سيزيد التعاون والتنسيق معهم من نفوذك.
- لا تقبل الهدايا أو المجاملات من القوى الإقليمية.
- لا تتجاهل القضية الجنوبية أو الملف الاقتصادي، فكل من سبقوك فعلوا ذلك وكان مصيرهم جميعًا الفشل.
- لا تتدخل في القضايا الإنسانية، فهذا ليس المسار الذي يجب أن تتبعه. هناك ستستهلك طاقتك، وستخرج خططك عن مسارها، والأسوأ من ذلك، ستصبح القضايا الإنسانية رهينة للمسار السياسي (انظر: الناقلة صافر ومطار صنعاء).
- لا تعد إلا بما يمكنك الوفاء به، فالوعود لا يمكن التراجع عنها في اليمن. إن وعدت بشيء ولم تفِ به فستفقد الثقة ولن تستعيدها.
- التهديدات لن تجدي نفعًا، فلا تجربها حتى؛ الجميع لديه أسلحة أما أنت فلا.
- التزم بالتقويم اليمني، يوم الخميس وشهر رمضان ليست أوقات جيدة لإنجاز الأمور في اليمن. افهم أن هناك أشياء يمكنك تغييرها وأشياء لا يمكنك تغييرها، فاعرف الفارق بين الأمرين.
- اقرأ كتاب ستيف كاتون بعنوان “قمم اليمن” (Peaks of Yemen, I Summon) وكتاب بول دريش “تاريخ اليمن الحديث” (A History of Modern Yemen)، وبالطبع كل ما ينشره مركز صنعاء.
- اعلم أنه سيتم اتهامك وتخويفك وسبك والهجوم عليك من قِبل أطراف النزاع وكل شخص آخر في اليمن والمنطقة. هذا هو العمل الأكثر نكرانًا للجميل. تأكد من أن لديك القوة على تحمل ذلك. تحدث باستمرار بوضوح وصراحة. لا تتقبل الهراء. هذا أمر أكثر أهمية. ليس من المفيد ولا من المرحّب به أن تكون “لطيفًا” و”محايدًا” و”مجاملًا” عندما يتعلق الأمر باليمن. اعلم أيضًا أنك ربما ستفشل، لكن لا تدع ذلك يمنعك من تجربة أشياء جديدة. عليك أن تأمل أن المستقبل أكثر إشراقًا حتى عندما يقول الآخرون إنه سيصبح أكثر قتامة. كما قال لي المبعوث الخاص المنتهية ولايته ذات مرة: “الأمل هو العملة الوحيدة التي يمتلكها الوسيط”.
- أخيرًا، وفقًا لروح وصايا جورج أورويل في الكتابة: “خالف أيًّا من هذه الوصايا قبل [فعل] أي شيء متهور جدًا”. ولكن كلما كسرت أكبر عدد من هذه الوصايا، زادت مهمتك صعوبة.
فارع المسلمي هو مؤسس مشارك، ورئيس لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. وهو أيضًا زميل غير مقيم في المعهد الملكي للشؤون الدولية ـ تشاتام هاوس.
“هادي في قلب الشعب اليمني”
سؤال وجواب مع عبدالله العليمي
في 7 مايو/أيار 2021، عقد مركز صنعاء جلسة إحاطة إعلامية مع الدكتور عبدالله العليمي، مدير مكتب الرئيس عبدربه منصور هادي، وأدار النقاش المدير التنفيذي بمركز صنعاء ماجد المذحجي، الذي طرح أسئلة على العليمي مع صحفيين محليين ودوليين.
[ملاحظة المحرر: حُررت هذه المقابلة مراعاة للوضوح].
مركز صنعاء: الدكتور عبدالله العليمي هو أحد أهم الشخصيات في اليمن خلال الست أو السبع سنوات الماضية. هو مدير مكتب رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي. ويُعدّ شخصية سياسية بارزة، ويقال إنه الرجل الأول في الظل باليمن الراهن ويوصف بأنه صندوق أسرار الدولة اليمنية وأهم فاعل فيها.
عبدالله العليمي: نحن في الواقع نخوض نقاشات جادة على كافة المستويات السياسية من أجل حلحلة هذا الأمر. وأنا شخصيًّا خلال اليومين أو الثلاثة الأيام الماضية التقيت مرتين مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث الذي يبذل جهودًا دؤوبة، وكذلك التقيت بصفة خاصة مع [المبعوث الأمريكي إلى اليمن] تيم ليندركينغ الذي مثّل تعيينه إضافة نوعية كبيرة لتحريك الملف. ووجدته رجلًا ديناميكيًّا وجادًا ومتفهمًا للغاية للملف اليمني، ولديه استيعاب كامل لهذا الملف ويبذل جهودًا مميزة لتسوية الوضع.
عرضنا [أي الحكومة المعترف بها دوليًّا] في اللقاءات الأخيرة مع المبعوث أننا مستعدون وبشكل تام للانخراط في حوار مباشر مع الحوثيين من أجل وضع بعض النقاط على طاولة التشاور والتي تشمل: وقف إطلاق النار، وفتح مسار العملية الإنسانية، واستئناف العملية السياسية.
مركز صنعاء: هل تقول إنكم عرضتم إطلاق مفاوضات مباشرة بين الحكومة الشرعية والحوثيين؟
العليمي: نعم.. عرضنا استعدادنا للتفاوض المباشر مع الحوثيين على هذه النقاط. نحن مع أية جهود وأية مقترحات من شأنها أن تخفف من الوضع الإنساني الصعب، وأن تؤدي إلى وقف إطلاق النار وأن تدخل في مسار الحوار السياسي للتوصل إلى حل نهائي.
لدينا وعي كامل بالوضع الإنساني وتبعاته. الحكومة ورغم كل الظروف [التي تواجهها] ورغم كل المعارك الجانبية التي تُفتح أمامها، إلا أنها تقوم بدور مُقدّر لتخفيف المعاناة الإنسانية. أنتم تعلمون العراقيل التي تقف أمام جهود الحكومة، آخرها اضطرارها إلى الخروج من عدن. لن أتطرق إلى تفاصيل سابقة أنتم على علم بها فيما يتعلق بما حصل في الجنوب.
رأى رئيس الجمهورية أن من المهم جدًا أن تعود الحكومة إلى عدن وأن تمارس عملها في محاولة لتطبيع الأوضاع وتقديم الخدمات. وقد عقد الرئيس أول اجتماع للحكومة بعد أداء اليمين الدستورية في 26
ديسمبر/كانون الأول 2020 ووضع لها قائمة أولويات تشمل الوضعين الاقتصادي والخدمي وتطبيع الأوضاع الأمنية في المحافظة. ولكن للأسف لم تكد الحكومة أن تستقر حتى هُوجمت من قِبل المجلس الانتقالي الجنوبي تحت لافتة حرب الخدمات. ونحن نعمل عن كثب وفي تواصل مستمر مع الأشقاء رعاة اتفاق الرياض لتجاوز هذه المشكلة وعودة الحكومة إلى عدن. ونحن في الحقيقة لا نعلم حتى الآن لماذا يسعى المجلس الانتقالي إلى مهاجمة الحكومة وهو شريك فيها.
[ملاحظة المحرر: في 16 مارس/آذار، اقتحم متظاهرون قصر المعاشيق، مقر الحكومة في العاصمة المؤقتة عدن، من قِبل متظاهرين، وفرّ معظم أعضاء مجلس الوزراء، بما في ذلك رئيس الوزراء معين عبدالملك، إلى السعودية].
هذه الحكومة الجديدة بحاجة إلى دعم سياسي. وهي بحاجة أيضًا إلى دعم اقتصادي عاجل ريثما يتم ترتيب المنظومة الإيرادية للدولة بشكل كامل حتى تسهم في عملية الاستقرار. نحن لدينا حالة حرب مشتعلة في مأرب، ولدينا وضع اقتصادي وخدمي وأمني وسياسي أيضًا في عدن.
بالنسبة للوضع العسكري في مأرب، أود أن أشير في هذا الموضوع إلى نقطة مهمة وهي أن أفراد الشعب يبدون قلقًا على موضوع المعركة في مأرب. هذه معركة لا يمكن أن نخسرها. فبالنسبة لليمنيين، مأرب تمثل أهمية وجودية -لهم وأولادهم ومستقبلهم. هي معركة نهائية بين الجمهورية والديمقراطية [من جهة] وبين الثيوقراطية الدينية [من جانب الحوثيين من جهة أخرى]. إن سقوط مأرب يعني نزوح الملايين من الأشخاص، وتعني أن تتحول المعركة العسكرية فعليًّا من حرب [لاستعادة] الدولة إلى حرب بين عصابات وميليشيات متعددة.
الحوثيون يحصدون إيرادات تقدر بأضعاف ما تحصده الدولة، إلا أنه يتم تمويل كافة الخدمات الأساسية وحتى الطرقات أو البنية التحتية بدعم من المنظمات [الدولية] التي نتوجه لها بالشكر على جهودها. لكن في نهاية المطاف علينا أن نتأكد من عدم جعل تمويل الشعب اليمني تمويلًا للحوثيين.
مركز صنعاء: شكرًا جزيلًا على هذه الإحاطة. اسمح لي أن أبدأ من الحراك الأخير الذي يحدث في مسقط. هل للحكومة مندوب هناك يشارك في المحادثات الجارية في مسقط؟
العليمي: لا وجود لنا في مسقط. هنالك حوار غير مباشر يقوم به المبعوث الخاص مارتن غريفيث، وأيضًا المبعوث الأمريكي. ونلتقي في جولات هنا مع المبعوثين الخاصين، ولكن في الوقت الراهن ليس هناك تواجد للحكومة في هذه المحادثات.
مركز صنعاء: هذا يعني أن الحكومة غائبة تمامًا عن المحادثات الجارية في مسقط؟
العليمي: الأمر ليس بهذه الطريقة. يقود المبعوثان الخاصان جولة مكوكية بين الطرفين، وتدعمهم في ذلك الجهود الدولية والجهود المبذولة من الدول المجاورة وسلطنة عمان. ونحن نقدر الجهود العمانية. هذه جولات من المحادثات غير المباشرة، وليست المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك، فهذا هو الحال منذ فترة طويلة.
مركز صنعاء: ماذا عن الرئيس عبدربه منصور هادي. أين هو؟ لماذا لا يراه أحد وكيف هي صحته؟
العليمي: هادي في قلب الشعب اليمني. الرئيس عبدربه منصور هادي موجود على الدوام، [إذ] أنه يتابع أداء الحكومة بما ذلك الوضع العسكري. هو موجود وهو يباشر عمله بشكل مستمر. وأنا شخصيًّا قبل أن التقي بالمبعوث الخاص، اجتمع بفخامة الرئيس، وكذلك الحال بعد كل لقاء لي مع المبعوث الخاص، لاطلاع الرئيس على كل التفاصيل واستلام توجيهاته. الرئيس يتمتع بصحة جيدة، ولله الحمد، ولكن علينا أن نستوعب أننا نواجه ظروفًا استثنائية وأن الوضع يتسم بالتعقيد. هناك صعوبات، والرئيس ليس في صنعاء أو عدن حتى يظهر بشكل مستمر.
مركز صنعاء: آخر سؤال دكتور، وهو موضوع يدور في بال الجميع. أنت تدير المكتب الرئاسي ويدور حديث بأن هناك نفوذ كبير لأبناء الرئيس (ناصر وجلال) فيه. كذلك أنت ينوبك رجل الأعمال أحمد العيسي. كيف تدير هذا المكتب؟
العليمي: المكتب الرئاسي مهم للغاية، ولديه ما يقرب من 3 آلاف موظف: منهم 1,500 يعملون في مكتب الرئيس ونحو 1,800 آخرين يعملون في الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية. وهذا في الوضع الطبيعي. لكننا في ظروف استثنائية جدًا. نحن نتنقل ما بين الرياض وعدن وأماكن أخرى، ونحاول أن نلملم كافة الجهود. وفي الواقع هناك بعض أوجه القصور أو بعض الصعوبات لكننا نحاول التعامل معها.
فيما يتعلق بأبناء الرئيس، دعني أكون هنا صريحًا معك. ليس لهم دور سياسي يقومون به. فقط أحد أبناء الرئيس هو من لديه منصب عسكري كقائد لألوية الحماية الرئاسية وهو العميد ناصر عبدربه هادي. وبحكم أن القوات العسكرية المتواجدة في عدن كانت تخضع لألوية الحماية الرئاسية، كان لناصر دور كبير جدًا في حلحلة الأمور المتعلقة باتفاق الرياض وكنا أنا وهو مبعوثين خاصين لفخامة الرئيس في عدة مراحل من المحادثات. عدا عن ذلك، ليس لأبناء الرئيس أي دور أو تدخل في الأعمال السياسية أو الإدارية للمكتب.
بالنسبة للشيخ أحمد [العيسي]، لديه صفة نائب مدير المكتب الرئاسي. وهي صفة شرفية وليس له ممارسة عملية داخل المكتب.
وكالة الأنباء الفرنسية: لدي سؤالين للدكتور عبدالله. السؤال الأول هو عن حزب الإصلاح. ما حقيقة هيمنة حزب الإصلاح، وحضرتك عضو بارز في الحزب، على القرار السياسي والعسكري في اليمن من خلال وجودك في مؤسسة الرئاسة؟ سؤالي الآخر هو عن عودة الحكومة إلى عدن، رأينا أن الحكومة خرجت من عدن بسبب احتجاجات على الكهرباء والخدمات. هل هناك فرصة لعودة الحكومة قريبًا إلى عدن؟ شكرًا جزيلًا.
العليمي: شكرًا على السؤال. فيما يتعلق بحزب الإصلاح، أنا على علاقة شخصية جيدة مع كل الأطراف السياسية اليمنية، ولدي تواصل معهم بحكم منصبي الذي لا يخضع لأي محاصصة سياسية.
لم آتِ في يوم من الأيام لهذا المنصب كمرشح لحزب الإصلاح. أنا عُيّنت مديرًا لدائرة السلطة المحلية لمدة ثلاثة أعوام وعُيّنت نائبًا لمدير مكتب الرئاسة لمدة سنتين ثم عُيّنت مديرًا لمكتب الرئاسة. ليس للعمل الحزبي أي علاقة في هذا الموضوع. ومنذ عُيّنت لهذا المنصب، لم يكن لدي أي ارتباط سياسي بأي حزب سياسي بشكل خاص. أنا مسؤول عن إيصال كل الآراء إلى رئيس الجمهورية وعكسها.
وبإمكانكم سؤال الأحزاب السياسية أيضًا عن هذا الأمر. نسمع كثيرًا عن ما يقال في هذا الشأن: عن هيمنة للإصلاح وهيمنة للسعودية وهيمنة لأبناء الرئيس أو هيمنة [لنائب الرئيس] علي محسن. نسمع كل يوم تقريبًا مثل هذه الشائعات، إلا أنها غير صحيحة. نحن نتعامل مع الإصلاح كحزب سياسي مثله مثل بقية الأحزاب الوطنية، ولديه دور فاعل في المنظومة الوطنية، وعلى هذا الأساس نتعامل معه.
بالنسبة لعودة الحكومة إلى عدن، نحن حريصون اليوم قبل الغد على عودة الحكومة إلى عدن. وهناك جهود مقدّرة للأشقاء في المملكة في مجال دعم المشتقات النفطية التي تمثل حاجة ملحّة للمجتمع. كما نقدر الجهود لوقف عملية التصعيد [في عدن] ولوضع حد لأعمال التصعيد من قِبل المجلس الانتقالي الجنوبي ودعوتهم كأطراف للمجيء إلى الرياض للتحاور.
نحن ننتظر عودة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى الرياض لاستكمال تنفيذ اتفاق الرياض. وستعود الحكومة بإذن الله إلى عدن بشكل عاجل.
مركز صنعاء: شكرًا جزيلًا. هنالك سؤالين أحدهما من الصحافية الهولندية آنا فولكسرانت وهي تسأل: هل وقعت الحكومة اليمنية على صفقة سلاح وفي حال كانت الإجابة نعم، ما هي تفاصيلها؟ السؤال الآخر من الاتحاد الدولي للصحفيين المحققين (ICIJ): ما هو عدد أفراد الجيش اليمني؟ وما حقيقة وجود فساد في الإنفاق العسكري من حيث وجود قوائم وهمية؟ وهل يحارب الجيش اليمني التابع للشرعية بكل قوته؟ وهل توقف الدعم العسكري من التحالف أو السعودية للجيش؟
العليمي: نحن في معركة، والدولة كما ذكرت آنفًا، مستنفرة بكل جهودها لإدارة هذه المعركة سواء على المستوى السياسي أو على المستوى العسكري. نحن لن نسمح بسقوط مأرب وهذا الأمر قاطع. وسنبذل كل الغالي والنفيس وسنعمل على شراء الأسلحة وسنقوم بتمويل الجيش وسننفق الأموال لإدارة المعركة. ليس لنا أن نوارب في هذا الموضوع. فهذه قضية لديها قدسية بالنسبة لنا وتُعد تهديدًا وجوديًّا ليس فقط بالنسبة للحكومة، ولكن بالنسبة للمجتمع اليمني الذي يرفض التجربة الإيرانية ويرفض المشروع الحوثي.
فيما يتعلق بعدد الجنود في الجيش وموضوع الفساد، لا أحد ينكر أن هناك اختلالات حقيقية في الدولة وهذا الوضع ينطبق على جميع الدول التي تشهد حالة حرب مثلنا، وليس من المستغرب أن يكون هناك فعلًا إشكاليات في مؤسسات الدولة.
إحدى هذه المؤسسات هي مؤسسة الجيش والأمن. على سبيل المثال، عندما تم دمج قوات المقاومة في صفوف الجيش حصل هنالك الكثير من الأعباء المضاعفة المرتبطة بزيادة الأعداد. ولا بد أن تأتي مرحلة من المراحل يتم فيها تصحيح هذا الوضع وأن يتم وضع حد للازدواجية، وبالفعل هناك إشكالية حقيقية في العدد الكلي للجيش وهي إشكالية لا ينكرها أحد، ولكنها تأتي في سياق الوضع الاستثنائي الذي نعيشه الآن والحاضر أمامنا.
الدعم السعودي لا يزال مستمرًا للجيش اليمني وهو دعم حقيقي والسعودية شريك حقيقي وفاعل وعلاقتنا بالمملكة أيضًا علاقة متميزة وهم حاضرون معنا عسكريًّا وحاضرون في دعمهم الاقتصادي والسياسي بشكل كبير.
مركز صنعاء: ماذا بخصوص صفقة الأسلحة؟
العليمي: قلت سابقًا بأننا سنبذل كل الغالي والنفيس سواء في إبرام صفقات داخلية أو خارجية. ليس أمامنا من طريق أو مسار إلا وسنسلكه خدمة لهذا الشعب. سنسلك المسار السياسي إلى أبعد ما يتصوره الجميع، وفي نفس الوقت، سنحافظ على وجودنا [عسكريًّا] وسندعم الجيش الوطني وسندعم المقاومة بكل ما نملك.
مركز صنعاء: هنالك سؤال من الواشنطن بوست: قلت إن المعركة في مأرب ليست معركة يمكن أن نخسرها. إذا لم يوافق الحوثيون على وقف إطلاق النار فإلى أي مدى ستُدفع الحكومة للمعركة؟ وأي نوع من الدعم العسكري سيُطلب من السعودية ودول الخليج؟
العليمي: نحن لا زلنا نأمل أن تؤتِ جهود المبعوث الأممي والجهود الأمريكية وجهود المجتمع الدولي بثمارها في الضغط على الميليشيا الحوثية للانصياع للحاجة اليمنية الملحّة ولحاجة الوضع الإنساني الملح الذي يستدعي وقف إطلاق النار. كنا نأمل ولا يزال لدينا أمل بأن هذه الجهود ستفضي إلى نتيجة. في أي حال من الأحوال، سواء وافق الطرف الآخر أم لم يوافق، سنستمر في توفير الدعم العسكري المكثّف في مأرب وستكون لنا خيارات كثيرة على الجبهات الأخرى في البلاد. كل ما يتوفر من إمكانيات لدى الحكومة لن يتم ادخارها أبدًا، وسنطلب تكثيف الدعم من الدول الشريكة والتحالف بالنظر إلى أنه ليس من الوارد لدينا مسألة سقوط مأرب بالمطلق.
مركز صنعاء: هناك بعض الأسئلة أيضًا فيما يتعلق بالدور القطري والتركي. كيف يُنظر إليه في اليمن؟
العليمي: أي دور سيدعم الحكومة سيكون مرحّب به، سواء عبر التحالف الداعم للشرعية أو أي دعم اقتصادي. في الواقع لا يوجد دور حقيقي للأتراك إلى الآن. بالنسبة للقطريين هم كانوا جزءًا من التحالف الداعم للشرعية قبل خروجهم منه. وبالتالي نحن ننظر من زاوية المصلحة للشعب اليمني. أي جهد سيقدم لإنهاء معاناة الشعب اليمني وتحسين أوضاعهم سيكون محل ترحيب. في المقابل، أي دور يقف ضد مصالح الشعب اليمني أو يُموّل الميليشيا الحوثية أو يدعمها سياسيًّا، أو إعلاميًّا، أو اقتصاديًّا، أو عسكريًّا لن يكون محل ترحيب سواء من جانبنا أو من جانب الشعب اليمني مطلقًا. أمامنا معركة واضحة: خصمنا من يقف مع الميليشيا الحوثية، وصديقنا من يقف مع الشعب اليمني ومصلحة الشعب اليمني ضد هذه الميليشيا.
أسوشيتد برس: هنالك معلومات تفيد بأن الإمارات أقامت قواعد عسكرية في بعض الجزر، مثل جزيرة ميون مؤخرًا، وعدة جزر في البحر الأحمر. هل دخلت الحكومة اليمنية أو الرئيس هادي في اتفاق عسكري في هذا الجانب؟ أم هي خطوات أحادية الجانب من الإمارات؟
[ملاحظة المحرر: نشرت وكالة أسوشيتد برس تقريرًا في 25 مايو/أيار 2021 حول قاعدة جوية بُنيت مؤخرًا في جزيرة ميون].
العليمي: فيما يتعلق بالأشقاء في الإمارات، علاقتنا مع الإمارات العربية المتحدة أخذت عدد من المنحنيات ما بين التوافق والشراكة تارة والاختلاف والتباين تارة أخرى.
فيما يتعلق بوجود قواعد عسكرية، نحن نبحث عما يدعم هذه المعلومة بشكل واضح. لكن بالنسبة للرئيس هادي، لا يوجد أي اتفاق ثنائي بين الرئيس والإمارات لإقامة أي قواعد عسكرية على أي من هذه الجزر. وأنا شخصيًّا على علاقة طيبة بكثير من المسؤولين في الإمارات ونأمل أن تتحسن العلاقات وأن تتطور على نحو إيجابي أكثر في المستقبل.
مركز صنعاء: شكرًا دكتور عبدالله. لدينا سؤالين أخيرين قبل أن نختم الجلسة. السؤال الأول من وكالة يمن فيوتشر.
وكالة يمن فيوتشر: عرض طارق صالح على المسؤولين الحكوميين في الرياض المشاركة في الدفاع عن محافظة مأرب، غير أنه يقول إنكم رفضتم ذلك. ما تعقيبك على هذا الموضوع؟
مركز صنعاء: السؤال الثاني هو حول تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة بشأن تداعياته على البنك المركزي، وكيف يمر هذا التقرير دون إجراء الدولة اليمنية تحقيق في الاتهامات المفصلة فيه؟
العليمي: نحن في الحكومة نرحّب بأي دعم للدفاع عن مأرب. كانت لدينا تواصل إيجابي مع طارق صالح في الفترة الأخيرة، ونحن لدينا مسار واضح للدولة يتمثل في ضرورة أن تعمل جميع الأطراف ضمن إطار شرعية الدولة وعلى قاعدة الخصم الواحد وهو الحوثيين. أي دعم عسكري من جانب طارق صالح أو من قِبل أي قوات موالية للشرعية ضد الحوثيين سيكون موضع ترحيب به وليس لدينا أي مشكلة على الإطلاق فيما يتعلق بهذا الجانب. نحن طرحنا بكل وضوح في (تداولات) اتفاق الرياض مقترحًا بأن يكون الاتفاق شاملًا لكل القوات أو التشكيلات العسكرية التي تُعد خارج سياق الدولة ومن ضمنها قوات طارق صالح. طرحنا بأن يكون الاتفاق أكثر شمولية وأن يجمع كافة الأطراف بمن فيهم: المجلس الانتقالي وقوات طارق صالح وغيرهم. طرحنا ذلك بشكل صريح. إلا أن الأوضاع آنذاك كانت تتسم بالتعقيد، ورأت السعودية بأن تركز الجهود لحل الإشكالية بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي. وهذا ما تم محاولته. عدا ذلك نحن وبشكل واضح نرحب بأي جهود لدعم الدفاع عن مأرب.
بالنسبة لتقرير [الخبراء]، نحن في الحكومة اتخذنا إجراءات للتعامل مع الموضوع. وتم تشكيل لجان تعمل بشكل مكثف، وجزء منها معلن والجزء الآخر غير معلن، ونحن نتابع جهود هذه اللجنة. للأسف، تعطلت بعض هذه المسائل في الآونة الأخيرة نتيجة الأوضاع في عدن. ولكن في جميع الأحوال نحن مهتمون بكل التقارير التي ترد ونعمل عليها بشكل معلن وبشكل غير معلن.
مُذكرات رمضانية من صنعاء
شعيب المساوى
13 أبريل/نيسان
اليوم هو غرة شهر رمضان. كنت أعتقد كل عام أنني سأكون مستعدا لشهر يمتد فيه الصيام من الفجر حتى الغروب، وفي كل عام اكتشف العكس. في هذه السنة علي أن اساعد عمتي على الانتقال لمسكن جديد. استغرق العثور على شقة في صنعاء قرابة الشهر بالنظر إلى اضطرارك للتعامل مع مختلف سماسرة العقارات وملاك المساكن.
كنت أفضل عدم تكبد هذا العناء، لكني قد قطعت وعداً. لذا، في الساعة الثالثة بعد ظهر اليوم الأول من شهر رمضان – والذي يعتبر الثامنة صباحاً في الأيام العادية، بالنسبة لي – وجدت نفسي أقف على سطح المبنى حيث تقع شقة عمتي الجديدة، أراقب السمكري (حفظ الله) لنعرف سبب انقطاع المياه عن شقة عمتي.
قضى ساعتين في تفقد الأنابيب وإعادة تثبيتها وفحص العدادات، دون جدوى. في آخر المطاف، شعر حفظ الله – وهو في الخمسينيات من عمره – بالإحباط فأمسك بمفتاح صوامل من صندوق عُدّته وضرب به على خزان المياه ثلاث مرات، وحينها اكتشفنا بأن الخزان فارغاً.
وأثناء توجهنا للنزول من السطح، أصابت رصاصة عشوائية من العيار 31. – أُطلقت على الأرجح خلال أحد الاحتفالات في مكان قريب – حافة الخزان ووقعت على السطح، على بعد بضعة بوصات من قدمي. التقطها حفظ الله الذي كاد أن يحرق يده بها ورماها من على السطح ثم واصل جمع أدواته.
تبين أن تأمين شاحنة صهريجية (وايت) لتوصيل المياه في صنعاء ليس بالضرورة من مسؤوليات مالك العقار بل من مسؤولية المستأجر. لكن لا أحد من القاطنين في مبنى عمتي مهتم بملء الخزان. فجميعهم لديهم حاويات بلاستيكية معبأة بالمياه التي يحصلون عليها من “ماء السبيل”، الذي يوزع مجانا، من خزان أحد الأحياء الذي يوفر المياه للفقراء. تمكنت من إقناع ثلاثة من المستأجرين في المبنى بشراء المياه وتقاسم التكلفة في نهاية الشهر. وهذا يعني توفُّر المياه لدى عمتي، لكنه يعني أيضاً أني سأكون في مأزق في حال حدوث خطب ما.
15 أبريل/نيسان
حوالي منتصف الليل، وردني اتصال من رقم مجهول. أجبت “مرحباً”. سألني صوت عبر الهاتف “هل عدلت عن رأيك؟”
لم يكن لدي أدنى فكرة عن هوية المتصل.
استطرد قائلاً “معك فتحي”. حينها فهمت. فتحي هو ميكانيكي قابلته الأسبوع الماضي في أحد المخابز عندما كنت أبحث عن شقة لعمتي. قال وقتئذٍ انه يعرف مكاناً للإيجار، ولكن حين قابلته في وقت لاحق من ذلك اليوم، بدا مهتما في الغالب بسيارتي حيث سأل عن طرازها، وما إذا كان “الكربون” لا يزال سليما.
لم يكن لدي أي فكرة عن ماهية “الكربون” أَو ما إذا كان يوجد حتى في سيارتي. زحف فتحي أسفل السيارة لكنه لم يستطع تحديد ما إذا كان “الكربون” موجوداً أم لا. اقترح أن نذهب إلى مرآبه للتحقق من ذلك. “إذا كان موجوداً، سأدفع لك 500 دولار أمريكي على الفور”.
كان بمقدوري الاستفادة من المبلغ، لَكنِّي كُنْتُ متشككاً. بدت مسألة “الكربون” ككل مجرد خدعة. خلال السنوات القليلة الماضية في صنعاء، كان يتم بيع آلات الخياطة والمصابيح القديمة التي أشيع بأنها تحتوي على “الزئبق الأحمر” بأكثر من 2,000 دولار أمريكي. باع بعض الأشخاص سياراتهم والبعض الآخر باعوا ماشيتهم لكي يشتروا آلة خياطة أو مصباح قبل فوات الأوان. في ذلك الوقت، كان يعتبر الشخص الذي يمتلك أحد هذه الفوانيس محظوظا. أما من يمتلك فانوسين فيُعد شخصاً ثرياً.
ظننت أن أمر “الكربون” هذا هو شيئ من هذا القبيل، إلا أن السمسار العقاري الذي كان يساعدني على إيجاد شقة لعمتي أخبرني قصة بيعه “الكربون” الخاص بسيارته معرباً عن ندمه لإتمام البيعة لقاء ثمن بخس للغاية، فقد حصل على 15 دولار أمريكي فقط.
شدني الأمر وفكرة الحصول على بعض المال فسألت فتحي ما هو الكربون بالضبط. فأوضح بأنه جزء “إضافي” من نظام عادم السيارة، ويعد هاجساً لأنصار حماية البيئة. طمأنني بأنه لن يلحق أي ضرر بسيارتي في حال تم إزالته.
نصحني ميكانيكي آخر أعرفه بعدم البيع، قائلاً: “إنه جزء أساسي في نظام العادم”.
لذا، كان جوابي لفتحي خلال مكالمة منتصف الليل “لا”.
ظل مصراً على شرائه وعرض إصلاح أي ضرر قد ينجم عن إزالة “الكربون”.
أخبرته بأني سأفكر في الأمر. لكن بعد عملية بحث على الإنترنت، اكتشفت أن “الكربون” الذي يسعى وراءه فتحي هو في الواقع المحول الحفاز في سيارتي، وهو جهاز يقلل من انبعاث الغازات السامة والملوثات من نظام عادم السيارة. ويحتوي أيضًا على البلاديوم والروديوم، وهما اثنان من المعادن النادرة تساوي قيمتهما في الوقت الحالي أكثر من قيمة الذهب، وهما بالتأكيد ما يسعى فتحي للحصول عليه.
بالنسبة للعديد من اليمنيين، الأمر يستحق بيع المحول الحفاز، فماذا يعني المزيد من التلوث مقارنة بالتضور جوعاً حتى الموت؟
22 أبريل/نيسان
شَرع محمد، أو الشيخ محمد كما يُعرف في الحي الذي أقطن فيه، بإدخال تحسينات على المسجد الذي يشرف عليه عبر تركيب المزيد من مكبرات الصوت. كان ذلك استعدادًا لإقامة صلاة التراويح خلال شهر رمضان، وهي إحدى صلوات الجماعة الاختيارية التي تقام عقب صلاة العشاء خلال شهر رمضان. أثناء صلاة التراويح التي تستمر قرابة الساعتين يتلو الإمام سورا طويلة من القرآن بصوت عالٍ.
قبل إدخال هذه التحسينات على المسجد، كانت مكبرات الصوت تعمل بشكل جيد إذ كان يسمع الشيخ محمد من على بعد ميل. أما الآن في حال كنت جاره، كحالتي، فلقد أمسى صوته أعلى بكثير.
إدخال التحسينات على المسجد يُعدّ خبرا جيدا للسلفيين، لكنه خبر سيئ بالنسبة لي، وعلى الأرجح لبضعة أشخاص آخرين. فحين يعلو صوت الأذان، يمكن سماع صداه في كل غرفة داخل شقتي. يوقظني سواء في النهار أو الليل. ويعد الحال أسوأ بالنسبة للأطفال، إذ أنهم يستيقظون خائفين طالبين النجدة.
ما بيدي حيلة. لا أطيق الانتظار حتى انتهاء الآذان.
لدى السلفيين أذان فريد من نوعه. من السهل في واقع الأمر معرفة ما إذا كان المؤذن سلفيًا أم لا. قاعدتي هي كالآتي: إذا كان الأذان درامياً للغاية فستعرف بأن سلفياً هو من يقوم برفع الأذان.
مع انتهاء إدخال التحسينات على المسجد وارتفاع صوت الأذان أعلى من أي وقت مضى، بتّ أفكر في الانتقال. لكن قد ينتهي الأمر بمجرد وداع شهر رمضان. لنأمل ذلك.
29 أبريل/نيسان
مع اقتراب عيد الفطر، بدأ الناس في التسوق لشراء ملابس العيد. بحكم التقاليد، يرتدي الناس ملابس جديدة للاحتفال بنهاية شهر الصيام.
الجودة لا تهم، المهم فقط أن الملابس جديدة. في كثير من الأحيان، يساعد الأغنياء الفقراء حتى يتمكن الجميع من ارتداء ملابس جديدة في العيد. حتى حمود جبور، “الرجل المجنون” الراحل والمعروف بإلقائه الحجارة على المارة في مسقط رأسي بمنطقة العدين – تقع على بعد 93 ميلاً جنوب غرب العاصمة صنعاء- اعتاد أن يحصل على رداء جديد في كل عيد.
سألتني زوجتي اليوم عن أي نوع من الملابس أخطط لشرائها لنفسي: ثوب، أو جينز، أو قميص؟
هي تعلم إجابتي سلفاً: لا شيء على الإطلاق. لكنها تحب التقاليد المتبعة.
قلت لها “اصغي إليّ، أنتِ تعلمين أنني أكره التسوق في الأماكن المزدحمة.” من المعروف أن جميع المتاجر تزدحم في اليمن خلال العشر الأواخر من شهر رمضان.
كما حذرت زوجتي من تكليف أي شخص بالتسوق نيابة عني.
على مدى السنوات القليلة الماضي، فقدت عائلتي الاهتمام بهذه التقاليد. بتنا نراها مسألة تافهة، يجدر أن تستحوذ على اهتمام الأطفال فقط. بالإضافة إلى ذلك، أصبح من الصعب على الجميع شراء الملابس الجديدة في ظل ظروف الحرب، وأولئك الذين لا يتحملون كلفتها يبرزون بوضوح. رأيت البؤس في عيون الأطفال الذين لم يحصلوا على ثياب جديدة.
ذات مرة، عندما كنت طفلاً، تفاجأت حين وجدت في غرفة والدي الراحل الثوب والحذاء اللذين أُعطيا له كهدية في رمضان. كان قد غادر المنزل لأداء صلاة العيد بثيابه القديمة. شعرت وقتها بالغضب والخجل الشديد لدرجة أنني أثرت المسألة معه حين عاد.
قال لي “كفاك يا بني. ألا ترى هذه الثياب (التي ارتديها) نظيفة؟”
أقررت بأنها كانت كذلك بالفعل، لكني أشرت الى أنه كان سيبدو أكثر أناقة لو ارتدى ملابسه الجديدة.
فأجاب: “أنا أبدو بمظهر جيد الآن. لا تبالي كثيرًا بالثياب الجديدة. حتى حمود جبور لديه زي جديد”. كلانا ابتسم.
3 مايو/ايار
خلدت للنوم حوالي الساعة السابعة صباحًا، متأخراً ساعتين عن موعد نومي المعتاد خلال شهر رمضان. وبينما كنت أغفو، تبادر على مسامعي أصوات جيراني وهم يجرون أسطوانات الغاز لتسليمها إلى عاقل الحارة. يسلم السكان أسطوانات الغاز الخاصة بهم للعاقل حتى تعاد تعبئتها بسعر أقل في خضم النقص الحاد في الوقود.
عادة ما تستغرق إعادة تعبئة الأسطوانات حوالي الأسبوع. عليك الانتظار في صف طويل لتلتقي أخيراً بالعاقل الذي يعطيك رقمًا مرجعيًا حتى تتمكن من تسلّم الأسطوانة لاحقًا. أكره الانتظار في تلك الصفوف. وعادة ما أكون على استعداد لدفع المزيد من المال – أي أكثر بحوالي 10 ألف ريال يمني – لإعادة تعبئة اسطواناتي في السوق السوداء بغية تسريع إنجاز المسألة.
خارج نافذتي، كان يمكنني سماع قعقعة الأسطوانات حتى بعد الظهر. سمعت شكاوى بعض الجيران من نفاد الوقود لدى العاقل قبل تمكنهم من إعادة تعبئة اسطواناتهم. حوالي الساعة الثانية بعد الظهر، فقدت أخيرًا الأمل بالحصول على قسط من النوم ونهضت من الفراش.
لبرهة، شعرت بالامتنان لقدرتي على تحمل تكاليف التزود بالوقود في السوق السوداء. ولكن في طريق عودتي هذا المساء، اتّصلت زوجتي لإعلامي أنّ الغاز قد نفذ من اسطوانتنا قبل أن تتمكن من طهي وجبة الافطار الرمضانية. اتصلت بكل مندوب وبائع في السوق السوداء خطر على بالي، ولكن مع اقتراب موعد الإفطار لم يكن أي من البائعين مستعدا لتكبد عناء المجيء من أجل إعادة تعبئة اسطوانة الغاز الخاصة بي، حتى لو عرضت المزيد من المال.
5 مايو/ايار
التقيت بصديقٍ اليوم، كان يرتدي كمامة على وجهه. من المستغرب ارتداء كمامة في صنعاء، لذا بادرت بسؤاله: لماذا ترتدي كمامة؟
أجابني بأن ذلك بسبب شفتيه المتشققتين.
كانت هناك بعض الأنباء المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي حول وفيات مرتبطة بجائحة كورونا، ولكن على عكس العام الماضي، لم تصدر أي إعلانات في هذا الشأن من جانب السلطات الصحية هنا.
لا أخرج كثيرًا بشكل عام، لكني شعرت بالفضول. لذا سألت أحد سائقي الحافلات الصغيرة عما إذا كان قد رأى الكثير من الأشخاص يرتدون الكمامات.
أجاب بالقول “لا أحد”. هو نفسه يعتقد أن جائحة كورونا مجرد خدعة.
أتذكر الذعر والخوف الذي اجتاح الجميع العام الماضي عندما انتشر كوفيد-19 في اليمن. أصيب العديد من أفراد عائلتي بالأعراض المرتبطة بفيروس كورونا، ولكن لم يخضع أي منا للفحص. كنت أعاني من السعال لمدة خمسة أشهر، وكنا جميعاً نعيش في حالة من الخوف. لكن ماذا عسانا أن نفعل؟ توقفت حتى عن القراءة عن المرض. لماذا تستحضر المتاعب بينما تشعر بأنك على ما يرام؟
8 مايو/ايار
تصدح مكبرات الصوت الجديدة للشيخ محمد بأعلى صوتها. خلال العشر الأواخر من شهر رمضان، تقيم المساجد صلاة إضافية حوالي الساعة الواحدة صباحًا تستمر لمدة ساعة ونصف وتذاع عبر مكبرات الصوت. لا أفهم سبب الحاجة إلى استخدام مكبرات الصوت لأي شيء عدا الآذان، ولكن على المرء توخي الحذر مما يستفسر عنه – فيمكن بسهولة تأويل التساؤل عن مكبرات الصوت على أنه تشكيك بالصلاة نفسها.
على كل حال الآن ليس الوقت المناسب لطرح الأسئلة. هناك دائما دراما إضافية في نهاية شهر رمضان. فالإمام يبكي وهو يتلو القرآن، ورجال الدين يشجعون على البكاء أثناء الصلاة كعلامة على الرهبة، التي حسب قولهم تزيد من فرص الاستجابة لدعواتهم.
الأمر ليس كذلك بالنسبة لي. أنا من مؤيدي الحفاظ على خصوصية العلاقة بين المرء وربّه. لست عالماً، ولكن هناك آية في القرآن تُثني عن أداء الصلاة بصوت عالٍ. يحتاج المرء للتواصل مع الله في مرحلة ما من أجل الهداية وطلب المغفرة والفرج. من السهل أن يتشتت انتباه أي شخص في ظل صخب الحياة اليومية، وهذه ليست خطيئة بل هي طبيعة الحياة.
شعيب المساوى صحفي يمني مستقل مقيم في صنعاء. يغرد على shuaibalmosawa@.
تحت المجهر
العودة إلى عدن
في فبراير 2016، غادرت عدن التي عشت فيها لـ 29 عاما، للإقامة في بلد آخر. طلبت مني والدتي أن أغادر نظراً للوضع الأمني. زرت عدن ثلاث مرات في الأعوام الخمسة الماضية، حيث كانت رحلتي الأخيرة في وقت سابق من هذا العام.
يقول الشاعر عبدالله البردوني إن الإنسان يترك جزءا من روحه في بلده و يأخذ معه أجزاء من بلده عندما يغترب. كنت أفكر بهذا في كل مرة أزور فيها عدن حيث كنت آمل بأن استعيد ذكرياتي عنها، تلك المدينة التي لم اعشق يوما سواها لهذا الحد. ولكني في كل زيارة، وجدت نفسي أفقد أكثر وأكثر من روحي. الآن، أشعر وكأنني غريبة في عدن. الطرقات والمباني مختلفة. لا أتعرف على وجوه الناس في المنصورة، الحي الذي ترعرعت فيه. وفي كل مرة أغادر فيها عدن، أحمل أجزاء جديدة من هذه المدينة معظمها ليس بالجيد ولا بالجميل؛ شظايا مجزأة وبقايا مبعثرة لكيف كانت تبدو عليه مدننا وما أصبحته اليوم.
في السابق كنت أسخر من أولئك المغتربين الذين يعودون إلى عدن للبحث عن ذكريات قديمة لهم في هذه المدينة. لم أفهم كيف تربطهم التفاصيل الصغيرة وطقوسهم اليومية بماضيهم. لعل هذا يعود لكوني كنت أعيش بالمدينة وكنت أتغير مع تغيرها – أتأقلم تدريجياً مع الواقع الجديد – أو ربما كنت صغيرة وحسب. ولكني كنت دوماً اتساءل: لماذا كل جيل يعتقد أن زمنه أفضل من أزمنة الأجيال التي تلته؟
لن أكتب عن الماضي، بل سأكتب بكل سوداوية عن مشاهد أراها اليوم في هذه المدينة. فرضت الأزمات والحروب نفسها على عدن من قبل، معيدة رسم هويتها كل مرة. ولكن ما يبدو مختلفا هذه المرة هو قبول المجتمع بما أصبحوا عليه، وبت أخشى مما سنورثه للجيل القادم من مستقبل وذكريات حميمة.
من التعايش المدني إلى مجتمع معسكر
أهداني أخي في عيد ميلادي في يناير/كانون الثاني مسدس V. Bernardelli 7.65 (إيطالي الصنع)، قائلا أن الجميع الآن يحمل سلاحا في عدن ويجب أن يدافع كل فرد عن نفسه بنفسه.
فكرة التعبير عن الحب بإهداء قطعة سلاح ليست بأمر غريب في المجتمع اليمني، ولكنه لم يكن شائعاً في عدن. وفي الواقع، تفاجأت عندما علمت كم منزل في عدن يوجد فيه سلاح، وكم شخص يحملون السلاح، ومن بينهم أشخاص لم أتخيل قط أنه قد يأتي يوم يقتنون فيه سلاحاً.
أصبحت مظاهر التسلح والنقاط العسكرية أمراً عادياً في أرجاء عدن، وكأن المدينة التي كانت تتسم في يوم من الأيام بالمدنية والتعايش والتناغم أصبحت معسكراً للجيش. تحررت عدن من الحوثيين قبل ست سنوات، لكن المسلحين بقوا.
وبالتالي، لا يكاد يمر يوم دون اشتباكات بين القوى العسكرية بمختلف مسمياتها ولمختلف الأسباب، سياسية، شخصية أو جنائية، ولكن جميع الاشتباكات عنيفة حيث يتم اللجوء إلى قوة السلاح للفوز بأي نزاع. لا يقتصر اللجوء إلى العنف على ممارسات المجموعات المسلحة المختلفة في عدن، إذ ترى أيضاً فئة من الشباب اليافعين والمراهقين يشترون الأزياء العسكرية من سوق الحراج، حتى وإن لم يكونوا جنودا، فهم يعتقدون أن الناس سوف تحترمك وتخشاك عندما يرونك بالزي العسكري.
أكثر من نصف الشباب الذين أعرفهم أصبحوا جنوداً مع قوة مسلحة ما، إما داخل أو خارج عدن. الكثير منهم يأتون من خلفيات علمية ولكنهم اختاروا الخيار العسكري لكسب معيشتهم. في الواقع ليس هناك من خيارات أخرى إذ يبدو أن الأطباء والمهندسين وطلاب الجامعات والمدرسين يفضلون الانضمام إلى جماعات مسلحة لتأمين دخل مادي ثابت وآمن لعائلاتهم.
استفاد آخرون من انعدام الأمن لتنفيذ أجنداتهم الخاصة. تفيد الكثير من التقارير الإخبارية عن عمليات اختطاف واغتيال ومداهمات يرتكبها أفراد يرتدون الزي العسكري، ليٌكتشف لاحقا – إذا ما تم القبض عليهم – أنهم لا ينتمون لأي قوى أمنية رسمية. الوضع الأمني الهش الذي تعيشه المدينة منذ عام 2015 جعلها بيئة خصبة لارتكاب الجرائم.
اليوم يلعب الأطفال لعبة الحرب في شوارع عدن حيث يقسمون أنفسهم إلى فريقين، فريق الحوثيين وفريق الحزام الأمني، ويلعبون متخيلين أنفسهم رجالا يطلقون النار على بعضهم البعض من أسلحة وهمية. ولعل الأمر طبيعيا نظراً لما مروا به وما سمعوه ويسمعونه، ولكن الأمر غير الطبيعي هو معرفتهم بأسماء القوات الأمنية وقياداتها والأدوار التي يتقمصونها. يُسمي الأطفال العدنيون القطع الخشبية والألعاب البلاستيكية التي يستخدمونها بأسماء الأسلحة الخفيفة والمتوسطة التي لا أعلم أسماءها حتى يومنا هذا.
ولأن المجتمع اليمني مجتمع مسلح بشكل عام، تُستخدم الأعيرة النارية في مواكب الأعراس بمختلف المناطق اليمنية، ولكن في عدن لم تكن هذه الظاهرة مقبولة من المجتمع، وأتذكر منذ بضعة أعوام أنه إذا ما تم إطلاق أعيرة نارية في أحد مواكب الأعراس، كانت القوات الامنية تأتي وتأخذ العريس إلى السجن ليقضي أولى ليالي زواجه فيه.
أما اليوم، فمواكب الأعراس عبارة عن ساحات قتالية متحركة حيث تستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة من المسدسات والكلاشنكوف إلى مضادات الطيران والقنابل الصوتية، الأمر الذي يخلف بالطبع العديد من الضحايا والإصابات بسبب الذخيرة المرتدة إلى أوساط الأحياء السكنية والمنازل.
لا صوت يعلو فوق صوت السلاح
خلال زيارتي الأخيرة لعدن، عادت أمي، وهي أستاذة جامعية، من عملها في يوم من الأيام مستاءة ومصدومة. أخبرتني بأن أحد الطلاب، وهو ملتحق بإحدى القوات العسكرية، قد دخل إلى الحرم الجامعي بمركبة عسكرية ومعه جنود، وهدد أحد أساتذته بسبب رسوبه في المادة التي يٌدرسها له هذا الأستاذ، وأجبره على تغيير درجته بعد إهانته أمام جميع الطلاب.
هذا ما أمسته عدن. يلجأ الناس لسلطة السلاح في المرافق الحكومية والمدارس الثانوية وحتى المستشفيات، فغياب الدولة جعل الكثير يؤمنون أنهم فوق القانون وأن أسلحتهم تسمح لهم بتلبية رغباتهم مهما كانت.
بعد عدة أيام من وصولي الى عدن، أخذتني صديقاتي للتنزه في المدينة والجلوس في أحد المنتجعات البحرية في مديرية التواهي. تفاجأت بوجود نقطة تفتيش أمنية على مدخل المنتجع حيث رأيت العديد من الأفراد والعائلات من محافظات أخرى يخبرون إدارة المنتجع أنهم من جهة قائد عسكري ما ومعروف وسُمح لهم بالدخول بدون دفع أي مقابل. هذه التسهيلات غير المبررة أصبحت شائعة في مختلف أنحاء المدينة، فإذا كانت لديك أي واسطة عسكرية سوف تفتح لك جميع الأبواب.
الأمر نفسه ينطبق على الوضع في الشارع حيث أن قانون المرور الجديد في عدن هو قانون المركبات العسكرية، ولا شيء سواها يهم، فلها الأولوية عن المشاة وسيارات المواصلات العامة والخاصة وحتى سيارات الإسعاف التي تجبر على الانتظار ليمروا قبلها.
في السابق، كان المسؤولون الحكوميون يزورون المرافق ويضعون حجر الأساس للمشاريع الجديدة في المدينة وسط حضور وسائل الإعلام. أما اليوم، فإن القيادات العسكرية هي من تتصدر عناوين الأخبار ونراهم يزورون مدرسة ما أو يفتتحون مشاريع جديدة. هل هذا الوضع يعود لغياب الحكومة أم أن الجماعات المسلحة قد أصبحت هي الدولة؟
في أحد الأيام، لمحت صديقي يتصفح صورا للأسلحة على شاشة تلفونه، مزحت معه قائلة: “ماذا تفعل يا فارس مناع؟” (مناع هو أحد أشهر تجار الاسلحة في اليمن والقرن الأفريقي) رد علي بتفاؤل: “من فمك لباب السماء”. أخبرني أن هناك مجموعات على تطبيق واتساب لتجارة الأسلحة، وأن الكثير من الشباب والرجال في عدن أعضاء في هذه المجموعات حيث يتبادلون صور الأسلحة الخفيفة والمتوسطة دون الخوف من أي محاسبة أو اتهام. وقال إن العديد من الناس أصبحوا يعملون في هذا المجال، فحتى الذي لا يملك أسلحة يعمل كوسيط بين البائع والمشتري.
عندما عبرت عن دهشتي من الوضع، قال لي إن هذه المجموعات تضم أشخاصاً من مختلف المحافظات وينتمون لمختلف الأطراف. بعض المجموعات يتم فيها بيع وشراء الأسلحة من أفراد موالين للحكومة المعترف بها دولياً، وبعضها الآخر يتم فيها البيع والشراء من أفراد ينتمون لجماعة الحوثيين المسلحة.
في السابق كانت الفتاة في عدن تتباهى إذا ما تقدم لخطبتها دكتور أو مهندس، وإذا ما كان من أسرة معروفة أو لديه أقارب في الجامعة. كانت الجامعة تدل على المكانة بالمجتمع. أما اليوم، فهي تتباهى إذا تقدم عسكري طالبا الزواج منها. استمعت لحوار دار بين فتاتين لا تتجاوز أعمارهن العشرين عاما. الأولى مخطوبة لجندي مع الحكومة اليمنية، والثانية مخطوبة لرجل في قوات الحزام الأمني. أمضتا أكثر من نصف ساعة وهما تتناقشان من يتمتع بامتيازات أكثر من الثاني ومن راتبه أعلى. اعتقدت أن هذا المثال متطرف ولا يمثل الكثير من الفتيات، ولكن بعد تحدثي مع نساء أكثر في عدن، أدركت كم أصبح هذا التفكير شائعاً.
إطلاق النار على الرسول
أحد الأمور التي لفتت نظري بعدن هي الاستهزاء بأي شخص ينتقد الوضع الراهن وتشويه سمعته، ويكون هذا الهجوم عليه أكثر حدة عندما يكون المنتقد لا يقطن باليمن، وكأن من لا يعيش وسط الظروف الحالية ووسط معاناة الناس لا يحق له الانتقاد حتى لو كان من المدينة.
وبالتالي، أدرك أن بعض الناس سيستاؤون عند قراءة آرائي وملاحظاتي، خصوصا الجنوبيون وأبناء عدن. قد اُتهم بالتحيز والتركيز على السلبيات. غيرهم قد يقول إن هذه السلوكيات التي تحدثت عنها موجودة منذ سنوات وأن نظام علي عبدالله صالح (الرئيس السابق)، فعل أسوأ من ذلك خلال وبعد حرب 1994.
أقول لمن ينتقدني: نعم، أنا متحيزة لعدن وأهلها الذين تعرضوا للانتهاك مرارا وتكرارا من مختلف الحكومات. نعم أنا هنا أركز على السلبيات لأنها لم تكن جزءا من عدن التي عرفتها قبل الحرب. نعم أنا أعارض الجماعات المسلحة. نعم، لقد عانت هذه المدينة وأهلها أوضاعاً أسوأ بكثير خلال فترة نظام صالح. ولكن حينها، كنا نُظلم، أما اليوم نحن من نظلم أنفسنا.
غيداء الرشيدي باحثة ومختصة بيانات مرئية في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، حيث تتركز أبحاثها على جنوب اليمن والقضايا الأمنية والاجتماعية في المحافظات الجنوبية.
السينما في عدن، من أطفأ العرض؟
خالد لكرع
[ملاحظة المحرر: أنتجت هذه الورقة كجزء من مبادرة منتدى سلام اليمن، وهي مبادرة لمركز صنعاء تسعى إلى تمكين الجيل القادم من الشباب والجهات الفاعلة في المجتمع المدني اليمني وإشراكهم في القضايا الوطنية الحرجة.]
تعتبر عدن نقطة التقاء ثقافي وتجاري وموطن ميناء عالمي يربط بين الشرق والغرب. خليج عدن الذي يربط البحر الأحمر ببحر العرب أدى إلى ازدهار التجارة وتوافد الناس إلى المدينة وحولها إلى مركز عالمي. لعبت المدينة دوراً بارزاً خلال معظم القرن العشرين، وأبرز ما شهدته على مستوى الثقافة كان ازدهار السينما في اليمن وشبه الجزيرة العربية.
أفضت التكنولوجيا الحديثة والمشاكل السياسية في البلاد إلى اندثار دور السينما. بلغ عدد دور السينما في عدن أكثر من أربعين دار عرض في أوج ازدهارها، مطلع التسعينات، ولكن ليس هناك أي صالة سينما عاملة في المدينة حالياً. ومع الأسف، يبدو احتمال إعادة إحياء هذه الثقافة ضئيلاً للغاية اليوم.
وصول الأفلام إلى عدن
احتلت بريطانيا عدن عام 1839، بهدف تأمين خطوط الاتصال والتجارة مع الهند، وانسحبت منها عام 1967. وبالرغم من أن هذا الاحتلال شمل السيطرة على الموارد، إلا أنه حمل معه العديد من أوجه النهضة الثقافية والتجارية. عرفت عدن السينما خلال هذه الفترة، لتزدهر لاحقاً وتصبح السينما أحد معالم المدينة.
عرفت عدن العروض السينمائية لأول مرة عام 1910 عندما كانت سلطات الاستعمار البريطاني تعرض الأفلام الصامتة باللونين الأبيض والأسود لجنودها في منطقة كريتر وللعاملين البريطانيين في السلك الدبلوماسي والمدني وأبناء عدن العاملين في المحميات البريطانية في جنوب اليمن.[1] وبعدها بدأت الأفلام تعرض في مختلف أرجاء المدينة.
شهدت منطقة كريتر أول عرض سينمائي محلي عام 1910 بفضل محمـد حمود الهاشمي، الملقب بمستر حمود، الذي بدأ بعرض أفلام شارلي شابلن الصامتة في الساحات أو الهنجرات الصغيرة. كما أقام عروضا متنقلة عرض خلالها الأفلام الصامتة في منطقة التواهي في الصالات والمواقع المتوفرة مثل مواقف السيارات والساحات.[2] كما عرض عبد العزيز خان الأفلام في ساحة قرب مقهى زكو، في مدينة عدن القديمة.[3]
بنى نجل محمد الهاشمي، طه حمود، المعروف باسم “ملك السينما”، أول دار عرض سينما في المدينة في الثلاثينيات في كريتر، قرب حي الميدان. أطلق عليها اسم سينما هريكن (Hurricane)، وجاءت هذه التسمية على اسم الطائرة المقاتلة البريطانية من طراز هريكن.[4] بلغت مساحة السينما الأولية حوالي 600 متر مربع، وضاعف طه مساحتها عام 1942.[5]
بالإضافة إلى هريكن، أنشأ طه حمود دور سينما أخرى منذ هذه الفترة حتى الخمسينيات: سينما الجديدة في التواهي، وسينما راديو في المعلا، وسينما الشرقية في الشيخ عثمان.[6] وعمل موزعاً لعدد من الأفلام لكبريات شركات الإنتاج وعدد من النجوم.
وبحلول عام 1972، ارتفع عدد صالات العرض السينمائي في عدن إلى 10 صالات. وبالإضافة إلى الأربعة التي يمتلكها طه حمود، كان هناك: السينما الأهلية أو سينما البادري لـ “حسين إسماعيل خدابخش” في كريتر، وسينما البنيان أو برافين في كريتر، وسينما بلقيس لـ “جعفر مرزا”، وسينما ريجل أو شاهيناز لـ “مستر حق” في خور مكسر والسينما الشعبية لـ “عبده عبد القادر” في الشيخ عثمان، وسينما دار سعد وسينما البريقة في مديرية البريقة المجاورة (أو عدن الصغرى). وبحلول الوحدة عام 1990، ارتفع عدد دور العرض ليصل إلى حوالي 40،[7] مقارنة بتسع دور سينما فقط في صنعاء التي افتتح فيها أول صالة سينما عام 1959.[8]
ازدهار السينما في عدن
كانت عروض الأفلام متوفرة في الكثير من المديريات في محافظة عدن، وتنافست دور العرض السينمائي في عرض أفضل الأفلام. ركزت سينما هِريكن والسينما الأهلية على عرض الأفلام العربية، بينما ركزت سينما البريقة وسينما ريجل – ولاحقاً سينما بلقيس – على عرض الأفلام الغربية. وتفردت سينما شاهيناز في عرض أفلام شارلي شابلن. أما سينما بلقيس وسينما البنيان فقد تخصصتا في عرض أفضل الأفلام الهندية.[9]
خلال السنوات الذهبية في السينما المصرية (من الأربعينيات وحتى الستينيات)، كانت الأفلام التي تعرض في القاهرة تعرض في عدن في نفس الوقت، وكانت قيمة التذكرة في عدن أعلى من قيمتها في مصر.[10] كانت أفلام فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب تعرض في عدن. وكان مستر حمود يملك حقوق عرض أفلام الممثل المصري فريد شوقي إذ كانت تعرض أفلامه في سينما هريكن فقط بموجب اتفاق نشرته حينذاك الصحف. بينما احتكر خدابخش، مالك سينما الأهلية، أفلام الفنان والموسيقار المصري فريد الأطرش بموجب عقد أبرم معه. زار الاطرش عدن في منتصف الخمسينيات بناءً على دعوة من خدابخش.[11]
ومن أبرز الأفلام التي عرضت في دور السينما في الخمسينيات والستينيات في عدن فيلم أم الهند، فيلم الإجازة الصيفية (صدر عام 1963) بطولة كليف ريتشارد، نوسفيراتو: سيمفونية الرعب (صدر عام 1922)، أفلام روبن هود، أفلام عيون الليل، وحبي في القاهرة الذي صدر عام 1966 ومثّل بطولته المطرب اليمني العدني الراحل أحمد بن أحمد قاسم مع النجمة المصرية زيزي البدراوي، وهو أول فيلم من بطولة وإنتاج يمني.
كما عرضت دور السينما مقتطفات تعرف بـ “الجريدة المصورة” قبل بدء الفيلم لإخبار العدنيين بآخر التطورات، مثل أخبار القومية العربية خلال حكم الرئيس المصري جمال عبد الناصر. كما عرضت إعلانات للمحال التجارية بعدن ولقطات رياضية لمحمد علي كلاي ومن أفلام الكرتون “ناقر الخشب”.
وبحسب الكاتب عبد القادر باراس، عرضت بعض الأفلام من دون مقابل لكي يتمكن من لا يستطيع تحمل كلفة تذاكر السينما من مشاهدة الأفلام. وقال باراس: “بادر المجلس البلدي إلى إقامة عروض سينمائية متجولة بواسطة سيارة متنقلة تجوب الأحياء الشعبية لتعرض الأفلام الصامتة الأجنبية وتعرض أيضا مقتطفات لرواد الفضاء. وكانت السينما المتنقلة تعرض الأفلام على جدران المنازل وسط ترحيب الأهالي بهذه البادرة”.[12]
وفي ذلك الوقت، في منتصف القرن العشرين، كانت دور السينما تراعي التقاليد الاجتماعية فيما يتعلق بحياء المرأة. خصصت عروض للنساء فقط في يوم محدد من الأسبوع بناءً على طلب المواطنين، ولكن من الجدير بالذكر أن اختلاط الجنسين لم يكن مشكلة إذ كان النساء والرجال يحضرون بعض الأفلام في الصالة نفسها. كما استخدمت السينما لخدمة أهداف تعليمية إذ عرضت بعض الأفلام للطلاب فقط، حسبما قال عبد الله مقبل، موظف سابق في سينما المعلا المغلقة حالياً.[13]
المؤسسة العامة للسينما: ما بين النهوض والقيود
بين عامي 1967 و1990 كانت المحافظات الجنوبية لليمن اليوم – بما فيها عدن – تشكل دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي)، وهي دولة ذات نظام حكم اشتراكي-شيوعي. في بادئ الأمر، بعد تشكيل حكومة الاستقلال الأولى، كان ملاك السينما يدفعون ضرائب لها لتأسيس المؤسسة العامة للسينما والمسرح. كان ملاك السينما يأملون أن المؤسسة ستدعم وتعزز دور السينما، ولكن عام 1969، صدر قانون المؤسسة الاقتصادية للقطاع العام والتخطيط القومي (قانون رقم 37)، ونص على تأميم دور السينما، ضمن في اليمن الجنوبي ليطبق في 20 ديسمبر/كانون الأول 1970،[14] وبالتالي أصبحت دور السينما ملكا الدولة وكانت تديرها المؤسسة العامة للسينما والمسرح.[15]
صدم القرار ملاك السينما. سيطرت المؤسسة بالكامل على عمل دور السينما وإبرام العقود مع شركات إنتاج الأفلام حول العالم. وخلال هذه السنوات من الحكم الشيوعي في جنوب اليمن، كانت دور السينما في عدن تعرض في بعض الأحيان لقطات عن لينين والإيديولوجية الاشتراكية العالمية قبل عرض الأفلام.
أثار قانون التأميم جدلا كونه سلب رؤوس الأموال ودمر القطاع الخاص والتنافس التجاري. وبحسب القانون رقم (37)، أصبحت سينما هريكن بكل محتوياتها وعقود العمل مع شركات الإنتاج والتوزيع ملكا الدولة.
وقال حفيد مستر حمود، لطفي طه محمد حمود الهاشمي الذي يمتلك سينما هريكن حالياً، لمركز صنعاء:” عندما قاموا بتأميم سينما هريكن، كان لدينا 850 فيلم بالإضافة إلى معدات وعقود مع شركات أفلام كانت قادمة لعدن. وكنا نقتطع 10% من دخلنا لأجل المؤسسة العامة للسينما، ولكنهم بعد ذلك أمموا السينما وصادروا كل شي. هذا كان حقدا وليس تأميم”.[16]
رغم أن قانون التأميم كان قاسيا على مالكي السينما، لكن الدولة لم تتوقف عن دعم هذا القطاع. ازدادت أعداد عروض الأفلام، كما أبرمت اتفاقيات مع شركات الإنتاج العربية والعالمية. وكان الجميع يرتاد السينما، حتى أنه يحكى أن الرئيس سالم ربيع (سالمين) كان يقف مع الآخرين في الصف لشراء التذاكر.
ولكن، واجهت السينما في عدن قيوداً عند عرض بعض الأفلام خاصة تلك التي تمس مواضيع أو قضايا أو شخصيات ذات صلة بالقومية والثورة العربية، والإيديولوجية الاشتراكية العالمية. خضعت كل دور السينما للرقابة، وشكلت لجنة إدارة الرقابة والمصنفات لهذا الهدف. وبدلاً من حذف مشاهد معينة من الأفلام (عملية معقدة تحتاج لمعدات مونتاج)، كان يمنع عرض بعض الأفلام المثيرة للجدل بشكل كامل، إلا أن تلك الرقابة لم تكن مشددة بنفس القدر في جميع الأوقات.
أثار فيلم العصفور، الذي صدر عام 1972، غضبا في أرجاء العالم العربي ولكنه عرض في عدن في بعد نقاش طويل. يتحدث الفيلم (كتابة وإنتاج وإخراج يوسف شاهين)، عن هزيمة مصر وسوريا والأردن في حرب 1967، واعتبر إهانة للقومية العربية وبالتالي منع عرضه في الكثير من البلدان العربية. اعترضت إدارة الرقابة والمصنفات في المؤسسة العامة للسينما في عدن على عرض الفيلم، ولكن تدخل رئيس اليمن الديمقراطية الشعبية عبد الفتاح إسماعيل وسمح بعرض الفيلم.
وزار عدن آنذاك ابطال الفيلم صلاح قابيل وسميحة أيوب والمونتيرة رشيدة عبد السلام، وأقيم مهرجان للفيلم في سينما بلقيس، وجلس قابيل في الصف الأول.[17]
التحديات التي مرت بها السينما في عدن
واجهت دور السينما في عدن الكثير من التحديات في وقت لاحق من القرن العشرين ما أعاق قدرتها على الاستمرار بالعمل. كان أحد هذه التحديات ناتجاً عن قانون التأميم. ومع أن الدولة دعمت دور السينما، إلا أن الاستحواذ عليها من قبل الدولة قوض ملاك دور السينما ودمر رأس مالهم. خاصة وقد استحوذت أيضا على كل أرشيفهم من الأفلام والمعدات.
وخلال منتصف الثمانينيات، سمح للأطفال بمرافقة أهلهم إلى دور السينما، ما خلق جوا لم يرق لمرتادي السينما نظراً للإزعاج الذي تسبب به الأطفال خلال عرض الأفلام. بالإضافة إلى أن بعض الأفلام كانت تعتبر غير ملائمة للمشاهدة العائلية. كما أن عدم الاستقرار السياسي حينها، والذي بلغ ذروته باندلاع الحرب الأهلية في الجنوب عام 1986، جعل العائلات مترددة في الذهاب إلى السينما.[18]
بعد الوحدة
توحد شمال اليمن وجنوبه عام 1990، وألغي قانون التأميم. غير أن هذا لم ينه التحديات التي تواجهها السينما في عدن، فقد أعادت حكومة اليمن الموحد مباني السينما إلى الملاك دون منحهم أي دعم مادي أو تقني. كما لم يُمنحوا أي ميزانيات تشغيلية أو تعويضات بسبب الاستيلاء على دورهم. وطالبتهم الدولة أيضاً بدفع الضرائب قبل حتى أن يستأنفوا عملهم. ويبدو أن هذه الخطوة كانت تهدف إلى دفع الملاك للتخلي عن دور السينما لصالح بعض المتنفذين.
وقال لطفي الهاشمي: “في الأسبوع الأول لاستلامنا دار السينما أنا ووالدي، فوجئنا بقدوم ثلاثة موظفين من مصلحة الضرائب، وأتذكر كيف شرح لهم والدي قائلا إنه لم يمض أسبوع واحد منذ استلامنا للسينما التي صودرت منذ ( ثلاثين عاما ونحن لم نجن أي دخل! (وسألهم) ماذا تريدون؟ (وقالوا) أنهم يريدون منا إعداد تقرير شهري بعدد التذاكر المباعة، ودفع 30% من دخلنا لمصلحة ضرائب الدخل والواجبات”.[19]
عندما ذهب لطفي ووالده لاستلام دار السينما عام 1995، خاطب المسؤولون المحليون والده بسخرية قائلين: “ما زلت على قيد الحياة؟” وقالوا له أنهم كانوا يتوقعون رؤية شاب أصغر سنا بكثير قادم على الأرجح من خارج اليمن. وبحسب لطفي، وضع المسؤولون سلسلة من الإجراءات البيروقراطية المتعبة التي تهدف إلى جعل من يذهب لاسترداد أملاكه من دور السينما يشعر باليأس ويتخلى عنها في نهاية المطاف.[20]
قدم لطفي عام 2007 شكوى مكتوبة حول هذه المعاملة إلى رئيس الجمهورية آنذاك علي عبد الله صالح.[21]
عانى ملاك دور السينما الذين تمسكوا بعملهم إذ كانت التكاليف التشغيلية مرتفعة للغاية، وبلغ سعر شراء الأفلام لعرضها الآلاف من الدولارات. لكن مستوى الدخل والمعيشة للمواطنين تدنى بعد الوحدة، ولم يكن هناك أي دعم من لدور السينما. ونظراً لانخفاض عدد مرتادي السينما، لم تعرض الأفلام سوى مرتين في الأسبوع، وبالتالي، لم تكن العوائد كافية لتغطية التكاليف.
همشت السلطات الجديدة قطاع السينما خاصة بعد الحرب الأهلية عام 1994. كما لعب تفشي الفساد المالي والإداري دورا هاماً في تدهور قطاع السينما في اليمن بشكل عام وبعدن تحديداً خلال هذه الفترة، وأغلقت الكثير من دور العرض أبوابها في التسعينيات.
وقال عارف ناجي، ناشط مدني ومدير قاعة التاج للأفراح، والتي كانت سابقاً سينما التواهي، أن سبب إغلاق كثير من دور العرض السينمائي يعود ذلك إلى “غياب دور الحكومة في الاهتمام بهذا القطاع الفني والثقافي، ومحاولات الاستيلاء على بعض دور السينما”.[22]
ونتيجة لغياب دعم الدولة واليأس الذي تملك أصحاب دور السينما، قام بعض الملاك بتحويل دورهم لمسارح لتقديم العروض الترفيهية الحية، أو قاعات لحفلات الأعراس (مثل سينما التواهي) أو ببيعها لتهدم لاحقاً. استمرت سينما هريكن بعرض الأفلام بشكل طفيف حتى العام 2010. وبحسب مالكها، كان كبار السن، من الذين شهدوا العصر الذهبي للسينما في عدن، يطلبون منه في آخر هذه الفترة فتح السينما وعرض بعض الأفلام. تناقص عدد هؤلاء الرواد مع الوقت إذ توفي البعض بينما لم يكن بوسع البعض الآخر الخروج من المنزل نظراً لكبر سنهم، فتوقف لطفي عن عرض الأفلام. ومن بعدها، استخدمت سينما هريكن لإقامة فعاليات وعرض مسرحيات بين الفينة والأخرى حتى اندلعت الحرب الجارية.
خراب الحرب
تدهور وضع دور السينما أكثر في عدن خلال الحرب الحالية وأصبحت الكثير من مباني دور السينما في حالة سيئة. وجه غياب الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وعدم اهتمام سلطات الأمر الواقع ضربة قاضية لهذا القطاع الذي عانى من انعدام الأمن وعدم توفر الخدمات. كما شكل ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني وأزمة الكهرباء عائقا أمام الملاك لتشغيل دور السينما. تردد ملاك دور السينما في المدينة بشأن تشغيل دورهم نتيجة تزايد التوترات الاجتماعية، وتدهور الوضع الاقتصادي، والنهج الذي تبنته السلطات.
وقال لطفي: “عندما لم يسمح لبعض الأشخاص بالدخول بدون شراء تذكرة، كان البلاطجة يرمون أشياء إلى داخل السينما. وعندما يصاب شخص ما، كانت تأتي الشرطة وتبحث عن صاحب السينما، وعندما أخبرهم أني مبرم عقد بيني وبين مستأجر ما يقيم فعالية في السينما – مسرحية مثلا – والمستأجر هو من يتحمل تأمينها، يرفضون ذلك ويقولون: ‘أنت مالك السينما، (وانت) المسؤول’. ولذلك اضطررتُ إلى إقفال السينما في نهاية المطاف”. تم الإغلاق قبل اندلاع الصراع المسلح الحالي بفترة.
حاول ذات مرة مسؤول في وزارة الثقافة في الحكومة المعترف بها دولياً إقناع لطفي بإعادة فتح سينما هريكن: “شرحت له أنه لا مغزى من ذلك، كوني كنت أخسر أكثر مما أربح”. وفضلاً عن الخسائر المادية، تواجه إدارة العمل في السينما الكثير من العوائق.
زعمت وزارة الثقافة في الحكومة المعترف بها دولياً في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2019 أنها رممت سينما هريكن في عدن، الأمر الذي نفاه لطفي نفياً قاطعاً إذ قال في بيان نشرته عدن تايم: “نلفت نظركم أن ما تم الإشارة إليه خال من الصحة … ولم نلق أي اهتمام من مكتب (وزارة) الثقافة ولا أي تواصل. نطالب بالاعتذار من قبل مكتب الثقافة…”.[23]
كما عانت دور السينما الأخرى في عدن أيضاً. فعام 2019 هدمت إحدى أقدم دور السينما في عدن، (سينما الشرقية)، التي أنشئت عام 1965 في مديرية الشيخ عثمان.. شيد مركز تجاري مكان السينما حيث يتم الآن وضع اللمسات الأخيرة عليه.[24] وحاليا ليس هناك أي سينما تعرض الأفلام في المدينة.
وبالرغم من هذه التحديات الجمة التي تواجه سينما هريكن والسينما بعدن بشكل عام، لا يزال لطفي يأمل أنه في يوم من الأيام سيكون هناك مؤسسات تبدي اهتماما بالسينما وبإعادة إحيائها في عدن.
هل يعود العرض إلى عدن؟
نظراً للظروف الراهنة، يبدو أنه من غير المرجح أن تشهد عدن عودة هذه الأيام المجيدة في أي وقت قريب – أو حتى أن تعاود عرض الأفلام مجددا. (حالياً، تعرض بعض الأفلام من حين لآخر في قاعات الأعراس.) تقف التحديات الأمنية وعدم توفر الخدمات والإهمال الرسمي أبرز العوائق أمام السينما. تحتاج مباني دور السينما للتأهيل والترميم لكي تتمكن من العمل مجدداً، فضلاً عن احتياجها إلى معدات حديثة لعرض الأفلام.
تمثل التكنولوجيا الحديثة تحدياً أمام إعادة إحياء دور السينما. ويقول سامي المصوعي، أحد مرتادي السينما الذي عاصر الفترة الذهبية للسينما، فدور السينما قد عفا عليها الزمن نتيجة تطور تقنيات الترفيه التي غيرت عادات المستهلكين: “الكثير من الناس كانوا يرتادون السينما، وحتى النساء. أتذكر خالتي التي كانت كلما سمعت عن فيلم هندي جديد تقول لي: ‘هيا يا سامي’! كنت أرافقها لمشاهدة العروض وكنت بمثابة حارسها الشخصي. ولكن بعدما أتت أجهزة الستالايت، لم يعد مهما لها (وللآخرين) أن تذهب لمشاهدة العروض في الخارج، فقد تغير الوضع”.[25]
انخفض عدد مرتادي السينما في الكثير من البلدان وانخفضت العائدات حتى قبل تفشي جائحة كورونا.[26] ونظراً لشاشات التلفاز المتطورة وتنوع خدمات البث، بات على دور السينما التنافس مع خيارات الترفيه الأوفر التي أمست بمتناول الجميع. هذا وأدى تفشي جائحة كورونا مطلع العام الماضي إلى إغلاق دور السينما في جميع أنحاء العالم.
يبقى مستقبل دور السينما في عدن مرهوناً بالوضع الاقتصادي والسياسي والأمني إذ يستلزم إعادة إحياء السينما إرادة وتفان من الحكومة الوطنية ودعم من رجال الأعمال والمؤسسات المدنية فضلاً عن تحسين القوة الشرائية وتوفير الأمن. كما أن الوعي والاهتمام الشعبي مهمان للغاية كونهما المحرك الحقيقي لنهوض أي فن.
خالد لكرع هو ناشط شبابي مستقل ورئيس فريق شمسان للتوعية الإعلامية في عدن. وهو حاصل على درجة البكالوريوس في الإعلام. مشارك في منتدى اليمن للسلام.
أعد هذا التقرير (حسب الترتيب الأبجدي): أبو بكر الشماحي، ألكس بوتر، أماني حمد، حمزة الحمادي، ريان بيلي، سبنسر أوسبرغ، سوزان سيفريد، عبدالغني الإرياني، علي الديلمي، غريغوري جونسن، غيداء الرشيدي، فارع المسلمي، ماجد المذحجي، منال غانم، كيسي كومبس، نزيهة بعاصيري وياسمين الإرياني.
تقرير اليمن، هو تقرير شهري يصدره مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية منذ يونيو/ حزيران 2016، وصدر كنشرة شهرية باسم “اليمن في الأمم المتحدة” في أعوامه الأولى. يهدف التقرير إلى رصد وتقييم التطورات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية والإنسانية والحقوقية بشأن اليمن وتزويد القراء برؤية سياقية شاملة حول أهم القضايا الجارية في البلاد.
لإعداد “تقرير اليمن”، يقوم فريق مركز صنعاء في مختلف أنحاء اليمن والعالم، بجمع المعلومات والأبحاث، وعقد اجتماعات خاصة مع الجهات المعنية المحلية والإقليمية والدولية، لتحليل التطورات المحلية والإقليمية والدولية المتعلقة باليمن.
مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.
- “السينما في عدن، الماضي والحاضر والمستقبل”، الأيام، 6 أكتوبر/تشرين الاول 2019، https://www.alayyam.info/news/7YHJBNJ5-VVDRYM-E5B2
- ياسمينة طويل، “تاريخ موجز للسينما اليمنية”، معهد الفيلم العربي، بروكلين، نيويورك، 29 أغسطس/آب 2020،
- عبدالقادر باراس، “تقرير مصور: السينما زمان في عدن”، صحيفة عدن الغد، 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2013،https://m.adengd.net/news/75291/
- أمل عياش العمري، “تحقيق: تيجي نروح سينما عدنية”، عدن، صحيفة عدن الغد، 8 يناير/كانون الثاني 2013، http://old.adenghd.net/news/36087/#.YFPRgp0zbIU
- لطفي طه محمد حمود، مالك سينما هريكن، حوار عبر الهاتف مع الكاتب، عدن، 26 يناير/كانون الثاني 2021.
- مرزوق ياسين، “في رحيل ملك السينما بعدن.. مســــتر حمود”، سبأ نت، 22 يونيو/حزيران 2009، https://www.saba.ye/ar/news187158.htm
- أمل عياش العمري، “تحقيق: تيجي نروح سينما عدنية”، عدن، صحيفة عدن الغد، 8 يناير/كانون الثاني 2013، http://old.adenghd.net/news/36087/#.YFPRgp0zbIU
- خولة فؤاد، “دُورُ السينما في اليمن”، خيوط، 11 مايو/أيار 2020، https://www.khuyut.com/blog/7180
- أمل عياش العمري، “تحقيق: تيجي نروح سينما عدنية”، عدن، صحيفة عدن الغد، 8 يناير/كانون الثاني 2013، http://old.adenghd.net/news/36087/#.YFPRgp0zbIU
- المصدر نفسه.
- عبدالقادر باراس، “تقرير مصور: السينما زمان في عدن”، صحيفة عدن الغد، 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، https://m.adengd.net/news/75291/
- المصدر نفسه.
- أمل عياش العمري، “تحقيق: تيجي نروح سينما عدنية”، عدن، صحيفة عدن الغد، 8 يناير/كانون الثاني 2013، http://old.adenghd.net/news/36087/#.YFPRgp0zbIU
- “نص قانون التأميم الاسود لـ ‘الجبهة القومية’ ضد عدن ونهضتها الاقتصادية عام 1969″، شبوة برس، 16 ديسمبر/كانون الأول 2019، https://www.shabwaah-press.info/news/62057
- أمل عياش العمري، “تحقيق: تيجي نروح سينما عدنية”، عدن، صحيفة عدن الغد، 8 يناير/كانون الثاني 2013، http://old.adenghd.net/news/36087/#.YFPRgp0zbIU
- لطفي طه محمد حمود، مالك سينما هريكن، حوار خاص مع الكاتب، عدن، 26 يناير/كانون الثاني 2021.
- أمل عياش العمري، “تحقيق: تيجي نروح سينما عدنية”،عدن، صحيفة عدن الغد، 8 يناير/كانون الثاني 2013، http://old.adenghd.net/news/36087/#.YFPRgp0zbIU
- المصدر نفسه.
- لطفي طه محمد حمود، مالك سينما هريكن، حوار خاص مع الكاتب، عدن، 26 يناير/كانون الثاني 2021.
- المصدر نفسه.
- “رفع مناشدة إلى فخامة رئيس الجمهورية: مالك سینما ھریكن بعدن.. یعاني البسط على ممتلكاته في عدن”، صحیفة الأیام، عدن، 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2007، https://www.alayyam.info/news/35R7ZEO0-8NCUBL
- سمير حسن، “اندثار دور السينما في اليمن”، الجزيرة، 1 أغسطس/آب 2013، https://www.aljazeera.net/news/cultureandart/2013/1/8/%D8%A7%D9%86%D8%AF%D8%AB%D8%A7%D8%B1-%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86
- “ادارة سينما في عدن: لم تقم وزارة الثقافة بأي تأهيل للسينما ونطالبها بالاعتذار”، عدن تايم، 31 أكتوبر/تشرين الأول 2019، http://www.aden-tm.net/NDetails.aspx?contid=103977
- “صور- هدم إحدى أقدم دور السينما في عدن”، عدن تايم، 4 أبريل/نيسان 2019، http://www.aden-tm.net/NDetails.aspx?contid=76851
- سامي المصوعي، مواطن عاصر فترة ازدهار السينما في عدن وصنعاء، مقابلة مع الكاتب، عدن، 5 فبراير/شباط 2021.
- بروكس بارنز، “وضع عائدات شباك التذاكر يشير إلى مشاكل أكبر”، نيويورك تايمز، 1 سبتمبر/أيلول 2019، https://www.nytimes.com/2019/09/01/business/media/summer-box-office-movies.html، مارك سويني، “الإقبال على السينما في المملكة المتحدة في طريقه ليكون في أدنى مستوياته”، الغارديان، 12 أكتوبر/تشرين الأول 2020، https://www.theguardian.com/film/2020/oct/12/uk-cinema-admissions-on-course-to-be-lowest-since-records-began-covid