إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

افتتاحية مركز صنعاء التناحر على المهرة

Read this in English

افتتاحية مركز صنعاء

تختلف أسباب استمرار النزاع اليمني اليوم اختلافاً جوهرياً عن الأسباب التي أشعلت شرارة الحرب في بادئ الأمر، فقد استغلت أطراف الحرب، المحلية والإقليمية والدولية، الفوضى العارمة وانهيار الدولة في سعيها لتحقيق مصالحها الخاصة، وينطبق ذلك على اللاعبين البارزين في جماعة الحوثيين المسلحة الذين نجحوا في جمع ثروات هائلة من خلال تحويل المساعدات واستغلال سيطرتهم على الإيرادات في المناطق الشمالية، ومنها الوقود على وجه الخصوص.

في السياق، سعى حزب الإصلاح، المناهض للحوثيين، إلى إرساء قواعد إقطاعيات في مدينة تعز ومحافظة مأرب، وفي الجنوب لا تزال الجماعات الانفصالية تسعى إلى تمزيق البلاد إلى دولتين مختلفتين وإحياء دولة جنوب اليمن المستقلة، ويساندهم في مساعيهم هذه دولة الإمارات على مختلف الأصعدة السياسية والمالية والعسكرية، حيث عملت الإمارات بصورة مستمرة على تقويض الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بالرغم من أنها تقاتل نيابة عنها كهدف معلن لتدخلها في اليمن، وعلى الجانب الآخر استطاعت إيران إثارة غيظ السعودية عدوها اللدود، إلى درجة كبيرة بإمداد جماعة الحوثيين المسلحة بالدعم السياسي والمالي وغير ذلك من الخبرات العسكرية مثل طائرات مسيرة معقدة وغير ذلك من العتاد.

في أقاصي شرقي البلاد، باتت المهرة، المحافظة المعزولة الواقعة على امتداد الحدود العمانية، مركزاً ساخناً جديداً لتناحر المصالح الجيوسياسية، كما يبين بحث نشره مركز صنعاء مؤخراً.[1] تبعد المهرة مئات الكيلومترات عن أقرب الجبهات، وقد أبقاها ذلك في مأمن من هجمات الحوثيين في مختلف محطات النزاع القائم، ولكن هذا لم يمنع الطائرات المروحية السعودية من شن غارات جوية على نقاط قبائل محلية هذا العام، بعد أن قامت القوات السعودية في عام 2017 ببسط سيطرتها على المطار الرئيسي الواقع في الغيضة، عاصمة محافظة المهرة، وحولته إلى مجمع عسكري، كما أحكمت أيضاً قبضتها على الموانئ والمعابر الحدودية وأنشأت ما يقارب 24 معسكرا، وقوات أمنية بالوكالة، وقد قوبل التوسع العسكري السعودي في المهرة بحركة معارضة شعبية متنامية من المتظاهرين المحليين النشطين، بل ودعت الحاجة في بعض الأوقات إلى فض المتظاهرين باستخدام العنف، وتطورت الصدامات إلى حوادث إطلاق نيران. يُضاف إلى ذلك تهديد واعتقال بعض من قادة الاحتجاجات، فضلاً عن نشطاء مجتمع مدني وصحفيين.

بررت الرياض حملتها العسكرية على محافظة المهرة وقت بدايتها بضرورة محاربة تهريب السلاح إلى قوات الحوثيين في الغرب عبر أراضي المحافظة، ومنذ ذلك الحين تلون التواجد السعودي أيضاً بطابع مقارب لمكافحة الإرهاب، وبالفعل ، فإن أنشطة القوات السعودية ووكلائها فيها شيء من هذا وذاك ما يتجلى في اعتقال القوات السعودية الخاصة لقائد ما يعرف بتنظيم (داعش) بمدينة الغيضة في يونيو / حزيران من هذا العام، ولكن كثافة الجهود السعودية الرامية إلى بسط سيطرتها الأمنية والعسكرية على المهرة تدل على وجود طموحات أكبر للملكة في المحافظة.

سعت سلطنة عمان المجاورة، التي غلب الحياد النسبي على موقفها من النزاع اليمني بصورة عامة، هي الأخرى إلى الحفاظ على مصالحها في المهرة. ركزت مسقط على المهرة لما باعتبارها نقطة حيوية لأمنها، وعارضت تغول الرياض على ما تعده دائرة نفوذها التاريخية، ومنح مسؤولو سلطنة عمان دعمهم السياسي والمالي لحركة المهريين المناهضة للتواجد السعودي، وقد غضت دولة عمان الطرف على بعض حركات التهريب عبر الحدود. تستضيف مسقط عدداً من الشخصيات التي عرفت بنقدها للتحالف العسكري التي تقوده السعودية في اليمن مع بنائها لشبكة نفوذ تتجاوز حدودها محافظة المهرة من خلال تمويل لاعبين في محافظات جنوبية أخرى.

هناك أيضاً الدوحة التي دخلت معترك المهرة برعايتها وتوفيرها منصة إعلامية للشخصيات المعارضة للتحالف، ومما يستحق الذكر عند الحديث عن قطر، أن ضابط استخبارات قطري كان قد اعتقل على المعبر الحدودي مع سلطنة عمان في مايو / أيار 2018، وقد شهدت المحافظة محاولات إماراتية مبكرة لإرساء قواعد نفوذها في الحرب اليمنية قابلتها حركات معارضة محلية، وتلا ذلك تحويل أبو ظبي تركيزها إلى إحكام هيمنتها العسكرية على جزيرة سقطرى التي تجمعها روابط تاريخية وثقافية وطيدة بالمهرة.

اعترضت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بصورة متكررة على مساعي الإمارات وتحركاتها في جزيرة سقطرى، بالرغم من الدعم الشكلي الذي وفرته الإمارات والسعودية لها، وتطور الأمر إلى رفع شكوى يمنية رسمية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والحكومة اليمنية، التي اتخذت من الرياض مقراً لها ولم يكن استمرار بقائها أمراً ممكناً لولا دعم السعودية، لم تجد مفراً في الآونة الأخيرة من كسر صمتها حول التوسع السعودي في المهرة: “توقعت الحكومة اليمنية من حلفائها في التحالف الزحف باتجاه الشمال وليس الزحف باتجاه الشرق” على حد تصريح وزير الداخلية أحمد الميسري في مايو / أيار من هذا العام.

يمكن القول بأن صراع السلطة الجاري حالياً في المهرة هو مغامرة متهورة، فهو يهدد استقرار إحدى المناطق القليلة في اليمن التي لم تصل إليها فوضى النزاع الرئيسي. وكان قرار مجلس الأمن 2216، الذي أصدره المجلس في أبريل / نيسان 2015، قد أدان استيلاء الحوثيين على صنعاء، وطالب بإعادة السلطة إلى الحكومة اليمنية، ونوه إلى أن الحكومة قد طلبت العون من دول الخليج بهذا الصدد، وقد استعمل التحالف الذي تقوده السعودية مع دور بارز للإمارات هذه الوثيقة مصدراً لشرعية تدخله العسكري في اليمن، إلا أن طول أمد التدخلات العسكرية الأجنبية يخلق تغيرات في مصالح وأجندات وتحالفات ومواقف الدول المتدخلة، وفي حالة اليمن، فإن الدول الأعضاء في التحالف قد انحرفت إلى حد بعيد عن روح قرار 2216، ما يعني أن مساعيها لإحكام قبضتها السياسية والعسكرية بعيداً عن جبهات القتال هو أمر غير قانوني من وجهة نظر قانون دولي.


ظهرت هذه الافتتاحية في منشور: العاصمة المؤقتة للدمار- تقرير اليمن، يوليو/ تموز 2019

افتتاحيات مركز صنعاء السابقة:


هوامش:

[1] “حروب الدرونز – تقرير اليمن، يونيو / حزيران 2019″، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 16 يوليو / تموز 2019، https://sanaacenter.org/publications/analysis/7606

مشاركة