الانهيار الاقتصادي الحالي في اليمن مأساة تشترك فيها كل الأطراف، وقد أصبحت الأوضاع أكثر خطورة في الفترة الأخيرة مع استمرار السعودية في حجب الأموال المتوقعة لحكومة رئيس الوزراء المعين حديثاً سالم بن بريك، وقيام الحوثيين بممارسة قمع أكبر على المنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات المالية. مع تفاقم الكوارث السياسية والاقتصادية المتتابعة، يبدو أن الحكومة والحوثيين يتنافسون على من يستطيع أن يخذل الشعب اليمني أكثر.
منذ أن انتهت الهدنة التي رعتها السعودية وأيدتها الأمم المتحدة رسمياً في أكتوبر 2022، تبددت مراراً الآمال في عودة تدريجية إلى الوضع الاقتصادي الطبيعي، أو على الأقل اتخاذ خطوات نحو التعافي الاقتصادي، حيث فرض الحوثيون أولاً حصاراً على صادرات النفط والغاز بشن هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على ناقلات النفط وخطوط الأنابيب وموانئ النفط التي تديرها الحكومة، مما أدى إلى انخفاض إيرادات الحكومة إلى النصف، ومن ثم شن الحوثيون هجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر بعد اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، مما أدى إلى شن غارات جوية أمريكية وبريطانية وإسرائيلية، وزيادة القيود الدولية، وإلحاق أضرار جسيمة بالموانئ والمطارات التي يديرها الحوثيون.
أصبحت الرياض أكثر حرصاً في إنفاق أموالها، ما بدا سعيا منها لفرض الانضباط المالي على الحكومة وتعزيز الحكم الرشيد، ولكن الأموال المقدمة لا تكفي حتى لتوفير الخدمات الأساسية، حيث تنهار خدمة الكهرباء كل عام خاصة خلال حرارة الصيف الحارقة في عدن. في حين أدت إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية إلى المزيد من العزلة على شمال اليمن الذي يسيطر عليه الحوثيون، وتواجه البنوك والمؤسسات الأخرى عقوبات مالية محتملة إذا استمرت في العمل من تلك المناطق، ولكنها تواجه أيضًا ضغوطاً حوثية للبقاء في صنعاء.
وصل اليمنيون إلى نقطة الانهيار، وأطلق المواطنون سلسلة من الاحتجاجات للمطالبة بالإصلاحات، وأحرجت الاحتجاجات المكونات المحلية المهيمنة في الائتلاف الحكومي – المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن وحزب الإصلاح في تعز. تصدرت النساء الاحتجاجات في عدن، وتعرضت المشاركات فيها لخطر العنف، لكن الحق في الاحتجاج أصبح سريعاً الفرق الجوهري الوحيد بين الحياة في المناطق التي تديرها الحكومة وتلك التي يديرها الحوثيون.
لم يعد سراً أن السعودية والإمارات تدرسان إصلاح مجلس القيادة الرئاسي، فقد فشل أعضاؤه في العمل مع بعضهم أو تحديد مسؤوليات المجلس، وقرروا بدلاً من ذلك التنافس على النفوذ، وفي مؤشر على مدى جمود المجلس، استغرقت لجنته القانونية ثلاث سنوات حتى أكملت لوائحه الداخلية، على الرغم من أن المسودة الأولية كانت قد أعدت في غضون شهر من تشكيل المجلس عام 2022.
تنازع المجلس الرئاسي مع رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك، على صلاحية اتخاذ القرار لعام كامل قبل تنصيب بن بريك بديلاً له في مايو، وأدت الصراعات الداخلية في المجلس إلى عجزه عن الاستفادة من الضغوط السياسية والعسكرية والاقتصادية الدولية على الحوثيين، الذين هم ربما في أضعف حالاتهم منذ العام 2022. وفي الوقت نفسه، فإن السلطة التشريعية في اليمن تمر بحالة احتضار، كون آخر انتخابات لأعضاء البرلمان كانت قبل أكثر من 22 عاماً.
تابع الجمهور التقارير الصادرة مؤخراً والتي تفصّل الرواتب الباهظة التي يتقاضاها أعضاء مجلس القيادة الرئاسي من السعودية، في الوقت الذي لا يتقاضى فيه بقية العاملين في القطاع العام رواتبهم، وما يزيد الطين بلة هو أن هذه الأموال تُرسَل مباشرة إلى أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، بدلاً من دفعها من ميزانية الحكومة وكأن أعضاء المجلس موظفون أجانب وليسوا موظفين في الحكومة اليمنية، ويتساءل المواطنون عما إذا كان هؤلاء الرجال الثمانية مسؤولين أمام مواطنيهم أم أمام من يدفع رواتبهم ورواتب قواتهم العسكرية ويضمن لهم مناصبهم.
الترتيبات المذكورة ليست مصادفة، فقد تلاعبت الأطراف الفاعلة الدولية بالوضع لتحقيق هذه الغاية، أو على الأقل لم تفعل شيئاً يذكر لتغيير هذا الوضع، حيث يستمر تدفق الأموال إلى مجموعة من الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية داخل التحالف الحكومي، في الوقت الذي يوسّع الحوثيون شبكاتهم الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، بينما تستمر أوضاع المدنيين في التدهور، ويُقابل تدهور الأمن الغذائي وانقطاع الخدمات الأساسية بتقاعس الدولة وانخفاض المساعدات الأجنبية. كما أصبحت الأمننة (التعامل مع اليمن من زاوية أمنية) هي الإطار السائد للتعامل مع اليمن.
مخاطر هذا النهج واضحة، فقد خلصت السعودية قبل عدة سنوات إلى أنها إذا لم تتمكن من إجبار الحوثيين على الخضوع عسكرياً، فستحتاج إلى إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات معهم لتحييد تهديدهم، في حين تتبع الإمارات منذ فترة طويلة سياسة تهدف إلى إقامة منطقة نفوذ خاصة بها في المحافظات الجنوبية والساحل الغربي، خارج مؤسسات الدولة ودون اكتراث بسيادة اليمن، بينما يسير الحوثيون بدعم من إيران على طريق التقسيم، حيث يستولون على المؤسسات والقطاعات الاقتصادية في المناطق التي يسيطرون عليها، ويصدرون عملة خاصة بهم، ويعززون سيطرتهم على مؤسسات الدولة.
لم يصوت اليمنيون لصالح أي من هذه الخيارات، ولكن إذا لم يتحرك مجلس القيادة الرئاسي بصفته الممثل المفترض للجمهورية، فسوف يجد البلد نفسه في وضع دائم من صنع الآخرين.