هل استيقظت الرياض من حلمها بإنشاء أنبوب نفط في المهرة؟

نظم مهريون في منطقة تمون بمديرية المسيلة مهرجانًا احتجاجيًّا للإعراب عن رفضهم إنشاء القوات السعودية قاعدة عسكرية في منطقتهم، 17 سبتمبر/أيلول 2018. الصورة لمركز صنعاء. التقطها يحيى السواري.

منذ عام 2017، كان لدى العديد من سكان المهرة، وهي محافظة تقع أقصى شرقي اليمن، قلق متزايد بشأن جيرانهم السعوديين في الشمال. فما بدا كتوافد تدريجي للقوات السعودية[1] في المنطقة تحول إلى ما يشبه حملة كاملة للسيطرة على المحافظة، بما في ذلك حدودها من الشرق مع سلطنة عُمان. بحلول عام 2019، كان السعوديون قد أنشأوا أكثر من 20 قاعدة ومواقع عسكرية في أنحاء المهرة، وهي محافظة لا يزيد عدد سكانها عن 300 ألف نسمة.[2] أثار هذا الانتشار تكهنات من الخبراء الأمريكيين[3] واليمنيين،[4] وكذلك السكان المحليين في المهرة،[5] بأن القصد من الوجود السعودي هو تأمين المهرة بناء خط أنابيب لنقل النفط الخام السعودي إلى بحر العرب. زادت شائعة خط الأنابيب من المقاومة المحلية وأثارت التوترات في المحافظة بين المؤيدين والمعارضين للوجود السعودي.[6]

في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بدأت القوات السعودية فجأة بالانسحاب من بعض المواقع في المحافظة.[7] تبع ذلك بشكل سريع دعوة وزير الاقتصاد العماني سعيد بن محمد الصقري إلى إحياء اقتراح مضى عليه عقود لإنشاء خط أنابيب ينقل النفط السعودي عبر عُمان إلى بحر العرب.[8] وبينما تبدو هذه الأحداث غير متصلة ظاهريًّا، سارع العديد من المراقبين إلى ربط النقاط واعتبروا أن السعودية تعيد توجيه كيفية تحقيق هذا الحلم من المهرة إلى الشرق.

هذه الشكوك حول نوايا السعودية في شرق اليمن ليست بالشيء الجديد. هناك جدل بين بعض الخبراء مفاده بأن السعودية لطالما رغبت في الوصول إلى بحر العرب عبر جارتها في الجنوب.[9] والدافع الاستراتيجي لمثل هذا واضح، حيث إن هذا سينهي اعتماد السعودية على مضيق هرمز، الذي تمر عبره غالبية صادراتها النفطية والذي يمكن أن يتعرض بسهولة للتهديد من عدو المملكة اللدود، إيران، عبر الخليج الفارسي. ظهر هذا القلق خلال المفاوضات السعودية-اليمنية بشأن خط أنابيب النفط في التسعينيات.[10] انهارت المفاوضات في نهاية المطاف بسبب مخاوف الرئيس آنذاك علي عبدالله صالح من النفوذ السعودي المتزايد في البلاد.[11]

ولكن رغبة السعودية في إنشاء خط الأنابيب لم تنتهِ عند فشل هذه المفاوضات. وفقًا لبرقية دبلوماسية أمريكية مسربة عام 2008، ظل السعوديون حريصين على تأمين الأراضي وبناء خط أنابيب في المستقبل عبر شراء ولاء القادة المحليين في جميع أنحاء البلاد.[12] وبالتالي، استمر الكثيرون في النظر إلى رغبة السعودية في إنشاء خط أنابيب نفط في اليمن على أنها بُعد رئيسي للعلاقة السعودية اليمنية.

اشتدت الشكوك بشأن خط أنابيب يمر عبر اليمن عندما بدأت السعودية في ترسيخ نفسها في المهرة عام 2017. وإضافة إلى العديد من المنشآت العسكرية التي شيدتها الرياض في المحافظة، أضافت السعودية الآلاف من المهريين على كشوف رواتبها في محاولة واضحة لتهدئة رجال القبائل المعادين وإنشاء قوتها العسكرية غير النظامية،[13] كما أدى نقل القبائل المهرية المقيمة في السعودية إلى المهرة عام 2017 إلى إنشاء قاعدة دعم في المنطقة.[14] حاولت شركات البناء السعودية إقامة بنية تحتية، واعتبر الكثيرون في المحافظة أنها مقدمة لبناء خط أنابيب، مما أدى إلى اشتباكات بين قبائل المهرة وأطقم شركات الهندسة السعودية.[15] أمنت القوات السعودية ميناء نشطون،[16] ما أثار شكوكًا محلية بأنه كان موقعًا مخصصًا لمحطة لتصدير النفط.

زادت هذه الشكوك عام 2018 حين سُربت مذكرة لوسائل إعلام محلية شكرت فيها شركة البناء السعودية، هوتا مارين، السفير السعودي في اليمن على تكليفها بإجراء دراسة جدوى لبناء ميناء نفطي.[17] وفي حين أنه لم يُذكر نشطون ولا المهرة صراحة في المذكرة، فإن سيطرة قوات الحوثيين والقوات المحلية المدعومة من الإمارات على معظم الموانئ اليمنية الحيوية الأخرى كانت كافية لإثارة التكهنات بأن المذكرة أشارت إلى نشطون. ذهب مقال نشرته ميدل إيست مونيتور إلى حد استخدام المذكرة، وكذلك المخاوف المحلية في المهرة، لنشر مقال بعنوان: “السعودية تستعد لمد خط أنابيب النفط عبر اليمن إلى بحر العرب”.[18]

تبدو هذه التكهنات بشأن طموحات الرياض لبناء أنبوب نفط منطقية، ولكن يجب الشك بها أيضًا. قد تمثل عمليات الانتشار السعودية والتكتيكات الأخرى، مثل نقل رجال القبائل الموالين، رغبة في مواجهة نفوذ عُمان في المهرة. ولا يخفى على أحد أنه كانت هناك توترات في العلاقة السعودية-العُمانية والتي ساءت بمجرد اندلاع حرب اليمن. من جانبهم، استفاد العُمانيون من عوامل مختلفة -بما في ذلك السكان المهريون الأصليون الموجودون في عُمان، والسياسة المستهدفة لمنح سكان المهرة الجنسية العُمانية،[19] وتبرعات الإغاثة،[20] والحفاظ على علاقات وثيقة مع القادة السياسيين المهريين مثل الشخصية البارزة المناهضة للسعودية علي الحريزي[21] -لصد النفوذ السعودي في المنطقة. يزعم السعوديون بشكل علني أن نشر قواتهم في المهرة يركز على مكافحة تهريب الحوثيين للأسلحة.[22] في الواقع، اتهم فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن العُمانيين بتسهيل جهود التهريب التي يبذلها الحوثيون عبر المحافظة.[23]

تبدو النظرية القائلة بأن الرياض كانت تسعى لإنشاء خط أنابيب في المهرة أقل تصديقًا في ضوء عدم الاستقرار السياسي الراسخ في اليمن. تتأثر قدرة السعودية على المناورة سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا في اليمن بشكل كبير بالأحداث خارج المهرة، مثل النزاع مع جماعة الحوثيين المسلحة، والتوترات مع إيران وسلطنة عُمان، وإمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة كحليف. وهناك أيضًا التهديد داخل المحافظة من القبائل غير المذعنة في المنطقة والتي لديها رغبة قوية في الحكم الذاتي، وحتى الاستقلال. إذا كان السعوديون عمليين بشأن خط أنابيب نفط محتمل، فسيتعيّن عليهم التفكير في قدرتهم أو عجزهم لحماية هذه الأصول الثابتة التي تبلغ قيمتها مليارات من الدولارات.[24] حتى قبل انتفاضة 2011، خلص تقرير صادر عن مركز الخليج للأبحاث، وهو مؤسسة بحثية سعودية، إلى أن اليمن كانت شديدة التقلب بحيث لا يمكن التفكير في مشروع لنقل النفط عبر خط أنابيب.[25] إن إحياء المسؤول العُماني لمقترح خط أنابيب لنقل النفط السعودي، والتخفيف العام للتوترات بين عُمان والسعودية منذ تولي السلطان هيثم بن طارق الحكم، يقدم للسعوديين احتمالًا أكثر واقعية وأقل خطورة نحو الشرق.

كانت النظرية القائلة بأن الرياض حافظت على رغبتها في إنشاء خط أنابيب عبر المهرة أثناء الصراع المستمر لها بعض السمات الجذابة لأولئك الذين يؤمنون بهذه النظرية. فلو تحولت المهرة من منطقة هامشية ومنسية في اليمن إلى طريق عبور رئيسي للنفط السعودي، لكانت قد شكلت واحدة من أهم التحولات الجيوسياسية في الصراع اليمني، وهذا كان من شأنه أن يلقي ضوءًا جديدًا على فهمنا للتخطيط الاستراتيجي السعودي المعروف بأنه غامض، ويعيد تعريف الحرب الحالية على أنها غزو وليست تنافسًا إقليميًّا وعملية اتخاذ قرار سيئة. والآن، مع ظهور العلاقات السعودية-العُمانية وكأنها قد فتحت صفحة جديدة، قد لا نعرف أبدًا ما كانت بالضبط طموحات المملكة.

مع تحسن العلاقات بين الرياض ومسقط، قد يتنفس المهريون الصعداء نظرًا لأن التهديد الكبير للاستقرار النسبي الذي تمتعوا به خلال حرب اليمن قد انحسر. ومع ذلك، قد يكون هذا الاتجاه سابقًا لأوانه. وبأي طريقة تتطور بها النوايا السعودية في المهرة، فإن السياسة السعودية لبناء النفوذ القبلي والعسكري في المحافظة تضع الرياض في موقف قوي لمحاولة فرض خياراتها. إذا انتهت حرب اليمن بتفكك البلاد، سواء رسميًّا أو عمليًّا، فلا يزال بإمكان الرياض السعي وراء تحقيق طموحاتها الإقليمية في المهرة لكسب شيء ما من المستنقع التي وجدت نفسها فيه.

 


الهوامش:

  1. صالح المنصوب، “قوات اللواء 137 تسلم مواقعها في مطار الغيضة ومنفذ شحن للتحالف العربي”، اليمن اليوم (فيلم ماترز، 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2017)، https://www.alyementoday.com/314/105218-قواتاللواء-137-تسلممواقعهافيمطارالغيضةومنفذشحنللتحالفالعربي
  2. يحيى السواري، “المهرة اليمنية: من العزلة إلى قلب عاصفة جيوسياسية،” مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 5 يوليو/تموز 2019، ص. 24، https://sanaacenter.org/publications/analysis/7606
  3. مقابلة أجراها المؤلف عبر الهاتف مع بروس ريدل، زميل أقدم في معهد بروكنجز، 9 فبراير/شباط 2021.
  4. مقابلة أجراها المؤلف عبر زوم مع أحمد ناجي، باحث غير مقيم في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط، 9 أكتوبر/تشرين الأول 2020.
  5. يحيى السواري، “المهرة اليمنية: من العزلة إلى قلب عاصفة جيوسياسية،” مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 5 يوليو/تموز 2019، ص. 10، https://sanaacenter.org/publications/analysis/7606
  6. يحيى السواري، “المهرة اليمنية: من العزلة إلى قلب عاصفة جيوسياسية،” مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 5 يوليو/تموز 2019، ص. 24، https://sanaacenter.org/publications/analysis/7606
  7. إليزابيث كيندال، “أفاد السكان المحليون أن القوات السعودية المتمركزة في المهرة في اليمن انسحبت من عدة مواقع حول المحافظة (الصحراء والساحل) إلى قاعدتها الرئيسية في مطار الغيضة”، تغريدة على تويتر، 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://twitter.com/Dr_E_Kendall/status/1455167945383071747
  8. ميرزا الخوالدي: “الوزير العُماني للشرق الأوسط: حان الوقت لإحياء نقل النفط السعودي إلى بحر العرب”، الشرق الأوسط، 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، https://english.aawsat.com/home/article/3280971/omani-minister-asharq-al-awsat-time-revive-transportation-saudi-oil-arabian-sea
  9. مقابلة أجراها المؤلف عبر الهاتف مع بروس ريدل، زميل أقدم في معهد بروكنجز، 9 فبراير/شباط 2021.
  10. مقابلة أجراها المؤلف عبر زوم مع عبد الغني الإرياني، باحث أول في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 1 فبراير/شباط 2020.
  11. مقابلة أجراها المؤلف عبر زوم مع عبد الغني الإرياني، باحث أول في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 1 فبراير/شباط 2020.
  12. “الأخ الأكبر لليمن: ما الذي فعلته السعودية لليمن مؤخرًا؟”، مكتبة ويكيليكس العامة للدبلوماسية الأمريكية (اليمن صنعاء، 18 يونيو/حزيران، 2008)، https://wikileaks.org/plusd/cables/08SANAA1053_a.html
  13. كيسي كومبس، “المهرة: حيث تحدد القوى الإقليمية السياسة المحلية”، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 18 ديسمبر/كانون الأول 2020، ص. 19، https://sanaacenter.org/publications/analysis/12284
  14. مقابلة أجراها المؤلف عبر زوم مع أحمد ناجي، باحث غير مقيم في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط، 29 مارس/آذار 2021.
  15. يحيى السواري، “المهرة اليمنية: من العزلة إلى قلب عاصفة جيوسياسية،” مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 5 يوليو/تموز 2019، ص. 29-30، https://sanaacenter.org/publications/analysis/7606
  16. يحيى السواري، “المهرة اليمنية: من العزلة إلى قلب عاصفة جيوسياسية،” مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 5 يوليو/تموز 2019، ص. 20، https://sanaacenter.org/publications/analysis/7606
  17. يحيى السواري، “المهرة اليمنية: من العزلة إلى قلب عاصفة جيوسياسية،” مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 5 يوليو/تموز 2019، ص. 10، https://sanaacenter.org/publications/analysis/7606
  18. “السعودية تستعد لمد خط أنابيب النفط عبر اليمن إلى بحر العرب،” ميدل إيست مونيتور، 3 سبتمبر/أيلول 2018، https://www.middleeastmonitor.com/20180903-saudi-arabia-prepares-to-extend-oil-pipeline-through-yemen-to-arabian-sea/
  19. مقابلة أجراها المؤلف عبر زوم مع أحمد ناجي، باحث غير مقيم في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط، 29 مارس/آذار 2021.
  20. “مركز الملك سلمان للإغاثة يدعم مركز غسيل الكلى في المهرة لمواصلة تقديم الخدمات الطبية للمستفيدين،” وكالة الأنباء السعودية الرسمية، 11 سبتمبر/أيلول 2020، https://www.spa.gov.sa/viewstory.php?lang=en&newsid=2132641
  21. يحيى السواري، “المهرة اليمنية: من العزلة إلى قلب عاصفة جيوسياسية،” مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 5 يوليو/تموز 2019، ص. 14، https://sanaacenter.org/publications/analysis/7606
  22. “طرق تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين”، العربية، 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، https://www.youtube.com/watch?v=Hae8NW1grRQ
  23. داكشيني روانثيكا جوناراتني وآخرون، “رسالة بتاريخ 27 يناير/كانون الثاني 2020 من فريق الخبراء المعني باليمن إلى رئيس مجلس الأمن”، فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، 27 يناير/كانون الثاني 2020، ص. 25-26، https://www.undocs.org/s/2020/326
  24. يحيى السواري، “المهرة اليمنية: من العزلة إلى قلب عاصفة جيوسياسية،” مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 5 يوليو/تموز 2019، ص. 8، https://sanaacenter.org/publications/analysis/7606
  25. “نشرة البحث: أمن الطاقة،” الأمن والإرهاب (مركز الخليج للأبحاث، أغسطس/آب 2007)، https://www.files.ethz.ch/isn/56108/complete%20Security%20Bulletin%20No%206.pdf
يحيى أبو زيد
يحيى أبو زيد
يحيى أبو زيد، هو زميل باحث في معهد الآخرية والانتماء بجامعة كاليفورنيا-بيركلي وعضو في فريق مركز صنعاء بالولايات المتحدة. يُركز بشكل أساسي على الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، وحل النزاعات، والقدرة على التكيف مع تغير المناخ.