افتتاحية مركز صنعاء
من المؤسف شيوع التجاهل المتعمد الذي يظهره المقاتلون لصحة وحياة المدنيين أثناء الحرب، وما يجعل الأطراف المتحاربة في النزاع اليمني استثنائية في هذا الصدد هو حجم الدمار الهائل الذي يتسببون به على حساب مواطنيهم اليمنيين سعياً وراء مكاسب يمكن وصفها بأنها غير أخلاقية.
كما ذكر مركز صنعاء في مايو / أيار، ثمة سفينة نفطية راسية قبالة ساحل البحر الأحمر المحاذي لمحافظة الحديدة، وهي محملة بأكثر من مليون برميل من النفط الخام. وبما أن نظام التهوية على متن الناقلة FSO SAFER – والتي تعمل كمحطة تصدير بحرية منذ ثمانينات القرن المنصرم – معطل منذ أربع سنوات، فإن من المحتمل أن الغازات الانفجارية المنبعثة من النفط في خزاناته قد تراكمت إلى درجة تجعل المحطة العائمة أقرب إلى قنبلة عائمة. لقد أفاد تقييم دولي غير منشور حصل مركز صنعاء على نسخة منه في سبتمبر / أيلول أن التسرب في محطة FSO SAFER قد أن يكون “كارثة محتملة… وقد يتسبب بتأثيرات بيئية واقتصادية وبشرية واسعة على الأغلب”. على وجه التحديد، ذكر التقرير أنه يمكن بعد أسبوع من تسرب النفط يمكن أن يتأثر غذاء حوالي نصف مليون يمني، وأن يتعرض الوقود والماء لمخاطر، وأن تصاب صناعة الصيد بالشلل وتنتشر الملوثات في الساحل؛ وفي حالة حدوث انفجار أو حريق، فقد يُترك حوالي 9 ملايين يمني لتنفس الأبخرة السامة.
ومع ذلك، فإن الخطر الذي تمثله FSO SAFER مجرد مؤشرات أولية لسياسات حافة الهاوية المتبادلة حالياً بين جماعة الحوثيين المسلحة والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، فالعقبة الرئيسية بين الطرفين تتمثل في كيفية تقاسم أي عائدات نفطية محتملة بعد تفريغ الحمولة، وهي العائدات التي تقدر بحوالي 80 مليون دولار. يتطلب اقتراب الناقلة من الميناء إذناً من الحوثيين، لذلك فهي راسية خارج الأراضي التابعة لسيطرتهم، وتحاول الأمم المتحدة التفاوض للحصول على هذا الإذن لتقييم حالة السفينة وتحديد كيفية تأمين حمولتها. لكن قيادة الحوثيين في أغسطس / آب، تخلت عن التزامها السابق بالسماح بتقييم الأمم المتحدة، وقد ذكر مسؤولون حوثيون كبار تحدثوا إلى مركز صنعاء في سبتمبر / أيلول أن الجماعة على استعداد لتفريغ حمولة النفط، لكن بشرط الاتفاق مسبقاً على العائدات المتأتية من بيعه.
يخشى الحوثيون من أن يتوصل تقييم للأمم المتحدة إلى وجود حاجة ملحة لتفريغ النفط، ما يعني ضرورة السماح بتفريغ الحمولة قبل التوصل إلى اتفاق، إلا أن هناك طريقة لحل الموقف وتخفيف المخاطر: إيداع أموال بيع النفط في حساب مصرفي تشرف عليه الأمم المتحدة، أو أي طرف ثالث محايد آخر. إن اتفاق الحديدة الذي تم التفاوض عليه برعاية الأمم المتحدة يمثل نموذجاً لاستخدام عائدات الميناء لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية اليمنيين، والذين انقطعت الرواتب المنتظمة عن معظمهم منذ عام 2016؛ كما يمكن استخدام نموذج مماثل لتوجيه الأموال المتولدة من بيع نفط FSO SAFER لدفع رواتب عموم الموظفين الحكوميين في البلاد.
ينبغي أن تكون هذه التسوية مقبولة من قبل كل من الحوثيين والحكومة اليمنية في حال مورس ضغط دبلوماسي كاف. إن الحكومة اليمنية هي في أكثر أوقاتها اعتماداً على السعودية، فقد طُردت من عاصمتها المؤقتة في عدن في انقلاب في أغسطس / آب الماضي؛ وفي الأثناء دخلت قيادة الحوثيين عملية وقف إطلاق نار وإلغاء تصعيد هشة مع الرياض خلال سبتمبر / أيلول، وهي العملية التي تعتبرها تفوق في أولويتها الناقلة FSO SAFER. إن من شأن ذلك أن يضع السعودية في موقف مفتاحي حيال الطرفين للدفع للتوصل إلى اتفاق على ناقلة النفط. ونظراً للاستثمارات السعودية في البنية التحتية والتي تبلغ مليارات الدولارات على طول ساحل البحر الأحمر، فهي أكثر من سيتأثر بأي تسرب نفطي يحدث من FSO SAFER، ما يشكل حافزاً إضافياً لتهدئة الموقف. كذلك فإن لدى الأمم المتحدة وغيرها من الفاعلين الدوليين حافزاً أساسياً لدفع الرياض بهذا الاتجاه وتجنيب المنطقة كارثة بيئية تلوح في الأفق.
ظهرت هذه الافتتاحية في منشور: عاشوراء أرامكو – تقرير اليمن، سبتمبر / أيلول 2019
افتتاحيات مركز صنعاء السابقة:
- أغسطس / آب 2019: اليمن… مقبرة التحالفات
- يوليو / تموز 2019: التناحر على المهرة
- يونيو / حزيران 2019: الحرب بالريموت
- مايو / أيار 2019: الحوثيون كجماعة مظلِمة
- ابريل / نيسان 2019: صراع البرلمانات اليمنية
- مارس / آذار 2019: “عاصفة الترحيل” السعودية
- فبراير / شباط 2019: الإغاثة كاعتذار
- تقرير اليمن السنوي 2018: ما بعد الهاوية
- نوفمبر / تشرين الثاني 2018: المستفيدون من حرب اليمن هم المعرقلون المحتملون لعملية السلام
- أكتوبر / تشرين الأول 2018: الصعود السياسي والعسكري لحزب الإصلاح في تعز
- سبتمبر / ايلول 2018: مجاعة محتملة ولا بنك مركزي فعال يحمي الريال اليمني