إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

تجاوز العقبات التقليدية: المرأة اليمنية في العمل الدبلوماسي

Read this in English

“التحدي الرئيس الذي نواجهه كنساء في اليمن هو ببساطة حقيقة أننا نساء”
– سحر غانم، سفيرة اليمن لدى هولندا.[1]

“كيف يمكن أن يكون للمرأة حضور قوي [في العمل الدبلوماسي] ونحن لا نشغل أي من مناصب صنع القرار؟”
– دبلوماسية يمنية.[2]

كان تمثيل المرأة في المجالين السياسي والعام في اليمن ضعيفًا قبل الحرب، وجاء الصراع المستمر طوال العقد الماضي ليزيد الطين بله، حيث لم تشمل الحكومة اليمنية التي تشكلت في إطار اتفاق الرياض في عام 2020 أي وزيرة وذلك في أول استبعاد كامل للمرأة من مجلس الوزراء منذ ما يقرب من عقدين. وفي سياق تصاعد التوترات والاستقطابات، امتد تهميش المرأة ليشمل جميع الهياكل الأخرى التي ما زالت مهمشة فيها الفئات الضعيفة وخصوصاً المرأة. أما في الإطار السياسي الحالي الذي أُنشئ في عام 2022، فيتألف مجلس القيادة الرئاسي من ثمانية أعضاء جميعهم من الرجال، في حين تضم لجنة التشاور والمصالحة، وهي هيئة استشارية لمجلس القيادة الرئاسي، خمس نساء فقط من أصل 50 عضواً. أما البرلمان اليمني فلا يضم حالياً أي امرأة، مما يضع البلاد في ذيل قائمة الدول من حيث تمثيل المرأة في الهيئات الحكومية. لم يعد دعم المرأة وتمكينها أولوية للأحزاب السياسية اليمنية، بعد أن تم تهميشها لصالح الفصائل السياسية المسلحة.

في ظل هذه الظروف، ما زال العمل الدبلوماسي الذي يهيمن عليه الرجل تاريخياً أحد أصعب المجالات أمام دخول المرأة ليس فقط في اليمن، بل في جميع أنحاء العالم، وإقراراً بهذه التحديات، احتفلت الأمم المتحدة بيوم 24 يونيو باعتباره “اليوم الدولي للمرأة في الدبلوماسية“. أصبحت الروائية والكاتبة والدبلوماسية اليمنية رمزيه الأرياني أول امرأة تدخل السلك الدبلوماسي اليمني في أواخر الثمانينيات. تُظهر الأبحاث حول هذا الموضوع تقلبات في مشاركة المرأة في السلك الدبلوماسي اليمني، لكن الصورة العامة تشير إلى استمرار انخفاض أعداد النساء في هذا المجال[3]. اليوم، لا يوجد سوى عدد قليل من النساء اليمنيات في المجال الدبلوماسي، في وقت ربما يكون المجال في أمس الحاجة إلى المرأة، نظراً لسجلها الحافل في بناء السلام والمناصرة على مستوى المجتمع المحلي. يسلط هذا المقال الضوء على تجارب المرأة اليمنية في هذا المجال، استناداً إلى مقابلات مع دبلوماسيات بارزات يعملن حالياً أو عملن سابقاً في السلك الدبلوماسي اليمني.[4]

التمييز بين الجنسين في المجال الدبلوماسي

تسود ممارسات عدم المساواة بين الجنسين والتمييز ضد المرأة في جميع هياكل السلطة في اليمن، وهي البيئة التي تجعل من الصعب على النساء كسر الحواجز التقليدية والوصول إلى مناصب صنع القرار. وتتجذر التحديات التي تواجهها المرأة في دخول مجال يهيمن عليه الرجل في الأعراف الثقافية والمفاهيم الاجتماعية التقليدية التي تحدد أدوار المرأة في المجتمع. ونتيجة لذلك، يسود في الأوساط السياسية في البلاد رأي مفاده أن النساء غير مؤهلات لشغل مناصب قيادية عليا.

وأشار مصطفى نعمان الدبلوماسي اليمني المخضرم الذي يشغل حالياً منصب نائب وزير الخارجية وشؤون المغتربين إلى أن “العادات والتقاليد اليمنية حالت دون مشاركة المرأة في المجال الدبلوماسي لأن هذه الوظيفة تتطلب السفر. وكانت العقبات الاجتماعية أكبر من العقبات القانونية، لكن الحكومة لم تبد أي اهتمام بتشجيع المرأة”. كان هذا هو الحال في جميع أنحاء البلاد قبل الوحدة. وأضاف قائلاً: “حتى في جنوب اليمن الذي كانت المرأة تتمتع فيه بدرجة أعلى من الحرية، لم يتم تعيين أي سفيرة في وزارة الخارجية” مشيراً إلى أن الإصلاحات التقدمية التي اعتمدتها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة منحت بعض الحريات للمرأة إلا أنها لم تترجم بالضرورة إلى مساواة حقيقية بين الجنسين بسبب غياب المرأة عن هيئات صنع القرار. وقالت أمة العليم السوسة رائدة في المجال الدبلوماسي: “كثيراً ما تأثرت الهياكل المجتمعية بعوامل كانت غالباً أقوى بكثير من الإرادة السياسية، مثل حقيقة أن المرأة لا تستطيع السفر بمفردها أو حتى فتح حساب بنكي باسمها”.[5] شغلت السوسة منصب سفير لدى السويد والدنمارك وهولندا من عام 2000 إلى عام 2003 ووزير حقوق الإنسان من عام 2003 إلى عام 2006. وفي معرض حديثها عن تجربتها، أشارت إلى أن “هناك شروطًا إضافية تُضاف إلى قائمة التوقعات المطلوبة من المرأة، والتي تتطلب أن تكون لديك قوى أو قدرات خارقة”.[6] وتوافقها الرأي أسمهان الطوقي سفير اليمن الحالية في إيطاليا قائلة: “غالبًا ما تتجاوز توقعات الأداء والانضباط المهني المطلوبة من النساء التوقعات المفروضة على نظرائهن من الرجال، وفي حين أن معظم النساء اللواتي يدخلن السلك الدبلوماسي ملتزمات بالفعل بهذه المعايير، إلا أن التوقعات المتزايدة تضغط عليهن لتحقيق إنجازات فائقة، وتبرير وجودهن، وإثبات جدارتهن باستمرار”.[7]

التهميش المنهجي والصورة النمطية

اتفق المشاركون في المقابلات على أن التهميش المنهجي للمرأة متجذر في المجال الدبلوماسي وجوانب أخرى، حيث تقتصر أدوار المرأة غالبًا على أدوار محدودة وغير ملهمة لا تساهم في تنمية مهاراتهن أو تمكينهن من تولي مناصب صنع القرار، ووصفت الأمر أحد الدبلوماسيات قائلة: “ليس لي أي علاقة بالوظائف الدبلوماسية مثل حضور الفعاليات الكبيرة”.[8] تصف السوسوة العقلية السائدة في هذه المؤسسات بأنها تجسد “العقلية الذكورية التقليدية في أحسن الأحوال”.[9]

عندما تدخل المرأة في السلك الدبلوماسي بعد تغلبها على عقبات كبيرة في البداية، عادةً ما تواجه تحديات إضافية، حيث تفيد العديد منهن بأنهن واجهن صعوبات في بناء شبكات علاقات داخل الوزارة وعلى الصعيد الدولي خلال مهامهن. أشارت السفير أسمهان الطوقي إلى أن النساء لكونهن أقلية في الوزارة لا يتمتعن في كثير من الأحيان بنفس الدعم والتواصل التي يتمتع بها زملاؤهن الذكور. وأضافت سحر غانم سفير اليمن الحالية لدى هولندا: “تجد النساء صعوبة في التواصل وبناء العلاقات بسبب الطبيعة المعقدة لهذه العلاقات، ولا يتم أخذك على محمل الجد دائماً كونك امرأة”. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يحد العدد المحدود للنساء في هذه البيئات من قدرة الدبلوماسيات على التحرك والعمل بفعالية. كما أن ندرة النساء تحد من فرص الدعم المتبادل والتضامن التي يمكن أن يزدهر لو كان عددهن أكبر.

بالإضافة إلى ذلك، تؤثر الصور النمطية المرتبطة بالمرأة على المناصب التي تتقلدها في الهيئات الرسمية، فقد أشار نائب وزير الخارجية نعمان إلى أن “وزارة الخارجية فشلت في توفير بيئة مشجعة للمرأة، لذا تعمل معظمهن في الإدارات الداخلية، مثل إدارة المراسم أو مكتب الوزير، بدلاً من شغل مناصب قيادية”. كان الحال كذلك عندما كانت الدولة تعمل، وزاد الوضع تدهوراً منذ اندلاع الحرب.

السلطة السياسية والبيروقراطية والحرب

أبرزت السوسوة وهي سفير ووزير سابق توجها متزايداً في اليمن خلال العقود القليلة الماضية وهو أن الأسر تشجع بشكل متزايد تعليم الفتيات والتحاقهن بالتعليم العالي وكذلك دخولهن في مهن كالتدريس والصحة العامة، لكنها لاحظت أن مشاركة المرأة في الحياة العامة في اليمن تتقلب غالبًا استجابة للتغيرات في الأنظمة السياسية قائلة “كلما كان هناك توسع طفيف في الفرص، تجد أن المساحات السياسية تتقلص في الوقت نفسه، وهذا بدوره يحد من مشاركة المرأة”.[10] وتؤكد السوسوة أنه لا يمكن فصل مشاركة المرأة في الحياة العامة عن التطورات السياسية والاجتماعية التي تحدث في البلاد في أي وقت من الأوقات.

وأكد نائب وزير الخارجية نعمان على أن صنع القرار السياسي في اليمن غالباً ما كان انتقائياً فيما يتعلق بإدماج المرأة في المجال الدبلوماسي، ووصف الأمر قائلاً: “لم تكن هناك أي خطوة استراتيجية حقيقية لتعزيز دور المرأة” وأضاف أن الحرب لم تؤد إلا إلى تفاقم ضعف الإرادة السياسية لذلك. “منذ عام 2015 لم تكن هناك إرادة سياسية حقيقية لدعم المرأة في وزارة الخارجية، بل وتستند التعيينات إلى المحسوبية والمحاباة والولاءات، وليس إلى الكفاءة”. وتعيق الهياكل البيروقراطية داخل المؤسسات الرسمية تقدم المرأة في المجال الدبلوماسي. فقد تحول ما يجب أن يكون أداة إدارية رسمية إلى آلية منهجية لاستبعاد المرأة من مناصب صنع القرار. تقول أحد الدبلوماسيات: “واجهت عقبات في اتخاذ القرارات بسبب التأخير في الإجراءات الذي يعزى إلى البيروقراطية والممارسات السيئة”.[11] ويزيد المحسوبية من تفاقم هذه المشكلة، حيث أضافت أروى نعمان سفير مفوض ونائب رئيس بعثة اليمن في لندن قائلة: “خلال فترة وجودي في الخارج، كانت التعيينات والترقيات تستند إلى العلاقات الشخصية، وعادة ما كانت هذه التعيينات تفضل الرجال”.

كما أدى غياب السلطة السياسية المركزية إلى إضعاف فعالية الدبلوماسية اليمنية على الصعيد الدولي، مما أدى إلى غياب صوت اليمن في المنتديات والمنابر الخارجية، وفي مناخ سياسي يتسم بالفساد والانقسام، لم تُستخدم الدبلوماسية كأداة استراتيجية لحشد الدعم الدولي أو تقديم صورة دقيقة عن الوضع في اليمن، بل تزايد التهميش والاستقطاب داخل المؤسسات الدبلوماسية. على سبيل المثال، الهياكل المؤسسية التي كانت تعاني من الهشاشة والفساد أساساً انهارت مع الحرب مما أثر على ممارسات التوظيف والترقية في الوزارة، وأوضح نائب وزير الخارجية نعمان أن “المعايير أو الاختبارات للالتحاق بوزارة الخارجية لم تكن موجودة في البداية. ولكن الأمور في وقت لاحق بدأت في اتباع نهج منضبط وبيروقراطي، وكانت الاختيارات تتم على أساس الجدارة. ولكن مع تصاعد الصراع، تم التخلي عن هذه المعايير، ولم يعد هناك أي اختبارات”.

مستقبل المرأة اليمنية في المجال الدبلوماسي: ما يمكن فعله وكيف؟

لا تزال آفاق مشاركة المرأة الفعالة في المجال العام مقلقة، فقد أثرت تداعيات الحرب على المرأة بشكل غير متناسب، مما أدى إلى تفاقم التحديات التي كانت تواجهها منذ وقت طويل حتى قبل الحرب. أدى ذلك إلى استبعاد منهجي للمرأة من المجال العام، وزيادة العنف ضدها في جميع الأوساط، وتقلص المساحة المتاحة لها والتي كانت ضيقة في الأساس، وفرض قيود على حريتها وحركتها، وكل ذلك يؤثر على حياتها اليومية مباشرة.

ولا يُستثنى المجال الدبلوماسي في اليمن من ذلك. على الرغم من ذلك فإن إشراك المرأة في المجال الدبلوماسي قد حقق علاقات دولية أكثر فعالية وشمولاً، فكما أشارت الأمم المتحدة: “تجلب المرأة فوائد جمة للمجال الدبلوماسي، فأساليب قيادتها وخبراتها وأولوياتها توسع نطاق القضايا المعنية وتحسن جودة المخرجات.” في بلد كاليمن، يمكن للمرأة أن تلعب دوراً دبلوماسياً رئيسياً وفعالاً وتساهم في تعزيز الدعم لليمن عموماً ولعملية السلام خصوصاً.

بالتالي يعد ضمان تمثيل أكبر للمرأة اليمنية في السلك الدبلوماسي أمر بالغ الأهمية لتحقيق تغيير حقيقي، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تبني سياسات واضحة تنص على نسبة محددة من التعيينات للمرأة، وتنفيذ خطط استراتيجية شاملة لإصلاح آليات التوظيف والترقية، وإزالة الروتين البيروقراطي الذي يمكن أن يشكل عائقاً أمام المرأة. يعد الاستثمار في تمكين المرأة خلال الأحداث والدبلوماسية خطوة أساسية أخرى، حيث يوفر فرصًا لبناء خبراتها وتوسيع شبكة علاقاتها وتعزيز مشاركتها الفعالة في صنع القرار.

ومن الأهمية بمكان أن يتجاوز تمثيل المرأة مجرد كونه تمثيلاً رمزياً، بل يجب أن يكون له تأثيراً ملموساً على حياتها المهنية وتمكينها من ممارسة السلطة بفعالية، وسيؤدي هذا النهج في نهاية المطاف إلى تعزيز القدرات والجهود الدبلوماسية لليمن عموماً.


أُعد هذا التحليل في إطار منتدى سلام اليمن وهو مبادرة من مركز صنعاء تهدف إلى تمكين الجيل القادم من الشباب ونشطاء المجتمع المدني اليمني وإشراكهم في القضايا الوطنية الحرجة

الهوامش
  1. مقابلة مع سحر غانم، سفير اليمن لدى هولندا، سبتمبر 2024.
  2. مقابلة مع دبلوماسية، سبتمبر 2024.
  3. تشير دراسة أجرتها جامعة جوتنبرج السويدية إلى أن اليمن لم يكن لديها سفراء إناث حتى عام 1998، وارتفعت هذه النسبة إلى 22 في المائة في عام 2019، لكنها عادت لتنخفض إلى 6 في المائة فقط في عام 2021. انظر: مجموعة بيانات GenDip حول النوع الاجتماعي والتمثيل الدبلوماسي، جامعة جوتنبرج، الرابط: (https://www.gu.se/en/gendip/the-gendip-dataset-on-gender-and-diplomatic-representation). لكن الأرقام التي قدمها موظف في قسم شؤون الموظفين بوزارة الخارجية للمؤلفين تشير إلى عكس ذلك، وتقول إن نسبة النساء المعينات كسفراء بلغت 7.3 في المئة في عام 2019، وظلت هذه النسبة كما هي في عام 2021، لترتفع قليلاً في عام 2022 إلى 8 في المئة.
  4. أجريت المقابلات مع: سحر غانم سفير اليمن لدى هولندا، وأسمهان الطوقي سفير اليمن لدى إيطاليا، وأروى علي نعمان سفير فوق العادة ونائب رئيس بعثة السفارة اليمنية في لندن، أمة العليم السوسة سفير سابق ووزير حقوق الإنسان السابق، ونائب وزير الخارجية مصطفى نعمان، ودبلوماسية طلبت عدم الكشف عن هويتها.
  5. مقابلة مع أمة العليم السوسة، سفير ووزير سابق، سبتمبر 2024.
  6. المرجع السابق.
  7. مقابلة مع أسمهان الطوقي، سفير اليمن لدى إيطاليا، أبريل 2025.
  8. المرجع السابق.
  9. مقابلة مع أمة العليم السوسة، سفير ووزير سابق، سبتمبر 2024.
  10. مقابلة مع أمة العليم السوسة، سفير ووزير سابق، سبتمبر 2024.
  11. مقابلة مع دبلوماسية، سبتمبر 2024.
مشاركة