في خطوة رجعية تهدد بإعادة البلاد للوراء، تزايدت الممارسات القمعية التي تنتهجها سلطات الحوثيين ضد النساء خلال الأشهر الأخيرة، حيث أصبحت شائعة أكثر من أي وقت مضى وبشكل ملفت مع اشتراطها موافقة ولي الأمر أو المَحْرَم على أي نشاط تمارسه المرأة في مناحي الحياة (المَحْرَم هو أي فرد ذكر في الأسرة، كالأب، أو الزوج، أو الأخ، أو حتى الابن الذي لم يبلغ الحلم). اشتراطات الخطوط الجوية اليمنية للرحلات المغادرة من صنعاء أصبحت لا تقتصر على طلب خطاب موافقة من ولي الأمر -مُصدّق من وزارة الخارجية -لحجز مقعد للمرأة على متن رحلاتها، بل أيضًا تفرض مرافقة مَحْرَم للمرأة شخصيًا حتى تصل مقعدها على متن الطائرة. لم تُعفَ اليمنيات العاملات في المنظمات الدولية من هذه الممارسات، حيث مُنعن من السفر خارج محافظاتهن مما حَرَمهُن المشاركة في برامج تدريبية مهمة وقوّض قُدرتهن على ممارسة وظائفهن بالشكل الطبيعي. لم تُستثنَ أيضًا النساء القاطنات في المناطق الحضرية كصنعاء، حيث يُحظر عليهن أحيانًا مغادرة منازلهن أوقات المساء ويتعرضن أثناء قيادتهن السيارات للمضايقات عند نقاط التفتيش تصل لحد التهديد بإلغاء رُخصهن. استخدمت سلطات الحوثيين الأذرع المؤسسية للدولة لقمع النساء بشكل منهجي وانتهاك أبسط حقوقهن الإنسانية، وآن الأوان لكي يمارس المجتمع الدولي أوراق ضغطه لطرح المسألة على الطاولة، بما في ذلك طاولة المفاوضات الجارية لإعادة تفعيل الهدنة.
يُطبق الحوثيون أجندة قائمة على أيديولوجية تَبلوَرت على مدى ثلاثة عقود. فمع صعود الحركات الإسلامية في عموم المنطقة خلال تسعينيات القرن الماضي، لم يؤيد مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي علنًا محاكاة نموذج الجمهورية الإسلامية في الواقع، بل ذهب أبعد من ذلك بإعلان إعجابه وتأييده نموذج مجتمع عصور الظلام الذي طبقته -حينها -حركة طالبان في أفغانستان. تتمثل رؤية الجماعة في إنشاء نظام ثيوقراطي قائم على مذهب الشيعية الزيدية، يعود بالمجتمع إلى قِيم ما قبل العصر الحديث انطلاقًا من موروث الأصالة والهوية الإسلامية وفقًا لرؤيتهم، إلا أن المقاربة الأفغانية لا تأتي من فراغ، فنظام المَحْرَم المُطبق في ظل الحُكم الحالي لطالبان مشابه للمُطبق في مناطق سيطرة الحوثيين باليمن، وعلى مدى أكثر من عقد كانت صعدة (معقل الحوثيين في أقصى شمال اليمن) بمثابة حقل تجارب لهذا النظام الديني الذي طوّع جهازًا أمنيًا نسائيًا معروفًا بالزينبيات لرصد من يخالفن التعليمات. مع ترسخ سطوة الحوثيين على أجزاء كبيرة من البلاد منذ عام 2014، غرست أيديولوجيتهم مخالبها الوحشية على نطاق أوسع.
نما المشروع الحوثي باطّراد خلال الهدنة الأخيرة التي استمرت ستة أشهر، فرغم أن التهدئة أتاحت فرصة لمختلف الأطراف الدولية الفاعلة للانخراط في حوار مع السلطات في صنعاء، كان هناك صمت مُطبق من المجتمع الدولي إزاء الخطط الآخذة بالتكشف والساعية إلى استغلال النساء وإخضاعهن لفروض الطاعة والتحكّم بهن وبحركتهن. يتجاهل هذا النهج المفتقر لبُعد نظر التطورات المهمة التي شهدتها البلاد خلال العقود الأخيرة في تحرير المرأة وتعزيز دورها داخل المجتمع اليمني.
صحيح ما يزال الطريق طويل أمام منح المرأة حريتها الكاملة في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعالمنا المعاصر، إلا أن وضعها تحسّن تدريجيًا في اليمن منذ ستينيات القرن الماضي -مع مجاراة الاتجاهات الإقليمية الناشئة آنذاك -حيث سُجل عدد كبير من النساء للإدلاء بأصواتهن في الانتخابات، وتبوأت بعض العاملات في الحكومة مناصب وزارية. حاليًا، تقر معظم الأحزاب السياسية، على الأقل نظريًا، بالحاجة إلى اتخاذ تدابير عملية تكفل تمثيل المرأة، وسعى مؤتمر الحوار الوطني الذي رعته الأمم المتحدة في 2013-2014 إلى إضفاء الصبغة الرسمية على تمثيل المرأة عبر منحها حصة 30٪ في الهيئات المنتخبة والمؤسسات الحكومية. رغم تقوّض هذا التقدم المُحرز مع استيلاء الحوثيين على صنعاء عام 2014 واندلاع الحرب بعدها، لم تُخمد جذوة النضال من أجل تعزيز مشاركة المرأة.
رغم الجهود الحثيثة التي بذلها الحوثيون لاستقطاب المواطنين للاحتفال بذكرى 21 سبتمبر/ أيلول -أي ذكرى سيطرتهم على صنعاء -عمّت الاحتفالات العفوية بذكرى ثورة 26 سبتمبر/ أيلول في العاصمة وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، كشهادة على الامتنان الذي يشعر به المواطنون العاديون للحريات المُكتسبة حينذاك. هناك توجّه عام على المستوى الإقليمي والدولي نحو تعزيز حقوق المرأة والتصدي للممارسات القمعية التي تستهدفها من قِبل جماعات تفرض أجندتها الأيديولوجية كجماعة الحوثيين، حيث ألغت حتى الدول المجاورة منذ تسعينيات القرن الماضي الحظر المفروض على قيادة المرأة، وخففت من قواعد لباسها، ووضعت حدًا لبعض الشروط الإجبارية في إطار نظام المَحْرَم.
من هذا المنطلق، يتعيّن أيضًا على صناع السياسات الملتزمين بتعزيز حقوق المرأة النظر في مسألة إدماج النساء ببرامج التنمية الاقتصادية كونه عاملًا أساسيًا في تحسين وضعهن المادي والاجتماعي. يعيش اليمن تحت وطأة تدهور اقتصادي حاد عمّ مناطق البلاد، تفاقم بسبب الحرب الجارية في أوكرانيا وتأثيرها على سلاسل الإمداد وأسواق الطاقة، وهي الظروف التي دفعت أساسًا القادة السياسيين لإبرام الهدنة. مستوى مشاركة المرأة في قطاع العمل باليمن يُعد من بين الأدنى على مستوى العالم، لكن سنوات الحرب ذللت بعض الصعوبات التي تعترض انخراط النساء في سوق العمل، بما فيها عملهن في الشركات الخاصة وقطاع التجارة بالتجزئة. عزز ذلك الاستقلالية المالية لبعض النساء العاملات في منظمات المجتمع المدني ممن تمكّن من استئجار منازل لأسرهن، باعتبارهن معيلات.
أي تنازل عن التقدم المُحرز حتى الآن في تعزيز حقوق المرأة باليمن ليس خيارًا، لكن سيصعب أيضًا إحراز تقدم في هذا المسار، ما لم يُدافع عن هذه الحقوق على كافية مستويات الانخراط مع الجهات المعنية. من المهم بمَكان إدراج الحقوق المدنية للمرأة في كافة أجندات التفاوض المقبلة الساعية لإعادة تفعيل الهدنة وتدابير خفض التصعيد ذات الصلة. يجب على المجتمع الدولي ألا يقبل بأقل من ترسيخ المكاسب التي حُققت قبل الحرب في إعمال حقوق المرأة وتلك التي ستُحقق بعد انتهائها، وأن يُنظر في كافة المسارات الكفيلة بتحقيق ذلك.
لا يمكن التغاضي عن حجم التهديد الحوثي للمرأة، فهو ليس أقل من خطة مُنظمة يجري تنفيذها بإحكام لشلّ نصف المجتمع اليمني وحصر المرأة في أدوار محدودة تتعارض مع المُثل العليا للجمهورية والمعايير المعمول بها دوليًا. الوقوف موقف المتفرج لن يساهم سوى في زيادة الوضع سوءًا، فالمرأة غائبة بالفعل عن طاولة المفاوضات الرامية إلى إحلال السلام وبشكل لافت للنظر، وستصبح غائبة عن المشهد السياسي اليمني وعن الحياة المهنية إن لم تُتخذ إجراءات فورية تتصدى لمحاولات محو وجودها، وهو ما يفرض الحاجة لتبني نهج جديد الآن.