برز الخلاف المتصاعد بين السعودية وشريكتها في التحالف، الإمارات، إلى العلن خلال الأسابيع الأخيرة، بعد نشر صحيفة وول ستريت جورنال تقريرًا أشارت فيه إلى أن ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي محمد بن سلمان، فاجأ الصحفيين في إحاطة غير رسمية بقوله إن “الإمارات طعنتنا في الظهر”، مُبديًا استعداده لاتخاذ إجراءات عقابية ضد منافسته الخليجية. هذا التدهور في علاقات الدولتين الشريكتين في التحالف سيكون له عواقب وخيمة على اليمن، في ظل التنافس بين الجماعات المدعومة من الدولتين والتي أصبحت سمة من سمات الصراع في اليمن منذ عام 2018 بعد تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا -والُممثل برئيسه في مجلس القيادة الرئاسي -الذي يسيطر على مساحات شاسعة من جغرافيا الجنوب، بما في ذلك العاصمة المؤقتة عدن.
وتُعد محافظة حضرموت الشاسعة شرقيّ اليمن رقعة التنافس الحالي، حيث حاول المجلس الانتقالي توسيع نفوذه إلى المحافظة في إطار مشروعه الهادف إلى تعزيز سيطرته على مناطق دولة الجنوب سابقًا؛ عبر إرسال قوات إضافية إلى عاصمة المحافظة “المكلا” والتحريض ضد القوات العسكرية الموالية للإصلاح المدعومة من السعودية والمتمركزة في وادي حضرموت. يُعد حزب الإصلاح هدفًا رئيسيًا لدولة الإمارات بسبب علاقاته بجماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبرها الإمارات تهديدًا إقليميًا ومحليًا لنظام حُكمها.
إلا أن تحركات المجلس الانتقالي لم تمر مرور الكرام، حيث أرسل حزب الإصلاح تعزيزات إلى المحافظة، وأصبح الدور السعودي في إحباط محاولات المجلس الانتقالي للسيطرة على المحافظة أكثر نشاطًا للأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها حضرموت لدى السعودية كونها تشترك معها في شريط حدودي طويل. وعلى ضوئه، دعا السعوديون عددًا من الشخصيات السياسية والقبلية الحضرمية النافذة إلى الرياض للتشاور مع المحافظ مبخوت بن ماضي، بعد فشل رئيس المجلس الانتقالي وعضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزُبيدي، في إقناعهم بعدم الذهاب. تمخض عن الاجتماع الإعلان عن تشكيل “مجلس حضرموت الوطني” المدعوم من السعودية إلى جانب حزمة من المشاريع والبرامج التنموية في المحافظة، ودعم صريح لسلطة المحافظة لإدارة شؤونها الداخلية. كما كان متوقعًا، قُوبل الإعلان بمعارضة من الجماعات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي.
وتزامنًا مع المبادرة، زار رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي حضرموت للمرة الأولى منذ توليه منصبه في نيسان/أبريل 2022، حيث ألقى كلمة في 25 يونيو/حزيران أمام قيادات السلطة المحلية بمدينة المكلا متعهدًا بمنح الحضارم الإدارة الذاتية لتولي الشؤون المالية والإدارية والأمنية للمحافظة. وبالتنسيق مع الزيارة، تعهّد البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن بتقديم 320 مليون دولار أمريكي لتمويل 20 مشروعًا تنمويًا، بما في ذلك إنشاء وتجهيز مستشفى الجامعة ومركز السرطان بجامعة حضرموت، وبناء طرق جديدة ومحطة لتوليد الكهرباء تُربط بشبكة الكهرباء السعودية.
مضت السعودية قُدمًا في مساعيها لإضفاء الطابع الرسمي على الترتيبات الجديدة، حيث كلفت المجلس المكوّن من تسعة أعضاء بقيادة وزير النقل السابق بدر باسلمة بوضع لوائحه الداخلية في غضون شهرين قبل انعقاد جمعيته العامة. تلقى كل من باسلمة وابن ماضي دعمًا ماليًا من السعوديين لاستكمال المخطط، حيث ورد أن الأول قِبل 30 مليون ريال سعودي، وبالفعل نجح باسلمة في ضمّ شخصيتين سياسيتين بارزتين في حضرموت: نائب رئيس البرلمان محسن باصرة (المحسوب على حزب الإصلاح) وعمرو بن حبريش (رئيس مؤتمر حضرموت الجامع)، إلا أن باسلمة قد يحتاج أيضًا إلى ضم أحمد عبيد بن دغر (رئيس مجلس الشورى ورئيس الوزراء السابق)، وخالد بحاح (الذي سبق بن دغر في تولي منصب رئيس الوزراء في عهد الرئيس السابق عبدربه منصور هادي). في 24 تموز/يوليو، دُعي القادة السياسيون الحضارم مجددًا إلى الرياض وكان المُلفت هذه المرة دعوة فرج البحسني (عضو مجلس القيادة الرئاسي ومحافظ حضرموت السابق الذي عُيِّن مؤخرًا نائبًا لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي)، إلى جانب زميله في مجلس القيادة الرئاسي عبدالرحمن المحرمي الملقب بـ “أبو زرعة” (قائد ألوية العمالقة المدعومة إماراتيًا والذي انضم مؤخرًا إلى المجلس الانتقالي الجنوبي)، علمًا أن نجاح المجلس الانتقالي في استقطاب هاتين الشخصيتين كانت بمثابة مفاجأة وأثارت غضب السعودية حسب التقارير.
نجح هذا الدعم للإدارة الذاتية بحضرموت في جذب اهتمام المحافظات الأخرى، في إطار مساعي السلطات السعودية استقطاب شخصيات من محافظتي المهرة وشبوة لمشاريع مماثلة. ويمكن اعتبار هذه الحملة كمحاولة لمعالجة الآثار السلبية غير المباشرة الناجمة عن الإطاحة بالرئيس السابق هادي، حيث أدى انهيار شبكة حلفائه في المحافظات الجنوبية إلى خلق فراغ سياسي استغله المجلس الانتقالي لمحاولة فرض نفوذه. حاليًا، تخشى الإمارات أن يصبح مجلس حضرموت الوطني نموذجًا ناجحًا قد يحرمها من النفوذ الذي ظنت أنها اكتسبته من خلال دعمها للمجلس الانتقالي. وردًا على ذلك، سعى الإماراتيون إلى حل مشكلة التنافس بين المجلس الانتقالي والجماعات الأخرى المدعومة منها، بما في ذلك قوات المقاومة الوطنية بقيادة طارق صالح وألوية العمالقة.
في هذا الصدد، أعربت الحكومات الغربية عن انزعاجها من التحريض المُمارس من قبل المجلس الانتقالي، لا سيما تهديده بوقف توريد الإيرادات إلى البنك المركزي في عدن، كونه يزعزع استقرار مجلس القيادة الرئاسي ويقوّض سلطته. هذا دفع الانتقالي إلى تخفيف نبرته بحثًا عن الدعم الدولي، حيث صرّح رئيسه عيدروس الزُبيدي في 22 يونيو/ حزيران خلال جلسة نقاش نظمها المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) في لندن، أن أعضاء مجلس القيادة الرئاسي مُتحدّون في مواجهة جماعة الحوثيين (أنصار الله) ومعالجة التحديات الاقتصادية، مشيرًا إلى أن المجلس الانتقالي لن يسعى إلى استعادة دولة الجنوب إلا من خلال الوسائل السلمية. لكن يبدو أن الزيارة جاءت في إطار مساعي الانتقالي إلى إقناع الحكومات الغربية بأن إحياء وإقامة دولة جنوب مستقلة تأتي خطوة طبيعية في ظل وجود دولة للحوثيين تحكُم الشمال حاليًا بحُكم الأمر الواقع، وهو ما يمكن استدلاله من تصريحه لصحيفة الغارديان “الواقع الجديد هو أن الحوثيين يسيطرون على الشمال والمجلس الانتقالي يحكم الجنوب”. كما أتيحت له الفرصة لنقل هذه الرسالة إلى الحكومة البريطانية من خلال اجتماعه بوزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب آسيا والأمم المتحدة “طارق أحمد”. توجّه بعدها الزُبيدي إلى الرياض ومن ثم إلى الإمارات حيث التقى السفير الأمريكي لدى اليمن ستيفن فاجين قبل أن يعود إلى عدن في 21 يوليو/ تموز. وبحسب المعطيات، لا يُستبعد أن يشتد التنافس السياسي بينه ورئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في سبتمبر/ أيلول المقبل حيث من المتوقع أن يحضر كلاهما الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
من غير المرجح أن يهدأ التنافس السياسي في حضرموت، حيث انتهت مظاهرة نظمها المجلس الانتقالي في 7 يوليو/ تموز لإحياء ذكرى انتهاء الحرب الأهلية عام 1994 باندلاع اشتباكات في سيئون بعد محاولة رجال قبيلة آل كثير إنزال أعلام وشعارات الانتقالي من أسوار قصر السلطان الكثيري مما أوقع عددًا من الإصابات. وزعم بيان صادر عن القبيلة أن المجلس خرق اتفاقًا بعدم استغلال القصر لأغراض سياسية، بينما صوّر المجلس الحادث من جهته على أنه هجوم نظمه حزب الإصلاح بقيادة قوات المنطقة العسكرية الأولى. لاحقًا، منعت قوات الأمن التابعة للإصلاح في سيئون مظاهرات نظمها أعضاء المكوّن المعروف باسم “شباب الغضب” الموالي للمجلس الانتقالي الجنوبي أمام القصر. هذه الحوادث ما هي إلا نموذج للتحريض السياسي الذي هيمن على المشهد في حضرموت منذ العام الماضي، والذي يتوقع أن تتصاعد حدته مع تدهور العلاقات السعودية الإماراتية، والدور السعودي الآخذ في التوسع بالمحافظة.
جمود في المحادثات السعودية الحوثية
يتناقض النشاط السعودي المتنامي في حضرموت بشكل صارخ مع المفاوضات الجارية مع جماعة الحوثيين، التي بدا وكأنها شهدت جمودًا نتيجة ملفات رئيسية عالقة تشمل: خلاف حول صيغة سداد رواتب موظفي القطاع العام، وخلاف على تعريف وضع السعودية كوسيط وليس طرفًا في الصراع. يُصر الحوثيون على سداد الرواتب، بما في ذلك رواتب أفرادهم العسكريين والأمنيين، من العائدات النفطية الخاصة بالحكومة، وهي مطالب أجهضت مساعي تجديد الهدنة (التي توسطت فيها الأمم المتحدة) في بداية أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي وظل موضع خلاف في المحادثات. كما برزت مسألة توصيف الانخراط السعودي أكثر استعصاء للحل، كون الاعتراف بوضع السعودية كطرف في الحرب هو بمثابة لعنة تطارد الحكومة السعودية وستُوصمها كطرف خاسر في الصراع في وقت يحاول السعوديون توسيع نفوذهم الإقليمي والعالمي.
الجمود في المحادثات الحوثية السعودية لم يغير بعد موقف الأخيرة الحالي المبني على سياسة التكيّف، حيث أفادت تقارير عن أداء قيادات حوثية -قيل بأنها ضمت القائد العسكري يحيى عبدالله الرزامي، وكبير مفاوضي الجماعة في مسقط محمد عبدالسلام، والسياسي المخضرم صالح هبرة، ومحمد عبدالعظيم الحوثي -مناسك الحج لأول مرة منذ اندلاع الحرب. وقد أعطت هذه الزيارة إلى مكة المكرمة انطباعًا بأن العلاقات بين السعودية والحوثيين بعيدة كل البعد عن حافة الانهيار رغم الجمود في المفاوضات، وأكدت مصادر في السعودية أن شخصيات حوثية بارزة، بما في ذلك الرزامي وعبدالسلام -المقربان من زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي -أجروا نقاشات سرية مع كبار المسؤولين في الرياض (بمن فيهم وزير الدفاع خالد بن سلمان) على مدى ثمانية أيام بعد عيد الأضحى، إلا أن المحادثات انتهت دون إحراز أي تقدم.
سيناريو فشل المحادثات السعودية الحوثية في استعادة زخمها قد يعني تجدد المعارك القتالية في مأرب (انظر قسم التطورات العسكرية) مع مواصلة جماعة الحوثيين تحشيد قواتها على الخطوط الأمامية بمأرب، التي بلغت أعدادهم نحو 30 ألف مقاتل حسب ما أشارت إليه مصادر، وهو أكبر عدد منذ إعلان الهدنة العام الماضي. حتى الآن، لا يوجد ما يشير إلى الكيفية التي تعتزم بها السعودية الرد حال استؤنف القتال، أو ما إذا كان التحالف سيستأنف الغارات الجوية التي كانت محورية في الدفاع عن السهول الصحراوية على مشارف مدينة مأرب. تكمن أهمية مأرب بالنسبة للحوثيين في حقول النفط والغاز التي ستوفر مصدر دخل تشتد حاجة الجماعة إليه، وهو ما دفع الأخيرة إلى إنفاق موارد هائلة في محاولتهم الاستيلاء على المنطقة بين أوائل عام 2020 وأواخر عام 2021. لم يتوقف الهجوم الحوثي إلا بتدخل ألوية العمالقة المدعومة من الإمارات، التي شنّت هجومًا مضاداً شكّلت معها الخطوط الأمامية القائمة الحالية.
الإعلان عن منحة سعودية جديدة بعد موجة احتجاجات الصيف
في 1 أغسطس/آب، أعلنت السعودية دعمًا ماليًا طال انتظاره للحكومة المعترف بها دوليًا، بقيمة 1.2 مليار دولار أمريكي لتمويل الموازنة العامة ودعم قيمة الريال اليمني (انظر قسم التطورات الاقتصادية). وفي هذا السياق، صرّح السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر أنه سيُفرج عن الدفعة الأولى من المنحة الجديدة في 2 أغسطس/ آب، البالغة نحو 250 مليون دولار أمريكي حسب ما أفادت به مصادر إعلامية. من جانبهم، صرّح مسؤولون حكوميون أن استخدام المنحة الجديدة سيُكون لتمويل ميزانية الحكومة، والتعويض عن التراجع الكبير في الإيرادات العامة (في أعقاب استهداف جماعة الحوثيين البنية التحتية لموانئ تصدير النفط في شبوة وحضرموت بالطائرات المسيّرة والصواريخ خريف العام الماضي)، ولتغطية النفقات الأساسية (بما في ذلك رواتب موظفي القطاع العام واحتياجات الوقود لمحطات توليد الطاقة في مناطق سيطرة الحكومة). كما سيساعد الدعم المالي الجديد على تحقيق الاستقرار في سوق صرف العملة المحلية وضمان مواصلة عقد المزادات الأسبوعية لبيع العملة الأجنبية التي تهدف لتغطية الاحتياجات التمويلية لاستيراد السلع الأساسية.
وجاء الإعلان عن الدعم المالي بعد طول انتظار وفترة صعبة مرت بها الحكومة الصيف الماضي، اضطرت معها إلى تعليق الخدمات العامة، بما في ذلك إمدادات الكهرباء، بسبب نقص التمويل. تفاقم الوضع مع نفاد احتياطي النقد الأجنبي، مما أجبر الحكومة أيضًا على تعليق المزادات الأسبوعية التي كانت تُعقد لتمويل استيراد السلع الأساسية (بما في ذلك المواد الغذائية). كما تراجعت قيمة الريال اليمني في مناطق سيطرة الحكومة، حيث تم تداوله عند أدنى مستوى بلغ 1,500 ريال لكل دولار. تلقت الإيرادات الحكومية -المتعثرة أساسًا نتيجة الحصار الحوثي الفعال على صادرات النفط ومساعي الجماعة الحثيثة لإعادة توجيه الواردات إلى ميناء الحديدة -ضربة موجعة أخرى بعد حظر سلطات الحوثيين تدفق أسطوانات الغاز المنزلي المنتج محليًا إلى مناطق سيطرتهم، والاعتماد على الغاز المستورد.
مع عجز الحكومة على تحمل تكاليف الوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية، تفاقمت وتيرة انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء المناطق الجنوبية ولفترات طويلة، وساهم استخدام وقود بديل رديء الجودة في تلوث الهواء. على ضوئه، خرجت العديد من محطات توليد الطاقة المحلية عن الخدمة تمامًا، وقضى السكان أشهر الصيف الحارة بلا كهرباء. أثارت هذه الأزمة موجة احتجاجات في شوارع عدن وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، تزامنت مع تبادل الاتهامات بين الأطراف السياسية. في 12 يونيو / حزيران، وجّه محافظ عدن الموالي للمجلس الانتقالي الجنوبي أحمد لملس السلطة المحلية بوقف توريد الإيرادات المالية إلى خزينة الحكومة المركزية احتجاجًا على ما وصفه باستغلال الحكومة لقطاع الكهرباء كأداة لمعاقبة سكان العاصمة المؤقتة. هذا الاتهام، الذي اكتسب زخمًا بين قادة المجلس الانتقالي الجنوبي وحلفائهم في المحافظات الجنوبية الأخرى، مثّل خطوة تهدد بتقليص مصادر إيرادات الحكومة، وهو ما دفع مكتب رئيس الوزراء للتأكيد بأن الوضع يقع على رأس أولوياته. تراجع لملس لاحقًا عن قراره مشيدًا بجهود الحكومة في التعاطي مع الشواغل التي طرحها، إلا أن ذلك لم يمنع الإدانة الدولية لخطوته التي كشفت عن ضعف موقف الحكومة المركزية.
مع استمرار الأزمة، غادر رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى الرياض في 12 يوليو/تموز لحضور اجتماع المجلس وبحث الأزمة. وبحسب مصادر، طلب العليمي إعادة فرض قيود على موانئ الحديدة ومطار صنعاء في محاولة لإجبار سلطات الحوثيين على تهدئة الحرب الاقتصادية وتخفيف حصارها الفعلي على صادرات النفط الحكومية. ورغم أن الإعلان عن المنحة السعودية الجديد عزز موقف الحكومة لفترة وجيزة، لم تتمكن بعد من إنعاش مصادر إيراداتها وهو ما يعني استمرار اعتمادها كليًا على هذا النوع من الدعم المالي المتقطع.
لم يغفل المجتمع الدولي عن التطورات المتصاعدة في الحرب الاقتصادية المتنامية، حيث ذكر المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي بتأريخ 10 يوليو / تموز أن المعركة الاقتصادية تهدد بإنهاء الهدنة غير الرسمية والهشة والمستمرة منذ انتهاء صلاحية الهدنة الرسمية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. من جهة أخرى، أصدرت الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة بيانًا مشتركًا أشادوا فيه بالأطراف المتحاربة لالتزامها بشكل عام بالهدنة المنتهية صلاحيتها، لكنهم انتقدوا جماعة الحوثيين على تصعيد الحرب الاقتصادية داعين الأخيرة إلى الامتناع عن أي تصعيد عسكري والانخراط في عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، محذرين في الوقت نفسه من أن استئناف المعارك القتالية “سيؤدي إلى عزلهم التام من قِبل المجتمع الدولي”.
لا تتضح بعد أسباب انتظار السعوديين كل هذا الوقت لتقديم الدعم المالي للحكومة الهشة التي نُصبت في اليمن من غرفة عمليات سعودية، حيث ساهم وقوفهم موقف المتفرج في تأزيم موقف مجلس القيادة الرئاسي على نحو خطير، لا سيما في حال اندلاع أي معارك قتالية على نطاق واسع في مأرب، أو على جبهات أخرى، حيث كانت الحكومة لتجد نفسها في موقف لا تحسد عليه وعاجزة عن دفع رواتب قواتها العسكرية. يُحتمل أن تكون الحكومة السعودية أوقفت دعمها إذعانًا للحوثيين الذين طالبوا مرارًا بتقاسم عائدات النفط والغاز الحكومية، وربما سعيًا إلى تقويض شعبية المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أصبح حاليًا مكونًا رئيسيًا في الحكومة اليمنية واللاعب العسكري المهيمن على المشهد في معظم جغرافيا جنوب اليمن. يرد احتمال آخر وهو خلل منهجي في السياسة السعودية: فالسفير السعودي محمد آل جابر هو من يقود سياسة المملكة في اليمن، لكن يُقال إن شخصيات أخرى في وزارة الخارجية واللجنة الخاصة المعنية بالملف اليمني لا توافق على استراتيجيته بالامتناع عن التدخل.
بدء عمليات إنقاذ خزان صافر العائم بعد طول انتظار
أعلنت الأمم المتحدة في 25 يوليو/ تموز بدء عملية نقل 1.14 مليون برميل من النفط المخزّن في الناقلة المتهالكة “صافر” الراسية قبالة سواحل الحديدة. سلّم مسؤولو الأمم المتحدة السفينة البديلة (التي أُطلق عليها تسمية “اليمن”) في 17 يوليو / تموز إلى الحوثيين، وبعدها بأسبوع وافق الحوثيون على بدء عملية التفريغ. في هذا السياق نوّه المنسّق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في اليمن ديفيد غريسلي بأن العملية ستستغرق ما بين أسبوعين وشهر، ووجود عجز بنحو 20 مليون دولار أمريكي من إجمالي تكلفة استكمال العملية البالغة 143 مليون دولار.
جاءت عملية الإنقاذ في إطار مساعي تجنب مخاطر تفكك أو انفجار الناقلة “صافر” وتسرّب كميات هائلة من النفط في البحر الأحمر، مما قد يعطّل ممرات الشحن الدولية ويتسبب بكارثة بيئية، علمًا أن الناقلة المتهالكة والراسية قبالة سواحل الحديدة منذ ثمانينيات القرن العشرين لم يجرِ صيانتها منذ اندلاع الحرب عام 2015. لا يتضح بعد تفاصيل الصفقة بين الأمم المتحدة وسلطات الحوثيين، حيث لم تطّلع الحكومة المعترف بها دوليًا على سير المفاوضات.
في 1 أغسطس/ آب، أعلنت الأمم المتحدة نقل أكثر من نصف كمية النفط الخام من صافر إلى الناقلة البديلة، إلا أن عددًا من التساؤلات ظلت مطروحة حيث لا يتضح بعد كيف سيتم التصرف بالنفط المُفرّغ من خزان صافر، والذي يُقدر قيمته بنحو 80 مليون دولار أمريكي، لكن لا يُستبعد أن يطالب به طرفا الصراع. أكدت وسائل إعلام حوثية أن الجماعة ستَحتفظ بملكية الناقلة البديلة، على الرغم من أن المسؤولين أشاروا إلى أن أنها ناقلة قديمة كذلك مما يهدد بمزيد من المشاكل في حال إهمال صيانتها. أما بالنسبة لمصير ناقلة صافر فيبقى من غير الواضح ما إذا كان سيتم تفكيكها أو ترميمها، ومن الجهة التي قد تتولى ذلك.
تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة
وافق مجلس الأمن الدولي بالإجماع في العاشر من يوليو/ تموز على تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (أونمها) لمدة عام آخر. تتمحور مهام البعثة في وقف إطلاق النار على مستوى المحافظة ودعم عمليات إزالة الألغام في مدينة الحديدة، إلا أن تأثيرها على الأرض كان محدودًا. فرغم الإشادة بأدائها (وقت نشرها) في تأمين نقطة دخول للمساعدات الإنسانية الضرورية، تمكن الحوثيون من استعادة المدينة والمناطق المحيطة بها ووضع أيديهم على الميناء الذي أصبح أداة فعلية لممارسة ضغوط اقتصادية على الحكومة المعترف بها دوليًا.