منذ اندلاع الحرب، سعى اليمنيون بحثًا عن ملاذ آمن هربًا من ويلات العنف والانهيار الاقتصادي وطلبًا للاستقرار السياسي. تكبد بعضهم رحلات شاقة إلى جيبوتي والصومال وصوماليلاند[1] على متن قوارب صيد صغيرة للوصول إلى بر الأمان، [2] حيث يقيمون حاليًا في عواصم تلك البلدان.[3] لجأ آخرون إلى إثيوبيا، حيث يعيش معظمهم في مناطق بعيدة في ضواحي العاصمة أديس أبابا، [4] بينما تمكن عدد منهم من الوصول إلى الأردن ومصر حيث يعيش معظمهم حاليًا حول منطقة الجبيهة شمالي العاصمة الأردنية عمّان، [5] أو في أحياء فيصل والدقي ومنطقة أرض اللواء في القاهرة.[6] ظن العديد من اللاجئين، وخاصة أولئك الذين فروا إلى مصر والأردن في بدايات الصراع، أن الأمر لن يستغرق سوى أسابيع أو أشهر قبل أن تنتهي الحرب ويعودون إلى ديارهم، إلا أن ظروفهم المعيشية تدهورت مع استمرار الصراع، مما أجبر أعدادًا كبيرة منهم على التسجيل لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للحصول على مساعدات وتقنين أوضاعهم.[7]
يعد اللجوء ظاهرة جديدة بالنسبة لليمنيين، ظهرت إبان الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد عام 2011 واندلاع الحرب عام 2015. أدى استمرار الصراع وتردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية إلى تنامي موجات الهجرة القسرية والنزوح القسري، مع اضطرار السكان للفرار من الاضطهاد والصراع المسلح والانتهاكات الممارسة ضد حقوق الإنسان. وفقًا للأمم المتحدة، يواجه أكثر من 19 مليون شخص خطر الجوع في اليمن هذا العام، ويقف زهاء 160 ألف يمني على حافة المجاعة.[8] وعلى الرغم من عودة حوالي 1.3 مليون نازح إلى ديارهم -من أصل 4 ملايين يمني نزحوا منذ اندلاع الحرب في مارس/آذار 2015 -ما يزال العديد منهم عُرضة للخطر.[9]
يسلّط هذا التقرير الضوء على وضع اللاجئين اليمنيين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر والأردن والصومال وصوماليلاند وإثيوبيا، ويدرس ويحلل الطريقة التي تتعامل بها المفوضية مع اللاجئين في هذه البلدان والتحديات التي يواجهونها. كما يركز على الدور الذي تلعبه المفوضية والمنظمات الشريكة في توفير الحماية للاجئين اليمنيين والتعامل مع أوضاعهم بموجب الأطر القانونية الدولية المعمول بها. يتضح من أوجه القصور القائمة حاليًا وجود حاجة إلى إعادة تقييم الطريقة التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع اللاجئين اليمنيين.
يشير النشطاء واللاجئون إلى عدم تكافؤ الفرص في الوصول إلى الخدمات المكفولة بموجب القانون الإنساني والاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين، رغم حصول اليمنيين على بطاقات اللجوء الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويزعمون أن نسبة إعادة توطينهم لا تزال منخفضة مقارنة بغيرهم من اللاجئين من بلدان أخرى. وفقًا لنشطاء وملتمسي اللجوء، رفضت الولايات المتحدة ودول أوروبية استقبال اللاجئين اليمنيين أو إدراجهم في الحصص المخصصة لإعادة التوطين، رغم أن معظمها من الدول الموقعة على اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين. عزا العديد ممن جرت مقابلتهم ذلك إلى أسباب سياسية، لكن يبقى من الصعب إثبات مثل هذه المزاعم.
أدى تفشي جائحة كورونا إلى تراجع خدمات المفوضية المقدمة للاجئين في البلدان المضيفة، [10] مما أدى إلى توقف إصدار بطاقات اللجوء وتباطؤ عملية تجديدها، [11] الأمر الذي أوجد تحديات جديدة بما في ذلك صعوبات في الحصول على تصاريح الإقامة في تلك البلدان. بالتالي، أفضت هذه العراقيل البيروقراطية إلى مشاكل أكثر جدية مثل زيادة حالات الاعتقال بسبب انتهاء صلاحية تصاريح الإقامة.
يختتم هذا التقرير بتقديم عدد من التوصيات الهادفة للفت انتباه المجتمع الدولي إلى معاناة اليمنيين في البلدان المضيفة، ما قد يساعدهم في الحصول على مساعدات أفضل.
اعتمدت هذه الدراسة النوعية على إجراء مقابلات عبر تطبيق الزووم وتطبيقات مختلفة لتبادل الرسائل مع عدد من النشطاء المجتمعيين المسجلين كطالبي لجوء، لكن لم يحصلوا بعد على وضع لاجئ.[12] أطلق أولئك النشطاء مبادراتهم الخاصة لخدمة ودعم اللاجئين في ظل غياب الدعم الكافي من الجهات المعنية، وعلى هذا الأساس أُجريت مقابلات مع أربعة نشطاء مقيمين في مصر، وثلاثة في إثيوبيا، واثنين في الصومال، وثلاثة في الأردن، علمًا أن بعضًا من هذه المقابلات رُفدت باستبيان إلكتروني. اعتمدت الدراسة أيضًا على استطلاع للرأي (عبر الإنترنت) صُمّم للحصول على شهادات حية من طالبي اللجوء (الذين تم التواصل معهم عبر نشطاء مجتمعيين ملتمسين أيضًا اللجوء) عن تعامل المفوضية مع اللاجئين والصعوبات التي يواجهونها، بما في ذلك مدى تجاوبها مع طلبات لجوئهم وتوفير الحماية لهم. على هذا الأساس، وافق 78 شخصًا (من أصل 87 تم التواصل معهم) على المشاركة في استطلاع الرأي: 69 رجلًا و7 نساء و2 آخرين اختاروا عدم تحديد نوعهم الاجتماعي. وأخيرًا، عُقدت جلسات نقاش بؤرية عبر تطبيق الزووم مع عشر طالبات لجوء يمنيات مقيمات في مصر، وست سيدات وخمسة رجال في الأردن.
جرى التواصل مع مكاتب المفوضية في جنيف، ومصر، والأردن، وإثيوبيا عبر البريد الإلكتروني بطلب الإجابة على بعض الأسئلة الكتابية. لم تتجاوب سوى مكاتب مصر وأثيوبيا، في حين أحال مكتب جنيف أسئلة الكاتبة إلى مكاتب مصر والأردن، علمًا أن الأخير لم يتجاوب مطلقًا. فضلًا عن ذلك، اعتمدت الدراسة على البيانات والمعلومات المنشورة من قِبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى جانب الإحصائيات الواردة في تقارير إعلامية تناولت وضع اللاجئين اليمنيين. وقع الاختيار على مصر والأردن والصومال وصوماليلاند وإثيوبيا لإجراء الدراسة بسبب العدد الكبير من اللاجئين اليمنيين المقيمين هناك. واستند ترميز وتحليل البيانات إلى ثلاثة أبعاد رئيسية: آلية تعامل المفوضية مع اللاجئين اليمنيين وإجراءاتها المتبعة في ذلك؛ والتحديات التي تواجه اللاجئين؛ والأسباب المحتملة لادعاءات وجود تمييز ضد اللاجئين اليمنيين. تجدر الإشارة إلى أنه جرى حجب أسماء اللاجئين وطالبي اللجوء ونشطاء المجتمع المدني لأسباب أمنية ومراعاة للخصوصية.
تختلف إجراءات التسجيل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بحسب البلد الذي يُقدم طلب اللجوء فيه. تعتمد المفوضية إحدى الحالتين لمنح صفة لاجئ: حالة لجوء جماعية (استنادًا إلى دعوى ظاهرة الوجاهة) أو حالة لجوء فردية. في حالات اللجوء الفردية، يتعيّن على ملتمس اللجوء سرد واقعة تعكس تعرضه لاضطهاد شخصي في بلده الأصلي للحصول على صفة لاجئ. مثلًا في الصومال، يُطلب من الشخص المتقدم بطلبه إلى المفوضية تقديم أوراق ثبوتية، مثل جواز السفر أو بطاقة الهوية أو شهادة الميلاد؛ وتصدر المفوضية بطاقة طالب لجوء في نفس اليوم، وتعد إجراءات التسجيل بسيطة لليمنيين هناك -حيث يتلقون المساعدة في ذلك أحيانًا -لكن رغم ذلك يصعب حصولهم على مقابلة لتحديد وضع اللجوء أو إعادة توطينهم.[13] وفقًا لمكتب المفوضية في الصومال، يبلغ عدد اللاجئين اليمنيين هناك حوالي 7500 لاجئ، [14] في حين يوجد في صوماليلاند وحدها ما يقرب من 3 آلاف لاجئ.[15] توفر المفوضية الخدمات للاجئين في الصومال وصوماليلاند، حيث توجد هيئة تابعة للمفوضية في هرجيسا (عاصمة صوماليلاند) تُعنى بشؤون اللاجئين وتقدم معلومات إلى مكتب المفوضية في العاصمة الصومالية “مقديشو”، علمًا أن بطاقات اللجوء التي تصدرها تحمل شعار جمهورية صوماليلاند.[16] وفي حين ترفض الهيئات الحكومية الصومالية التعامل مع صوماليلاند كجمهورية مستقلة، يقوم النشطاء بإحصاء اللاجئين وتسجيلهم في البيانات الخاصة بالدولة.[17]
بالنسبة لطالبي اللجوء اليمنيين في إثيوبيا، يتعيّن عليهم تقديم طلب إلى إدارة شؤون اللاجئين والعائدين التي تقيّم طالبي اللجوء الوافدين وتراجع طلباتهم وتحيلها إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. يُقابل مقدم الطلب من قِبل إدارة شؤون اللاجئين والعائدين في غضون يومين من بدء المعاملة، وبعد أسبوعين، يُقابل مقدم الطلب في مكتب المفوضية حيث يُحدد ما إذا كان الطلب يستوفي المعايير وما إذا كان سيُمنح مقدمه وضع لاجئ.[18] في حال قُبل طلب اللجوء، تصدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بطاقة لجوء للشخص المعني.[19] بلغ عدد اللاجئين اليمنيين في إثيوبيا 2,489 لاجئًا بحلول نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وفقًا لما ذكره مسؤول في مكتب المفوضية بإثيوبيا، [20] إلا أن النشطاء المجتمعيين يؤكدون أن العدد أعلى من ذلك، ويتراوح ما بين 3200 و4000 لاجئ.[21]
تحتضن الأردن أكبر عدد من اللاجئين اليمنيين، حيث تشير التقديرات الرسمية إلى أن العدد الإجمالي يبلغ حوالي 13,800 لاجئ، [22] بينما يقدر النشطاء في الأردن أن الرقم يتراوح ما بين 14,750 و15,000 لاجئ.[23] يتعيّن على طالبي اللجوء، لدى وصولهم إلى الأردن، التوجه إلى مكتب المفوضية للتسجيل والحصول على وضع لاجئ كي يتمكنوا من استصدار الوثائق القانونية، [24] لكن وفقًا لناشط يمني في الأردن، أُغلق باب التسجيل لدى المفوضية فعليًا أمام جميع الجنسيات -باستثناء السوريين -منذ أواخر عام 2018.[25] [26]
وفقًا لمنظمة ساينت آندروز لخدمات اللاجئين، يُسمح لليمنيين في مصر بالتسجيل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وتقديم طلبات اللجوء، [27] حيث تصدر المفوضية بعدها الوثائق الكفيلة بحماية المتقدمين من الترحيل القسري والسماح لهم بتلقي الخدمات. لكن خلال المقابلات التي تُجرى معهم عند التسجيل، يُخضعون لما يُعرف بمقابلة التسجيل المكثفة، حيث تُقيّم المفوضية الظروف التي أجبرتهم على الفرار من اليمن بما يُمكنها من الوقوف على مدى أهليتهم لإعادة توطينهم. في مرحلة لاحقة، تتواصل المفوضية مع مقدمي طلب اللجوء وتستدعيهم لإجراء مقابلتين، إحداهما لتحديد وضع اللجوء والأخرى لإعادة التوطين.[28]
تقدر المتحدثة باسم المفوضية “رضوى شرف” عدد اليمنيين المسجلين كلاجئين في مصر بنحو 9579 شخصًا، [29] علمًا أن طالبي اللجوء يستطيعون التسجيل على أساس جنسيتهم عبر تقديم جواز سفر يمني أو بطاقة شخصية. يُمنح مقدمو طلب اللجوء شهرًا واحدًا للعودة لإجراء مقابلة أولية، وعلى أساسها تُصدر بطاقة “طالب اللجوء” أو البطاقة الصفراء.[30] من جهة أخرى، ما تزال عملية إعادة التوطين بطيئة للغاية؛ إذ يُعاد توطين نسبة لا تتجاوز 1٪ فقط سنوياً من اللاجئين من كل الجنسيات على مستوى العالم وفقًا لرضوى شرف.[31]
يدرج القانون الدولي أحكامًا تهدف إلى توفير الحماية للاجئين، حيث تنص المادة 73 من البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على ما يلي: “وجوب حماية الأشخاص الذين كانوا من دون وثيقة تثبت انتمائهم لدولة الإقامة أو كانوا لاجئين ومن دون تمييز”.[32] [33] كما تُلزم اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين الدول الأطراف الموقعة بحماية طالبي اللجوء والتعامل معهم بشكل منصف ودون تمييز، [34] ومن هذا المنطلق، يرى بعض المراقبين أن الحق في الحماية وإعادة التوطين حق بديهي من حقوق الإنسان[35] لكن عادة ما يتم تسييس قضايا اللاجئين وصياغة السياسات المرسومة للتعامل معهم وفقًا لذلك، الأمر الذي يترتب عليه عواقب وخيمة على ملتمسي اللجوء.[36]
ورغم عدم توفر إحصاءات دقيقة، يعتقد النشطاء أن عددًا ضئيلًا جدًا من اللاجئين اليمنيين أُعيد توطينهم، وأن هناك تجاهلًا غير عادي لليمنيين حتى في الحالات التي تستدعي تدخلًا عاجلًا.[37] [38] تختلف معاملة اللاجئين اليمنيين من بلد إلى آخر، إلا أن اللاجئين اليمنيين ممن تواصل معهم النشطاء المجتمعيون وصفوا الاستجابة الإنسانية الدولية، وخدمات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بغير الكافية بصفة عامة.
وفق ما أفاد به نشطاء يمنيون من طالبي اللجوء في الصومال، لم يُعاد توطين أي لاجئ يمني هناك منذ عام 2015.[39] في هذا السياق، أشار أحد النشطاء في الصومال إلى أن النظر في طلبات اللاجئين اليمنيين متوقف منذ سنوات ورغم وجود حالات تستوفي شروط إعادة التوطين، إلا أنه لم يُتخذ أي إجراء حيالها. وكلما طالت فترة انتظار اللاجئين في البلد، تعددت المشاكل التي يواجهونها.
قال أحد اللاجئين في صوماليلاند: “المساعدات التي نحصل عليها محدودة جدًا، ولا يوجد أي تجاوب معنا. الكثير منا لا يمكنهم العودة إلى اليمن لوجود تهديدات بالقتل، بل إن البعض قُتل أهلهم بالفعل وفُجرت منازلهم. يتعرض اليمنيون لمعاملة سيئة للغاية في صوماليلاند من حيث فرص العمل والأوضاع المعيشية، وباتت فكرة الانتحار تراودني باستمرار للخلاص من جحيم الإهمال والتهميش”.[40]
يُلقي البعض باللوم على المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في محنتهم، حيث تقول إحدى اللاجئات: “يوجد تجاهل تام لنا ولحقوقنا من قِبل المفوضية السامية ويتم التعامل معنا بلا مبالاة…فلا خدمات ولا حتى حقوق أساسية، كالتعليم والصحة والحماية”.[41] فضلًا عن ذلك، يعاني اللاجئون في الصومال من الاضطهاد والتمييز العنصري من قِبل رجال الشرطة والعصابات، واشتكت إحدى اللاجئات قائلة: “لا يوجد أمان حيث نتعرض للنهب والسرقة تحت تهديد السلاح”.[42]
تشكل اللغة عائقًا آخر أمام اللاجئين، حيث ذكر بعضهم أنهم يواجهون صعوبة في التواصل مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والحصول على تعليمات في كيفية ملء استماراتهم كون الاستمارات مكتوبة باللغتين الإنجليزية والصومالية فقط.[43] تقول إحدى الناشطات في الصومال: “نعاني كنشطاء وكلاجئين يمنيين من صعوبة في مزاولة أنشطتنا بسبب اختلاف اللغة التي تُعد عائقًا كبيرًا أمام الكثيرين”، وتضيف “تلقيت تهديدًا بالقتل بسبب نشاطي وطُلب مني البقاء في المنزل. أبلغت المفوضية والشرطة، لكنني لم ألقَ أي تجاوب”.[44] يقول ناشط آخر مقيم في الصومال: “العمل هنا صعب للغاية، ناهيك عن العنصرية التي نتعرض لها والمحسوبية الممارسة من قِبل الصوماليين والبلدية”.[45]
ذكر ناشط في صوماليلاند أن المكتب الفرعي للمفوضية في هرجيسا يدرج اللاجئين الصوماليين الذين كانوا في اليمن ويمتلكون حاليًا جوازات سفر يمنية على قوائم اللاجئين اليمنيين، مشيرًا إلى أن أولئك الصوماليين يُمنحون الأولوية في تلقي الخدمات وإعادة التوطين، في حين يقتصر خدمة اللاجئين اليمنيين على إصدار بطاقة لجوء لهم ولا يُدرجون في برنامج إعادة التوطين. يتلقى اللاجئون اليمنيون خدمات ضئيلة أو معدومة، باستثناء الحق في الإقامة التي تتيحها البطاقة الصادرة عن المفوضية.[46] قال الناشط إنه عُومل بلا مبالاة وتلقى تهديدات بالقتل، وأدى به الأمر إلى الاعتصام والإضراب عن الطعام أمام مكتب المفوضية.[47]
يقول لاجئ يمني آخر في الصومال “لا توجد فرص عمل ولا دعم من المفوضية، نحن كالمشردين في هذه البلاد”.[48] تتاح فرصة العمل في بعض المشاريع الصغيرة، إلا أنها تدعم اللاجئين بصورة محدودة حيث يتم اختيار مائتي مستفيد من أصل 1000 ويتم منحهم 400 دولار أمريكي لتنفيذ مشروع ما، لكن هذا لا يكاد يسد احتياجاتهم المعيشية علمًا أن الإيجارات قد تصل إلى 100 دولار أمريكي. كما أن مشاريع بناء القدرات والتمكين لا تخلو من أوجه قصور، مثل ماكينات الخياطة التي لا تعمل.[49] على هذا الأساس، من غير المتوقع أن يجد اللاجئون اليمنيون وظيفة، ما لم يكن لديهم شبكة من المعارف وهو أمر نادر الحدوث.
اللاجئون اليمنيون في الصومال يتلقون بعض الخدمات الطبية والمنح الدراسية، [50] كما يتلقى عدد قليل منهم ما يصل إلى 60 دولارًا أمريكيًا كمساعدات مالية، بينما قد تحصل بعض الأسر على ما يصل إلى 100 دولار أمريكي.[51]
لا تختلف تجربة اللاجئين اليمنيين في إثيوبيا عن أقرانهم في الصومال. يتلقى بعض اللاجئين مساعدة مالية من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وإن كانت لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية، حيث تتراوح المساعدات المقدمة للأسر بين 40 و100 دولار أمريكي، حسب عدد أفرادها.[52] يقول أحد اللاجئين هناك: “نحصل على مخصص شهري، لكنه بالكاد يكفي حتى منتصف الشهر”.[53]
ووفقًا لناشط سابق وطالب لجوء في إثيوبيا، أُعيد توطين أربع أو خمس حالات لجوء يمنية فقط خلال فترة أربع سنوات، وهو رقم ضئيل جدًا مقارنة بمعدلات إعادة توطين الجنسيات الأخرى -على حد قوله.[54] أُوقف واحتُجز عدد من اللاجئين اليمنيين في إثيوبيا وجرى التحفظ على جوازات سفرهم -وهذا أمر شائع بشكل خاص بالنسبة لأولئك الذين دخلوا عبر الصومال. اضطر اللاجئون الذين انتهت مدة صلاحية تصاريح إقامتهم إلى دفع غرامات بسبب جهلهم بالقوانين واللوائح، ولم تقدم السفارة اليمنية أي مساعدة تذكر في هذا الشأن. كما أن اختلاف اللغة والثقافة يشكلان تحديًا كبيرًا للاجئين اليمنيين في إثيوبيا، ويحد من قدرتهم على الاندماج مجتمعيًا، وفقًا لأحد النشطاء.[55] تشتكي إحدى اللاجئات قائلة: “نعاني كثيرًا في إثيوبيا كونها دولة غير عربية، ومن الصعب التأقلم فيها بسبب اختلاف اللغة. ربما يسهل ذلك على الأطفال، (الذين) يمكنهم تعلم اللغة بسهولة، وعلى أولئك الذين لهم أقارب في إثيوبيا…لكننا نعاني هنا”.[56]
نظم عدد من اللاجئين اليمنيين وقفة احتجاج أمام مكتب المفوضية بإثيوبيا في أغسطس/آب 2016؛ للفت الانتباه إلى أوضاعهم المتردية، منددين بما وصفوه باللامبالاة والتهميش والحرمان من حقوقهم، ومطالبين المفوضية بتبرير قراراتها بشأن ملتمسي اللجوء وطلبات إعادة التوطين.[57]
جدير بالذكر أن اليمنيين هاجروا منذ القِدم إلى دول شرق أفريقيا، مع تنامي موجات الهجرة تلك منذ نهاية القرن التاسع عشر. غالبًا ما تربط اليمنيين ذوي الأصول المختلطة -ويُشار إليهم باللهجة اليمنية بالمَُّولدين -أواصر علاقات أسرية في هذه البلدان.[58] على سبيل المثال، استقر أحد المستطلعة آراؤهم -ويبلغ من العمر 31 عامًا -في صوماليلاند عام 2012، بعد لمّ شمله مع أفراد أسرته، لكن ما لبث أن انتقل إلى الأردن للتسجيل لدى مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هناك في ظل تضاؤل فرص إعادة التوطين في هرجيسا. هذا يعكس الطبيعة غير المتسقة لظاهرة هجرة اليمنيين التي تتنامى مع تغيير البلدان المضيفة لسياساتها.
تشمل الخدمات المقدمة للاجئين اليمنيين في الأردن مساعدات شتوية وقسائم غذائية بقيمة 30 دولارًا أمريكيًا شهريًا، في بلد تُعد تكاليف المعيشة مرتفعة فيه. يتلقى اللاجئون المسجلون (وعددهم ضئيل جدًا) مساعدة شهرية تبلغ حوالي 180 دولارًا أمريكيًا، وبالكاد يغطي المبلغ قيمة الإيجار وفواتير المياه والكهرباء والاحتياجات الأساسية.[59] يجد البعض وظائف لكن برواتب متدنية للغاية كونهم لا يملكون تصاريح عمل، مما يجعلهم غالبًا عرضة للاستغلال في مكان العمل وقد لا يتلقون كامل رواتبهم، بل وأحيانًا يتعرضون للتحرش الجنسي. في هذا السياق يقول أحد الناشطين وهو أيضًا طالب لجوء في الأردن: “من الصعب إيجاد فرص عمل في الأردن، (باستثناء) التطوع في منظمة أو مؤسسات أخرى نعمل فيها مقابل أجر بسيط للغاية”.[60] في مقابل إصدار تصاريح عمل، يُطلب من المتقدمين التنازل عن بطاقات اللجوء الخاصة بهم، الأمر الذي يجعلهم عرضة للترحيل وفقدان أهليتهم لإعادة التوطين.[61]
عزا أحد اللاجئين في الأردن سبب انعدام فرص إعادة التوطين إلى المساعي السياسية للحكومة اليمنية ودول التحالف للتستر على الوضع المأساوي للاجئين اليمنيين، حسب ترجيحه، إلا أنه يصعب إثبات مثل هذه المزاعم. رجح نفس اللاجئ أن الحكومة اليمنية والتحالف لا يرغبون بأن يُعرّف اليمن كساحة حرب، بل كبلد يعاني صراعات محصورة محليًا، وهو ما ينعكس على أهلية اللاجئين لإعادة التوطين.[62] يزعم ناشط في الأردن أن “السبب وراء عدم منح أولوية لإعادة توطين اللاجئين اليمنيين في بلد ثالث -عكس غيرهم من طالبي اللجوء من الجنسيات الأخرى -هو أن البلدان لا تعتبر الوضع في اليمن كارثة إنسانية، بل أزمة”.[63]
فضلًا عن ذلك، يواجه اللاجئون اليمنيون في الأردن خطر الترحيل القسري، حيث يشير تقرير لمنظمة العفو الدولية أن الحكومة الأردنية أصدرت توجيهات للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بعدم الاعتراف بأي لاجئين باستثناء السوريين، وهو ما يحرم اليمنيين من حقوقهم الإنسانية ويجعلهم عرضة للترحيل.[64] وفقًا لاتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، “لا يجوز لأي دولة متعاقدة أن تطرد لاجئًا أو ترده بأي صورة من الصور”، [65] إلا أن منظمة العفو الدولية ذكرت أن “السلطات أصدرت معظم قرارات الإبعاد بعد أن حاول اليمنيون التقدم بطلب للحصول على تصاريح عمل، وتصويب وضعهم كمهاجرين في البلاد”.[66] تؤثر هذه السياسات على أعداد هائلة من الأشخاص، إذ تفيد المفوضية بأنه “حتى 16 مارس/آذار 2021، استضاف الأردن 13,843 لاجئًا وطالب لجوء يمني”.[67]
أشار ناطق باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لموقع عمّان الغد إلى صدور قرارات إبعاد بحق عدد من اللاجئين اليمنيين لمخالفتهم قانوني العمل والإقامة، وأن المفوضية تواصلت مع الحكومة الأردنية لإيجاد حلول.[68] في غضون ذلك، ما يزال طالبوا اللجوء يعيشون في وضع غير مستقر، حيث قالت طالبة لجوء وهي أم لأربعة أطفال: “تقدمت بطلب إلى المفوضية قبل ثلاث سنوات وما زلت أنتظر ردًا إما بقبول أو رفض طلبي. أخشى الخروج من المنزل لأنني لا أمتلك تصريح إقامة”.[69]
يقول أحد النشطاء وهو طالب لجوء في مصر إن عملية التسجيل وإعادة التوطين متوقفة هناك، مستطردًا “الأسباب غير واضحة، فاليمنيون لا يستطيعون الحصول على مقابلة لتحديد وضع اللجوء أو الحماية أو إعادة التوطين للحالات التي تستوفي المعايير، بل يتم وعدهم (بذلك)، وتمر السنوات دون أي جديد. نسمع دائمًا من موظفي المفوضية بأن اليمنيين غير مؤهلين لإعادة التوطين وأن الدول الغربية ترفض استقبالهم، دون تقديم أي تفسير إضافي”.[70]
تُعد مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين غير مخوّلة باتخاذ قرارات إعادة توطين اللاجئين والمهاجرين، فالأمر متروك لكل بلد لقبول الطلبات.[71] يقول أحد النشطاء في مصر: “خلال اجتماعنا مؤخرًا مع المفوضية وموظفي الإدارة المسؤولة عن تحديد وضع اللاجئ، قيل لنا إنه من غير المرجح أن يحصل اليمنيون في مصر على مقابلة لتحديد وضع اللجوء على غرار اللاجئين من جنسيات أخرى. لم يقدموا أي سبب يشرح سبب حرمان اللاجئين اليمنيين في مصر من إعادة التوطين. من الواضح أن اللاجئين اليمنيين يتعرضون للتمييز”.[72] إلا أن قلة فرص إعادة التوطين ينطبق على جميع الجنسيات؛ إذ يُعاد توطين شخص واحد من بين كل مائة لاجئ.
يقول رجل إن شقيقه البالغ من العمر 22 عامًا وصل إلى القاهرة عام 2018 وسجل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العام نفسه. كان الشاب يعاني من مشكلات صحية بسبب تعرضه لحادث سير، ويقول شقيقه إن تلقي المساعدة الملائمة كانت بعيدة المنال:
“كنا نقف لساعات أمام مكتب المفوضية ومنظمة كاريتاس الدولية ونعود إلى المنزل دون الحصول على أي مساعدة. بعد عدة محاولات، ذهبنا إلى منظمة سانت آندروز، وهي إحدى المنظمات التي تتخذ من مصر مقرًا لها وتقدم المساعدة للاجئين والمهاجرين، حيث طلبت منا إجراء العديد من الفحوصات وتقديم تقارير طبية. أُخضعنا لمقابلات عدة عن طريق محامٍ أجنبي، وأُحلنا إلى طبيب عن طريق المنظمة الذي أكد أن حالة أخي آخذة في التدهور وأن علاجه غير متوفر في مصر، وهو ما يستدعي إعادة توطينه للعلاج في مركز متخصص. وبعد أربع سنوات من اللامبالاة، تفاقمت مشكلته الصحية نتيجة استخدام العديد من الأدوية، وبدأ يعاني من التهاب الكبد واختلال الإنزيمات في الجسم، ناهيك عن تدهور حالته النفسية”.[73]
يضيف شقيقه أنه قرر في نهاية المطاف سحب الطلب والعودة إلى اليمن “للموت…في حضن والدته”، وحين قدم خطاب إلى المفوضية يوضح فيه سبب رغبته في إغلاق ملفه، فوجئ باستجابة المفوضية السريعة وقبولها إغلاق الملف في غضون يومين. يزعم الشقيق أن المفوضية مارست التمييز ضده بسبب جنسيته، قائلًا ” لم يُنظر في ملفنا لأننا نحمل الجنسية اليمنية، لو كان أخي سوريًا أو سودانيًا أو من أي جنسية أخرى، لأُعيد توطيننا وحصلنا على التسهيلات اللازمة”.[74]
نددت لاجئة أخرى في مصر بما اعتبرته تقاعس المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن توفير الحماية للاجئين اليمنيين، قائلة: “لنا حقوق شأننا شأن الآخرين، ولسنا راضين عن الطريقة التي يتم التعامل بها معنا والتمييز الممارس ضدنا. أحد أبسط حقوقنا هو الحصول على الحماية، لكن للأسف لا يتم حمايتنا ويتم تجاهلنا عند التواصل معهم. واجهت مشاكل كثيرة واتصلت بالمفوضية ومنظمة أنقذوا الأطفال (Save the Children) لكن للأسف لم يقدم لنا أحد أي مساعدة”.[75] تقول لاجئة يمنية أخرى في مصر إن مجهولين حاولوا اختطاف حفيدتها وإنها قدمت للمفوضية دليلًا على ذلك لكن الأخيرة لم تتخذ أي إجراء حيال الموضوع، [76] في حين أشارت لاجئة أخرى في مصر إلى ما اعتبرته معاملة مجحفة على أساس الجنسية: “تعرض ابن إحدى اللاجئات الإريتريات للضرب في المدرسة وأبلغوا المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي أحالت الصبي إلى الدعم النفسي وأُعيد توطينهم في هولندا. يأتي هذا في ظل اللامبالاة المتكررة إزاء معاناتنا كما لو أننا غير بشر. أنا أم لثلاثة أطفال محرومين من الدراسة ويبقون في المنزل. (الإيجارات) مُكلفة ووضعنا سيئ”.[77]
يتلقى اللاجئون اليمنيون في مصر الخدمات الطبية ويحصلون على منح دراسية ويُسمح لهم بالالتحاق بالمدارس الحكومية. فضلًا عن ذلك، تتلقى عدد من الأسر في مصر مساعدات غذائية بحسب عدد أفرادها، [78] إلى جانب المساعدات الشتوية.[79] لكن بحسب نشطاء، أدى تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية إلى ارتفاع معدلات العنف الأسري، وأصبحت النساء غير المعيلات يواجهن صعوبات جمة بما أنهن غير مشمولات في الدعم الذي تقدمه المفوضية، رغم أن العديد منهن تقدمن بطلب لتحديد وضع اللجوء.[80] تقول إحدى اللاجئات في هذا السياق: “للأسف يعاملوننا بازدراء ولا إنسانية”.[81]
خفضت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد موظفيها بنسبة 50٪ بسبب القيود المفروضة لاحتواء جائحة كورونا، الأمر الذي منع اللاجئين من تسجيل أنفسهم أو تجديد بطاقاتهم أو تصاريح إقامتهم. أدى ذلك بدوره إلى حالات توقيف واحتجاز بسبب انتهاء صلاحية الإقامة.[82] في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، نظم عدد من اللاجئين اليمنيين احتجاجًا أمام مكتب المفوضية في القاهرة، منددين بأوضاعهم المتدهورة ومطالبين بتفسير لما يصفونها باللامبالاة التي تعاملهم بها المفوضية.[83]
بلغ عدد الاستبيانات الواردة 112 استبيانًا. حُذف 34 استبيانًا لعدم اكتمال الإجابات عليها على النحو المطلوب أو التكرار أو عدم إبداء الشخص موافقة مستنيرة عند تعبئتها. عكست الردود قدرًا عالٍ من الإستياء من معاملة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وخدماتها، حيث تشابهت الانطباعات نوعًا ما في جميع البلدان المضيفة المشمولة في هذا البحث: إثيوبيا والصومال وصوماليلاند ومصر والأردن.
الشكل 1.
تباينت الردود بشكل كبير على السؤال المطروح حول مدى صعوبة التسجيل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بين اللاجئين المقيمين في الأردن والبلدان المضيفة الأخرى. في الأردن، أكد 68٪ من المستطلعة آراؤهم وجود صعوبة في التسجيل، مقابل 28٪ فقط من المجيبين في البلدان المضيفة الأخرى. هذا يتوافق مع التقارير التي تفيد بتوقف تسجيل طالبي اللجوء اليمنيين في الأردن. فضلًا عن ذلك، أكد 87٪ من طالبي اللجوء اليمنيين بأنهم لا يتلقون أي دعم من مصادر غير رسمية أخرى، كالجمعيات الخيرية اليمنية أو العربية أو الأقارب، في حين ذكر نصفهم عدم إلمامهم بالخدمات التي تقدمها المفوضية.
الشكل 2.
تم تحليل البيانات الواردة من استطلاع الرأي باستخدام برنامج لتحليل البيانات النوعية (الترميز الاستقرائي)، وتمحورت المواضيع الرئيسية حول ما يلي:
الشكل 3.
ذكر المجيبون في البلدان المضيفة غير الناطقة بالعربية أن عدم إلمام طالبي اللجوء اليمنيين باللغة الإنجليزية أو لغة البلد المضيف يشكل عائقًا أمامهم ويحد من قدرتهم على ملء الاستمارات بالشكل الصحيح، والتواصل مع موظفي المفوضية، والعثور على وظائف.
كما برزت مسألة صعوبة العثور على وظيفة أو صعوبة استصدار تصريح عمل، حيث اشتكى المجيبون من عجزهم عن استصدار تصاريح عمل أو قلة فرص العمل في البلدان المضيفة.
كما وردت إفادات عن العيش في بيئات غير آمنة، حيث أشار عدد قليل من المجيبين إلى تعرضهم لاعتداءات عنيفة، ومحاولات ابتزاز تحت تهديد السلاح، وسرقة أموالهم أو مقتنايتهم، أو تعرضهم للضرب على أيدي أفراد الشرطة.
في معرض تعليقهم على خدمات المفوضية، اشتكى المجيبون من عدم وجود موظفي المفوضية بينما ذكر البعض أن جائحة كورونا صعّبت التواصل عمومًا مع موظفي المفوضية.
أعرب المجيبون عن شعور عميق بالتمييز ضدهم كطالبي لجوء يمنيين، وغالبًا ما قارنوا أنفسهم بجنسيات أخرى مما يشير إلى صعوبة الاعتراف باليمنيين كلاجئين مقارنة باللاجئين من عرقية الأورومو (إثيوبيا) أو اللاجئين السوريين. ألمح عدد قليل منهم إلى أن الدول تنأى بنفسها عن الاعتراف باليمنيين كلاجئين كون ذلك سيُفسّر كاعتراف باليمن ساحة حرب، وبالتالي لوم مُبطن للتحالف العربي بقيادة السعودية على محنة اليمنيين. جرى التعبير عن ذلك أيضًا خلال المقابلات التي أُجريت مع نشطاء المجتمع المحلي من ملتمسي اللجوء. ورغم صعوبة إثبات هذه المزاعم ، بدا أن هذا التصور شائع بين اللاجئين إلى حد ما.
الشكل 4.
ردًا على سؤال حول الخدمات التي تلقوها من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أكد 41٪ من المجيبين أنهم لم يتلقوا أي خدمات، في حين ذكر 29٪ أنهم تلقوا نوعًا من الدعم المالي بمبالغ تتراوح بين 60 و70 دولارًا أمريكيًا في الشهر. ذكر البعض أنهم تلقوا مساعدات شتوية، وخدمات أخرى (لكن بدرجة أقل) مثل البطاقات الصفراء و كوبونات الغذاء والأدوية والتعليم أو التدريب المهني.
الشكل 5.
يقدم الباحثون جملة من الأسباب لما يعتبرونه تمييزًا في معاملة اللاجئين اليمنيين، حيث يشير أحمد البدوي -رئيس المؤسسة المصرية لدعم اللاجئين -إلى أن عدد اللاجئين اليمنيين الذين أُعيد توطينهم لا يكاد يذكر، مضيفًا أن طلبات إعادة توطينهم عادة ما تُرفض من قِبل الدول الأجنبية بسبب اعتبارات تتعلق بتصنيف المجتمع الدولي للحرب على أنها صراع محلي. بحسب البدوي، تصنف تلك الدول أن 80٪ من الأراضي اليمنية مناطق آمنة فعليًا حيث يُمكن لليمنيين الانتقال إليها والاستقرار فيها، على عكس وضع الحرب الأهلية في سوريا. وأشار إلى أن هناك سببًا آخر لرفض إعادة توطين اليمنيين قد يشمل ربط اليمن بالإرهاب، مضيفًا أن التمويلات المتدفقة تعطي الأولوية لجنسيات معينة، لذلك قد يحصل اليمنيون على بعض التدريب لكنهم يحرمون من المشاركة في مشاريع أخرى، حيث يتم تخصيص التمويل لجنسيات أخرى.[84]
في إطار الأبحاث التي تجريها عن اليمن، تؤكد بوغوميلا هول -الأستاذة المساعدة في الأكاديمية البولندية للعلوم في وارسو -أن العنصرية وربط اليمنيين بالإرهاب هي بعض الأسباب التي تحول دون إدراج اليمنيين ضمن الحصص المخططة لإعادة توطين اللاجئين.[85] في تقرير يتناول وضع اليمنيين في لبنان، قال مصدر في الأمم المتحدة: “لسوء الحظ، اليمنيون غير مدرجين في قائمة أبرز الدول. تسيطر تلك البلدان على عملية إعادة التوطين، وتلعب السياسة دورًا كبيرًا في ذلك، إذ يُعد اليمن مشكلة (بالنسبة للسعودية)، بينما ضغط الوضع في سوريا بشكل كبير على أوروبا بسبب تدفقات اللاجئين من تركيا، لكن الوضع في اليمن لا يُعد مشكلة ملحة بالنسبة لمثل هذه البلدان. بالتالي، (سيُركزون) دائمًا على حل المشاكل التي تؤثر عليهم داخليًا”.[86]
بحسب أحد النشطاء، هناك سبب آخر لعدم إعطاء اللاجئين اليمنيين الأولوية وهو أنهم غير مؤهلين باعتبارهم تحت رعاية دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة السعودية، التي تقدم لهم الدعم.[87] من هذا المنطلق، يمكن ربط عدم الاعتراف باليمنيين كلاجئين ولو جزئيًا بالمصالح الجيوسياسية والإذعان للقوى الإقليمية، لكن بشكل عام، يجهل اللاجئون اليمنيون سبب قلة فرص إعادة توطينهم في الوقت الذي توجد فيه حالات تستوفي المعايير المعلنة.
قدمت مكاتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، من جانبها، أسبابًا مختلفة للوضع الراهن وللاستياء بين اللاجئين، حيث نفت المتحدثة باسم مكتب المفوضية في إثيوبيا عدم أهلية اليمنيين لإعادة التوطين، مؤكدة أن كل من يستوفي المعايير يُعد مؤهلًا، اعتمادًا على ما إذا كانت هناك حصة كافية مخصصة من قِبل البلدان لإعادة توطينهم، وما إذا كانت تلك البلدان تقبل أفرادًا مُعينين أم لا. كما شددت على أحقية اليمنيين بالتقدم بطلب لجوء والاعتراف بهم كلاجئين، وفقًا لأحكام الاتفاقيات الدولية والوطنية ذات الصلة، مشيرة إلى أن جميع المواطنين اليمنيين الذين قدموا إلى إثيوبيا منذ 1 يناير/ كانون الثاني 2015 حصلوا على اعتراف كلاجئين منذ الوهلة الأولى (على أساس دعوى ظاهرة الوجاهة).[88]
تناولت رضوى شريف، المتحدثة باسم مكتب المفوضية السامية في مصر، وضع اللاجئين هناك: “تُمنح الأولوية للحالات التي تحتاج إلى الحماية. إعادة التوطين هي واحدة من ثلاثة حلول مستدامة تُمنح للاجئين، لكن يتعيّن على المفوضية مراعاة معايير البلد المضيف. ففي حين توصي المفوضية بإعادة التوطين، يبقى القرار النهائي بالقبول أو الرفض بين يدي البلدان التي تستقبل اللاجئين المراد إعادة توطينهم. بشكل عام، يُعاد توطين واحد في المائة فقط من اللاجئين من كافة الجنسيات على مستوى العالم. فضلًا عن ذلك، تخضع مسألة إعادة التوطين لمجموعة من المعايير المعقدة التي يجب استيفاؤها لقبول طلب اللاجئ وملتمس اللجوء، حيث تختلف من بلد إلى آخر. تمر العملية بعدّة مراحل، بما في ذلك المقابلات الشخصية لضمان المصداقية، ويتمثل دور المفوضية في تقديم “توصية” أو “عرض” الحالات، إلا أن القرار النهائي يُتخذ من قِبل السلطات المختصة في البلد الذي سيُعاد توطين اللاجئ فيه”.[89] من جهة أخرى، أكدت المتحدثة باسم مكتب المفوضية في إثيوبيا أن معايير وشروط اللجوء وإعادة التوطين تنطبق على جميع الجنسيات.[90]
رغم تأكيدات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بعدم التمييز في المعاملة ضد اليمنيين مقارنة بغيرهم من اللاجئين وطالبي اللجوء، يشير النشطاء في البلدان المضيفة إلى تعليق البت في إجراءاتهم وافتقار اللاجئين اليمنيين للحماية وفرص إعادة التوطين، بمن فيهم ذوو الاحتياجات الصحية والنساء المعرضات للخطر. كما يؤكد النشطاء أن عدد اللاجئين اليمنيين الذين أُعيد توطينهم حتى الآن لا يكاد يُذكر.
يفضّل عدد من اللاجئين اليمنيين الحصول على تصاريح إقامة بموجب جوازات سفرهم، رغم التكلفة الباهظة المترتبة على ذلك، ويُعزى ذلك إلى أن الحصول على الإقامة بموجب بطاقات اللجوء الصادرة عن المفوضية السامية لا يَسمح لهم بالسفر والتنقل. يعاني اللاجئون اليمنيون من تردي ظروفهم الاقتصادية، وغلاء أسعار الإيجارات، وانعدام فرص العمل، وتنامي الفقر. يجد البعض فرصة عمل في مطاعم ومقاهي ومحلات تجارية مملوكة ليمنيين. وفي ظل الافتقار إلى الرعاية الصحية والخدمات التعليمية، بات مستقبل العديد من الأطفال والشباب في غياهب المجهول.
تسببت جائحة كورونا في أزمة إنسانية ومالية عالمية فاقمت من تدهور أوضاع اللاجئين، حيث تغيرت سياسات المفوضية بسبب تنفيذ تدابير احترازية لاحتواء الجائحة، وبات من الصعب على اللاجئين وطالبي اللجوء التواصل مع المفوضية وغيرها من المنظمات بسبب تلك التدابير. كان التواصل وحجز المواعيد يتم فقط عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني أو تطبيق زووم، وواجه الوافدون الجُدد صعوبات في الحصول على موعد لتقديم طلب التسجيل لدى المفوضية.[91] أدى تفشي الجائحة إلى تفاقم محنة اللاجئين في ظل غياب الدعم، وارتفاع نسبة البطالة حيث أُغلقت العديد من المحال التجارية والمطاعم التي كان يعمل فيها معظم اللاجئين بأجر يومي. تتحمل البلدان النامية العبء الأكبر من تدفقات اللاجئين، حيث تستقبل أعدادًا كبيرة من اللاجئين في بيئات يصعب فيها العثور على وظائف أو الرعاية الصحية الجيدة. على هذا الأساس، من الضروري اعتماد تغييرات ملموسة للتخفيف من وطأة الظروف الصعبة التي يعيش في ظلها اليمنيون وغيرهم من اللاجئين في البلدان المضيفة، وضمان تمتعهم بحقوقهم القانونية (المنصوص عليها في القانون الدولي) على أساس منصف.