ملاحظة المحرر: فيما يلي النسخة الصيفية المختصرة من تقرير اليمن والتي تقدم للقراء أبرز التطورات السياسية والعسكرية والاقتصادية خلال شهر يوليو/تموز. سيستأنف تقرير الشهر المقبل التغطية المعتادة التي تشمل مقالات وتحليلات.
افتتاحية مركز صنعاء
حملة الرياض غير الأخلاقية لتطهير العمالة اليمنية
بدأت السعودية مؤخرًا حملة تطهير لمؤسساتها الحكومية من اليمنيين العاملين في المملكة منذ عقود. يبدو أن تأثير هذه السياسة قد يتوالى على سوق العمل السعودي، وعلى الأرجح سيؤثر على مئات الآلاف من اليمنيين في المملكة والملايين من أفراد أسرهم باليمن الذين يعتمدون على التحويلات المالية لتأمين المعيشة.
هذه التحويلات تلعب دورًا فعّالًا ومهمًّا لا غنى عنه في دعم ما تبقى من اقتصاد اليمن، وبالتالي فإن طرد العمال اليمنيين -إذا سُمح له بالاستمرار بهذه الوتيرة- سيقوّض على الأرجح إمكانية تماسك الجمهورية اليمنية وصمودها بعد الحرب. من شبه المؤكد أن انخفاض التحويلات سيفاقم الأزمة الإنسانية وعدم الاستقرار الاجتماعي والنزاع المسلح لسنوات.
أصدرت المملكة توجيهات لمؤسسات الدولة برفض تجديد عقود العمل لليمنيين. التقارير أفادت عن تسريح جماعي لأكاديميين يمنيين من جامعات في نجران وجازان وعسير والباحة خلال شهر يوليو/تموز، وهي ليست سوى مثال بسيط عمّا يحدث، ففي الوقت الذي يبدو أن المملكة تركز على تطهير العمال اليمنيين من مدنها الجنوبية المجاورة لليمن، إلا أن تقارير تفيد عن فقدان اليمنيين لوظائفهم في أنحاء المملكة. ونظرًا لمركزية الاقتصاد السعودي وحقيقة أن جزءًا كبيرًا من القطاع الخاص يعتمد على المؤسسات السعودية ويتعاقد معها، فإن تأثير هذه السياسة السعودية الجديدة سينعكس بشكل شبه مؤكد على سوق العمل بأكمله. وبالتالي من المحتمل أن يُجبر مئات الآلاف من اليمنيين وعائلاتهم في المملكة على المغادرة.
خلال الطفرة الاقتصادية التي شهدتها المملكة في السبعينيات والثمانينيات بفضل النفط، شكل اليمنيون نسبة مرتفعة من العمال الذين ساعدوا في بناء السعودية. حتى عام 1990، كان اليمنيون قادرين على دخول المملكة دون تأشيرة متمتعين بحرية التنقل والقدرة على العمل دون كفيل في أي مكان بالسعودية.
عقب الوحدة بين شمال اليمن وجنوبه عام 1990، مُنحت الجمهورية المشكلة حديثًا مقعدًا ضمن المقاعد العشرة غير الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وفق قاعدة التناوب. امتنع اليمن عن التصويت في المجلس على قرار أجاز التدخل العسكري بقيادة الولايات المتحدة لطرد القوات العراقية من الكويت، الأمر الذي أغضب السعوديين الذين ردوا بإلغاء إعفاء اليمنيين من الحصول على تأشيرة للدخول إلى المملكة، وطرد ما يقدر بمليون عامل يمني. أدى غياب التحويلات المالية وعودة اليمنيين إلى اليمن بعد خسارة وظائفهم إلى انكماش الاقتصاد وتقلب اجتماعي لم يتعافَ منه اليمن بشكل كامل حتى يومنا هذا.
ارتفع عدد اليمنيين العاملين في المملكة تدريجيًّا في العقود التالية. ولكن منذ الربيع العربي عام 2011، وتحديدًا في السنوات الماضية، كثفت الرياض حملتها لتوطين القوى العاملة عبر تصعيب عمل الوافدين في المملكة تدريجيًّا مثل زيادة تكاليف الإقامة والمتطلبات البيروقراطية لجميع العمال غير السعوديين وطرد العمال غير الموثقين. أجبرت هذه الإجراءات عشرات الآلاف من اليمنيين على العودة إلى بلادهم، فيما زادت الحرب المستمرة من التأثير السلبي لخسارة التحويلات المالية. وكما وثّق مركز صنعاء سابقًا، أدى توقف صادرات النفط على نطاق واسع في اليمن والتدخل العسكري بقيادة السعودية عام 2015 إلى تسارع انهيار الاقتصاد ونقص في العملة الأجنبية. انخفضت قيمة الريال اليمني بشكل كبير كما ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل جنوني وسط خسارة اليمنيين سبل العيش، وتفاقمت الأزمة الإنسانية نتيجة انخفاض القدرة الشرائية. إحدى العوامل القليلة التي خففت من حدة هذه الأزمة هي مليارات الدولارات التي يرسلها المغتربون اليمنيون سنويًّا. تُعد هذه التحويلات -التي تأتي معظمها من السعودية- أكبر مصدر للعملة الأجنبية في اليمن حاليًّا.
ولكن سياسة الرياض الجديدة ليست جزءًا من خطتها لسعودة القوى العاملة، بل تبدو وكأنها إجراء عقابي ضد اليمنيين تحديدًا. تأتي هذه الخطوة بعد أن رعت السعودية العملية الانتقالية الفاشلة في اليمن بعد عام 2011 والتي مهدت الطريق للحرب الحالية، وبعد أن مزق التدخل العسكري الكارثي -الذي حصد أرواحًا لا تحصى وأسفر عن معاناة إنسانية توصف بأنها الأسوأ- اقتصاد اليمن وترك جماعة الحوثيين المسلحة مترسخة بقوة في صنعاء. استمرت الرياض في دعم الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الذي شرذم فساده وعدم كفاءته تماسك المعارضة اليمنية ضد الحوثيين باستمرار، وأفقد ثقة المواطنين في الدولة اليمنية. وبعد كل ما حدث، تستهدف السعودية اليوم العمال اليمنيين في المملكة الذين تُعد تحويلاتهم المالية إحدى شبكات الأمان القليلة التي تحمي اليمن من الانحدار إلى قاع الهاوية. هذه السياسة السعودية لن تقوّض الحكومة اليمنية التي تزعم الرياض أنها تريد لها أن تستعيد زمام السلطة في صنعاء وحسب، ولكنها تؤذي اليمنيين على نطاق واسع. وحقيقة أن الرئيس هادي لم يحرك ساكنًا لطرح هذا الأمر مع السعوديين مؤشر على عدم فائدته لليمنيين ودليل إضافي على ضرورة عزله من منصبه.
ومما لا لبس فيه هو أن حملة التطهير السعودية هذه تعكس فشلًا أخلاقيًّا فاضحًا. أما فيما يخص الفاعلين الدوليين، فعليهم أن يكونوا على دراية أن وجود دولة فاشلة في جنوب شبه الجزيرة العربية -حيث الفاعل الأقوى هم الحوثيون حلفاء إيران- سيكون له تداعيات على المنطقة والعالم. وبناءً على ما سبق، يجب وقف التطهير السعودي للعمال اليمنيين.
المحتويات
- الريال ينخفض إلى مستويات غير مسبوقة مع تصعيد الحكومة اليمنية حرب العملة
- الحكومة اليمنية تُضاعف سعر الصرف الجمركي للسلع غير الأساسية
- إعادة افتتاح ميناء المخاء للشحن التجاري
مقابلة
يوليو في لمحة
التطورات على الساحة السياسية
كيسي كومبس
التطورات في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية
الرياض تندد بالمجلس الانتقالي الجنوبي، والخلافات مع الحكومة اليمنية مستمرة في الجنوب
في أعقاب استدعاء الأطراف اليمنية الموقعة على اتفاق الرياض إلى المملكة العربية السعودية في يونيو/حزيران لحل الخلافات التي تعيق تنفيذ صفقة تقاسم السلطة، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانًا في 2 يوليو/تموز أفردت فيه التحركات الأخيرة للمجلس الانتقالي الجنوبي المتمثلة بإجراء تعيينات أمنية وعسكرية وإدارية. وقال البيان “إن التصعيد السياسي والإعلامي وما تلاه من قرارات تعيين سياسية وعسكرية من قِبل المجلس الانتقالي الجنوبي لا تتسق مع ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين”. وأصدرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا بيانات مماثلة في الأيام التي تلت ذلك بشأن تصرفات المجلس الانتقالي.
من جانبه، غرّد رئيس دائرة العلاقات الخارجية بالمجلس الانتقالي في أوروبا، أحمد بن فريد، ردًا على الانتقادات السعودية على تويتر قائلًا: “التعيينات الأخيرة التي أجراها المجلس الانتقالي في بنيته تعتبر شأن داخلي يخصه ولا تتعارض مع اتفاق الرياض”. تلى ذلك بيان رسمي صادر عن المجلس يوضح فيه بالتفصيل ما ادعى أنها خروقات لاتفاق الرياض من جانب الحكومة المعترف بها دوليًّا. وانتقدت الجماعة الانفصالية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة فيما بعد ما أسمته “بيانات صادرة من الخارج” من جانب قوى غربية، في أعقاب اجتماع ترأسه رئيس المجلس عيدروس الزُبيدي.
وفي الأيام التي أعقبت التنديد الدولي، عيّن محافظ عدن الموالي للمجلس الانتقالي، أحمد لملس، مديرًا جديدًا للفرع المحلي لشركة النفط اليمنية المملوكة للحكومة، والتي تشرف على الأنشطة النفطية في محافظات عدن ولحج والضالع وأبين. وفي 3 يوليو/تموز، بعث رئيس الحكومة معين عبدالملك رسالة إلى لملس يأمره فيها بإلغاء القرار.
في وقت لاحق من الشهر، انتقدت وسائل الإعلام السعودية والمعلقون السياسيون السعوديون -الذين كثيرًا ما يعبرون عن مواقف حكومية رسمية- الإمارات علنًا لعرقلتها استكمال تنفيذ اتفاق الرياض.
الجيش اليمني يستعيد سيطرته على مقر الشرطة في مديرية لودر بمحافظة أبين من أيدي المجلس الانتقالي الجنوبي
في 2 يوليو/تموز، ومع تقدم القوات المناهضة للحوثيين بشكل مباغت في مديرية الزاهر جنوب محافظة البيضاء، استعادت القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليًّا سيطرتها على مقر الشرطة في مديرية لودر في محافظة أبين المجاورة من قوات الحزام الأمني الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي. مهّد هذا التحرك إعادة تنظيم هيكل القيادة في المديرية الاستراتيجية، التي تقع بمحاذاة جبهة القتال مع قوات الحوثيين في محافظة البيضاء صوب الشمال، وتمتد على خط التماس في الصراع على السلطة في أبين بين قوات المجلس الانتقالي والقوات الحكومية.
وبعد يوم واحد من الاستيلاء على مقر الشرطة، قام قائد قوات الحزام الأمني في أبين، عبداللطيف السيد، باستبدال قائد قوات الحزام الأمني في مديرية لودر، العقيد عبدالله عمر الدماني، بالمقدم أحمد محمد عوض. وبعد عدة أيام من القتال وتوجيه أصابع الاتهام إلى مدير شرطة مديرية لودر المعيّن حديثًا من الحكومة، الملازم أول جعفر الخلع، استقال الأخير من منصبه.
في 4 يوليو/ تموز، عيّن رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزُبيدي قادة جُدد لقوات الحزام الأمني في المنطقة الوسطى بأبين، التي تضم عمومًا مقاطعات لودر ومودية والوضيع وجيشان. وشمل القرار تعيين محمد مصطفى الجعري قائدًا لقوات الحزام الأمني في المنطقة الوسطى، ووائل أحمد محمد ناصر نائبًا له، في حين عُين الخضر محمد عبدالله قائدًا لعمليات الحزام الأمني بالمنطقة.
من جانب آخر، استغلت قوات الحوثيين الانقسامات داخل التحالف المناهض لها، واستولت على معظم مناطق جنوب البيضاء بحلول منتصف يوليو/ تموز.
مسؤولون حكوميون يحظرون الاحتجاجات في شبوة
في 6 يوليو/تموز، وفي أعقاب أسابيع عدة من تصاعد حدة التوترات بين الموالين للمجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة المعترف بها دوليًّا في محافظة شبوة، حظرت اللجنة الأمنية الموالية للحكومة في العاصمة عتق المظاهرات غير المصرح بها. يُعرف محافظ شبوة محمد صالح بن عديو، الذي يرأس اللجنة الأمنية، بمواقفه المعادية بشدة للإمارات وسبق أن اتهم الإماراتيين باستهدافه بغرض اغتياله. أُعلن الحظر عشية الذكرى السابعة والعشرين لنشوب الحرب الأهلية اليمنية عام 1994 التي حاولت فيها القوات الجنوبية الانفصال عن الجمهورية اليمنية الموحدة حديثًا آنذاك، غير أن القوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح ألحقت في وقت لاحق الهزيمة بالجنوبيين وفرضت الوحدة باستخدام القوة. خلال الأسابيع الأخيرة في شبوة، ألقت القوات الحكومية القبض على عدد من المسؤولين والناشطين في المجلس الانتقالي الجنوبي.
تسرب نفطي قبالة ساحل عدن
في 17 يوليو/تموز، غرقت ناقلة نفط متهالكة مملوكة لأحمد العيسي، رجل الأعمال ونائب مدير مكتب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، قبالة مدينة عدن الساحلية في جنوب اليمن، وتسربت كمية غير معروفة حتى الآن من الديزل إلى خليج عدن.
رئيس مجلس النواب اليمني يجوب شرقي اليمن
في 27 يوليو/ تموز، وصل رئيس مجلس النواب سلطان البركاني، إلى مدينة سيئون في محافظة حضرموت للقاء قيادات المنطقة في إطار جولة في شرق اليمن. وكان في استقبال البركاني ونائبيه، محمد الشدادي وعبدالعزيز جباري، كبار المسؤولين بمن فيهم وزير الداخلية اللواء إبراهيم حيدان، ووكيل محافظة حضرموت لشؤون الوادي والصحراء عصام حبريش. وعزّزت الزيارة التي قام بها رئيس مجلس النواب إلى سيئون التكهنات بأنه يعتزم عقد جلسات البرلمان هناك في إطار متابعة الاجتماع الوحيد الذي عقدته الهيئة التشريعية خلال فترة الحرب بسيئون في أبريل/نيسان 2019. حذر مسؤولو المجلس الانتقالي الجنوبي المسؤولين الحكوميين من عقد مثل هذا الاجتماع في حضرموت. بعدها بأيام، توجّه البركاني إلى المكلا، عاصمة حضرموت، ثم إلى محافظة المهرة المجاورة.
التطورات في مناطق سيطرة الحوثيين
استمرار الاضطهاد الاجتماعي في ظل مداهمة الحوثيين متاجر بيع الملابس النسائية، وحفلات الزفاف
في 6 يوليو/تموز، أفادت تقارير أن سلطات الحوثيين داهمت عددًا من متاجر بيع الملابس النسائية في مديرية الصافية بالعاصمة صنعاء، حيث صادرت وأتلفت ملصقات لعارضات بملابس داخلية. ادعت سلطات الحوثيين أن الملصقات تتعارض مع هوية جماعة الحوثيين ومعتقداتها الدينية. وتأتي حملة الحوثيين الأخيرة كجزء من تشديد القيود على الأدوار المنوطة بالجنسين وعلى حقوق المرأة في صنعاء خلال الأشهر الأخيرة.
في الأسبوع التالي، وتحديدًا في 11 يوليو/تموز، اقتحم مسلحون حوثيون حفل زفاف في مدينة عمران، شمال العاصمة صنعاء، واحتجزوا العريس ومطربي حفل الزفاف. وفي اليوم التالي، احتجز الحوثيون الصحفي فهد الأرحبي لنشره فيديو مصوّر عن الاعتقالات التي جرت في قاعة الزفاف. وفي يونيو/حزيران، أمرت سلطات الحوثيين في محافظتي المحويت وصنعاء بحظر الغناء والمطربين في حفلات الزفاف، بحجة أنها تخالف الممارسات الدينية المحافظة.
إقالة برلمانيين موالين للحكومة، وتمديد ولاية المشاط كرئيس للمجلس السياسي الأعلى
في 10 يوليو/ تموز، أسقط المشرعون في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الحوثيون في صنعاء رسميًّا عضوية 39 برلمانيًّا منتخبًا بتهمة الخيانة وإعانة العدو. معظم البرلمانيين المقالين ينتسبون إلى الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا ويمثلون المناطق الواقعة حاليًّا تحت سيطرة الحوثيين، الأمر الذي قد يعكس نوايا الحوثيين لشغل تلك المقاعد بأنصارها الموالين. يُذكر أنه في العام الماضي، أسقط الحوثيون عضوية 44 برلمانيًّا.
وفي 17 يوليو/تموز، مدّد المجلس السياسي الأعلى للحوثيين في صنعاء ولاية الرئيس مهدي المشاط لمدة عام واحد للمرة الثالثة. وسيبدأ المشاط، الذي خلف الراحل صالح الصماد في أبريل/نيسان 2018، ولايته الرابعة لمدة عام واحد في 24 أغسطس/آب 2021.
استمرار تعثر المفاوضات بشأن خزان النفط صافر
في 15 يوليو/تموز، أعلنت لجنة التفاوض التابعة للحوثيين المعنيّة بملف ناقلة النفط المتهالكة صافر الراسية قبالة ساحل مدينة الحديدة على الساحل الغربي اليمني أن محادثاتها الأخيرة مع الأمم المتحدة فشلت في التوصل إلى اتفاق بشأن عمليات المعاينة والإصلاح. وسعت الأمم المتحدة في مفاوضات لمحاولة تفادي احتمال حدوث تسرب أو حادث يمكن أن يُسرّب أكثر من مليون برميل من النفط على متن السفينة إلى البحر الأحمر. في السنوات الأخيرة، انخرط الحوثيون بانتظام في مفاوضات بشأن الناقلة، وتوصلوا عدة مرات إلى اتفاق مع الأمم المتحدة، ولكن سرعان ما تنصلوا من ذلك ورفضوا السماح للأمم المتحدة بالوصول إلى الناقلة، متبعين بذلك سياسة حافة الهاوية بغرض استغلال خطر التسرب النفطي الكارثي. تزعم سلطات الحوثيين رسميًّا أنها ترغب في أن تتم إجراءات المعاينة والصيانة في آن واحد. من جانبها، قالت الأمم المتحدة إنه على الرغم من إمكانية إجراء إصلاحات طفيفة أثناء المعاينة، تحتاج بالتأكيد السفينة المصنوعة منذ 40 عامًا تقريبًا إلى إصلاحات رئيسية، ومن المستحيل البت في هذه الإصلاحات قبل إجراء تخطيط وتقييم شامل، وإجراء المناقصات لإنجاز المهمة.
مواصلة هدم منازل الخصوم
في 19 يوليو/تموز، ومواصلة لاستراتيجية الترهيب المستخدمة طوال فترة الحرب، فجر الحوثيون منازل ثلاثة مسؤولين تابعين للحكومة اليمنية. وفي نفس اليوم، أعلن العميد أحمد سعيد دركم، قائد شرطة الدوريات وأمن الطرق في محافظة مأرب، أن قوات الحوثيين دمرت منزله في مديرية رحبة باستخدام المتفجرات. وبعد عشرة أيام، أُفيد بأن قوات الحوثيين فجرت منزل شقيقه، العقيد طالب دركم، في نفس المنطقة. في 25 يوليو/تموز، أظهر مقطع فيديو مُصور تفجير منزل أحد المواطنين ويدعى حسين البرماني الحميقاني في مديرية الزاهر بمحافظة البيضاء. وكان الحميقاني قد قاد، في الأسابيع الأخيرة، الجهود التي بذلتها القوات المناهضة للحوثيين لاستعادة السيطرة على المديرية، قبل أن يضطروا للتراجع بحلول الشهر. وقد وثقت منظمات حقوق الإنسان تفجير الحوثيين منازل مئات المعارضين السياسيين والعسكريين والقبليين منذ أن بدأوا توسعهم المسلح خارج نطاق معاقلهم الشمالية منذ عام 2014.
التطورات الدولية
اختيار دبلوماسي سويدي مبعوثًا خاصًا للأمم المتحدة
في 2 يوليو/تموز، اختار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الدبلوماسي السويدي هانز غروندبرغ، الذي شغل منصب سفير الاتحاد الأوروبي في اليمن، ليشغل منصب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن. يُعد غروندبرغ دبلوماسيًّا متمرسًا حيث ركز عمله بشكل رئيسي على حل الصراعات وشؤون الشرق الأوسط. وقبل تبوء منصبه كسفير للاتحاد الأوروبي في اليمن، شغل غروندبرغ عدة مناصب دبلوماسية، بما في ذلك في القاهرة والقدس وبروكسل.
الولايات المتحدة تستأنف الدعم العسكري للقوات الحكومية
أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها عن الاتجار بالأشخاص لعام 2021، والذي نُشر في 4 يوليو/تموز، أنها سوف تسمح بتوفير عمليات حفظ السلام، وتقديم البرنامج الدولي للتعليم والتدريب العسكري (IMET)، وغير ذلك من أشكال الدعم لقوات الحكومة المعترف بها دوليًّا. ويهدف الدعم إلى مساعدة خفر السواحل اليمنية ووحدات حرس الحدود اليمنية وقوات العمليات الخاصة غير المشاركة بشكل مباشر في الحرب على مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف والتهريب غير المشروع الممارس من جهات مثل إيران وضمان حرية الملاحة عبر مضيق باب المندب. وقد رحّب علي محسن الأحمر، نائب الرئيس ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة التابعة للحكومة، بالأنباء عبر تغريدات له على تويتر.
بيانات مسربة تكشف تجسس الإمارات على مسؤولين يمنيين
في 19 يوليو/تموز، نشر صحفيون استقصائيون وباحثون لائحة طويلة بأسماء مسؤولين في الحكومة اليمنية حيث أفادت تقارير عن استهدافهم من قِبل الإمارات ببرامج تجسس إسرائيلية الصنع. ومن بين الأفراد المستهدفين: الرئيس عبدربه منصور هادي، ورئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر، ووزيرا الخارجية السابقين عبدالملك المخلافي وخالد اليماني. كان العديد من المسؤولين اليمنيين المستهدفين قد انتقدوا دور الإمارات كجزء من التحالف الذي تقوده السعودية والذي تدخّل في الحرب الأهلية. وكان المسؤولون اليمنيون من بين عشرات الآلاف من السياسيين والصحفيين والناشطين وغيرهم في مختلف أنحاء العالم ممن كانوا مستهدفين بالتجسس من قِبل مختلف الحكومات عبر استخدام البرمجيات المصنعة من قبل مجموعة إن إس أو (NSO) الإسرائيلية المتخصصة في الاستخبارات الإلكترونية. وقد تم تسليط الضوء على القضية مؤخرًا من خلال مشروع بيغاسوس، وهو تحقيق استقصائي تعاوني أجرته 17 مؤسسة إعلامية في جميع أنحاء العالم مع منظمة العفو الدولية.
كيسي كومبس هو باحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية وصحفي مستقل متخصص في شؤون اليمن. يغرد على @Macoombs
تطورات الحرب
أبوبكر الشماحي
هجوم وهجوم مضاد في البيضاء وامتداد القتال إلى شبوة
شنت القوات التابعة للحكومة اليمنية هجومًا على مواقع قوات الحوثيين في محافظة البيضاء المتنازع عليها أوائل يوليو/تموز وحققت انتصارات. شُنت العملية التي اُطلق عليها اسم النجم الثاقب في 2 يوليو/تموز حيث تقدمت القوات الحكومية في مديرية الصومعة، جنوب شرق المحافظة. وفي 4 يوليو/تموز، تقدمت في مديرية الزاهر، جنوب البيضاء، واستولت على قرية جبل شبكة، وسط المديرية، وغيرها من القرى. وبالتالي أصبحت القوات الحكومية والقوات الموالية لها، التي سيطرت على معظم مديريتي الصومعة والزاهر، على بعد أقل من 10 كيلومترات من مدينة البيضاء.
أحيا هذا الانتصار الأولي للهجوم أمل الموالين للحكومة بقدرة قواتها على استعادة مدينة البيضاء وربما فتح جبهات جديدة في محافظتي ذمار وإب الواقعتين تحت سيطرة الحوثيين منذ اندلاع الحرب. ولكن يبدو أن الهجوم في البيضاء سار على نمط معظم الهجمات التي تشنها الحكومة عام 2021، أي على غرار ما حدث في حجة وتعز، حيث سرعان ما تخسر الحكومة المكاسب التي تحققها.
وبحلول منتصف يوليو/تموز، كانت قوات الحوثيين قد شنت هجومًا مضادًا وعكست مكاسب الحكومة في أرجاء المحافظة إذ بحلول نهاية الشهر، كان الحوثيون قد أصبحوا في موقع أفضل من ذي قبل حيث إنهم فرضوا سيطرتهم بالكامل على مديرية الزاهر وتقدموا في مديريتي نعمان وناطع، شمال البيضاء.
استخدمت قوات الحوثيين تمركزها في بعض المناطق في نعمان وناطع لمهاجمة مديرية بيحان التي تسيطر عليها الحكومة والواقعة في محافظة شبوة المجاورة. وفي 22 يوليو/تموز، تقدمت قوات الحوثيين في بيحان نفسها وسيطرت على جبل شاطر، حسبما أفادت مصادر محلية ومصادر عسكرية حكومية. ما تزال الاشتباكات مستمرة في المنطقة فيما يشن التحالف بقيادة السعودية غارات جوية على قوات الحوثيين في محاولة لإجبارهم على التراجع. تُعد شبوة أحد معاقل الحكومة اليمنية الرئيسية في البلاد منذ أن هزمت القوات الحكومية مقاتلي المجلس الانتقالي الجنوبي هناك في أغسطس/آب 2019.
اشتباكات في جنوب مأرب
أحد الأهداف الذي كانت تسعى الحكومة إلى تحقيقه عبر شن الهجوم في البيضاء هو تشتيت انتباه الحوثيين وإضعاف جهودهم للتقدم والسيطرة على مدينة مأرب، التي تسيطر عليها الحكومة. حققت القوات الحكومية بعض النجاحات على هذا الصعيد ففي 14 يوليو/تموز، استولت على معظم مديرية رحبة، جنوب محافظة مأرب، التي خسرتها خلال هجوم شنه الحوثيون في سبتمبر/أيلول 2020.
استمر القتال بين القوات الحكومية والحوثيين في رحبة خلال شهر يوليو/تموز. وخلالها قُتل العميد عباد أحمد الحلسي، رئيس أركان اللواء 143 مشاة التابع للحكومة، في 31 يوليو/تموز.
أما شمالًا، استغلت قوات الحوثيين الأمطار الموسمية لشن هجوم واسع النطاق في 24 يوليو/تموز على القوات الحكومية في جبهتي المشجح والكسارة، جنوب غرب مدينة مأرب. وعلى الرغم من أن السماء الملبدة بالغيوم جعلت التحالف بقيادة السعودية غير قادر على توفير الغطاء الجوي للقوات الحكومية إلا أن الأخيرة نجحت في وقف الهجوم، وبالتالي ظلت الجبهات الأقرب إلى مدينة مأرب في حالة من الجمود النسبي. وفي تطورات أخرى، اندلع قتال خلال شهر يوليو/تموز في مديرية العبدية، جنوب مأرب.
هجوم صاروخي في أبين
في 4 يوليو/تموز، استهدف هجوم صاروخي مسجدًا داخل معسكر اللواء الخامس مشاة التابع للقوات الحكومية في مديرية مودية، شرق أبين، أسفر عن مقتل أربعة جنود وجرح عشرين آخرين، حسب مصادر محلية ومصادر عسكرية حكومية. اتهمت القوات الحكومية الحوثيين بشن الهجوم ردًا على الهجوم الذي شنته الأولى في البيضاء.
أبو بكر الشماحي، هو باحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية.
التطورات الاقتصادية
إعداد: الوحدة الاقتصادية بمركز صنعاء
الريال ينخفض إلى مستويات غير مسبوقة مع تصعيد الحكومة اليمنية حرب العملة
خلال شهر يوليو/تموز، واصلت قيمة الريال اليمني تدهورها المطرد في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، فخسرت نحو 8% من قيمتها المتداولة في السوق أمام الدولار الأميركي بين 1 و28 يوليو تموز، وانخفضت من 948 ريالًا يمنيًّا إلى 1025 ريالًا يمنيًّا تقريبًا. ومثّل شهر يوليو/تموز المرة الأولى في تاريخ اليمن التي يتجاوز فيها سعر صرف الريال عتبة الـ1000 مقابل كل دولار أمريكي.
متوسط التباين الشهري في أسعار صرف الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي بين صنعاء وعدن، من يناير/كانون الثاني إلى يوليو/تموز 2021.
تجاوز سعر صرف الريال عتبة الـ1000 لأول مرة أوائل يوليو/تموز. وردًا على ذلك، أصدرت جمعية صرافي عدن في 4 يوليو/ تموز تعميمًا إلى محلات الصرافة وشبكات الحوالة ينص، ضمن جملة أمور، على وقف فوري لتداول العملات الأجنبية في المحافظات الجنوبية ويحدد سقف الحوالات بالريال بين المناطق الشمالية والجنوبية.
أعقب ذلك إطلاق البنك المركزي اليمني في عدن حملة لكبح جماح التداولات المتلاعبة والتخمينية من قِبَل شركات الصرافة وشبكات الحوالة. وبدأ ذلك في 13 يوليو/تموز، بالتعاون مع النيابة العامة والشرطة، ونتج عنه إغلاق مختلف المراكز، وفقًا لبيان صدر على الموقع الرسمي للبنك المركزي اليمني في عدن. وكان من بينها: شركة الحزمي للصرافة، وشركة عدن للصرافة والحوالات، وشركة الإنماء إكسبريس للصرافة والتحويلات المحلية والدولية، وشركة الفروي للصرافة والتحويلات وغيرها. إلا أنه سُمح بإعادة فتح هذه المراكز في الأسبوع التالي.
ورغم انتعاش سعر الصرف بعض الشيء، لم يدم تأثير هذه التدابير المؤقتة طويلًا، حيث عاود الريال اليمني الانهيار في النصف الثاني من يوليو/تموز، وجرى بدء التداول في أغسطس/آب بسعر 1010 ريالات لكل دولار أمريكي.
ونتيجة لذلك، اتسعت فجوة التفاوت بين أسعار الصرف بين المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون والحكومة اليمنية. وبداية أغسطس/آب، فَقَد الريال اليمني في عدن (مقابل الدولار الأمريكي) ما يقرب من ثلث قيمته مقارنة بالريال في صنعاء حيث ظلت قيمة العملة مستقرة نسبيًّا، وبلغ السعر المتداول 600 ريال يمني لكل دولار أمريكي.
هذا ورفعت شبكات الحوالة أيضًا من رسوم المعاملة الخاصة بتحويل الأموال من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة إلى المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين. واعتبارًا من نهاية يوليو/تموز، عند قيام شخص بتحويل 100 ألف ريال يمني بالأوراق النقدية الجديدة من منطقة خاضعة لسيطرة الحكومة شكليًّا، لا يحصل الشخص المتلقي في منطقة خاضعة لسيطرة الحوثيين سوى على 58 ألف ريال يمني بالأوراق النقدية القديمة.
العوامل الرئيسية لانخفاض قيمة الريال
أدت عدة عوامل ناتجة عن الصراع إلى انخفاض قيمة الريال اليمني بشكل تدريجي خارج المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. ومن أهم هذه العوامل انقسام السياسات النقدية بين فرعي البنك المركزي المتنافسين في صنعاء وعدن. وتصاعد هذا إلى حرب عملات شاملة في ديسمبر/كانون الأول 2019 بعد قرار البنك المركزي اليمني في صنعاء بحظر التداول بالأوراق النقدية الجديدة، والتي يطبعها البنك المركزي اليمني في عدن منذ عام 2016، في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. ومنذ ذلك الحين تم التعامل مع الأوراق النقدية القديمة والجديدة للريال اليمني على أنها عملات مختلفة في السوق وتقييمها على هذا الأساس. يتم قبول الأوراق النقدية القديمة، التي تناقص المعروض منها تدريجيًّا بسبب اهترائها، على الصعيد الوطني، في حين لا تُقبل الأوراق النقدية الجديدة، التي ازداد المعروض منها باطراد مع قيام الحكومة بطباعة الأموال لتغطية النفقات، إلا في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. يتزايد الفائض النسبي في الأوراق النقدية الجديدة بسبب احتواء المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون على أكبر التجمعات السكانية في البلد ولديها نصيب الأسد من الأنشطة المالية والاقتصادية.
وفقًا لكبار المسؤولين في البنوك اليمنية، أصدر البنك المركزي اليمني في عدن، بين بداية عام 2017 ونهاية يوليو/تموز 2021، أكثر من 3 تريليون ريال يمني من الأوراق النقدية الجديدة. في شهر يوليو/تموز وحده، ضخ البنك المركزي اليمني في عدن 262 مليار ريال يمني من فئة الـ1000 ريال المطبوعة حديثًا. وهذه الأوراق النقدية تشبه إلى حد بعيد الأوراق النقدية “القديمة” للريال اليمني [انظر “البنك المركزي اليمني -محاولات عدن لتوحيد الريال في ضوء تصاعد حرب العملة” أدناه] وهي جزء من الـ400 مليار ريال يمني التي تدفقت عبر ميناء المكلا في يونيو/حزيران. وتتجاوز عمليات ضخ هذا المقدار الضخم من السيولة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة قدرة السوق الضعيفة نسبيًّا على استيعابها، إما من خلال زيادة الإنتاجية المحلية أو زيادة الواردات، مما يؤدي إلى مزيد من الضغط النزولي على قيمة الريالات الجديدة.
منذ أواخر عام 2020، وبعد الاستنفاد الكامل للوديعة التي وضعتها السعودية بقيمة ملياري دولار أمريكي في البنك المركزي اليمني في عدن، لم يكن لدى البنك المركزي اليمني الذي تديره الحكومة اليمنية سوى القليل من احتياطيات النقد الأجنبي للسحب منها. وهذا ما جعل البلد غير قادر على تمويل الطلب المستمر على واردات السلع الأساسية والوقود، والتي كان وسيلته الرئيسية لتثبيت أسعار الصرف. كما أدت الصراعات داخل التحالف المناهض للحوثيين بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي إلى تقويض جهود البنك المركزي اليمني في عدن. وأدى استمرار فشل الجانبين في تنفيذ اتفاق الرياض المبرم عام 2019، والذي كان يهدف إلى إنهاء منافستهما، إلى منع البنك المركزي اليمني في عدن من تطبيق السياسات المالية أو النقدية أو التنظيمية بشكل فعّال حتى في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية شكليًّا. على سبيل المثال، قام المجلس الانتقالي الجنوبي بتحويل إيرادات الجمارك والضرائب في عدن وغيرها من المناطق التي يسيطر عليها إلى حسابات خاصة فُتحت خارج القنوات الرسمية للبنك المركزي.
في منتصف يوليو/تموز، وجّه الفريق الحكومي اليمني المكلّف بمتابعة تنفيذ اتفاق الرياض أصابع الاتهام إلى المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات بإعاقة تنفيذ الاتفاق، ومفاقمة التحديات الاقتصادية المستمرة من خلال التدخل المباشر في مؤسسات الدولة وعملية صنع القرار في الحكومة.
البنك المركزي اليمني في عدن يحاول توحيد الريال في ضوء تصاعد حرب العملة
يبدو أن حرب العملة بين فرعي البنك المركزي المتنافسين في عدن وصنعاء دخلت مرحلة جديدة في الأشهر الأخيرة. شرع البنك المركزي اليمني في عدن بخطوات حاسمة لإعادة توحيد الريال كعملة نقدية موحدة من خلال إصدار أوراق جديدة من فئة الـ1000 ريال لا يمكن تمييزها من حيث المقاس والشكل والمظهر عن الأوراق النقدية “القديمة”. ولا تسمح سلطات الحوثيين حاليًّا إلا بتداول الأوراق النقدية “القديمة” -الصادرة قبل أوائل عام 2017- في المناطق التي تسيطر عليها.
وفي 29 يوليو/ تموز، أعلن البنك المركزي اليمني في عدن عبر بيان عددًا من القرارات يُتوخى أن تضع حدًا لمخطط العملة المزدوجة، وبالتالي القضاء على اختلالات الأسعار الناجمة عن فرق أسعار الصرف بين الأوراق النقدية الجديدة والقديمة. وذكر القرار الأول الذي أُعلن عنه في البيان أن البنك المركزي اليمني في عدن يهدف إلى ضخ كميات كبيرة من الأوراق النقدية الجديدة فئة الـ1000 ريال في جميع الأسواق الإقليمية اليمنية والدفع إلى استخدامها على نطاق واسع في المعاملات النقدية. كما سيتخذ البنك المركزي اليمني في عدن تدابير لتقليص المعروض من الريال تدريجيًّا إلى مستويات مقبولة تماشيًّا مع احتياجات السوق من السيولة النقدية عن طريق إلغاء التداول بالأوراق النقدية التي أصدرها بعد عام 2016 والتي يمكن تمييزها عن الأوراق النقدية القديمة للريال.
وثالثًا، سيأمُر البنك المركزي اليمني في عدن بأن تمتنع جميع البنوك ومؤسسات الصرافة في المستقبل المنظور عن فرض رسوم تعسفية ومُبالغة عند تحويل الأموال من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وستُطبق عقوبات صارمة على منتهكي تعليماته في هذا الصدد. وكما ذُكر أعلاه، ضخ البنك المركزي في عدن خلال النصف الأول من شهر يوليو/تموز ما يقرب من 262 مليار من الأوراق النقدية الجديدة فئة الـ1000 ريال المطبوعة حديثًا.
تجدر الإشارة إلى أن البنك المركزي اليمني في صنعاء أصدر خلال شهر يونيو/حزيران عددًا من التعميمات لمنع تداول الأوراق النقدية للريال، المطبوعة حديثًا، في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وقد نصت هذه التعميمات على أن الأوراق النقدية من فئة الـ1000 ريال التي تحمل رقمًا تسلسليًّا يبدأ بالحرف (أ) هي وحدها التي سوف تُقبل؛ ولن يُسمح بتداول جميع الأوراق النقدية الأخرى، كتلك التي تبدأ بالحرف (د). ولكن وفقًا لمصادر مُطلعة تواصلت مع الوحدة الاقتصادية بمركز صنعاء، فقد ضخ البنك المركزي اليمني في عدن نهاية يوليو/تموز كميات من الأوراق النقدية فئة الـ1000 ريال في السوق تبدأ أرقامها المتسلسلة بالحرف (أ).
من المرجح أن تأتي هذه الخطوة كضربة موجعة لسلطات الحوثيين، الذين سيكون أمامها خيارات محدودة للرد، نظرًا لأن الأوراق النقدية الجديدة من فئة الـ1000 ريال سوف تتمتع بنفس المقاس والخصائص الرسمية والأرقام التسلسلية التي تتمتع بها تلك المتداولة حاليًّا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وفي حال نجحت الحكومة اليمنية في تنفيذ سياسة طرح العملة الجديدة، سيؤدي ذلك إلى انخفاض قيمة الريال في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وبالتالي تقليص الفرق الموجود في أسعار الصرف بين المناطق المقسمة. غير أن هذا التصعيد في حرب العملة يمكن أن يكون له انعكاسات كارثية على استقرار أسعار الصرف، وقد تزداد الضغوط التي يعاني منها القطاع المالي في ظل التدابير المتضاربة التي تتخذها الأطراف المتنافسة.
الحكومة اليمنية تُضاعف سعر الصرف الجمركي للسلع غير الأساسية
في 25 يوليو/تموز، أصدرت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا قرارًا بمضاعفة سعر الصرف المستخدم لتحصيل الرسوم الجمركية على السلع غير الأساسية من 250 إلى 500 ريال يمني لكل دولار أمريكي في محاولة لزيادة الإيرادات العامة وخفض العجز الهائل في ميزانيتها. وأفادت وسائل الإعلام المحلية، نقلًا عن مسؤولي الجمارك، أن إجمالي الإيرادات الجمركية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية بلغ 286 مليار ريال يمني عام 2020.
ووفقًا لمصادر إعلامية، لن يُطبق سعر الصرف الجمركي الجديد على السلع الأساسية -مثل القمح، والدقيق، وزيت الطهي، والأرز، والحليب، والأدوية- بل يقتصر على السلع غير الأساسية بما في ذلك السيارات، والأجهزة الطبية، والملابس التي تدخل عبر الموانئ الموجودة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، وفي مقدمتها ميناء عدن، ثاني أكبر ميناء في اليمن. وسيُطَبق سعر الصرف الجمركي الجديد المحدد بـ500 ريال يمني لكل دولار أمريكي أيضًا على واردات الوقود التي تدخل عن طريق الموانئ البحرية الواقعة خارج سيطرة الحوثيين.
وقبل فرض هذه السياسة الجديدة لسعر الصرف الجمركي، واصلت كل من الحكومة اليمنية وسلطات الأمر الواقع في صنعاء على حد سواء استخدام سعر صرف موحد قدره 250 ريالًا يمنيًّا لكل دولار أمريكي -تماشيًّا مع السعر الرسمي الذي حدده البنك المركزي في أبريل/نيسان 2016- لاحتساب الرسوم الجمركية على السلع التي تدخل عبر جميع الموانئ اليمنية. ولكن فرقًا كبيرًا ما يزال يوجد بين سعر الصرف الجمركي المُعدل وسعر الصرف الحالي السائد في السوق الموازية: ففي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، انخفضت قيمة العملة في شهر يوليو/تموز إلى 1000 ريال يمني مقابل كل دولار أمريكي، في حين ظل سعر الصرف مستقرًا نسبيًّا عند نحو 600 ريال يمني في أسواق الصرف الأجنبي التي يسيطر عليها الحوثيون.
وفي حين تهدف الحكومة اليمنية إلى زيادة إيراداتها الجمركية بشكل كبير من خلال مضاعفة التعريفات الجمركية، تتوقع الوحدة الاقتصادية بمركز صنعاء أن يؤدي وجود ازدواجية في أسعار الصرف الجمركية في اليمن إلى تهرّب التجار من دفع الرسوم الجمركية ولجوئهم إلى التهريب. والسبيل الأكثر ترجيحًا لذلك هو تحويل تفريغ الشحنات من ميناء عدن إلى ميناء الحديدة. وبشكل ملحوظ، علّق جميع التجار المستوردين في عدن إجراءات التخليص الجمركي لبضائعهم المخزنة أساسًا في ميناء عدن، وامتنعوا عن اتخاذ تدابير مالية لدفع الرسوم الجمركية التي ينظمها المرسوم الجديد.
وانتقدت الأوساط التجارية على الجانبين المرسوم وحذرت من تداعياته السلبية على أسعار السلع الغذائية وغير الغذائية على حد سواء. وأصدرت الغرفتان التجاريتان في كل من عدن وصنعاء بيانين أدانتا فيهما هذه الخطوة، وشكيا فيهما من أن هذه التدابير قد تؤدي إلى إرباك حركة البضائع وتسهم في تفاقم مستويات الجوع في ظل الظروف المعيشية المتردية الراهنة وتدهور العملة.
وفي حين أن التكاليف المتزايدة لاستيراد المنتجات إلى السوق الاستهلاكية ستقتصر على الأرجح على السلع الخاضعة للتعريفات الجمركية المرتفعة، فإن ضعف قدرة الحكومة على تنظيم سوق السلع الأساسية سيتيح للتجار انتهاج المرونة في زيادة أسعار السلع الأساسية أيضًا، مع إلقاء اللوم على السياسة الحكومية الجديدة.
إعادة افتتاح ميناء المخاء للشحن التجاري
في 30 يوليو/ تموز، أُعيد فتح ميناء المخاء على ساحل البحر الأحمر لاستقبال البضائع والسفن التجارية بعد إغلاق دام ست سنوات نتيجة للصراع. وعلى الرغم من تحرير الميناء من قِبل القوات المناهضة للحوثيين في فبراير/شباط 2017 خلال عملية “الرمح الذهبي”، ظل الميناء متوقفًا عن العمل وفي حاجة إلى إعادة تأهيل. هذا وافتُتح الميناء بمباركة وحضور منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية، ديفيد غريسلي. وحتى نهاية يوليو/تموز، لم يستقبل الميناء سوى سفينتين تجاريتين إلا أنه مجهز لاستقبال معظم البضائع والشحنات الإنسانية، رغم افتقاره إلى القدرة على استقبال شحنات مشتقات النفط. وبوسع الميناء استقبال سفن تجارية تتراوح أوزانها بين 1000 و 250 طنًا ويتراوح عمقها الغاطس بين 3 و5 أمتار.
أُعيد تأهيل ميناء المخاء من قِبل القوات المشتركة المدعومة إماراتيًّا وما يُعرف بـ”حماة الجمهورية”، بقيادة العميد طارق محمد عبدالله صالح، ابن شقيق الرئيس السابق علي عبدالله صالح، بدعم جزئي من الإمارات. ويمكن أن يوفر الميناء منفذًا تجاريًّا للمدن المحيطة مثل تعز التي مزقتها الحرب، والتي عانت من حصار خانق ونقص حاد في السلع الغذائية وغير الغذائية.
*ملاحظة المحرر: (10 أغسطس/آب 2021) ذكرت نسخة سابقة من هذا التحديث الاقتصادي أن البنك المركزي اليمني في عدن أصدر أكثر من 3 تريليون ريال يمني من الأوراق النقدية الجديدة بين أوائل عام 2020 وحتى يوليو/تموز 2021، ولكنه في الواقع أصدرها في أوائل عام 2017 وحتى يوليو/تموز 2021. كما ذكر التحديث أن سلطات الحوثيين لا تسمح إلا بتداول الأوراق النقدية “القديمة” الصادرة قبل عام 2016، ولكنها في الواقع لا تسمح إلا بتداول الأوراق النقدية “القديمة” الصادرة قبل أوائل عام 2017. يأسف مركز صنعاء على هذا الخطأ.
مقابلة
المشهد من صنعاء
استولت جماعة الحوثيين المسلحة، المعروفة أيضًا باسم أنصار الله، على العاصمة اليمنية في سبتمبر/أيلول 2014. في منتصف يونيو/حزيران 2021، سافر كبير الباحثين عبد الغني الإرياني والباحثة بلقيس اللهبي في مركز صنعاء إلى صنعاء حيث عقدا لقاءات مع العديد من الأفراد وتجولا في المدينة للوقوف على وضعها وكيف تغيرت تحت حكم الحوثيين. في 9 يوليو/تموز، شاركا في جلسة يسرها الباحث في مركز صنعاء أبو بكر الشماحي للتحدث عن رحلتهما. حُررت وكُثفت هذه المقابلة مراعاة للوضوح.
عبد الغني الإرياني: غالبًا ما أُتهم بالتفاؤل المزمن. اليوم سأخسر فيه هذه السمعة إذ أعطاني قضاء ثلاثة أشهر في صنعاء فكرة واضحة كم سيكون من الصعب إنهاء هذه الحرب واستعادة الدولة اليمنية.
الحوثيون يعيدون تشكيل البلد على صورتهم سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا. الحوثيون يغيرون الدولة بدءًا من المدارس الابتدائية وصولًا إلى صالات العزاء.
تحدثت مع الكثير من رجال الأعمال في صنعاء. صغار رجال الأعمال متجهون نحو الإفلاس ويُستبدلون بآخرين لديهم علاقات بسلطات الحوثيين. كبار رجال الأعمال وضعهم آمن حتى هذا اللحظة رغم دفعهم ضرائب باهظة ورسوم تعسفية، ولكن الكثير منهم يعتقدون أنهم لن يستمروا بمزاولة أعمالهم (في نهاية المطاف). الحوثيون مستمرون بفرض ضرائب جديدة بين الفينة والأخرى.
أما على المستوى الاجتماعي، الناس منقسمون. هناك شعور عارم بالإحباط والاستياء تجاه الحوثيين، ولكن الناس تشعر بالعجز وبأنها مغلوبة على أمرها. أعتقد أن هذا التجريف الديمغرافي والاقتصادي والسياسي هو بمثابة عمل انتحاري يقوم به الحوثيون لأنه يجعل بقاء صنعاء عاصمة لكل اليمنيين أمرًا مستحيلًا. الحوثيون ينتحرون عبر محاولة فرض رؤيتهم بالعالم على الجميع. هم في الواقع ينخرطون فيما قد يصبح حربًا دائمة مع باقي المجتمع، ومن المستحيل أن ينتصروا على المجتمع اليمني بأسره.
بلقيس اللهبي: حول الحوثيون الشوارع في صنعاء إلى معارض لصور شهدائهم. تنتشر هذه الصور بشكل كثيف في ميدان السبعين، وهو مكان ذو رمزية لجميع اليمنيين إذ أنه يحيي ذكرى هزيمة قوات الإمامة خلال حصار السبعين يومًا على صنعاء في 1967-1968. أيديولوجيتهم السياسية تبرز بوضوح في الميدان. كما حوّل الحوثيون جامعة الإيمان ومبنى البرلمان إلى معرض صور للشهداء.
المُيَسِّر: إلى أي مدى تشعرين أن الرمزية تُترجم إلى دعم فعلي للحوثيين؟ كيف تختلف صنعاء اليوم عن صنعاء التي تتذكرينها؟
اللهبي: غادرت صنعاء عام 2016. كنت دائمًا ما أقول إن صنعاء مثل عمران، ولكن الآن هي أشبه بمران في صعدة.
صنعاء اليوم تختلف كثيرًا عن صنعاء التي أعرفها. الكثافة السكانية مرتفعة. الملايين شُردوا إلى صنعاء، والمدينة مكتظة للغاية.
أنا ولدت وترعرعت في صنعاء، وغادرتها بسبب الحرب.
أول مرة لا تستطيع أن تجلس في صنعاء بسبب الحر. كما أن التراب مزعج جدًا. كان هذا أمرًا جديدًا.
وضع الشوارع سيء فهي مليئة بالحُفر. تنتشر صور الشهداء والشعارات على جميع جدران المباني. أعتقد أن الناس ضاقوا ذرعًا بتحكم الحوثيين بالمساجد، لدرجة أن البعض توقفوا عن الذهاب إلى المساجد بسبب ترديد الشعار الحوثي بعد الصلاة.
تعمدت ارتداء ملابس المرأة اليمنية العادية، العباءة، حتى أتمكن من الجلوس في الشارع والتحدث إلى الناس. لقد تحدثت إلى الكثير منهم، ويمكنني القول إن هناك الكثير من الامتعاض والاستياء العام.
المُيَسِّر: هل توفر لنا لمحة حول طبيعة التفكير داخل قيادة الحوثيين بناءً على المحادثات التي أجريتها في صنعاء؟
الإرياني: ذهبت إلى صنعاء بهدف فهم موقف الحوثيين الحقيقي حول تسوية سلام، وماذا يريدون على صعيد تقاسم السلطة والترتيبات السياسية التي ستلي وقف الأعمال العدائية.
لسوء الحظ، خسرت صديقين مهمين: الجنرال يحيى الشامي، مساعد القائد الأعلى (مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى)، وحسن زيد، وزير الشباب والرياضة. اُغتيل زيد في أكتوبر 2020 وتوفي الشامي بفيروس كورونا في مارس. توفي نجل الشامي، زكريا، قبله ببضعة أيام، الأمر الذي أثار بعض الشائعات في صنعاء حول أسباب أخرى محتملة للوفاة.
صراحة، لم يكن من السهل الحصول على لقاءات. عيّن المجلس السياسي الأعلى أحد أعضائه للتواصل معنا بناءً على طلب مركز صنعاء، وعقدت معه العديد من اللقاءات. كما التقيت بمحمد علي الحوثي والعديد من أعضاء مجلس الوزراء ومشرفين ورجال أعمال وسياسيين وحتى قيادات عسكرية وأمنية ممن كان متاح لهم الحديث في الشأن العام.
المُيَسِّر: أريد أن أقف على نقطة تحدثت عنها بلقيس، وهي المعارضة والغضب في صنعاء تجاه الحوثيين.
اللهبي: اليمنيون ليسوا ضعفاء، ولكن الناس لا تواجه الحوثيين لأنهم عندما ينظرون إلى الطرف الآخر -الحكومة الشرعية- يجدون أنفسهم أمام خيارين: هناك الحوثيون وفسادهم، ومقابلها حكومة ضعيفة فسادها يفوق الخيال. بالنسبة لليمنيين، من يمسك الشرعية هم نخبة مخجلة. أكبر سلاح يملكه الحوثيون هو الحكومة الشرعية لأنها تجعلهم يبدون أفضل مقارنة بها.
الإرياني: أريد أن أشدد على حقيقة -وهي في الواقع واضحة منذ وقت طويل- أن [الرئيس عبدربه منصور] هادي والسعوديين جعلوا الحوثيين أقوياء للغاية.
سؤال من الحاضرين: هل هناك أي مؤشرات على تعب الحوثيين من الحرب؟
الإرياني: ليس بعد. يأمل البعض باستمرار أن الحوثيين سيتعبون من القتال، ولكن بوسع الحوثيين تجنيد مئات الآلاف من الشباب. أرسل الحوثيون هذا الصيف 400 ألف تلميذ إلى معسكرات لتحضيرهم للجهاد. بالتالي، لديهم مصدر لا ينضب من المجندين الجدد.
المُيَسِّر: تقول إنه بوسعهم تجنيد المزيد من مئات الآلاف، هل يعكس هذا دعم شعبي حقيقي، أم يعود هذا الأمر إلى ضعف الدولة والاقتصاد أو إلى التكتيكات القمعية وإجبار الناس على القتال؟
الإرياني: كل ما ذكرته. ينضم بعض المقاتلين إلى الحوثيين لأن أباءهم يريدون منهم كسب لقمة العيش، والطريقة الوحيدة لكسب الدخل هي الانضمام للقتال.
في معظم الأحيان، يذهب أحد أولادهم إلى الساحل الغربي، وآخر إلى مأرب وآخر ينضم إلى الحوثيين. بعد فترة، أولئك الذين انضموا إلى الحوثيين يتشربون أفكارهم عبر التلقين ويصبحون مقاتلين متشددين. هذا الأمر لا يحدث مع الشباب الذين ذهبوا إلى الساحل الغربي للانضمام إلى قوات طارق صالح أو مع الذين ذهبوا إلى مأرب للقتال مع الإصلاح أو هادي.
اللهبي: أريد أن أشارككم ما قاله لي سائق حافلة في صنعاء خلال مرورنا بجانب اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﻼﻧﺘﺨﺎﺑﺎت. قال: “هل تريدون الحوثيين أن يقيموا انتخابات ديمقراطية لكي تنزل النساء إلى الشارع لاحقًا ويطالبن بحصة من التمثيل؟ الحوثيون ليسوا بحاجة لفعل أي من هذا؛ أيديهم في جيوب الناس، وهم يأخذون أموال الزكاة ويجمعون الضرائب تحت ذريعة أن جميع المصادر يجب أن تُكرّس نحو صد العدوان. الحوثيون يحكمون دون تكلفة تذكر، وهم لا يقدمون خدمات للناس، ولا يدفعون رواتب. وبالتالي، ليسوا مجبرين على إحلال السلام”. إذا وافق الحوثيون على السلام، سيتوجب عليهم أن يحكموا.
هناك أمر ثانٍ أود أن أشاركه معكم أيضًا، ويتعلق بالمغني الحوثي الشهير عيسى الليث الذي يقال إنه يقود سيارته في المدينة وبصحبته موكب يتألف من ستة أطقم بحوزتهم أسلحة ثقيلة. قال لي شخص إن المقاتلين يذهبون إلى ساحة المعركة بصحبته (مدفوعين ومتحمسين بأغانيه) ويعودون مع قارئ القرآن محمد حسين عامر (أي جثة). يتم تلقين المقاتلين. في الواقع هناك خطاب سياسي قوي على الجبهات يستجيب الناس إليه. ولعل هذا يعود إلى غياب المساحات العامة في صنعاء.
المُيَسِّر: هل ورث الحوثيون الدولة؟ هل هم الآن جمهورية اليمن؟
الإرياني: من الواضح أن هذا ما يعتقدونه. ولكنني متأكد أن هناك أشخاص معتدلون داخل الجماعة لا يزالون يعتقدون بأن هناك إمكانية لمستوى معين من تقاسم السلطة.
محمد علي الحوثي أصبح أحد هؤلاء المعتدلين، ويعود ذلك إلى نجاح الحوثيين العسكري الذي نقل مركز الثقل داخل الجماعة إلى أقصى اليمين، ولكنه لا يعتقد أنه يجب أن يكون هناك تقاسم سلطة حقيقي مع الزعماء في الجانب الآخر. هو تحدث عن عودتهم بصفة “عائدين” -مصطلح اُستخدم في نهاية الحرب الأهلية في شمال اليمن بين الملكيين والجمهوريين في الستينيات. عندما هُزم الملكيون، صدر عفو عام وسُمح لهم (باستثناء عائلة حميد الدين الحاكمة سابقًا) بالعودة والمشاركة في الحكومة.
المُيَسِّر: لنتحدث عن الوضع الاقتصادي. كيف يبدو؟ هل لاحظت ازدياد في مستويات الفقر، في عدد المتسولين؟ هل يواجه الناس تحديات اقتصادية لم يواجهونها من قبل؟
اللهبي: يواجه اليمنيون شتى التحديات الاقتصادية. الناس لم تتلقَ رواتب لسنوات. أي خلل بسيط في توازن حياتهم، أي مشترى جديد، أي ارتفاع في الأسعار يحدث فارقًا كبيرًا بالنسبة لهم.
هناك أناس تضع يدها في الثلاجة لتحديد إذا كانت باردة بما فيه الكفاية لحفظ الطعام حتى الغد، ثم يطفئونها لتوفير الكهرباء. عليهم أن يقرروا متى يستخدمون تيار الكهرباء العمومي ومتى يعتمدون على الطاقة الشمسية. عندما تمشي في السوق، يمشي عشرات المتسولين خلفك. يقف شرطي المرور في الشارع منتظرًا السائقين ليعطوه المال.
أنا شخصيًّا تفاجأت بالأسعار. اشتريت بعض الحاجات البسيطة من المتجر كان سعرها مرتفعًا للغاية. عام 2016، كان هذا المبلغ يكفي لملء عربة التسوق. محال البقالة تقبل الريال السعودي، ولكن لا تقبل أوراق الريال اليمني المطبوعة حديثًا في عدن. وبالتالي، الناس مدمرة، العائلات مدمرة، والطبقة المتوسطة اختفت.
المُيَسِّر: ولكن في نفس الوقت، شهدت صنعاء زيادة في البناء. كيف يحدث هذا في نفس الوقت الذي يسود فيه الفقر الحاد؟
اللهبي: تجار الحرب. هؤلاء هم الناس الذين جعلوا صنعاء مكانًا صعبًا للعيش فيه. على الرغم من كل هذا الفقر، شراء أو استئجار منزل أمر مكلف للغاية. أسعار العقارات ارتفعت بشكل جنوني.
هناك نازحون من رؤوس الأموال أخذوا أموالهم وذهبوا إلى صنعاء وفتحوا مشاريع. على سبيل المثال، عطير، محل البطاطس الشهير في تعز، انتقل إلى صنعاء. هذه مشكلة للحكومة: انتقال رؤوس الأموال إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
الإرياني: يعكس الارتفاع الجنوني في أسعار العقارات، في ظل الظروف الاقتصادية المزرية حاليًّا، الفساد الكبير الذي يمارسه حوثيون متنفذون. الأسعار ارتفعت بنسبة 200% و300%، ويعود ذلك بشكل كبير إلى جمع الضرائب وتراكم ثروات هائلة لدى كبار الشخصيات من جماعة الحوثيين. زعيمهم، (السيد) انتقد أكثر من مرة المسؤولين الحوثيين الذين يشيدون عمارات باستخدام أموال كسبوها بشكل غير مشروع. إن الزيادة في قيمة العقارات حادة بشكل خاص في الأحياء الشمالية (الجراف-الروضة) والأحياء الجنوبية (بيت بوس-دار سلم-أرتل)، مما يشكل كماشة عملاقة على المدينة.
هذا التوسع الهائل في الزحف العمراني بصنعاء لم يصاحبه أي تطوير لإمدادات المياه والطاقة. على العكس من ذلك، توقفت تقريبًا خدمات الكهرباء والمياه العامة، وحل محلها مقدمو خدمات مستقلين يفرضون أسعارًا باهظة. ليس هناك نقص في هذه الخدمات بالنسبة لأولئك الذين يستطيعون تحمل تكلفتها. انخفض الطلب لأن معظم الناس لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليف هذه الخدمات الأساسية.
المُيَسِّر: نظرًا للأزمة الاقتصادية العامة، كيف يستمر الحوثيون في تمويل عملياتهم العسكرية ودفع رواتب المقاتلين؟
الإرياني: يستمرون في فعل ذلك بفضل أعدائهم. أُعفي الحوثيون من مسؤولية دفع رواتب القطاع العام نتيجة نقل البنك المركزي إلى عدن. وفي هذه الأثناء، هم يجمعون الضرائب من النشاطات التجارية، بما فيها تلك الموجودة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. الضرائب التي تأتي من الجنوب ومأرب تذهب إلى صنعاء لأن الحوثيين فاعلين ويسيطرون على مؤسسات الدولة.
فشل الطرف الآخر فشلًا ذريعًا. كسر السعوديون الاقتصاد اليمني عبر نقل البنك المركزي إلى عدن. ولدي أدلة كفاية لأقول إن السعوديين هم من قرروا نقل البنك المركزي. الأمر الثاني يتعلق بالريال. الأوراق النقدية الجديدة (التي طبعها البنك المركزي في عدن) تبدو مختلفة، وبالتالي هم خلقوا عملتين. هذه أيضًا كانت خطة سعودية، لم تفضِ إلى شيء سوى أنها جعلت الناس أفقر وأضعف، وجعلت السيطرة عليهم أسهل للحوثيين. المواطن اليوم مستعد لئلا يتفوه بكلمة لكي يحصل على ربع راتب في الشهر أو نصف راتب كل شهرين ويتمكن من تأمين الطعام لعائلته. من السهل السيطرة على الناس الجياع.
المُيَسِّر: من وجهة نظر الأشخاص الذين التقيتم بهم في صنعاء، هل هناك أي أمل؟
اللهبي: قدرة الناس على التحمل تضعف أكثر وأكثر لأنهم لا يعيشون حياة كريمة. شخصيًّا، لا أثق بالحوثيين ولا بالحكومة.
الإرياني: علينا الاستمرار في التعامل مع الحوثيين. علينا الاستمرار في التحدث معهم. صوت العقل والاعتدال ما يزال حيًّا، ولكنه ينخفض شيئًا فشيئًا. إذا استمرينا في الانخراط معهم، بوسعنا جعل المعتدلين أقوى. إذا تغيّر الإطار القانوني الدولي المعادي، سنتمكن من إقناع المزيد من الحوثيين بالاعتدال. إذا قلصنا حدة العنف في الصراع، قد يرتفع صوت الاعتدال. وفي نهاية المطاف، هذه جماعة متماسكة بشدة وجميع أفرادها سيتبعون زعيمهم (عبدالملك الحوثي). وكما قال السفير الفرنسي مؤخرًا، الزعيم هو من يُدخل الاعتدال إلى الجماعة أو يسمح بهذا العنف والتشدد بين اليمنيين.
أخطط للذهاب إلى صنعاء في أقرب وقت ممكن لمواصلة التعامل مع الحوثيين، على أمل أن انتقاداتي القاسية لن تجعل تعاملي معهم مرة أخرى أمرًا مستحيلًا. سأقول لهم المثل العربي: “صديقك من صَدَقَك لا من صدَّقك”.
أعد هذا التقرير (حسب الترتيب الأبجدي): أبو بكر الشماحي، اسامة الروحاني، إلهام عمر، أماني حمد، حمزة الحمادي، ريان بيلي، سبنسر أوسبرغ، علي الديلمي، غريغوري جونسن، فارع المسلمي، ماجد المذحجي، كيسي كومبس، نزيهة بعاصيري، وهانا باتشيت.
تقرير اليمن، هو تقرير شهري يصدره مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية منذ يونيو/ حزيران 2016، وصدر كنشرة شهرية باسم “اليمن في الأمم المتحدة” في أعوامه الأولى. يهدف التقرير إلى رصد وتقييم التطورات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية والإنسانية والحقوقية بشأن اليمن وتزويد القراء برؤية سياقية شاملة حول أهم القضايا الجارية في البلاد.
لإعداد “تقرير اليمن”، يقوم فريق مركز صنعاء في مختلف أنحاء اليمن والعالم، بجمع المعلومات والأبحاث، وعقد اجتماعات خاصة مع الجهات المعنية المحلية والإقليمية والدولية، لتحليل التطورات المحلية والإقليمية والدولية المتعلقة باليمن.
مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هو مركز أبحاث مستقل يسعى إلى إحداث فارق عبر الإنتاج المعرفي، مع تركيز خاص على اليمن والإقليم المجاور. تغطي إصدارات وبرامج المركز، المتوفرة باللغتين العربية والإنجليزية، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بهدف التأثير على السياسات المحلية والإقليمية والدولية.