على مدار ثلاثة أيام (14 و 15 و 16 أبريل/ نيسان)، تبادلت أطراف الصراع في اليمن 887 معتقلا/أسيرا في صفقة تولت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عملياتها اللوجستية. تم الإفراج عن 706 معتقل من جماعة الحوثيين ، مقابل 181 معتقل من الحكومة والتحالف العربي. ورغم أن غالبية المحتجزين هم من المواطنين اليمنيين، شملت الصفقة كذلك إطلاق سراح 16 سعودياً و 3 جنود سودانيين. تولت طائرات الصليب الأحمر الدولي نقل المعتقلين المفرج عنهم من 6 مطارات يمنية وسعودية (مطارات صنعاء، عدن، المخا، تداوين (قرب مأرب)، وأبها والرياض بالسعودية). في 17 أبريل/ نيسان أعلنت السعودية الإفراج عن عدد إضافي تضمن 104 معتقل يمني في مبادرة أحادية الجانب، ليصل بذلك العدد الإجمالي للمفرج عنهم من جميع الأطراف إلى 973 محتجز، ما يجعلها أكبر عملية تبادل منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2020.
أتت عملية التبادل الأخيرة كثمرة لجولات عدة من المفاوضات التي أعقبت اتفاق ستوكهولم 2018. وعلى الرغم من أنها تمثل خطوة مهمة نحو إرساء السلام، فإن ما جرى يُعد تراجعاً صارخاً عن بنود الاتفاق المبرم في السويد – والذي التزمت بموجبه نفس الأطراف بتبادل شامل لجميع أسرى الحرب والامتناع عن أي عمليات أسر مستقبلاً. لم تُنفذ أي عملية تبادل أسرى حتى عام 2020، ولم يكتسب الملف اهتماماً مرة أخرى حتى إعلان الهدنة في أبريل/ نيسان 2022.
في لقاءات عمّان، اتفق ممثلو الحكومة اليمنية و جماعة الحوثيين على تبادل 2223 معتقل بالإجمال، إلاّ أن الاتفاق على الآلية التنفيذية لذلك استغرق عاما كاملا بعدها خلال مفاوضات سويسرا في مارس / آذار 2023. حسب مصادر متواجدة آنذاك، اتسمت المفاوضات – التي رعاها مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن – بنبرة حادة وغالبا ما تضمنت تبادل الاتهامات بعرقلتها، لكن حضور ممثلين عن السعودية – هما اللواء ناصر الثنيان واللواء فلاح الشهراني –ساعد في نهاية المطاف بالضغط للتوصل إلى الصفقة. رغم هذا، خفض الطرفان عدد الأسرى المعتزم مبادلتهم في الصفقة من 2223 الى 887 شخصا.
مفاوضات ذات طابع خاص
منذ بداية الصراع، شَرَع كل طرف باعتقال شخصيات سياسية ومدنية إما من مساكنها أو مقرات عملها، خاصة الحوثيون المعروفون باتباعهم هذا الأسلوب منذ البداية. ففي الأشهر الأولى لسيطرتهم على صنعاء عام 2014، وفي فترة احتدام قتالهم مع الموالين للرئيس السابق علي عبدالله صالح، اعتقل الحوثيون عددا لا يحصى من المدنيين بتُهم مُلفقة. حرصت الجماعة في صفقة التبادل الأخيرة على مقايضة شخصيات مدنية وسياسية بارزة بمقاتلين لها، كما حدث مع الصحفيين الأربعة المحكوم عليهم بالإعدام (توفيق المنصوري، عبدالخالق عمران، أكرم الوليدي، و الحارث حامد) الذين اختطفوا من غرف الأخبار بمقرات عملهم في يونيو/ حزيران 2015، وتم الإفراج عنهم مؤخرا مقابل إطلاق سراح (سميرة مارش) المتهمة من الحكومة بتورطها في عمليات اغتيال وزرع عبوات ناسفة في الجوف ومأرب حصدت أرواح عشرات المقاتلين الموالين للحكومة، علماً أنها المرأة الوحيدة التي تضمنتها صفقة التبادل. حسب مصدر مطلع حضر المفاوضات، طالبت الحكومة مقايضة مارش بمحمد قحطان – الأمين العام المساعد لحزب الإصلاح – إلا أن ذلك قوبل بالرفض من جانب الحوثيين.
يظل مصير السياسي البارز محمد قحطان مجهولاً حتى اللحظة. راجع الحوثيون المقابل المطلوب للتفاوض على إطلاق سراحه من 500 معتقل تابع لهم، إلى 200 ثم إلى 100 معتقل حسب ما أفاده مصدر خاص – لمركز صنعاء حضر المفاوضات. لكن مع استمرارهم بفرض حالة غموض تام على وضعه ورفضهم الإفصاح عن مصيره، تنامت شكوك الطرف الحكومي ما إذا كان لا يزال على قيد الحياة ، خاصة وأنه لم يسمح له بالتواصل مع أقاربه منذ اعتقاله وهو ما يُعد أمراً نادراً بالنسبة للمعتقلين البارزين. مُعتقل آخر لم يتم الكشف عن مصيره حتى اللحظة هو الصحفي وحيد الصوفي الذي اعتقله الحوثيين أمام مكتب بريد التحرير بصنعاء في 2015.
هذا وكان وزير الدفاع السابق اللواء محمود الصبيحي الشخصية الوحيدة المنصوص عليها بالاسم في القرار الأممي 2216، حيث تمت مقايضته في الصفقة الاخيرة بعدد 100 مقاتل حوثي. كما تم الإفراج عن “ناصر منصور هادي” شقيق الرئيس اليمني السابق مقابل 150 مقاتل حوثي، حيث استقبله الأخير في مأدبة رمضانية أقيمت بالرياض في أول ظهور علني له منذ تسليمه صلاحياته لمجلس القيادة الرئاسي في أبريل/ نيسان 2022. في سياق متصل، تضمنت الصفقة الأخيرة الإفراج أيضاً عن عفاش طارق و محمد محمد عبدالله صالح (نجل وشقيق طارق صالح، عضو مجلس القيادة الرئاسي وقائد قوات المقاومة الوطنية) مقابل 100 مقاتل حوثي على ضوء مفاوضات مارس/ آذار الماضي.
من جانب آخر، تم الإفراج عن معتقل بارز آخر هو اللواء فيصل رجب، وذلك في ترتيب مستقل خارج إطار المفاوضات الرسمية. كان الحوثيون قد رفضوا في البداية الإفراج عنه ضمن صفقة التبادل الأخيرة، إلا أن زيارة وفد قبلي من محافظة أبين إلى صنعاء للتفاوض نجحت في إطلاق سراحه بتاريخ 30 أبريل/ نيسان. يُذكر ان اللواء رجب شارك في الحروب الستة ضد الحوثيين بصعدة، وكان من أبرز القيادات العسكرية المشاركة في حرب 1994.
هذا ويظل ملف الأسرى والمعتقلين مُعلقاً وبحاجة لجولات تفاوض قادمة على مصير عدة معتقلين، منهم مقاتلي الحكومة الذين أُسروا في منطقة حجور بمحافظة حجة و عناصر من لواء رداد الهاشمي. كما لا يزال لحزب الإصلاح 1200 معتقل لدى الحوثيين مقابل احتفاظه بـ200 معتقل فقط من الجماعة. في غضون ذلك، تظل هناك مشكلة في القوائم التي قدمتها أطراف الحرب اليمنية نتيجة تقديم المعتقلين/الأسرى أسماء غير حقيقية لأنفسهم لحظة اعتقالهم/أسرهم، ما أدى لتعقيد عمليات تدقيق أسماء وهوية المعتقلين ، بحسب ما أكده مصدر مطلع لمركز صنعاء شارك في المفاوضات.
وأخيراً، هناك مسألة هامة لم تُبحث خلال مفاوضات تبادل الأسرى، وهي عملية النفي الإجباري والتهجير للعديد من المفرج عنهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الطرف المحسوبين عليه، عوضاً عن الإفراج عنهم إلى مناطق إقامتهم الأصلية قبل احتجازهم بأي طريقة كانت. فمثلاً، تم تهجير الُمفرج عنهم مؤخرا من الموالين للحكومة أو المحسوبين عليها (ممن تم اعتقالهم في صنعاء) إلى مأرب، وفي المقابل، تم تهجير المفرج عنهم من المحسوبين على الحوثيين إلى صنعاء، حتى لو قُبض عليهم في مأرب أو كانوا من أبنائها الأصليين. ينطبق الأمر ذاته على المحسوبين على القوات التابعة لطارق صالح أو الانتقالي الجنوبي، إذ تمت معاملة الجميع كأسرى حرب في اتفاقية التسليم بين الأطراف، ولم يُراع وضعهم كمدنيين وسياسيين قد يرغبون فقط بالعودة الى مناطقهم الأصلية. تنص اتفاقية جنيف على تسليم أسرى الحرب للدول أو الأطراف المنتمين إليها، لكن لا ينبغي أن تُطبق هذه الذريعة القانونية على المدنيين ممن يجب كفالة عودتهم إلى مناطقهم الأصلية.