إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

مقالة مميزة عودة إلى أرض الوطن: رحلة مُضنية إلى يَمَنٍ غريب

Read this in English

بعد غياب دام ثماني سنوات عن مسقط رأسي (صنعاء)، وعن اليمن عموما، قررت العودة إلى أرض الوطن تسبقني اللهفة للقاء أسرتي وأحبائي بعد فراق طويل فرضته علينا الحرب.

بين انطلاق الطائرة من مطار عمان وهبوطها في مطار عدن، ثلاث ساعات ونصف. هبطنا في الساعات الأولى من صباح ذلك اليوم. استقبلني شقيقي الأكبر لاصطحابي في رحلة العودة إلى صنعاء بالسيارة التي استغرقت 16 ساعة. توجهنا مباشرة إلى صنعاء، ولم نتوقف سوى مرة واحدة فقط في الساعة الثالثة صباحا لشراء خبز (الطاوة) والشاي العدني وهي من الوجبات العدنية الشهية. نصحنا سائق المركبة، الذي كان مُلما بالطرقات جيدا، بعدم إضاعة الوقت في عدن لتجنب المشاكل عند نقاط التفتيش. فمن خلال تجربته، يعد السفر والتنقل في أوقات الليل هو الأنسب لتجنب الأسئلة الكثيرة من الجنود المرابطين عند تلك النقاط والاحتجاز لساعات أحيانا.

تم تأمين السيارة التي أقلتنا عن طريق إحدى شركات النقل المعروفة في البلاد. يلجأ اليمنيون لهذه الخدمات لتسهيل تنقلاتهم، كون هذه الشركات معتادة على التعامل مع العديد من نقاط التفتيش المقامة على طول الطريق الرابط بين عدن وصنعاء، والطرق المؤدية إلى مدن أخرى في اليمن. ورغم التكاليف الباهظة التي يتكبدها اليمنيون لاستقلال هكذا المركبات – والتي تعادل أحيانا تذكرة رحلة طيران، تتميز هذه الخدمات بتوفير درجة من الأمان للمسافرين براً.

رحلة محفوفة بالمخاطر

يعرف الجميع مشقة السفر التي يتكبدها اليمنيون منذ بداية الحرب، لكن لا شيء يجعلك مستعداً للتجربة على أرض الواقع. نشرت الحرب الخراب والدمار في كل مكان، وباتت الطرق التي عرفتها فيما مضى غير مألوفة بالنسبة لي. لم أستطع تصديق الحال الذي آلت إليه المدن بعد قرابة عَقد من الزمن على اندلاع الحرب. أصبحت مدناً غريبة كُليا.

بعد انطلاق رحلتنا صوب الشمال، قال أخي مازحا بأن عليّ إظهار الامتنان للطرق التي لا تزال معبدة إلى حد ما. لم أفهم وقتها ما كان يعنيه حتى مرورنا بلحج، واتخاذنا مسارا مغايرا للذي كنا نتخذه قبل اندلاع الحرب. فقد عَمدت الأطراف المتحاربة إلى إغلاق الطرق الرئيسية داخل اليمن بسبب قربها من الجبهات، أو لقطع الطريق أمام القوات المناهضة، أو بسبب الأضرار التي لحقت بالطرق بسبب النزاع. يسلك سائقو المركبات الآن طرقا بديلة، غالبا غير معبدة ومقفرة وغير ملائمة للشاحنات أو المركبات الثقيلة. كما تفتقر هذه الطرق لتغطية شبكات الهاتف المحمول والإنترنت أو الاستراحات على قارعة الطريق أو خدمات الإنقاذ في حالات الطوارئ ووقوع الحوادث.

كان على اليمنيين إيجاد طرق بديلة للتنقل والوصول الى وجهاتهم، رغم المشقة ومخاطر سَلْك هكذا طرق. طريقنا كان يمر عبر وادي حيفان، وهو واد يضم قنوات تصريف طبيعية لمياه الأمطار. الطريق ممتلئ بالحجارة والصخور، مع أشجار ونباتات كثيفة على كلا جانبيه.

دراجة نارية تسير على درب ضيق في وادي حيفان بمحافظة لحج – عام 2023 // صورة التقطتها كاتبة المقال

مع مُضي الوقت، بدأت أشعر بالتوتر متسائلة: هل سنصل إلى بر الأمان؟. رغم الظلام الحالك، كان بإمكاننا لمح الشاحنات المحملة بالبضائع تمضي أمامنا في نفس الاتجاه أو في الاتجاه المعاكس بسبب مصابيحها الأمامية المتوهجة وضوئها القوي على أعيننا . ضيق الطريق يعني ضرورة التوقف كل بضع دقائق لإفساح المجال لمرور المركبات الأخرى. استغرق الأمر بضع ساعات لعبور الوادي، بسبب تحركنا بوتيرة بطيئة للغاية. أخبرنا السائق بأننا محظوظين كوننا نجحنا في عبور الطريق بسرعة نسبية، في بعض الأحيان، تجتاح الوادي سيول مفاجئة مما يجبر الناس على التوقف جانبي الطريق حتى لا تجرفهم السيول.

شاحنة محملة بالبضائع تشق طريقها ببطء عبر وادي حيفان في محافظة لحج قبل بزوغ الفجر – عام 2023 // صورة التقطتها كاتبة المقال

هب نسيم منعش مع شعشعة شمس الصباح بعد عبورنا من الوادي . ذكرني المنظر بالأوقات التي كنت أسافر فيها أنا وأسرتي لقضاء العطلات، لا سيما في موسم الأمطار حين تصب شلالات المياه في هذه المناطق وتتوشح بالخضرة. عادت إليّ ذكريات جمال هذه المناطق، لكنها لم تعد كما كانت. فالطرق في حالة سيئة للغاية، ومختلف الأكياس البلاستيكية الملونة تتدلى من أغصان الأشجار، وبدا البؤس على وجوه الجميع.

واصلنا الطريق باتجاه الشمال، في رحلة شاقة أصبحت أكثر مشقة مع مرورنا عبر نقاط تفتيش متعددة. توقفت عن العدّ بعد بلوغ النقطة العشرين، متسائلة: لولا الحاجة الماسة للعمل أو السفر، لماذا يتكبد شخص عاقل هذه المعاناة!

على مشارف صنعاء

بعد ساعات من السفر، اقتربنا من أول نقطة تفتيش تحت سيطرة الحوثيين. رأيت مجموعة من الأطفال والشباب يلوحون بأوراق من فئة الريالات الجديدة المتداولة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، ويعرضون استبدالها بالأوراق النقدية القديمة المستخدمة في مناطق الحوثيين. لم أستطع استيعاب كيف تُستخدم هذه الأوراق النقدية القديمة والبالية لدرجة يصعب التعرف عليها بسبب ترميمها بالشريط اللاصق.

نموذج من الأوراق النقدية القديمة للريال اليمني المستخدمة في الأراضي الخاضعة لسيطرة الحوثيين – عام 2023 // صورة التقطتها كاتبة المقال

أوقفت العناصر المرابطة بنقطة التفتيش سيارتنا، وطلبوا منا جوازات سفرنا، وتوضيح صلة القرابة بيننا، وسبب قدومنا. تفرض سلطات الحوثيين قيودا على حركة النساء عند السفر حيث يحظر سفرهن بمفردهن دون مرافقة ولي الأمر. تواجه النساء غير المصحوبات بأولياء أمورهن خطر الاحتجاز عند نقاط التفتيش، حتى لو كان بحوزتهن جميع الوثائق اللازمة، ولا يتم الإفراج عنهن لحين حضور ولي الأمر. تشتد القيود على النساء الناشطات أو العاملات لدى منظمة غير حكومية أو المنتميات إلى حزب سياسي معارض للحوثيين، حيث يمكن احتجازهن لعدة أيام، وإجبارهن على دفع رشوة أو توقيع وثائق يتعهدن فيها بالالتزام بالقوانين الجديدة.

لا ينتاب المرء شك بتواجده في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين بمجرد دخولها، حيث يلاحظ آلاف الصور لـ (شهداء) الجماعة معروضة على طول الطرق أغلبها من الشباب، إلى جانب شعارات تُبجل الموت والجهاد. كانت تجربة تقشعر لها الأبدان ويصعب وصفها بالكلمات. ذكرني ذلك بمشهد من فيلم مباريات الجوع (The Hunger Games)، حيث تُعرض بطريقة مماثلة صور المتبارين الذين لقوا حتفهم في مسابقة بائسة من أجل البقاء. لكن ما كنت أشهده هو الآلاف من الصور من قلب الواقع، ليمنيين فقدوا أرواحهم على جبهات القتال.

ضواحي صنعاء – عام 2023 // صورة التقطتها الكاتبة

مع بلوغنا مشارف صنعاء، أدركت أن المناطق التي نمر بها أصبحت غريبة بالنسبة لي. عُمرّت مبان جديدة ومنازل فاخرة دون تخطيط أو تنظيم، حيث تجد الطرق الغير معبدة في كل مكان. كان يصعب تمييز الطرق المعبدة، أو معرفة بداية ونهاية الطرقات. هناك تناقض شديد بين واجهات المنازل الجديدة ومعالم وجوه الأشخاص المعدمين الذين يسيرون في الشوارع، أو الباعة على الرصيف الذين يبيعون الخضار والفواكه والملابس الرخيصة. حيث توشحت بالهزيمة والفقر والبؤس.

عودة حلوة لا تخلو من المرارة

يصعب وصف اللحظات الأولى لوصولي إلى منزل أسرتي في صنعاء ولمّ شملي معهم. فما يتبادر لذهني هو لحظات السعادة التي عشناها، الممزوجة برائحة الطعام المنزلي الشهيّ التي كانت تعمّ أرجاء البيت. اجتمعت العائلة بأكملها للجلوس على الأرض وتناول الطعام، محاطين بأجواء الضحك وحلاوة اللقاء. سهرنا حتى وقت متأخر من الليل، لنصحو اليوم التالي على زيارات أصدقاء وأقارب لم أرهم منذ ثماني سنوات. استمعت إلى قصص حياتهم اليومية منذ بدء الحرب، والأوضاع المتردية التي يعيشون في كنفها.

إطلالة على ساحل أبين – عام 2023 // صورة التقطتها كاتبة المقال

يفتقر اليمنيون اليوم للخدمات الأساسية كالكهرباء والوقود وغاز الطهي، وبدأ الكثيرون في الاعتماد على الطاقة الشمسية، مع تدخل الشركات الخاصة لتوفير الكهرباء وإن كان ذلك بتكلفة باهظة لا يستطيع سوى القليل تحملها. ما يعجب له المرء هو أن الثلاجات أصبحت من وسائل الرفاهية، ولا يستخدمها سوى القلة الذين يستطيعون توفير الطاقة الكهربائية في منازلهم. يتم شراء الاحتياجات والمواد الغذائية على أساس يومي، وتقوم النساء بطهي ما سيكفي للاستهلاك في ذلك اليوم فقط لعدم إمكانية الاحتفاظ ببقايا الطعام لليوم التالي في غياب الثلاجات. أصبحت خدمات الدولة معدومة والرواتب مقطوعة، وما يزيد الطين بلة فرض سلطات الأمر الواقع الحوثية الغرامات والزكاة التي تتضمن ما يسمى بـ الخُمس في القانون الجديد الذي أصدرته الجماعة، ويخصص 20% من إيرادات الزكاة للأسر الهاشمية حصريا.

على صعيد آخر، تراجعت جودة التعليم في اليمن بصورة كبيرة، فالمدارس الحكومية التي كانت توفر التعليم للطلاب مجانا فيما مضى، باتت تفرض الآن رسوما وتبرير ذلك بالحاجة إلى دفع رواتب المعلمين. ومع تردّي الأوضاع المعيشية وعدم تسلّم موظفي القطاع العام على رواتبهم بانتظام منذ عام 2016، وجد العديد من الآباء أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما مواصلة أبنائهم لتعليمهم تحت هذه الظروف، أو إخراجهم من المدرسة للعمل ودعم الأسرة. في عام 2021، ذكرت اليونيسف أن عدد الأطفال المتسربين من المدارس في اليمن يزيد عن مليوني طفل، حيث بدأ الكثير منهم بالانخراط في العمل أو تم تجنيدهم للقتال على الجبهات.

فضلا عن ذلك، أصبحت المدارس الواقعة في مناطق سيطرة الحوثيين تعتمد الآن التقويم الهجري عوضا عن التقويم الميلادي، انطلاقا من رغبة سلطات الأمر الواقع الحوثية في بدء العطلة الصيفية تزامنا مع بداية شهر رمضان، حتى لو صادف في فصل الشتاء.

تناقشت مطولا مع أصدقائي عن هذه التغييرات واقترحت إحداهن عليّ زيارة جامعة صنعاء، حيث تعمل كأكاديمية في كلية الآداب. باعتباري من خريجات جامعة صنعاء وعملي كمعيدة فيها سابقا، قبلت الاقتراح لكني لم أتوقع أن أشهد الجامعة شبه خالية بصورة موحشة مع وجود عدد قليل من الطلاب فيها. في الماضي، لم يكن يُطلب من الطلاب إلا دفع رسوم دراسية رمزية للغاية في الجامعة بحيث يمكن للجميع دفعها، لكن حتى هذا تغير في الوقت الحاضر، مما أدى إلى انخفاض في معدلات التسجيل والالتحاق. الأمر أصعب بكثير بالنسبة للنساء المحاضرات في الجامعة أو العاملات فيها، حيث أُغلقت دورات المياه الخاصة بالموظفات وهو ما دفعني للتساؤل باستمرار: لماذا كل هذه الإجراءات القمعية؟

تقوّضت حقوق المرأة بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، فبعد أسبوع واحد من وصولي إلى صنعاء، انطلقت حملة على وسائل التواصل الاجتماعي قادتها العديد من الناشطات والأكاديميات اللواتي نشرن صورا لهن مرتديات الأزياء اليمنية التقليدية مستخدمات وسم /هاشتاج #YemeniIdentity ( الهوية اليمنية). تتميز الأزياء التقليدية للنساء اليمنيات بالألوان والنقوش وبتطريز معقد، وكل منطقة من مناطق اليمن تعتمد أزياء وتصاميم مختلفة. جاءت الحملة كرد فعل على قرار سلطات الحوثيين بتشميع وغلق المتاجر التي تبيع أزياء نسائية لا تتماشى مع قوانين الجماعة المتعلقة بلباس المرأة. كما صدرت تعليمات لأصحاب المتاجر تحظر بيع العبايات القصيرة أو المخصرة أو الملونة أو المزركشة، والالتزام ببيع العبايات السوداء فقط التي لا تحتوي على أي تطريز. هذا مجرد إجراء من بين العديد من الإجراءات القمعية التي تحد من دور المرأة في الحياة العامة.

قضيت شهرا كاملاً في صنعاء، أستمع إلى قصص لا تعد ولا تحصى عن المشاق التي يعاني منها أشخاص قابلتهم، واستوعبت بذلك التغييرات التي طرأت على الحياة في اليمن منذ اندلاع الحرب. كنت محاطة بمحبة ودفئ عائلتي، لكن آن الأوان لشد الرحال والعودة من حيث أتيت.

محطة توقف في عدن

عدنا أدراجنا إلى عدن مساء يوم جمعة. اخترنا عمدا هذا اليوم على أمل أن تخف حركة الشاحنات التي تمر عبر وادي حيفان كونه يوم عطلة في اليمن. بمجرد رؤيتي البحر، نسيت كل مشاق الرحلة. ذهبنا أنا وأخي في وقت مبكر صباح اليوم التالي في نزهة على الشاطئ المطل على ساحل أبين، والذي يضم العديد من الفنادق التي تستضيف نزلاء من الشمال مسافرين إلى الخارج عبر مطار عدن. يعتبر فصل الشتاء من أجمل فصول السنة للراغبين في زيارة عدن حيث يكون الطقس معتدلا.

رغم ارتفاع تكاليف المعيشة في عدن منذ اندلاع الحرب، وزيادة معدلات التضخم، إلا أن موظفي الخدمة المدنية يتسلمون رواتبهم بوتيرة أكثر انتظاما مقارنة بموظفي القطاع العام في المناطق الخاضعة لسيطرة سلطات الحوثيين. كما لا تزال الكهرباء متاحة رغم انقطاعها المتكرر (خاصة خلال أشهر الصيف الحارة). تستخدم المرافق الحكومية والفنادق المولدات الكهربائية، وهي حلول ليس بوسع جميع السكان تحمل تكاليفها.

اصطحبنا صديق للعائلة بالسيارة لتناول طعام الغداء في منطقة تعرف باسم (صيرة) تشتهر بأسواق السمك فيها. يمكنك اختيار نوع السمك الذي تحبذ تناوله وأخذه إلى أحد المطاعم العديدة المتواجدة في المنطقة لطهيها. اخترنا مطعم مع طاولة تطل على الساحل، وكان المكان مزدحم بالعائلات. آخر مرة زرت فيها عدن لقضاء بعض الوقت كانت في عام 2009، حيث اعتدنا أنا وعائلتي القدوم إليها خلال عطلة العيد للاستمتاع بساحلها الجميل وكنا ننزل في أحد الفنادق التي شُيّدت بداية تسعينيات القرن العشرين. كانت عدن آنذاك وجهة لليمنيين من جميع المحافظات. لم يسعني سوى ملاحظة طريقة اللباس التي تعتمدها النساء في مدينة كعَدن تصبح درجات الطقس فيها شديدة الحرارة، حيث جميعهن تقريبا كنّ مرتدياتٍ البرقع ومُتشحات بملابس سوداء. في أوج مجدها، كانت عدن منارة للنساء الرائدات في جميع مناحي الحياة . في ذلك اليوم، لم أرَ امرأة واحدة خلف مقود السيارة.

شعرت أيضا بنوع من التحفظ يسود المكان، إن لم يكن انزعاجا صريحاً من الزوار القادمين من الشمال. فقد لحقت بعدن أضرار كبيرة منذ محاولة الحوثيين الاستيلاء على المدينة في مارس/آذار 2015، ولا تزال آثار الحرب منعكسة بشكل واضح على واجهات مباني المدينة ومنازلها.

إطلالة من إحدى النوافذ على مدينة صنعاء – عام 2023// صورة التقطتها كاتبة المقال

دُمرت العديد من فنادق عدن كُلياً، ولمست نوعا من اللوم تجاه سكان المناطق الشمالية حيث يشار إليهم بالعامية أحيانا بـ “الدحابشة”، وهو مصطلح ازدرائي شاع استخدامه ضد سكان الشمال بعد توحيد شطري اليمن. قرأت تردداً واضحاً في وجوه الأشخاص الذين قابلتهم بمجرد حديثي معهم وإدراكهم أنني لست من المدينة. لكن لا أستطيع لومهم على هذا.

يمن غريب و شعاع من الأمل

كان لدينا حلم عندما خرجنا للساحات في 2011 نطالب بيمن ووطن له الحق في الحياة الكريمة، لكننا أصبحنا غرباء في بلدنا. هذا لا ينطبق فقط على المغتربين منا الذين هجرتهم الحرب الى خارج أوطانهم، ولكن أيضا على سكان اليمن الباقين فيها. فالسفر إلى اليمن من الخارج أصبح أسهل من التنقل من محافظة إلى أخرى داخلها، وأصبح أبناء المجتمع اليمني منقسمين على أنفسهم. ومع دخول الحرب عامها التاسع، تغيّر كل ما كنا نألفه عن بلادنا. فالظروف المعيشية باتت مزرية، لا تُخفى معالم الهزال والبؤس على الوجوه، وتخلى معظم السكان عن أحلامهم وتطلعاتهم للمستقبل. أصبحت حياة الغالبية العظمى عبارة عن كفاح يوما بعد يوم من أجل البقاء على قيد الحياة. لكن شعاع الأمل لا يزال باقٍ مهما كان هزيلاً، ولا بد أن تستمر الحياة. شهدت عزيمة لا تُصدق من شباب تحدوا كل الصعاب من أجل العمل وتأمين قوت يومهم وتلبية احتياجاتهم، وبطرق غالبا ما تكون مبتكرة. ذُهلت على وجه الخصوص من إصرار الشابات اللواتي أنشأن مشاريع تجارية صغيرة لكسب لقمة العيش، سواء عبر الإنترنت أو من خلال فتح متاجر أو حتى العمل من بيوتهن. لكن رغم بصيص الأمل الموجود، غمرني شعور بأن البلاد وشعبها لم يعد بوسعهما تحمل أوزار هذه الحرب. ولا أنفك أفكر : هل يوجد سبب واحد لاستمرار هذه الحرب؟ في ظل وجود مليون سبب يبرر الحاجة إلى إرساء السلام في بلادنا؟

البرنامج / المشروع: تقرير اليمن