شهدت محافظة حضرموت توترات متزايدة خلال شهر يناير/ كانون الثاني، مع تظاهر أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي في شوارع سيئون مطالبين بإحلال مقاتلين محليين محلّ قوات المنطقة العسكرية الأولى الموالية للإصلاح. إلا أن تطلعات الانتقالي الجامحة لتوسيع نفوذه في المحافظة واجهت انتكاسة بعد وقوف التكتلات القبلية القوية في المحافظة له بالمرصاد، مطالبة العناصر الموالية للانتقالي بالمغادرة باعتبارها تهديداً للأمن المحلي، وداعية في نفس الوقت إلى تجنيد مقاتلين محليين. من جانب آخر، نظّم متظاهرون مناهضون للانتقالي مظاهرات في سيئون ترفض إقامة معسكرات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في المنطقة.
استمرت المظاهرات طوال الشهر، وسرعان ما رافق هذه الاحتجاجات تعبئة عسكرية، حيث نقلت قوات المنطقة العسكرية الثانية (ومركزها المكلا في ساحل حضرموت) كتيبة قوامها 500 مقاتل إلى منطقة بالقرب من سيئون، بينما نُقلت قوة موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي من مطار الريان بالقرب من المكلا إلى موقع استراتيجي في الهضبة الجنوبية المطلة على ساحة عمليات المنطقة العسكرية الأولى. نسقت السعودية مع حلف قبائل حضرموت لتجنيد ما لا يقل عن 10,000 مقاتل وإنشاء مواقع عسكرية جديدة في مناطق قبائل الكثيري، بهدف منع القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي من التوغل في وادي حضرموت. تسبب التنافس بين كل من السعودية والإمارات – ووكلائهما في المحافظة – في توتر العلاقة بين الدولتين الشريكتين في التحالف، بنفس القدر الذي توتّرت به العلاقات إثر قرار السعودية ببدء محادثات ثنائية مع جماعة الحوثيين المسلحة.
على صعيد آخر، شهد شهر فبراير/ شباط وصول أول رحلة دولية إلى مطار الريان (بعد توقف دام أربع سنوات)، حيث حطت طائرة تابعة للخطوط الجوية اليمنية تُقل على متنها حوالي 100 راكب على مدرج المطار في 4 فبراير/ شباط قبل أن تعود أدراجها إلى جدة. وفي هذا السياق، أشار المحافظ مبخوت بن ماضي إلى أن إعادة افتتاح المطار تأتي تمهيدا لتشغيله بشكل دائم.
المحادثات السعودية – الحوثية
خلال شهر يناير/كانون الثاني، بدأت التقارير بكشف محادثات سرية بين السعودية وجماعة الحوثيين، وتنامت شكوك الإماراتيين إزاء المسار الذي تتجه نحوه هذه المحادثات. كجزء من استراتيجيتهم الهادفة إلى انتزاع اعتراف رسمي بحُكمهم على شمال اليمن، طالب الحوثيون السعودية بالردّ على مقترحاتهم كتابياً. من جانبه، قدم الفريق العُماني الوسيط لمحة عن سير المحادثات إلى مكتب المبعوث الأممي الخاص، مشيرًا إلى أنها لم تتجاوز بعد الخطوط العريضة المتفق عليها بين الطرفين رغم أنها تمضي قُدماً. ذكرت تقارير بأن السعودية وافقت من حيث المبدأ على سداد رواتب موظفي الخدمة المدنية لمدة عام واحد، بما في ذلك رواتب أفراد الجيش والأمن العاملين في مناطق سيطرة الحوثيين، لكن لم تظهر بعد تفاصيل كشوفات المرتبات. في المقابل، طالبت الرياض بالحصول على ضمانات أمنية، بما في ذلك إقامة منطقة عازلة على الحدود وإنهاء الحصار الذي يفرضه الحوثيون على حركة صادرات النفط الحكومية بعد استهدافهم البنية التحتية لموانئ تصدير النفط جنوبيّ البلاد بالطائرات المسيرة. تشمل الشروط الأخرى تقديم تسهيلات لإعادة فتح مطار صنعاء أمام عدد أكبر من الرحلات وتسهيل تدفق الواردات عبر ميناء الحديدة، في الوقت الذي تتطلع فيه السعودية أيضًا إلى إنهاء الحصار الذي يفرضه الحوثيون على تعز وإشراك الحكومة في المحادثات.
رغم أن هذا الانفتاح يشير إلى استعداد السعودية لتخطي خيار الحل العسكري، لا تنتفي الأسباب التي تعزز رغبتها بالحفاظ على نفوذها في اليمن بل وتوسعته. في جميع الأحوال، يبدو أن الطرفين حققا بعض التقارب بشأن مجموعة من القضايا، فبعد فشل السعودية في إخراج الحوثيين من صنعاء وتعرضها لانتقادات دولية، أصبح هدفها الراهن هو تقديم نفسها كنصيرة للسلام عوضا عن كونها طرف في الحرب. وبالتالي، قد لا تعود مطالبات الحوثيين بإعادة فتح ميناء الحديدة بالكامل مصدر قلق للرياض بعد الآن، لا سيما بعد عدم عثور آلية التحقق والتفتيش الحالية التابعة للأمم المتحدة على أي شحنات أسلحة. بالنسبة للمسائل المتعلقة بالحدود المشتركة، اقترحت السعودية إقامة منطقة عازلة مُوسّعة غير مأهولة بالسكان، وأن تلعب القوات العمانية أو الدولية دورًا في رصد الوضع على الأرض، لكن موقف الحوثيين من هذه المسائل يظل غير واضح.
تتميز هذه المحادثات بكونها “ثنائية” وبالتالي تُقصي باقي الأطراف. لم يسع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي فعل شيء سوى الاحتجاج أمام السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر بالقول إن الجنوبيين لن يقبلوا بأي صفقة أحادية الجانب، وبأنه لا يمكن الوثوق بالجانب الحوثي. الجدير بالذكر أن السفير آل جابر لم يقدم أي تطمينات معينة للمجلس الانتقالي الجنوبي، ولم يأتِ على ذكر أي ترتيبات لتقاسم السلطة أو شكل الحكومة في حال التوصل إلى اتفاق. من جهة أخرى، ما تزال علامات الاستفهام تحيط بموقف الإمارات، لكن أبوظبي قادرة على استخدام نشاط المجلس الانتقالي المتزايد في حضرموت للتأثير على سير المحادثات، وانخراط الإمارات في حضرموت يُعد مؤشراً على أنها قد تتصرف باستقلالية في المناطق الواقعة خارج سيطرة الحوثيين.
كان مصدر سعودي رفيع قد صرّح لمركز صنعاء في فبراير/ شباط، بأن الرياض تخطط لعقد مؤتمر لإعلان نتائج المفاوضات، لكن سرعان ما تم تأجيل المؤتمر إلى ما بعد شهر رمضان (المتوقع أن ينتهي في 21 أبريل / نيسان)، ربما بهدف كسب المزيد من الوقت لضمان تواجد ممثلين عن جماعة الحوثيين. فـ المؤتمر يُعد فرصة لتتحقق زيارة رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين “مهدي المشاط” إلى الرياض – بناء على دعوة من الأخيرة – حيث ستُمثل الزيارة تنازلًا مُهمًا من صنعاء من وجهة النظر السعوديين، وستُعزز في الوقت ذاته مكانة سلطات الحوثيين. يعتقد السعوديون أن ظهور المشاط في المؤتمر سيُشكل علامة فارقة أخرى في تحسين صورتهم دوليًا بعد التداعيات الكارثية لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي ومقاطعة قطر وانخراطهم في حرب اليمن التي أثارت سخط الأوساط السياسية الغربية. يبدي دبلوماسيون سعوديون رفيعو المستوى موقفا جديدا أكثر ارتياحاً إزاء الوضع في اليمن، حيث يشعرون وللمرة الأولى منذ تدخلهم العسكري في عام 2015 بأن المجتمع الدولي ينظر إلى السعودية الآن كقوة لتحقيق السلام عوضا عن النظر إليها كدولة معتدية.
من جانبها، رفضت الإمارات المحادثات السعودية – الحوثية رفضاً قاطعاً، وهو ما قد يشكل تهديدا يتمثل في إعلان المجلس الانتقالي انفصال الجنوب بدعم إماراتي، بمجرد الإعلان عن اتفاق بين السعودية والحوثيين، وسيؤدي هذا بدوره إلى استفزاز أطراف أخرى للقيام بالأمر ذاته – في حضرموت مثلاً. حدوث ذلك سيصب في مصلحة الحوثيين ويمنحهم ذريعة لطالما ترقبوها لإعلان دولة مستقلة في مناطق سيطرتهم، وبغض النظر عن الخطاب الذي يتبناه الحوثيون، لا يتضح بعد ما إذا كان طموحهم في السيطرة على البلاد بأكملها لا يزال قائما.
ميناء الحديدة
بدأت سلطات الحوثيين أواخر يناير/ كانون الثاني بإصدار تعليمات لشركات الشحن التجارية بتوجيه شحناتها إلى ميناء الحديدة مباشرة، دون التقيّد بالإجراءات المعمول بها سابقا كعمليات التفتيش التي تجريها العناصر السعودية بعد انتهاء آلية التفتيش التابعة للأمم المتحدة في جيبوتي. لم تتمكن الحكومة من إجبار الشركات على الامتثال لتعليماتها كون السعودية لم تتخذ أي إجراء في هذا الشأن، وهي إشارة أخرى على تعاون جديد بين السعودية والحوثيين ويرمز إلى رغبة الرياض في تسليم إدارة الصراع إلى أطراف دولية.
تواصلت جهود الحوثيين في شهر فبراير / شباط من أجل إعادة فتح الميناء بالكامل، رغم اعتراض الحكومة على ذلك. وتشير تقارير إعلامية إلى أن تخفيف القيود على الميناء جاء كجزء من إجراءات بناء الثقة المتفق عليها في المحادثات بين السعودية والحوثيين، حيث تشكل إعادة فتح الميناء جزءاً من أجندة الحوثيين في حربهم الاقتصادية، وباتوا يطالبون التجار ممن ينقلون البضائع براً إلى مناطق سيطرتهم (بعد استيرادها عبر موانئ الحكومة) بالتوقيع على تعهد خطي باستخدام موانئ الحديدة لاستيراد البضائع مستقبلاً. تُعد هذه الخطوة تطوراً لا يبشر بالخير بالنسبة للحكومة كونها تُفاقم من مشاكلها المالية بشكل مضاعف، لا سيما أن الإجراءات الجمركية المبسطة في ميناء الحديدة أسرع وأقل تكلفة مقارنة بالتكاليف المتعددة المترتبة على استيراد البضائع عبر ميناء عدن ونقلها براً إلى المناطق الشمالية (على الرغم من أن ذلك قد يقابله ارتفاع أقساط التأمين نتيجة المخاوف من مصادرة حاويات الشحن كما حدث في الماضي). في غضون هذا، تم تداول تقارير عن احتمال قطع قوات الحوثيين الطريق الرئيسي بين عدن والحديدة في مديرية التحيتا.
تراجع النفوذ القبلي
جاءت وفاة الشيخ صادق الأحمر، زعيم اتحاد قبائل حاشد وأحد الأعضاء المؤسسين لحزب الإصلاح، في 6 يناير/كانون الثاني كعلامة فارقة قد تعزز تراجع نفوذ القبائل اليمنية القوية في ظل حكم الحوثيين. شُيع الشيخ صادق الأحمر في جنازة حضرها الآلاف من الشخصيات القبلية في صنعاء في 8 يناير/كانون الثاني، وهي دلالة على أن قبائل حاشد ما زالت متحدة إلى حدّ ما تحت جناح زعيمها الجديد الشيخ حمير الأحمر الذي ارتدى جنبية شقيقه الشيخ صادق كرمز لمنصبه الجديد. أحد أهم الركائز التي اعتمد عليها الحوثيون لترسيخ سلطتهم في الشمال هو قدرتهم على إخضاع القبائل الشمالية، فلم تعد اتحادات القبائل كحاشد وبكيل سوى ظل لما كانت عليه في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح. سبق وأن أُهين آل الأحمر خلال معارك الحوثيين في عمران عام 2014، حين دمّر الحوثيون منزل الشيخ عبدالله الأحمر، الزعيم التاريخي لآل الأحمر. ورغم أن جنازة الشيخ صادق الأحمر أتاحت فرصة لتجمّع وجاهات اتحاد قبيلة حاشد بعد أوقات عصيبة، إلاّ أنها لم تُشر إلى تجدد قوة الاتحاد بقدر ما أشارت إلى نهاية حقبة زعيم من زعاماتها.
ممارسات تضطهد المرأة
شهد شهر يناير/كانون الثاني تنامي حملات الحوثيين القمعية ضد حقوق المرأة في صنعاء، حيث اعتقلت سلطات الجماعة مذيعة معروفة وزميلتيها بتهمة التنقل بين المحافظات دون محرم، ومخالفتهن لقوانين منع سفر المرأة دون محرم المفروضة منذ العام الماضي. في خطوة أخرى، أصدرت قيادات الحوثيين أوامر لأصحاب محلات الألبسة النسائية في العاصمة بالتوقف عن بيع العباءات النسائية القصيرة أو الُمخصّرة أو الملونة أو المزركشة.
في شهر فبراير/ شباط، تقدمت 25 امرأة ممن يشغلن مناصب كبيرة في المؤسسات الرسمية بصنعاء برسالة إلى رئيس وزراء سلطة الحوثيين، عبد العزيز بن حبتور، طالبن فيها بإنهاء التمييز الجديد الممارس ضد المرأة في مناطق سيطرة الحوثيين. وجاء في الرسالة أن هناك توجه عام لفصل النساء من أعمالهن في الجهاز الحكومي، عبر توجيهات تحدّ من حرية تنقلهن دون محرم أو إذن من السلطات، وإلغاء قطاعات المرأة في بعض الوزارات والمؤسسات، تحت مبرر منع “الاختلاط”، إلى جانب رسائل خُطب يوم الجمعة التي تحذر من عمل المرأة و التحاقها بالتعليم. جاءت الرسالة ملفتة كونها من شخصيات نسوية غالبيتهن من الطبقة الهاشمية، و معظمهن يعملن في الوزارات والمؤسسات الرسمية التابعة للحوثيين و ينتمين إلى أُسر موالية للجماعة. تضمنت الرسالة اعترافاً ضمنياً بشرعية الحوثيين، لكنها حذرت من تزايد الممارسات القمعية التي من شأنها أن تهيئ فرصة للقوات المناهضة للحوثيين لدق إسفين بين المجتمع وسلطات الجماعة. و بقراءة ما بين السطور، يبدو أن الرسالة تعكس أيضًا مخاوف من أن صنعاء لن تكون بمنأى عن أجندة الحوثيين الأيديولوجية التي نُفذت في المناطق الجبلية المرتفعة شماليّ اليمن والتي ضيقت الخناق على البيئة المتحررة نسبياً التي كانت تسمح للمرأة بالعمل. بشكل عام، تسلط الرسالة الضوء على التوازن الصعب الذي يحاول نظام الحوثيين الحفاظ عليه عبر استرضاء فئات المجتمع المختلفة، بما في ذلك المنظرين الايديولوجيين والأسر الهاشمية والكوادر العسكرية، لا سيما في هذا المنعطف الحرج الذي ترى فيه سلطة الحوثيين أخيرا إمكانية الحصول على اعتراف إقليمي ودولي.