إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

افتتاحية مركز صنعاء المحادثات “الثنائية” بين السعودية والحوثيين تُنذر بمآلات خطيرة

Read this in English

منذ أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي، بدأت تقارير تنجلي عن محادثات سلام ثنائية بين المملكة العربية السعودية وجماعة الحوثيين المسلحة، أكدتها مؤخرًا وسائل الإعلام لتُعزز التفاؤل والتكهنات بنتائجها على نطاق واسع. من المُهم الترحيب بهذه المحادثات كخطوة قد تفضي إلى إنهاء الحرب المأساوية التي مزقت أوصال اليمن، إلا أن إرساء سلام دائم سيتطلب توسيع دائرة المحادثات لتشمل جميع الأطراف اليمنية.

لم تتضح بعد المرحلة التي توصلت إليها المفاوضات السعودية الحوثية، لكنها تطرقت إلى قضايا طُرحت على الطاولة منذ إبرام الهدنة العام الماضي، بما في ذلك مسألة سداد رواتب موظفي القطاع العام، وتخفيف القيود المفروضة على الموانئ التي يضع الحوثيون أيديهم عليها، ومسألة تقديم ضمانات تكفل أمن الحدود. لكن الملفت هو أن المحادثات منحصرة بين الطرفين فقط، ورغم إعراب الحكومة اليمنية عن ثقتها بانضمامها قريبًا إلى طاولة المفاوضات (وفق ما جاء على لسان الرئيس رشاد العليمي مؤخرًا)، صرّحت قيادات حوثية علنًا أنها لن توقع اتفاقًا مع مجلس القيادة الرئاسي المُمثّل للحكومة اليمنية. في الوقت الراهن، لا تخدم هذه المحادثات سوى مصالح الطرفين المنخرطين فيها، مع تطلع الجانب السعودي إلى إنهاء تدخله الكارثي في اليمن. ويبدو أن عجز السعوديين عن الإطاحة بالحوثيين أقنعهم بتقديم أنفسهم كنُصراء للسلام ووضع حد للحرب المكلفة التي أصبحت كابوس علاقات عامة لنحو عقد من الزمن. بالنسبة للحوثيين، تأتي المحادثات كفرصة لانتزاع اعتراف دولي بتفوقهم العسكري منذ فترة طويلة وخطوة نحو إضفاء الشرعية الدولية على حُكم الجماعة. من هذا المنطلق، سيُتيح أي اتفاق ثنائي فرصة للطرفين بنفض أيديهما من حالة الموت والدمار التي ألحقاها بمعظم مناطق البلاد.

لعل أبرز ما يميز هذه المحادثات هي ضمّها طرفًا واحدًا فقط على الجانب اليمني، أي سلطات الحوثيين التي -رغم هيمنتها العسكرية -لا تمثل كافة اليمنيين ممن يعيشون الآن في المناطق الخاضعة لسيطرتها. بالتالي، يمكن التنبؤ بسيناريوهين شبه مؤكدين لهذه المفاوضات المفتقرة للشمول: أولا، سيعاني المفاوضون من نقص المعلومات المُساعدة على استكمال الصورة، مما يعني فشلهم في فهم أو معالجة أوجه المظالم العديدة للأطراف غير المشاركة في الحوار؛ وثانيًا، من المستبعد أن تحظى نتائج المفاوضات بتأييد الأطراف التي حُرمت من الجلوس على الطاولة. تبرز مسألة أخرى يجب أن تؤخذ في الحسبان وهي أن هذه المحادثات تنزع الشرعية علنًا عن الحكومة المعترف بها دوليًا، فرغم أن السلطة التنفيذية الحالية لا تُعد هيئة تمثيلية بالمعنى الصحيح، إلا أن إضعاف هذا الائتلاف المحلي الهش يرقى إلى الدعوة لحلّه الأمر الذي سيَترتب عليه تداعيات لا تُحمد عقباها.

الطريقة المُثلى لتجنب هذه السيناريوهات هي توسيع دائرة المحادثات لتُشرك مجموعة كبيرة من الأطراف الفاعلة اليمنية، إلى جانب الشركاء الخليجيين الآخرين. انخراط هذه الأطراف في المفاوضات الجارية وفي أي صفقة مستقبلية هي مسألة جوهرية، وإن كان هناك درس تعلمناه من تاريخ اليمن الحديث فهو أن التعددية السياسية وطبيعتها المعقدة تُخفي الكثير من القوى القادرة على نسف أي صفقات استُبعدت منها. مرّت البلاد بهكذا تجارب ومنذ فترة ليست بعيدة، فَمؤتمر الحوار الوطني الذي رعاه مجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة في 2013-2014 كان يهدف إلى انتقال سياسي يشمل كافة الأطراف عقب نظام الرئيس علي عبدالله صالح السلطوي، لكنه فشل في إدراج تطلعات بعض الأطراف والأحزاب بشكل وافٍ أو معالجة أوجه مظالمها، وهو ما أنذر بإطلاق شرارة الحرب. من هذه الزاوية، تبرز أهمية إشراك كافة الأطراف في المحادثات الأخيرة، بما فيها دولة الإمارات التي رسخت موطأ قدم لها كعرّاب للعديد من القوات في المعسكر المناهض للحوثيين، وتسخير نفوذ أبوظبي من أجل الصالح العام. فتطوّر الأجندات السعودية والإماراتية المتضاربة إلى منافسة عسكرية سيكون له تداعيات كارثية، وتبرز الخلافات الأخيرة في حضرموت كمثال لا يبشر بالخير.

رغم الشكوك التي تساور المراقبين حيال نجاعة هذه المفاوضات، يمكن أن تخرج بنتائج إيجابية إن تم التعاطي معها بالشكل السليم. توسيع دائرة المحادثات لتشمل أطرافًا أخرى لن يساهم فقط في الحدّ من الاحتقان السياسي داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، بل سيقضي على أي مغريات لدى بعض الأطراف للعب دور المفسد. كما سيُضيّق هذا من الحيز المتاح لتحرُّك تنظيم القاعدة في جزيرة العرب؛ الذي ما يزال قوة مزعزعة للاستقرار داخل أراضي دولة تعاني من حالة تشظي. يمكن القول بأن المحادثات الحوثية السعودية الجارية أضفت صبغة غير رسمية على الهدنة المنقضية، ورغم أن هكذا مفاوضات لا تعد الأولى من نوعها، هذه هي المرة الأولى التي أظهر فيها الطرفان درجة الجدية التي نشهدها اليوم.

تشير كل الاحتمالات إلى أن الطرفين سيَعقدان صفقة تخدم مصالحهما فقط وليس مصالح اليمن وشعبه، إذا ما سُمح لهما بالتفرّد في تقرير مسار هذه الحرب. وعوضًا عن إحلال السلام، ستكون النتيجة إضفاء الطابع المؤسسي على هيكل سياسي ضعيف وغير مستقر، سينتهي به المطاف إلى الانزلاق إلى دوامة من العنف المتزايد. يظهر أن الجانبين السعودي والحوثي يرتبان أوراقهما قبل تدشين علاقات جديدة رسميًا -ومن هنا نكرر الدعوة إلى إشراك الأطراف الأخرى في أقرب وقت ممكن. ينبغي كذلك تقديم ضمانات اليوم بأن تُطرح نتائج أي تسوية نهائية يُتوصل إليها للاستفتاء، فالشعب اليمني الذي كابَد الويلات والمآسي يستحق قول كلمته وتقرير مصيره.