يصادف الاحتفال باليوم الوطني للبيئة في اليمن العشرين من فبراير/ شباط كل عام. تنص المادة رقم (35) من الدستور اليمني على حماية البيئة باعتبارها مسؤولية الدولة والمجتمع، وواجب ديني ووطني على كل مواطن. خلال هذا العام، شهدت مختلف مناطق اليمن إقامة العديد من الندوات وورش العمل ومباريات كرة القدم والفعاليات والأنشطة الثقافية الأخرى الرامية إلى إذكاء الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة وحمايتها.
انطلقت هذه الحملة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا عبر مختلف المؤسسات التعليمية التي سلطت الضوء على الأنواع المهددة بالانقراض في اليمن، وتخللها إقامة العديد من الفعاليات في محافظة عدن وأبين ولحج وسقطرى ومحافظات أخرى، حملت رسالة واضحة عنوانها «لا تسامح إطلاقا مع الاتجار والاصطياد للأنواع المهددة بالانقراض». تُعد اليمن موطناً لمجموعة متنوعة من الموائل التي تأوي كائنات نادرة، منها النمر العربي و المها العربي والغزلان وأنواع مختلفة من السلاحف البحرية، لكن في ظل ضعف الرقابة الرسمية وغياب سيادة القانون، لا يزال الصيد الجائر يهدد الحياة البرية المحلية ناهيك عن الصيد المفرط للأسماك. كانت البيئة في أرخبيل سقطرى (المدرج على قائمة اليونسكو للتراث الطبيعي العالمي نظراً لتنوعه البيولوجي الغني) محور التركيز في الفعالية المقامة بالمحافظة بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للبيئة.
موطن تعشيش السلاحف النادرة
يضم خليج عدن مجموعة متنوعة من النُظم الإيكولوجية الساحلية والبحرية التي أسهمت في التنوع البيولوجي والجيني للمنطقة، كما يُعد موطناً لتعشيش السلاحف وتكاثرها. يتواجد في المياه اليمنية حوالي خمسة أنواع من السلاحف البحرية هي: السلاحف الخضراء (Chelonia mydas)، وضخمة الرأس (Caretta caretta)، وصقرية المنقار (Eretmochelys imbricata)، و لجأة ردلي الزيتونية (Lepidochelys olivacea)، والجلدية الظهر (Dermochelys coriacea). وفقًا لدراسة أجريت عام 2022 في 13 دولة تطل سواحلها على شمال غرب المحيط الهندي، لم يُرصد أي نشاط لتعشيش السلاحف ضخمة الرأس في أي مكان آخر غير عُمان واليمن، حيث يصل العدد في اليمن من 50 إلى 100 أعشاش في السنة. فضلا عن ذلك، تُعشش في اليمن ما يقرب من 6000 سلحفاة خضراء و500 سلحفاة صقرية المنقار سنوياً حسب التقديرات الأخيرة.
بعض هذه الأنواع باتت مهددة الآن بالانقراض بسبب تلوث البحر والشواطئ بالنفايات الصلبة والبلاستيكية، وتدمير الموائل الطبيعية لهذه الأنواع، الأمر الذي يشكل تحديات كبيرة أمام بقائها على قيد الحياة. تشمل التهديدات الأخرى لهذه الأنواع تغير المناخ وتأثيره المحتمل على درجة حرارة الرمال حيث تضع السلاحف بيضها، وكذلك ارتفاع مستوى سطح البحر وتأثيره على الشواطئ التي تعشش فيها السلاحف، مما يجعلها عرضة للفيضانات وعوامل التعرية المختلفة. رغم هذا، يظل التهديد الأكبر من ممارسات الصيد الجائر للسلاحف التي انتشرت على نطاق واسع خلال العقد الأخير دون رادع مع ما تشهده البلاد من اضطرابات وانعدم للاستقرار.
شيوع ممارسات صيد السلاحف تهدد بقاء هذه الأنواع
رغم الجهود المبذولة للحد من الظاهرة، لا تزال ممارسات صيد السلاحف منتشرة في اليمن. وفي هذا السياق، أكد وزير المياه والبيئة توفيق الشرجبي أن قتل وبيع السلاحف لا تزال ممارسة شائعة رغم الحظر المفروض على صيد السلاحف والإتجار بها، مضيفا أن المتاجرين بالسلاحف استغلوا الحظر كوسيلة لابتزاز أصحاب المطاعم وبيع لحوم السلاحف بأسعار أعلى. يتنامى الطلب على استهلاك لحوم وبيض السلاحف في بعض مناطق اليمن بسبب المعتقدات الشعبية عن فوائدها الصحية، ويجهل معظم اليمنيين – بمن فيهم صيادو السلاحف – الوضع الحرج لهذه الأنواع النادرة المهددة بالانقراض. في هذا الصدد، أشار وكيل قطاع البيئة في وزارة المياه والبيئة عبد الحكيم راجح إلى أن انتشار ظاهرة اصطياد السلاحف في العديد من مناطق اليمن، بما في ذلك المناطق المعلنة رسمياً “محميات طبيعية” كسقطرى وعميرة في لحج وجزيرة العزيزية في عدن وشرمة في حضرموت، وغالباً ما تتم في أوقات الليل أثناء تواجدها في مواطن التعشيش وأماكن التغذية. أدت زيادة الإقبال على لحوم وبيض السلاحف إلى تنامي ممارسات اصطيادها، الأمر الذي يهدد بانقراضها، كما أنَّ غياب القدرة على إنفاذ القوانين والأنظمة، وانعدام الاستقرار الاقتصادي والصعوبات التي تعاني منها المجتمعات الساحلية تسهل على الصيادين والتجار ممارسة مثل هذه الأنشطة غير القانونية.
قصور في حماية السلاحف رغم الاتفاقيات و المعاهدات السارية
نفذت الهيئة العامة لحماية البيئة في اليمن عددا من الحملات الهادفة لرفع مستوى الوعي بأهمية حماية السلاحف البحرية و موائلها. خلال عامي 2019 و 2020، نظمت الهيئة حملة لتنظيف شواطئ محافظتي عدن والحديدة (مواطن تعشيش وحضانة بيض السلاحف البحرية)، كما اتخذت الحكومة سلسلة من التدابير لتنفيذ قوانين ولوائح حماية السلاحف. في عام 2014، أصدرت الحكومة قانونًا يحظر اصطياد السلاحف البحرية بكافة أنواعها والاتجار بها وبمنتجاتها، وأعلنت رسمياً بعض المناطق محميات طبيعية.
فضلا عن ذلك، أُبرمت عدد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لحماية أنواع السلاحف كاتفاقية الاتجار الدولي في أنواع الحيوانات والنباتات البرية المعرضة للانقراض (التي يُعد اليمن إحدى الدول الموقعة عليها) والتي تُنظم الاتجار الدولي في الأنواع المهددة بالانقراض بما في ذلك السلاحف، وكذلك معاهدة الحفاظ على أنواع الحيوانات البرية المهاجرة التي تهدف إلى حماية الأنواع المهاجرة، بما في ذلك السلاحف البحرية و موائلها. إلى جانب هذه الاتفاقيات، تعمل جمعية الحفاظ على البيئة البحرية منذ عام 2007 مع المجتمعات المحلية في اليمن، من أجل حماية السلاحف البحرية عن طريق إنشاء شبكة من المتطوعين لجمع البيانات عن أعداد السلاحف ومراقبة مواطن تعشيشها وحمايتها من الصيادين والحيوانات المفترسة.
حماية الكنوز الوطنية
لا تزال الجهود المبذولة لحماية السلاحف بعيدة كل البُعد عن المستوى المطلوب، وبالتالي يتعين اتخاذ إجراءات ملموسة وفعالة لحماية ما يُمثل في نهاية المطاف كنوزاً وطنية. ينبغي أن تركز الخطوة الأولى على تعزيز الإطار القانوني الحالي، عبر تنقيح وتعزيز القوانين واللوائح اليمنية المتعلقة بحماية الحياة البرية والعمل على إنفاذها بما يضمن توفير حماية أفضل للسلاحف و موائلها. بالإمكان تحقيق ذلك عبر فرض عقوبات مشددة على منتهكي القوانين المتعلقة بحماية السلاحف. ثانيًا، يتعين إنشاء المزيد من المحميات البحرية على طول الساحل اليمني المطل على البحر الأحمر وخليج عدن حيث سيُسهم ذلك إسهاما كبيرا في الإقرار بأهمية حماية المناطق ذات النُظم البيئية الغنية. ثالثًا، أهمية زيادة مشاركة المجتمعات المحلية في حماية السلاحف، والذي سيُساعد في الحدّ من ظاهرة الصيد الجائر أو غير المشروع، ورفع مستوى الوعي بين المجتمعات وتعزيز السياحة المسؤولة. رابعًا، تكثيف جهود التنسيق بين الهيئة العامة لحماية البيئة والمجالس المحلية والسلطات الأمنية وجمعيات الصيادين والجمعيات اليمنية المعنية بالحفاظ على البيئة من أجل الإبلاغ عن الاصطياد غير المشروع للسلاحف. خامسًا، حماية السلاحف واستعادة موائلها باعتباره أساسيًا لبقائها على قيد الحياة، فـ السلاحف تعتمد على موائل خاصة لتغذيتها وتعشيشها وتكاثرها. بالإمكان تحقيق ذلك عن طريق الحدّ من التلوث الساحلي واستعادة الموائل المتدهورة. وأخيراً، إجراء بحوث ودراسات منتظمة ودقيقة لرصد التنوع البيولوجي لما لها من أهمية في تتبّع أعداد السلاحف وتحديد التهديدات التي تواجه هذه الأنواع وتقييم فعالية الجهود المبذولة لحمايتها ، وهذا سيتطلب تعاونًا وثيقًا بين الهيئات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات البحثية.