إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

ملاحظة المؤلفة

Read this in English

رغم مرور عقود على الوجود الدولي داخل اليمن ودخول الاستجابة الإنسانية عامها السابع، يبدو أن الجهود المنسقة التي يبذلها العالم لمساعدة اليمنيين في مجابهة ظروف الحرب التي طال أمدها تُنفذ بشكل أعمى. إضافة إلى الفهم المحدود بطبيعة البلاد والوضع والسياق الأمني والسياسي، تُنفذ الاستجابة الإنسانية دون فهم واضح للاحتياجات. بعبارة أخرى، تُنفذ دون إدراك جليّ لكيفية معالجة المشاكل. وبالنظر إلى إنفاق أكثر من 17 مليار دولار أمريكي على الاستجابة الإنسانية منذ عام 2015، من المثير للقلق كمّ المعرفة والفهم المحدود لدى العاملين في المجال الإنساني بشأن العمل الذي نضطلع به في اليمن، ومواقعه، ولماذا نتبع الطريقة التي نعمل بها. والنتيجة هي استجابة إنسانية أقل ما يمكن وصفها بأنها موضع تساؤل.

غالبًا ما يُوصف الوضع في اليمن بأنه أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم. وكثيرًا ما توصف الظروف أيضًا بأنها الأكثر تعقيدًا والأقل مؤاتاة للاستجابة الإنسانية. يُصور الوضع على أنه فريد من نوعه، وهذا صحيح إلى حد ما. اليمن، بطبيعة الحال، فريد من نوعه، وكذلك الأمر بالنسبة لعمليات الاستجابة الإنسانية. لا توجد عملية أو سياق مماثل للآخر. بيد أن جملة “فريد من نوعه” في السياق اليمني غالبًا ما تُستخدم كذريعة لتجاهل الإخفاقات أو تجنب التعامل مع التحديات. اليمن “فريد من نوعه”، وبالتالي لا يتعيّن علينا الجلوس وتحليل سبب عدم سير الأمور على النحو المتوخى والنظر في نهج مختلف. اليمن “فريد من نوعه”، ولذلك يجب تقبل معايير أدنى وانتهاكات مستمرة للمبادئ وبيئة عمل تتسم بالخطورة الشديدة.

هنا يكمن جوهر المشكلة. لأن الطابع الفريد لليمن لا ينبغي أن يُنظر إليه بهذا الشكل؛ فالمسألة لا تقتصر على الصراع المعقد وطويل الأمد الذي تعمل تحت وطأته منظمات الإغاثة. تُنفذ الغالبية العظمى من عمليات الإغاثة الإنسانية في بيئة نزاعات مستدامة تتسم بديناميات سياسية دقيقة. ويوجد الكثير من الظروف الإنسانية الأخرى التي تشكل خطورة أكبر بكثير على العاملين في المجال الإنساني. غالبًا ما تحوي البيئات الأخرى على بنية تحتية أضعف من الموجودة في اليمن، ولدى جميع الاستجابات الإنسانية الأخرى باستثناء استجابة واحدة، في سوريا، موارد أقل بكثير تحت تصرفها. غير أنه في السياقات الأخرى، لا تُقبل الحلول الوسطية والممارسات السيئة والفشل في تقديم المساعدات للمحتاجين كما هو الحال في اليمن.

سيتساءل العديد من الأشخاص -وقد تساءل بعضهم بالفعل -لماذا اخترت كتابة هذا التقرير. قد يسعى الأشخاص المستاؤون من محتواه إلى التشكيك في دوافعي ويتهمونني بتحيز يُعزى إلى إحباط شخصي ناجم عن الفترة التي أمضيتها في اليمن. وهي تساؤلات صائبة جزئيًا. كانت تجربتي في اليمن محبطة للغاية. كنت أتساءل حينها -وما زلت -بشأن جوانب كثيرة تتعلق بالاستجابة الإنسانية. غير أن هذا التقرير المتعدد الأجزاء لا يستند إلى آرائي وحدي. النتائج والاستنتاجات الواردة هنا مدعومة ومثبتة استنادًا إلى البحوث والحوارات العديدة التي أجريتها خلال الفترة التي قضيتها في اليمن والمقابلات التي أجريتها في سياق بحثي.

قررت كتابة هذا التقرير لأن التحديات المؤسسية المتجذرة تمنع الاستجابة الإنسانية في اليمن من أن تكون جيدة. إن الافتقار للرغبة المؤسسية في التصدي بشفافية وعلانية لهذه التحديات يعرقل إيجاد الحلول وإجراء التحسينات. الأمر هو كما عبّره أحد الأشخاص ببلاغة أثناء مقابلة أجريتها معه “لا يوجد نجاح دون فشل. في اليمن، نحن غير قادرين على الاعتراف بالفشل، وبالتالي لا يمكننا النجاح أبدًا”. يحدوني الأمل في أن يؤدي تسليط الضوء على التحديات والإخفاقات التي شهدها المجتمع الإنساني في اليمن إلى فرض نقاش طال انتظاره بشأن كيفية تحسين هذه الاستجابة.

من المهم أيضًا الإشارة الى أن الاستجابة الإنسانية في اليمن تسلط الضوء على العديد من التوجهات العالمية المقلقة فيما يتعلق بهياكل العمل الإنساني ككل، والتي تشكل تحديًا أمام أسلوب عملنا وقدرتنا على الإنجاز. لذا، لا نحتاج إلى تقييم جهودنا في اليمن فحسب، بل إلى نقاش يجب خوضه على نطاق أوسع.

وفي حين يركز هذا التقرير بحكم الضرورة على السلبيات الواردة في إطار الاستجابة الإنسانية، أود أيضًا الإقرار بوجود أشخاص يعملون باجتهاد كل يوم في محاولة ضمان إيصال المساعدات إلى المحتاجين. ورغم عدم وجود ما يكفي منهم، إلا أن الفرصة أتيحت لي خلال فترة وجودي في اليمن للعمل إلى جانب البعض من أفضل الأشخاص الذين أنجبهم قطاع العمل الإنساني. حظيت بشرف لقاء والعمل مع بعض اليمنيين الرائعين، وزرت مناطق عديدة في هذا البلد الجميل. مع الأسف، كان أثر هذه التجارب يتلاشى في كثير من الأحيان، في ظل تنامي شعور الإحباط والاستنزاف لدى أولئك الأشخاص نتيجة الاختلالات العامة في النظام الإنساني ككل.

هذا لا يعني أن الاستجابة الإنسانية في اليمن غير قابلة للإصلاح، لكن الاختلالات العديدة في البلاد تعوق تنفيذ استجابة مناسبة، قائمة على المبادئ وتتسم بالجودة. سيتطلب تنفيذ الاستجابة الإنسانية المتوخاة عملًا وجهدًا، فضلًا عن دعم من كافة المستويات. يبقى السؤال المطروح هو ما إذا كانت هناك شجاعة للقيام بهذا العمل، وبذل هذا المجهود وتقديم هذا الدعم.

مشاركة