تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في موجة صدمات هزت جميع أنحاء العالم. لم يستغرق الأمر طويلًا بالنسبة للشتات اليمني حتى تحل صدمة أخرى محل الأولى: واقع أن بعض اليمنيين يواجهون حربًا أخرى، هذه المرة في أوروبا.
كان يقيم حوالي 600 مواطن يمني، معظمهم من الطلاب، في أوكرانيا حين بدأ الغزو الروسي في 24 فبراير/شباط. سارعت مجموعة من النشطاء والشباب والمتطوعين على إثر ذلك في تشكيل شبكة أمان للتعامل مع محنة هؤلاء اليمنيين العالقين في الحرب. تتألف الشبكة من أعضاء مجلس يُمْن، وهي جمعية تأسست حديثًا تحت قيادة شبان يمنيين مقيمين في الخارج وتهدف إلى تحديد ودعم الجهود الرامية إلى حل القضايا المتعلقة باليمن، وغير ذلك من قضايا اليمنيين في الشتات والأجانب الذين تربطهم صلات باليمن. دعت مبادرة، #YemenisinUkraine، التي أطلقتها شبكة الأمان على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى اتخاذ السلطات والمجتمع الدولي تدابير لتوفير شريان حياة لليمنيين الفارين من الحرب.
سرعان ما تبددت آمال النشطاء في توسيع نطاق التنسيق مع السفارة اليمنية في وارسو من أجل مساعدة اليمنيين على مغادرة أوكرانيا. وفقًا لما ذكره المتطوعون، لم تبدِ السفارة أي تعاطف أو كياسة دبلوماسية حين رفضت طلب الشبكة تقديم المساعدة والتوجيه لضمان سلامة 12 طالبًا يمنيًا تقطعت بهم السبل لأكثر من 24 ساعة على الحدود الأوكرانية- البولندية حسب معلومات متطوعي الشبكة. وذكر متطوع في الشبكة أن السفارة في وارسو نصحت الطلاب “بالذهاب إلى مخيمات استقبال اللاجئين أو تقديم ملفاتهم إلى قوات الأمن على الحدود”.
قالت ريم جرهوم، وهي إحدى منظمي حملة #YemenisinUkraine: “كل ما أردناه منهم (أي السفارة) هو مساعدتنا في توفير بعض المياه ووسيلة نقل، بالنظر إلى العدد المحدود لليمنيين مقارنة بالجنسيات الأخرى”. فوجئ المتطوعون بظهور السفيرة اليمنية في بولندا بعد يوم واحد على قناة الجزيرة وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي مُدعية أنها ساعدت اليمنيين الذين تقطعت بهم السبل على الحدود. وتضمن التقرير الإعلامي صورًا لبعض اليمنيين الذين تمكنوا من عبور الحدود، ولكن ليس الطلاب الـ 12 المشار إليهم آنفًا، والذين انضم إليهم آخرون بمرور الوقت. أصدرت بعض السفارات اليمنية في الدول المجاورة لأوكرانيا، تحت ضغط من رعاياها، بيانات تتضمن إرشادات لكيفية الفرار من أوكرانيا وعرضت المساعدة في المسائل المتعلقة بجوازات السفر.
ندد نشطاء ومنظمات حقوق الإنسان ما اعتبروه ازدواجية معايير في معاملة اللاجئين غير الأوكرانيين مقارنة باللاجئين الأوكرانيين، وهو ما تجلى ليس فقط في التغطية الإعلامية للصراع الروسي -الأوكراني، بل أيضًا في تطبيق الإجراءات القانونية. سلطت مقاطع الفيديو والصور والرسائل الصوتية التي توثق سوء المعاملة الضوء على محنة غير الأوكرانيين، مما أطلق حملة عالمية تحت وسوم (الأفارقة في أوكرانيا #AfricansinUkraine)، (السودانيون في أوكرانيا #SudaneseinUkraine)، (السوريون في أوكرانيا #SyriansinUkraine)، (الهنود في أوكرانيا #IndiansinUkraine)، و(اليمنيون في أوكرانيا #YemenisinUkraine).
متطوعو حملة #YemenisinUkraine يضطلعون بواجبات مدنية
وفقًا لنشطاء ومتطوعين في حملة #YemenisinUkraine، كانت حياة أكثر من 250 يمنيًا مهددة خلال الغزو الروسي، وكانوا يعانون من أجل الفرار من بعض المناطق شديدة الخطورة. ظل الطلاب اليمنيون عالقين على الحدود لعدة أيام، حيث أفادوا بأن الوضع كان “فوضويا للغاية وغير إنساني”. ذكر أحد الطلاب أنه خلال أربعة أيام من مكوثهم على الحدود، لم يكن هناك طعام أو ماء، أو حتى مرحاض، وأن الشرطة وحراس الأمن استخدموا الكلاب وأطلقوا عيارات نارية للسيطرة على الطوابير. قال آخرون للمتطوعين إنهم أُجبروا على السير لمسافات طويلة بين المعابر الحدودية والانتظار في صفوف لساعات طويلة لفحص هوياتهم وجوازات سفرهم. ذكر أحدهم: “اضطُررنا إلى السير لمسافة 20 إلى 30 كيلومترًا، حتى وصلنا إلى نقاط عبور مختلفة كانت مزدحمة للغاية بجميع الجنسيات المختلفة، باستثناء الأوكرانيين. اضطُررنا إلى الانتظار لأكثر من 17 ساعة في كل مرة بسبب الطوابير الطويلة على الحدود”.
صرّح طالب يمني يبلغ من العمر 24 عامًا قائلًا: “صُدمنا من مستوى الإساءة والتمييز والظلم حين شاهدنا الأولوية الممنوحة للأوكرانيين وحيواناتهم الأليفة، حيث كانوا يمرون أمامنا في حافلات مريحة مزودة بالطعام والشراب بينما كنا نتحمل برودة الطقس دون طعام أو شراب أو نوم”.
ذكر طالب يمني آخر، يبلغ من العمر 20 عامًا، لمتطوعي حملة #YemenisinUkraine أنه في أواخر فبراير/شباط، أي بعد يومين من اندلاع الحرب، بدأ السائقون يتقاضون ما يصل إلى 500 دولار أمريكي للشخص الواحد مقابل الرحلات المنطلقة من مدينة خاركيف، بالقرب من الحدود الشرقية لأوكرانيا مع روسيا، إلى مدينة لفيف، على بعد 885 كيلومترًا غربًا، بالقرب من الحدود البولندية. وأضاف أن “الوضع كان مزريًا وبلغ حد أقصى من الاستغلال”. أفاد آخرون ممن عبروا الحدود إلى بولندا بأن وسائل النقل المتاحة كانت تعطي الأولوية للنساء والأطفال الأوكرانيين وغيرهم من الأوروبيين على حساب الجنسيات الأخرى، بغض النظر عن العمر أو نوع الجنس. اضطر بعض الطلاب اليمنيين للانتظار أكثر من 20 ساعة لنقلهم إلى بولندا بعد قطع مسافة 40 كيلومترًا سيرًا على الأقدام. قال الطلاب الذين عبروا الحدود للمتطوعين إنهم عانوا من الإعياء بعد رحلتهم الطويلة ومضي أكثر من أربعة أيام بلا نوم، إلى حد أن البعض أُغمي عليه والبعض الآخر احتاج إلى رعاية طبية نتيجة تورم الساقين.
بحلول 1 مارس/آذار، أي بعد خمسة أيام من الغزو الروسي، تمكن المتطوعون من تحديد موقع 131 طالبًا يمنيًا في أوكرانيا، وساعدوا 89 منهم (68٪) على العبور إلى بولندا والمجر ودول أخرى. استمر المتطوعون في دعم الطلاب بعد ذلك، وتوفير المأوى الآمن لهم وتلبية الاحتياجات الأساسية من أموالهم الخاصة، حتى تم إطلاق حملة تمويل جماعي.
حقائق الهجرة
اتسم تدخل متطوعي حملة #YemenisinUkraine بالشمولية وتمكنوا من ردم الثغرات القائمة التي تجاهلتها العديد من منظمات الإغاثة. بحثوا في الجوانب القانونية المحيطة بقضايا لجوء اليمنيين في أوروبا واستعانوا بخبراء للإجابة على الأسئلة المتعلقة بكيفية المُضي قُدمًا حتى يتسنى لليمنيين اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن خطواتهم التالية وإدراك عواقب قراراتهم. وعلى الرغم من الجهود الجبارة التي بذلها هؤلاء المتطوعون خلال هذه الفترة القصيرة وبموارد محدودة، لا تزال هناك قضايا أكثر تعقيدًا تتعلق بحماية اليمنيين الفارين ولجوئهم.
الهجرة هي عبارة عن عملية تبادل ثقافي، ومن المهم فهم تأثيرها السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والعاطفي. تشير الدراسات التي تحاول تفسير سبب تعاسة أعداد كبيرة من المهاجرين إلى مصاعب تتعلق بالتمييز والعزلة. كثيرًا ما يواجه المهاجرون الوافدون واللاجئون أيضًا تناقضات بين مطامح الهجرة وحقائقها. غالبًا ما يُعامل المهاجرون واللاجئون باعتبارهم عبئًا، عوضًا عن الاعتراف بإمكاناتهم. وبالتالي تعزز مثل هذه المواقف والسياسات من أهمية عمل منظمات وشبكات مثل #YemenisinUkraine، بل وتجعله جوهريًا أيضًا.
حتى 25 مارس/آذار، تمكن متطوعو حملة #YemenisinUkraine من تحديد موقع 170 مواطنًا يمنيًا -معظمهم من الطلاب -على الحدود مع دول الاتحاد الأوروبي، وقدموا لهم المساعدة. 151 شخصًا من هؤلاء كانوا في وارسو، حيث أُمنت لهم مساكن آمنة ومؤقتة من تبرعات حملة #YemenisinUkraine؛ في حين واصل آخرون شق طريقهم إلى ألمانيا وهولندا ودول أخرى. لم يتضح بعد عدد اليمنيين الذين قد يكونون عالقين في أوكرانيا. لكن ما هو جليّ هو أن اليمنيين فقدوا مرة أخرى دراستهم ووظائفهم ومجتمعاتهم. تعكس هذه الأرقام من أوكرانيا جزءًا ضئيلًا من أعداد اليمنيين الموجودين في شتى أنحاء العالم ممن يعانون ظروفًا مشابهة، سواء من الحروب أو السياسات والأنظمة التمييزية. فهم يرزحون تحت أعباء الخوف من تعرضهم للانتهاكات، وإما البدء من الصفر والاستقرار في بلد أجنبي آخر أو العودة إلى بلد مزقته حرب فرّوا منها في الماضي. يسعى الناشطون من الشباب اليمني وشبكات الأمان، مثل حملة #YemenisinUkraine، جاهدين إلى تخفيف حدة هذه المخاوف وعدم اليقين الذي يساور هؤلاء اليمنيين خلال رحلاتهم الهادفة إلى العثور على أمان وكرامة ووطن.