دفعت جماعة الحوثي (أنصار الله) اليمن إلى دائرة الضوء الدولية، ووضعت السياسة الإقليمية في حالة من الاضطراب، إثر قيامهم بسلسلة متزايدة من الهجمات الكبيرة على السفن في البحر الأحمر. أطلق الحوثيون منذ أكتوبر/تشرين الأول عشرات الطائرات المسيرة والصواريخ على سفن الشحن، واستولوا على السفينة التجارية “جالاكسي ليدر” في إغارة مثيرة نفذتها فرقة جوية خاصة (انظر التطورات العسكرية). يهدد الحوثيون حاليا بمهاجمة أي سفن متجهة إلى إسرائيل حتى يتوقف الهجوم العسكري الإسرائيلي، معلنين تضامنهم مع الفلسطينيين المحاصرين في غزة.
نتيجة لذلك، تقوم خطوط الشحن الرئيسية وشركات النفط حاليًا بتحويل سفنها نحو “رأس الرجاء الصالح”، في الوقت الذي يدرس فيه الغرب والقوى الإقليمية طريقة للرد.
أطلق الحوثيون النار على السفن لأول مرة بعد وقتٍ قصير من اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، وحينها لم يكن من الواضح إلى أي مدى ستمضي الجماعة في تضامنها المعلن مع الفلسطينيين. لكن، مع ارتفاع عدد القتلى في غزة إلى ما يقرب من 20,000، واستمرار المناوشات على الحدود اللبنانية، صعّد الحوثيون عملياتهم بشكل كبير، حيث قاموا باستخدام القدرات الدفاعية الأساسية لديهم لشن هجمات شبه يومية، في محاولة -كما يقولون- للضغط على الإسرائيليين للتوقف عن الحرب، أو للضغط على الغرب للتدخل لإيقافها. خياران لا يبدو أن أحدهما وارد حاليًا.
ما يظهر الآن هو أن تلك الهجمات قد قلبت السياسة بخصوص اليمن رأسًا على عقب، ويبدو أن اتفاق السلام بين السعودية والحوثيين الذي بدا التوصل إليه وشيكًا في نوفمبر/تشرين الثاني، قد تجمّد في الوقت الحالي. إن دوافع الجماعة للقيام بتلك الهجمات ليست واضحةً تمامًا، فقد يكون الهدف منها هو الضغط على المملكة العربية السعودية بشأن خطة سعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، أو السعي للحصول على مكسب أكبر في صفقة بشأن اليمن، أو -كما يقول الحوثيون- للضغط على إسرائيل لإنهاء توغلها المدمر والمميت في غزة. حتى الآن، لم تنجم عن هجماتهم في البحر الأحمر أية إصابات، لكن رغبة الجماعة في تعريض التجارة الدولية للخطر، وقدرتها على ذلك، يزيدان من احتمال وقوع ضربات أمريكية أو إسرائيلية، ومن احتمال إعادة النظر في الدور الذي يمكن أن تلعبه الجماعة على المدى الطويل في حكم اليمن.
قد يرى الناظر للوهلة الأولى أن الحوثيين خاطروا بشرعية يمكن أن يمنحها لهم اتفاق سلام مع السعودية، وذلك بشنّهم سلسلة من الهجمات التي تبدو إلى حدٍ كبير تمثيلية وغير مجدية عسكريًا، إذ إن معظم الطائرات المسيرة والصواريخ التي أطلقوها قد اعترضتها السفن الحربية الغربية. غير أن التدهور السريع للأمن البحري جراء هجماتهم تلك كان كفيلًا بتحويل مسار سفن الشحن وتعطيل سلاسل التوريد والإمداد، الأمر الذي يزيد من إمكانية حدوث آثار تضخمية في جميع أنحاء العالم، ويضع المزيد من الضغط على الاقتصاد الإسرائيلي. علمًا أن نحو 30 في المئة من سفن الحاويات في العالم تمر عبر البحر الأحمر وقناة السويس، كما يعمل هذا الممر المائي كخط مهم لنقل النفط. ولأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يزال يُمثّل قضيةً ذات صدى كبير في الجزء الجنوبي من العالم، واليمن بالطبع ليست استثناء، فإن مظاهرات التضامن تتواصل في جميع أنحاء البلاد. ورغم تدهور الوضع الاقتصادي في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، إلا أن موقفهم تجاه فلسطين يحظى بشعبية كبيرة، حتى إنّ بعض القادة اليمنيين قد بدوا مترددين في إدانة أفعالهم. إضافة إلى ذلك، فإن خطاب الحوثيين المتحدي بشأن غزة، والمتزامن مع الاستعراض الدولي للقوة العسكرية، يضفي نوعًا من الشرعية على الجماعة.
من المرجح أن يكون الحوثيون قد تشجعوا أكثر من خلال مفاوضاتهم مع السعوديين، والتي تمكنوا خلالها من انتزاع تنازلات كبيرة بسبب الرغبة الواضحة لدى الرياض في الخروج من الصراع في اليمن وتأمين حدودهم الجنوبية عبر صفقةٍ شاملة. وربما تكون قيادة الحوثيين قد وضعت في حساباتها أن السعوديين والغرب ليسوا على استعداد لزعزعة الاستقرار في اليمن بإفساد اتفاق سلام وشيك. قد يكونون على حق، فقد التزم السعوديون الصمت إلى حد كبير بشأن الهجمات. ومن المحتمل أن السعوديين ما يزالون يأملون في ممارسة الضغط على الحوثيين عبر الاتصالات مع داعميهم الإيرانيين، أو من خلال الحوافز الاقتصادية والمالية التي وعدوا بها في المحادثات.
منذ أكثر من عام، تُجري الرياض مفاوضات مع الحوثيين، وهناك قلق من أن استهداف الحوثيين بعمل عسكري أو إجراءات عقابية قد يضع أهدافًا سعوديةً في مرمى النيران، بما في ذلك أهدافًا ذات صلة ببنيتها التحتية النفطية المعرضة للخطر. ومن هذا المنطلق، أفادت بعض التقارير أن الرياض قد حثت الولايات المتحدة على ضبط النفس.
من جانبها، تسعى الإمارات –بحسب تقارير– إلى اتخاذ موقف أقوى، مفضلةً أن ترد الولايات المتحدة عسكريًا وتعيد تصنيف الحوثيين منظمةً إرهابية. في نوفمبر الماضي، اقترحت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي مشروع قانون للقيام بذلك، فيما صرح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي مؤخرًا أن البيت الأبيض يدرس تصنيف الحوثيين كإرهابيين. لطالما رفض الإماراتيون -الذين يدعمون قوات عسكرية قوية في اليمن كألوية العمالقة والمجلس الانتقالي الجنوبي- الترحيب بمبادرات من قِبَل الحوثيين، كما ظلوا على هامش المفاوضات السعودية الحوثية. لذا يمكن القول إنه ليس لدى الإمارات ما تخسره، أو أنها تخسر القليل جراء تأجيل المحادثات أو انهيارها، وقد تفضّل عوضًا عن ذلك المضي نحو فرض عقوبات على الحوثيين وإضعافهم عسكريًا.
أما الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها بسبب عجزها أو عدم رغبتها في إقناع الإسرائيليين بوقف إطلاق النار، تجد نفسها في موقفٍ صعب، وهو ما يتجلى في رد فعلها الصامت أو المتباين. وبين عزمِها على استعادة الأمن البحري في البحر الأحمر، وحَذِرها من تداعيات الرد العسكري القوي، يبدو أن الولايات المتحدة تحاول إيجاد حل وسط حيث أعلن البنتاغون عن تحالف متعدد الجنسيات لحماية الشحن، غير أن المشاركة اقتصرت في الوقت الحالي على عدد بسيط من الدول الغربية إضافة إلى سيشيل والبحرين، فيما لم تتضح بعد شروط المشاركة وحدود التنسيق. حتى الإمارات لم تنضم رسميًا إلى هذا التحالف، فيما القادة الإقليميون مترددون خشية أن يُنظر إليهم على أنهم يقفون إلى جانب إسرائيل، الأمر الذي يدل على شعبية موقف الحوثيين في العالم العربي.
رفض عضو مجلس القيادة الرئاسي وقائد قوات المقاومة الوطنية، طارق صالح، طلبًا من مسؤولين في الأسطول الخامس الأمريكي للمشاركة في هذا التحالف، وكذلك فعلت الحكومة المعترف بها دوليًا. وبحسب تقارير واردة، حاول مسؤولون عُمانيون إدخال الحوثيين في مفاوضات، لكنهم أبلغوا المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، سرًا أنهم يرفضون الضغط على الحوثيين دون وقفٍ لإطلاق النار في غزة. إن وصف هذا التحالف أو قوة العمل الجديدة متعددة الجنسيات بأنها “قوة حماية”، بدلًا من وصفها كـ “قوة ردع” أو “قوة قسر وإجبار”، يدل على أن الولايات المتحدة تشارك السعودية مخاوفها المتعلقة بضرورة عدم زعزعة الاستقرار في اليمن، أو أن الولايات المتحدة هي نفسها مقتنعة بإبداء درجة من الصبر، في بداية الأمر على الأقل.
ليس من الواضح كم من الوقت يمكن أن يستمر مثل هذا الموقف، إذ من الممكن -إذا استمرت هجمات الحوثيين بمعدلها الحالي- أن تستجيب الولايات المتحدة أو إسرائيل لدواعي الرد العسكري. من المحتمل أنهم قد قرروا ذلك بالفعل؛ في 20 ديسمبر/كانون الأول، كانت هناك على الأقل 49 سفينة حربية أمريكية وحليفة بالقرب من اليمن، منتشرة من خليج العقبة وعلى امتداد البحر الأحمر إلى خليج عمان. وبحسب تقارير، عدّلت الولايات المتحدة ممارستها المتمثلة سابقًا في التعامل حصريًا مع الحكومة المعترف بها دوليًا، واقتربت من المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات المقاومة الوطنية التابعة لطارق صالح، حيث تتحكم إحدى القوتين بالوصول إلى خليج عدن والأخرى إلى مضيق باب المندب، فيما يحاول الحوثيون جس النبض لدى قبائل الصِبّيحة في لحج التي تشمل أراضيها الساحل الجنوبي للبحر الأحمر في اليمن. لا يزال الحوثي غير مكترث، في العلن على الأقل؛ في 20 ديسمبر/كانون الأول، قال المتحدث العسكري للحوثيين يحيى سريع “قد جربونا تسع سنين، وإذا أرادوا تجريبنا مرةً ثانية فنحن مستعدون وجاهزون”. وحذر زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي في خطاب أنه في حال شنت الولايات المتحدة هجومًا فلن تكون هناك عودة إلى الوضع القائم قبل الهجوم، يقول: “يجب ألا يعتقد الأمريكيون أن بإمكانهم شن هجمات هنا أو هناك ثم إرسال وسطاء لتهدئة الوضع”.
تعليق الاتفاق السعودي – الحوثي
محليًّا، كان التأثير الأبرز لهجمات البحر الأحمر هو إفشال ما كان قد أُعلن في نوفمبر/تشرين الثاني، عن قرب التوصل لاتفاق سعودي حوثي بشأن وقف شامل لإطلاق النار. كان من المتوقع إعلان الاتفاق في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، بمناسبة الذكرى السنوية لمبادرة مجلس التعاون الخليجي لعام 2011، التي سعت إلى التفاوض على رحيل الرئيس السابق علي عبد الله صالح من السلطة. وبحسب ما ورد، كان الإعلان سيشمل إنهاءً فوريًّا للقتال، وإطلاق المرحلة الأولى من المفاوضات بين الحكومة المعترف بها دوليًا وسلطات الحوثيين. وأشارت تقارير غير مؤكدة إلى أنه كان قد تم التوصل إلى اتفاق بشأن عائدات النفط والغاز وإيرادات موانئ الحديدة، بحيث تذهب إلى حساب مشترك تديره لجنة اقتصادية، وكان من المفترض أن يدفع السعوديون رواتب موظفي القطاع العام تزامناً مع إصلاح البنية التحتية لموانئ تصدير النفط وإعادة تنشيطها.
بدا الأمر كما لو أن الأطراف ستمضي قدماً في الاتفاق حتى مع تصاعد الحرب في غزة وبدء الحوثيين استهداف حركة الملاحة البحرية. ويبدو أن الرياض نجحت إلى حدٍ كبير في إجبار مجلس القيادة الرئاسي، الذي اختارته بعناية، على الإذعان لشروطها بعد أشهر من التوتر، حيث دعا وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان أعضاء مجلس القيادة في 15 نوفمبر/تشرين الثاني، وقال في تغريدة مصحوبة بصورتين إحداهما له مع رئيس مجلس القيادة والأخرى مع أعضاء المجلس “بحثنا التعاون والتنسيق بشأن خارطة الطريق بين الأطراف اليمنية، وأكدت استمرار دعم المملكة لمجلس القيادة الرئاسي، وأهمية تغليب المصلحة الوطنية من جميع الأطراف اليمنية، للوصول لسلام شامل ودائم.” وبحسب ما ورد، لم تكن الولايات المتحدة متحمسةً بخصوص التوصل إلى اتفاق مع الحوثيين، ولكن يبدو أنها مع ذلك قدمت الدعم للتوصل للاتفاق رغم تحفظاتها.
يبدو بعد ذلك أن استئناف الهجوم الإسرائيلي على غزة بعد هدنة قصيرة في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، والتصعيد الكبير لعمليات الحوثيين، والتحفظ المتزايد للولايات المتحدة بشأن التقارب السعودي الحوثي، قد تسببت جميعها في تعليق الاتفاق. كان التوتر كبيراً في الأساس حتى أثناء سير المفاوضات، إذ تشير عدد من الحوادث الأخيرة على الحدود إلى أن الصفقة لم تكن محل رضا الجميع في معسكر الحوثيين. وألقى زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي خطابًا متلفزًا في 14 نوفمبر/تشرين الثاني، زاعمًا أن الولايات المتحدة تهدد الحوثيين باستئناف الحرب، محاولًا ربما تهيئة الوضع لاعتبار السلام السعودي-الحوثي انتصارًا على الرغبة الأمريكية. لكنه استهدف أيضًا السعودية بسبب الإجراءات غير العادية التي قامت بها لقمع التفاعل العام مع غزة ومنع أي تعبير علني عن التعاطف معها. وقال إن “المشهد الذي نراه في السعودية بينما يُقتل أهل غزة هو ارتداد أخلاقي وقيمي وإنساني وتنكر حتى للأعراف القبلية والقيم الفطرية الإنسانية”، مستنكرًا سلسلة من المؤتمرات التجارية الدولية والفعاليات الثقافية في المملكة باعتبارها “موسم الرقص والمجون“.
قد يكون القلق الأمريكي المتزايد حيال الاتفاق السعودي-الحوثي ناجمًا عن رغبتهم في ألا يبدو الأمر كما لو أنهم يكافئون الحوثيين على هجماتهم ضد إسرائيل، فضلا عن قلقهم المتزايد بشأن قدرات الجماعة ونواياها. قال تقرير صادر عن اجتماعٍ ضم السفيرين الأمريكي والسعودي في اليمن إن الولايات المتحدة طلبت التأجيل، وأفادت تقارير أن السفير ستيف فاجن قال لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي إن البنود غامضة للغاية واسترضائية للحوثيين.
من جهة أخرى، قال مصدر دبلوماسي مطلع على جهود الوساطة الأمريكية الجارية إن واشنطن لا تزال حريصة على المضي قدمًا في الصفقة السعودية الحوثية، ولكن ليس في الوقت الحالي. على الجانب السعودي، سيكون لرغبات التأجيل حدود، فخطط التنمية السعودية تتطلب السلام على الحدود الجنوبية. أما إذا سمح وقف إطلاق النار في غزة بتغيير وجهات النظر بشأن اليمن، فقد يصبح الاتفاق مجددًا قريب المنال. وواصل المبعوث الخاص للأمم المتحدة هانز غروندبرغ التحركات الدبلوماسية بين الرياض ومسقط، حيث التقى مع وسطاء عمانيين، فيما أعلن مكتبه أن الأمم المتحدة لا تزال ملتزمة بعملية السلام وبالاتفاق على خارطة طريق، وكشف عن معالم الصفقة السعودية الحوثية المقترحة.
مع ذلك، قد يكون حجم وجرأة العمل العسكري الحوثي قد غيرا بشكل دائم حسابات الأطراف المتحاربة. ربما ظن المسؤولون السعوديون أنهم كانوا يضعون الحوثيين في إطار معتدل من شأنه أن يكون أساسًا للتعاون المستقبلي ويدفع الجماعة بعيدًا عن طهران، لكن قضية غزة حولت الحوثيين إلى رمز مستقبلي للمقاومة. وفي حال شنت الولايات المتحدة أو إسرائيل ضربات على الحوثيين، فمن المرجح أن يبقوهم في السلطة، ولكن مسنودين بمزاعم أنهم ندٌّ لألد الأعداء وأقوى الجيوش في العالم.
إن ما تتشاركه المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة من أملٍ في أن يؤدي الاتفاق السعودي الحوثي إلى شكل من أشكال التطبيع مع الجماعة، بارتفاع جناحها الأكثر اعتدالًا إلى مستوى الوفاء بمسؤوليات الحكم، يبدو الآن غير ناضج بما فيه الكفاية، فلدى الحوثيين الآن هذا الباب الجديد من العمل العسكري. ومن المحتمل أن زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي لم يعد يُنصت لأولئك المعتدلين الذين زاروا الرياض، حيث تقف الجماعةُ حاليًا على موجة من الدعم الشعبي. ومع أن السخط الشعبي من عدم دفع الرواتب لا يزال قائمًا، والوضع الاقتصادي يؤول إلى مزيد من التدهور جراء الهجمات التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار الواردات، لكننا نستطيع القول إن الحوثيين اشتروا لأنفسهم الوقت.
قد ترى الولايات المتحدة، وربما السعوديون أيضًا، أنه إذا كان الحوثيون جريئين إلى درجة التصرف على هذا النحو الآن، فلن يكون هناك حد لما قد يحاولون القيام به في المستقبل، لا سيما إذا واصلوا بناء قدراتهم العسكرية بمساعدة إيرانية. وفي تلك الحالة، سيكون الاسترضاء السعودي قد ساهم في تمكين إدارة خطرة ومتقلبة بدلاً من المساعدة في تحييدها. كما أن أطراف يمنية أخرى قد تتشجع إذا أحست أن جماعة الحوثي لم تعد تروق للمجتمع الدولي. فقد غير المجلس الانتقالي الجنوبي لهجته بشكل ملحوظ خلال الأسابيع الأخيرة، حيث ظهر الزبيدي في المناسبات الرسمية بصفته عضوًا في مجلس القيادة الرئاسي، وصورته بمحاذاة صورة رئيس المجلس رشاد العليمي. وقد ظل في العلن حريصًا على التصرف بحدود مرسومة، مؤكداً أن الوحدات العسكرية في عدن تعمل تحت إشراف وزارة الدفاع، دون ذكر القوات التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي على وجه التحديد. حتى أن الزبيدي نشر تغريدة باللغة الإنجليزية في 18 ديسمبر/كانون الأول، يقول فيها بأنه زار للتو جزيرة ميون ومنطقة باب المندب، وأنه كان “يعمل بلا كلل مع الحلفاء الدوليين” ضد “الأعمال العدائية الحوثية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني” لحماية طريق التجارة الاستراتيجي.
مع ذلك، لا يوجد حتى الآن ما يشير إلى أن تجدد الصراع على الأرض في اليمن قد يُفضي إلى شيء يختلف عما كان عليه الوضع خلال العقد الماضي. تتصاعد عمليات الحوثيين في مأرب والحديدة، وتقول مصادر عسكرية من الجانب الحكومي إن قوات الحوثيين قد تحقق اختراقًا في مأرب إذا أرادت ذلك، خاصة إذا امتنعت السعودية عن شن ضربات جوية. ومن المهم أن نتذكر أن حرص السعودية على التوصل إلى تسوية تفاوضية لم يأت إلا بعد أن عجز تحالفها تمامًا عن إزاحة الحوثيين عسكريًا، وسوف تتردد السعودية في معاودة الكرة في ظل غياب الظروف التي تُضاعف احتمالات نجاحها.
تجدد التكهنات حول تعيين رئيس وزراء جديد
قد تصل الصفقات السرية والخلافات خلف الكواليس المستمرة منذ سنوات بشأن استبدال رئيس الوزراء معين عبد الملك سعيد إلى ذروتها خلال الأسابيع القادمة، إذ يسعى رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي للتوصل إلى اتفاق مع رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي بشأن البديل الذي سيتولى رئاسة الوزراء. وتبرز للواجهة ثلاث شخصيات رئيسية متنافسة هي وزير النقل السابق بدر باسلمة، ووزير المالية سالم بن بريك، ووزير النفط سعيد الشماسي.
في حين لا يتضح بعد ما إذا كان الزبيدي يوافق على أيٍ من هذه الشخصيات المقترحة، فقد تم تجاهل أعضاء مجلس القيادة الرئاسي الآخرين واستبعادهم من هذه الترتيبات، وهو ما قد يُشعرهم بالاستياء إزاء أي ترتيبات تتم من وراء ظهورهم. فعندما سُئل طارق صالح، عضو مجلس القيادة الرئاسي عن هذا الأمر، بدا مندهشًا حقًا، على الرغم من تردد شائعات على وسائل التواصل الاجتماعي عن الشخصيات البديلة منذ 6 ديسمبر/كانون الأول. كما تم الترويج لشخصيتين أُخريين هما: عبد الله العليمي، عضو مجلس القيادة الرئاسي، وهو جنوبي يتمتع بعلاقات وثيقة مع السعودية وتربطه علاقات جيدة مع الإمارات، ولكن من المرجح أن يواجه صعوبة في الحصول على موافقة المجلس الانتقالي الجنوبي نظرًا للصلات التي تجمعه بحزب الإصلاح الإسلامي، رغم تصريح العليمي في مقابلةٍ خاصة له بإنه يريد الاحتفاظ بمنصبه في مجلس القيادة الرئاسي؛ والآخر هو يحيى الشعيبي، مدير مكتب رشاد العليمي الرئاسي. ومن غير الواضح حتى الآن الدوافع وراء محاولة العليمي مجدداً المضي قدماً بهذه الأمر خلال هذا التوقيت.
الفصائل المتنافسة في حضرموت
يسعى أحد مكونات مؤتمر حضرموت الجامع المدعوم من الإمارات إلى إعادة هيكلة قيادة المؤتمر، خاصةً بعد الانتقادات الأخيرة التي وُجّهت للتحركات المدعومة إماراتياً في المحافظة، بما في ذلك حملة “ميزان العدل” الأمنية التي نُفذت في أوائل شهر أكتوبر/تشرين الأول، حيث استخدمت القوات المدعومة من الإمارات أساليب قاسية ضد الأفراد المتهمين بالخروج عن القانون والإخلال بالنظام العام. فبحسب مصادر، تعرضت قوات يمنية للتعذيب في معسكر للجيش تديره الإمارات. ويقود خالد الكثيري، وهو شيخ قبلي مدعوم من الإمارات وأحد مؤسسي مؤتمر حضرموت الجامع، جهود المطالبة بإعادة هيكلة مؤتمر حضرموت الذي يرأسه حاليًا عمرو بن حبريش. واتهمت نيابة استئناف محافظة حضرموت بن حبريش بـ “تكدير السلم والأمن الاجتماعي”، فيما دعا بن حبريش مجلس القيادة الرئاسي إلى إجراء تحقيق محايد في هذه الاتهامات.
عقب ذلك، التقى رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بأعضاء مجلس حضرموت الوطني المدعوم من السعودية، وذلك إثر تشكيل هيئة رئاسية مؤخرًا تضم 23 عضوًا. وأشاد العليمي بالمجلس الذي يُوحّد الصوت الحضرمي بكافة أطيافه تحت سقفٍ واحد. ومن الواضح أن السعودية تحتفظ بالمجلس كورقة في جعبتها لمواجهة أي محاولات مستقبلية من جانب الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي لتصعيد التوترات في داخل المحافظة، حتى لو كان هذا المجلس الجديد يُنظر إليه على أنه مشروع سعودي خالص أُمْلِيَ من الرياض ويفتقر إلى الحضور والدعم الشعبي الذي يحظى به مؤتمر حضرموت الجامع.
قال رئيس المؤتمر عمرو بن حبريش في ديسمبر/ كانون الأول إنه ليس عضوًا في المجلس الجديد ولم يعلم بتشكيل هيئته الرئاسية إلا عبر وسائل التواصل الاجتماعي على الرغم من دعمه المبدئي للمبادرة. وتبدو المنطقة العسكرية الأولى التي مقرها في سيئون – وهي القوات التي يريد المجلس الانتقالي الجنوبي طردها من المحافظة- حالياً غير متماسكة وضعيفة، حيث لم تُفلح محاولات العليمي الأخيرة بتعيين قيادات كبيرة لها في توحيدها كقوة عسكرية، ويخشى قادتها من أن يتم استبدالها بقوات “درع الوطن” التي أنشأتها السعودية.
تطورات أخرى في سطور
7 نوفمبر/تشرين الثاني: استأنفت منظمة إنقاذ الطفولة أنشطتها في اليمن بعد تعليق دام 10 أيام بعد وفاة مدير الأمن والسلامة في المنظمة، هشام الحكيمي، في سجون الحوثيين.
في 14 نوفمبر/تشرين الثاني: اعتمد مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار رقم (2707) الذي يجدد العقوبات على الشخصيات والكيانات اليمنية حتى 15 نوفمبر 2024، ويمدد ولاية فريق الخبراء المعني باليمن حتى 15 ديسمبر 2024.
في 14 نوفمبر/تشرين الثاني: أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أن إيران ستعين سفيرًا جديدًا لدى اليمن إذا استمرت الأوضاع في البلاد في التحسن، إذ ليس لإيران سفيرًا في صنعاء منذ وفاة حسن إيرلو في ديسمبر/كانون الأول 2021.
في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني: وصل وفد من الاتحاد الأوروبي إلى عدن والتقى بمحافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب. وتعهد الوفد، الذي ترأسه سفير الاتحاد الأوروبي لدى اليمن غابرييل منيرا فينياليس، وضم سفراء فرنسا وألمانيا وهولندا لدى اليمن بالإضافة إلى نائب سفير الاتحاد الأوروبي للشؤون الاقتصادية، بمواصلة دعم البنك المركزي اليمني.
12 ديسمبر/كانون الأول: توفي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات نجيب منصور العوج في أحد مستشفيات في الإمارات العربية المتحدة بعد انهيار مفاجئ.
12 ديسمبر / كانون الأول: تم تعيين سرهد فتاح نائبًا لرئيس البعثة في مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن. ويحل فتاح، الذي شغل سابقًا منصب نائب الممثل الدائم للعراق لدى الأمم المتحدة في نيويورك، محل معين شريم.
19 ديسمبر/كانون الأول: أصدر ممثلون عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ومجموعة من 44 دولة شريكة حليفة بيانًا مشتركًا يُدين هجمات الحوثيين في البحر الأحمر ويدعو قادة الحوثيين إلى إطلاق سراح رهائن سفينة “جالاكسي ليدر” المختطفة.
19 ديسمبر/كانون الأول: سافر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ إلى الرياض، حيث التقى برئيس مجلس القيادة الرئاسي العليمي وعضو مجلس القيادة الرئاسي عثمان مجلي. كما التقى غروندبرغ بسفير المملكة العربية السعودية لدى اليمن محمد آل جابر، وسفير الإمارات العربية المتحدة لدى اليمن محمد الزعابي، وسفراء الدول الخمس في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لدى اليمن. وفي اليوم التالي، سافر غروندبرغ إلى مسقط حيث التقى بالمسؤولين العُمانيين والمتحدث باسم الحوثيين وكبير المفاوضين محمد عبد السلام. وأعلن مكتب المبعوث في وقتٍ لاحق التزامه المستمر بعملية السلام ودعا الأطراف إلى الاتفاق على خارطة طريق للمضي قدمًا.