ملخص تنفيذي
تصاعدت الأعمال العسكرية الحوثية في البحر الأحمر بشكلٍ كبير خلال شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول، حيث أعلنت الجماعة عن خلق “جبهة ثالثة” ضد إسرائيل ردًا على حربها على غزة وعملياتها العسكرية على طول الحدود اللبنانية. وما بدأ تنفيذه في أكتوبر/تشرين الأول على شكل هجمات متفرقة تضامنًا مع سكان غزة المحاصرين بحسب ما أُعلن، قد تحول لاحقًا إلى حملة مستمرة، حيث يهدد قادة الحوثيين الآن بفرض حصار على جميع السفن المتجهة عبر المنطقة إلى إسرائيل. وقد دفعت عشرات الضربات الصاروخية وهجمات الطائرات المسيرة على حركة الملاحة البحرية شركات الشحن والشركات النفطية الكبرى إلى تغيير مسارات سفنها. كما أن تلك الهجمات قد أكسبت الحوثيين شعبيةٍ واسعة بعد أن وثّقوا تلك المشاهد الدرامية لعملية اختطاف سفينة الشحن “جالاكسي ليدر”، والتي صوروا فيها أنفسهم كمدافعين عن الشعب الفلسطيني. أمّا القوى الإقليمية فقد كانت مترددة في إدانة تلك الهجمات التي كانت تحدث بشكل شبه يومي حتى منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول.
في المقابل، اتسمت ردة فعل الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى بالحذر، حيث أرسلت الولايات المتحدة سفنًا حربية إضافية إلى المنطقة، فيما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” تشكيل تحالف دولي لحماية سفن الشحن، غير أن حدود التنسيق لهذا التحالف لم تتضح بعد. وإدراكًا للشعبية التي حظي بها موقف الحوثيين، رفضت دول المنطقة، باستثناء البحرين، الانضمام بصورة رسمية إلى هذا التحالف. ومع ذلك، يبدو أن القوات البحرية هذه ليست كل ما يمكن القيام به في إطار الرد الدولي، إذ يبقى من المحتمل أن تقوم الولايات المتحدة أو إسرائيل أو دول غربية أخرى بشن ضربات إذا استمر الحوثيون في عملياتهم على هذا المنوال. حتى الآن، لا يبدو أن لدى الحوثيين أي بوادر للتوقف، فالجماعة لا تزال مستمرة في العمل على تعزيز واستعراض قوتها البحرية.
كما أن الحوثيين قد واصلوا الضغط على جبهات أخرى، حيث شنوا هجومًا في محافظة مأرب مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني، قالت مصادر إنه الهجوم الأكبر منذ أشهر، فيما واصلت الجماعة إرسال التعزيزات وتحصين مواقعها العسكرية هناك. إن رغبتهم المستمرة في السيطرة على حقول النفط الاستراتيجية بالمحافظة لا يبدو أنها قد خفتت. وقد كثفوا في نفس الوقت عملياتهم العسكرية في الجزء الجنوبي من محافظة الحديدة، بحثًا فيما يبدو عن توسيع نطاق وصولهم البحري نحو مضيق باب المندب.
على صعيدٍ متصل، يبدو أن الاتفاق بين السعودية والحوثيين، الذي بدا التوصل إليه وشيكًا خلال معظم الوقت في شهر نوفمبر، قد أصبح معلقًا الآن. لقد دفع تهوّر الحوثيين وحجم هجماتهم العسكرية المسؤولين الأمريكيين والسعوديين إلى التوقف قليلاً حتى في ظل استمرار الرغبة لديهم باستكمال التسوية. ومع احتمال حدوث المزيد من العمليات العسكرية، وعدم اتضاح حدود الرد الدولي بعد، فإن موقف الحوثيين من عملية السلام ومن الحكومة المعترف بها دوليًا يغدو الآن أقل وضوحًا. وإذا ما تخلوا هم أو السعوديون عن محادثات السلام، فقد يشهد اليمن مجددًا عودة المواجهات العسكرية بين الحوثيين وخصومهم. من جانبه، أعلن مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة في اليمن دعمه المتواصل لعملية السلام.
إن تراجع احتمالات التوصل إلى الاتفاق، الذي كان من المأمول بحسب التقارير، أن تقدم السعودية وِفقَه مساعدات مالية كبيرة كرواتب للقطاع العام، قد فاقم وضع الحكومة المعترف بها دولياً التي تعاني من ضائقة مالية شديدة، فالمساعدة السعودية التي وُعدت بها الحكومة في أغسطس/آب لم تصل، فضلًا عن أن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر قد أدت إلى زيادة كبيرة في تكاليف الشحن المرتفعة أصلًا، الأمر الذي يُمثّل عبئا إضافيا عادة ما يُلقى على المستهلكين. وتُعد البلاد معرضة بشكل خاص للتأثر بهذه التقلبات لاعتمادها بصورة شبه تامة على المواد الغذائية المستوردة من الخارج، وسيكون الضرر الاقتصادي الناجم عن عمليات الحوثيين بالغًا للغاية في اليمن.
مع اقتراب الحكومة اليمنية من الإفلاس، قد تعجز عن دفع الرواتب خلال العام القادم. لقد قامت الحكومة بالفعل بتعليق مزادات بيع العملات الأجنبية الهادفة إلى تمويل واردات السلع الأساسية، ومع استنفاد احتياطاتها من العملة الصعبة انخفضت قيمة الريال اليمني من الفئة الورقية الجديدة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي. خيارات الحكومة لزيادة الإيرادات محدودةٌ إذن. وقد أثار مؤخرًا اقتراحٌ ببيع النفط بسعر مخفض لشركة إماراتية ردود فعلٍ قوية، رغم عدم اتضاح الصورة بشأن السبل الأخرى المتاحة. ويظهر العجز الحكومي أكثر جلاءً في عدم قدرة الحكومة على توفير الكهرباء للعاصمة المؤقتة عدن. في نوفمبر الماضي، أرسلت الإمارات شحنة وقود طارئة للحفاظ بشكل مؤقت على استمرار تشغيل محطات الكهرباء، غير أن الحل طويل المدى لهذه المسألة لا يزال بعيد المنال.
تقرير اليمن – “اليمن في الأمم المتحدة” سابقاً – هو نشرة شهرية يصدرها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. منذ إطلاقها في يونيو / حزيران 2016، تهدف النشرة إلى تحديد وتقييم التطورات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية والإنسانية والحقوقية في اليمن.
لإعداد “تقرير اليمن” يقوم فريق مركز صنعاء في مختلف أنحاء اليمن وحول العالم بجمع المعلومات والأبحاث، وعقد اجتماعات خاصة مع الجهات المعنية المحلية والإقليمية والدولية لتحليل التطورات المحلية والدولية الخاصة باليمن.
هذه السلسلة الشهرية مصممة لتزويد القراء برؤية سياقية شاملة حول أهم القضايا الجارية في البلاد.