إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

تعليقات من مقاتلين في الجبال إلى معطلين للبحر الأحمر: ماذا تعني هجمات الحوثيين بالنسبة لليمن والمنطقة وللاستقرار العالمي

Read this in English

أدت الهجمات الحوثية المتزايدة على الأهداف البحرية والساحلية إلى مجموعة متزايدة من المشاكل المحلية والإقليمية والدولية. في الواقع، فإن الحرب البحرية التي يشنها الحوثيون منذ عام 2016، والتي اشتدت حدتها بتزايد وتيرة الهجمات وتعقيدها منذ أن بدأت الحرب بين إسرائيل وحماس في أكتوبر/تشرين الأول، لها أربع تداعيات متداخلة. أول هذه التداعيات هي حرمان الحكومة المعترف بها دوليًا من عائدات النفط، والثانية تقويض إعادة بناء قوات خفر السواحل اليمنية، والثالثة إبقاء السعودية – جارة اليمن – في حالة تأهب واستعداد دائمين، ويشكِّل تهديداً أمنياً لبنيتها التحتية النفطية ومشاريعها العملاقة المرتبطة بـ “رؤية 2030″، والرابعة تعريض حرية الملاحة في جنوب البحر الأحمر للخطر، الأمر الذي سيؤدي إلى التحول السريع في الطريقة التي ينظر بها المجتمع الدولي إلى التهديد الذي يأتي من مناطق سيطرة الحوثيين في ظل تصاعد الهجمات تضامناً مع غزة. وتهدد الجماعة حالياً بمنع مرور كافة السفن المتجهة إلى إسرائيل.

حدود القدرات العسكرية للحوثيين

طوَّر الحوثيون بشكل تدريجي من قدراتهم الحربية البحرية غير النظامية (الصواريخ المضادة للسفن أو القوارب التي يتم التحكم بها عن بعد، أو العبوات الناسفة البحرية، أو الألغام البحرية العائمة، أو عمليات الاختطاف)، والترسانة الجوية (الصواريخ والطائرات المُسيرة) لأغراض استخدامها ضد الأهداف البحرية والساحلية. تمكن الحوثيون من تحقيق ذلك على الرغم من أصولهم كحركة مسلحة قادمة من الجبال. وينحدر العدد الأكبر من أتباع الحركة الحوثية من محافظة صعدة الواقعة في شمالي البلاد، والتي تعتبر المعقل الرئيسي لقيادتها السياسية والعسكرية التي لا تزال تتمركز هناك. وتقع مدينة صعدة في وادي جبلي على ارتفاع حوالي 2000 متر فوق مستوى سطح البحر، ساهمت تضاريسها الوعرة وأفسحت المجال لحرب العصابات والاستنزاف التي استخدمتها الجماعة في حروب صعدة ضد الحكومة بين عامي 2004 و2010.

في توسعهم السريع خلال الحرب الأهلية، تمكن الحوثيون من الاستيلاء على الحديدة – المدينة الساحلية الرئيسية على البحر الأحمر – ويسيطرون حالياً على جزر كمران ورأس دوغلاس وتقفاش الاستراتيجية قبالة ساحل الحديدة، الأمر الذي منح الجماعة مسرحاً ثمينًا من الناحية الاستراتيجية لفرض القوة البحرية وتعطيل الملاحة وإغلاق المنطقة. ولم يكن تطورهم ممكناً في تحولهم من حركة تعتمد على حرب العصابات إلى لاعب عسكري أكثر قدرةً لولا تحالف المصلحة الذي تم مع كتلة النفوذ التابعة للرئيس السابق علي عبد الله صالح واستيعاب الجنود والعتاد العسكري من الجيش النظامي والحرس الجمهوري. إضافة إلى ذلك، لعبت إيران دورا حاسما في تزويد الحوثيين بالأسلحة المهربة والخبرات اللازمة بهدف فرض قوتهم في البحر الأحمر ومضيق باب المندب. بالنسبة للحوثيين، أصبحت الهجمات البحرية في الوقت الحالي بمثابة أدوات للضغط العسكري والسياسي، كما هو الحال بالنسبة لإيران في شمال بحر العرب. فمنذ عام 2019، وقعت عدة هجمات مرتبطة بإيران ضد ناقلات النفط والسفن التجارية بالقرب من مضيق هرمز وخليج عُمان. وأشار التقرير النهائي لفريق الخبراء للأمم المتحدة المعني باليمن لعام 2020، إلى وقوع “عدد متزايد من الحوادث بما في ذلك عمليات اقتراب وهجمات مشبوهة على السفن المدنية” من قبل الحوثيين في البحر الأحمر.

الجغرافيا المتغيرة للهجمات البحرية

خلال العامين أو الثلاثة الأعوام الأخيرة، تغيرت جغرافية النشاط البحري للحوثيين، حيث كان مضيق باب المندب – خلال الفترة بين 2015 و2017 – هو محور ارتكاز هجمات الحوثيين البحرية، وذلك عقب استيلائهم على معظم المناطق في محافظة تعز. غير أن ذلك لم يدم طويلاً حيث تمكنت قوات المقاومة الوطنية المدعومة إماراتياً بقيادة طارق صالح في 2017 من استعادة السيطرة على منطقة باب المندب (بما في ذلك مدينة المخا الساحلية)، مما دفع الحوثيين إلى الانسحاب شمالًا. منذ ذلك الحين، تحولت نقطة التوتر الرئيسية إلى جنوب البحر الأحمر، على مقربة من ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون.

وفي عام 2018، أفضى اتفاق ستوكهولم الذي تم توقيعه بين الحكومة المعترف بها دوليا والحوثيين برعاية الأمم المتحدة – وسط مخاوف إنسانية متزايدة – إلى إيقاف الهجوم على مدينة الحديدة الساحلية. وعلاوة على الخروقات المتزايدة لوقف إطلاق النار على طول الجبهة، تراجع الحوثيون عن تنفيذ البنود المتعلقة بإعادة الانتشار المتبادل للقوات من موانئ الصليف ورأس عيسى والحديدة، وتوجيه إيرادات الموانئ لدفع رواتب موظفي القطاع العام. كان التموضع العسكري قد تبلور حتى عام 2021؛ عندما قامت القوات المشتركة في الساحل الغربي (تحالف بقيادة طارق صالح يضم كلاً من قوات المقاومة الوطنية والألوية التهامية وألوية العمالقة) بالانسحاب من الساحل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 بغرض إعادة الانتشار إلى جبهات أخرى، الأمر الذي ساعد الحوثيين على استعادة المناطق. وفي سبيل إظهار سيطرتهم من جديد على المنطقة الاستراتيجية وقدرتهم على تعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر، نظم الحوثيون عرضا عسكريا في الحديدة، قاموا من خلاله بعرض صواريخ مضادة للسفن.

تداعيات العمليات التي يقوم بها الحوثيون في البحر الأحمر

يأتي على رأس هذه التداعيات والآثار المترتبة للهجمات التي ينفذها الحوثيون على الأهداف البحرية والساحلية، الحرب الاقتصادية ضد الحكومة المعترف بها دولياً. في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2022، قام الحوثيون – الذين لا يسيطرون على حقول النفط والغاز الرئيسية في اليمن – بمهاجمة البنية التحتية لموانئ تصدير النفط بالصواريخ والطائرات المُسيرة، تقع ضمن مناطق سيطرة الحكومة وهما ميناء الضبة في حضرموت وميناء قنا في شبوة. جاءت هذه الضربات في الوقت الذي كان الحوثيون يجرون محادثات ثنائية سرية مع السعودية، بعد أن فشلوا في انتزاع مزيد من التنازلات من الحكومة خلال مفاوضات لتمديد الهدنة على مستوى البلاد. لم تتسبب الهجمات في إلحاق أي ضرر بالبنية التحتية، غير أنها حالت دون دخول ناقلات النفط الأجنبية إلى الموانئ وبالتالي نقل النفط، وأدت إلى التعليق الفوري لجميع صادرات النفط تقريباً. ووفقاً للحكومة، أسفرت الهجمات عن خسائر في الإيرادات بقيمة 1 مليار دولار، مع انخفاض كبير في أنشطة تصدير النفط.

ويأتي ثانياً الأثر المتعلق بقوات خفر السواحل اليمنية التابعة للحكومة، حيث تخضع قوات خفر السواحل منذ عام 2016 لعملية إعادة بناء تدعمها السعودية والإمارات، في الوقت الذي تتحول فيه مهام هذه القوات من منع الهجمات الإرهابية إلى مكافحة أنشطة التهريب، والتي يكون معظمها من وإلى إيران. غير أن الفرصة ضئيلة أمام خطط إعادة بناء قوات خفر سواحل متماسكة وفعالة وناجحة، طالما استمرت سيطرة الحوثيين على محافظة الحديدة الساحلية وما حولها من الجزر. كل ذلك يقلل من الدور الذي يمكن أن يلعبه اليمن في تحقيق الاستقرار – نظراً للموقع الجغرافي الفريد الذي يمتلكه – في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب وبحر العرب.

كون اليمن عضواً في القوات البحرية المشتركة – وهي قوة بحرية متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة منذ عام 2013، التقى السفير الأمريكي في اليمن وقائد القيادة المركزية الأمريكية (القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية والقوات البحرية المشتركة) في مارس 2023، كبار مسؤولي قوات خفر السواحل اليمنية وممثلي الحكومة في المهرة، لمناقشة جهود الأمن البحري الإقليمي وآفاق التعاون البحري متعدد الأطراف. وسيتم تنظيم دورة عمليات القوارب الصغيرة في البحرين(مقر القوات البحرية المشتركة) لمنتسبي قوات خفر السواحل، بهدف رفع مستوى إمكانية التشغيل المشترك مع الشركاء الإقليميين. في أكتوبر/تشرين الأول 2022، شاركت قوات خفر السواحل اليمنية إلى جانب سفن من اليابان وجمهورية كوريا وإسبانيا، في دورية لمكافحة القرصنة في خليج عدن بقيادة البرازيل تحت قيادة فرقة العمل المشتركة 151.

يأتي ثالثاً قدرة الحوثيين على التأثير على الموقف التفاوضي للسعودية ذات الصلة باليمن. وبحسب التقرير النهائي لفريق الخبراء التابع للأمم المتحدة المعني باليمن الصادر في عام 2020، فقد أطلق الحوثيون طائرات مسيرة أكثر تطوراً وذات مدى أطول وصواريخ كروز للهجوم البري، معظمها وُجهت لمهاجمة أهداف في السعودية. ووفقا للجنة، فإن “هذه الهجمات تزامنت مع تصاعد التوترات الإقليمية والجيوسياسية بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، والتي بدا أنها تهدف إلى إجبار السعودية على تبني نهج أكثر تصالحية تجاه الحوثيين”.

وفي حين يصعد الحوثيون من هجماتهم في البحر الأحمر، تُشير التقارير إلى أن السعوديين يحثون الولايات المتحدة في الوقت الراهن على ممارسة ضبط النفس، ما يعكس قلق السعوديين من انتهاج أمريكا موقف أكثر صرامة يمكن أن يتسبب في انهيار المحادثات الثنائية: ما قد يذكي الخطر الرئيسي في أن تكون أراضيها ومصالحها الاقتصادية في مرمى صواريخ الحوثيين مرةً أخرى. ويُعدُّ التزام الأطراف بمجموعة من التدابير لتنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، والذي أعلنته الأمم المتحدة في 23 ديسمبر/كانون الأول، خطوة أساسية مهمة؛ ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يفضي ذلك إلى إحداث أثر بحيث يتم خفض التصعيد في البحر الأحمر، حيث يعتقد الحوثيون أن بإمكانهم الحصول على مزيد من التنازلات على طاولة المفاوضات إذا ما قاموا بالرفع من مستوى التهديد ضد المصالح الإقليمية والعالمية في البحر الأحمر. إن تأمين الحدود ووقف الهجمات من الأراضي اليمنية، هما السببان الرئيسيان على وجه التحديد اللذان دفعا بالرياض إلى دعم هدنة على مستوى البلاد في عام 2022، وبالتالي الشروع في إجراء محادثات مباشرة مع الحوثيين في المقام الأول.

يتمثل الأثر الرابع المترتب على الهجمات التي يقوم بها الحوثيون في البحر الأحمر في المعضلة التي تخلقها هذه الهجمات للولايات المتحدة والمجتمع الدولي. إذ تظل مسألة الأمن البحري قضية اهتمام عالمي، لا سيما في الممرات البحرية النشطة في البحر الأحمر، ولها تأثيرات بعيدة المدى على أسواق الطاقة والسلع الأساسية. مع كل ذلك، تظل الولايات المتحدة تواجه مخاطر بغض النظر عن الطريقة التي ستتخذها للرد. فمن جهة، إذا اتبع الأمريكيون سياسة ضبط النفس، كما فعلوا حتى الآن، فإن تهديد الحوثيين للشحن البحري سيبقى دون رادع. ومن جهة أخرى، إذا اختارت الولايات المتحدة القيام بعمل عسكري موسع، أو التواجد بشكل أقوى في البحر الأحمر بموجب تفويض حازم للرد، (وهو ما لا يبدو عليه الحال مع تحالف حارس الازدهار الذي تم الإعلان عنه مؤخراً، والذي سيعمل “تحت مظلة” فرقة العمل المشتركة 153 الحالية)، عندها يجب أن تكون حذرة من التداعيات المحتملة التي قد تنعكس على نطاق أوسع على المحادثات السعودية الحوثية والمنطقة ككل (على سبيل المثال ردة فعل إيران ووكلائها في المنطقة). وفي الحالتين، يبقى التنسيق الوثيق مع الشركاء الإقليميين، يأتي على رأسهم دول الخليج، بمثابة خطوة رئيسية لا مناص منها.

بعد مُضي ثماني سنوات من اندلاع الحرب في اليمن، لم تعد سيطرة الحوثيين على الحديدة واستحواذهم على القدرات البحرية تمثل مشكلة لليمن والدول المجاورة فحسب، بل أصبح لها تداعيات على العالم بأسره.


هذا المقال هو جزء من سلسلة إصدارات ينتجها مركز صنعاء بتمويل من الحكومة الهولندية. تستكشف السلسلة قضايا ذات أبعاد اقتصادية وسياسية وبيئية، بهدف إثراء النقاشات وصنع السياسات التي تعزز السلام المستدام في اليمن. الآراء المعرب عنها في هذا التحليل لا تعكس آراء مركز صنعاء أو الحكومة الهولندية.