يعد القرار التاريخي الذي اتُخذ في مؤتمر المناخ 2022 (COP27) بإنشاء صندوق “الخسائر والأضرار” للأكثر عرضة لأزمة المناخ انتصارًا كبيرًا للدول النامية، لكن صانعي السياسات اليمنيين بحاجة إلى البدء في الاستعداد الآن للتأكد من حصول اليمن على نصيبها العادل. بعد موافقة الدول الغنية على فتح النقاش حول مسألة التعويض، ستكون المعركة التالية حول من يموّل الصندوق وما هي المؤهلات اللازمة للحصول على المساعدة المالية. كان الوفد اليمني المشارك في محادثات شرم الشيخ صغيرًا ولم يتمكن من إيصال صوته، وسيشكل عدم فعالية تمثيل مصالح اليمن مشكلة إذا لم تعطِ الحكومة الأولوية لهذه القضية قبل انعقاد قمة المناخ في دبي العام المقبل عندما يبدأ الصخب من أجل الاستفادة من الصندوق. قدرت الأمم المتحدة إجمالي احتياجات البلدان النامية للتكيّف مع أزمة المناخ (مثل تشييد الحواجز البحرية وزراعة المحاصيل المقاومة للجفاف) بين 140 إلى 340 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030، وأكثر من ذلك بحلول عام 2050 إذا تسارع تغير المناخ.
ينصب الاهتمام حاليًا على الحد من الاحترار العالمي بنسبة 1.5 درجة مئوية من خلال خفض الانبعاثات من الملوثين الرئيسيين مثل الصين والولايات المتحدة. في COP27 جرى الموافقة على مشاريع جديدة لتطوير أنظمة الإنذار المبكر للكشف عن الظواهر المناخية وبناء نظام أقمار صناعية لرصد مستويات الميثان. من المتوقع أن يتركز اهتمام الدول الغنية بتأثير درجات الحرارة القصوى والفيضانات والعواصف وارتفاع مستويات سطح البحر ضمن حدودها (مثل العواصف في أمريكا والجفاف في أوروبا وحرائق الغابات في أستراليا). إن قضية تأثير أزمة المناخ على بلد مزقته الحرب مثل اليمن يمكن أن تُهمل إذا لم تُقدم بشكلٍ كاف، حتى فيما يتعلق بصندوق الخسائر والأضرار. إن القدرة المحدودة للحكومة والوضع السياسي المتقلب والعنف الناجمين عن الحرب الأهلية قد ينتج احتمال خسارة البلاد لمساعدة ضرورية بسبب انشغالها بالتصدي للتهديدات التي تبدو أكثر إلحاحًا.
تواجه اليمن مشاكل بيئية هائلة فهي تحتل المرتبة 171 من أصل 182 دولة على مؤشر نوتردام العالمي للتكيف (ND-GAIN)، الذي يقيّم قابلية التأثر والاستعداد للتكيف مع تغير المناخ. ما يزال معظم سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة يعيشون في مناطق ريفية معرضة بشدة لتقلبات الطقس، في حين أن البلاد لا تساهم إلا بالقليل نسبيًا في الانبعاثات العالمية. تتنبأ النماذج بتغير في متوسط هطول الأمطار السنوي من -7 إلى +69 في المائة بحلول عام 2100، مع توقع ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.2-1.9 درجة مئوية بحلول عام 2050 و1.5-2.3 درجة مئوية بحلول عام 2100. ويمكن أن تؤثر موجات السيول والجفاف بشكل خطير على قدرة البلد -المنهكة أساسًا -في تأمين غذاء سكانه ويزيد الاعتماد على وارداته من السلع الغذائية الأساسية. تعتمد اليمن حاليًا بشكل شبه كامل على القمح والأرز الأجنبيين.
تسبب الأمطار الغزيرة خرابًا متزايدًا؛ إذ تسببت الفيضانات عام 2008 في مقتل 180 شخصًا، وتشريد 10 آلاف شخص، وبأضرار في البنية التحتية تقدر بنحو 1.64 مليار دولار أمريكي أو ما يعادل 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض الإنتاج الزراعي بنسبة 15 في المائة. في عام 2015، تسبب إعصار تشابالا -أول عاصفة مسجلة بقوة الإعصار تضرب اليابسة في اليمن -بفيضانات كبيرة على الساحل الجنوبي وأجبر 18,750 شخصًا على الفرار من المناطق الساحلية وفقًا لبيانات وزارة التخطيط والتعاون الدولي. في الوقت نفسه، يؤثر تصحر الزراعة القائمة على 3 إلى 5 في المائة من الأراضي سنويًا في بعض مناطق البلاد ويمكن أن يستمر أو يزداد سوءًا. وهناك تحديات أخرى تلوح في الأفق أيضًا: تآكل السواحل، وإعادة توطين المجتمعات النازحة، والتهديد الذي تتعرض له الأراضي الرطبة الساحلية المنخفضة من ارتفاع منسوب مياه البحر.
اليمن هي واحدة من أكثر دول العالم التي تعاني من ندرة المياه. يعد تغيّر المناخ أحد أسباب استنزاف طبقات المياه الجوفية، إلى جانب انتشار زراعة القات، والنمو السكاني العشوائي، وسوء إدارة المياه. تسبب ارتفاع منسوب مياه البحر بتسربه إلى طبقات المياه الجوفية الساحلية، مما أدى إلى تلوث إمدادات المياه البلدية وإلحاق الضرر بالزراعة. وأجبر انخفاض منسوب المياه الجوفية منذ عام 1970 العديد من المزارعين على التخلي عن أراضيهم في أماكن مثل حوض صعدة. سيؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة معدلات تبخر المياه، ولن تكون الأمطار الإضافية الناتجة عن عدم الاستقرار المناخي كافية لمنع استنزاف طبقات المياه الجوفية. في عام 2010، رجح البنك الدولي اختفاء احتياطيات المياه الجوفية تمامًا مع بداية 2040 وهو السيناريو الذي سيتطلب اعتمادًا كبيرًا على تحلية المياه، وهو أمر مكلف وإشكالي بالنسبة للزراعة ويمثل في حد ذاته مشكلة بيئية.
تترتب على هذه الأزمات مجموعة من المشاكل الأخرى، مثل تعرض النظام البيئي الفريد في سقطرى، وهي أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، للتهديد من العواصف الشديدة والجفاف. أما في مدينة صنعاء القديمة، وهي أحد مواقع التراث العالمي، فقد ألحقت الأمطار الغزيرة والفيضانات أضرارًا بحوالي 1,000 منزل وأصابت الخدمات والمرافق بالشلل. كما عانت صنعة تربية النحل في اليمن البالغ عمرها 3 آلاف عام حيث يمنع ارتفاع درجات الحرارة التلقيح، في حين أن كلًا من انخفاض منسوب المياه الجوفية والتصحر والحرب يجبر العديد من مربي النحل على العزوف عن هذه المهنة القديمة. كل جانب من جوانب تغير المناخ يزيد الحرب في اليمن تعقيدًا، إذ يهدد التدهور البيئي بتأجيج المزيد من الصراعات على كل مستويات المجتمع. مثلًا، وجدت إحدى الدراسات التي أجراها باحثون في جامعة صنعاء أن المياه كانت عاملًا حاسمًا في معظم النزاعات الريفية. إن تضرر السدود والخزانات وأنابيب المياه خلال القتال الجاري منذ عام 2015 أدى إلى تبادل اتهامات “تسليح المياه” من قِبل الأطراف المتحاربة.
هناك حاجة ملحة لجعل هذه القضايا أولوية في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي القادم (COP28) ولعرض قضية اليمن على المجتمع الدولي، وهناك حاجة لإشراك المانحين في مسألة تغير المناخ والوضع الهش في اليمن. يجب على الحكومة استثمار علاقاتها الوثيقة مع دولة الإمارات، مستضيف قمة المناخ المقبلة، لضمان استكمال المفاوضات حول صندوق الخسائر والأضرار ولإدراج أولويات اليمن في جدول الأعمال. يجب أن تكون الحكومة مستعدة للتعامل مع الاتهامات بسوء الإدارة في الماضي وعلى الأسئلة حول قدرتها على تنفيذ المبادرات البيئية في خضم الصراع، وسيكون التوصل إلى موقف مشترك مع سلطات الحوثيين أمرًا مثاليًا. إذا لزم الأمر، يجب على الحكومة أن تنبه إلى أنه من المرجح أن تمتد أزمات المناخ المستقبلية في اليمن خارج حدودها من خلال نزوح السكان، والأسوأ من ذلك أنها يمكن أن تؤدي إلى تفاقم أو إعادة إشعال العداوات والمنافسة التي تؤجج الصراع الحالي. إن مساعدة اليمن على التخفيف من تأثير التغيير المناخي لن يسهم فقط في السلام والاستقرار على المستوى الوطني، ولكن أيضًا في الأمن الإقليمي، وهي حقيقة يجدر بجيران اليمن والداعمين المحتملين أن يضعوها في الاعتبار.