توقف إنتاج النفط في مناطق سيطرة الحكومة بشكل شبه كامل أوائل الشهر في ظل استمرار هجمات الحوثيين بالطائرات المسيّرة في خنق الصادرات، وسيترتب على أي توقف طويل لإنتاج النفط وتصديره من اليمن آثار وخيمة على الوضع الاقتصادي كون عائدات النفط هي المصدر الأكبر لإيرادات الحكومة، وقد تصبح الحكومة عاجزة عن دفع رواتب القطاع العام، وتنخفض قيمة الريال اليمني في مناطق سيطرة الحكومة.
نجحت الحكومة في الحصول على المزيد من الدعم المالي الإقليمي والدولي، حيث وافق صندوق النقد الدولي على تقديم 300 مليون دولار أمريكي كاحتياطيات نقد أجنبي للبنك المركزي اليمني في عدن في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، وقدمت الولايات المتحدة الأمريكية المساعدة بتسهيل التحويلات عبر الاحتياطي الفيدرالي. وبعد طول انتظار تم الاتفاق على تلقي الدعم المالي الذي وعدت السعودية والإمارات بتقديمه في أبريل بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في 25 و27 نوفمبر/تشرين الثاني.
في ظل هذه التطورات، ظلت قيمة الريال اليمني في كلٍ من مناطق سيطرة الحكومة والحوثيين مستقرة نسبيًا، مع فقدان الريال في مناطق الحكومة بعض قيمته. أحد الاتجاهات الاقتصادية الملحوظة خلال الشهر هي انخفاض الإقبال والمشاركة في مزادات النقد الأجنبي الأسبوعية التي يعقدها البنك المركزي اليمني في عدن، ويرجع ذلك ظاهريًا إلى المخاوف من استمرار تعليق صادرات النفط وانتظار وديعة سعودية جديدة. فلم تصل نسبة الإقبال في المزاد الأول في شهر نوفمبر/تشرين الثاني إلا إلى 8 في المئة فقط بالمقارنة بنسبة 50 في المئة في الأسبوع السابق، لكن كان هناك نوع من التعافي في وقت لاحق من الشهر، حيث حقق مزاد 22 نوفمبر/تشرين الثاني نسبة 84 في المئة.
الدعم المالي الدولي ينعش الحكومة
بعد شهور من المفاوضات، وافقت الحكومة على شروط تلقي الدعم المالي الذي تحتاجه بشدة من صندوق النقد الدولي في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث أُفرج عن 300 مليون دولار أمريكي من حقوق السحب الخاصة والاحتفاظ بها في حساب البنك المركزي اليمني بعدن لدى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كجزء من الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي، ويجب أن يفيد البنك المركزي اليمني في عدن بأن أي بنك يشارك في مزادات العملات الأجنبية الأسبوعية يمتثل لقوانين مكافحة غسيل الأموال/مكافحة تمويل الإرهاب، الأمر الذي يتطلب أن تشارك البنوك بيانات عملياتها مع البنك المركزي اليمني. دعت الحكومة البنوك إلى التعاون والامتثال للتعليمات الصادرة عن قطاع الرقابة، الذراع المؤسسي للبنك المركزي اليمني المسؤول عن تنظيم عمل البنوك ومراقبة التزامها بالقوانين والأنظمة المعمول بها.
في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، شجب البنك المركزي اليمني في صنعاء الدعم المقدم من صندوق النقد الدولي متهمًا الصندوق بـ”تقديم أموال خارج نطاق القضاء لتمويل العمليات العسكرية والحرب على اليمن”، وصرح البنك المركزي الذي يسيطر عليه الحوثيون أنه تواصل مع صندوق النقد الدولي ثلاث مرات هذا العام للتعبير عن معارضته لتخصيص صندوق النقد الدولي لليمن لدعم للبنك المركزي اليمني في عدن، واقترح البنك المركزي اليمني في صنعاء ثلاثة مسارات عمل بديلة، الأول هو إدارة طرف ثالث لإدارة حقوق السحب الخاصة وتخصيصها لتمويل واردات السلع ودفع رواتب القطاع العام لستة أشهر، وهي إحدى النقاط الرئيسية الشائكة في مفاوضات الهدنة، والثاني هو استخدام الدعم المالي لسداد جزء من الدين العام المستحق للبنوك العاملة في اليمن، مما يسمح لها بدفع جزء من ودائع عملائها، مما سيساعد على معالجة أزمة السيولة السائدة وتخفيف الضغوط الهبوطية على العملة المحلية، والثالث هو تجميد حقوق السحب الخاصة حتى توحيد السياسة النقدية في اليمن. وقال البنك المركزي اليمني في صنعاء إنه يحتفظ بالحق في مقاضاة صندوق النقد الدولي قانونًا في حالة تجاهله لهذه المطالب وذلك بتهمة “استغلال وتدمير حقوق ومقدرات الشعب اليمني”.
في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، وقعت الحكومة وصندوق النقد العربي اتفاقية لتزويد الحكومة بالدعم المالي من نهاية هذا العام حتى عام 2025 بقيمة مليار دولار أمريكي تقدمها السعودية، ويمثل الاتفاق جزءًا من إجمالي الدعم الذي وعدت بتقديمه الرياض وأبو ظبي في أبريل من هذا العام والبالغ ملياري دولار أمريكي، ويُزعم أن تأجيل هذا الدعم كان نتيجة انتظار تنفيذ إصلاحات في الحكومة والمؤسسات. جاء هذا الاتفاق بعد يومين فقط من إعلان رئيس الوزراء معين عبدالملك تقديم الإمارات 1.1 مليار درهم إماراتي (حوالي 300 مليون دولار أمريكي) للبنك المركزي اليمني في عدن التابع للحكومة.
هذه المرة، كانت شروط وأحكام استخدام منحة صندوق النقد العربي الجديدة أكثر صرامة من شروط الدعم المقدم سابقًا، حيث تعرضت الحكومة والبنك المركزي اليمني في عدن لضغوط استمرت لأشهر من المانحين الأجانب والمؤسسات المالية الدولية لتبني إصلاحات مؤسسية وإدارية واسعة من شأنها زيادة الشفافية والرقابة كشرط للحصول على الدعم. خلال الفترة من بداية 2018 إلى 2020، قدمت السعودية وديعة بقيمة ملياري دولار أمريكي للبنك المركزي اليمني لتجديد احتياطياته من النقد الأجنبي، وساعد ذلك على استقرار سعر صرف الريال الجديد من خلال استخدام الوديعة لتمويل واردات خمس سلع غذائية أساسية (القمح والأرز والحليب وزيت الطهي والسكر)، لكن شروط هذه الوديعة المتساهلة نسبيًا خلقت بيئة مواتية للاختلاس وسوء الإدارة، خصوصًا الافتقار إلى الشفافية فيما يتعلق بكيفية تحديد البنك المركزي اليمني في عدن لسعر صرف تفضيلي للنقد الأجنبي الذي يبيعه البنك، على الرغم من أن الأمم المتحدة سحبت اتهاماتها للبنك المركزي اليمني في عدن والمستوردين اليمنيين في نهاية المطاف. تضمنت الإصلاحات التي أجراها البنك المركزي العام الماضي استخدام منصة Refinitiv التي تقدم آلية محددة مسبقًا وشفافة لتحديد سعر الصرف في مزادات العملة.
صرح وزير المالية السعودي محمد بن عبدالله الجدعان إن البرنامج الذي يقوده صندوق النقد العربي يهدف إلى دعم الميزانية الحكومية والقطاع المصرفي وتحفيز القطاع الخاص والتنمية الاقتصادية، وفي حين أن الدعم المالي يجب أن يساعد في تسهيل جهود الحكومة لتحقيق استقرار العملة وتمويل الميزانية، إلا أنه سيكون من الصعب للغاية تحقيق إصلاحات اقتصادية ومالية ونقدية شاملة في ظل تدهور البيئة الأمنية والسياسية في البلاد.
إنتاج النفط
تباطأ إنتاج النفط في اليمن حتى توقف بشكل شبه كامل أواخر أكتوبر/تشرين الأول وأوائل نوفمبر/تشرين الثاني نتيجة هجمات الحوثيين بطائرات مسيّرة على موانئ النفط الحكومية، ففي 31 أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت شركة كالفالي الكندية أنها ستعلق إنتاج النفط في الحقل 9 بمحافظة حضرموت لظروف قاهرة، وأعقب ذلك إعلان شركة بترومسيلة المملوكة للدولة أنها ستعلق عملياتها في ثلاثة حقول نفطية أخرى في 2 نوفمبر/تشرين الثاني. تشكل عائدات النفط أكبر مصدر لإيرادات الحكومة، وسيكون لأي توقف طويل لإنتاج النفط تداعيات وخيمة على الوضع المالي العام للحكومة. زار عضو مجلس القيادة الرئاسي فرج البحسني مقر بترومسيلة في 3 ديسمبر/كانون الأول في محاولة لاستعادة الإنتاج، وتعهد بأن يجد مجلس القيادة الرئاسي طرقًا لردع تلك الهجمات وتمكين الشركة من مواصلة الإنتاج، وناقش في اجتماعه هناك إمكانية التوسع في الاستثمارات النفطية في حقول المسيلة بما في ذلك إنشاء مصفاة نفطية.
معركة البنوك المركزية في اليمن للظفر بالإشراف على البيانات
نشرت مذكرة صادرة عن البنك المركزي اليمني في عدن بتأريخ 8 نوفمبر/تشرين الثاني قائمة بثمانية بنوك التزمت بمشاركة بياناتها مع البنك المركزي وتخضع الآن لإشرافه وهي: البنك الأهلي اليمني، وبنك التسليف التعاوني والزراعي (كاك بنك)، وبنك التضامن الإسلامي الدولي، وبنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي، والبنك العربي، وبنك سبأ الإسلامي، وبنك عدن للتمويل الأصغر، وبنك القطيبي الإسلامي للتمويل الأصغر. في حين صنف البنك المركزي في عدن 12 بنكًا يمنيًا آخر ما زالت تنفذ عملياتها من صنعاء إلى حد كبير على أنها بنوك غير ممتثلة بسبب رفضها مشاركة بيانات عملياتها وأنها يمكن أن تخضع لإجراءات عقابية وهي: بنك اليمن الدولي، والبنك الإسلامي اليمني للتمويل والاستثمار، وبنك قطر الوطني، ومصرف اليمن البحرين الشامل، والبنك اليمني للإنشاء والتعمير، ويونايتد بنك ليمتد، والبنك التجاري اليمني، وبنك اليمن والخليج، وبنك اليمن والكويت للتجارة والاستثمار، ومصرف الرافدين، وبنك الإسكان، وبنك الأمل للتمويل الأصغر.
في حين حذر البنك المركزي اليمني في صنعاء التابع للحوثيين البنوك مرارًا من مشاركة بياناتها مع البنك المركزي اليمني في عدن وهدد باتخاذ إجراءات انتقامية ضد من يقومون بذلك، وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني، أصدر المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي الذي يديره الحوثيون تعميمًا يأمر منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية ووكالات الإغاثة بقطع العلاقات المالية مع البنوك الثمانية التي تشارك بياناتها مع البنك المركزي اليمني في عدن إذا رغبت في الاستمرار في تنفيذ برامجها. صحيح أن هذه الإجراءات التصعيدية هي جزء من الحرب الاقتصادية الأوسع بين الطرفين، إلا أن القطاع المصرفي أصبح ميدانًا رئيسيًا للتنافس الاقتصادي والخلافات بين الطرفين، حيث كثف فرعا البنك المركزي اليمني معركتهما للحصول على اليد العليا في تنظيم المساعدات الأجنبية والعملة الصعبة الموجودة في البنوك اليمنية والرقابة عليها من جانب واحد.
يتولى بنك اليمن والكويت وبنك اليمن الدولي الواقعة مقراتهما في صنعاء بالجزء الأكبر من تمويل المساعدات، ويعد البنكين مقدمي الخدمات المالية الرئيسيين للجهات الإنسانية، ووفقًا لمسؤول مصرفي كبير، طلب البنك المركزي اليمني في عدن وصولًا غير محدود إلى جميع بيانات وسجلات البنكين، لكن كلاهما رفضا الامتثال لذلك حتى تأريخ كتابة هذا التقرير.
العملة
كانت قيمة الأوراق النقدية الجديدة للريال مستقرة عمومًا في مناطق سيطرة الحكومة طوال شهر نوفمبر/تشرين الثاني، على الرغم من انخفاض قيمتها بنسبة 9 في المئة من متوسط 1,156 ريالًا في وقت مبكر من الشهر إلى 1,176 ريالًا للدولار في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، في حين كانت قيمة الأوراق النقدية القديمة للريال في مناطق سيطرة الحوثيين مستقرة ضمن نطاق يتراوح بين 560 و565 ريالًا للدولار.
استمر البنك المركزي اليمني في عدن بدعم سعر الصرف من خلال المزادات الأسبوعية للعملة بقيمة 30 مليون دولار أمريكي، على الرغم من أن البنوك اليمنية خفضت بشكل كبير مشاركتها في المزادات خلال الأسابيع الثلاثة التي أعقبت 25 أكتوبر/تشرين الأول، حيث لم تشترِ البنوك سوى 8 بالمائة من العملات الأجنبية المتاحة، لكن الإقبال على العملة من قِبل البنوك تحسّن في وقت لاحق من الشهر حيث اشترت البنوك 84 في المئة من العملات المعروضة في مزاد 22 نوفمبر/تشرين الثاني.
يبدو أن البنوك تضع عين الاعتبار قوتين سوقيتين توازنان بعضهما عند اشتراكها في مزادات العملة، الأولى تتمثل في حالة استمرار هجمات الحوثيين بالطائرات المسيّرة بمنع مبيعات النفط الحكومية، مما يعني فقدان البنك المركزي في عدن قدرته على تمويل مزادات العملات الأجنبية، مما يقلل العرض النسبي للعملات الأجنبية في السوق ويشكل ضغطًا هبوطيًا كبيرًا على قيمة الريال الجديد. ومع ذلك، قد يعزز الدعم المالي الدولي الذي وصل مؤخرًا وأدى إلى استمرار الوصول المنتظم إلى العملات الأجنبية قيمة الريال اليمني الجديد مستقبلًا. بالنظر إلى خفض القطاع المصرفي مشترياته من العملات الأجنبية في الأسابيع الثلاثة الماضية، يرجح أن المصرفيين يعتبرون وصول الدعم المالي السعودي العامل المهيمن لقرارات شراء العملات، كما يحتفظون بقدر أكبر من الأوراق النقدية الجديدة للريال في توقع لزيادة قيمته قريبًا مما يمكنهم من شراء كميات أكبر من العملات الأجنبية.
الاتصالات
بعد توقف بعض تطبيقات التواصل عن العمل بمناطق سيطرة الحوثيين في أكتوبر/تشرين الأول، بدا أنها عادت للعمل كالمعتاد في نوفمبر/تشرين الثاني. من المحتمل أن حظر منصات الاجتماعات على الإنترنت مثل زوم وجوجل ميت كان محاولة فاشلة لاختراق تلك المنصات ومراقبتها باستخدام شبكة يمن نت التي تعمل تحت سيطرة سلطات الحوثيين بصنعاء. حيث تتسبب قدرة الناس على الاتصال عبر هذه التطبيقات بدلًا عن الهواتف المحمولة بفقدان مزود الخدمة الحكومي الإيرادات من إجراء مكالمات هاتفية دولية، كما أن هذه التطبيقات لا تخضع لمراقبة الدولة. منذ أوائل نوفمبر توقع انقطاع تلك البرامج تمامًا وأصبح من الممكن الدخول على تلك التطبيقات والمنصات وعقد الاجتماعات عبر الإنترنت دون الحاجة إلى استخدام برنامج VPN. عانى مستخدمو عدن نت من انقطاع مؤقت في الخدمة، وربما يكون الانقطاع نتيجة نزاع بين الشركة ومقدمي الخدمات الدوليين. لم يتأثر المستخدمون في محافظة المهرة بهذه الانقطاعات بسبب وجود تغطية من سلطنة عمان المجاورة.
في 10 نوفمبر/تشرين الثاني، أطلقت شركة واي للاتصالات في عدن نسخة تجريبية من خدمات الجيل الرابع، ومن المقرر أن تغطي في نهاية المطاف جميع المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة. حضر وزير الاتصالات وتقنية المعلومات نجيب العوج الافتتاح. تأسست شركة واي للاتصالات عام 2007 كرابع مشغل للهاتف المحمول في اليمن، ولكن الشركة أعلنت إفلاسها في مارس/آذار 2020 وبيعت أصولها للمؤسسة العامة القابضة للتطوير والاستثمار العقاري التي يسيطر عليها الحوثيون مقابل 35 مليون دولار أمريكي أي أقل بكثير من قيمتها السوقية. استأنفت الشركة بعد ذلك عملياتها في مناطق الحوثيين تحت اسم شركة الهدهد للاتصالات. قاد المستثمر السعودي سعود بن عبدالله البواردي مجموعة من المساهمين الآخرين لإعادة تأسيس شركة واي للاتصالات في مناطق سيطرة الحكومة أواخر 2020 واستأنفت الشركة عملياتها هناك أواخر 2021.