شجعّ الصراع، الذي اندلع بين إسرائيل وحماس في غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، قوات الحوثيين على استخدام موقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر لتهديد القوات الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة – أو على الأقل ترك انطباع لدى مناصريهم أن بإمكانهم فعل ذلك – وبلغ الأمر ذروته عندما ألقى المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، في 31 أكتوبر/ تشرين الأول، خطاباً متلفزاً زعم فيه إطلاق ثلاثة صواريخ وطائرات مسيرة في البحر الأحمر، مهدداً بمواصلة الهجمات ما لم تتوقف إسرائيل عن عملياتها العسكرية في قطاع غزة. وشهدت الأسابيع التي سبقت إطلاق الصواريخ تصعيداً متزايداً في النشاط العسكري للحوثيين، مما يُشير إلى أن قوات الحوثي قد قامت بعسكرة مساحات شاسعة من ساحل الحديدة وجزر البحر الأحمر، وهو ما منحها موقعاً استراتيجياً لا يمكنها فحسب من تهديد المدن الإسرائيلية، بل أيضاً تهديد السفن الأمريكية والنشاط التجاري الدولي في البحر الأحمر.
تركزت عمليات الحوثيين في البحر الأحمر مؤخراً حول القواعد التابعة للجماعة في جزيرتي كمران وطقفاش – وهما جزيرتان ضمن أكثر من 15 جزيرة تسيطر عليها الجماعة قبالة الساحل الغربي للحديدة. وتتسم المناطق الشرقية من جزيرة كمران بطابع استراتيجي خاص، حيث تتخللها غابات أشجار المنغروف التي توفر غطاءً مناسباً في ظل وجود العديد من المداخل والموانئ في المنطقة. كما تعدُّ جزيرة طقفاش– المعروفة محلياً باسم جزيرة أنتوفيش – ذات قيمة كبيرة من الناحية التكتيكية، كونها واحدة من الجزر الكبيرة في البحر الأحمر والأقرب إلى ممر الملاحة الدولي، ومن المحتمل اتخاذ الحوثيين هذه الجزيرة قاعدةً لهم منذ أغسطس/ آب. وشهد مطلع شهر سبتمبر/أيلول إطلاق عدد من الزوارق البحرية للحوثيين من هذه المناطق. وفي 11 سبتمبر/أيلول وطوال شهر أكتوبر/ تشرين الأول، تشير مصادر إلى تسيير دوريات بالقرب من جزر طقفاش وجبل الطير وأرخبيل الزبير الواقعة إلى الغرب من جزيرة كمران. وفي شهر أكتوبر/ تشرين الأول، أفاد سكان محليون عن وجود تدريبات للحوثيين منها تدريبات لفرق بحرية برمائية ووحدات كوماندوز بحرية، إلى جانب تنفيذ هجمات وهمية تدريبية بطائرات مسيرة على غابات المنغروف في جزيرة كمران.
زادت وتيرة هذه الأنشطة في مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول، عند إغلاق قوات الحوثيين للعديد من المناطق الساحلية في شمال وجنوب الحديدة خلال الفترة بين 4-8 أكتوبر/ تشرين الأول، بهدف السماح بتوريد شحنات الأسلحة والعتاد إلى المواقع العسكرية. وخلال هذه الفترة الزمنية، وصلت ثلاثة قوارب كبيرة إلى خور النخيلة – الواقع إلى الجنوب من مدينة الحديدة – فيما دخلت العديد من القوارب الكبيرة إلى ميناء جزيرة كمران وزارت الجزء الشمالي الشرقي من الجزيرة والمعروف باسم رأس دوغلاس. وبالتوازي، تم منع الصيادين من العمل في هذه المناطق.
شهد مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول، نشاطاً قبالة ساحل المتينة في مديرية التحيتا، الواقعة إلى الجنوب من مدينة الحديدة، حيث قامت قوات الحوثيين بدوريات في مياه اليمن الإقليمية. وفي 11 أكتوبر/ تشرين الأول، وقعت مناوشات بحرية قبالة ساحل الفازة، الواقع إلى الغرب من مديرية التحيتا، بعد تبادل إطلاق النار لفترة وجيزة بين مركب شراعي يرفع شعار الحوثيين – بحسب مصادر أنه كان يحمل شحنة أسلحة – وقارب نقل يرفع علم القوات المشتركة، ما تسبب في انسحاب المركب الشراعي للحوثيين.
في 18 أكتوبر/ تشرين الأول، أفاد سكان محليون في مديرية اللحية، الواقعة إلى الشمال الغربي لمدينة الحديدة، سماعهم إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، بالقرب من قرية جبل الملح وجبل قمة ومدينة الصليف ورأس عيسى. ويواصل الحوثيون أعمال البناء في العديد من هذه المناطق، التي تم تطويقها منذ 2020. في اليوم التالي – أي 19 أكتوبر/ تشرين الأول – أعلن البنتاغون قيام حاملة الطائرات “يو إس إس كارني” باعتراض أربعة صواريخ وطائرات مسيرة أطلقها الحوثيون في البحر الأحمر، واستناداً إلى مسارها، يُتوقع أنها كانت ستستهدف إسرائيل. وأعلن رئيس الوزراء في حكومة الحوثيين، عبدالعزيز بن حبتور، مسؤولية حكومته عن الحادث، وحذَّر من أن الهجمات ستتواصل.
تم إسقاط طائرتين مسيرتين فوق مدينتي طابا ونويبع الساحليتين المصريتين، في 27 أكتوبر/ تشرين الأول، وأفاد الجيش الإسرائيلي إن هاتين الطائرتين للحوثيين، مشيراً إلى أنه تم اعتراضهما قبل أن تتمكنا من الوصول إلى أهدافهما المفترضة، أي ميناء إيلات الإسرائيلي القريب الذي يقع في جنوبي إسرائيل. وفي 31 أكتوبر/ تشرين الأول، تم اعتراض مقذوف آخر خارج إيلات. وقد أكدت تلميحات القائد الحوثي، حزام الأسد، ضلوع الجماعة في هذين الهجومين. في 31 أكتوبر/ تشرين الأول ألقى المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، بياناً قال فيه إن قوات الحوثيين شنت ثلاث هجمات على إسرائيل. بعدها بيوم واحد –في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني – أعلن سريع عبر منصة أكس (توتير سابقاً) عن هجوم رابع، لم يتم تأكيده حتى كتابة هذا التقرير.
في حين أن قدرة الحوثيين على ضرب أهداف داخل إسرائيل لاتزال موضع شك، إلا أنها تترك العديد من التداعيات الرئيسية وتؤكد قدرة الجماعة على تهديد المصالح الاستراتيجية في المنطقة، مع إمكانية أن تركز قوات الحوثيين اهتمامها على أهداف في البحر الأحمر. وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني، أعلنت واشنطن عن وصول غواصة من طراز أوهايو إلى البحر الأحمر. ورداً على الهجمات الحوثية المعلنة على ما وصفته بـ “الأصول الصهيونية” في المنطقة، أعلن الجيش الإسرائيلي، في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني، أنه قام بنشر سفن حربية مزودة بصواريخ في البحر الأحمر. ومن الممكن أن تشمل الإجراءات الانتقامية ضد الحوثيين استخدام مزيج من تحركات القوة الناعمة والخشنة، بما في ذلك القيام بتنفيذ اغتيالات لمسؤولين حوثيين في الصفوف الأولى خلال الأشهر التالية، أو إعادة تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية، وهو ما يحرص صُناع السياسات في واشنطن على المضي قدماً فيه. وفي حين يحظى استمرار مشاركة الحوثيين في الأزمة الحالية لغزة بتأييد شعبي من قبل القاعدة المحلية للجماعة، ولا تزال كلفة هذه المشاركة مسألة يكتنفها الغموض.
احتفالات ذكرى ثورة سبتمبر تقود إلى إجراءات أمنية قمعية
أثارت احتفالات ذكرى سيطرة الحوثيين على صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول والذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962 ضد الإمامة الزيدية في شمال اليمن، موجة من الإجراءات القمعية الأمنية في محاولة من الحوثيين لقمع المعارضين لاحتفالاتهم وكذا منع الاحتفالات بذكرى ثورة الجمهورية التي أصبحت رمزاً للمقاومة ضد حكم الحوثيين.
وللاحتفال بمناسبة الذكرى التاسعة لسيطرة الحوثيين على صنعاء، أقام الحوثيين عرضًا عسكريًا كبيرًا شارك فيه آلاف الجنود وعرض مختلف أنواع الأسلحة الجديدة بعضها تشبه تماماً الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، إلى جانب تحليق طائرة مقاتلة من طراز F-5 في سماء صنعاء لأول مرة خلال الحرب.
وقبيل أيام قليلة من الاحتفالات بثورة 26 سبتمبر/أيلول، اعتقلت قوات الحوثيين ما يزيد عن ألف مواطن في صنعاء على خلفية خروجهم في جماعات وتجولهم في الشوارع حاملين لافتات وأعلام مؤيدة للجمهورية. وحاولت قوات الحوثيين وفي كل مناطق سيطرتها، تفريق التجمعات والاحتفالات، إما بالاعتداء على المشاركين بالضرب أو الإضرار بممتلكاتهم الخاصة. وفي اليوم التالي للإجازة الوطنية، واصلت السلطات الحوثية احتجاز مئات الأشخاص، وأجبرت بعضهم على التوقيع على تعهدات بعدم المشاركة في أي أعمال شغب لإقلاق السكينة العامة قبل أن يتم إطلاق سراحهم. وفي 30 سبتمبر/أيلول، احتج المئات من سكان مديرية قعطبة بالضالع على هذه الاعتقالات. وفي الحديدة، تمركز عشرات من الجنود الحوثيين المسلحين في جميع أنحاء مدينة الحديدة، مع قيام العربات المدرعة بإغلاق الطرق الرئيسية وتمركز القناصة على أسطح المنازل في جميع أنحاء بالمدينة.
وفي مناطق سيطرة الحكومة، استغل المسؤولون الحكوميون الإجازة الوطنية لتنظيم عروضهم العسكرية الخاصة، حيث أقامت قوات الجيش اليمني في مدينة مأرب عرضًا عسكريًا كبيرًا في 26 سبتمبر/أيلول، عرضت فيه مختلف أنواع الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ والطائرات المسيرة.
اشتباك الحوثيين مع قوات التحالف
خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، اندلعت اشتباكات استثنائية فريدة من نوعها بين الحوثيين وقوات التحالف الذي تقوده السعودية، وهي أول مواجهة يعترف بها الطرفان منذ إعلان الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة في أبريل/نيسان 2022. وفي 25 سبتمبر/أيلول، أعلنت البحرين عن مقتل جنديين بحرينيين وإصابة عدة جنود آخرين، في غارة بطائرة مسيرة زُعم أنها للحوثيين على الحدود السعودية اليمنية. وتوفي جندي بحريني ثالث متأثراً بجراحه بعد يومين، فيما تم الإعلان عن وفاة الجندي الرابع في 29 سبتمبر/أيلول، وتوفي الجندي الخامس بعد حوالي شهر من الحادثة.
قُتل أربعة جنود سعوديين على الأقل في اشتباكات على الحدود بين مديرية جازان السعودية ومحافظة حجة اليمنية، في 24 أكتوبر/تشرين الأول، بعد أن حاولت قوات الحوثيين تدمير كاميرات مراقبة تم تركيبها مؤخراً من قبل السعودية في المنطقة الحدودية بالقرب من جبل الدود، بحسب مصادر حكومية وحوثية وعسكرية سعودية. وسيطرت قوات الحوثيين على جبل الدود لعدة ساعات، مع بعض التقارير التي تشير إلى أنها ظلت هناك حتى صبيحة 1 نوفمبر/تشرين الثاني، من أجل تعطيل كاميرات المراقبة، لتقوم بالانسحاب في وقتٍ لاحق.
اندلاع المواجهات في محافظة الضالع
أسفرت الاشتباكات في محافظة الضالع عن وقوع خسائر بشرية فادحة لجميع الأطراف، فقد اشتبكت قوات الحوثيين بشكل متواصل مع القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي والقوات التابعة للحكومة في جميع الجبهات المشتعلة في المحافظة. فخلال الشهرين الماضيين، أصيب ما لا يقل عن 191 جنديًا حوثيًا وقتل 77 آخرون، كما تكبدت القوات المعادية للحوثيين خسائر كبيرة، حيث أصيب ما لا يقل عن 164 جنديا وقتل 79 آخرون في المعارك الدائرة. وعلى ما يبدو أن كفة المعارك كانت في صالح الحوثيين في النصف الأخير من الفترة المشمولة بالتقرير – فمن بين القوات المعادية للحوثيين، أصيب ما يزيد عن 100 شخص خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول وحده. وعلى الرغم من تكبد هذه الخسائر الكبيرة، لم يتمكن أي من الجانبين من إحراز أي تقدم كبير على الأرض.
كما شهد شهر أكتوبر/تشرين الأول، محاولات اغتيال العديد من القادة العسكريين للمجلس الانتقالي الجنوبي المقيمين في الضالع. ففي 1 أكتوبر/تشرين الأول، قتل مسلحون مجهولون قائدا لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي (عبده محمد صالح البكري) أمام منزله في قرية شعب قاصر بمنطقة بني سعيد وسط مديرية جحاف، بحسب مصادر قبلية، كما نجا قائد القطاع الرابع لقوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في الضالع، زغلول علي محمد، وقائد لقوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي (عبود الجريذي)، من محاولات اغتيال قام بها مسلحون مجهولون في 16 و18 أكتوبر/تشرين الأول على التوالي.
التطورات العسكرية الأخرى في سطور
7 سبتمبر/أيلول: اندلعت اشتباكات بين مجموعتين عرقيتين متنافستين من المهاجرين الإثيوبيين، في المنطقة الحدودية بين مديرية دار سعد في عدن ومنطقة توبان في لحج، بحسب ما أفاد ناشط محلي، مع تواصل المواجهات وعمليات النهب في مديرية الشيخ عثمان في اليوم التالي، قامت على إثرها قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي بتجميع مئات المهاجرين الإثيوبيين والصوماليين في 10 سبتمبر/أيلول، ونقلهم إلى منطقة البساتين بمديرية دار سعد.
13 سبتمبر / أيلول: طالبت عائلات وأفراد قبائل لعشرات الجنود من قوات حماية القصر الجمهوري التابعة لقوات النخبة الحضرمية، بإجراء تحقيق رسمي في المعاملة اللاإنسانية التي تلقاها الضباط داخل معسكر الربوة بالقرب من مدينة المكلا. ووفقاً لبيان مقدم إلى مكتب محافظ محافظة حضرموت مبخوت بن ماضي، تزعم هذه العائلات أن ضباط إماراتيين في المعسكر اعتدوا على أبنائها بالضرب بالعصي والهراوات وأعقاب البنادق قبل تركهم مقيدين لعدة ساعات، ثم قاموا بالقوة بحلق رؤوسهم وحواجبهم وشواربهم.
3 أكتوبر/تشرين الأول: أطلقت قوات الأمن في المكلا حملة أمنية أسمتها “ميزان العدل”، بدعم من قوات المنطقة العسكرية الثانية، بهدف ملاحقة الخارجين عن القانون والمطلوبين أمنياً. وقال محافظ محافظة حضرموت مبخوت بن ماضي إن الحملة قد حققت النجاح المطلوب، في حين شجبها صحفيون وناشطون محليون ووصفوها بأنها “انتهاك” ضد عشرات المواطنين الذين تمت مداهمة منازلهم دون مبرر.
4 أكتوبر / تشرين الأول: قتلت قنبلة مزروعة على جانب الطريق قائد قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي لقطاع شقرة، سالم علي سلعان، وأصابت خمسة جنود خلال دورية عسكرية في قرية عرمة بمديرية مودية شمال شرق أبين، حيث تخوض قوات مكافحة الإرهاب معارك شرسة مع مسلحي القاعدة منذ أكثر من عام، وفقاً لمصدر عسكري في الحزام الأمني.
14 أكتوبر / تشرين الأول: نظمت قوات الحوثيين عرضًا عسكريًا في مخيم السوادية في البيضاء، شهده رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط، ووزير الدفاع في سلطة الحوثيين، محمد ناصر العاطفي، والعديد من القادة العسكريين رفيعي المستوى. وفي اليوم الذي سبق موعد العرض خلال الأعمال التحضيرية، اندلعت مواجهات مسلحة بين رجال قبائل ريام وقوات الأمن الوقائي الحوثية. وقتل القائد المحلي لقوات الحوثيين، هادي غانم القسمة (أبو طارق)، في المواجهات التي أعقبت ذلك، إلى جانب أكثر من 15 مقاتلاً لقوا حتفهم من الجانبين، وفقاً لمصادر محلية.